رواية شظايا قلوب محترقة الخاتمة التالتة 3 والاخير بقلم سيلا وليد

     

 

 رواية شظايا قلوب محترقة الخاتمة التالتة والاخير بقلم سيلا وليد



كيف لقلبٍ واحدٍ أن يحتوي أنثى مثلك؟
وأنتِ تضجين بالعذوبة حتى ليخجل الورد من عطرك!
كلُّ تفاصيلكِ تقول: لا يكفيني عاشقٌ واحد،
ولا تكفيني لغة واحدة،
ولا يتّسعني وصفٌ من حروف البشر.

في عينيكِ يسكن دفء القصائد،
ويتهادى فيها الحنين كنسيمٍ عابر فوق صدر القصبة،
كأن الله حين خلقكِ، أسرف في الجمال،
ثم خبأ فيكِ فتنة الأرض وطمأنينة السماء.

شعركِ؟
ليس سوى ليلٍ ناعمٍ يتدلّى من بين كفوف الغيم،
تتشابك فيه النجوم،
وتنحني له الريح احترامًا.

ووجهكِ...
وجهكِ مرآة القمر حين يتجمّل ليلاً،
وسرّ النور حين يهرب من الشمس خجلاً.

أقسم، لو امتلكتُ ألف قلب،
لما اكتفوا بكِ،
ولظلّ قلبي، كلّ يوم،
يشتاقكِ كأنما يراكِ للمرة الأولى.

قبل بداية القراءة 
ارجو عدم الاعتراض على الاحداث، اولا انا أعلنت فيه جزء تاني، وكنت ناوية اخلصهم ورا بعض، لكن البعض قال عايزين نجدد بقصة جديدة، وانا طبعا دائما عند حسن ظن فانزي ..وعملت اللي حبيتوه

المهم اللي عايزة أوضحه مش شرط علشان الخاتمة تبقى كلها حب واحتواء، قولت قبل كدا افكار الرواية من الواقع، عامة انا معظم رواياتي بتكون أكثر واقعية، علشان كدا بتكون حزينة لأننا للاسف واقعنا مليان بالألم والوجع ..فرجاء حبيباتي ثقوا فيا الرواية حلوة جدا  والله وكانت تستاهل اكتر من كدا، دي تخلص على ٨٠ فصل ابطالها كتير، وقصصهم مختلفة ، المهم كملوا قراءة ومنتظرة ارئكم اللي بتسعدني، والله متقبلة كل الآراء سلبي وإيجابي بدل في حدود الرواية 
ولو الفصل دا جاب فووووت اكتر من 3000 لقبل العيد ممكن اكمل على طول الجزء التاني أما بقى لو لقيت زهقان زي مالاحظت من البعض يبقى نأجلها زي عشق لاذع كدا لما اجلتها ونزلت بعازف اللي كسرت الدنيا، رغم القلوب المريضة اللي حاولت توقعها 

انتوا اللي تختاروا ..انا مجرد بكتب علشان اسعادكم مش اكتر ماليش اجبركم على نوع معين وزي ماقولت حسب الإقبال هنشوف 

بمنزل إلياس 

صعد إلى غرفتهِ وهو يشعر بنيرانٍ تتصاعدُ من قدمه، كأنَّ كلَّ خطوةٍ  تلسعهُ لهيبًا، دلف إلى الحمَّامِ دون تفكير، فتح الماءَ البارد ووضعَ قدمهِ تحتها، لا ليريحَ الألمَ فقط، بل ليواري الضعفَ المتسلِّل داخله، تطلَّعَ إلى الإحمرارِ الذي اجتاحَ بشرته، زفر، ثمَّ التقط المنشفةَ وبدأ يجفِّفُ بهدوء..

خرج يجرُّ قدمهِ جَرًّا، في تلك اللحظة  أطلَّت ميرال تحملُ حقيبةَ إسعافاتٍ أولية، تنظر اليه بملامح مشوبةٍ بالقلق، فأردفت بصوتٍ ناعم، إلَّا أنَّه حاسمًا:

-اقعد...خلِّيني أشوف الحرق وصل لحدِّ فين.

لم يُجادلها، جلس على طرفِ السرير، وأسند رأسهِ إلى الإطارِ الخشبي، مغمضَ العينين وقال:

-مفيش حاجة...أنا برَّدته، والمية مكانتشِ سخنة أوي.

جلست أمامه، وسحبت قدمهِ برفق لتضعها فوق ركبتيها، وكأنَّها تتعاملُ مع طفلٍ رضيع، لا مجرَّد إصابة... فتحت الكريم وبدأت تفردهُ بأطرافِ أصابعها بلطفٍ بالغ، تحاولُ أن تسحبَ بهم حرارةَ الألم..نظرت إلى عينيهِ المغلقة وقالت:

-ده كريم أقوى، ومش هيترك أثر... الحمدُ لله إنَّك كنت لابس الجزمة.

لم يرد، ظلَّ كما هو، بينما هي تفردُ الكريم  بكلِّ حنانٍ ولطف، رفعت قدمه ونفخت هوائها بأنفاسها كي تلطِّفُ حرارةَ قدمه، فتح عينيهِ فجأة، وجدها بالقرب من فمها، سحب قدمهِ ببطء: 

- بتعملي إيه؟

توقَّفت، ثمَّ رفعت عينيها إليهِ وقالت بهدوء:

- مفيش...بس حسِّيت إنِّ حرارته عالية، وكنت بحاول أوصَّل له شوية هوا.

رمقها بنصفِ ابتسامة، وأشار إلى قدمه:

- دي رجلي على فكرة.

ضحكت بخفَّة، وهزَّت كتفيها ببراءة:

- عارفة...ماأنا شايفاها.

-بس أنا مابحبِّش مراتي تعمل كده، إنتي مراتي، ومينفعش تلمسي رجلي بالشكلِ ده.

سكت، ثمَّ أشار إلى جانبهِ بإيماءةٍ صغيرة، ونطق بنبرةٍ مداعبة:

- تعالي جنبي، وأنا أقولِّك الحتَّة الِّلي فعلاً مولَّعة.

نظرت إليه، بعيونٍ ممتلئةٍ بالدهشة: 

- إنتَ..اتحرقت في مكان تاني؟!.

ابتسم ابتسامةً غامضة، ووضع كفِّهِ على صدره:

-آه...قلبي دخَّن منِّك ياميرال..تعالي طفِّي حرقه.
-قلبك محروق منِّي!!
ابتعد بنظرهِ عن مرمى عينيها التي تضعفه، يشعر بأنَّه سيقعُ شهيدًا لهذا الحب..
سحبت قدمهِ مرَّةً أخرى وبدأت تنفخُ عليها، اتَّجه بنظرهِ إليها سريعًا:

-إياكي تعملي كدا تاني. 

زحفت نحوهِ ببطء، وهمست بصوتٍ بالكادِ يُسمع:

- بس أنا مراتك و مفيش فرق بيني وبينك، أشار بيده: 

- إلَّا في الحاجات اللي تمس كرامتك، إنتي مش جارية..
-واللي تعمل كدا تكون جارية ياإلياس!.
-ميرال..أنا مبحبش كدا..مكانك في حضني وجوَّا قلبي مش تحت رجلي بالشكل دا

ترقرقت عيناها بالدموع تهمسُ له: 
-بجد!.
-عندك شك في كدا، لو لسة بتشكِّي تبقى مصيبة، وكأنِّنا بنرجع لنقطة الصفر.

-لا ياحبيبي مش قصدي اللي فهمته، قصدي أنا حاجة كبيرة أوي كدا، شايفني أستاهل المكانة دي؟.
-ومحدش غيرك يستاهلها، خلِّيكي واثقة في كدا.

-واثقة وأوي، بس بحبِّ أسمعها منَّك، عايزة أجمَّع كلمات كتير أوي تطلع منَّك عفوية وخاصَّةً اعترافك بحبُّي، صمتت ثمَّ سألت فجأة:

كنت بتعمل إيه في المطبخ؟ وفين الخدم؟

إدِّيتهم أجازة..

-كلُّهم؟!

هزَّ رأسه، وعينيهِ لم تفارقها، وكلماتها كقطرةِ ندى على حرقه، ولكن ليس حرقُ قدمه، بل حرقَ قلبهِ من هجرها القاتل، تابع قائلًا:

-كنت عايز أصالح مراتي اللي زعلانة منِّي بقالها أسبوعين...قولت أعمل لها حاجة بتحبَّها، بس فشلت.

شهقت بألمٍ كاد أن يخنقها، تغمضُ عينيها ثمَّ تفتحهم على دمعٍ كالنجومِ المتلألئة وقالت:

-معقول...إنت كنت بتعمل محشي؟! علشاني؟!.

لم يرد..فقط نظر إليها، وابتسم بعينيه.. 

اقتربت أكثر حتى وصلت إليه، ظلَّت تتطلَّعُ إليه، والدموع تتكوَّمُ في عينيها كأنَّها تخشى أن تضعفَ وتنهار، وكرَّرت سؤالها بعدما وجدت صمته:

-إنتَ كنت عايز تعمل محشي علشان تصالحني..بجد؟!

اعتدل، والتمعت عينيه، ثمَّ مدَّ أناملهِ ليمسحَ دموعها قبل أن تهربَ من وجنتيها..وهمس بنبرةٍ متهدِّجةٍ بالعشق:

- وأعمل أيِّ حاجة… علشان أشوف ضحكتك اللي بتخصِّ إلياس..لكن المحشي عام في الأرض 
ضحكت عندما تذكرت حديثه
-ازاي فكرت بالفكرة المجنونة دي، دا محشي، وكمان مابتحبوش 
-بس بحبك انتي، مش دا اللي عايزة تسمعيه، سحب كفيها ووضعه على جنبه
-ميرال تعرفي رغم كنت زعلان منك علشان موضوع الكلية دي، بس احسن حاجة حصلت لي، هتصدقيني لو قولت لك سعيد علشان جوايا حاجة منك 
اسف ميرال على كل وجع بسببي وكل دمعة منك علشاني .. متزعليش مني، بحاول اصلح من الشخصية اللي انت مش حباها، عايز دايمًا الشخص اللي اتمنتيه

احتضنت وجههِ بين كفَّيها، وانسابت دموعها برفق، كأنَّها لم تعد قادرة على التماسك بما يفعلهُ من أجلها، فقالت من بين شهقاتها الخافتة:

- بس أنا مش زعلانة منَّك…
ممكن أكون واخدة على خاطري، بس مش زعلانة…صدَّقني..ومين قال مش انت اللي اتمنيته

جذب رأسها إلى صدره، وقال بصوتٍ خرج عميقًا، دافئًا رغم ألمه:

- لا..زعلانة، هوَّ أنا لسه مش حافظك، مهما حاولتي تضحكي وتخبِّي، أنا شايفك…وعارف إنِّ جواكي حاجة مضايقاكي.

صمتَ لحظة، ثمَّ أكمل بصوتٍ منخفض:

- آسف…أنا بحاول زي ماقولت لك عايز أكون الزوج اللي تستحقيه، بس الشغل ضغطني، غصب عنِّي، يمكن ما بعرفش أعبَّر، بس واللهِ مضغوط من أوَّل ما اترقِّيت..

رفعت رأسها إليه، ونظرت في عينيهِ تسبحُ بنظراتِ عشقهِ لها، ثمَّ قالت:

- أنا الِّلي آسفة…
كنت تعبانة، مش منَّك بس، من كلِّ حاجة حواليا، ومضغوطة، متزعلشِ منِّي..

مدَّ يدهِ المرتجفة بشوق، ولمس وجنتيها كمن يلامسُ نبضَ قلبها باسمه، ثمَّ غرق في بحرِ عينيها كأن لا ملاذَ له سوى النظرَ إليها، وهمس بصوتٍ يحملُ كلَّ العشقِ الذي بداخله:
– حتى لو كنتي مضغوطة وزهقانة... مش أنا أولى أكون حضنِ الأمان؟ مش أنا؟

ارتجفت نظراتها، وابتعدت برأسها عن أنفاسهِ التي لا ترحمها، فارتجفَ قلبها لقربه، وتمنَّت لو يسحبها لأحضانهِ ولا يتركها سوى باختناقها، تشعر بمشاعرَ عشوائية، لا تعلم ماذا بها، تريدُ اقترابهِ وجنونِ عشقه، ولكن هناك مايعوق هذا..
-ميرال، إيه الِّلي تاعبك؟.
رفعت رأسها وانتظر حديثها،  
تمتمت بصوتٍ خافتٍ يحمل وجعَ ماشعرت به من بعدهِ في تلك الايام:

– ماأنا قولت لك...الضغط مش بس من حاجة واحدة، ده من كلِّ حاجة حواليا...بس خلاص، أنا كويسة.

امال برأسه منها بهدوء، ثم رفع ذقنها بأنامله، وأجبرَ عينيها على النظرِ لعينيه، ثمَّ نطق بكلماتٍ خرجت من أعماقِ روحه:
– إنتي مش مراتي وبس، كلِّ حاجة، افهمي معنى الكلمتين دول. 

مكانك هنا جوَّه قلبي، ده أمانك اللي ملهوش بديل..ومش هعاتبك علشان أنا قصَّرت معاكي..

ارتعشت شفتاها، وأخفضت رأسها، ودمعةٌ دافئةٌ انسابت بخجلٍ فوق وجنتها..

سحبها إليه بقوَّةِ عاشق، وطبع قبلةً على رأسها كانت أشبهُ بقَسَمٍ أبدي، قبلةٌ حملت كلَّ حنانه، كلَّ عشقه، كلَّ كيانه.

تماهت في صدره كقطة اليفة، ولفَّت ذراعيها حولهِ كمن وجد وطنهِ بعد تيهٍ طويل، ثمَّ قالت بابتسامةٍ باهتة:
– انا لحد دلوقتي مش مصدقة، معقول تعمل محشي علشاني؟!... على كده أنا غالية أوي.

ضحك بهدوء، واختلط صوتهِ بأنفاسهِ الحارَّة وهو يمرِّر أصابعهِ في خصلاتها بعدما تيقن أنها تحاول أن تغير مجرى الحديث، فهتف بنبرة عاشقة:
– لا ياروحي، إنتي مش غالية... 

رفعت رأسها ببطء، واحتبست الأنفاسُ في لحظة، وعانقت الأعينُ بعضها بعض، وهناك حديثًا طويلًا لم يفهمه سوى العاشقين، نظرةً من عينيهما، يصرخُ بها العشق الذي انفجرَ بين الصدور، ونبضًا يتراقصُ على إيقاعِ قلبينِ أصبحا واحدًا.

وأخيرًا، بعد صمتٍ دام بينهم كأنَّه الأبد، ارتجفت شفتيها بكلمة، من
ثلاثةُ أحرف، لكنَّها حملت في طيَّاتها طوفانًا من المشاعر، حبًّا لا يُقاس، ولا يُوصَف:
– بحبَّك.

