رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل الثالث بقلم بتول عبدالرحمن
وقفت فريدة شايلة الورقة في إيدها، وعينيها بتتحرك على السطور الباردة اللي مكتوبة بخط حاد وواضح
"تهديد؟... أنا لسه داخلة البيت من كام ساعة!"
لفت الورقة بين إيديها بتوتر، مش عارفة تتجاهل ولا تواجه، تمشي؟ ولا تكمل
قطعت الورقه ورمتها في باسكت الزباله، ده شغلها ومش تهديد زي ده يخليها تفكر اصلا، بس فجأه الباب خبط تاني.
وقف قلبها للحظة، قربت من الباب ببطء،
فتحت…
بس مفيش حد.
ولا صوت.
ولا حتى خيال بعيد.
بصّت يمين وشمال، الرواق فاضي، والإضاءة خافتة وعاملة ضل غريب على الحيطان،
رجعت تقفل الباب… بس لفت نظرها حاجة على الأرض.
نفس الورقة اللي لسه رامياها، متنية ومرمية قدام الباب.
ركعت بسرعة تشوف الورقة… نفس الخط، نفس الكلمات.
دخلت الاوضه وقفلت الباب بسرعة، فضلت ماسكة الورقة في إيدها، عنيها ثابتة عليها، بس فجأة، أخدت نفس عميق، وقامت بسرعة.
ما ينفعش تفضل خايفة. لازم تلاقي سالي وتعرفها.
فتحت الباب بحذر، خرجت، والبيت ساكت بطريقة غريبة، كأن حتى الأنفاس اتمنعت.
نزلت السلم بخطوات سريعة، بس رجليها كانت بتتهز من التوتر.
كل خطوة بتاخدها بتحس إنها أقرب لحاجة مش مفهومة.
الأنوار خافتة أكتر من العادي…
صوت خفيف جه من وراها، كأن في همسة، بصّت بسرعة وراها…
مفيش حاجة.
سرّعت خطواتها أكتر، قلبها بيدق في ودانها.
وصلت للريسبشن… فاضي.
"سالي؟!"
نادت بصوت مهزوز، حاولت ترفعه شوية.
"سالي، أنتي هنا؟!"
الصمت كان هو الرد الوحيد.
لكن بعد لحظة… سمعت صوت باب بيترزع من بعيد، جاي من المطبخ،
لفت، وبلعت ريقها، مش قادرة تقرر تروح ناحية الصوت… ولا ترجع الاوضه وتقفل الباب
لفت بسرعة لما حست بإيد بتتحط على كتفها، شهقت بقوة، والرعب مسيطر عليها، بس صوت سالي جه يطمنها
"في إيه؟ اهدي، مالك؟"
فريدة قالت وهي بتحاول تلم نفسها
"كنت… كنت بدوّر عليكي."
سالي بصّت لها باستغراب
"ومتوترة ليه كده؟!"
فريدة ردّت بسرعة، وهي لسه قلبها بيدق بعنف
"في حاجة مش طبيعية هنا… في حاجة غريبة بتحصل."
سالي سألت بهدوء
"حاجة زي إيه؟"
فريدة مدت إيدها وادتها الورقة
"بصي الورقة دي… حد خبط فوق، ولما فتحت لقيت دي قدام الباب!"
سالي خدت الورقة منها، فتحتها وبصّت فيها شوية، وبعدين رفعت عينيها لفريدة وقالت باستغراب
"دي ورقة فاضية يا فريدة."
فريدة خدت الورقة بسرعة، وبصّت فيها، صوتها اتقطع من الصدمة
"والله… والله كان مكتوب فيها! كان فيها كلام… وتهديد كمان!"
سالي قالت بهدوء
"وفين الكلام ده دلوقتي؟"
فريدة بصّت للورقة بحيرة، وقالت بصوت خافت
"معرفش…"
سالي قربت منها وقالت بنبرة فيها حنية
"شكلك تعبانة شوية يا فريدة، اغسلي وشك واهدي، يمكن بس متوترة شوية."
فريدة هزت راسها
"بس أنا كويسة… مش عارفة إيه اللي حصل، وكمان، كان في واحدة هنا، شغالة… وهي اللي ودتني أوضة يونس، مع إنك قلتي إنكوا مش بتشغلوا غير رجالة بس!"
سالي عقدت حواجبها وقالت
"شغالة إيه يا فريدة؟ مفيش أي شغالات ستات هنا، إحنا عندنا ٣ شغالين وكلهم رجالة."
