رواية فراشة في سك العقرب ( حب أعمي ) الجزء الثانى الفصل التاسع بقلم ناهد خالد
أي لعبة يجب أن يكون لها أصول، فمن قال أن كل شيء متاح في الحب والحرب كان مخطئًا بالطبع، فهناك أشياء لا يجب أن تدخل ضمن حروبنا وخططنا، هناك أشياء لا يمكن اللعب بها أو الرهان عليها.. كالحب مثلاً! ”
مازال الحديث مستمر بين “شاهين وفيروز”
سألته في هدوء تسرب إليها بعدما بدأ يشرح لها و بدأت تفهم الأمور:
– طيب وليه اعلنت خطوبتنا قدام الناس كلها؟ ويا ترى قررت فجأة ولا كنت مرتب كل حاجة.
ابتسم وعينيهِ تلمع بالمكر وقال:
– ما فيش حاجة بقررها فجأة, كل حاجة عندي بحسبلها كويس أوي..
ابتلعت ريقها بقلق وهي تشعر أن القادم سيصدمها..
********
في المستشفى التي يمكث فيها مجد..
دلفت للغرفة بعدما دقت الباب ولم تجد رد، ولكنها تعلم أنه مستيقظ، فلقد قابلها والده أثناء خروجه ليجلب بعض الطعام له واخبرها أنه مستيقظا منذُ الفجر ولم ينم من ليله إلا ساعات قليلة لولا الأدوية المخدرة ما كان سينامها.
التوتر والقلق سيقتلونها، فهي حقًا تخشى رد فعله فإن كان في ظروفه الطبيعية يثور عليها ويكره رؤيتها ماذا عنه الآن! ولكن على طبيعة الأحوال وعلى أي حال لم تستطيع أن تمنع نفسها من رؤيته والاطمئنان عليه.
سحبت الكرسي المجاور للفراش لتبعده قليلًا للخلف وتجلس فوقه تنظر له وهو جالس نصف جلسه ناظرًا أمامه بصمت وشرود، وكأنه لم يشعر بها، لكنها متأكده أنه شعر بوجودها فقالت:
_ ازيك يا مجد يا رب تكون كويس النهارده؟
وكما توقعت لم تتلقى منه أي رد فاكملت بدموع غزت مقلتيها:
_ انا عارفه أنك يعني ما بتحبش تشوفني ولا بتحب تتكلم معايا، وأكيد وانتَ دلوقتي تعبان وزعلان مش حابب تشوفني اكتر، وانا والله ما كنتش عاوزاه اجي عشان مضايقكش، بس…. يعني ما قدرتش، ما قدرتش امنع نفسي إني اجي.
وساد الصمت بينهما لثواني لم يكسرها هو ففعلت وهي تحدثه وكأنه نائم فلا يسمعها حقًا:
_انا حاسه بيك، يمكن ما تصدقنيش بس والله حاسه بيك، وعارفه يعني إيه الواحد فجأة حياته تتقلب وتتغير فيها حاجه هو متوقعهاش، انا بردو لما ابويا وقع فجأة من كام سنه، والدكتور قال إنه ما ينفعش يشتغل عشان قلبه ما بقاش يتحمل، ولقيت نفسي انا وابويا لوحدنا وما فيش حد يصرف علينا والمسؤولية كلها بقت عليا، حسيت بنفس اللي انتَ حاسس بيه دلوقتي، التوهه والوجع والحيره والصدمه، بس هنقول ايه… سبحان من يبدل حال بحال، وفي أول يوم قررت انزل اشتغل فيه قابلت راجل كبير في السن لقاني بعيط وواقفه في الشارع عامله زي التايهه، فسألني بعيط ليه وإيه حكايتي، وحكيتله وقتها هو كمان حكالي حكاية..