هنا...انكمش الزمن، وسكت العالم،
لتتوقَّفَ عقاربُ الساعة عن الدوران،
واختنق الكونُ في لحظةِ صمت، ليشهد على سيمفونيةٍ من العشقِ لاتعرفُ سوى احتضانِ القلوب 

دقَّاتٌ على بابِ غرفتهم، ليبتعدَ عن جنَّة عشقه، يلهث، ثمَّ نهض متَّجهًا إلى الباب، وجد طفلهِ يقف يعقدُ ذراعيهِ أمام صدره:
-بقالي ساعة منتظر التشكوليت الِّلي ماما بتجبها، وفي الآخر نسيت، ماما عند حضرتك صح؟.. 
بالداخل، جزَّت على شفتيها بخجلٍ بعدما استمعت إلى حديثِ طفلها، أعدلت هيئتها التي بعثرها زوجها ولفَّت وشاحًا حول عنقها بعدما دلفت إلى الحمَّام وأغرقت وجهها بالمياه، تمحو أيَّ أثر من قبلاته، بالخارج 
جلس على عقبيهِ ثمَّ أشار على ساقيه:
-بابا رجله اتحرقت، وماما كانت بتعالجه، بدل ماتقول لبابا ألف سلامة جاي توقف وزعلان!!
نفخ الطفلُ وجنتيهِ ثمَّ نظر إلى قدمِ والده: 
-وأنا كنت أعرف يابابا، كانت نادت وقالت أيِّ حاجة أو بعتت مع النانا، بدل ماأنا اتحرقت في الشمس مع بلال بانتظار التشوكليت.. يعني مش حضرتك بس اللي تحرقت، جز إلياس على أسنانه من حديث نجله، فقال
-دا ألف سلامة يابابا، وصلت ميرال تحمحم:
-خلاص يايوسف، آسفة حبيبي، هنزل أجيب لك التشوكليت، رفع عينيهِ إليها ثمَّ أشار إليها بالدخول:
-أنا هنزل معاه، شوية وراجع.
-هتمشي إزاي ياإلياس، رجلك بتوجعك. 

سحب كفَّ ابنه وعيناهُ تتفحصُ هيئتها ثمَّ أشار إليها بالدخول: 
-أنا هتصرَّف..

تحرَّك مع طفلهِ إلى الثلاجة يفتحُ العلبَ الخاصَّة بحلوى الأطفال، ثمَّ أخرجَ بعضها، ووضعها أمامهِ على السرفيس وأشار إليه بالخروج: 
-شوف النانا فين قولَّها كلِّمي بابا.
-طيب ماحضرتك بتمشي اهو، ليه ماما فوق
-يوسف روح لابن عمك وابعت النانا
-حاضر يابابي..قالها الطفل وركض للخارجِ وهو يحملُ حلوياته.. 
وصلت إليه المربية: 
-خلِّي بالك من الولاد، وكلِّمي حد من مكتب الخدم يبعت حد ينضَّف المطبخ دا.
-حاضر..بعد فترة صعد إلى غرفته، استمعَ إلى المياهِ بالحمَّام، علم أنَّها بالداخل، خرج إلى الشرفة يراقبُ طفلهِ وطفلَ أخيه، وجدهم يلهون بألعابهم بجوار المربية، أغلقَ الشرفة، واتَّجه إلى غرفةِ الملابس، يخرجُ شيئًا مناسبًا للنوم، استمعَ إلى رنينِ هاتفها، خرج يرفعهُ وجدها رؤى:
-أيوة يارؤى؟.
-ميرال المحشي صعب أوي، مش عارفة أعمله، شوفي حاجة خفيفة، إيه رأيك أعملِّك بيتزا، جميلة يابنتي. 
-ميرال في الحمَّام يارؤى..ردَّت عليه بخجل:
-إلياس أنا آسفة، فكَّرتك ميرال.. 
صمتَ للحظات ثمَّ قال:
-أنا هقولِّك على حل أفضل..نلغي الغدا ونتعشى كلِّنا برَّة النهاردة، بالليل هبعتلكم اسمِ المطعم. 
-تمام..قالتها وأغلقت الهاتف، وضعهُ بخروجها من الحمَّام، تنظرُ إليه متسائلة:
-مين كان بيتصل؟..اقترب وعيناهُ تفترسُ هيئتها بدءًا من ساقيها إلى عنقها الذي تنسابُ فوقه قطراتُ المياه، مرَّر أناملهِ على تلك القطراتِ  التى تنزلقُ من خصلاتها، ثمَّ سبح بعينيها المرتجفة:
-كدا تاخدي شاور لوحدك، كنا بنقول إيه قبل مايوسف يجي ويقطع كلامنا؟. 

أغمضت عينيها بعدما دفن وجههِ بخصلاتها الندية فارتجفَ جسدها بين ذراعيه، همست اسمهِ بتقطُّع، ولكنَّه قضى على كلِّ مايبعدها عنه. 

بمنزل آدم.. 
أنهت دراستها، قامت بإغلاقِ الإضاءة، ثمَّ اتَّجهت إلى غرفةِ طفلها، وجدتهُ يغفو فوق صدرِ والده، سحبتهُ بهدوء، ووضعتهُ بفراشه، واتَّجهت إلى آدم: 
-حبيبي يالَّه قوم نام في السرير.
فتح عينيهِ ينظرُ إلى يده، ثمَّ التفتَ ينظرُ بفراشِ طفله، واعتدل يمسحُ على وجهه:
-نمت ماحستش.. 
ولا يهمَّك، رائد نام، يالَّه إحنا كمان علشان ننام..نهض من مكانهِ يهزُّ عنقهِ مرَّةً يمينًا ومرةً يسارًا عندما شعر بتشنُّجه، ثمَّ حاوط جسدَ إيلين وتحرَّك للداخل، دلفت إلى الحمام دقائقَ معدودةً ثمَّ خرجت ترتدي ثوبًا ناعمًا من اللونِ الأسود، يصل فوق الركبة، مكشوفَ الظهر، وجلست أمام المرآة تتزيَّن، بينما توجه أدم إلى غرفةِ الملابسِ وخرجَ بعد فترة، وجدها تضعُ أحمر شفاهٍ فوق شفتيها، تحرَّك نحوها، ثمَّ انحنى وحاوطَ جسدها ينظرُ إلى انعكاسِ صورتهما في المرآة:
-بتحطِّي إيه؟..مالوش لازمة لأنُّه هيتمسح ياروحي. 
ابتسمت، ورفعت رأسها تنظرُ إلى وجهه: 
-دا ثابت متخفش مش هيتمسح.
-ياراجل..إنتي بتشكِّكي في قدرات جوزك..
قهقهت عليه، ولفَّت الكرسي سريعًا حتى أصبحت بمقابلةِ وجهه، وجذبتهُ من عنقهِ سريعًا وقالت:
-يمكن ياحبيبي، هنشوف حتقدر على مسحِ الروج ولَّا لأ. 
برقت عيناهُ ينظرُ إليها بذهول، ثمَّ أشار على نفسه:
-بتشكِّكي بقدرات جوزك يادكتورة!! اقتربت من أذنهِ وهمست له بعض الكلمات، فانحنى يرفعها بين ذراعيها، لتشهقَ بفزعٍ تلفُّ ذراعيها حول عنقهِ لا إراديًا..
-طيب والله لأندِّمك يادكتورة على كلماتك دي، يعني علشان مقدَّر تعبك، تشكِّي في جوزك؟..استلمي بقى.. 
ابتعدت على السرير وارتفعت ضحكاتها: 
-خلاص..خلاص بهزَّر يادكتور، عارفة إنَّك جامد وجامد أوي. 
خلع كنزتهِ وألقاها بغضبٍ على الأرض وقال: 
-واللهِ أبدًا، لازم أورِّيكي عملي مش نظري.
بعد فترة كانت تستند على ذراعيه 
-يعني هنسافر خلاص الاسبوع الجاي
اعتدل وجلس بمقابلتها
-حبيبي اسمعيني، انت عارفة لو كملتي  برة احسن، وكمان شغلي برة احسن من هنا بكتير وخبرات طبعا
-خلاص ياادم اللي تشوفه، بدل احمد ومريم هيسافروا معانا فأنا موافقة، رغم اعتراضي على الغربة، صمتت ثم اردفت متسائلة:
-كدا خالوا هيفضل لوحده 
-لا حبيبتي بابا هيقعد مع عمتو
-رحيل لسة زعلانة مع جوزها معرفش ياايلين ومحبتش ادخل بينهم 
-طيب ايه رأيك نزورهم بكرة ونعرف الدنيا معاهم ازاي 
-تمام ياله ننام علشان هلكان وعايز انام 
-ليه خالو رفض يسمي رائد على اسمه ياادم..مش كنا متفقين، بجد زعلانة 
فتح عيناه يتطلع إليها قائلا:
-بجد بتسألي بعد الشهور دي كلها، بابا محبش يزعل عمو محمود، وكمان قال منعا للخبطة، وبعدين ياست الدكتورة دا مش اخر ولد يعني، لسة هنجيب ولاد تانية يبقى سميهم 
قالها وجذبها لأحضانه وقال:
-لو سمعت حاجة تانية هقوم اكمل الروج ..قهقهت تدفن نفسها بأحضانه

بمنزلِ يزن...
تململت فوق الفراش بتأوُّهٍ مكتوم، ورفعت كفَّيها لتضعهما على جبينها حين باغتها ثقلٌ غير مألوف..كمادات! ضغطت بين حاجبيها، وقبل أن تستوعبَ المزيد، شعرت بذراعهِ الصلب تحت رأسها...
اتَّسعت عيناها، شهقةٌ صامتةٌ حُبست بين شفتينِ مرتجفتينِ وهي تراه قريبًا حدَّ الالتصاق..أنفاسهِ تختلطُ بأنفاسها، ودفءِ أنفاسهِ يعبثُ باتزانها.

"كيف وصلت إلى هنا؟!" سألت نفسها وملامحهِ الهادئةِ تنسجُ في صدرها وجعًا أكبر من الحمَّى.
تذكَّرت فقط كلماته...تلك التي شقَّت قلبها نصفينِ وتركها في الحديقة، مكسورة، تائهة، لا تملكُ إلَّا دموعها.

همست لنفسها:
– طيب إيه اللي جابني هنا وأنا كنت برَّة؟

تأمَّلت ملامحه، فرجفَ قلبها كأنَّ نبضهِ يُناجيها، كأنَّه يحتضرُ تحت وطأةِ قُربٍ لم يعد يسع الاثنين.
مدَّت كفَّها المرتجفة لتستقرَّ على صدره، فوق نبضه...
"هل يصرخ مثلي؟ هل يوجعهُ ما يوجعني؟"
دموعها تساقطت، كأنَّها لم تعد تملك حيلةً للكتمان...شهقةً أفلتت دون إرادةٍ منها.

بينما هو...فتح عينيهِ على وقع شهقاتها
انتفض، وسحب ذراعهِ من تحتِ رأسها، وقام دون أن ينطقَ بحرف.

– أنا جيت هنا إزاي؟
سألتها شفتاها المرتجفتان، فجلس على طرفِ الفراش، يديرُ ظهره، وصوتهِ يغلِّفهُ جليدًا من الخذلان:
– معرفش...اسألي نفسك..أنا كنت نايم ومش فاكر حاجة.

قطبت جبينها، وقالت بنبرة ملتهبةً بالبكاء:
– أنا كنت في الجنينة!..يعني إيه مش عارف؟!

التفتَ نحوها، والغضبُ انفجرَ في ملامحه:
– والله العظيم..إنتي الِّلي نايمة في سريري! وفي حضني! اسألي نفسك... يمكن شرَّبتينا حاجة صفرا...ماإنتي متعودة على كده!

قالها ثمَّ مضى إلى الحمام، يهربُ من دموعها التي كادت تحرقُ صدره.

أغمضت عينيها بألم، وبدأت تتذكَّر كلَّ شيء..خافضَ الحرارة، الغطاء، دفءَ السرير.
لكنها شهقت حين سحبت الغطاء ورأت ملابسها مرمية أرضًا...وهي ترتدي غيرها..

ركضت، تصرخُ بانهيار:
– يزن!..
ودون وعي، دفعت باب الحمام...
كان يخلعُ كنزتهِ حين اقتحمت عليه المكان..
جمدا مكانهما، والصدمة بينهم تشبه جدارًا من نارٍ لا يعرفانِ كيف يُطفئانه.

ابتلعت ريقها بصعوبة، واستدارت بسرعةٍ وهي تتمتمُ بتقطُّع:

– آسفة...أصـ... أصل يعني..

- استني، قالها واقتربَ منها، وعلى وجههِ ابتسامةً خبيثة، حتى توقَّف خلفها مباشرة، وانحنى لمستوى جسدها، وهمس بنبرةٍ متسليَّة:

– هيَّ حصَّلت تفتحي عليَّا الباب وأنا باخد شاور؟ للدرجة دي واحشك؟

استدارت إليهِ فجأة، ترمقهُ بازدراء، وهتفت بعينينِ تشتعلُ غضبًا قبل أن تنطقها شفتاها:

– احترم نفسك، إنتَ مفكَّر نفسك مين؟ إنتَ ولا حاجة بالنسبالي، أنا كنت جاية أقولَّك إزاي تغيَّرلي هدومي،  إزاي تتجرَّأ وتعمل كدا وأنا مش وعيي؟!.

قاطعها بوضعِ أناملهِ على شفتيها، وهمس بنبرةٍ خافتةٍ مشبعةٍ بالإغواء، جعلت جسدها يرتجفُ رغمًا عنها:

– اششش...إيه الدوشة دي؟ النانا برَّة، تسمعنا تفكَّر بنعمل حاجة...أستغفر الله العظيم..أموت و أعملها.

اتَّسعت عيناها في ذهول، تحدِّقُ في مقلتيهِ الماكرة، حاولت الحديث، لكنَّه اقتربَ أكثر، حتى أصبح قربهِ كاد أن يفتكَ بثباتها،  وهمس بأنفاسهِ الحارَّة:
- مش كفاية ماسك نفسي طول الليل، قالها وعينيهِ اخترقت بؤبؤتها، واقترب أكثر وأكثر ليُذيبَ ما تبقَّى من حدود، لتلمس شفاههِ شفتيها في لحظةٍ خاطفة، لتشعر كمن أصابتها صاعقةً مفاجئة..

تراجعت فزعة، تختنقُ من خيانةِ جسدها له، بينما هو، طالعها بنظرةٍ متعاليةٍ ونبرةٍ وقحة، قال:

– بعرَّفك...أقدر أوصل لكلِّ حاجة، ومن غير تعب..بلاش غرورك الفاضي

دمعةٌ غادرة انبثقت من جفنيها وهي تتطلَّعُ إليه بخذلان، أزالتها سريعًا واتَّجهت للخارجِ بخطواتٍ تأكل الأرض وكأنَّ الأرضَ لا تسعُ لوجودها، دموعٍ خلف دموعٍ حتى فقدت الرؤية تمامًا، دلفت إلى الحمَّام، وأغلقت خلفها الباب حتى تقضي على ضعفها، على عجزها على كلِّ انهيارها.. 
دقائقَ طويلة مرَّت عليها وهي مازالت بمكانها لا تشعرُ بالوقتِ ولا تعي مايدورُ حولها، كلماتهِ تخرقُ أذنها كما خرقت قلبها وشطرتهُ لنصفين.. 

بينما عنده..توقَّف متيبِّسًا غير قادرًا على الحركة بعدما وجد نظرةَ الخذلانِ مع دموعها التي قضت على ماتبقَّى من قوَّة..اتَّجه سريعًا إلى الداخلِ وأكمل استحمامه، خرج بعد دقائقَ معدودة، بحث عنها بعينيهِ ورغم جمودهِ أو تصنُّعهِ عدم المبالاةِ إلَّا أنَّ قلبهِ انتفض خوفًا أن يصيبها أذى.. 