فريدة قالت بحدة ممزوجة بالذعر
"لأ! أنا شفتها بعيني! واحدة ست، وهي اللي خدتني لاوضة يونس "
سالي حطت إيدها على كتفها وقالت بهدوء أكتر
"فريدة، شكلك تعبانة فعلاً… إيه رأيك تغسلي وشك؟ ولو حابة تمشي النهاردة روحي."
فريدة سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت أهدى لكنه مليان شك
"بس أنا بجد بقولك اللي شوفته… ممكن يكون أخوكي اللي بيعمل كده؟ عشان يمشيني من هنا؟"
سالي هزت راسها بالنفي وقالت
"تيم أصلاً مش في البيت، ومش هييجي لحد آخر الأسبوع، يمكن فعلًا تكوني متوترة أو مجهدة."
فريدة اتنهدت وقالت بصوت واطي
"يمكن… عن إذنك."
دخلت فريدة الحمام، والماية الباردة نزلت على وشها تحاول تصحيها من دوامة الرعب اللي حساها، لكن الإحساس بالخطر مبيختفيش…
كل حركة، كل نفس… كأن في عينين بتراقبها.
رفعت راسها وبصّت في المراية، تحاول تشوف ملامحها وتطمن نفسها…
بس فجأة، لمحت انعكاس حد واقف وراها.
حد طويل… واقف ثابت… ساكت.
شهقت، ولفت بسرعة، قلبها بيخبط في صدرها بعنف…
لكن مفيش حد.
الحمام فاضي…
الهدوء مرعب أكتر من الصوت.
بصّت وراها تاني، وبعدين رجعت تبص في المراية…
مافيش أثر لأي حد، كأن اللحظة دي محصلتش.
اتنهدت بعصبية، وتمتمت لنفسها
"أنا لازم أهدى… يمكن فعلاً متوترة…"
خرجت من الحمام بهدوء، عينها بتتحرك في كل زاوية وهي بتدور على أي علامة… أي تفسير، قعدت على الكنبة وهي ضامة نفسها، عينيها بتجري في المكان،
بس عقلها بيجري أسرع، بيراجع كل حاجه
"الورقة، الست اللي شافتها، المراية..."
رفعت عنيها وبصت حوالين الأوضة،
كل حاجة هادية، هادية زيادة عن اللزوم…
لكن الهوا في الأوضة تقيل، حضنت نفسها أكتر، وسندت راسها، لازم تفهم اللي حصل ده"
اليوم عدى بالعافية عليها،كل لحظة عدت كانت كأنها بتسحب من روحها، أخيرًا وصلت بيتها، طلعت أوضتها بخطوات تقيلة.
البيت كان هادي جدًا، هدوء مريب، بس مختلف عن بيت سالي… هدوء أليف، رغم إن عقلها مش سايبها ترتاح.
قعدت على سريرها، سندت ضهرها، وعينيها سرحانة في السقف "هو أنا اتجننت؟ ولا اللي حصل ده كان حقيقي؟"
قطع أفكارها صوت رنة موبايلها.
بصّت على الشاشة… إسلام بيتصل
فريدة ردت بصوت هادي
"ألو؟"
إسلام قال بلهجة فيها اهتمام واضح "رجعتي البيت؟"
اتنهدت
" أيوه، وصلت من شوية… أخيرًا."
قال بابتسامة خفيفة باينة في صوته "حسيت إنك مرهقة، كله تمام؟"
قالت وهيا بتتاوب
"آه الحمد لله… اليوم كان طويل شوية بس عدى."
غيرت الموضوع وقالت" هيا ماما فين، دورت عليها، مش لاقياها."
إسلام رد باهتمام
" راحت النادي… كانت بتقول هتقابل أصحابها"
ردت بهدوء"تمام…"
سألها بنبرة فضول واهتمام أخوي
"طيب قوليلي، الشغل ماشي إزاي؟ مرتاحه؟!"
كان نفسها تحكيله كل حاجة، تقوله على الورقة، والباب اللي خبط، والشغالة الغريبة، بس هيا مش عايزة تسمع جملة "يمكن تكوني متوترة".
هي مش متوترة… هي شافت اللي شافته.
قالت بإيجاز" كويس "
قالها بابتسامه "طيب لو احتجتي حاجة كلميني، خدي بالك من نفسك."
