رواية عشق لايضاهي الفصل التاسع والتسعون 99 بقلم اسماء حميدة



 رواية عشق لا يضاهي الفصل التاسع و التسعون

ارتجفت سيرين فجأة كما لو أن صاعقة مرت بقلبها و قبل أن تسعفها ردة فعلها كان ظافر قد استوى جالسا على الأريكة و التعب قد أثقل كتفيه و لكنه جر جسده نحوها يرمقها بنظرة شاحبة تحمل بين طياتها خيوط الألم و قال بصوت خاڤت كأنما خرج من أعماق ليل متعبأنا مريض فابقي من اجلي ... لحين اتعافى سيرين.
تسمرت عيناها على وجهه و التوتر يقطر من نظراتها لكنها لم تفقد تماسكها فأجابته بتوجس و قلق
و إن اعتنيت بك هل ستطلق سراح صديقتي
قالتها بصوتها الناعم و قد دست في نبرتها قلقا مقنعا بدهاء الأنثى.
أومأ ظافر برأسه و صوته المبحوح يلفح الجو بحرارته يقول و هو يسلط نظراته كالمغيب عليها
نعم أعدك.
فقالت و هي تواري ارتباكها خلف قناع من الرصانة
حسنا...
لم تكن تلك الكلمة سوى مفتاح لباب كانت تتمنى لو يفتح من زمن فالقرب منه... سيساعد على تحقيق ما فشلت به مرارا و تكرارا و اليوم تهدى إليها دون عناء.
أسند ظافر ظهره إلى الأريكة يتنفس ببطئ يحمل تعب أيام و ليال باردة و راح يغمض عينيه للحظة لكن معدته أعلنت احتجاجا خاڤتا فالأمس مر عليه جافا بلا طعام بلا طمأنينة.
قال بصوت يحاول أن يبدو ساخرا رغم انكساره
سيدة تهامي... أما زلت تجيدين فن النسيان فعلى ما يبدو أنك نسيت الطهو سيرين... جائع أنا.
ضحكت بخفة و هي تخرج هاتفها
سأطلب لك طعاما الآن.
لكنه عقد حاجبيه فجأة و مد يده ليوقفها و نظراته تشبثت بها كأنها طوق نجاة من بحر هائج قوي
لا... أريد طعاما من يديك أنت.
ترددت لحظة ثم قالت متظاهرة بالبساطة
إن فعلت فلتعلم أنك ستنتظر ساعة...او ربما اثنتين.
لم يزح بصره عنها بل تلاشى كل ما حوله و كأن الوجود قد اختزل في ملامحها فقط.
قال و عيناه كانتا كمرآتين تلمعان بأمل خاڤت
أنا رجل يعرف الانتظار إن كان خلفه طوق دفء كهذا.
تورد وجهها قليلا و ابتلعت في حرج... شيء في عينيه يربكها و يقيد خطواتها فتمتمت بخفوت تشيح بوجهها عنه
سأذهب لأعد شيئا الآن.
قالتها و هي تفر هاربة من سطوة نظراته.
بينما كانت تخطو نحو المطبخ ظل يتأمل كأن كل تفصيلة فيه تعيد له ذكرى أو توقظ له ۏجعا نائما و فجأة اجتاحت أوصاله أفكار جامحة كبحها على الفور.
ولجت إلى المطبخ فوجدته نظيفا حد البرود كأن لم تمسه يد منذ زمن... لا أثر لبقالة و لا رائحة طهو... مجرد فراغ يشبه الغياب.
لم تكن سيرين تدري أي حياة كان يحياها ظافر بعد أن رحلت و لا كم من ليل مر عليه وه و يبحث عنها في أركان البيت.
و مع هذا الخواء اضطرت دون بديل إلى طلب ما يلزم من بقالة عبر الإنترنت و هي تشعر بالندم لاعنة نفسها جراء قبول شرطه السخيف هذا.
في تلك اللحظة كان ظافر قد تمدد على الأريكة و كأنما عاد بجسده إلى الأرض لكن روحه تاهت في الماضي.
أغمض عينيه و استسلم لوقع أقدامها و هي تتنقل في المطبخ في تلك الخطوات كان يسمع نغمة من زمن
جميل شعر بالحنين إليه كأن عقارب الساعة قد تراجعت و البيت امتلأ مجددا برائحة حياة افتقدها طويلا...
قلبه كان مثقل بضباب رمادي قبل أن تطأ قدماها العتبة و كأن الحزن كان يسكن صدره كغبار عالق في رئتي الزمن و لكن ما إن دخلت سيرين حتى تبدل شيء في الجو كنسيم هب فجأة من نافذة منسية...و تحسن مزاجه بهدوء دون ضجة كما يذوب الجليد تحت وهج الشمس الأولى.
و بعد أن استراح لبعض الوقت مد يده إلى هاتفه المحمول كأنه يخرج سيفا من غمده ليخوض معركة من نوع آخر و إذا به يتواصل مع القسم القانوني فبدأ المسؤول يلخص له بنبرة مهنية باردة سيل الشائعات التي اجتاحت الإنترنت كالڼار في هشيم العناوين المجهولة.
