رواية ارناط الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم حور طه

 

 

 

 رواية ارناط الفصل الخامس والثلاثون بقلم حور طه


علي سطح المركب، ما قبل الفجر…

تبدأ خيوط الشمس تشق عتمة الليل…
الجميع جالس في صمت ثقيل…
العيون تصـ ــرخ وإن صمتت الألسنة!

راهب يرمق ليلى بنظرات حب موجوعه…
لكنها تتجاهله وتتجنب عينيه!

رائد يراقب راهب بغضب
لكن الوقت ليس وقت حساب
عالية ويوسف يجلسان متفاهمين بصمت!

يوسف يكسـ ــر الصمت: 
ــ لازم نوصل للسفينة قبل ما تدخل المحيط الأطلسي!

عالية بتاكيد : 
ــ أول ما تدخل، هتبقى مشكلة
ماينفعش ندخله من غير أوراق رسمية

رائد: 
ــ هنزل للقبطان وأخليه يحاول يوصلهم قبل 
ما يدخلوا 

يقترب من ليلى، يمسح دمعتها بهدوء:
ــ ما تقلقيش... شادي هيرجع

ثم يحدق في راهب:
ــ وأي حد كان سبب في وجعك... هحاسبه!

راهب يتنهد، يحدق في البحر

بينما ليلى تهمس بألم:
ــ أنا دلوقتي كل همي ابني يرجع... الباقي ما يهمنيش

عالية تحتضنها:
ــ شادي هيرجع... لازم تكوني واثقه من ده!

رائد يتجه لغرفة القيادة

يوسف يقف بجانب راهب،بصوت خافت:
ــ لما نرجع، هتواجه مشكلة كبيرة... 
مش بس مع رائد، حتى ليلى...!

راهب كان ما زال ينظر لليلى بحزن:
ــ لو رجعنا بشادي، مستعد أواجه أي حاجة... 
أنا اللي ضيعتها وانا اللي لازم أرجعها...!

يوسف يربت على كتفه:
ــ انت قدها... وليلى تستاهل،تحــ ـارب عشانها...!

ليلى ما زالك تتجنب نظرات راهب...
تدير بوجهها كلما شعرت بعيونه تتسلل نحوها...
لكن في غفلة من الجميع، خضعت لرغبتها الدفينة...
 نظرت إليه بسرعة، كأنها تسرق لحظة...
لكن نظرتها ما عدتش على عالية مرور الكرام...!

عالية لاحقت اللحظة واقتربت منها
لمست شعرها برفق، وقالت بنبرة دافئة:
ــ ادي له فرصة تانية...!

ليلى بدهشة ممزوجة بمرارة:
ــ انتي اللي بتقوليلي كده؟
انتي أكتر حد شاف الوجع اللي عشته بسببه...
كنت بالنسباله تجربة... محطة يعدي منها وبس...!

عالية بهدوء وتفهم:
ــ عارفة وجعك، وحاسة بيه...
بس شفت في عينيه خوف وحب حقيقي...
كان عارف أنه رايح للمــــ ــوت...
وما ترددش لحظة ينقذك...!

ليلى بصوت مخنوق:
ــ بس ما قدرش ينقذ ابني...

عالية ضمت إيديها بإحكام وقالت:
ــ الإنسان أوقات ما بيلحقش كل حاجة...
بس احنا مش راجعين غير وشادي معانا...
اللي نقدر نعمله دلوقتي...
نفتح لقلوبنا باب، حتى لو كان صغير!

ليلى بصوت واطي:
ــ أنا... مش قادرة أسامحه...!

عالية بهدوء:
ــ المسامحة مش بتيجي في يوم وليلة...
بس قلبك محتاج المساحة دي... 
علشان يقدر يعيش...فهماني يا ليلى!

ليلى سكتت، وبصت بعيد على راهب 
اللي كان واقف عينه فيها رجاء وتوتر

غيرت الموضوع فجأة وقالت:
ــ إنتو عرفتوا مكاننا إزاي؟

يوسف وهو بيقرب منهم بابتسامة مرحة:
ــ والله دي كانت المعجزة الكبرى!

راهب باستغراب:
ــ إزاي يعني؟

يوسف مد إيده في جيب بنطلون
راهب وطلع جهاز صغير.

راهب بدهشة:
ــ إيه ده؟!

ليلى أول ما شافته:
ــ ده جهاز التتبع بتاع شادي!

عالية بابتسامة هادئة:
ــ صح...لما أخدتي شادي ونزلتي...
كنتي مغيرة هدومه...
ونسيت أحط الجهاز تاني في ملابسه...
ولما سمعت كلام أرناط ويوسف وعرفت الحقيقة...
وأرناط أصر يروح لسحر لوحده...
علشان ما يعرضناش للخطـــ ــر...
أنا حطيت الجهاز في جيب ارنـاط...!

راهب بتذكر وابتسامة مدهوشة:
ــ حطيتيه لما حضنتيني، صح؟
استغربت وقتها... 
كنت فاكر إنك هتزعلي أو تتخانقي معايا...!

يوسف وهو بيهزر:
ــ الحمد لله إنها استخدمت عقلها.
لو ما كانتش عملت كده، ما كناش هنوصلكم أبدا!

رن تليفون يوسف، بص على الشاشة وقال:
ــ ده جدو أكمل... هطمنه عليكم.

رد بسرعة:
ــ أيوه يا جدو، إحنا كويسين...
وليلى وراهب معانا وبخير...!

أكمل بصوت متأثر:
ــ وشادي؟ بخير؟

يوسف بحزن:
ــ لسه مع ألبير ورجالته، وإحنا وراهم...
مش راجعين غير بيه إن شاء الله...

أكمل، صوته بقى أهدى لكنه مشحون:
ــ يوسف... اسمعني كويس
وبلاش تقول لحد دلوقتي اللي هقوله...
لحد ما ترجعوا شادي.

يوسف توتر، وابتعد عن الباقيين وهو بيهمس:
ــ خير يا جدو؟ قلقتني...

أكمل بصوت مكســ ـور:
ــ عالية كان عندها حق... 
أرمان طلع متعاون مع سحر.
شهد سمعته وهو بيكلمها.
كانوا ناويين يخطفوا راكان، ولما شهد عرفت...
زقها من فوق السلم علشان تسكت.

يوسف وقف، عينيه اتسعت:
ــ إنت بتقول إيه يا جدو؟!
شهد كويسة؟!

أكمل بصوت مبحوح:
ــ دخلت في غيبوبة... 
الخبطة على راسها كانت قوية جدا...
الدكتور قال إنها مصابة بارتجاج حاد في المخ...
وفي نــ ـزيف بسيط تحت الجمجمة...
إحنا في المستشفى، حالتها مستقرة بالأجهزة... 
بس لسه مش قادرين نحدد إمتى أو حتى إذا كانت هتفوق...!

يوسف حس ببركان جواه... كتمه!
وبص لراهب اللي شايل هم تاني فوق كتافه...

أكمل:
ــ بلاش حد يعرف دلوقتي... ركزوا على شادي.
إحنا مع شهد، ومش هنسيبها!

يوسف قفل التليفون، وبلع توتره
ورجع لهم وهو لابس ابتسامة مصطنعة...!

راهب بقلق:
ــ أمي وشهد كويسين؟

يوسف بهدوء مدروس:
ــ آه... بخير.

ثم يلتفت لعالية بنظرة مليانة تقدير:
ــ كان عندك حق يا عالية... 
أرمان طلع فعلا متفق مع سحر.

راهب بانفعال، كأن قلبه بيغلي:
ــ كنت عارف إنه مش نضيف...

يبص لليلى بعينين مشحونة بالوجع والعتاب:
ــ بس اللي مش فاهمه...
إزاي وثقتي فيه بعد كل اللي عمله؟!

ليلى تنظر له نظرة طويلة، فيها كسـ ــره
وكأن كلامها سهم موجه لقلبه هو:
ــ أرمان مش أول حد أثق فيه ويخوني...
قلبي اتعود يتكســ ـر من ناس حبيتهم... وصدقتهم.

راهب، صوته يتهز وفيه ندم دفين:
ــ وأنا منهم... صح؟
أنا كنت أول حد كســ ــرك يا ليلى...

يصمت ثم يقول بصوت مخنوق:
ــ لما وجعتك وجعت نفسي معاكي
أنا ضيعتك بايديا... وبدفع التمن كل يوم.

يوسف، يحاول يخفف التوتر لكن نبرته فيها وجع:
ــ كلنا خسرنا حاجات بسبب اللي حصل...
بس لو فضلنا نجرح في بعض، مش هنعرف نكمل.
إحنا لازم نرجع شادي... ده الأهم دلوقتي.

عالية، بصوتها الدافي الحاسم، تبص لليلى وراهب:
ــ الحب الحقيقي ما بينتهيش...
بس بيحتاج شجاعة عشان نقف تاني على رجلينا.
اللي حصل حصل، بس اللي جاي في إيدينا نصلحه.
راهب... ليلى تستاهل حد يقــ ـاتل علشانها.
وانتي يا ليلى... قلبك لسه بيحب، حتى لو بتخبي.

راهب، بصوته الهادي ونظرة مكسورة بتخبي وجع وندم:
ــ يمكن الوجع يكون هو الباب الوحيد للشفا
وكل اللي علينا نمد إيدنا ونفتحه...
يمكن تدخل نسمة أمان تبني من تاني البيت اللي اتهدم جوانا.

ليلي بصوت واطي، لكنه مشحون بالوجع:
ــ أنا لما فتحت الباب قبل كده...
وكل مرة كنت بصدق إن النسمة جاية...
كانت بتيجي تكســ ـرني معاها، مش تبنيني.
اللي بيتكســ ـر كتير... ما بيبقاش بيت...
بيبقى أنقاض.
وأنا... تعبت أعيش وسط الركام!

ليلي قالت كلماتها، وفضلت واقفة لحظة
كأنها بتراجع كل حاجة جواها…
بعدين خدت نفس عميق…
وحركت خطوتها بعيد عنهم...
مش هروب، بس محاولة تتنفس بعيد عن الوجع.
عن العيون اللي شايفاها، والذكريات اللي بتحاصرها.

مشت بخطى بطيئة...
وكل خطوة كانت كأنها بتبعد عن ركام سنين
وتدور على ركن هادي
يمكن تلقى فيه نفسها من تاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد ساعة|

السماء ملبدة، والهواء مشحون بالصمت.
راهب واقف على حافة المركب
 بيرصد السفينة المعادية في الأفق بعين صقر.
الكل يتجمع حوالين الخريطة وآخر التعليمات.

راهب بتركيز وحزم:
ــ يوسف، هننزل نغطس لحد السفينة، ما ينفعش نقرب أكتر من كده... لازم نتحرك بصمت، وإلا هيقلبوا الدنيا علينا...!

ينظر إلى رائد:
ــ رائد، خليك هنا مع القبطان. ما تتحركوش غير لما تشوفوا الإشارة. واضحة؟

ليلى تنهض فجأة، صوتها مهزوز لكنه حاد:
ــ أنا جاية معاكم... مش هسيب ابني!

راهب بنبرة خافتة لكن قاطعة:
ــ وجودك هناك خطـ ـــر عليكي... وعلى العملية كلها...!

يوسف نظرة مختلطة بين القسوة والشفقة:
ــ ليلى، إحنا محتاجين نتحرك بسرعة... 
وجودك هيبطأنا.

عالية تقترب منها، تضع يدها على كتفها بلطف:
ــ معاهم حق يا ليلى... خليكي واثقة فيهم، دي معركتهم الأخيرة، وشادي هيكون معاكي قريب

يوسف وراهب يلبسا ملابس الغطس
يحملان أسلحــ ــتهما بصمت...
نظرات قصيرة، اتفاق غير منطوق،ويقفزا في الماء.

حركتهم تحت الماء...
ظلالهم تنساب كأشباح البحر
حتى يصلوا إلى السفينة.
يتسلقان الجوانب في هدوء قـــ ـاتل.

في الداخل|

الحراس يتجولون بملل.
راهب يلمح الأول... حركة سريعة، صوت خافت والســ ــلاح الكاتم يطلق رصـ ــاصة تنهي كل شيء.
يوسف يغطيه من الخلف، يقضون على الحراسة واحدا تلو الآخر، حتى يصلوا للغرفة

داخلها... شادي جالس مرعوب، عيونه مليانة خوف
 وكانه يدرك كل ما يدور حوله

راهب يقتــ ـل الحارس، ينزل على ركبته ويمد ذراعه:
 ــ تعال،يا بابا هنا... مش هسيبك تاني.