دلف إلى غرفةِ أولاده، وجد المربية تقوم بإطعامِ آسر، التفتَ إلى ابنتهِ التي مازالت غافية، ثمَّ أردفَ متسائلًا: 
-الولاد محتاجين حاجة؟. 
-معرفشِ ياباشمهندس المدام اللي تعرف، أنا فطَّرت آسر، ورولا فطرت ونامت لازم أخرج دلوقتي عندي شغل، أنا كنت متَّفقة مع المدام كلِّ يوم من الساعة تسعة لاتنين علشان لسة متعيِّنة جديد في مدرسة.
-تمام..روحي شغلك، حمحم ثمَّ تساءل:
-هيَّ مدام رحيل خرجت؟..تساءلَ بخروجها من الحمام، اقتربت منهما: 
-روحي شغلك ومتتأخَّريش.
-تمام يامدام..أنا كنت بفهِّم الباشمهندش.
أومأت لها بصمتٍ ثمَّ تحرَّكت إلى خزانةِ ملابسها وأخرجت شيئًا مناسبًا للحركة، ظلَّ يتابعها بصمت، إلى أن قطعت الصمت بينهم: 
-اطلع برَّة لو سمحت عايزة أغيَّر هدومي.
خرج دون حديث، اتَّجه إلى المطبخِ وقام بإعدادِ طعامِ الإفطار، وهو يزفرُ باختناق، حينما تذكَّر ماصار بينهما منذ دقائق...خرج يضعُ ماأعدَّهُ على طاولةِ الإفطار بخروجها تسحبُ كفَّ ابنها الذي يحاولُ الحركة بهدوء..

-يالَّه حبيبي روح عند بابا، لمَّا أجيب رولا..توقَّفت يداهُ عمَّا يفعلهُ بعدما استمعَ إلى حديثها، هل قالت له روح لبابا..رفع نظرهِ إليها سريعًا ولكنَّها ابتعدت وهي تصفِّقُ بيديها لطفلها:
-آسر شطور وبيسمع كلام مامي، برااافو..قالتها عندما تحرَّك الطفلُ باتِّجاههِ وهو يضحكُ بصوتهِ الناعمِ الصغير..رغم وصولِ أسر إليه وضحكاتهِ لأوَّلِ مرَّة وهو يهتفُ اسمه:
-بابا ..إلَّا أنَّ عينيهِ كانت تفترسُ ملامحها ليكتشفَ عمَّا يدورُ بداخلها، ولكنَّها ابتعدت مستديرة: 
-خلِّي بالك من الولد، شقي وممكن يلعب في حاجة تضرُّه. 
دلفت إلى الغرفة وأغلقت البابَ خلفها، وهنا انهارت على الأرضِ باكية، تضع كفَّيها على صدرها، علَّها تتنفسُ بهدوء.. 

ظلَّت لدقائقَ ثمَّ نهضت وتمدَّدت بجوارِ طفلتها وغفت بعد رحلةٍ من العذابِ المخزي لقلبها، بالخارجِ ظلَّ يلعبُ مع طفله وعيناهُ على الغرفةِ بانتظارِ أن تخرج، حمل الطفلُ وخرج خارج المنزلِ بعد علمهِ أنَّها ربما نامت.. 

بعد فترةٍ استيقظت على رنينِ هاتفها: 
-رحيل فيه اجتماع مهم لازم تحضريه.
اعتدلت تجمعُ خصلاتها بعيدًا عن وجهها وأجابتهُ بصوتٍ متحشرجٍ بالنوم:
-الاجتماع الساعة كام؟.
نظر بساعتهِ وأجابها: 
-بعد ساعة..تمام قالتها وأغلقت الهاتفَ باستيقاظِ ابنتها التي تضحكُ وهي تهتفُ اسمَ والدتها:
-ماما..انحنت تقبِّلها وارتفعت ضحكاتها، ثمَّ نهضت تساعدها على النزول وتحرَّكت للخارجِ تبحثُ عنهما ولكن المنزل كان فارغًا..نظرت إلى الطعامِ الموضوعِ ثمَّ اقتربت تُجلسُ ابنتها فوق ساقيها وبدأت تطعمها، وتناولت طعامها بدخولهِ من الخارج يحملُ طفله:
-حبيبي انزل عند مامي علشان نازل. 

نهضت من مكانها وأزالت بقايا الطعام من على فمِ ابنتها، ثمَّ سحبت ألعابها وأشارت إليها: 
-رولا حبيبتي تعالي العبي لمَّا ماما تروح مشوار وترجع، ثمَّ بسطت كفَّيها لطفلها:
-آسر حبيبي تعالَ علشان أقولَّك تعمل إيه..تحرَّك الطفلُ واتَّجه إليها..كلَّ هذا وهو يراقبها بصمت، دلفت للداخلِ دقائقَ معدودة وخرجت تحملُ حقيبتها.. 
ركض الطفلُ إليها: 
-مامي مامي..كانت تجمعُ أشياءها، فقالت: 
-نعم حبيبي. 
همسَ بأذنها ببعضِ الكلماتِ وهو يختبئُ من نظراتِ والدهِ الصامت، اعتدلت بجسدها وخطر بذهنها شيئًا ما..فأشارت على يزن: 
-روح لبابي ياحبيبي، قولُّه عايز إيه أنا عندي شغل. 
نهض يزن من مكانهِ مقتربًا منها:
-رايحة فين، أنا نازل بعد شوية ضروري. 
جمعت خصلاتها للأعلى وحملت حقيبتها قائلة:
-نازلة شغلي، ولادك عندك، المربية خرجت، وأنا عندي اجتماع مهم، يالَّه عيش دور الأبوَّة وورِّيني ابتكاراتك.. 
قالتها وتحرَّكت بعض الخطوات، ثمَّ توقَّفت مستديرةً تنظرُ إلى طفلها المنكمشِ بوقوفه، شعرت بالخزي من نفسها فهو طفل ليس له علاقة بما يحدث..
ألقت حقيبتها واتَّجهت إليه تحملهُ ثمَّ توجَّهت إلى الحمَّام..بينما هو توقَّف متخصِّرًا ينظر إلى حركاتها الباردة بكلِّ غضب، ظلَّ يجوبُ المكان إلى أن خرجت تضعُ ابنها بجوارِ أخته..
قبض على ذراعيها:
-يعني إيه نازلة الشغل، هوَّ أنا مش موجود، إيه الاستفزاز اللي بتحاولي تستعمليه معايا؟!.
أفلتت ذراعها بقوَّة وأشارت إليهِ صائحة:
-أنا هنا علشان الولاد، مالكشِ حكم عليَّا، اقتربت منه تلكزهُ بصدره، وغرزت عينيها بمقلتيه:
-يزن إنتَ هنا أب ولادي وبس، ماتدخَّلشِ في حياتي لو سمحت.
-ليه متجوزة سوسن، اقفي وكلِّميني
أنا هنا الراجل، ومفيش أيِّ حاجة هتتعمل من غير رأيي، اقتربَ خطوةً وأشار بسبَّباته:
-اسمعيني يابنتِ الناس، إنتي مراتي قدَّام الكل، لازم تحترمي إنِّك مرات يزن السوهاجي غير كدا صدَّقيني هكرَّهك نفسك.
-على أساس لسة مكرهتهاش ياحضرةِ المهندس..دفعتهُ من أمامها وتحرَّكت إلى الباب: 
-أنا عندي اجتماع بملايين مش فاضية لكلامك دلوقتي، لمَّا أرجع يبقى قولِّي تعليماتك..
قالتها وأغلقت الباب خلفها..ظلَّ ينظرُ لسرابِ خروجها بتيهٍ وكلماتها التي أنزفت روحه "أنا كرهت نفسي"
شعر بيدٍ صغيرةٍ تجذبُ بنطاله: 
-بابا..بابا..انحنى وجلس بمستواها يجمعُ خصلاتها من فوق وجهها: 
-حبيبة بابا..قالها بقبلةٍ حنونةٍ توضعُ فوق جبينها، بينما جلسَ آسر على ألعابهِ وهو يتطلَّعُ إليه بصمت، وضعت رولا كفَّها الصغير على وجهه:
-عايز ألعب هنا..قالتها وهي تجذبهُ إلى الحديقة، ولكنَّه أوقفها حينما شعر ببرودةِ الجو:
-الجوِّ برد ياروحي..حملها واتَّجه وجلسَ بجوارِ آسر ..ثمَّ سحب جهازهِ المحمول "اللاب توب"
إيه رأيكم نلعب شوية على اللاب، ولَّا عايزين تتفرَّجوا على كارتون؟. 
نظر آسر لأختهِ بجهل، لا يعلم عمَّا يتحدَّث..فهم يزن من خلال نظراتِ أطفالهِ أنَّهم لا يستعملون الأجهزة الهاتفية ..فتح اللاب وبدأ يوضِّح لهم بعض الألعابِ التي تتماشى مع عقولهم.

بمنزلِ أرسلان..
استيقظ على بكاءِ طفلتهِ بالخارج، رفع رأسَ زوجتهِ يضعها بهدوءٍ فوق الوسادة، وتسلَّل من جوارها متَّجهًا للخارج، وجد المربية تحاولُ أن تطعمها ولكنَّها رافضةً ببكاءٍ مستمِّر،  
حملها وأشار إلى المربية: 
-هاتي الببرونة وشوفي بلال صحي ولَّا إيه..
-بلال مع صفية هانم، جت من ساعة وأخدته ينام معاها. 
أومأ متفهِّمًا وقال:
-مالها ضي بتعيَّط ليه كدا؟.
-بطلَّع سنان ودا طبيعي إنَّها تعيَّط، أخدت علاجها الطبيعي، وحاولت أكِّلها علشان تنام، هيَّ منمتشِ طول اليوم..

تمام..أشار إليها وهو يطعمُ ابنتهِ التي استكانت بأحضانه: 
-روحي ارتاحي إنتي، وأنا هاخدها لمامتها..ظلَّ لبعضِ الوقت يحاولُ تهدئتها إلى أن غفت، فوضعها على صدرهِ وذهب بنومهِ على الأريكة.. 
عند غرام...فتحت عينيها تملِّسُ على الفراشِ بعدما شعرت ببرودته، اعتدلت تجمعُ خصلاتها ثمَّ سحبت روبها وتحرَّكت للخارج، ذهبت لغرفةِ أطفالها وجدتها فارغة، خرجت تبحثُ عن زوجها وجدتهُ غافيًا وهو يحملُ الطفلة..
ابتسمت واقتربت تجلسُ على ركبتيها تنظرُ إليهما، تسلَّلت بجواره، ثمَّ رفعت كفَّها على خصلاتهِ تمرِّرها بداخلها، وضعت رأسها بجوارِ رأسهِ على الوسادةِ وأغمضت عينيها مبتسمةً وهي تحاوطُ جسدهِ بذراعيها..شعر بها ففتح نصفَ عينيه: 
-إيه اللي قوِّمك؟.
دفنت رأسها بعنقه، وهمست بصوتٍ حنون:
-معرفتش أنام من غيرك، ليه مصحتنيش، ضي تعبتكم؟. 
-لا، مفيش حاجة نامت على طول، ماما هنا وأخدت بلال معاها في الأوضة..قالها ينظرُ اليها وجدها ذهبت بنومها كالأطفال.. 

بفيلا السيوفي وخاصَّةً بغرفةِ إسلام.. 
كان يجلسُ يتناولُ قهوتهِ ويتحدَّثُ معها عبر الهاتف:
-تمام حبيبتي، بكرة بعد الامتحان هعدِّي عليكي ونروح نشوف اللي محتاجاه.
-إسلام لو سمحت عايزة أخرج مع صحباتي، إحنا متَّفقين من أوَّل يوم، كلِّ أسبوع هخرج أعمل شوبينج مع صحباتي.. 
-وأنا قولت لا ياملك، اللي عايزة تشتريه أنا هجبهولك غير كدا مفيش خروج..
أغلقت الهاتف دون أن تنطقَ حرفًا واحدًا، نظر إلى الهاتف الذي أُغلقَ بذهول، ثمَّ نهض من مكانهِ ونيرانُ غضبه كادت تخرجَ من عينيه، استمع إلى طرقاتٍ على باب غرفته.. 
جلس وحاول أن يبدو طبيعيًّا وقال:
-ادخل..دخلت غادة بنصفِ جسدها:
-حبيبي فاضي أتكلِّم معاك شوية؟. 
نظر للخارجِ فهو في حالةٍ لا يريد أن يتحدَّث مع أحد..اقتربت منه وتوقَّفت بجواره:
-إسلام عايزة آخد رأيك في حاجة، بقالي فترة مأجلاها.
-غادة ممكن نتكلِّم في وقت تاني أنا دلوقتي مش تمام لو ينفع تأجِّلي أيِّ حاجة ياريت.. 
-مالك ياإسلام إنتَ متخانق مع ملك؟. 
-وأنا هتخانق مع ملك ليه، قومي شوفي مذاكرتك أنا مخنوق ومش طايق نفسي. 
نهضت وتحرَّكت للخارجِ دون أن تنطقَ حرفًا آخر، ولكنَّها تحركت بقلبٍ ينتفضُ من الألم ..دلفت غرفتها مع انبثاقِ دموعها رغمًا عنها..ذهبت إلى فراشها وجلست فوقهِ بهدوء، رغم نيرانِ صدرها المشتعلةِ بالحزن..تذكَّرت منذ عدَّةِ سنواتٍ قبل زواج ميرال والياس، كانت تعيشُ في ظلِّ أسرةٍ سعيدةٍ وعدَّةِ أخوة، الآن لا تملكُ شيئًا، الأم أصبحت منشغلةً بأحفادها، وميرال  التي اعتبرتها أختًا لها، قلَّ الحديثُ معها بسببِ ظروفِ انتقالها من الفيلا وانشغالها بزوجها وطفلها، بينما أخيها الأكبر الذي كانت تعتبرهُ روحها وسندها وقدوتها أصبح سرابًا لم يعد أخًا ولا سندًا، ابتعد دون سببٍ لا تراهُ سوى بالمناسبات، وأصبح مثلهِ مثل الغريب، تغيَّرت النظراتُ واللمسات، حتى أحضانهِ التي كانت تشعرُ بها بالأمانِ والحنانِ أصبحت هاوية لا تعلم لما كلِّ هذا حدث، هل ما تشعرُ به حقيقة أم تخيُّلها المنشغلِ بالفراغ..آاااه تفوَّهت بها مع حرقةِ قلبها وتمدَّدت على الفراشِ كالجنين تبكي بصمتٍ ولأوَّلِ مرَّةٍ تهمسُ بألمٍ يقطعُ نياطَ القلوب: 
-محتاجة لحضنك ياماما، هوَّ صحيح محدش بيحسِّ بولاده غير الأم.....

استمعت إلى صوتِ إلياس بالهاتف بالخارج، اعتدلت وابتسمت ظنًّا أنَّه سيمرُّ على غرفتها كالماضي، أزالت دموعها وعيناها تعلَّقت بالباب، تنتظرُ طرقه..نظرت حولها تبحثُ عن روبها وتوقَّفت تجذبهُ منتظرةً طرقهِ على الباب، ولكن ابتعدت خطواته، فتوقَّفت تنظرُ حولها بالغرفةِ بتيهٍ وانسابت دموعها كزخَّاتِ المطر؛ لتتراجعَ بجسدٍ مترنِّحٍ إلى أن هوت على الفراش تسحبُ غطاءها وتذهب بنومها سريعًا رغم حزنها البادي على وجهها.. 

بجناحِ إلياس..
دلف للغرفةِ وجد طفلهِ يغفو بأحضانِ والدته، اقترب منهما مستغربًا وجودهِ بفراشه، نظر إلى الأدويةِ التي تُوضعُ على الكومودينو، وخافض الحرارة، يبدو أنَّ طفلهِ كان يعاني من نزلة برد. 