صمتت تحاول أن تلتمس منه أي اهتمام بما تقوله، وبالفعل لمسته حين رمش بجفنيهِ لأول مرة منذ أن دخلت للغرفة، وكأنه يفيق من شروده الواهي ليستمع لها فابتسمت وهي تكمل:
_قالي إن كان في ست ارمله عايشه في قرية هي وابنها الصغير، حالتها كانت صعبة جدًا، كانت عايشه في أوضه فوق السطوح في بيت قديم والفلوس اللي معاها بتكون على قد اليوم اللي هم فيه، يا دوب ياكلوا ويشربوا، وكانت رغم كل ده راضيه وبتعلم ابنها ازاي يحمد ربنا على أي حال هو فيه، لكن كانت كل مشكلتها لما بيجي الشتا، الاوضه سقفها ما كانش متعرش كويس فكان المطره بتنزل عليهم، لحد ما جه يوم كان المطر فيه شديد أوي عن كل الايام اللي قبله، فالست حضنت ابنها وقعدت وفضلت تعيط وهي مش عارفه تعمل إيه عشان تمنع المطر عنهم، لحد ما خطر لها فكره وقامت خلعت باب الاوضه وحطته على الأرض وسندته على حيطه فبقى عامل زي المظلة وقعدت تحته هي وابنها، فحما عنهم الميه اللي بقت تنزل على الباب وتنزل على الأرض بعيد عنهم، وقعدت وهي حاضنه ابنها تحت الباب لحد ما المطرة خلصت، فالولد اللي اتعلم منها الرضا بصلها وضحك وقالها يا ترى الناس الفقيرة اللي ما عندهاش باب نامت ازاي في المطرة دي؟! والولد هنا كان بيتكلم وكأنه غني مش عنده حتة باب يا دوب هو اللي حماه من المطر، والموضوع هنا كان أكبر بكتير من فكرة الباب، الموضوع هنا كان إن الولد ده بيدور على أي سبب في حياته يخليه يحمد ربنا ويرضى بيه.
صمتت قليلًا تأخذ نفسها ثم قالت:
_يمكن دلوقتي حاسس إنك فقدت حاجه كبيره، ومش عارف ازاي حياتك هتمشي من غيرها، لكن لو فكرت فيها هتلاقي إنك اه فقدت جزء من جسمك، بس على الأقل لسه عندك القدرة إنك تشتغل و تتحمل مسؤولية نفسك ومسؤولية ابوك، يعني تخيل لو الموضوع كان أكبر من كده وحالتك اسوء كان الوضع هيكون ازاي، على فكره الدكتور قال لنا إن كانت في خبطه في ضهرك شديدة، وقريبة من… من….
ظلت تحاول تذكر المسمى الذي قال عليه الطبيب لكنها فشلت فقالت بضجر:
_ حاجه كده مش فاكرة اسمها إيه، المهم انه قال لو كانت الخبطه دي أشد شوية، يمكن كانت عملتلك شلل.. فيا ترى بقى حالك دلوقتي أحسن ولا حالك لو كان لا قدر الله حصل زي ما الدكتور قال؟
وجدت عضلات وجه تتحرك بقلق واضطراب وكأنه لمجرد تخيله للأمر لم يستطع الصمود، فابتسمت وهي تُكمل:
_وقتها أكيد كنت هتكون عاجز أكتر من كده بكتير، ولو سألتني عن رأيي أنا مش شايفه ان انتَ دلوقتي عاجز اصلاً، انتَ عندك ورشتك بتاعتك انتَ يعني انتَ مش شغال عند حد عشان بعد اللي حصلك ده يطردك من الشغل، يعني لسه في ايدك تفضل مكمل في شغلك وفورشتك وتحمد ربنا أن الحادثه جت في ايدك الشمال، يعني لسه عندك ايدك اليمين تقدر تستخدمها وتكمل شغلك، انا اعرف ناس خسروا ايدهم الاتنين وبيعافروا ويشتغلوا، انا عارفه ومتأكده إن الموضوع مش بالسهوله دي، وان انتَ حقك تاخد وقتك عشان تتقبل الوضع الجديد وتستوعب الصدمه، بس في فرق ما بين إنك بتاخد وقت عشان تستوعب اللي حصلك، وما بين إنك خلاص استسلمت وشايف إن حياتك وقفت، إن ما بقاش لك لازمه زي ما قلت لأبوك امبارح، إحمد ربنا يا مجد على انها جت على قد كده، وانك خرجت منها بخسارة قليلة عن أي حاجه تانيه كانت ممكن تحصل، انتَ لو كان جرالك حاجه ما كنتش هتموت لوحدك، ابوك كان هيموت وراك, فكر في الراجل اللي ضيع شبابه كله عليك عشان يصرف عليك ويكبرك ويعلمك صنعة استندت عليها وقدرت بيها تعيش نفسك وتعيشه، فكر فيه انه مش بعد ما كبر ما بقاش يقدر على شغل ولا مرمطة انتَ كمان تتخلى عنه وعن مسؤوليتك ناحيته وتستسلم لوضعك ده، انا اسفه لو كان وجودي مضايقك بس زي ما قلتلك ماقدرتش امنع نفسي اني اجي اشوفك، وما اقدرش اوعدك اني ما جيش تاني طول ما انتَ في المستشفى..