قفلت معاه، وسكتت للحظة، صوت نفسها بس هو اللي مالي الأوضة.
قامت، غيرت هدومها، ووقفت قدام المراية… عمرها ما اتهيألها اي حاجه، اشمعنا امبارح
قعدت تكتب شوية ملاحظات في النوت عندها… تفاصيل الشغالة، شكل الورقة، كلام سالي، توقيت الأصوات.
كل حاجة.
حاولت تنام بعد وقت طويل من التفكير، وأخيرًا غلبها النوم، فاقت على صوت المنبه، فتحت عينيها ببطء وهي حاسة إنها لسه مرهقة، بس قامت بسرعة تجهز نفسها للشغل، خرجت من أوضتها وندهت على مامتها
"ماما؟!"
لكن محدش رد.
خرجت واحدة من المطبخ، كانت لابسة لبس شغالة وقالت بهدوء
"مفيش حد في البيت."
فريدة هزت راسها بتفهم وسكتت، خدت شنطتها وخرجت، لقت السواق مستنيها قدام الباب، ركبِت العربية، بعد شويه وفونها رن…
كانت صاحبتها
"إيه يا يسر؟" قالتها فريدة وهي بتحاول تفوق.
يسر قالت بانفعال
"برن عليكي مش بتردي ليه؟!"
ردت فريدة
"كنت نايمة، في حاجة مهمة؟!"
يسر سألتها
"مش هتيجي معايا؟ هنزل أشوف دريس النهارده."
فريدة اعتذرت
"طب خليها بكرة الساعة ٤ مثلًا، إنتي عارفة شغلي الجديد."
يسر قالت بنبرة فيها عتاب بسيط
"عارفة، وعشان كده كنت برن بدري شوية، أنتي عارفة كتب الكتاب يوم الخميس."
فريدة قالت
"عارفة، بس لسه في وقت، بصي، سلام دلوقتي، هكلمك بالليل لما أكون فاضية."
قفلت معاها، والعربية وقفت قدام الفيلا، نزلت فريدة وسلّمت على سالي وبعدها وطلعت على أوضة يونس.
دخلت وهي بتقول بابتسامة
"مساء الخير."
يونس رد بنفس الحماس
"مساء الفل، مش مصدق إني شوفتك تاني."
ضحكت وسألته
"ليه يعني؟!"
قال
"بصراحة… مفيش واحدة جت هنا يوم ورجعت تاني، فمستغرب شوية، خصوصًا إنك امبارح كنتي متوترة وسرحانة، لما صحيت بالليل شوفتك قاعدة سرحانة على الآخر… حب جديد ده ولا إيه؟"
فريدة ضحكت وقالت
"حب إيه بس، أنا بس كنت زهقانة."
رد وقال
"بصراحة لما لقيتك كده، كملت نوم وقلت بلاش أتطفل… أسيبك براحتك أحسن."
ابتسمت وسابته، دخلت تغير هدومها في الحمام، وهي بتبص حواليها، كل حاجة شكلها طبيعي، مفيش أي حاجة غريبة… الجو هادي، مريح… بس جواها، كانت لسه مش مرتاحة.
خرجت فريدة من الحمام، لقت يونس قاعد في الأوضة قدام التلفزيون، ماسك دراع البلاي ستيشن ومركز جدًا في اللعبة.
قربت منه وسألته بنبرة فيها فضول
"إيه سبب اللي إنت فيه ده؟!"
بصلها يونس بسرعة وقال
"حادثة."
فريدة قربت أكتر، وقالت باستغراب
"حادثة؟! إزاي يعني؟ حصل إيه؟"
يونس سكت لحظة، عيونه كانت على الشاشة وقال
" حادثه عاديه، كنت راجع البيت بالليل بالموتوسيكل وهوب فوقت لقيت نفسي زي ما انتي شايفه كده"
فريدة قعدت جنبه وسألته باهتمام
"يعني كنت راكب موتوسيكل وقت الحادثة؟"
ابتسم يونس وقال بنبرة فيها تهكم على نفسه
"طبعًا، هو أنا بعرف أمشي من غيره؟!"
فريدة قالت
"بس انت شكلك متهور جدًا… سمعت إنك بتحب الموتسيكلات وعندك كتير."
رد وهو بيرفع حاجبه
"أيوه… دي أكتر حاجة بحبها في الدنيا، بس المرة دي كنت ماشي بالعقل، والله… بس القدر بيلعب لعبته."