انحنى يقيسُ حرارتهِ بمقياسِ الحرارة، لحظات ثمَّ انحنى يحملهُ واتَّجه به إلى غرفته، فتح الصغير عينيهِ يتمتم:
-بابا..عايز أنام مع ماما.
وصل إلى سريرهِ ووضعهُ عليه ثمَّ انحنى وطبعَ قبلةً فوق جبينه:
-حبيبي أنا معاك هنا أهو، إيه رأيك بابا ينام معاك؟. 
-بس أنا عايز ماما. 
خلع جاكيتهِ وقال:
-نام يايوسف، إنتَ مش صغير علشان تنام مع ماما..الراجل ينام مع الراجل،  
مش إنتَ راجل وهتنام مع بابي. 
-بس حضرتك بتنام مع مامي عادي.. 
نفخ بضجرٍ وقام بخلعِ حذائهِ وأشار إليه: 
-يالَّه حبيبي أنا جاي تعبان، ورغم كدا مش هسيبك تنام لوحدك، مينفعشِ تنام مع مامي إنتَ كبرت خلاص. 
-بس أنا عايز مامي. 
-يوسف..صاح بها بصوتٍ مرتفعٍ مع دخولِ ميرال: 
-إلياس.. 
استدار إليها وأردف:
-روحي نامي ياميرال..قالها وهو يرمقُ ثيابها بصمت، اقتربت منه وهي تحاوطُ قميصها بالروب:
-الولد سخن، كان تعبان. 
رسم ابتسامةً أمام طفلهِ وهمس إليها: 
-كلامي يتسمع ياروحي من غير نقاش.

-طيب رجلك عاملة إيه دلوقتي، لازم تحطّ كريم عليها. 
-الصبح..قالها وهو يتمدَّدُ بجوار طفله، توقَّفت تنظرُ إليه بذهول: 
-هتنام هنا؟!.
اتَّجه بنظرهِ إلى يوسف المنكمشِ بفراشهِ وقال: 
-أه هنام في حضنِ ابني الليلة عندك مانع..مش إنتَ هتاخد بابا في حضنك يايوسف.
ابتسم الطفل وقال:
-أنا حضني صغير أوي يابابا، هياخدك إزاي؟..التفت إلى ميرال: 
-خلاص نشوف حضن كبير..اقتربت وجلست بجوارهِ على الفراش: 
-السرير صغير ومش هترتاح عليه، قوم نام هناك وأنا هفضل معاه.
-أنا كويس، وياريت اللي أقوله يتسمع، تعبان وعايز أنام ممكن حبيبتي؟. 
انحنت لتقبِّلهُ على وجنتيهِ إلَّا أنَّه طالعها بنظرةٍ تحذيريةٍ أمام طفلها..توقَّفت بعدما فهمت مايريده.. 

بعد عدَّةِ ساعات نهض من مكانه، بعدما دثَّر طفلهِ جيدًا، واتَّجه نحو غرفته، وجدها غارقةً بنومها، دلف إلى الحمَّام دقائقَ معدودة وخرج، تململت بنومها تفتحُ عيناها ومازالت آثارُ النومِ تسيطرُ على جفونها، ألقى منشفتهِ واتَّجه إلى الفراش يتطلَّعُ إليها بابتسامة، حركاتها تشبهُ حركاتِ نجله.. 
انحنى وطبع قبلةً فوق جبينها، فتحت عينيها تهمسُ بصوتٍ ناعس:
-يوسف عامل إيه؟.
تمدَّد بجوارها وجذبها لأحضانه:
-كويس، نايم والنانا صحيت وهتاخد بالها منُّه، ممكن ننام بقى..

دفنت نفسها في أحضانه، واستسلمت لنومٍ عميق، فيما ظلَّ هو يمسِّدُ خصلاتِ شعرها، شارداً بحديثِ رؤى  الذي ما زال يطنُّ في أذنه:

– بحاول أقرَّب منها ياإلياس، عارفة إنِّي غلطت في حقَّها، بس متنكرش إنَّك كمان اللي وصَّلتني لكده…إنتَ اللي خلتني أفكَّر فيك كزوج..

أشار لها بالصمت، ثمَّ قال ببرودٍ حاسم:

– خلِّي بالك من كلامك، وماتقوليش حاجة تتحاسبي عليها..آه، أنا غلطت… بس مش عشان اللي في دماغك.. غلطت لأنِّي ماحطِّتش حدود بينا،  اتعاملت معاكي كأخت، ودا في حدِّ ذاته كان غلط.

ارتسم الامتعاضُ على وجهها، وقالت بنبرةٍ ممتعضة:

– إنتَ مقتنع بالكلام دا؟
– إلياس، إحنا كنَّا خلاص هنتجوز…لولا اللي حصل.

شعر وكأنَّ جمرةً استقرَّت في صدره.. يعلم أنَّها محقَّة، لكنَّها لا تعرفُ كلَّ الحكاية، سحب نفسًا من سيجارته، وقال دون أن ينظرَ لها:

– رؤى…متقنعيش نفسك بأوهام، إحنا كنَّا متفقين..كنت عايز أفوق ميرال، أخرَّجها من دور الطفلة اللي بتجري على فريدة كلِّ شوية وتلبس عباية الضحية، بس كجواز؟ مستحيل..
أنا عمري ما شفتك مراتي، وقلنا دا من الأوَّل..

ثمَّ التفت نحوها، يحدِّقُ في عينيها بصرامةٍ وقال:

– ميرال مكنتش نزوة..
مكنتشِ تجربة وخلصت..دي مراتي… حبِّ حياتي..وإنتي عارفة كدا..
آه، غلطت، بس غلطي مايدِّيش ليكي الحق تفكَّري في يوم إنِّك تاخدي مكانها.

صوتهِ انخفض وهو يكمل:

– اعتبريها أختك، واعتبريني جوز أختك..
الأوَّل كنت بتعامل معاكي زي ما بتعامل مع غادة…بس دلوقتي، لأ..
أوعي حتى تبصِّي لها بنظرة مش في محلَّها..

قال كلماتهِ الأخيرة، ثمَّ نهض من مكانه:

– هسيبك تفكَّري…علشان الإخوَّة اللي بينكم..
عايز بكرة أو بعده تروحي وتتأسِّفي،
أنا زَييِّ زي طارق ويزن…دا اللي هتقوليه، إزاي؟ مش فارقة، 
دماغك ما شاء الله…هتلاقي الطريقة.

قالها وغادر دون أن يلتفت..

مرَّت عدَّةُ أيامٍ ليكتشفَ بعدها تواصلها مع ميرال، وتطوُّر علاقتهم، حتى علم مادار بينهما لتقولَ له ميرال:
-رؤى جت واتأسفت لي، ووضَّحت سوء الفهم اللي حصل بينها وبينك..

تنهَّدت بارتياحٍ قبل أن تتابع حديثها، ونظراتها معلَّقةً به:

– هي انبهرت بشخصيتك في وقت كانت فقدت فيه الثقة في حبيبها، وده طبيعي، أيِّ واحدة مكانها لمَّا تلاقي راجل بيحارب علشانها هتقع في غرامه، أنا لو كنت مكانها، ياإلياس، صدَّقني كنت عملت المستحيل، ماكنتش هفكَّر غير في إزاي أخلِّيك تحبِّني..
بلاش العقاب بينكم يطول أكتر من كده..
أنا واثقة فيك، وموقنة إنَّك مستحيل تشوفها غير أختك الصغيرة، نفسي أرجع أشوفكم زي زمان.

هزَّ رأسهِ بأسى:

- مبقاش ينفع، حبيبتي..
زمان كنت بتعامل معاها على إنَّها يتيمة ومحتاجة حد يسندها، ماكنتش عايزها تحسِّ إنَّها لوحدها وسط غابة.. بس دلوقتي عندها أخِّين، ماشاء الله...
يعني وجودي في حياتها مالوش لازمة بالشكلِ القديم.

– إلياس...
همست بها، فرفع عينيه إليها، ابتسمت بحنان، ولامست وجنتيهِ بكفِّها:

– رؤى قالتلي إنَّك روحت لها وطلبت منها تيجي لعندي...حكتلي كلِّ حاجة، بلاش تتخبَّى ورا الحاجات الحلوة اللي بتحاول تعملها علشان تسعدني..
أنا نسيت كلِّ الماضي، بحلوُّه ومرُّه..
دلوقتي، ما فيش حاجة شاغلة بالي غيرك إنتَ ويوسف وبس..
ومتأكدة إنَّك مستحيل تبعد عنِّي، حتى لو أنا طلبت منَّك كده.

مرَّرت أناملها على صدره، وعيناها متشبثتانِ بعينيه:

– أنا هنا، متربَّعة في مكان جوَّه قلبك، ومستحيل أتنازل عنُّه، 
يمكن خدت وقت علشان أفهم ده... بس دلوقتي عرفت..
أنا محظوظة جدًا، مش بس علشان إنتَ جوزي، لا...
ده لأنَّك أحسن راجل ممكن أي ستِّ تتمناه..
مش هتكلِّم عن عمُّو مصطفى، ولا ماما فريدة، ولا غادة وإسلام، ولا يزن، ولا كلِّ العيلة الجميلة دي...
أنا بس هتكلِّم عنَّك..عنَّك إنت.

لم يجد مايفعلهُ سوى أن يجذبها إليه، يحتضنها كما لو كانت ملاذهِ الوحيد.. أسند جبينهِ إلى جبينها، وتمتم بصوتٍ خافت:

– أخيرًا..حمدَ الله على السلامة ياتاعبة قلبي. 

أغمضت عينيها تحتَ همسه، واستقرَّت بين ذراعيهِ كأنَّها وُجدت نفسها هنا منذ الأزل:
-آسفة..عارفة تعبتك كتير معايا، بس برضو إنتَ كنت صعب. 

تنهد وعيناه على نومها الهادئ، وتذكر حديثها منذ أيام بعد عودة علاقتها برؤى 
-لو رجعنا بالزمن هافرق معاك زي دلوقتي 

ابتسم ولامسَ وجنتها بطرفِ أنامله، كأنَّما يتحسَّسُ نعيمهِ الأخير،
ثمَّ همس:

-منكرش مكنتيش فارقة معايا في أوَّل جوازنا، وأكيد عرفتي الأسباب.. 
-الياس، إنتَ فعلًا كنت مغصوب على الجواز زي ماقولتلي في مرَّة من المرَّات؟.
ارتفعت ضحكاتهِ حتى أدمعت عيناه، يهزُّ رأسهِ بالإيجاب وهو يحاوطُ جسدها: 
-إيه نسيتي الباير والبايرة؟.صمت ينظرُ إليها بحب:
-مكنشِ فارق معايا الجواز ياميرا، عادي ، أه مكنتش عايزك في الأوَّل بس دا مش علشان حاجة..دنا حتى لامس ثغرها بخاصَّتهِ وهمس بعيونٍ عاشقة:
-علشان خايف أأذيكي، وقولتها لك، حبِّك نار، أنا كنت بحبِّك بس مش الحبِّ اللي في دماغك أشعار وحاجات البنات دي، بحبِّ براءتك، جنانك لمَّا تتعصَّبي، عنادك لمَّا توقفي قدَّامي، بس مفكَّرتش أتجوزك خالص، أه معرفشِ ليه، يمكن سوء الفهم بيني وبين مدام فريدة؛ ولَّا يمكن علشان اللي شوفته بينك وبين زميلك ولَّا يمكن علشان كنتي عايشة دور البنت اللي شايفة نفسها عليَّا.. 
-يعني كنت ممكن تتجوز غيري ياإلياس؟.
-تؤ..نطقها من بين شفتيهِ وعينيهِ متعلِّقةً بسوداويتها: 
-مكنتش هسمح إنِّك تبعدي عنِّي أصلًا، بدليل فيه كتير كلِّموني عليكي، وكنت بتعامل مع الموضوع..حقيقي عمري ماكنتش هسمح تكوني ملك لحد، حتى لو مش اتجوِّزنا..

ابتسمت بعينينِ دامعتين، وهمست:

– هوَّ إنتَ دايمًا كدا الكلمة وعكسها؟.
هزَّ رأسهِ ورفعها فوق ساقيه: 
-أه علشان متعرفيش تطلعي منِّي بأيِّ حاجة، عجبك ولَّا لأ؟. 
قبَّلته ونطقت بعينيها قبل شفتيها: 
-هو َّفيه غيرك عجبني وموقَّعني على جدور رقبتي غير حضرة الطاووس المغرور.. 
قهقه بصوتٍ مرتفعٍ حتى هوى على الفراشِ وهي فوقه تلكمه: 
-بطَّل ضحك بقى، اللي يشوفك دلوقتي مايقولشِ دا اللي لمَّا كان بيضحك الجو بيرعد..
دفعها ليحاصرها بذراعيه:
-بس كنت حلو ولَّااا..قالها غامزًا ممَّا جعلها ترفعُ ذراعيها تحاوطُ عنقه:
-أه حلو ومسكَّر، وتأكَّد إنِّ غيرتي نار وممكن أحرقك بيها قبل اللي يقرَّب منَّك، كفاية سنين العذاب اللي عشتها في حبَّك..هنا توقف كل شيئا ولم يتبقَ سوى نبضِ القلوب، لتتشابكَ الأرواحُ في صمت،حيث لا حاجةَ للكلمات…وحيث الحبَّ وحدهِ يتولَّى البوح.

صباح اليوم التالي، فتحت الجميلة عينيها، لتجدَ نفسها محاصرة بين جسده، تسلَّلت بهدوء إلى أن نزلت من فوقِ السرير، ثمَّ اتَّجهت إلى مرحاضها لفترةٍ ثمَّ خرجت تتسحَّبُ بهدوءٍ حتى لا توقظهُ متَّجهةً إلى غرفةِ طفلها، قابلت غادة بطريقها وهي تحملُ كوبًا من الحليب متَّجهةً إلى غرفة طفلها:
-غادة..توقَّفت مستديرةً إليها:
-صباح الخير ياميرو.
-صباح الورد ياقلبي، رايحة فين باللبن دا؟.
نظرت إلى كوبِ اللبن ثمَّ إليها وأخبرتها:
-يوسف عايز يشرب لبن، فطَّرته، وقالِّي عايز يشرب لبن. 
-يوسف مين؟..تساءلت بها ميرال باستغراب..
-أجابتها بابتسامةٍ وهي تتحرَّكُ متَّجهةً إلى غرفةِ الصغير:
-عندنا كام يوسف بس ياميرو، توقَّفت تغمزُ لها:
-شكل يوسف الكبير واكل العقل والقلب.. 
تحرَّكت بجوارها وردَّت قائلة:
-لا ياقلبي، أنا عندي يوسف واحد بس، التاني إلياس، دا ومش هغيَّره..
-يا مسيطر إنتَ يامسيطر، قولتيلي إيه رفض يغيَّر الاسم؟. وأنا اللي مفكَّرة علشان بابا ميزعلش. 
لكزتها ودلفت إلى صغيرها، توقَّفت الاثنتين تنظرانِ بذهولٍ للَّذي يفعله، اقتربت غادة منهُ كالمجنونة:
-أوعى تقولِّي دا تليفوني، واللهِ هضربك يابنِ إلياس..
هبَّ من مكانهِ يختبئُ خلف والدته..
ارتفعت ضحكاتُ ميرال وهي تحاوطُ طفلها حتى لا تصلَ يدها إليه:
-خلاص بقى ياغادة، مانتي عارفة أنُّه مهوس بفكِّ الحاجات دي، هبلة هو بيشرب اللبن اصلًا
-ابنك ضحك عليَّا ياميرال، قالِّي عايز أشرب لبن، علشان يستفرد بالتليفون. 
-إيه يستفرد دي يابنتي، الملافظ سعد..
-دا أنا هخلِّي أبوك ينفخك، واللهِ لأروح له وأشكي له، ومش بس كدا يجبلي تليفون تاني..

قالتها وخرجت تأكلُ الأرضَ بخطواتها النارية، رفع رأسهِ إلى والدته:
-هيَّ زعلانة ليه، وبابا ممكن يضربني؟..أنا كنت عايز أشوف ليه الكاميرا دي مش زي دي..
ضمَّت طفلها تربتُ على ظهرهِ ثمَّ قالت:
-مش إحنا اتكلِّمنا كتير في الموضوع دا، طيِّب المرَّة اللي فاتت بابا سامحك ومتكلمش، ليه تبوَّظ فون عمِّتو كدا؟..
-واللهِ يامامي أنا كنت بكتشف اللي جوَّاه بس.
-يووووسف إحنا قولنا إيه، بلاش نلعب في حاجات غالية بالشكلِ دا.
سحبت كفَّيهِ وأجلستهُ ثمَّ جلست أمامه: 
-ممكن توعد مامي متعملشِ حاجة من غير ماترجع لي.
-أوعدك يامامي..صمت ثمَّ تساءل:
-هوَّ كدا بابي ممكن يضربني؟. 
قبَّلت وجنتيهِ ومسَّدت خصلاته:
-لا ياحبيبي، هوَّ ممكن يزعل، بس بابي ميضربش يوسف علشان هوَّ عارف نية يوسف كويس، المهم إنتَ لسة تعبان وفين النانا؟.. 
-النانا نزلت لنانا فريدة بعتت لها. 
-طيب قوم غيَّر هدومك علشان ننزل الجنينة نلعب شوية، ونتمرَّن، إيه نسيت حفلة المدرسة. 
-يااااس..قالها وركض إلى غرفةِ ملابسه..
بغرفةِ إلياس.. 
دفعت غادة الباب وصاحت بصوتٍ مرتفع: 
-إلياس قوم شوف ابنك عمل إيه في تليفوني، عايزة تليفون حالًا. 
تململَ بنومهِ على صوتِ غادة، وشعر أنَّه يحلم، فذهب بنومهِ مرَّةً أخرى ولكنَّها اقتربت من فراشه:
-إلياس..صرخت وهي تنظرُ إلى هاتفها بحسرة.. 
هبَّ من نومهِ فزعًا، ظنًّا أنَّ طفلهِ أصابه مكروه، خاصَّةً حينما لم يجد ميرال بجواره، ودخولِ غادة بتلك الطريقة:
-فيه إيه؟..تساءل بها بتقطُّع وقلبهِ ينبضُ بعنف..ألقت الهاتف ليسقطَ فوق الفراشِ أمامه ، تشير إليه قائلةً بغضبٍ وارتفاعِ أنفاسها:
– شوف ابنك اللي فاكر نفسه ماركوس برانولي..

توقَّف إلياس لحظة، يستمعُ إلى كلماتها، زفر ببطء، يحاولُ طرد اختناقه...لحظات من الصمت خيَّمت على المكان، زادت من غضبِ غادة التي صرخت داخليًا من هدوئهِ المستفز، فاقتربت منه مجدَّدًا:

– إلياس، بقولَّك يوسف بوَّظ الموبايل بتاعي، و...

رفع رأسهِ فجأة، يحدجها بنظراتٍ لو كانت تقتل، لما بقيَ منها أثر..ابتعد بنظرهِ ومرَّر كفِّهِ على وجهه، يحاولُ تهدئةَ غضبه الذي كاد أن ينفجرَ بها:

– اطلعي برَّة.
قالها بهدوءٍ متكلِّف، رغم النار المشتعلةِ في صدره..فيه بنت محترمة تدخل بالطريقة دي، وإيه الهبل اللي بتقوليه دا!!

– إلياس..!

صرخ بها لأوَّل مرَّة:
– اطلعي برَّة..واتعلِّمي الاحترام 
يامحترمة، إزاي تدخلي عليَّا وأنا نايم بالشكلِ ده؟ شكلك نسيتي نفسك..

صاح بها بانفجار، ووجههِ تحوّل إلى كتلةِ لهب، تذكَّر دخولها عليه وهو لا يرتدي سوى "شورت" قصير، فهاج غضبهِ أكثر.
-برررررة..قالها يشير إلى الباب 

تحجَّرت الدموعُ في عينيها، وركضت خارجةً بسرعةٍ نحو غرفتها..
أمَّا هو، فحاول ألَّا يضعفَ أمام دموعها، دفع الغطاءَ عن جسدهِ بقسوة، ونهض متوجِّهًا إلى الحمَّام..
توقَّف أمام المرآة، أنفاسهِ تتسارع، وقلبهِ يصفعهُ بقوَّة..كيف تعاملَ معها بتلك القسوة؟ لكن كلَّما تذكَّر دخولها عليه بتلك الطريقة، عاد صدرهِ يشتعلُ كأنَّ نيرانهِ ستحرقُ كلَّ ماأمامه..

بعد عدَّةِ أيام..
كانت تجلسُ بحديقةِ الفيلا، أسرع إليها يوسف وهو يحملُ هاتفًا من أحدثِ الماركات، اقترب وقبَّلها على وجنتيها:
-آسف عمِّتو، دا تليفون، بابي جابه لحضرتك.
استدارت تبحثُ عنه ولكن خيَّب آمالها، سحبت يوسف إلى أن جلس أمامها: 
-مش زعلانة منَّك، المهم جهَّزت نفسك لحفلة بكرة؟.
رفع الطفلُ يدهِ بسعادة: 
-أه..ادرَّبت كتير مع بابي، وكمان عمُّو أرسلان، عملنا  Acting rehearsal

-‏rehearsal..رددتها 
هزَّ رأسهِ وقال:
-أيوة عملنا بروفة وبابي كمان كان معانا..قبَّلت رأسه:
-أنا واثقة فيك ياحبيبي، وبدل بابي وعمُّو درَّبوك يبقى هتبقى أفضل actor في المسرحية، عايزة اشوف صلاح الدين 
-لسة زعلانة؟.
ضمَّته لأحضانها، تهزُّ رأسها بالنفي، وترقرقت دموعها حزنًا من معاملةِ إلياس الجافَّة لها، فمنذ يومين لا تراهُ ولم يهاتفها، هل هي بالفعل أخطأت، كيف تخطئُ وهي التي اعتبرته أخًا..
-يوسف..نادت بها المربية، ليركضَ إليها بعدما قال:
-باي ياعمِّتو، هنخرج..
أومأت له دون حديث وأطلقت لدموعها العنان في صمت، شعرت بجلوسِ أحدهم بجوارها استدارت سريعا تنظرُ إليه..زفر باختناقٍ وقال: 
-تعرفي مكنتش ناوي أكلِّمك، طول عمرك عاقلة، بس بقالك فترة مش عجباني، بقول يمكن الفراغ، بس إنتي آخر سنة يعني المفروض تكوني اعقل من كدا 

دموع فقط كانت تنسابُ على وجنتيها، ورغم دموعها قال:
-غلِّطي ولَّا لأ ياغادة؟.
-معرفشِ ياإلياس ليه مكبَّر الموضوع، أنا كنت مضايقة على اللي حصل، إنتَ عارف التليفون دا هدية بابا وغالي عليَّا جدًا، بس إنتَ عملت إيه..طردتني من أوضتك، عمرك ماعملتها، اتغيَّرت أوي..
التفت اليها وتعمَّق بالنظرِ لعينيها الدامعة:
-غلطي ولَّا لأ يابنتِ اللواء مصطفى السيوفي؟. 
شهقة أخرجتها تهزُّ رأسها بالإيجاب: 
-أه غلطت، بس دا من ضيقي.. 
-حاجة تافهة زي دي تدخلي عليَّا بالشكلِ دا!!
-حاجة تافهة ياإلياس!..شايف دا تافه؟!..
-أه..مالوش غير كدا، اقعدي مع نفسك وشوفي غلطك وصل لحدِّ فين.. 
قالها ونهض من مكانهِ ثمَّ أشار إلى الهاتف: 
-التليفون دا اعتبريه من يوسف، عوضًا على اللي بوَّظه، والتليفون التاني بعتُّه الشركة بتاعته وهيصلَّحوه وخلال أيام هيرجعلك، مش تليفون اللي ينسيكي الأدب والاحترام ياأستاذة غادة.. 
قالها وانسحب دون الالتفاتِ إليها. 

بعد عدَّةِ ساعات دلفت إلى غرفةِ ميرال بعدما أرسلت الخادمة إليها:
-دودي إيه رأيك في الفستان دا؟..
تعالي شوفيه، جبته علشان أحضر بيه حفل افتتاح معرض يزن الجديد.. 
صمتت ولم ترد عليها، مازال الحزنُ مخيَّمًا على وجهها..اقتربت منها ورفعت ذقنها:
-إنتي معيطة؟!..هزَّت رأسها بالنفي: 
-لا..مخنوقة شوية، حلو الفستان، وهيكون عليكي قمر. 
مسحت دموعها وقبَّلتها:
-عارفة انشغلت عليكي، بس والله مانسيت موضوعك، وكلَّمت أرسلان وهوَّ قالي هيكلِّم رحيل، محبتش أدخَّل علشان يزن وكدا، أرسلان أحسن منِّي ومن إلياس، وكمان الشركة هتنفعك، ورحيل نشيطة جدًا.
-وافقت يعني؟. 
أومأت لها وقالت:
-أه بكرة هتروحي تعملي مقابلة في الشغل، وتشوفي الدنيا خلال فترة الدراسة، عجبتك كان بها..معجبتش، شوفي غيرها..ارتفع رنينُ الهاتفِ فرفعته:
-أيوة ياأرسلان.
-اتكلِّمت مع طارق هوَّ اللي مستلم الشغل حاليًا، بكرة تروح وخلِّيها تتواصل معايا. 
-أوكيه، شكرًا ياأرسو..قالتها ميرال وهي تنظرُ إلى غادة: 
-كلَّمته قبل ماتيجي، علشان أتأكِّد منُّه برضو، رحيل الأيام دي مهتمة بولادها وطارق مستلم الشغل، بس هيَّ بتروح مش كتير..
-يعني المقابلة هتكون مع طارق؟. 
-أيوة..رتِّبي نفسك وعرَّفي بابا مصطفى وأهو تدريب من جهة وخبرة، ومن جهة تانية تسلِّي نفسك. 
-شكرًا ميرال. 
- حبيبتي مفيش شكر بينا. 

بشركةِ العامري كانت منشغلة بجهازها، دلف إليها، رفعت نظرها حينما شعرت بدخولِ أحدهم، تراجعت على المقعد تنتظرُ حديثه:
-طارق فين سألت عنُّه قالوا مش موجود.
-في شرم هيرجع بالليل
جلس بمقابلتها ونقر بأناملهِ على المكتب، ثمَّ رفع رأسه إليها و قال: 
-هننقل بكرة أو بعده في بيت جديد، عايز ألم أخواتي فيه مع بعض، البيت دا هيكون قريب من الشركة، جيت لك علشان نعدِّي عليه وتشوفيه، لو محتاجة حاجة معينة تتعمل فيه قبل ماننقل.
-لا والله..دا بجد ولَّا إيه؟!.
-رحيل ممكن نهدى شوية، إيه رأيك نعمل هدنة بينا.
توقَّفت من مكانها واستدارت تجلسُ بمقابلته: 
-هوَّ أنا عاملة حرب، غلطان ياسيادة المهندس، أنا في حالي، وزي ماإنتَ قولت مضطرِّين نقبل بعض علشان ولادنا. 
-رحيل..نهضت من مكانها: 
-عندي شغل ومش فاضية..ممكن تمشي دلوقتي وبعدين نتكلِّم، وبالنسبة للبيت مش فارق معايا أي مكان، المهم بيئة كويسة لولادي.. 
توقَّف واقترب يقبضُ على ذراعها وتحدَّث بنبرةٍ حادة:
-أنا خلقي ضيِّق وعلى أخري، اتعاملي معايا على إنِّي جوزك.. 
نفضت ذراعها بقوَّة وفتحت فاهها للتحدُّث إلَّا أن قاطعهم طرقًا على بابِ المكتب: 
-أستاذة رحيل الاجتماع جاهز. 
سحبت هاتفها وتحرَّكت دون أن تلتفتَ إليه..ظلَّ يراقبُ تحرُّكها إلى أن أغلقت الباب خلفها، اتَّجه إلى مقعدها وجلس على جهازها وبدأ يقلِّبُ به، مرَّت فترة وهو مازال بمكانهِ ثمَّ تحرَّك للخارج. 

عند إسلام.. 
توقَّف أمام كليَّتها الخاصة، بعد انتهاء حفل يوسف، ظل بمكانه يراقب بوابة الكلية إلى أن خرجت وجدتهُ يقفُ مستندًا على سيارته، تحرَّكت إليه بهدوء رغم حزنها منه..وصلت إليه تتلفَّتُ حولها ثمَّ تساءلت:
-فين غادة..!! 
فتح باب السيارة وأجابها:
-غادة معندهاش كلية النهاردة..اركبي أنا اتكلِّمت مع أرسلان وعرَّفته إنِّك هتخرجي معايا.
هزَّت كتفها للأعلى وردَّت:
-بس أنا مش عايزة أخرج، تعبانة وعايزة أرجع على البيت. 
سحبها من كفَّها وساعدها على الصعود، ثمَّ استدار إلى القيادة، تحرَّك إلى وجهته، صمتًا دام بالسيارة وهي تنظرُ للخارج..توقَّف، وتنهَّد قائلًا:
-معرفش إنتي زعلانة ليه، طيب ممكن أعرف إيه فايدة خروجك مع صحابك؟. 
-عايزة أروح ياإسلام، تعبانة كنت سهرانة طول الليل بذاكر وماليش مزاج..

-ملك متفكريش لمَّا تعملي كدا هغيَّر رأيي، أنا مش حابب موضوع خروجك مع صحباتك، طيب غادة مابتخرجش مع صحباتها، لمَّا تحب تخرج بتخرج هيَّ وميرال..
التفتت إليه وهتفت بنبرةٍ حادَّة:
-إسلام اسمعني، أنا لمَّا كلَّمتك علشان أستأذنك دا احترام للعلاقة اللي بينا، بس دا ميمنعش إنَّك متحكمش أعمل إيه، أنا لسة عند بابا، دي حاجة..الحاجة اللي المفروض تاخد بالك منها، أنا ملك الجارحي يعني محبش اللي يضغط عليَّا ويفرض رأيه.. 
-أفهم من كدا إيه؟..
-إسلام لو سمحت عايزة أروح. 
أوكيه..قالها وشغَّل السيارة متَّجهًا إلى فيلا الجارحي.. 

بمنزلِ إسحاق..

كانوا يجلسون يتناولونَ الطعام بجوٍّ من الفرحة، وضحكاتِ الأطفال حولهم..
تحدَّث إسحاق: 
-يعني عايز تقدِّم لبلال British International Modern
أومأ له بالموافقة ثمَّ قال: 
-أه بحثت كويس والمدرسة تمام، وعجبني فيها كذا حاجة، بس غرام مش موافقة.
اتَّجه بنظرهِ إلى غرام متسائلًا:
-ليه، المدرسة حلوة على فكرة، وكمان منهج تعليمي ممتاز، أنا شايف حمزة استفاد منها في كذا حاجة. 

-الاختلاف مش على المدرسة ياعمُّو، أنا عايزة ولادي يكونوا في جو متفاهم
غير طبعًا قواعد التربية الإسلامية، بقول نشوف مدرسة كويسة عربي أو لغات بس أهم حاجة الجانب الديني والثقافي يكون موجود، أنا عارفة مدرسة حمزة بيرفكت، بس برضو مفيهاش أي أنشطة دينية، يعني تقدر تقولِّي حضرتك ليه دايمًا بيهتمُّوا بالمناهج الحديثة، ونسيوا أصلًا أهمها القيم والأخلاق؟..
-غرام..أوقفها أرسلان وهو ينظر إلى إسحاق: 
-هيَّ كل اللي تقصده عايزة بلال يدخل مدرسة عربي، رافضة أي مدرسة لغات.. 
-لا ياأرسلان، مش دا قصدي على فكرة..
أهم حاجة عندي مش عايزة ابني يفقد هوية اللغة العربية، وقبل دا كلُّه يعرف دينه..على فكرة السن الصغير تعرف تبني فيه قيم وأخلاق، وإنتَ كنت معارض إلياس على دخول يوسف مدرسة عربي، رغم أنُّه عجبني طريقته.. 
قال المدرسة يتعلِّم فيها الأساسيات وأنا هضفله اللغات..

ردَّ أرسلان معترضًا:
-بس يوسف دخل لغات حبيبتي، مش عربي.
تنهَّدت وقالت: 
-دا لمَّا عمُّو مصطفى تدخَّل بنفسه، مع إن أنا شايفة فكرة إلياس كويسة، فكَّر معايا السن الصغير دا، إيه لازمة اللغات الكتيرة دي في بلد عربي، هتقولِّي أساسيات، سوري بقى هقولَّك عبث، إيه الأساسيات في سن من خمس سنين لتناشر أو تلاتشر سنة يعرف فرنسي وألماني وإيطالي، إيه الفايدة، علشان أفرح بابني أنُّه عارف لغات كتيرة، في وقت كان المفروض يعرف إن رمضان شهر الصوم، الصلاة في أوقاتها.. 
حقيقي أنا مش موافقة على المدارس اللي بالشكلِ دا...عندنا مدارس عربي كتيرة في منتهى الخبرة، وإزاي بيقدِّموا منهج تقييمي، عايزة أعلِّم ابني لغات في سن يكون محتاج أنُّه يضيف لغة يُستفاد بيها، مش أزخم عقله بأساسيات مالهاش لازمة.. 
توقَّفت قائلة:
-آسفة ممكن يكون انفعلت شوية، بس حقيقي الموضوع دا تعبني أوي، لأنُّه متوقِّف على حياة ولادي، آسفة حقيقي عمُّو إسحاق، أنا بقول مجرَّد رأي واللي عايزه أرسلان أكيد هوَّ اللي هيحصل..
أشارت إلى الطعام وقالت:
-كمِّلوا أكل، وأنا هعملُّكم القهوة، بعد إذنِ دينا طبعًا. 
نهضت دينا وابتسمت: 
-أنا شبعت، وهاجي معاكي. 

صمتًا دام للحظاتٍ على طاولةِ الطعام إلى أن قطعهُ إسحاق:
-عجبني كلامها جدًا على فكرة، حاول تتفاهم معاها، هيَّ من حقَّها تشوف المناسب لأولادها.
-إن شاءالله..قالها ونهض قائلًا:
-شبعت الحمدُ لله هستناك في البلكون.. 

مرَّت فترة وهم يتحادثون في مختلفِ المواضيع إلى أن قاطعه: 
-أنا اتكلِّمت مع إلياس علشان الكمبوند، هوَّ قال بابا هيرفض، مضحكش عليك، حسِّيت أنُّه هوَّ اللي رافض، بعد كام يوم كلِّمني وقال خلاص..

المشكلة هنا في فاروق مستحيل يوافق، روحه في القصر، مستحيل يبعد عنُّه..
-طيب ماحضرتك ياعمُّو، ليك حق في القصر، مش هيصعب عليك.. 
ابتسم وتذكَّر طفولتهِ ثمَّ أجابه:
-لا..أنا مش مرتبط بيه أوي، إنتَ عارف شغلنا كان معظم الوقت برَّة، وأنا مكنتش حابب القصر من وأنا صغير، صمت يتذكَّرُ حديثَ والدته، ومشاهدَ عابرة أمام عينيهِ ثمَّ أردف:
-مش فارق معايا القصر، المهم ححاول أتكلِّم مع فاروق. 

عند غادة.. 

هرولت سريعًا لتلحقَ المصعدَ قبل صعوده، أوقفتها إحدى العاملات:
-الأسانسير دا خاص بالمدير وصاحب الشركة ياأستاذة.
قطبت جبينها وأشارت على نفسها بثقة:
-اعتبريني صاحبة الشركة، وسَّعي كدا خُلقي ضيَّق، متعرفيش أنا مين؟.
أوقفتها السكرتيرة:
-لو سمحتي ياأستاذة، شكلك لسة جديدة في الشغل..
جزَّت على أسنانها واستدارت ترفعُ هاتفها تتحدَّث مع أرسلان بصوتٍ مرتفع:
-دا الشغل اللي هشتغل فيه ملكة؟!.. طردوني من على الباب.. 
توقَّف معتذرًا من عمِّهِ محاولًا  استيعاب مانطقته، ثمَّ سألها:
-إنتي فين دلوقتي؟!
نظرت حولها إلى أن وقعت عيناها على اسمِ الشركة وقالت :
-في الشركة اللي حضرتك قولت عليها..
قالتها واستدارت للمغادرة ومازالت تتحدَّث:
-خلاص قفلت من الشركة دي ومستحيل أشتغل فيها، قال المدير ليه أسانسير لوحده..
-طيب ياغادة فهِّميني إيه اللي حصل؟.. 
-أرسلان خلاص انسى، مش هشتغل.
-يابنتي اهدي، خلِّيكي زي ماإنتي، وأنا هتصرَّف..قالها وأغلقَ الهاتف وقام الاتصالَ بطارق: 
-طارق إنتَ في الشركة؟. 
كان متَّجهًا إلى غرفةِ الاجتماعات،  فتوقَّف قائلًا:
-أيوة..عندي اجتماع بعد عشر دقايق، فيه حاجة؟. 
-آسف ياطارق، غادة السيوفي تحت، وشكل حد من الموظفين ضايقها، وهيَّ بنت رقيقة، مالهاش في الكلام الناشف، لو هتعبك كلًِّم السكارترية يوصُّولوها لمكتبك، وزي ماقولت لك البنتِ شاطرة بس هيَّ كيوتي ومالهاش في المعاملة الجافة..
-تمام ياأرسلان، هتولَّى الأمر بنفسي، لو الأفضل كانت ميرال كلِّمتني، مالوش لازمة إنَّك تتوسَّط لها.
-لا يابني مش اللي في دماغك، إحنا مش عايزين ضغط على رحيل..علشان يزن بس، فهمت؟. 
-تمام ...بالأسفل عند غادة توقَّفت للحظات مثلما قال أرسلان، استمعت إلى إحدى العاملات خلفها: 
-إنتي غادة السيوفي؟. 
استدارت ترمقها ببرود، إنَّها نفس الفتاة التي منعتها من الصعود.
-أيوة..أشارت الفتاة إليها: 
-مستر طارق منتظرك في المكتب. 
تحرَّكت بجوارها متَّجهةً إلى المصعد، فلوت شفتيها بابتسامةٍ ساخرة: 
-مش دا بتاع المدير؟.
لم ترد عليها الفتاة وتحرَّكت دون حديث، دقيقة وكانت بداخلِ مكتب طارق، الذي يتحدَّثُ بهاتفه، أشار إليها بالجلوس وتابعَ حديثهِ إلى أن انتهى من المكالمة:
-أهلًا أستاذة غادة.
-أهلًا بحضرتك...استدعى السكرتارية الخاصَّة به وطلب منها: 
-هتاخدي أستاذة غادة مكتب أستاذ علام، وهوَّ عارف هيعمل إيه.
-حاضر يافندم..أشارت إليها الفتاة:
-اتفضلي أستاذة غادة...اتَّجهت بنظرها إليه:
-هوَّ أنا هشتغل إيه؟.. أنا حاسبات ومعلومات.. 
نصب عودهِ وحمل هاتفهِ متَّجهًا إلى غرفةِ الاجتماعات وهو يتحدَّث إليها: 
-هتشتغلي في الحسابات، أستاذ علام عارف هيعمل إيه.. 
-يعني أستاذ علام عارف وأنا اللي هشتغل معرفش؟!. 
توقَّف فجأةً يرمقها بابتسامةٍ على طريقةِ ردِّها الغاضبة: 
-لأنُّه هوَّ المسؤول على قسم الحسابات، أكيد مش هروح أجيب موظف الأمن يقولِّك هتعملي إيه، وهوَّ اللي حيعرَّفك هتشتغلي إيه..كدا كويس؟..بعد إذنِ الأستاذة تدخل لأستاذ علام وبعد كدا نشوف الشغل هيعجبها ولَّا لأ..
توسَّعت عيناها بغضبٍ من ردِّهِ الساخر، جزَّت على أسنانها وهي تراقبهُ بنظراتها الحادَّة وهو يتحرَّكُ متَّجهًا إلى غرفةِ الاجتماعات.. 

مرَّت عدَّةُ أيامٍ على عملها في الشركة، شعرت بالتوافق أحيانًا بينها وبين وظيفتها، ولكن أحيانًا كانت تشعرُ بالغضبِ من طريقةِ طارق الباردة وأسلوبهِ الفظ..

صباحَ يومٍ جديدٍ دلفت إلى مكتب رحيل التي استدعتها:
-مبروك الشغل ياغادة، سعيدة بوجودك، يالَّه خلَّصي السنة دي واعتبري نفسك صاحبة المكان. 
ضحكت بصوتٍ مرتفعٍ تشير إلى مكتبِ رحيل:
-صاحبة المكان مرَّة واحدة، لا وحياتك بلاش أنا بزق نفسي بالعافية علشان الشغل.. 
أشارت إليها بالجلوس ثمَّ تساءلت:
-قوليلي مرتاحة ولَّا لأ..فيه حد مضايقك؟.
-أه..قالتها سريعًا، لتنظر إليها رحيل بجبينٍ مقطَّب:
-مين اللي مضايقك؟.
-أخو جوزك، هذا الكائن لوح تلج ماشي على الأرض. 
قهقهت رحيل وتوقَّفت متَّجهةً تجلس بالمقعدِ الذي يقابلها: 
-قصدك طارق؟.
هزَّت رأسها ومازالت ابتسامتها تنيرُ وجهها:
-بالعكس طارق شخص كويس جدًا.
-لا بس مش زي يزن خالص، أينعم يزن أوقات بحسُّه شخص جد، بس مش بارد زي الكائن دا. 
هنا تذكَّرت قاهرَ قلبها، فتنهَّدت بألمٍ يحرقُ روحها وحاولت رسمَ ابتسامة، إلَّا أنَّ غادة التقطت حزنها:
-أنا عارفة المشاكل اللي بينك وبين يزن، ممكن أقول رأيي ولَّا حتزعلي؟.
صمتت رحيل تهزُّ رأسها بالموافقة:
-إنتي غلطانة أكيد، لازم الدنيا تهدى بينكم علشان يزن شخص يستاهل بجد، أنا طبعًا مش هقولِّك هوَّ قدِّ إيه شخص عصامي وراجل، أنا سمعت عنُّه كتير من ماما وميرال، غير طبعًا زيارته لينا وكلام إلياس وإسلام، وأنا واثقة في أخواتي، عمرهم ماهيقولوا على واحد راجل إلَّا هوَّ فعلًا راجل، الغلط حصل وخلاص، يبقى ليه نضيَّع أوقات حلوة نعاتب بعض على الغلط دا!!.
آسفة حقيقي يارحيل، بس أنا بعتبرك زي ميرال، يزن شخص كويس حاولي تصفُّوا اللي بينكم. 
كان يقفُ لدى الباب فاستمعَ إلى حديثها مع رحيل، تراجعَ إلى مكتبه، وجلس يفكِّر بتلك الفتاة التي لم تتجاوز الخمسةَ وعشرين عامًا ولكن حديثها يسبقُ عمرها، هنا تذكَّر ميرال ورؤى، نعم نفس التفكير بالمنطق، هل هذا لأنَّهم تربُّوا داخل أسرة سوية، أم هناك عامل مشترك بينهم بقربهم لشخصٍ مثل إلياس..مسح على وجههِ بدخولِ السكرتيرة:
-مستر طارق، مواعيد النهاردة. 
أشار إليها أن تضعهم على مكتبه، وضعتهم وخرجت مع ارتفاعِ رنينِ هاتفه:
-طارق هات رحيل على البيت الجديد، إحنا هناك، وهنبات فيه.. 
-تمام..عند رحيل ظلَّت تفكِّر بما ألقته عليها غادة إلى أن ارتفعَ رنينُ هاتفها:
-أيوة؟.
-رحيل يبقى شوفي الفينال بتاع مشروع العربيات اللي بعته يزن، وشيِّكي عليه، وخلِّي بالك المشروع دا مهم أوي، وأنا شايف فكرته حلوة مع المهندسة يارا.
-أه المهندسة يارا، هيَّ اللي عملت التصميم دا مش كدا؟.
-أكيد هي، ماهو جوزك مش مهندس الكترونيات، أنا شايف البنت شغلها حلو، وزي ماشوفتيها في الاجتماع لبقة وشاطرة جدًا، وأفكارها رائعة، يزن بيقولِّي المشروع دا أخد منها تصميم تلات شهور، تخيَّلي بقى يكون إزاي بالدقَّة والمهارة دي.
-تمام ياطارق، والاجتماع بتاع المهندسة العبقرية دي إمتى، وهل يزن باشا لازم يكون موجود؟.
-الاجتماع بالليل، أه يزن لازم يكون موجود، إنتي ناسية نسبته في الشركة؟. 
-خلاص..








القسم الثاني من الفصل الأخير

-طارق هات رحيل على البيت الجديد، إحنا هناك، وهنبات فيه.. 
-تمام..عند رحيل ظلَّت تفكِّر بما ألقته عليها غادة إلى أن ارتفعَ رنينُ هاتفها:
-أيوة؟.
-رحيل يبقى شوفي الفينال بتاع مشروع العربيات اللي بعته يزن، وشيِّكي عليه، وخلِّي بالك المشروع دا مهم أوي، وأنا شايف فكرته حلوة مع المهندسة يارا.
-أه المهندسة يارا، هيَّ اللي عملت التصميم دا مش كدا؟.
-أكيد هي، ماهو جوزك مش مهندس الكترونيات، أنا شايف البنت شغلها حلو، وزي ماشوفتيها في الاجتماع لبقة وشاطرة جدًا، وأفكارها رائعة، يزن بيقولِّي المشروع دا أخد منها تصميم تلات شهور، تخيَّلي بقى يكون إزاي بالدقَّة والمهارة دي.
-تمام ياطارق، والاجتماع بتاع المهندسة العبقرية دي إمتى، وهل يزن باشا لازم يكون موجود؟.
-الاجتماع بالليل، أه يزن لازم يكون موجود، إنتي ناسية نسبته في الشركة؟. 
-خلاص..قالتها وأغلقت الهاتف وهي تتآكلُ من الغضب ..نهضت من مكانها ودارت حول نفسها بغضب، بدخول غادة: 
-أستاذ علام بعتلك الملف دا، وبيقولِّك شوفي أرقام آخر مشروع وقارنيه بالميزانية.. 
توقَّفت غادة عن الحديث بعدما وجدت حالتها المنهارة:
-في حاجة؟..هزَّت رأسها بالنفي وقالت:
-حطِّي الملف عندك..أومأت وهمَّت بالمغادرة إلَّا أن أوقفتها رحيل: 
-غادة..
التفت اليها تنتظرُ حديثها، لتقتربَ منها رحيل: 
-طالبة منِّك خدمة، بس ..توقَّفت ثمَّ قالت:
-هيَّ مش خدمة قد ماهوَّ وجع دماغ.. 
قطبت غادة جبينها لتقصَّ لها رحيل مايدورُ بذهنها..
-طيب أنا هاخده بصفتي إيه؟.. أنا هنا شغَّالة محاسبة، ودا ورق تصميم، وبعدين حسَّاه إهدار لتعب وجهد مهما اختلفنا.. 
-غادة البنتِ دي مش طيقاها، ولا عايزة تشتغل عندي، وإنتي فاهمة قصدي إيه.. 
-حاضر..اتصرَّفي وربِّنا يستر، بس عندي اقتراح اعمليه قبل ماتتصرَّفي..

بعد عدَّةِ ساعاتٍ على طاولةِ الاجتماعات: 
-يعني إيه ياطارق مشروع زي دا يكون  مع موظفة لسة مكملتش شهر؟..لا وكمان تحت التدريب. 
-ممكن الباشهندس يهدى، إحنا في اجتماع، وزي ماحضرتك قولت، مكنتشِ تعرف، أنا بعت المشروع علشان تعمل دراسة مالية، مش دا تخصُّصها ياأستاذ علام؟.
-أيوة فعلا أستاذة رحيل بتقول اللي حصل، وهيَّ من الصبح شغالة عليه، وأنا أتحمِّل جزء من المسؤولية، مكنتش واخد بالي والقهوة وقعت منِّي أنا..

شعرت يارا بأنَّ أحدهم سكب فوق رأسها كوبًا من الماءِ المثلج، التفتت إلى يزن بعيونٍ دامعة:
-شغل تلات شهور ضاع، دي ثقتي فيك ياباشمهندس!!.
توقَّفت رحيل تجمعُ أشياءها قبل أن تطبقُ على عنقها وقالت:
-بدل المشروع اتحرق مع القهوة، يبقى الاجتماع مالوش لازمة..رمقت يزن بنظرةٍ ساخرة:
-إيه يازوجي الحنون مش هنمشي ولَّا هنقعد نبكي على الورق المدلوق عليه قهوة..قالتها وخطت للخارج بخطواتٍ أنثويةٍ سعيدة بما حقَّقته، ليهبَّ يزن خلفها يشيرُ إلى طارق:
-خلِّي حد يوصَّل الباشمهندسة يارا..
بينما عند رحيل صعدت إلى سيارتها متَّجهةً إلى منزلها وهي تدندنُ مع أغنيتها.. 

بسيارةِ يزن توقَّف على رنينِ هاتفه:
-يزن عدِّي عليَّا، محتاجاك في موضوع ضروري. 
-حاضر ياميرال...

بغرفةِ ميرال قصَّت لها غادة ماصار، ظلَّت تضحكُ على مافعلته، واتَّجهت إلى الأسفل:
-طيب تعالي ماما فريدة مجمَّعة الكل، أرسلان تحت، وكمان يزن جاي في الطريق..
-رحيل جاية معاه؟..أنا خايفة يكون عرف وينفخني. 
-لا متخافيش، إنتي هنا وسط أخواتك، الصراحة أنا مضمنشِ يزن هيعمل إيه، بحثت عن هاتفها فأشارت إلى الأعلى: 
هطلع أشوف الفون فين، شكلي نسيته عند يوسف ودا كارثة متحرِّكة.. 
قالتها راكضةً إلى غرفةِ يوسف، بينما هبطت ميرال إلى التجمُّع بدخولِ يزن 
ملقيًا السلام..
أشارت إليه فريدة: 
-اإيه يابني متجيش غير لمَّا نبعت لك؟..
انحنى يقبِّلُ رأسها:
-آسف شغل والله، بنقل بيت جديد..جلس يبحثُ عن غادة بعينيهِ ثمَّ تساءل:
-هيَّ غادة فين؟. 
رفع إلياس رأسهِ من فوق هاتفهِ وتساءل:
-بتسأل عن غادة ليه؟. 
حمحم وقال: 
-عايز أسألها عن حاجة في الشغل بس، مالك اتخضِّيت ليه، هوَّ عمُّو مصطفى مش موجود ولَّا إيه؟.
-لا بابا في اسكندرية، له صديق مريض.
-ألف سلامة.. 
-تعالَ يايزن جنبي عايزة أتكلِّم معاك شوية.. 
قالتها فريدة لينهضَ أرسلان قائلًا:
-هشوف الولاد فين.. 
بينما تحرَّكت ميرال وغرام إلى المسبح..

تابعتهُ فريدة ثمَّ قالت: 
-مجبتش رحيل معاك ليه؟. 
-ميرال قالتلي أعدِّي لأنَّها عايزاني في موضوع، مقلتش حاجة تانية..
-طيب حبيبي الدنيا هديت ولَّا لسة زي ماأنتوا؟..
رسم ابتسامةً وهزَّ رأسه: 
-أه الحمدُ لله، كلِّنا بنمر بأوقات صعبة وبنعدِّيها، التفت إلى إلياس الذي يتابعُ الحديثَ بصمتٍ ثمَّ قال:
-منكرشِ الموضوع كان صعب في الأوَّل، لكن كلِّ حاجة ربِّنا مسيَّرها بقدره. 
-ونعمَ بالله ياحبيبي..المهم حاول تجبها لو مرَّة واحدة في الأسبوع، خلِّيها تقرَّب من البنات، واعذرها حبيبي، أنا سبتها علشان تهدا، وزي ما إلياس أقنعني، حياتك الخاصَّة ومحدش له أنُّه يتدخَّل.. 
هزَّ رأسهِ دون تعليق، لمح بعينيهِ تحرُّك غادة إلى ميرال وغرام، ظلَّ يراقبُ تحرُّكها إلى أن قال إلياس: 
-إيه رأيك تنضم للكمبوند اللي بيقول عليه إسحاق الجارحي، وأهو نكون قريبين من بعض.. 

ضيَّقت فريدة عيناها متسائلة: 
-كمبوند إيه؟. 
قصَّ لها إلياس مااقترحه إسحاق، بوصولِ إسلام وأرسلان..
-يعني إيه مش فاهمة..وباباك وافق يسيب الفيلا هنا؟..
-أه وافق..
-بابا قال بدل هنكون كلِّنا في مكان واحد، علشان شايف كلِّ واحد منِّنا في مكان يعني.. 
-معقول مصطفى وافق يسيب الفيلا دي ويروح مكان تاني؟!.. 

عند ميرال.. 

كانت غادة تتحدث معها بعدما تركتهم غرام متجهة نحو ابنائها
-دمُّه تقيل ياميرال وبارد، يخربيت تقلِ دمُّه..قاطعهم وصول يزن يحملُ كاسة من العصير، يتطلَّع إليهم بتساؤل:
-واقفين هنا ليه، ميرو جوزك كان بيسأل عليكي.. 
هزَّت رأسها ثمَّ همست لغادة:
-اهربي قبل مايزن ينفخك.. 
قطبت جبينها ترمقُ يزن بصمت، ثمَّ قالت:
-ليه وأنا مالي، يروح يحاسب مراته، عايز يتشطَّر عليَّا، لكزتها بخفَّة وهي تنظرُ إلى يزن الذي يراقبهم بصمت، ثمَّ تحرَّكت ميرال وهي تضحك، فتراجعت مستديرةً إلَّا أنَّه أوقفها: 
-استني عندك..
أغمضت عينيها محاولةً الثبات، فاستدرات وهي ترسمُ ابتسامة:
-إلياس قالِّي أتعامل معاك زيَّك زي أرسلان، يعني هعتبرك ابنِ عمي.. 
إزيَّك يابنِ عمي؟..قالتها مع اقترابهِ منها وقال:
- وأنا برضو هتعامل معاكي على إنِّك أختي الصغيرة..
-إزيك ياأختي الصغيرة؟.. 
-إنتَ هتستهبل..وصل إليها بخطوةٍ واحدة: 
-بت أنا على أخري منِّك. 
-وأنا مالي، هيَّ لا هو ، لا هما الاتنين.. 
أطبق بعنفٍ على ذراعها  فانبثقت دمعةً من جفنيها مع وصولِ إسلام يصرخُ به:
-يزن..ابتعد يزن عنها مستغفرًا ربَّه، باقترابِ إسلام من أخته..
دفنت نفسها بأحضانهِ تبكي بصمت، 
ربتَ على ظهرها:
-إيه اللي حصل؟..حاول أن يسحبَ أنفاسهِ بهدوء، ولكن كلَّما تذكَّر ما فعلتهُ يشعر بأنَّه يريد أن ينقضَّ عليها، 
اقترب من وقوفِ إسلام:
-إنتي مرتاحة يعني لمَّا تبوَّظي شغل لواحدة تلات شهور سهر وتعب وإرهاق، متأكد إنِّك عملتيها بقصد.. 
-أه عملتها بقصد، قالتها بصوتٍ مرتفع.. 
أزالت دموعها واقتربت منه: 
-تصدَّق بالله أنا غلطانة علشان حاولت أساعدك، بس إنتَ فعلًا متستهلش..
غادة..صرخ بها إلياس الذي وصل على صوتِ صراخهم ثمَّ أشار إليها:
-اعتذري.. 
نظرت إليه بعيونٍ جاحظة، كيف يطلبُ منها ذلك وهو لا يعلم ماصار، اقترب وأمسكها من ذراعها بقوَّة:
-اعتذري بقولِّك.. 
رمقت إسلام الصامت بخزي، ثمَّ رفعت عينيها إلى يزن: 
-أنا آسفة، يبقى عرَّف حضرة الظابط إنَّك حاولت تضرب أخته، دا لو كنت أخته..قالتها وصعدت سريعًا إلى الأعلى..بتوقُّفِ إلياس ينظرُ إلى يزن بصدمة:
-يعني إيه اللي بتقوله دا؟!..
همَّ بالمغادرة وهو يسبُّ رحيل بداخله، يريدُ أن يصل إليها ويعلِّمها درسًا لا يُنسى، بينما اقتربَ إسلام يربتُ على كتف إلياس: 
-أنا عارف قصدك من اعتذار غادة،  علشان تمادت مع اللي أكبر منها، بس كان لازم تسمعها الأوَّل، معرفش إيه اللي حصل بس متوقعشِ غادة غلطت ياإلياس..

صعدت ميرال إلى غادة بعدما علمت ماصار، وجدتها شاردة بالشرفة، جلست بجوارها وجذبتها لأحضانها:
-متزعليش من إلياس ويزن حبيبتي، أنا عارفة الاتنين غلطانين، بس الغلط الأكبر عندك، من إمتى ياغادة وإحنا بنكلِّم اللي أكبر منِّنا كدا؟!..
مسحت دموعها وتراجعت بجسدها: 
-أنا معترفة إنِّي غلطانة، انسي، أنا ممكن أكون الأيام دي مضغوطة من الكل والشغل علشان كدا بتأثَّر جدًا..
المهم سمعت من ماما فريدة أنكوا هتعيشوا في بيتكم على طول صحيح؟..
أنا مش عايزة تمشوا من هنا ياميرال..
احتضنت وجهها وأزالت دموعها:
-حبيبتي أنا هنا مش هنمشي، وكمان سمعت..قطع حديثهم دخول إسلام ينظر إلى توأمهِ بحزن، اقترب منهما فنهضت ميرال وقالت:
-هروح أشوف يوسف، أكيد بلال مش دلوقتي.. 
أومأت لها فتحرَّكت بينما جلس إسلام بجوارها: 
-عاملة إيه دلوقتي؟..عارف مقصَّر معاكي، بس ضغط شغل وجامعة.. 
-وملك..قالتها وهي تنظرُ للخارج.. 
أدار وجهها ينظرُ لمقلتيها:
-مش ملك اللي بعداني عنِّك، وعلى فكرة بقى أنا وملك احتمال كبير نترك بعض. 
تطلَّعت إليه بذهول وهتفت بغضب:
-إنتَ بتقول إيه؟!..اتجنِّنت، مش دي ملك اللي كنت هتموت عليها!! 
جذبها من أكتافها وضمَّها تحت حنانِ ذراعيهِ وقال:
-مفيش بينا تفاهم ياغادة، أنا دلوقتي فهمت خناقات إلياس وميرال ليه، يمكن ميرال كانت بتحبِّ إلياس وحاولت تتغيَّر علشانه، إنَّما ملك مصرَّة تفضل ملك الجارحي.
-يعني إيه ياإسلام؟..
زفر باختناق وابتعد بنظرهِ عنها قائلًا:
-يعني لسة محتاج شوية وقت علشان أشوف حياتي صح، أنا مش عايز 
أتسرَّع.
شهقت غادة تهزِّ رأسها بالرفضِ وقالت:
-بابا مستحيل يوافق، إنتَ كدا بتصغَّره..
توقَّف قائلًا:
-بعدين نتكلِّم في الموضوع دا..المهم اهتمِّي بدراستك علشان متقصريش في الكلية، وحاولي تبعدي عن الخلافات الشخصية، استمعوا الى طرقٍ على الباب، دلفت فريدة تنظرُ إليهما بحزنٍ وقالت:
-ينفع كدا ياغادة؟!! آخر من يعلم باللي بيحصل معاكي.. 
توقَّفت وتمتمت بنبرةٍ تصرخُ بالألم: 
-ماهو حضرتك لو كنتي بتهتمِّي زي الأوَّل كنتي عرفتي.. 
ابتلعت فريدة ريقها بصعوبة وشعرت بالحزنِ وهي تنظرُ إلى إسلام الذي ابتعدَ قائلًا:
-أنا هنزل لإلياس تحت..

بالأسفل.. 
كان يجلسُ أمام المسبحِ ينظرُ إليه بحزن، وكلماتِ غادة ترن بأذنه، هل هو بالفعل تسرَّع، وصل إسلام يرمقُ أرسلان الذي يجلسُ يطالعهُ بصمت، فاقتربَ من أرسلان وجلس بجواره:
-إيه اللي حصل؟.. 
-معرفش، بس اتخانق مع ميرال علشان غادة.. 
أممم قالها إسلام وهو يهزُّ رأسهِ ثمَّ غمزَ إليه:
-سمعت آخر الأخبار ياأرسو؟.
-لا ماسمعتش..
مش إحنا هننقل في مكان اسمه كمبوند..
ضحك أرسلان وقال: 

وهنكتب عليه لافتة: 
(كمبوند المخطوفين) 

لكزهُ بخفَّة وهو يضحكُ غامزًا:
-لا هنكتب عليه كمبوند اليأس وشركائه، هوَّ أنا ماقولتلكش 
لا..ماقولتليش..يالَّه افضح 
كان يامكان ياسادة ياكرام، فيه واحد غصبوه على الجواز، حتى العروسة كانت بتناديه اليأس، وكانت بتقول دا يكلبشوه، مش يجوزوه، جوم إيه بقى 
ماتقول يابني بالصعيدي 
ضحكَ الآخر وقال:
جوم إيه بقى..قالها بضحكاتٍ مرتفعة..إلَّا أنَّ إلياس رمقهم بنظرةٍ حادة وبحثَ عن شيء، ومازالت ضحكاتهم بالارتفاع فقام بخلعِ حذائه وألقاهُ عليهم: 
-امشوا من هنا ياأوباش
قهقه إسلام واتَّجه إليه يعانقهُ من الخلف:
-واللهِ ماتتنرفز النرفزة غلط عليك..
دفعهُ إلياس وتوقَّف يشير إلى حذائه:
-هات الجزمة ياجزمة.
دفعها أرسلان بقدمه، ورفع هاتفه:
-ياله امشي حافي علشان أصوَّرك وأعمل ترند..ابتعد إسلام عنه يرفعُ يدهِ إلى أرسلان:
-شوط يابني أنا هنا وإنتَ صوَّر.
-هات الشوز يابغل بدل ماطلَّع غضبي عليك..

باليوم التالي وصل مصطفى ودلف إلى الداخل ملقيا السلام 
هبت غادة من مكانها متجهة إليه كالطفلة تشعر بأنها يتيمة ولا أحد يشعر بها..كانت فريدة تراقبها بحزن، فمنذ حديثهما بالأمس وهي تشعر أن هناك جدار وضع بينهما صعب هدمه 

بينما إلياس الذي شعر بالغضب من نفسه، هل تلك طفلته البريئة التي كان يعتبرها ابنته وليست اخته، هل ماحدث جعل بينهما محيطات وابحار، أراد أن يلقنها درسا بأن تفرق بين الصح والخطأ ولكن استعمل طريقته الخطأ
ضمها مصطفى مع ارتفاع بكاؤها
-حبيبتي اهدي مالك، ابتعدت عن والدها وقالت
-آسفة يمكن وحشتني
توقف إلياس ينظر إلى ميرال 
-هبات في الشغل، خلي بالك من نفسك ومن يوسف، قالها مقتربا منها، ثم انحنى يهمس إليها 
-خليكي مع غادة، واعرفي ايه اللي قلبها كدا 
-حاضر...ذهب إلياس وجلس مصطفى يوزع نظراته على الجميع مبتسما
-ليلة واحدة ارجع الاقي الدنيا كدا 
بسطت ميرال كفيها إلى غادة 
-تعالى نتمشى شوية يادودي ، بينما التفت  اسلام لوالده وقال
-بابا..لسة فيه اخبار جديدة 
التفت إليه متسائلًا:
-اخبار جديدة، ايه اللي حصل 
ابتلع ريقه ونظر إلى فريدة التي تطلع إليه بتساؤل تنطقه عيناها
-أنا وملك انفصلنا 
-نعم ...صاح بها مصطفى وهب من مكانه يشير إلى فريدة بغضب
-ايه اللي بسمعه دا ..ارتدى اسلام نظارته وحمل حقيبته قائلا
-أنا قررت يابابا، مالوش داعي حضرتك تضايق 
توسعت عيناه ينظر إلى تحركات ابنه بغضب، وتحدث بصوت غاضب
-بقى الراجل بيكلمني علشان نتجمع كلنا في كمبوند، ليرضي الكل من غير زعل، انا أكلمه واقوله اسفين ابننا طلع عيل 

اقتربت فريدة منه وحاولت تهدئته
-مصطفى ممكن تهدى 
-اهدى، انتي شايفة بعد اللي ابنك عمله أهدى ..دار حول نفسه وبدأ يحدث نفسه
-ارد على الراجل واقوله اسفين، بدل مااقوله موافقين أننا نقل الكمبوند 

وصلت ميرال وغادة على صوت مصطفى الغاضب
-اسمعي يافريدة، الواد دا تعقليه، مستحيل أوقع علاقتي بالجارحي علشان ابني عيل، وفهميه بعد شهر كلنا هننقل الكمبوند خلاص مبقاش ينفع كل واحد مننا في مكان ..وانا ضايع بينكم، إلياس في حتة، وارسلان في حتة، والاستاذ اسلام اللي كبر على ابوه كمان، وانتي وزعلك على اولادك رغم محاولاتك انك مش مهتمية يبعدهم
-يعني ايه يابابا..حضرتك عايزنا نسيب بيتنا اللي اتربينا وكبرنا فيه 
-غادة انا مش فايق لك، كلنا هننقل من هنا 
-كلنا هننقل من هنا، عايز تبعدنا عن ذكريات امي، طيب انا مش عارفة احس بيها غير هنا، يعني حضرتك مستخصر فيا ذكرياتها 
-غادة ..اقتربت فريدة 
-مصطفى اهدى، اسمع لبنتك 
دنت غادة منه وهتفت بدموعها
-برافوو ياحضرة اللوا، امسح كمان وكمان ذكريات امي من كل الجدران ..ولا اقولك اهدم البيت دا كله
قبل ماتنقل من هنا 
-ميرال ..خدي غادة على فوق 
سحبتها ميرال ولكنها توقفت تنظر لوالدها لأول مرة بالماء حكته عيناها قبل شفتيها، ثم قالت
-النهاردة بس اتأكدت اني يتيمة ..رمقت فريدة بنظرة خالية من الحب وصعدت إلى غرفتها، تحركت ميرال خلفها سريعا وهي تقول
-مفيش حاجة إن شاءالله هتهدى ..ثم قامت بمهاتفة جوزها الذي أجاب سريعا
-إلياس تعالى على البيت، الدنيا شايطة
توقف قبل صعوده إلى مكتبه
-ايه اللي حصل 
قصت له ماصار، سحب نفسا وزفره ثم قال
-سيبي بابا يتعامل، مينفعش ادخل بينهم ..انتي خلي بالك منها وقربي واعرفي ايه سر التغيير

مرت الايام سريعا إلى أن دلف مصطفى يحمل تذاكر سفر وقال 
-هنسافر كلنا بعد بكرة نحج، لازم نبعد شوية عن الخلافات، وان شاءالله نرجع بأفضل حال..قالها وهو ينظر إلى ابنته التي تتلاعب بطعامها دون أن تتحدث، نهض اسلام قائلا
-إن شاءالله..قالها وغادر المكان 

بالاعلى بغرفة غادة 
جلست ميرال معها وبدأوا يتحدثون في كثيرا من المواضيع إلى أن ذكرت اسم إلياس بمنتصف الحديث حتى تعلم ماصار بينهما ردت عليها ساخرة 

"جايسون ستاثام"

ايه ياختي، انتي بتشبهي جوزي بالعميل بتاعك دا
نفخت بخصلاتها التي تطاير على وجهها وقالت:
هو انتي تطولي، انتي عارفة انا بتكلم عن مين

آلة الأكشن التي لا تهدأ
الرجل الذي لا يبتسم كثيرًا… لأنه مشغول دائمًا بكسر العظام أو قيادة سيارة خارقة وسط انفجارات!

-تصدقي بالله انتي اللي عايزة اله اكسرلك بيها عظامك
-أنا ..ليه قولت حاجة غلط، ولا اقولك هنتظر من واحدة متجوزة افلام الرعب والاكشن ، واخت واحد عايزة صاروخ احول يدخل في دماغه، لا دا مش واحد دول اتنين يالهوي على كم الغتاتة اللي فيهم، الصراحة العيلة دي كلها مفيهاش غير ارسلان ..ودا كمان ساعات بيبقى بارد ومستفز، حتى عدى اخويا الوحيد حبيبي 
-اخوكي الوحيد ياغادة ..يعني مالكيش اخوات غير اسلام دلوقتي 
اهتز داخلها والتفتت سريعا للذي توقف على الباب يشير إلى ميرال 

-جهزي يوسف خارجين ..قالها وتحرك سريعا دون النطق 
رمقتها ميرال واردفت
-أنا مش عارفه ايه اللي حصل بينكم من فترة بس متأكدة أنه مش غلطان

بعد مرور عدة أيام بالحرم المكي 
خرجت من الحرم متجهة إلى زوجها الذي ينتظرها بمكانًا بالقرب منها، ولكنه ابتعد حتى يدع لها الفرصة لكي تقل بما في مكنونها، بسط كفيه لتعانقه وتحركت بجواره كفراشة تتحرك بين الزهور الزاهية، توقف يتطلع إليها بحبور
-ياااه اللي يشوفك كدا، يقول كنتي مسجونة واخدتي حريتك، اوعي يكون السجن دا انا 
تأملته بعيونًا تلتمع بلألئها، ثم اردفت:
-إنت زعلان علشان طلبت منك نعمل عمرة لجمال 
صدمه حديثها ورغم ذلك رسم ابتسامة وقال:
-يبقى لسة متعرفيش مصطفى يافريدة، بعد العمر دا كله وللاسف فشلتي...
هزت رأسها بالنفي وردت بنبرة ممزوجة بالألم والعتاب:
-فريدة عاشت مع مصطفى اكتر من جمال يامصطفى، انت اللي لسة لحد دلوقتي مش مقتنع بفكرة إن جمال مات
تنهد بتثاقل ثم أشار إلى ارسلان المتوقف بجوار زوجته وأولاده 
-ياله ابنك بقاله فترة مستنينا، قالها وسحب كفيها وتحرك إلى وقوف ارسلان ...مرت الايام سريعا وعاد الجميع بعد بعد انتهاء مناسك الحج
باليوم التالي دلفت إلى الشركة، لاتعلم لماذا اشتاقت إلى كل ركنا بها، استمعت إلى صوته الغاضب بسكرتيرته الخاصة 
طرقت على باب مكتبه ولا تعلم لماذا ساقتها قدميها إلى مكتبه
كان منكبا على جهازه، فصاح غاضبا 
-قولت مش فاضي، خلصي شغلك 
-آسفة انا كنت جايبة لك مية زمزم 
رفع عيناه سريعا ينظر لتلك التي خطفت لب قلبه وعقله، فمنذ سفرها يشعر بأن قلبه توقف عن النبض، نصب عوده وتوقف مقتربا منها، حاول يسيطر على دقاته العنيفة ولكنه فشل، ابتسم لا اردايا ينظر للذي بيدها
-دا بجد، جايبة مية زمزم 
دلفت للداخل ووضعتها بين يده 
-رغم شامة تريقة، بس جبتها يمكن تغير لوح التزلج 
-لوح التزلج ..مين دا 
-لا بكلم الكرسي اللي وراك ..ياله سلام شكلك مشغول، حبيت اسلم عليك كمل شغلك..قالتها واستدارت الا انه امسكها من كفيها
-استني ..!!
ابتعدت سريعا بعدما شعرت بانتفاضة بداخلها ..رفع كفيه معتذرا ثم قال
-اسف، بس كنت عايز اتكلم معاكي 
تلجلجت بالحديث وقالت 
-هعدي على رحيل..قالتها وتحركت سريعا

عند اسلام خرج من عمله واتجه إلى سيارته وجدها تستند عليها، اقترب منها وتعمق بالنظر اليها، نعم لقد اشتاق اليها كثيرا، ولكنه لم يتقبل ما تفعله
-ازيك ياملك 
قالها بهدوء .. اقتربت منه وقالت
-المفروض مين اللي يسأل على مين ياحضرة المهندس، اعرف بالصدفة سفرك من ارسلان وكمان رجوعك صدفة
-ملك انا سبتك تفكري براحتك، محبتش اضغط عليكي ..اقتربت منه واحتضنت ذراعه 
-لازم نتكلم يااسلام، لازم نعرف رايحين على فين 

بمنزل يزن 
كان يلهو مع أطفاله، اقتربت رؤى تحمل بعض الحلويات ونادت عليه 
-يزن ياله الكيك سخن وحلو
-كيك وسخن..يابنتي بطني، بطلي تجارب فيا
قهقهت وقالت 
-اعمل اعتبرني دكتورة وبتعمل تجارب على مرضها
-يخربيت الفاظك ياشيخة ..كانت تقف بشرفتها تنظر إليهم بابتسامة، استدارت وقامت بتغيير ثيابها ..ارتدت فستانا ناعما من اللون الاحمر، وقامت بوضع لمسات تجميلية خفيفة، ثم نهضت وتحركت للاسفل، كان ملقيا بظهره على العشب ينظر للسماء بصمت، بينما تلهو أطفاله مع رؤى وضحكاتهم ترنو بالمكان..شعر بخطواتها، فادار برأسه ينظر لتلك التي توقفت على بعد خطوة منه ثم قالت 
-النهاردة عيد ميلاد الاولاد، هيكملوا سنتين ..اعتدل يقيمها بنظراته العاشقة، ثم نهض من مكانه ودنى منها 
-بس اللي اعرفه عيد ميلاد الاولاد لسة بكرة، إنما النهاردة عيد ميلاد حد تاني 
ابتعدت بنظراتها منه واردفت بتقطع
-معرفش تقصد ايه، اللي اعرفه النهاردة عيد ميلاد ولادي 
حاوطها بين ذراعه والجدار وسبح بنظراته على ملامحها القريبة التي اشتاقها حد الجنون قائلا
-الولاد يوم عشرة، النهاردة لسة تسعة، اللي فاكره عيد ميلادي انا النهاردة، وشكل التجهيزات الحلوة دي علشاني مش كدا 
هزة عنيفة أصابت جسدها وهو يمرر أنامله على عنقها، ثم دنى يهمس بجوار أذنها 
-مالوش داعي، تنسي عيد ميلاد اولادك، بكرة يبقى احتفلي بيه يامدام 
قالها وابتعد عنها يشير إلى أطفاله وصعد إلى الاعلى ...بينما هي ظلت كالذي اصابه سهمًا مسمومًا بنيران الحب اللاذع

عدة أسابيع أخرى 
خرجت من عند الطبيبة تحمل صورة طفلها الذي يسكن احشائها سعيدة، تريد أن تطير لتخبر زوجها بالخبر السعيد، بينما بغرفة مكتبه، ثار مصطفى يطرق على المكتب بغضب
-وانا مش موافق، مستحيل اجوز بنتي لابن مجرم
-بابا اسمعني، الولد اتغير، وماشاء الله هو اللي ماسك دلوقتي كل شركات العامري 
-إلياس مهما كانت ليك سلطة في البيت دا، بس مايدلكش الحق تقول قرارات مهمة بمستقبل ولادي، انا عارف بعمل ايه، مستحيل اوافق على كدا 
لو كنت حاطط ميرال زيها وزي اخوها تبقى غلطان، دي متربية على ايدينا، ورغم كدا لو كنت اعرف من الاول انها بنت راجح كنت مستحيل اوافق ترتبط بيها 
هزة عنيفة أصابت إلياس من حديث والده، ليقترب ينظر إليه بضياع 
-ايه اللي حضرتك بتقوله 
-إلياس انا مقدر اللي بتحاول تعمله، بس متنساش أن دي بنت راجح، لو كنت متقبل  بكدا مكنتش غيرت اسمها ياحضرة الظابط 

كانت تقف على باب المكتب تستمع إلى حديثهما الذي شعرت أنه اوقعها بهوة ساحقة، لتدور بها الارض، وتشعر بأن روحها تسحب لبارئها، استندت على الجدار تتحرك بخطى ثقيلة، تضع كفيها حول احشائها، ودموعها بالانهيار
وصلت إلى سيارتها بانفاسً ثقيلة، مع وصول اسلام ينظر لحالتها المزدرية
-ميرال ايه اللي  حصل..ولكنها تحركت بسرعة جنونية بعد تساقط منها تحاليلها وصورة جنينها، انحنى اسلام يحمل الورق الذي وجده وتحرك للداخل مع ارتفاع اصوات مصطفى الغاضبة
-إنت ليه بتحاول تثبتلي انك مش ابني ياالياس ..قالها بوصول فريدة واسلام بتلك اللحظة 
-ايه اللي بيحصل..تسائلت بها فريدة
التفت إليها ينظر إليها ولأول مرة تتساقط دموعه أمام الجميع ثم قال
-أنا فعلا مش ابنك ياسيادة اللواء 
-ميرال مالها، شوفتها خارجة بتعيط وركبت عربيتها وتحركت بحالة مش كويسة
هنا شعر بأن أحدهم غرسه بخنجرا بارد بعدما تيقن من الاستماع الى حديث مصطفى..ركض كالمجنون خلفها يبحث عنها ولكن لا يوجد اثر

رفع هاتفه سريعا وقام بمهاتفة ارسلان 
-شوفلي بنت عمك فين
هب من مكانه منتفضا بعدما استمع إلى صوته الباكي 
-ايه اللي حصل
-شوفلي ميرال فين..هذا مانطقه ثم اغلق الهاتف مستندا على القيادة لتنفجر برك عيناه بعدما شعر بسواد كل شيئا حوله، اليوم أعلنها مصطفى مباشرة أنه لم يكن ابنه
تمت
انتظروا الجزء التانى
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1