رواية عشق لا يضاهي الفصل الواحد و التسعون بقلم اسماء حميدة
تناولت بائعة المتجر البطاقة السوداء من يد سيرين بخفة وكأنها تحمل بين أصابعها مفتاحا لقصر سري لا يفتح إلا لصفوة الصفوة وما إن لمحت الشعار المنقوش على سطح البطاقة بنقش ذهبي خاڤت حتى شحب وجهها للحظة ثم تداركت الموقف واتصلت بالأمن فورا بلهجة لا تقبل التردد.لم تمض دقيقة حتى جاء رجال الأمن وسحبوا إيفون من المكان كما يسحب ظل الخطيئة من بيت طاهر.رمقتها كلا من كوثر وسيرين پشماتة وهي تصرخ وتلوح بيديها كمن يغرق في موجة من الذل لكن أحدا لم يلق لها بالا فالسلطة هذه المرة لم تكن في لقبها بل في يد سيرين.
أتى المدير بنفسه وانحنى بلطف متصنع أمام كوثر وسيرين كخادم لهما كما لو كانتا ملكتان خرجتا من كتاب أساطير وقدم لكوثر الفستان مع ابتسامة امتنان وكأن المتجر كله يحاول التكفير عن لحظة الشك التي ارتكبوها وحين خرجت كوثر من المتجر تحمل الفستان كمن يحمل تاج انتصار لكن بدا على ملامحها شيء من الحيرة كأن عقلها يسابق الأحداث كي يلحق بها فقالت بتردد
كنت أظن أن متاجر TII لا تمنح عضويات VIP على الإطلاق
ابتسمت سيرين ابتسامة هادئة لكن خلفها سر دفين
التقيت بمصمم الدار أثناء إقامتي في أثينا... كان يحضر عرضا خاصا وكنت أؤلف أغنية لصديقة هناك... سمعها وأعجب بها لدرجة جعلته يهدي إلي هذه البطاقة كتذكار كما قال أو ربما... كامتنان.
تأملتها كوثر بعينين يلمع فيهما شيء من الدهشة والاعتزاز ثم أمسكت بذراعها برفق
يا لها من مفاجأة... آنسة سيرين تهامي من اليوم فصاعدا لن أتركك حتى لو أطبقت علي السماء.... سأتمسك بك كما تتمسك الريشة بالريح.
ضحكت سيرين بخفة ومدت يدها لتربت على رأس كوثر كأنها تدلل طفلة عنيدة
يا لك من إوزة حمقاء!
ردت كوثر بفخر مصطنع
أجل! وسأكون إوزتك السخيفة مدى الحياة.
ثم انطلقتا تضحكان وكأن ما حدث لم يكن إلا مشهدا عابرا من مسرحية غريبة تعرض لمرة واحدة فقط.
في طريق العودة توقفت سيرين فجأة أمام واجهة متجر للأطفال وشردت عيناها بالمعروضات ومن ثم دخلت واشترت قطعتي ملابس واحدة لزكريا وأخرى لنوح.
قالت سيرين وهي تتأمل الثياب
سأعطي زكريا هديته بنفسي أما نوح فسنرسلها له بالبريد. لكن يا إلهي... رأيت للتو فساتين ټخطف الأنفاس! لو كان زاك فتاة لكان أجمل مخلوق على وجه الأرض.
تنهدت تتحسر على فكرة لم تلد فتاة بعد ثم أردفت بنبرة حالمة
أشعر أحيانا أن أحد التوأمين كان يجب أن تكون فتاة... جمال زاك لا يضاهيه سوى الخيال.
كانت كلماتها كالنسيم تلامس شيئا دفينا في قلب كوثر غالتفتت إليها وقالت وكأنها تهمس بحلم راودها طويلا
وأنا أيضا أرجو من الله أن يهبني طفلة بعينين من نور تكتب على كفيها قصة جديدة لا تشبه أحدا.
وفي تلك
اللحظة كان في صمتهما حوار أعمق من الكلمات ووميض أمل صغير يتسلل كضوء الشمس من ثقب في جدار الغد.
عادت سيرين إلى المنزل في ذلك العصر تحمل في قلبها عبق اللحظات ودفء الضحكات وما إن استقرت في مقعدها الوثير حتى فتحت هاتفها واتصلت بنوح عبر مكالمة فيديو.
ظهر وجهه على الشاشة شاحبا كطيف خرج للتو من غبار معركة إذ كان مستلقيا على سرير المستشفى وكأن الفراش يحتضنه خشية أن يذوب من الضعف وعيناه تنكمشان في ابتسامة واهنة كقمر منطفئ في آخر الليل وقال بمرح يتكئ على أوجاعه
أنت الأفضل يا أمي... أرسل لك قبلاتي!
ضحكت سيرين برقة أغرقته بحنان أمومي وردت بصوت مخملي
وقبلاتي تطير إليك يا زهرتي الصغيرة.
في تلك اللحظة ازدانت عيناها بندى الحنان وتكاثفت العاطفة في صدرها كما يتقاطر الندى على زجاج نافذة باردة.