نظر ظافر إلى شاشة الهاتف بجمود متعمد و عيناه تتصفحان تلك التكهنات التي دارت حول دينا دون أن ترتجف رموشه أو يرتج صوته.
و بكل برود رجل يعرف تماما متى يضرب كتب بإيجاز
أطلق سراح كوثر.
ثم أغلق هاتفه كما يغلق باب الحكاية على فصل لا يستحق أن يروى.
دينا لقد أنقذت شادية أجل... لكنه لم يكن من أولئك الذين تغيرهم البطولات العابرة... حياتها الشخصية لم تعنه ما دام ظلها لا يطول على جدران شركته و بالرغم من أن كارنيفال سنترال ميديا جزءا من إمبراطوريته الإعلامية لمجموعة نصران و إن كانت الشائعات التي التهمت الإنترنت كالطوفان صادقة فعليه أن يعيد التفكير... ليس بدينا وحدها بل بالثقة ذاتها.
في هذه الأثناء كانت سيرين منهمكة كأنها تحوك من الذكريات ثوبا من العناية و لكنها لم تكن تدري شيئا عن القرار الذي اتخذه ظافر منذ لحظات بل كانت تحاول فقط أن تخيط الزمن الممزق بينهما بطبق دافئ و ذكرى لذيذة لهدف في نفسها.
أعدت له أطباقه المفضلة التي وضعتها أمامه واحدا تلو الآخر و لم تنس دواء البرد... تلك اللمسة التي تشبه حضڼ أم في ليلة ممطرة.
قالت برقة دافئة
حان وقت الأكل.
نهض ظافر و توجه إلى غرفة الطعام حيث كانت الطاولة أمامه كلوحة مرسومة بعناية عاشق.
نظر إلى ما أعدته و كأن حواسه قد خدعت طوال تلك السنوات.
كيف لم يرها من قبل
كيف لم ينتبه إلى تلك التفاصيل الصغيرة التي تشي بالكثير!
و وقف صامتا ثم قال بأنفاس متقطعة و صوت مكتوم تحت وطأة الزكام
كنت تطهين لي دائما... حتى إنك كنت تزيلين عظام السمك من طبقي.
كانت جملته كندبة قديمة انفتحت فجأة تذكر ما حسبه قد نسي أو ډفن.
نظرت إليه سيرين بدهشة خفيفة إذ لم تكن تتوقع أن يلتفت لتلك التفاصيل التي حسبتها سقطت من ذاكرته.
جلست أمامه و شرعتفي تناول الطعام و هي تضحك محاولة أن تخفف وطأة اللحظة
لحسن الحظ أنني لا أذكر ذلك.
لكن قلبها... كان يذكر... يذكر
قال ظافر بصوت متوتر ينخره الڠضب المكتوم
ماذا تعنين بذلك
رفع صوته قليلا كما لو كان يبحث عن منفذ للريح التي تعصف في صدره.
أما سيرين فقد
رمقته بنظرة باردة و قالت بصوت خاڤت لكنه حاد
و هل تظن أن أحدا خلق ليكون ممسحة لأقدام الآخرين يا سيد نصران أم تراك اعتدت أن تحب امرأة تسلط عليها كبرياءك كلما شعرت بالضعف
توقف الزمن لحظة... لحظة اختنق فيها ظافر بلقمة لم تكمل طريقها إلى معدته و كأن الحروف التي خرجت من فمها قد شقت له حنجرة جديدة من الأسى فشعر أن المائدة أمامه قد فقدت ألوانها و الطعام صار بلا طعم بلا رائحة كأنها أزالت السكر من عسل قلبه.
لم تمهله بل تابعت بصوت منكسر فيه من الكبرياء ما يكفي لهدم قلاع الذكريات
لم أعد أبحث عن الحب فيمن يعاملني كظل بل فيمن يشعل بي النور من يحسن إلي وحده فقط الذي يستحق أن أسلمه قلبي.
تجمدت الډماء في عروق ظافر و قبض على السکين كما لو كان يمسك بخنجر
سأل بصوت حاد كالسهم
أتعنين كارم
كارم
ذاك الاسم الذي مر كصڤعة على وجه الغيرة.
كيف لرجل كان مجرد ذكرى من ماض تليد أن يهز ثقة رجل مثله
عام من الخطوبة و ثلاثة أعوام من زواج لم يختمر إلا على نيران الخيبة.
أيعقل أن يخسرها أمام شبح من الطفولة
صديق قديم أم حبيب لم يمت بعد
رفعت سيرين يدها ببطء و وضعت أدوات المائدة برفق و كأنها تضع نهاية حكاية منهكة.
ثم التفتت إليه بعينين لامست أطرافهما خيبة لا تقال
لقد شبعت يا سيد نصران اكمل طعامك و لا تنس تناول دوائك ولا تشغل بالك كثيرا فحياتي لم يعد لك مكان بها
قالتها بنبرة تحمل من الرمزية ما يوقظ المېت من قپره و من السخرية ما يكفي لإشعال عاصفة في صدر رجل ېحترق بصمت.
كانت كلماتها الأخيرة أشبه بطعڼة خفية لا ټقتل و لكنها تترك چرحا لا يندمل.
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×