انهت حديثها ونهضت تنظر له نظرة أخيرة قبل أن تخرج من الغرفة، لتتحرك رأسه تجاه الباب وكلماتها تعاد في عقله من أول وجديد وكأنها تتحدث له مرة أخرى وتبعث له قوة خفية ستعلن عن نفسها قريبًا وتجعله يتخطى ما حدث له… ومع نهاية كلماتها وإعلانها أنها ستأتي مجددًا ارتسمت الراحة على ملامحه بشكل غير مفهوم!
*****
وفي مكتب مازن بقسم الشرطة..
تعالت ضحكات مدحت وهو يقول بعدما هدأت ضحكاته:
_مش قادر… يا لهوي… انا لما شفت الخبر كنت هموت واشوف شكلك، يا ابني ده شاهين سنترها.. يعني بص اديهالك في الجون.. طب بذمتك انتَ كنت تتخيل انه يعلن خطوبته بيها في وسط حفله زي دي؟
اخرج لفافة تبغه من بين شفتيهِ لينفخ دخانها وهو يقول بوجه واجم:
_ لا ما كنتش اتخيل، وانا من امتى كنت اتخيل حاجه بيعملها عشان اتخيل دي، بس مش مهم كنت اتخيلها ولا لأ، المهم انا رديت بأيه…
سند “مدحت” ذراعه على المكتب وهو يقول بتنهيده حالمة مصطنعة:
_ اه، اشجيني يا سوبر مان رديت بأيه؟
ضرب “مازن” سطح المكتب بكفه بقوة وهو يقول بغضب واضح لا يقبل النقاش:
_مدحت لو ناوي تاخد الموضوع تريقه يبقى وريني عرض كتافك أحسن.
اعتدل “مدحت” في جلسته وهو يقول معتذرًا:
_خلاص يا عم ما تقفش، مش قصدي اعصبك، طب خلاص قول عملت إيه؟
نظر له لثواني بعينيهِ الغاضبتين وكأنه يفكر فيما سيقوله وقال فجأة:
_قلتلها إني بحبها.
رمش “مدحت” باهدابه عدة مرات وكأنه يستوعب ما يسمعه وقال:
_ إيه؟ قلتلها إيه؟
نهض “مازن” يطفئ لفافته في المطفأه وهو يقول زافرًا انفاسه بضيق سافر:
_زي ما سمعت.
نهض “مدحت” يقف أمامه يسأله بجهل:
_يعني إيه قلتلها بحبها؟ طب انا مش فاهم يعني هو ده ردك على اللي عمله شاهين؟ طب ايه علاقته! واصلاً ازاي تقولها إنك بتحبها فجأة كده؟ هو انتَ بتحبها فعلاً؟ انا مش فاهم حاجه!
نظر له “مازن” نظرة حائرة وقال بتردد حقيقي:
_مش عارف… مش عارف إذا كنت بحبها ولا لأ، بس انا لقيت نفسي بقولها إني بحبها… أنا يمكن حاسس مشاعر جوايا ليها بس ما اعرفش إذا كانت حب ولا لأ.
سأله “مدحت” مذهولاً:
_ وما دام ما تعرفش إذا كان حب ولا لأ، ازاي تعترف لها بحاجه زي دي وانت نفسك مش واثق و مش متأكد منها؟ انتَ كده بتلعب بيها لتالت مرة! بتلعب بيها يا مازن والمرادي غير كل المرات اللي فاتت، موضوع الحب ده بالذات ما فيهوش لعب ما ينفعش تخدعها في حاجه زي دي!
مرر اصابعه في خصلات شعره بقوة يشد عليها وهو يقول بعصبيه:
_ما كانش قدامي حل تاني، انا حسيت انها ممكن في أي وقت بعد اللي شاهين بيعملوا واللي انا مش فاهمه تقلب عليا وتروح تعترف له فعلاً بالحقيقة، وتبقى معاه ضدي، انا كنت شايف وعارف انها مياله ليا، حسيت ان لازم ابينلها ان انا كمان زيها عشان اديها أمل في ده، فتفضل متمسكه بيا ومهما شاهين عمل ما تغدرش بيا، بس في نفس الوقت انا فعلًا حاسس بمشاعر ناح….