فريدة بصت له وقالت بنبرة فيها مزيج من قلق واهتمام
"بس اللي حصل كان ممكن ينتهي بأسوأ من كده… ليه بتجازف بروحك؟"
قال بهدوء
"السرعة بالنسبالي حرية… بس الظاهر إن الحرية ساعات بتدفع تمنها غالي."
الباب خبط ودخلت سالي سألت باهتمام " ايه الاخبار؟!"
يونس قالها بملل " أبو ام ده سؤال...."
سالي ضحكت وقالت
" طب يا عم مساء الفل كده كويس؟!"
يونس رد وهو بيكمل اللعب
"لا يا شيخة، قوليلي مساء الحوادث والجبس والهموم."
فريدة ضحكت وقالت
"واضح إنك بتستمتع بالتنكيد يا يونس."
سالي قربت منهم وقالت
"هو كده من يومه، بس معلش، هتخف وترجع تجري على الموتسيكلات تاني، وتعمل حوادث تاني"
يونس قال وهو بيغمز
"أهو ده الأمل اللي عايش عشانه."
فريده قالت بزهول " حوادث؟!"
سالي وضحت " البيه كل شويه ييجي متدغدغ، انبهه يبني ارحم نفسك بس لا حياة لمن تنادي "
فريده قالت بسخريه " لاء شاطر"
سالي بصّت لفريدة وقالت بنبرة هادية
"لما تدي يونس المسكن، ابقي انزلي اتكلم معاكي شوية."
يونس اتنهد وهو بيعدل وضعه على السرير وقال بنبرة متضرره
"أهو كل يوم المسكن ده… بمجرد ما بتحطّي الحقنة في الكانولا، بحس إن روحي بتطلع!"
فريدة ابتسمت له وقالت
"علشان هو مسكن قوي، ومينفعش يتاخد مع بنج، لأنه هيبطل مفعوله، معلش، كلها كام يوم وتكون أحسن."
سالي ابتسمت ليهم بلطف وخرجت من الأوضة
يونس بص لفريدة بنظرة طفولية وقال بنبرة شبه متوسلة
"تلاعبيني؟!"
فريدة ضحكت وقالت وهي بترفع حاجبها
"بلاش هغلبك."
قال بثقه
"عيب عليكي، تعالي لاعبيني بدل ما أنا حاسس إني هنفجر من الملل."
فريدة ضحكت وقالت وهي بتقرب منه
"طب ماشي، بس لو غلبتك متزعلش."
يونس ابتسم وقال
"ده لو عرفتي تغلبيني أصلاً!"
قعدت جنبه، خدت الكنترولر وبدأت اللعبة، في الأول كانت بتحاول تركز، بس واضح إنها مبتدئه، فكان يونس كل شوية يضحك وهو بيقول
"ده إنتي محتاجالك كورس تدريب قبل ما تلعبي معايا."
فريدة قالت بإصرار
"استنى بس، أنا لسه بسخن."
الجو مرح، فضلت تلعب معاه لحد ما جه وقت المسكن
يونس أخد المسكن وسند راسه على المخدة وهو بيقول بنبرة نعسانه
"مش قادر أقاوم الحقنة دي... خمس دقايق وهكون نايم في سابع نومة."
فريدة ابتسمت وقالت بهدوء
"نام وارتاح... أنا هفضل هنا شوية."
سكتت الدنيا، والهدوء بقى تقيل في الاوضة. يونس نام فعلا، وفريدة قعدت على الكرسي، بتحاول تهدى، لكن عقلها مش ساكت.
فجأة، وهي قاعدة، لمحت في المراية الصغيرة اللي على التسريحة…
فيه انعكاس حد وراها.
شخص واقف، ساكن، مش بيتحرك.
قلبها وقع، لفّت بسرعة…
مفيش حد.
رجعت تبص في المراية…
الانعكاس اختفى.
وقبل ما تلحق تستوعب، اللمبة اللي فوقها بدأت تنور وتطفي بسرعة
"تكتكتكتك…"
الصوت عالي والإضاءة مرعبة.
فريدة وقفت بسرعة، بصت للسقف، بتهمس لنفسها
"في إيه؟! إيه اللي بيحصل؟!"
وبعدين…
صوت أنين خفيف بدأ ييجي من الدولاب.
أنين مكتوم… وكأنه في حد جوه.
فريدة بصت للدولاب، رجليها تقلّت، بس قربت، بإيد بترتعش فتحته
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم