رواية الحب أولا الفصل التاسع 9 دهب عطية

 

 رواية الحب أولا الفصل التاسع بقلم دهب عطية 

محق من قال ان الصدمات قادرة على ان تفتك بنا فتكاً ذريعاً فنقع الوقعة الكبرى....
تلك الوقعة التي لا تحتاج للمساعدة...بل 
تحتاج منا ان ننهض شامخين دون مواساة......
دون استفسارات كثيرة......

الوقعة التي لا يجوز فيها البكاء...فمن يبكي ينتظر عطفاً من الغير.........او ينتظر ان تصلح الدموع مآسية........

من وقت ان عادت من الخارج وهي تغلق باب غرفتها عليها.....تتلوى على الفراش بوجع.... اتتها النوبة الصراع مع الماضي.... من قسوة وجفاء وظلم واحداً تلو الاخر... في الماضي تجرعته كالماء كل ساعة وكل يوم.......

الهواء ينسحب من بين رئتاها.... وكانها تشعر بوالدها يقبض على عنقها بقوة كما كان يفعل عندما يثور عليها غاضباً.......

جسدها يتعرق...... رأسها ستنفجر من شدة الصداع...قلبها يؤلمها بشدة..... وجسدها كله في حالة تشنج رهيب..........

لم تاتيها تلك النوبة منذ سنوات......
سنوات عديدة تعتكف الهدوء السلام...... الوجهة الباردة للحياة.......حتى تحافظ على نفسها من تلك النوبات شديدة القسوة على جسدها.....

تتسارع الأفكار داخلها اكثر من الازم تهلك عقلا يعاني دون مبالغة.........

صدرها يضيق تختنق........والماضي يلاحقها.....

في السابق وفي أحد الأيام وصلت لسن الخامسة عشر وكان سناً يلائم المواجهة بنسبة لها.......وقتذاك دخلت على أمها الغرفة وكانت امها تصارع الموت على الفراش لسنوات من شدة الحسرة والقهر والذل التي ذاقته على يد زوجها......والعذاب الذي راوه أولادها الثلاثة على يديه.....

من ضرب لظلم
لتعنيف...لشتائم.......لأهانة.....لحياة أشبه
بسجن مشدد شديدة البرودة والجفاء....

دخلت شهد الى أمها والدموع تبلل وجنتيها
سالتها بانفعال.......
(انا عايزة اعرف هو بيكرهنا اوي كدا ليه...وليه
بيعملني كده.......انا حسى اني مش بنته.....هو
ابويا فعلاً ولا انتي بتضحكي عليا......)

لم ترد امها بل ظلت تنظر اليها بعجز.......فقالت
شهد بتشنج وهي تبكي أكثر........
(ساكته ليه....ردي....لو كنتي بتحبينا.....كنت اطلقتي منه و خدتينا معاكي......وبعيدنا عن هنا........ليه قبلتي الاهانة......ورضيتي لينا بالذل......ليه يا ماما.......)

لم تكن تتحمل عتاب ابنتها...فهي تجلد نفسها لسنوات نادمة على عمراً ضاع في المحاولات
والامال الكاذبة.....
(عندك حق كله ده بسببي......حقكم عليا......سامحيني ياشهد....انا فاضل بيني
وبين الموت خطوة.....)

جلست شهد على حافة الفراش وقالت بغصة مختنقة.......
(متقوليش كده....انا بحبك ياماما....ومليش في الدنيا غيرك.......بس فهميني......اي اللي يخلي الست تقدم التنازلات دي كلها..........)

قالت كريمة بمرارة..........(الحب.......)

نظرة لها شهد بعدم فهم......(إيه.....)

فتابعت والدتها مرارة الكلمات كالعلقم في
حلقها........
(ساعات بنتنازل عشان بنحب...وبنسامح في حقنا وبنغفر عشان بنحب......وبنشوف ان الحب أول واهم حاجة بينا.....بس مع الوقت.....بيتقلب الحب للعنه.....لعنة بتتحول لكره.....والكره بيبقا ندم.......والندم بيوصل للمرض.....والمرض يعني موت....وانا قربت
من الموت......)

كانت شهد غير مستوعبة بعض كلمات امها....
فمسكت امها يدها قائلة بضعف........
(اوعي تقدمي تنازلات......حتى لو بتحبي......اوعي ياشهد........)

سحبت شهد يدها وهي تسأل امها بغصة
مريرة........
(ليه بيكرهنا.......وليه مش بيطقني......وطالما مش بيحبك زي مابتقولي......ليه كمل.....)

قالت والدتها بصعوبة.......
(انتي اللي خلتيه يكمل....انتي اللي عجزتيه.....
وبعدتيه عن الست اللي حبها ....)

انتفضت شهد بصدمة.....
(انا إزاي ياماما.........ومين الست دي........)

قالت والدتها بعيون دامعة......
(إلهام........واحده اسمها إلهام.....كانت جارتنا زمان....وكانت صاحبتي كان سري معاها...وكنت بدخلها بيتي أأكلها وشربها وتساير معاها.......كنت بعملها زي اختي الصغيرة........)

ثم اخذت نفساً متعباً متابعة سرد القصة منذ البداية........
(ابوكي من يومه قاسي.....لكن عمره مامد ايده عليا ولا طول لسانه.....لكن لم شافها وقرب منها....ووقعته في شبكها......اتغير اتغير أوي.......حصلت مشاكل كتير بسببها......خانة العيش والملح.....بعد ما تاكدت انهُ حبها ومستعد ينفذ كل طلبتها.....كان أول طلب
منها ان يطلقني ويرميني في شارع........)

ابتسمت بسخرية مريرة متابعة.....
(وابوكي مقالش لا....آه مقالش لا....اصله حبها...حبها اكتر مني ومن ابنه اللي كان لسه تلات سنين مصعبتش عليه رغم اني كنت حامل فيكي ساعتها....وعلى وش ولاده......)

مسحت دمعة فارة من عينيها......
(الناس ادخلت بينا...وابويا الله يرحمه حاول يصلح بينا..... كان راجل كبير ورجله والقبر.... كان خايف اتبهدل من بعضو بالعيلين الي رجعالوا بيهم... دا غير كلام الناس اللي مبيرحمش.......)

قالت بابتسامة موجوعة.......
(ابوكي متهزش.... ورمى عليا اليمين.... يومها وقعت من طولي........ وجت ساعة والادتك...... وجيتي لدنيا ساعتها الناس كلت وشه.... مراتك جابت بنت هترميها في شارع..... لِم عرضك وعيالك وتقي الله.... عيالك
محتاجينك.........)

نزلت دموع والدتها فلم تمسحها وتابعت بقهر كبير فقد وقع عليها ظلم كبير ضرب كرامتها
وكبرياؤها عرض الحائط......
(قالهم ساعتها انه بيحب واحده وعايز يتجوزها....قالولوا اتجوز الشرع حلالك أربعة...... ومراتك ملهاش دعوة طالما هتعدل مابينهم......)

(قدام بصة ابويا وكلام الرجالة اتكتمت......كان مغلوب على أمري....ومكنتش عايزة أطلق..خفت عليكم من البهدلة.........)

تابعت بنفساً متحشرج....
(ساعتها راحلها وطلب ايدها....رفضته وطردته من بيتها.........وقالتلوا انا مدخلش على ضرة...يانا يا هي....ولانه قدا كلمة قصاد الرجالة مقدرش يرجع فيها....ورجعني تاني على ذمته......وعاش معايا غصب عنه....معاملة وحشة واهانه وضرب...وكل ماكنت اشتكي لحد من قريبي.....يقولولي عيشي
واسكتي عشان خاطر عيالك........)

مسحت شهد دموعها وهي تسأل امها
بحسرة......
(وانتي شايفه انك كده ضحيتي عشانا....انتي رمتينا ورميتي نفسك في النار.......دا مش حب دا مرض خبيث.....اذاكي واذانا........ولسه بيكمل علينا.....)

ثم سالتها بكره........
(وياترى بقا الست ديه فين دلوقتي......لسه مكملة في خراب بيتنا.....اكيد لسه بتقويه علينا......)

هزت امها راسها وقالت........
(الهام اتجوزت ياشهد....اتجوزت ابن تاجر دهب كبير أوي.....وخلفت منه كمان........اللي عارفنها كويس.... جم وبلغوني.....إلهام خرجت من حياتنا....بس مخرجتش من قلب ابوكي.........)

زمجرت شهد بكرهاً شديد.......
(اللي زي ده معندوش قلب....مش فاهمه...حبتيه إزاي؟!........)

قالت امها بوهن.......
(في حاجات مكتوبه......لازم تحصل....حتى لو ندمنا عليها بعد كده......كان لازم تحصل.......)

تتردد جملة امها الاخيرة في اذانها تقصف داخلها كالرعد.....فتبكي.....وتنهار.......ويزادد وجعها...فتظل تتلوى وكانها اصيبت بمسٍ لا علاج له......
.................................................................
من يصدق انها هكذا منذ ثلاثة أيام...تغلق الباب على نفسها تنام كثيراً بغرض الهروب..... تذهب للحمام عند الغرض ثم تعود وتغلق الباب عليها...لم تأكل إلا القليل بأصرار شديد من حمزة وكيان واحيانا قمر....

والذين لم يتوقفوا عن السؤال بقلق عن الحالة
التي وصلت اليها......لكنها لا تجيب.......تكره تلك النوبة.....التي تنقلب لاكتئاب حاد وانعزال عن العالم بأكمله........تكره الضعف وتلك النوبة تجعلها هزيلة ضعيفة...تفقدها صبرها وقوتها واهدافها......

قد اغلقت هاتفها وتركت خلود تفتح المطعم وتباشر العمل مع الفتيات....وتهتم بكل شيء......

ياتي عاصم للمطعم يومياً ولا يجدها....ويسأل
خلود عنها فتخبره انها متعبة واخذت فترة راحة.....

ثم ستعود قريباً....يتصل بها كثيراً لكن الهاتف دوماً مغلق......

قلبه مشغول عليها وعقله ليس على ما يرام........فقد أصبح هو ايضاً مشوش من ابتعادها المفاجئ والذي لا يعرف لهُ سبب.....

لو كان يملك من الجرأة قدر أكبر من ذلك لآتى لمنزلها وطمئن عليها بنفسه....لكن مع لأسف....هو مُقيد...وهي قاسية عليه......تحرق قلبه بنار مستعارة......

في اليوم الرابع صباحاً في تمام التاسعة.....استيقظت من النوم.........وهي تشعر انها كرهت هذا الفراش وحيطان غرفتها الباهته.......كرهت الظلام ورائحة
الغرفة المكتومة......

فاتجهت الى النافذة وفتحتها.... فلفح وجهها الهواء والشمس داعبت عينيها....... فسالت نفسها بدهشة كيف تحملت الحياة دون نسمة هواء وشعاع شمس لمدة ثلاثة أيام.......

كفاها انعزل وبكاء وغضب..... يجب ان تعود لعهدها وتلقي كل شيءٍ خلف ظهرها......

ستتابع عملها في المطعم وستنهي الوليمة المتفق عليها... والتي تقاضت جزء من أجرها......

ستنهي كل شيءٍ وستحذف أحداث الشهر السابق والمشاعر الغبية التي كانت تلاحقها وقتذاك.... ستنسى وتسير كما تريد.... دون الالتفات لاي رجلاً مهما كان.........

خرجت شهد من غرفتها....فوجدت قمر تنظف غرفة الصالون......فقالت شهد بتجهم.....
"بتعملي ايه ياقمر......."

رفعت قمر عينيها بدهشة...فهي لم تسمع صوتها منذ ثلاثة أيام.......يبدوا انها افضل
الآن فقد عاد وجهها للحياة بعد ان كان شاحب شحوب الأموات.....وقد عادت عينيها الى طبيعتهما بعد ان كانوا حمروان
من شدة البكاء المستمر.........

لكنها فقدت وزنها بشكلاً ملحوظ....مما جعلها هزيلة توجع قلب من يراها !........
"انتي مش جايه هنا خدامة....سيبي اللي في
ايدك ده......."

هزت قمر كتفها متحيرة....
"ليه بتقولي كده.....اهو اي حاجة بدل قعدتي دي......."

قالت شهد بملامح جامدة.....
"انا جعانه أوي....هحضر فطار...تفطري معايا....."

ابتسمت قمر قائلة بمزاح......
"سبقتك والله....بس انا طفسه...ممكن قعد معاكي وفتح نفسك على الأكل......."

بادلتها شهد الإبتسامة بمكر.....
"وانا استغلاليه وهقولك تعالي ساعديني....."

"يسلام انتي تأمري....."لحقت بها قمر بتودد.......

عندما وقفا الفتيات معاً في المطبخ.....كانت قمر تقطع الطماطم جانباً...بينما شهد تدحرج البيض في المقلاه.......قالت قمر بابتسامة حنونة......
"الحمدلله بقيتي أحسن من الأول......"

اومات شهد بفتور..... "آه...... الحمدلله......"

تساءلت قمر بفضول......
"بس انتي كان اي اللي تعبك اوي كده.........."

ردت شهد على مضض.... "مشاكل في الشغل......."

اتسعت عينا قمر وقالت مستنكرة.....
"شغل إيه اللي يخليكي تعملي في نفسك كده...انتي مشوفتيش نفسك ولا إيه....دا اخواتك كان هيموتوا من الخوف عليكي....."

ثم إضافة بعدم رضا.....
" لا بجد ياشهد انتي غلطانه.....بلاش تاخدي كل حاجة على صدرك كده....دانتي تروحي فيها...."

رمشت شهد بعينيها عدت مرات ثم استدارت لها قائلة.... "الاعمار بيد الله......قطعتي الطماطم......."

"آآه خدي......."اعطاتها قمر الطبق.....فتابعت شهد ماتفعله.....حتى سألت قمر بعد لحظات......
"اي رأيك في القعده معانا......."

ابتسمت قمر مجيبة بملل....
"كويسة....لكن الصراحه انا زهقت وعايزة ارجع وكل ما كلم خالي يتحجج....ويقولي انه مش فاضي...."

افرغت شهد محتوى المقلاه في طبق وهي
تقول بملاطفة......
"مصيرك هترجعي ياستي...واديكي قعده معانا شوية......وبعدين انا فوقتلك خالص...يعني هنرغي كتير ونخرج كمان.......وفرجك على اسكندرية. حته حته ها اي رأيك........"

ازدادت ابتسامة قمر حتى شملت وجهها ثم
صرحة بمحبة....
"تعرفي اني حبيتك من أول ماشفتك......."

ادعت شهد الغرور.......
"عارفه....مش أول حد يقولي كده.....واضح
اني اتحب........"

اكدت قمر بود.......
"اوي والله.....ربنا يحميكي....ويفرح قلبك....."

شعرت شهد بالحنين لأمها فقالت.....
"فكرتيني بماما.....كنت دايما تدعيلي الدعوتين دول........." ثم حملت صنية الإفطار.....
"يلا بينا نفطر........."

وضعت شهد صنية الافطار على السفرة
وقالت بمرح.......
احلى حاجة ان البيت هادي وكله في شغل.... وانا اجازة كمان.... يعني هنرغي براحتنا... وهتحكيلي عنك أكتر.....يلا بسم الله ..... "

جلست شهد وكذلك قمر.......ثم غمست شهد اللقمة في الجبنة ووضعتها في فمها.......
وكانت أول لقمة تشعر بمذاقها......ورغم انها كانت تأكل لقيمات صغيرة بألحاح من شقيقيها إلى انها لم تستطعم مذاقهما أبداً.......ربما تأثير الحزن والبقعة السواء التي وقعت بها لثلاثة أيام متتالية......

بعد ثلاث ساعات......قد اغتسلت شهد وغيرت ملابسها ببجامة أنيقة....ثم ربطة شعرها بضفيرة قصيرة ترتاح على ظهرها..........

جلست مع قمر امام التلفاز.....وهي تمسك هاتفها تفتحه قليلاً متفحصه شبكة التواصل الإجتماعي فوجدت ان هناك عدد كبير من الطلبات التي اتتها ولم تجيب عليها.......وهناك من حظرها لعدم مصدقيتها...وسوء الخدمة.....
اغلقت الهاتف والقته جوارها بغضب....فسالتها
قمر برفق......
"مالك ياشهد........بترزعي التلفون كدا ليه...."

قالت شهد مقتضبة......
"مفهوش حاجه عدلة....كلها حاجات تحرق الدم..."

أنارة شاشة الهاتف فخفق قلبها دون ان تلتقط عيناها اسمه........ مسكت الهاتف وظلت تنظر اليه بحيرة ام ان تجيب او تهرب كما فعلت الأيام السابقة...

كانت تتابع قمر مايحدث بحاجب مرفوع... ثم لم تلبث إلى وقالت......
"هتفضلي تسيبي تلفونك يرن كتير...... ماتردي..."

نظرت لها شهد ثم للهاتف...لذا اقترحت قمر
بدهاء.......
"تحبي أرد مكانك..... وقول للي بيتصل انك
نايمة....."

هزت شهد راسها وهي تنهض من مكانها....
"لا انا هرد.......شوية وجاية... "

اومات وهي تراها تدلف لغرفتها... فعادت لمتابعة التلفاز متنهدة بملل.......
في منتصف الغرفة وقفت مشدودة الأعصاب..وبدون تقهقر أكثر فتحت الخط وهي تسحب نفساً عميقاً
"الو.......سلام عليكم......"

(شـهـد.....)اللهفة في صوته جعلت قلبها يخلتج
بين اضلعها.......

تسمرت مكانها للحظات وتلجمت غير مدركة من اين تبدأ.......

فقال عاصم بصوتٍ حنون يبث الدفء
والطمأنينة لجسدها المنهار....
(شهد انتي كويسة.... قفله تلفونك ليه... ومش
بتيجي المطعم ليه...... خلود بتقول انك تعبانه
عندك اي ياشهد.......طمنيني...)

ظلت متسمرة مكانها بقلب يخفق باضطراب......في محاولة منها لإيجاد رداً مناسباً ومقاطعاً........
"شوية برد......... انا كويسة.... شكراً على السؤال.. ياستاذ عاصم......"

(أستاذ.......)رددها بعدم فهم....ثم لم يلبث الا
واخذ نفساً خشن قائلاً بحزم.....

( شهد انا عايز اتكلم معاكي ينفعي تنزليلي.....)

سالته بعينين متسعتين.....
"نتكلم في ايه..... ثواني ثواني هو يعني إيه انزليلي..."

رد رداً قاطعاً....
(يعني انزليلي ياشهد...... انا واقف تحت .....)

فغرت شفتيها مستنكرة.....
"واقف تحت؟!.........اي اللي بتعملوا ده....."

نظر امامه مقطباً بعينين متجهمتين ليقول.....
(انتي اللي عملتي مش انا.... عيزاني اعمل إيه
وانا مش عارف اوصلك.....وبقالي تلات ايام... بلف حولين نفسي......انتي اختفيتي فجأه.....زي ماظهرتي فجأه.......)

اشتعل صدرها وهي تقول بتشنج....
"معناه اي كلامك... ساحرة انا ولا إيه.... عاصم روح لو سمحت انا مش هنزل..... حمزة زمانه جاي مش عايزه مشاكل........ وبعدين انا بنت عمتي قاعده معايا... اسبها إزاي ونزل......."

هتف عاصم بصلابة.....
(اتصرفي ياشهد.... لازم اشوفك دلوقتي......)
سارت في الغرفة بخطوات
هائجة....
"بلاش تحكمات.... قولتلك مش هنزل......"

(يبقا هطلعلك أنا.....)قالها بتهور...

فصاحت متأوه بغضب....
"عاااصم......"

تمتما هو من بين أسنانه.......
(يحرق عاااصم..... ياطلع لك ياتنزلي اختاري......)

قالت بانزعاج شديد......
"دا مش كلام ناس عاقلين.... احنا مش صغيرين على الكلام ده......"

هتف عاصم هاكماً.....
(قولي الكلام ده لنفسك ياللي بتهربي وبتختفي...)

"انا حرة......"من بين اسنانها المطبقة قالتها بانفعال
شديد... مما جعله يقول ساخراً.......
(وعشان انتي حرة تعملي فيا كده....)

خفق قلبها فجأة.... لذا تاوهت بأسمه قائلة
برجاء.... "عاصم......"

لم يتنازل بل أصر بصلابة قائلاً....
(اختاري ياطلع لك.... ياتنزلي..... المهم اشوفك....)

ظلا صامتا لدقائق كل مابينهما أنفاس غاضبة
واخرى مضطربة.... حتى قالت شهد بانهزام..
"خمس دقايق ونزلالك......."

سحبت شهد سترة بيضاء تصل لفوق الركبة ارتدتها فوق بجامتها...... ثم التقطت مفاتيح الشقة وخرجت من الغرفة.....
استقبلتها قمر واقفة بتعجب.....
"لبسه كدا ليه..... انتي سقعانه ولا إيه........"

اهتزت حدقتاها ورمشت عدت مرات وهي
تخبرها بتلعثم.....
"هنزل اجيب لبن.... من عند البقال......."

"بس فيه لبن في التلاجة....."قالتها قمر بحاجب معقود........تلجلجت شهد قليلاً.......
"ااه صح.... بس في نوع معين... حلو أوي...
بحب اجيبوا....."

اقترحت قمر بلطف.... "تحبي اجي معاكي....."
"لا.... لا.... خليكي انا مش هتأخر دقايق وجايه...."

اتجهت شهد سريعاً الى باب الشقة وخرجت واغلقته خلفها ثم وضعت يدها على صدرها متنفسة الصعداء........

بالاسفل كان يقف عاصم بانتظارها يقف على غير هدى.....متضخم الصدر بينما النفس في صدره قد تحول الى آتونٍ مشتعل يغلي.......
شوقا اليها وقلق عليها......

وكانه قد وقع تحت تأثير تعويذة مُعقدة لا نجاة منها ولا أمل في فكاك طلاسمها....

بدأ قلبها يخفق بهيسترية كأرنب مذعور وهي تخرج من باب العمارة....لتجده يقف امام سيارته ينفث من سجارته بشراهة في انتظارها......

وعندما التقت أعينهما ببعضها.....سريعاً مرتا عيناه على جسدها بنظرة متفحصة ...ثم لم تلبث الى وتجهمة ملامحه.....وهو يلقي السجار أرضاً داعس عليه بحذاءه........

امام عيناه المكتسحة.....ارتبكت بشدة...واقتربت بوجل.....حتى وقفت امامه محتقنة الوجه وبنظرات عنيفة ضمة ساعديها امام صدرها....
"اديني نزلت زي مانت عايز....خير ياعاصم....."

راقب العنفوان على ملامحها المستاءة والحزن المحمل بين بؤرةِ عينيها.......وجسدها الهزيل...حتى عينيها فقدت صفاء عسليتهما........فأصبحت اشد قتامة وحزناً..........
"انتي بتهربي مني لي ياشهد......"

تاففت بصوتٍ عالٍ وهي تدير وجهها....
"اي اللي هيخليني أهرب....قولتلك كُنت تعبانه......"

قال عاصم بحزم...... "وليه قفلتي تلفونك......"

ردت بضيق أكبر...... 
"عشان مش قادرة اتكلم......."

تافف وهو يستغفر في سره ثم عاد لعينيها
غاضباً.....

"انا مش عايز اكلمك.....انا كنت عايز اطمن عليكي..."

قالت بجمود...... "واديك اطمنت انا كويسة......."

شعر بالحنق من ردها البارد...فقال بانفاسا
متهدجة.........

"بصي انا هسالك سؤال....وتجوبيني بصراحة..."

فكت ساعديها منتظرة السؤال بثباب......فسألها
عاصم بعينين تكتسحان ككلماته......
"انتي تعرفي مراة عمي.......اتقبلتوا قبل كده...."

بلعت ريقها وهي تسأله بوجل.....
"ليه بتقول كده......"

تضخم صدره بمشاعر سوداوية قائلاً
بقتامة...
"عشان وشك اصفر أول مشوفتيها
وفضلتي مبرقه شوية...وبعدين خدتي 
بعدك بسرعة ومشيتي....
وبعدها قفلتي على نفسك....ومعرفتش اوصلك..."

تحولت عينيها الى كورتين من الجليد
العسلي....فقالت بنزق....
"مفيش حاجة بيني وبينها...انا معرفهاش...انا
صدعت فجاه ومشيت...وبعد كده الصداع قلب
بدور برد.....دي كل الحكاية......."

لم يرد بل ظل ينظر لعيناها بصمت والغضب
يأبى ان يستباح....لذا قالت شهد بصلابة.....
"وحبى اطمنك اني هكون موجوده يوم السنوية والفلوس اللي خدتها هدفعها اجرة للبنات اللي هتيجي معايا......."

نظر لها بضيق....وهز راسه بابتسامة ساخرة
مُرة......
"وانتي فاكرة اني جاي هنا عشان السنوية والفلوس......انتي قلبتي عليا كدا ليه....في
إيه انا مش فاهم........"

صاحت شهد تلك المرة بقسوة على قلبها
وقلبه.........
"لازم تفهم...ان كل اللي بينا شغل....مش أكتر......"

ارجع راسه للخف جافلا بينما السهم السام اخترق صدره.........فتبدلا النظرات لبرهة حتى أبعد عاصم عيناه عنها قائلاً بتجهم.........
"تمام........ الرسالة وصلت........"

"حمزة......."
تفوهت بها شهد بعد ان انتبهت لسيارة حمزة التي صفت جانباً وخرج منها وقد انتبه لوجودها هي وعاصم..........

مما جعل حمزة يتقدم منهما بحاجب مرفوع وبوجه مكفهر سائلا بعد ان وقف بينهما.....
"اي اللي موقفك كده......"

ثم نظر لعاصم بعينين مشتعلتين غير
متهاونتين.....
"خير يامعلم عاصم....... في حاجة......."

نظر عاصم لحمزة ثم لشهد التي وقع قلبها أرضا بخوف شاعره بالارض تدور بها بعد هذا الموقف المحرج........
.................................................................
في منتصف صالة المنزل...كان يقف حمزة في مواجهة أخته....بينما تقف قمر بينهما على بعد
ثلاثة خطوات تتابع مايحدث بدهشة....

صاح حمزة بغيرة بعسليتين مشتعلتين.......
"انا عايز افهم....اي اللي كان موقفك تحت مع
عاصم.......وقفين سوا ليه....اي بينك وبينه...."

هزت شهد رأسها باستياء ثم عادت اليه
قائلة بهدوء........
"هيكون بيني وبينه إيه....ممكن تديني فرصة اشرحلك......"

وضع يده في خصرة يهدأ من انفاسة المتلاحقة بغضب........ "اتنيلي اشرحي........"

مررت قمر عينيها عليه باشمئزاز وتدخلت في
الحوار ممعتضة منه.....
"اي الاسلوب المعفن ده....ماتكلم مع اختك عدل...."

نظر لها حمزة بقوة وهتف بصرامة......
"اتقلي.......... اتقلي انتي كمان دورك جاي......"

فغرت قمر شفتيها ذاهلة......
"اسم الله.....ليه بقا ان شآء الله........"

لم يرد عليها بل عاد لاخته ومزال في حالة
اهتياج لا مرد له...."انا سامعك اتكلمي......"

رمشت باهدابها عدت مرات ثم بللت شفتيها وقالت بهدوء مراقبة لتغيرات ملامحه......
"في بينا شغل....هو كان مكلفني بشغلانه....."

مرر حمزة يده على وجهه بنفاذ صبر متمتماً....
"اه شغلانه.......انا معرفش عنها حاجة أصلا..طب كملي اي هي الشغلانة........"

قالت بتلعثم وهي تهرب من عيناه الغاضبة.....
"جدته بتعمل سنوية جده كل سنة...بتعمل وليمة وبتعزم فيها الناس الغلابة......وهو
كلمني عشان اطبخ في اليوم ده...وروحت قبلت جدته واتفقت معاها....وخدت منها عربون كمان.......اجرة البنات
اللي هيشتغلوا معايا......"

جفل بصدمة وبدأ يعد على أصابعه ماحدث
من خلفه ظهره بمنتهى الانفعال......
"روحتي بيتهم...وتفاقتي معاهم....وخدتي فلوس....وكل ده من ورا ضهري......كنتي
هتقوليلي امتى ياشهد...."

"كنت هقولك والله في أقرب وقت......."
قالتها وهي ترفع سبابتها مبررة....

ابتسم حمزة ساخراً بغضب.....
"اللي هو إمتى....لم تخلصي خالص مش كده..."

ادعت شهد الثبات وهي تهز رأسها....
"مانت مكنتش هتوافق ياحمزة....وبصراحة المصلحة دي فيها قرشين حلوين......"

رفع حاجبه بشك أكبر......
"آه مصلحة......ومن امتى شهد بتحسبها كده......"

اكدت شهد مستنكرة......
"في الشغل بحسبها كده.....ولعلمك انا مينفعش
إرجع في كلامي انا اديت للست كلمة...وخدت
منها فلوس......"

برق حمزة بعيناه صائحاً......
"لا هترجعي في كلمتك والفلوس هترجع...عشان متعمليش حاجة من ورايا تاني......"

دبت شهد بقدميها راجية.....
"لا ياحمزة ونبي متصغرنيش......"

احتد عليها صارخاً......
"مين فينا اللي صغر التاني انا ولا انتي......"

كانت ستبكي وهي ترجوه... "ياحمزة افهمني......."

قاطعها بصرامة......
"خلصنا ياشهد مش هتروحي.....ولا هتدخلي بيتهم تاني...."

قالت بنبرة مجهدة.......
"قولتلك مش هبقا لوحدي فيه اكتر من خمس بنات هيكونوا معايا..... ياحمزة حرام عليك متقطعش برزقي ورزقهم......."

اندهش من الألحاح المستمر فعقب
متعجباً....
"الله؟!...انتي ملهوفه اوي على الشغلانه دي كدا ليه..."

كانت في أوج الهدوء وهي تجيب بسلاسة.....
"لاني خدت مبلغ يعتبر كبير وصرفته اجره للبنات ومش معقول هاخده منهم ورجعوا....حرام عليك..."

تافف حمزة وهو يميل بوجهه للناحية
الأخرى.... "انتي بتعجزيني ياشهد......"

هزت شهد راسها قائلة بصدق.....
"والله ما قصد...بس دي الحقيقة.......خلود اتفقت معاهم إمبارح...وخدت مني الفلوس ودتها ليهم..انا مش كدابة......."

برقة عينا حمزة بغضب كلما تذكر وقوفها مع
هذا العاصم...
"وبتاع ايه يجيلك لحد هنا......بتاع إيه.. "

وضعت شهد يدها على رأسها لبرهة بتعب
من كثرة الجدال معه...... ثم اجابته بعدها
باختصار شديد.......

"لاني بطلت اجي المطعم...وهو عايز يعرف.....
هاجي زي ماتفقت مع جدته ولا غيرت رأيي....."

ضيق حمزة عيناه وهو يشعر بشيء
مريب........
"انا شامم ريحة كدب.....في حاجة غلط......"

لم ترد شهد بل فضلت الصمت فهي تعبت
من كثرة الجدال........فنظر حمزة لقمر الواقفه
بينهما عن بعد تتابع بصمت......
"وانتي سبتيها ليه تنزل...تكونيش بداري عليها..."

جفلت قمر بصدمة وهي ترتعد للخلف
خطوة.... فهدر حمزة بعصبية عليها هي
الاخرى...
"ماتردي......ساكته ليه"

فارة الدماء في عروق قمر فلوحت بيدها اليه متشنحة..... "بتجعر كدا ليه......مابراحة......."

اتسعت عينا حمزة مردد الكلمة..... 
"انا بجعر ؟!!!!......."

ابتسمت شهد واخفضت وجهها....فنظر لها
حمزة بحنق......
"انتي بتضحكي ياشهد......."

اومات شهد وهي تنظر لعينا اخيها بمرح....
"عندها حق ياحمزة......."

"عندها حق..... كسر حوقها........"ثم نظر لقمر بملامح مكفهرة قائلاً بتحذير .......
"انتي يابت انتي لمِ لسانك عشان انا على أخري منك..."

قربت قمر راسها منه بحدة....
"اي بت دي اسمي قمر......."

قرب هو أيضاً راسه منها قائلاً بسماجة.....
"أمر بستر ياختي.....مش مبلوعه....اسمك مش
نزلي من زور........كله نفاق وكدب......"

ابعدت راسها للخلف وهي تدعي الضحك
بحنق......
"هاها....خفيف الدم أوي......ضحكتني... "

تافف حمزة بندم وهو يضرب يد بالاخرى....
"والله انا غلطان كنت سبتك ليهم كان زمان
صورتك دلوقتي معروضة في صفحة الحوادث........"

هتفت قمر بشراسة....
"بعد الشر عليا.........ان شاء الله انت......"

لوى حمزة شفتيه ونظر لها بغرور.....
"عيب في حقي الدعوة دي....عشان احنا رجالة أوي.......وبعدين انا اخطف.....متخطفش......"

كانت تلك المرة تقف شهد بينهما عن بعد خطوة واحده تتابع مايحدث بعدم فهم مما دفعها للسؤال.......
"انتوا بتقولوا إيه......حوادث ايه وخطف إيه...."

نظر لاخته ثم عاد لقمر التي أحمر وجهها
بغضب شديد......بينما تنظر اليه شزراً.....
"دا حوار قديم كده بيني وبين قمراية......."

ثم القى نظرة اخيرة على قمر وابتعد....فسالته
شهد مهتمه....."رايح فين ياحمزة......."

رد بوجوم دون النظر إليها.....
"هتزفت اعمل قهوة......."

اقترحت شهد بحنية...... "استنا اعملهالك......."

تابع حمزة خطواته للمطبخ قائلاً بتهكم.....
"مش عايز منك حاجة.... وقطمي معايا ها...... عشان تبقي تخبي عليا وتستهيفيني كويس......."

نادته شهد بأسى....... "ياحمزة اسمع........"

لم يرد عليها بل دخل المطبخ متجاهلها......
فقالت قمر وهي تجلس على الاريكة بضيق.....
"سيبك منه اخوكي ده مجنون...... ولسانه
متبري منه....."

اومات شهد براسها مضيفة
بمحبة.....
"بس طيب....... وبيخاف علينا....."

في تلك الأوقات تحت كيان باب الشقة وهلت
عليهما بشقاوتها المعتادة.......
"ساموو عليكووووو....."

لم ترد قمر وشهد بل ظلت ملامحهن واجمه واعينهما حانقة.......
فاقتربت كيان منهما وتوسطت احد المقاعد متأوهة بتعب وهي تقول.......
"كان يوم متعب أوي.....شهد طبختي إيه عشان انا جعانه........"

لم ترد عليها شهد بل مطت شفتيها بضيق....فنظرت كيان لقمر ووجهة الحديث لها.....
"طب ردي انتي يابنت عمتي......فيه اكل ولا
هنقضيها معلبات......."

لم ترد كذلك قمر بل اشاحت بوجهها متاففه....
فصاحت كيان بغضب....
"في اي ياجدعان ليه قاعدت المطلقين دي...ماتردوا عليا.....هو أبويا هنا...وانا 
مخدتش بالي من عربيته..."

اخبرتها قمر بوجوم.....
"حمزة اللي هنا...ولسه شادد مع شهد بالكلام..."

توسعت عينين كيان بحسرة....
"ينهار كحلي يعني هو مضايق......"

اومات قمر مؤكدة...... "على آخره......"

كانت ستبكي وهي تسأل اختها بحسرة.....
"عملتي اي ياشهد حرام عليكي دا انا كنت عيزاه في موضوع مهم اوي....."

سالتها شهد بضيق..... "موضوع إي ده......"

همست كيان لهن...... "أصلي راحه حفلة......"

توسعت عينا شهد وتشدقت....
"نعم..... حفلة ايه....احنا من امتى بنروح حفلات..دا احنا بنروح افراح بالعافية......"

"اديكي قولتي بنروح أفراح بالعافيه...الحفلة دي بقا على شرف المحامي سليم الجندي...اللي شغاله عنده......"

ثم تابعت بزهو وعينين تلمعان بحماسية.......
"أصلاً كسبنا قضية كبيرة أوي...وراجل صاحب القضية عامل حفلة وعزمني انا والاستاذ سليم
وانا هموت وروح......."

برمت شهد شفتيها مصرحة......
"اتنيلي تروحي فين.......دا كان هيبلعني لما لقاني واقفه مع عاصم تحت......"

هتفت كيان مبتهجة.....
"الله....... هو عاصم كان هنا......"

ردت شهد بارتباك...... "كان جاي في شغل......"

علقت كيان بغمزة ماكرة......
"من امتى في بينكم شغل......بقيتي بتخبي وتدراي ها...... وكاننا مش اخواتك..... "

تاففت شهد بتململ.....
"بعدين بعدين هبقا احكيلك.....المهم انسي حوار الحفلة ده......."

هتفت كيان بأنين متوسلة.......
"لا ونبي انا لازم اروح.....انا هموت وشوف الحفلات دي على الطبيعية.......انا طول عمري بشوفهم في المسلسلات ياشهد......"

ثم استأنفت حديثها بانتشاء.....
"تعالي نتخيل اني روحت الحفلة دي...وقبلت فارس احلامي.....واول ماشفني قال هي ده.....اللي هتحدى العالم عشانها........"
استلمت قمر دفة الحديث قائلة باستهانه.....
"يتحدى العالم ؟!... اي الاوفر ده......مايجي
يتقدملك ونخلص......"

مطت كيان شفتيها بقرف وعقبت.....
"اسكتي انتي ياجاهلة....دا عشان مش بتابعي مسلسلات..... معندكيش حس مرهف........"

قلبت قمر شفتيها
مغمغمة.... "مرهف؟!.... ربنا يشفيكي......."

ثم مالت على شهد ناصحة إياها
بتوجس....
"اقسم بالله خايفه على عقلك منهم...حصني نفسك.......واحده عايشة دور السندريلا...
والتاني بيتعارك مع دبان وشه......"

زفرة كيان متذكرة....
"يااي فكرتوني........هجبهاله إزاي........"

احتدت نظرات شهد عليها....
"تجيبي إيه....اتلمي ياكيان مفيش حفلات
ولا زفت......."

نهضت كيان واوشكت على البكاء وهي
تقول....
"يووه بقا متكسروش بنفسي انا هموت وروح....بس معنديش دريس حلو يليق على المكان اللي هنروحوا........"

تطوعت قمر قائلة.......
"انا عندي فستان حلو اوي...ممكن اسلفهولك...."

نظرت كيان لجسد قمر بغيرة
وقالت بقرف......
"لا طبعاً انتي املى مني....فمش هينفع....."

ارتفع حاجبي قمر بصدمة ونظرت لشهد التي كبحت ضحكتها بيدها مطرقه براسها أرضاً......
ففي الحقيقة اجسادهما تختلف...فـقمر طويلة القامة نحيف الجسد كعارضات الازياء الفاتنات...ام كيان فهي قصيرة القامة عنها قدّها مكتنز اكثر منها بقليل........

إشارة قمر على نفسها بعدم
استيعاب.....
"انا اللي مليانه برضو......"

اومات كيان ببرود...... "عندك اعتراض......."

نهضت قمر من مكانها بترفع...بتلك البجامة
الانيقة التي تبرز نحافة جسدها......
"مش هدخل في نقاش مع واحده عاميه....."

هاجت كيان واقفه تنوي العراك......
"مين دي اللي عامية.....لا بقولك إيه....دا انا شرشوحة........"

وقفت شهد وتدخلت بينهما بحزم....
"ماتهدي ياكيان...اسكتي ياقمر...ايه هتمسكوا
في بعض........"

هتفت قمر بضيق شديد.....
"انتي مش شايفه ردها ياشهد....مع اني مغلطش انا قولت اساعدها..."

هدرت كيان بغل.....
"مستغني عن خدماتك ياحلووه......يبتاعت البقلاااااوة......."

دفعت شهد اختها للخلف قليلاً.... "اعقلي ياكيان......"

قالت قمر ببرود....
"انا هروح أطفح شوية مية ابلع بيهم البوقين
الحمضانين دول....."

برقة عينا كيان غضباً....
"بصي بتقول على كلامي حمضان إزاي......"

حاولت ابعد اختها عن طريقها وهي
تقول بشراسة.......
"سبيني ياشهد مش هضربها...هجبها من
شعرها بس......"

"ماتعقلي بقا يامجنونة.........خلاص مشيت....."

دفعتها شهد بقوة فوقعت كيان على الاريكة
خلفها.....تاففت كيان مستغفرة وهي تلح
مجدداً....
"انا لازم أروح الحفلة.. ونبي ياشهد اتصرفي...."

"هعمل اي يعني......"

"غطي عليا......"

صاحت شهد محذرة....... "كياااان......."

الحت كيان وهي تربت على صدرها
برجاء.......
"هي ساعة زمن واحده مش هتاخر والله
العظيم.....ونبي ياشهد غطي عليا المرادي بس...."

قالت شهد بتردد......
"هتعمليلي مشاكل مع حمزة وابوكي....كفاية حوار النهاردة........"

قالت بابتزاز عاطفي متوسلة......
"ونبي... ونبي... ونبي ياشهد غطي عليا المرادي.... ورحمة أمك ياشيخه وغلوتها عندك......"

نظرت لها شهد بصمت... ثم قالت بتردد....
"سبيني أفكر......."

اومات كيان براسها محاولة استعطاف
قلبها.........
"فكري بس بالله عليكي ماتكسري بخاطري.....
انا عايزة أروح الحفلة دي أوي..... "
.................................................................
دخلت المطبخ بملامح متهكمة..... فرات حمزة يقف عند الموقد يمسح سطحه بتافف.....

فاقتربت منه على مهل تسأله.....
"في ايه؟...... وقعت إيه....."

رد وهو منشغل بتنظيف سطح
الموقد....
"القهوة فارت......موتوا بعض ولا لسه؟.. "

مطت قمر شفتيها قائلة ببراءة.....
"هي اللي قرشه ملحتي من أول يوم.... زيك بظبط......"

نظر لها حمزة وتشدق بغرور.....
"مفيش حد زيي.... وبعدين دي غيرة بنات
....متخصنيش..... "

"طب وسع اما اعملك القهوة......."اشارة له قمر
بأن يتنحى جانباً.........فامتنع حمزة هاكماً.......
"مستغني عن خدماتك.... انا هعملها من تاني....."

"طب هات ياحمزة ربنا يهديك....." سحبت منه الركوة بجزع.....

ثم اتجهت الى الحوض لتغسلها وتعد القهوة
من جديد......فنظر لها حمزة ساخراً.....
"انتي بتتعملي مع ابن اختك..... مالك......"

اتجهت قمر الى الموقد وقلبت شفتيها
ممتعضة..... "مالك انت....."

بابتسامة جانبية سالها بخبث......
"انتي اللي مالك بتنكشيني ليه.... تكونيش
معجبة......"

مالت بوجهها اليه مشدوهة.....
"معجبة بيك انت؟!.... دي ابوخ نكته سمعتها...."

ابتسمت بسماجة......

اغتاظ من ردها فقال بسخط...
"الله.......دانتي بتقلي مني بقا......"

مطت شفتيها قاصفة.....
"مش القصد....... بس انا شيفاك اخ......."

ضحك حمزة واجابها بصراحة....
"وانا شايفك واحد صاحبي...."

اغتاظت منه بشدة واحمر وجهها فقالت وهي تضع معلقة البُن في الركوة........ 

"ظريف اوي........"

ثم سالته باقتضاب.....
"سادة........ ولا زيادة...."

شاملها بنظرة ذات مغزى.........
"احبها على الريحة........"

اومات برأسها وهي تضع الركوة أخيراً على عين الموقد...........

ثم وقفت تراقبها وبين الحين والآخر ثم
تنظر لحمزة بحنق مخمر بالقرف.......

فسند حمزة على حرف الرخامة وسحب من طبق الفاكهة المجاور ثمرة تفاح....... ثم أخذ منها قضمها ومضغها امام بنيتاها الحانقة.....
"منورة ياقمراية......"

تنهدت بقلة صبر......... "بنورك......."

بنظرة مستفزة عزم عليها.... "تاخدي تفاح....."

عقدت ساعديها بحدة....... "مش عايزة....."

مضغ التفاح على مهل..... "مش هديكي أصلا......."

عندما راته ياكل تذكرت سبب مجيئها الى هنا
فقالت وهي تتجه الى المبرد..... "نسيت أشرب........"

مالت قليلاً.......فنظر حمزة اليها بطريقة وقحة...وعندما استدارت اليه فجأه....التقطت موضع عيناه....التي عادت الى بنيتاها بنظرة باردة وكانه لم يفعل شيء.....

اغلقت قمر باب المبرد بقوة....ثم اتجهت إليه
تنظر اليه بعينين متفاجئتين مما رأت.....
اي ده.......بقا......"

هز حمزة حاجباه بعدم فهم...... "اي بقا......"

جزت على اسنانها محذرة..... 
"عينك ياحمزة........"

ابتسم بشقاوة غامزاً...... "اي عجبينك......"

واجهته بجرأه....... "انت بتبص فين......"

استنكر وهو يزيد من استفزازها.....
"مش واخد بالي بصيت فين......"

زفرة بضيق وهي تعود الى الركوة بوجهاً محمر
خجلا وحنقاً........

فابتسم حمزة متلذذاً باستفزازها....فعدما يراها
تنولد داخله رغبة سخيفة لاثارة حنقها......فزاد
احراجها قائلاً وهو يعدل ياقة قميصة بزهو....
"انا بقول نوسع الهدوم شوية عشان معاكي
رجالة...... واخده بالك...... رجالة اوووي....."

ارتبكت أكثر وهي تصب القهوة في
الفنجان....
"حط في عينك حصوة ملح واحترم نفسك....."

مط حمزة شفتيها ساخراً......
"جملة ملهاش علاقة بالنص خالص... انتي اتوترتي ولا إيه......اوعي تكوني بتكسفي زي البنات... دا انا لسه بقول انك شبه واحد صاحبي.... بجح..... "

وضعت الفنجان على الرخامة جواره متمتمه
بضيق........ "انت مستفز....... انا غلطانه اني
بعملك قهوة...... طفحتها......."

ارتفع حاجبه ذاهلاً.......
"اي طفحتها دي...... ماتلمي نفسك يازفته انتي...."

قالت بتبرم....... "بنادم قليل الأدب.........."

اقترب منها خطوة هاتفاً بغضب
عارم.......
"تحبي اوريكي قلة الأدب اللي على حق....."

اهتزت حدقتاها قليلاً لكنها هتفت
بشجاعه....... "هتضربني ولا ايه......."

بعينين شاخصتين عليها قال بجسارة.....
"انا مبضربش حريم.... بس ممكن بنظرة اكرهك في نفسك........."

اوشكت على البكاء وهي تساله
بعصبية....
"انت بتكرهني كدا ليه.... انا عملتلك إيه......"

تافف بملل وهو يمد يده لطبق الفاكهة ثم
اخذ منه تفاحة ووضعها في يدها
قائلاً بفظاظة......
"انتي هتقلبيها درما..... خدي التفاحة دي ومشي من هنا.... سبيني اشرب القهوة على روقان....."

اتكات على التفاحة بين قبضتها ثم هتفت بشراسة....... "مش عايزة منك حاجة......."
مسك ذراعها قبل ان تبتعد.......
"انتي راحه فين......."

سحبت ذراعها من بين يده
بعنف....
"هروح اقعد مع شهد في حاجة......"

اقترح حمزة بصوتٍ مرح......
"طب ماتخليكي معايا اهو ندردش مع بعض... هو انا مش ابن خالك ولا إيه......."

مطت شفتيها وكانها تشم رائحة فأر ميت ثم
قالت على هذا الوضع........
"الكلام معاك بيقفلني منك أكتر... فبلاش احسن..."

استدارت راحلة وقد نست التفاحة بين يدها...
فقال حمزة من خلفها بغلاظة......
"وانا هتحايل عليكي.... روحي قاعدي مع اللي يعجبك.......تطولي أصلا تكلمي معايا..... "

ثم تذكر التفاحة فامرها بشكلاً طفولي.....
"هاتي التفاحة بتاعتي...... خسارة فيكي....."

استدارت اليه والقت عليه نظرة حانقة ثم رمت التفاحة نحوه بقوة......... "اتهنى بيها......"

التقط حمزة التفاحة بمهارة قبل ان تضرب
وجهه فتمتم بغضب.....
"ياجزمة...... "

ثم مسك فنجان القهوة مغمغماً
بضيق.....
"ناقص انا....قال قمر قال......أمر بستر... "
................................................................
كان صباح اليوم مختلف بنسبة لها...... طوال
الطريق بداخل سيارة (بشير.) تنظر من النافذة
بشرود عقلها يألف قصصاً متنوعة عند الاصطدام الآتي من ملاك السرايا....(إلهام..)...(عاصم...) وباقي أفراد العائلة التي لم تتعرف عليهم بعض قلبها يختلج في صدرها بعنف......

كانت تود الانسحاب ورفض طلب المرأة.... لكنها تكره الانحناء...الانحناء امام صورتها في المرآة يكسرها يسخر منها......

ينبذها كما نبذها والدها طوال حياتها.......

اليوم يجب ان تكون أقوى مما سبق....ستواجه مخاوفها.....وتفعل ما طُلبا منها دون تقهقر......
وفي نهاية هذا عملها....ومهما تصادفنا مع ماضينا يظل كعملة ولى زمن تعاملها........
وحتى الاحتفاظ بِها يُعد لا شيء ، والماضي لن يعود عهده مهما صادفنا خلسةٍ ؟!.....

أوقف بشير السيارة خارج سرايا المماليك كما
تشبهها من أول يوم وقعت عينيها عليها....
فهذا البيت ليس فقط لانه ضخم وثميناً...بل
لانه عريق الفخامة كتراث المماليك.....لهُ كنية....لهُ روح......لهُ صيت.....يكفي التحف الموضوعه في كل ركن ولوحات التاريخية المعلقة على الحوائط......من الوهلة الأولى ظنت انها دخلت معرض فني قديم التراث...
الى ان اكتشفت ان الجدة(نصرة..)مولعة بالتحف الاثرية والفن الرفيع.........ولا تفوت قطعة جديدة من بازار (حكيم).....

ودوماً عاصم يهديها ما تحب.........
علمت هذا في خلال الحديث الذي دار بينهما
في اليوم المشئوم........

أحبت كثيراً جلستهما....وشعرت بالالفه والدفئ...لكن التعاسة تلاحقها اينما ذهبت.....فتاتي الرياح بما لا تشتهي السفن.....
وتنتهي مشاعرها بلطمة كبرى......جعلتها ترقد على الفراش لمدة ثلاثة أيام تناجي الموت..........

ترجلت من السيارة وسارت للداخل متخطيه البوابة الحديدة بعد ان سمح لهم الحارس...اتت هي والفتيات اللواتي 
سيقومنا بطهي معها كمية الطعام
الكبرى التي ستحضرها.......وكذلك اتى (بشير..)حتى يقوم بادخال اغراضهما الخاص بطهي في مطبخ آل الصاوي.......

استقبلتهم (نصرة)بابتسامة بشوشة وهي ترتاح على مقعدها المتحرك..........
"أهلا وسهلاً....نورتوا المكان......جايه في معادك مظبوط ياشهد........"

اكتفت شهد بابتسامة بسيطه....فقالت السيدة مقترحة بلطف.......
"الساعة لسه ستة....احضرلكم فطار........"

امتنعت شهد بابتسامة رقيقة.....
"لا احنا مش بنفطر دلوقتي....شويه كده بعد مانحضر........"ثم وجهت حديثها للبنات من خلفها.... "مش كده يابنات......."

اومات الفتيات بهدوء....فنظرة لها نصرة بعتاب...
"اخص عليكي....سبيهم يفطروا وبعدين يشوفوا شغلهم......متبقيش بخيلة..... مصيري ازورك في مطعمك..... "

توسعت البسمة حتى ظهر صفاء اسنانها البيضاء فقالت بشهقة ناعمة.......
"ياخبر..... تنوريني ياحاجة.....بس والله احنا مش بنفطر دلوقتي..........وصدقيني انا مش شدة عليهم.....احنا كلنا بنفطر في وقت معين......ممكن بس تعرفيني المطبخ
فين..... عشان نشوف شغلنا......"

تاففت نصرة مستاءة......
"صعبه اوي ياشهد....ماشي براحتك.... تعالوا ورايا...."

تحركت نصرة بمعقدها نحو احد الزوايا وتحرك خلفها الجميع ......ام شهد فتصلبة مكانها بعد ان داهمة عسليتاها عينين صقريتين تنظر لها من أعلى السلم الممتد بسطوة.....
بغضب......بعتاب؟!.....

هذا الوسيم شامخ الطول وسيم الملامح من النوع الذي تخشاه بشدة ويجذبك بنظرة.....
رسمة عيناه كالصقر......مهيباً.......والمهيب دوماً يكن المرء حريص في غرامة !........

أسبلت اهدابها وقلبها جن بين اضلعها....الرحمة
حتى رجفةٍ خائنة اصابتها عند رؤيته......

لماذا هو مهيباً ومؤثر عليها بهذا الشكل.....
تكره تلك المشاعر التي تنتمي اليه وحده.....
بدأت تحرك ساقيها بخطى مستقيمة باتجاه الزاويا التي اتجه اليها الجميع لكنه اوقفها بعد خطوتين.....

وقد تسمرت هي مكانها توليه ظهرها.....
"شــهــد........"

(اشتقت لمناداتك لي بتلك الطريقة....)

اتسعت عينيها بصدمة....همساً داخليا اصابها في مقتلها......هل اشتاقت فعلاً ام انهُ وسواسٍ ؟!.......

استدارت إليه تواجه عينين راسختين أمام
نظراتها المهتزة قليلاً......
"خير في حاجة.........ياستاذ عاصم......"

جز على اسنانه بغيظ ووقف أمامها.......وهيهات عند القرب......الامر يزاداد تعقيداً.....

عبق عطرها المسكر داعب انفه فاغمض عيناه لثانية رغم الغضب البادي عليه.......
توترت شهد من تلك الحركة فرجعت خطوة وارجعت خصلة من غرتها بتوتر خلف اذنها ثم اعادت السؤال بوجل.....
"خير.......في حاجة......."

عاد اليها بملامح صلبة ونظرات راسخة تأسرها
عمداً فتشقيها ظلماً...........
"يوم ماجتلك تحت البيت.......أخوكي جه و......"

قالت بهدوء.... "محصلش حاجة الموضوع عدى........"

اوما براسه وهو يجدها تغلق الأحاديث
بينهما فقال مقتضباً........
"كويس..........عرفتي تصرفي......."

اومات براسها..... "أيوا........."

جرت عيناه عليها في لحظة خاطفة من أول ثوبها الربيعي المحتشم الطويل...حتى شعرها الأسود الناعم القصير والذي جمعته في كعكة أنيقة مع الغرة المنسابة بدلال تخفي الجبهة البيضاء..... وحول اذنيها خصلات ناعمة متناثرة........قد انتبه أخيراً لماذا تجعلهم بهذا الشكل الفوضوي.......كي تخفي السماعة الطبية عن الأعين........

المه قلبه لأجلها فسألها تلقائيا وقلبه يحترق
في موضعه........"انتي كويسة.........."

نظرت اليه بحيرة ومع ذلك ردت بعفوية..... "الحمدلله....وانت كويس........"

هز راسه بنفي..... "لا......"

شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1