قاطعه مدحت بغضب حقيقي:
_ ما تقولش حاسس بمشاعر ناحيتها.. واضحه زي الشمس على فكره، انتَ اعترفت لها الاعتراف ده عشان بس تضمن إنها تفضل منحازة لك انتَ، تفضل معاك ما تتقلبش ضدك زي ما انتَ بتقول، عشان تضمن ان شاهين ما يكسبهاش لصفه..
قال فجأه خارجًا عن سياق الموضوع:
_تخيل نورهان حكيت لها انها بتجيلي المكتب وانا برفض اشوفها، ومتأكد مليون في الميه إنها قالتلها إن شاهين ما بيعملش معاها كده، وقد إيه أنا واحد قاسي وقلبي حجر.
اشار “مدحت” له بسببته وهو يقول كأنه مسك عليه جرمًا:
_ شفت؟ انتَ دلوقتي اكدتلي إنك قلتلها كده عشان بس حسيت إنك مش على أرض ثابتة، وفي أي وقت ممكن تبدأ تشغل عقلها وتقارن وانتَ عارف انها لو قارنت في الوضع اللي هي فيه دلوقتي شاهين هيفوز، ويمكن ساعتها زي ما انتَ قلت تروح تحكي له على الحقيقة وتبقى في صفه هو ضدك، بس زي ما انا كنت من الأول رافض اللي بتعمله، دلوقتي انا رافضه أكتر بكتير.. اللي بتعمله غلط وحرام عليك ما ينفعش تعلق البنت بيك وانتَ اصلاً مش في دماغك.
صرخ به في نفاذ صبر:
_ وانتَ مين قالك أنها مش في دماغي؟ هو انتَ ما بتسمعش؟ بقولك انا حاسس في مشاعر..
قاطعه مرة ثانية وهو يقول:
_ عشان انتَ منستش ليلى… عشان مش هتعرف تميل ولا تحب واحده غيرها طول ما هي جواك.. تنكر إنك لسه بتحبها؟
وصمته كان خير إجابة، فأكمل “مدحت” باشمئزاز من أفعاله:
_وعلى فكره انا بردو من موقعي ده شايف إن شاهين أنبل منك، على الأقل هو صريح وواضح وما بيستخدمش أساليب حقيرة عشان يكسب في لعبته.
عقب “مازن” ساخرًا وقد اشتعل الغضب بداخله أكثر فأكثر ما يأجج غضبه أن يذكر أحدهم “شاهين” بالحسنى أمامه:
_ ما بيستخدمش أساليب حقيرة؟ ولما خطفها وهو عارف انها تخصني ده ما كانش أسلوب حقير؟ ولما أعلن خطوبته بيها وهو عارف انها بردو تخصني بردو ما كانش أسلوب حقير!
أصر” مدحت” على موقفه:
_ لا ما كانش أسلوب حقير، لأنه لما أعلن خطوبته بيها هو عارف باللي هي حكته له ان دي لعبه ما بينكم، وانك اصلًا مفيش أي حاجه بينك وما بينها، ولما خطفها في الأول فهو كان بيردلك قلم انتَ عملته زمان ودخلت فيه الحريم بينكوا، بس ما شفتوش عذبها ولا موتها مثلًا ولا اذاها هي شخصيًا في حاجه، تبقى الأساليب الحقيرة اللي انا بتكلم عنها إنك بتأذيها هي في لعبتكم دي، مش بتأذي شاهين.
رفع رأسه في عِناد واضح وهو يقول:
_ كل شيء مباح في الحب والحرب، واللي ما بيني وما بين شاهين حرب.
اعترض مدحت:
_ اولاً دي جملة عقيمة، ما فيش حاجه اسمها كل شيء مباح في الحب والحرب، لأن في حاجات ما ينفعش تدخل طرف اصلًا لا في حب ولا في حرب، ثانيًا هقولهالك تاني انتَ بتلعب على الطرف الضعيف في الحكاية مش على شاهين، الحرب بينك وبينه، لكن انتَ بتأذيها هي في النص، وصدقني نهاية الموضوع ده كله مش هتخلص على خير.