أما نوح رغم التعب الذي خيم على صوته وأراد أن يبقى أطول أن يمسك بظلها عبر الشاشة ويطيل وجودها فسأل بحنو والتماس
أمي... هل تحبينني
قالها بصوت فيه رجاء طفل يخشى فقد الأمان.
أجابته سيرين دون تردد كمن يقسم بقلبه لا بلسانه
بالطبع أحبك ومن دونك لا يكتمل نبضي.
كان نوح عكس زكريا قطعة من الندى... حنون مداعب يداوي العالم بضحكة بينما شقيقه جاد كجبل لا يميل.
قال نوح وهو يغمز بمكر الأطفال
حين تعودين أريد قبلات حقيقية! وسأرتدي الملابس الجديدة التي اخترتها لي وربما... فقط ربما أسمح لك بالتقاط صور لي كأنني نجم شاشة.
ابتسمت وقالت بوعد صادق
سأعود في أقرب لحظة صدقني سأعود.
لكن قلبها لم يطمئن لملامحه إذ لاح بعينيه ظلال تعب لا تخطئها الأمهات.
تحدثت سيرين قليلا مع فاطمة إذ تراودها الهواجس كالعصافير المذعورة ثم أغلقت المكالمة وعيناها ما زالتا معقودتين بصغيرها.
جلست وحدها في صمت مشوب بالحنين وفتحت ألبوم الصور المقفل ذاك الذي لم يلمسه أحد سواها.
انهمرت أمامها الذكريات كأمطار مفاجئة صور لزكريا ونوح منذ ولادتهما حتى آخر لحظة التقطت فيها ملامحهما وهما يضحكان معا.
وضعت يدها على قلبها كأنها تردع الألم عن الظهور وهمست كأنها تعتذر بصمت
نوح أكثر من چرح قلبي بالشفقة.
لو لم تكن هي مريضة... لو لم تكن الأدوية قد سلبت منها نصف صحتها لما اضطر نوح إلى دخول الحاضنة منذ اللحظة الأولى لولادته فقد عاش في المشفى أكثر مما عاش بين أحضانها ومع ذلك لم يكن يوما إلا طفلا خارقا في احتماله فهو لم يبك أثناء العلاج لم ېصرخ حين وخزته الإبر بل كان يمسك بكفها الصغير ويهمس بثبات
طالما قبلات أمي فوق جبيني فأنا لا أخاف شيئا.
تكرر ذلك الصوت في رأسها كأن أحدهم يعيد تشغيله كلما خنقتها الذكرى.
ظلت تحدق في الصور طويلا وهي تشكر السماء لأنها منحتها ملاكين بهيئة بشړ.
لكنها لم تكن تعلم أن ظافر في مكان
آخر من هذا العالم كان قد بدأ تجهيز حقائبه... استعدادا لرحيل مفاجئ برفقة نوح.
في مكان آخر وتحديدا داخل شقة ذات ديكور بارد كصاحبتها كانت دينا تقيم مؤقتا داخل إحدى ممتلكات عائلة إيفون.
في ظل الجو المشبع برائحة العطور الفرنسية والأحقاد كانت إيفون لا تزال تستشيط ڠضبا تحكي لدينا ما حدث في متجر TII وصوتها مشحون بالكراهية
هل تصدقين عضو في معهد TII هذه العضويات لا تمنح إلا للمديرين الداخليين. كيف حصلت سيرين على واحدة
أجابت دينا بنبرة حيادية تخفي نواياها
أوه... هذا مثير للاهتمام.
قالت إيفون بازدراء وهي تعض على كلماتها كأنها تحاول سحقها
ربما نالتها من خلال النوم مع أحد التنفيذيين في الخارج.
رفعت دينا كأس الماء بهدوء وأخذت رشفة كمن يتذوق طعما مريرا ثم قالت بنعومة شيطانية
لا تنفعلي يا إيفون... الأمر لا يستحق كل هذا. ملابس بطاقة لا شيء يستحق الڠضب.
ثم أكملت برياء
بالمناسبة ما نوع الملابس التي تحبينها يمكنني أن أطلب من مصمم خاص أن يصنع لك واحدة.
قالت إيفون بامتنان زائف
أنت الأفضل يا دينا... لكن الأمر أكبر من ذلك لا أفهم لماذا تحصل امرأة صماء مثل سيرين على كل شيء!
ومن ثم استكملت إيفون وهي تزرع بذور السم في تربة الڠضب
رغم أنك قبلت المساعدة من عائلتها لا يعني هذا أن تذعني لرغباتها! أعتقد أنك كنت محقة في المواجهة.
رفعت حاجبها كمن يرسخ فكرة
سيرين متلاعبة بطبعها أنا اعتدت على خدعها.
لم تكن كلماتها سوى خيوط عنكبوت تنسج حول عقل إيفون استعدادا لصيد قادم فهمست إيفون
أعتقد أنها حصلت على تلك البطاقة من خلال علاقة مشپوهة مع أحد مدراء دار الأزياء أثناء إقامتها في الخارج.