شادي يحضنه، وراهب يشيله بحنية

يوسف بتوتر وهو يراقب المكان:
ــ راهب، لازم نتحرك قبل ما يحسوا بينا...!

يوسف يعطي الإشارة...
المركب تبدأ تقترب، بقيادة رائد، وعلى متنها ليلى وعالية يرقبون الموقف بقلق ولهفة.

يوسف يخرج أولا، يسحب شادي... يسلمه لراهب.
ليلى تركض، تحتضن ابنها وهي تبكي بصـ ــرخات مكتومة كأن الحياة رجعت لجسمها...!

لكن اللحظة بتنكســ ــر...

البير يصــ ـرخ من على ظهر السفينة
يصوب ســ ــلاحه نحو شادي:
ــ لو ما خدتوش، مش هسيبه لكم!

راهب بغريزة الأب...يمسك ليلى وشادي 
يدير ظهره...طلــ ـقة تخترق ظهره وتسكن فيه.

يوسف يطلق النار فورا، يرد بقوة، البير يسقط مصابا…!

يوسف بصوت عالي يائس:
ــ رائد! اتحرك فورا!

راهب يسقط على أرضية المركب الخشبية
الرصــ ــاصة اخترقت جنبه، الــ ـدم بيغرق ملابسه
نفسه متقطع، عينه مش ثابتة، بس لسه مفتوحة.
ليلى بتصــ ـرخ، بترتمي جنبه، إيديها على الجرح بتضغط،عنيها مش قادرة تشوف غيره

ليلى بصوت متكســ ــر:
ــ ليه عملت كده؟!
كان ممكن تعيش...
ليه دايما بتختار توجعني؟!

راهب بيكح، نقطة دم تنزل من فمه
يحاول يتكلم، صوته ضعيف لكنه ثابت:
ــ زمان... خدت رصـ ــاصة عشان أدخل المنظمة...
 وأحقق حلمي
والنهارده... خدتها عشان ابني يخرج منها... 
ويحقق حلمه هو!

عالية تسحب شادي برفق، حضنته وكأنها بتحميه من الحقيقة اللي قدامه، دمعة تنزل على خدها بصمت.

راهب يبتسم بألم، بيحاول يمد إيده المرتعشة:
ــ وعدتك أرجعلك شادي... ووفيت.
ما بطلبش تسامحيني... بس... ما تكرهينيش.

ينظر في عيونها:
ــ أنا بحبك يا ليلى...
حتى لو الجواز كان مزيف
كنتي مراتي قدام ربنا

ليلى بانهيار، صوتها مبحوح 
وهي بتحاول تضغط على الجرح:
ــ متتكلمش... اسكت بس... هننقذك...
هتعيشلي... سامعني؟!
أنا استحملت فراقك مرة...
بس مش هتحمله تاني... مش بعد ما رجعتلي... مش بعد ما حسيت إنك لسه بتحبني!

عالية بتقرب، وشادي في حضنها... 
الطفل بيبص ناحية راهب كأنه حاسس بحاجة مش مفهومة
يمد إيده الصغيرة في اتجاهه، يصدر صوت بكاء خافت وهو بيحاول يروح له

عالية بصوت مكسور، وهي بتحاول تمنع دموعها:
ــ خلاص يا حبيبي... اهدي!

راهب بيرمش بصعوبة
بيحاول يرفع إيده المرتجفة يلمس خدها
لكنها تمسكها وتحطها على قلبها
دموعها تنزل على وشه.بهمس مهزوم:
ــ لو بتسمعني... خليك معايا...
ما تسبنيش تاني...
مش هعرف أكمل لو مشيت!

راهب يزفر آخر شهقة وعي...جفنه يتقل
وعينه تقفل كأنها بترفض تشوف الوجع أكتر
وغـــاب؟!

النهار بيزحف على السماء
يلون الميه بلون دافي
مش لايق على برد اللحظة.
دم راهب لسه بيغرق هدومه...
وشهيق ليلى مكتوم
بين إيديها الراجل اللي كســ ــرها...
ورجع يرممها... بجسده اللي بينــ ــزف!


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1