ولكن من يسمع ومن يعقل؟ فلكل منا شيطان يأتي من نفسه فيسوقه..!
******
في مكتب شاهين بالفيلا…
_جدي هو اللي كبر الموضوع في دماغي وخلاني اشوفه من منظور تاني.
نظرت له بجهل لفهم مغزى حديثه وسألته:
_ يعني ايه تشوفه من منظور تاني؟
نقر بأصابعه فوق المكتب لثواني وكأنه يفكر فيما سيقوله ثم قال:
_جدي كان حاسس ان في حاجه في الموضوع مش طبيعية، لأن أبسط حاجه لو كان في موضوع خطوبة فعلًا أكيد كنت هقوله قبلها بمدة طويلة، عشان كده بعد كام يوم من معرفته بالخبر كلمني، ووقتها أنا اعترفت له أن الموضوع كله مش حقيقي، وقبل الحفلة بيومين في مكالمة ما بينا فتح معايا الموضوع تاني وقتها لقيته بيقولي…
“وليه ماتقلبش التمثلية حقيقة, لو شايف إن البنت دي تنفعك ولو 50% وتستاهل تشيل اسم شاهين المنشاوي ليه ما تعملش كده! شاهين أنتَ بتكبر ولازم يكونلك اولاد من صلبك, أه بتعتبر تيم زي ابنك بس هو في الآخر مش ابنك, لازم تستقر يكونلك عيلة وزوجة تكون واجهة اجتماعية كويسة ليك, وانتَ عمرك ما هتختارها لا بالحب ولا بالإعجاب, لأن بعد اللي حصل زمان الستات بقت مابتلفتش نظرك اصلاً وطول الوقت مركز في شغلك وبس, ليه ما تعتبرش البنت دي ربنا بعتها ليك عشان تكون من نصيبك! لو عاوز نصيحتي لو متقبل وجودها في حياتك ولو بنسبة بسيطة ومتقبل إنها تكون مراتك, ماتضيعش الفرصة من ايدك”
-انتَ روحت فين؟
سألته حين طال شروده وصمته فقال منتبهًا لها:
-يعني قالي إني محتاجة اكون عيلة ويكون عندي اولاد, فليه ما تكونش خطوبتنا حقيقة ونكمل سوا .
سألته بأعين جاحظة:
-مين؟ مين دول اللي يكملوا سوا؟؟
رد في هدوء تام:
-أنا…وأنتِ.
******
شركة مختار المنشاوي..
وفي مكتبه..
كان يتحدث في الهاتف إلى والده وبكل غضب وعصبية يقول:
_أنا مش هقبل بالمهزلة دي تحصل، مش بنت مختار المنشاوي اللي جوزها يتجوز عليها قدام المجتمع كله.
رد الجد في هدوء:
_لو عاوز ترد كرامة بنتك من شاهين بعد اللي حصل امبارح… خليها تطلب الطلاق، وده احسن رد اعتبار ليها، الناس هيقولوا مقبلتش على نفسها جوزها يتجوز عليها فاطلقت.
ثار شيطان غضبه أكثر وقال:
_ويروح يتجوز الجربوعة اللي جايبهلنا لا ليها اصل ولا عيلة وبعدها تقنعه يطعن في نسب تيم له عشان تكوش هي وعيالها منه على املاكة كلها.
سأله الجد مندهشُا:
_هو انتَ يهمك بنتك وكرامتها، ولا أملاك شاهين؟
_ يهمني أنه مايطعنش في نسب تيم، لأني مش هتحمل الفضيحة دي وقتها، ومش بعد محاربتنا زمان عشان نلم الفضيحة ييجي بعد السنين دي كلها والكل يعرفها.
_ ماتقلقش يا مختار شاهين عمره ما يعمل كده، ولو مش عشانك ولا عشان بنتك فعشاني أنا، متنساش إن الفضيحة دي هتلط سمعتي بردو.
_ وليه بتتكلم كأن مليش حق اخاف على أملاك شاهين؟ هو انتَ ناسي ان غير أملاكه هو له نسبه في شركتي؟
احتدت نبرة الجد وقال:
_ويا ترى ده يديك الحق إنك تحرمه يكونله أسره وعيال! لو ده اللي مضايقك اتكلم مع شاهين وخليه يخلص نصيبه في شركتك، اللي هو نصيب أبوه اللي يرحمه، أنا رفضت زمان عشان خوفت شركة شاهين تقع ومايلاقيش حاجه يتسند عليها، لكن دلوقتي هو مش محتاج نصيبه في شركتك، كلمه وخلصوا الموضوع سوا.
أردفت بتعنت:
_هكلمه وهنخلص الموضوع بس بردو مش راضي بجوازه من البت دي.
على صوت الجد وهو يردف بغضب:
_ انا عاوز افهم هو انتَ وبنتك عاوزين ايه؟ احمدوا ربنا ان شاهين اتستر عليها زمان وكتب الواد باسمه، ولولا انه عمل كده كنا حطينا راسنا في الطين من سنين… عيلة المنشاوي اللي طول عمرها يتهزلها الف شنب ولها اسمها وسيرتها الكويسة بنتك كانت هتمرمغ بيها الأرض، كنا هنقع ومش هيقوم لنا قومه بعد اللي بنتك عملته، وبعد ما راحت غلطت مع واحد لحد دلوقتي احنا ما نعرفش هو مين، ولحد دلوقتي هي مش عاوزه تعترف عليه، بنتك لولا أن شاهين رحمها زمان كان زمانها ميتة وانا اللي كنت هقتلها بايدي.
_ يابابا..
حاول “مختار” الحديث ليقاطعه الجد بنفس غضبه:
_ أنا اللي هجوزهم يا مختار، واللي هيقف في وشي أو في وش سعادة حفيدي أنا اللي هربيه من أول وجديد اوعى يكون كِبر سني نساك مين هو المنشاوي ونساك أنا محيت كام شخص من طريقي لما فكروا زمان يقفوا قدام مصلحتي.
وأغلق الخط فورًا… وكان تهديدًا واضحًا ل”مختار” بألا يفكر في التدخل..
*******
فيلا شاهين المنشاوي…
كانت مازالت في صدمتها حين دلف الحارس مسرعًا يبلغ شاهين:
_ شاهين باشا..المنشاوي بيه طالب حضرتك والهانم بره وباين عليه أنه متعصب على الآخر.
نهض “شاهين” مسرعًا في قلق على جده فالغضب يرفع من ضغط دمه لدرجة أحيانًا تفقده الوعي، واتجه للخارج ليتوقف على باب الغرفة وهو يراها مازالت جاحظة العينين وتجلس محلها بعد اعترافه الصادم، فاتجه لها يلتقط كفها وهو يقول:
_مش وقت صدمة…
وسحبها خلفه للخارج لتنتبه لِمَ يحدث، ولكنها لم تسمع جملة الحارس فلا تعرف لِمَ يسحبها هكذا!
توقف ووقفت جواره وهو مازال ممسكًا بكفها ورمشت بأهدابها حين رأت الجميع ما عدا “نورهان” التي مازالت في عملها “وتيم” الذي يلعب في الحديقة يجتمع أمامها، والجد واقفًا في المنتصف مستندًا على عصاه الذهبية وقال بصوت قوي:
_ اللي هقوله دلوقتي هيتنفذ، ومش هقبل أي اعتراض من أي حد…
مرر نظره على الجميع ليجدهم قلقون ومترقبون للآتي، فقال ناظرًا لشاهين وقد لانت نظراته:
_ أنا زمان غصبتك تتجوزها وجبت المأذون وكتبت كتابكوا وأنا عارف إنك رافض، وزي ما عملت ده زمان من غير ما اسمع لحد، دلوقتي ومن غير ما اسمع لحد بردو.. كلمت المأذون وجاي في الطريق عشان يطلقكوا.. واصلح غلطي في حقك من سنين.
صرخت “شدوى” وقد أصابها الجنون:
_يعني إيه؟! أنا… أنا مش عاوزه أطلق… مش موافقة..
نظر لها الجد بصرامة:
_ موافقتك ملهاش لازمة، أنتِ تحمدي ربنا إني ماقتلتكيش لما اكتشفنا حملك ورفضتي تقولي من مين.. واحدة زيك ملهاش عين ترفض ولا تقبل جوازها ولا طلاقها..
عاد ينظر” لشاهين” الذي رأي الراحة ترتسم على وجهه لأول مرة منذُ سنوات، وقال:
_ وتبلغ رجالتك يرتبوا الأمور عشان كتب كتابك على فيروز هيكون بعد بكرة.
وفيروز! هل لها أن تفقد الوعي!!!!