رواية أجنبي الفصل التاسع بقلم الهام رفعت
كانت زيارته مختلفة عن أي مرة أتى فيها إلى بيتها، وتفاجأت بحضوره دون موعدٍ في هذا الوقت المتأخر رغم رؤيتها له بالمشفى صباحًا، والأمر أيضًا أثار فضول أهلها في معرفة سبب مجيئه هكــذا.
جلس كريم بالصالون رفقة والداي آية متوترًا من نظراتهما المترقبة نحوه في انتظار أن يتحدث، ولم يجد مبرر لحضوره غير أن قال مترددًا:
-أنا اتصلت بـ آية تليفونها مقفول، فقلقت عليهـا
جلبت آية القهوة ثم وضعتها على المنضدة الصغيرة وقد استمعت إليه، جلست في هدوء مزيّف وقد استشفت أن الأمر أكثر أهمية من ذلك، بعكسها كان والديها في غاية السعادة من رؤية خوفه على ابنتهما، فمدحته السيدة في ود:
-ربنا ما يحرمكم من بعض يا حبيبي، لو كل الرجالة زيك كده!
ابتسم لها كريم بزيف فتابعت السيدة في لطف:
-نسيبكم مع بعض يمكن عاوز تقولها خاحة.
شعر كريم بالارتياح، ثم نهضت السيدة وهي تغمز لزوجها بمعنى تركهما سويًا وترك مساحة خاصة لهما، أطاعها الأخير وسط ترقب كريم الكبير في ذهابهما، وحين خرجا نهض من مكانه مما زاد من تعجب آية، خاصةً تبدل قسماته للغضب المُحيّر، جلس شبه ملتصق بها مما أجج دهشتها، هتف مغتاظًا:
-هو إنتِ غبية!
لم يكن يسألها، بل يعلن مدى الحماقة التي امتازت بها، فانزعجت آية وتساءلت:
-هو فيه أيه؟!
أحد النظر إليها فقد وصلت حد السُخف من غباوتها، تهكم قائلًا:
-أيه البنت اللي إنتِ جيباها دي، مش تفكري قبل ما تنفذي؟!
إلى الآن لم يصل إليها تبدُّل حاله بشأن ذلك، فسألته جاهلة:
-مالها البنت، دي مضمونة وعمرها ما هتقول علينا!
استهزأ بها حين علّق كابحًا استياءه:
-البنت اللي إنتِ جيباها دلوقتي في القسم بتهمة الشهادة الزور، هي والممرضات.
جذب الأمر انتباهها ولم تتفهم لما كل ذلك، فسألته مهتمة:
-حصل حاجة، وضّح يا كريم؟!
فاض به وهو يحرك رأسه في قلة حيلة، وتخوّف من القادم، قال:
-المحامي اللي جبوه بحث عنها، وعرف إنها شغالة في محل ملابس، لا ومش بس كده، آنسة، يعني مش حامل علشان الست تجهضها، الموضوع فشنك.
لم تنتبه آية لتلك النقطة، فكان شاغلها هو العثور على فتاة مناسبة للمهمة، ثم نظرت له في أسف، بينما أردف كريم بائسًا:
-بغباء سيادتك هنروح في داهية، واللي بتقولي عليها مضمونة دي مش بعيد تعترف علينا
بعد لحظات من وجلها، رسمت قناع القوة وهي تقول:
-حتى لو اعترفت مافيش دليل
سألها في حيرة من أمره:
-تفتكري الموضوع هيعدي كده؟!، حتى مع شهد، زمانها اتأكدت إن إحنا ورا الموضوع ده!
تدرك آية مدى شدة شهد حين تغضب من أحد، ورغم ذلك قالت مُدّعية عدم الاكتراث:
-سيبك منها، هي يعني هتعملنا أيه؟!
لم يقتنع بكلامها وظل كما هو قلقًا، فشدت أزره وقالت في صلابة رسمتها:
-الأهم من كل ده، منبينش أي حاجة قدامها، وكمان لما تخرج نسأل عليها ونعمل زعلانين..........!!
*****
تعمّدت مرافقتهم للمخفر، وأصرّت على ذلك لذهابه مع أبيهـا ولم يفارقه، بالأحرى أرادت معرفة ردة فعله بنفسها حال خروج أختها. لم تتحمل ورد وحزنت حين أعلن قبوله لأختها دون اهتمام بهـا، ثم وقفت بجانب والدها تطالعه بنظرات عتاب لم يدركها، حيث انشغاله بجل ما يحدث حولهم ونظراته تحدق بباب غرفة التحقيق في شغفٍ دمر قلبهـا.
لحظات وخرجت شهد وأنفاسها المُرتاحة أشرقت وجهها، فقد زال الغم عنهـا. ثم توجّهت نحو والدها منتظرة أن يضمها فرحًا برؤيتها، ولم يفعل، فنظرت له في حزن، فهو ما زال غاضبًا منها رغم براءتها، ثم وقفت مكانها في صمت، كسره حُسين حين سألها في لطف:
-حمد الله على السلامة يا شهد!
نظرت له وزيفت بسمة امتنان صغيرة، قالت:
-الله يسلمك يا حسين!
تابعت ورد ذاك الود بينهما في غِيرة وحزن معًا، ولم تفارق نظراتها إياهما، حيث وجدت اهتمام كبير منه لأختها دون غيره. بينما فعل حسين ذلك ليخفف من حزن شهد الذي لاحظه حين تجاهلها خاله.
أثناء خروجهم برفقة المحامي، تحدث الأخير لـ الحاج منصور قائلًا:
-مدام لميس بتبلغك سلامها، وهي مبسوطة إن شهد خرجت بالسلامة!
امتن الحاج منصور وقال في تحفّظ:
-بلّغها شكري، وأسف لو أزعجتها
-يوصل يا منصور
ثم استأذن بالرحيل وسط نظرات تتبعهم له حتى ركب سيارته، فخاطبهم الحاج منصور في جمود:
-يلا خلونا نمشي من هنا مش ناقصين شُبهة
ابتأست شهد من حديث والدها الغليظ وسارت خلفه باهتة الملامح بفضل قسوته المفاجئة معها. تحركت ورد بجانبها ومن المفروض أن تفعل شيء يخفف عنها، تمنحها كلمة رقيقة على الأقل، لكن غِيرتها منعتها، فدقائق فقط وسوف يعلن والدها زواجها من حبيبهـا، وودت لو انتهى العالم هنا ولا يصلوا.
مر الوقت سريعًا وترجّل الجميع من سيارة حسين، وبالطبع كانت نظرات بعض أفراد المنطقة عليهم عند رؤيتهم، تضايق الحاج منصور من همساتهم ولمزاتهم، فقد أضحى كالعلكة في أفواههم، وباتت سيرة بناته الحسنوات محض سخرية وضغينة، فقد ضاع تعبه في تربيتهن وأحس بخذلان العالم له وفكر ماذا فعل في حياته ليتلقى النوائب تلك؟!.
حين فتح الشقة استقبلتهم السيدة هنية في بهجة علنية، وبعفوية أخذت ابنتها لأحضانها وهي تخرج عبارات شكر للرب، كذلك السيدة زبيدة التي جذبتها من أحضانها لتفعل المثل وتخبرها بمدى حزنها لما حدث لها. تأفف الحاج منصور مما يفعلنه وهتف ضجرًا:
-كفاية بقى، اليوم كان متعب خلينا نقعد نشوف هنعمل أيه.
ثم توجّه ليجلس في الصالون، تحركوا خلفه في هدوء لعلمهم بمدى ابتئاسه الآن، وحين أصبحوا جالسين من حوله ظل يطالعهم بنظراته فقط، يخشي بقراره الذي اتخذه أنه سوف يدمر حياة ابنته، لكن عاد شبح سيرتهم المنبوذة تطارده، وأجزم في نفسه بأن الحلول الأخرى لا تفيد غير ما اعتزم عليه.
تفهّمت السيدة زبيدة غرضه فنطقت أولًا في مسرّة:
-أنا عارفة عاوز أيه، حسين ابني جاهز يكتب عليها ودلوقتي حالًا
لمعت العبرات في عين ورد وكم أرادت البكاء، وعفويًا نظرت لـ حسين لترى رد فعله، واغتاظت من هدوئه كأنه لا يمانع، على النقيض السيدة هنية التي أعربت عن قبولها لذاك الكلام حين اتسعت بسمتها. بينما لم تعرف شهد ما يدور من حولها ولم تستشف أي شيء، إلا حينما لاحظت ملامح أختها المنطفئة، وقتها أدركت أنها المقصودة بحديث عمتها، وفطنت ما ينوي والدها فعله، فأعلنت الرفض الشديد قائلة:
-أنا مش هتجوز دلوقتي!
رمقتها والدتها في حدة من جراءتها وهتفت:
-ليكِ عين تتكلمي بعد اللي حصل، دا بدل ما تقومي تبوسي إيد عمتك.
تدخل الحاج منصور قائلًا في نفاذ صبر:
-قولت شهد مش هتنفع حسين، دا خطب أختها.
تفاجأت ورد بكلام والدها وظهرت لمعة عينيها، واغتبط قلبها فما تخوّفت منه لن يحدث، والمفاجأة لم تترك شهد أيضًا فهي لم تعلم بتلك الخطبة وارتاحت داخليًا. ولم تدُم فرحتها حيث هتف الحاج منصور في عزيمة:
-عادل لسه عاوزها، واتكلمت معاه وقال هيتجوزها وفورًا.
احتجت شهد بشدة على تلك القرارات المصيرية في حياتها المستقبلية، فكيف لوالدها أن يفعل ذلك بها؟!، ثم أعلنت رفضها في ألم:
-أنا مش هينفع اتجوز بالشكل ده، علشان خاطري يا بابا متعملش معايا كده
نظر لها في برود رسمه جيدًا وخاطبها:
-الناس كلها ملهاش سيرة غيرنا، وعلشان نسكتهم دا الحل.
أضافت السيدة هنية على حديثه منفعلة:
-وهو عادل واحد فاشل ولا من الشارع، دا مهندس قد الدنيا ومن عيلة محترمة ويشرف أي حد
نزلت دموع شهد في صمت وهي ترفض:
-أنا عاوزة اتجوز اللي أختاره، دي حياتي وأنا حُرة فيها
تجاهل الحاج منصور ما قالته رغمًا عنه، فالحُرية التي منحها سابقًا لم يجني منها شيء مفيد، بينما حزنت ورد وهي ترى أختها هكذا والتمست العُذر لها، ولذلك خاطبت والدها في رجاء:
-سيبها براحتها يا بابا، لما الناس اتكلمت عليا رفضت تجوزني، إشمعنا شهد.
-شهد غيرك يا ورد، إنتِ مافيش عليكِ دليل لكلامهم، والله أعلم جايبينه منين.
كان رد السيدة زبيدة غير مُنصف لـ شهد التي استمرت تبكي دون صوت، وصُدمت في والدها ومن شدته الجديدة في التعامل، وتمنت لو يرجع عن قراره، وثبط ظنها حين نهض قائلًا لها بنبرة إصرار:
-أنا قولت اللي عندي، هتتجوزي عادل، وحسين هيتجوز أختك خلينا نخلص من الفضايح دي.
ثم تحرك لغرفته وسط نظراتهم. بعكس ورد التي سلّطت بصرها على حسين الذي تكشّر فجأة، وعلمت أنه رافض لذاك الأمر، وكما هي تأنّت في كسب محبته، وتركت الفرحة الآن تتغلغل داخلها، ثم انتبهت لـ شهد تهتف في عناد أقلقهم قبيل توجهها لغرفتهــا:
-اليوم اللي هتجوز فيه هتلاقوني ميتة.........!!
*****
في ممر الطابق الثاني، انحنى بكل لباقةٍ ليقبّل يدها باحترام حين رآها قد أتت للشركة، هي تعرفه لطيف دائمًا لكن تلك المرة مُبالغ فيها مما أدهشها. ابتسم سيف لها وهو يخاطبها بمغازلة:
-بنت عمي الحلوة، عاملة أيه؟!
أظلمت لميس نظراتها نحوه ولم تدرك مغزى ما يفعله، ثم جاوبت بكل هدوء:
-الحمد لله يا سيف!
وقف سيف محرجًا قليلًا وتعثر في متابعة ما عزم عليه، فلمحت لميس تردده وانتظرت أن يعلن ما يريد، فنطق أخيرًا محاولًا الشجاعة:
-هو عمي ملكيش على حاجة!
عقدت جبينها جاهلة وتساءلت:
-حاجة زي أيه؟!
تأفف سيف داخليًا فيبدو أن الأخير لم يوافق بعد، فقال في جد:
-أنا طلبت إيد ورد!
دُهشت لميس من طلبه وتفاجأت به، وبدون وعي أخذت تنظر له بطريقة أخرى، وزادت من تفرّس هيئته وملامحه، أيضًا أخلاقه، فقد استطاب الأمر لها وأحدهم يطلب ابنتها للزواج. لم تخفي إعجابها به ومدى نسبه وأصله، لكن هناك ما يخيفها، وتساءلت لما ابنتها؟!، وارتابت أن تكون حيلة من أبيها وعمها تجاه ابنتهـا. انتظر سيف طويلًا ولم يجد رد، فخاطبها قلقًا:
-لميس متخافيش، أنا هحافظلك عليها.
أخذت الأمر بجدية وهي تسأله:
-تعرف عنها أيه علشان تطلب إيدها، دي مرة قابلتها فيها!
جاوب مبتسمًا في صراحة:
-حبيتها من أول مرة، مبتحصلش يعني!
صمتت لميس للحظات تفكر، فوجده مؤخرًا برفقة أخيها وتشجعيه على فعل أشياء مشينة قد زاد من قلقها نحوه، ثم اتخذت قرارًا حكيمًا وقالت:
-سيبني أفكر، الموضوع مش بيتاخد كده.
تضايق قليلًا لعدم قبولها الفوري له بعكس ما توقع، ثم تقبّل كلامها قائلًا:
-اللي تشوفيه يا لميس!
-يلا على شغلك
أمرته في حزم فأطاعها ثم توجّه لمكتبه بالشركة، بينما تحركت لميس لمكتبها، وحين ولجت تفاجأت بـ فؤاد يجلس على الأريكة الجانبية، لم تتعجّب من حضوره وفطنت سبب زيارته، بالطبع الخصام بينهما السبب حين ذهبت لقصر أبيهـا وتركته بمفرده. اتضح ذلك حين تقدمت للداخل لتضع حقيبتها على المكتب وهو يخاطبها متضايقًا:
-سيبتي الفيلا ليه؟!
ثم نهض متوجهًا نحوها، فنظرت له وقالت معاتبة:
-نسيت قولتلي أيه!
دنا أكثر منها وانعدمت المسافة بينهما فارتبكت قليلًا، طالعها بنظرة عشق وهو يخاطبها:
-أنا آسف، معرفش قولت كده إزاي.
ثم عبث بخصلة شعرها فابتسمت، أردف نادمًا:
-أول وآخر مرة هعمل كده، أنا مقدرش على بُعدك
رأت محبته لها في عينيه، فمنذ الصغر وهو يهتاف عليها، ولم تجد المكان مناسب لتعرب عن قبولها أسفه، فقالت في رقة:
-خلاص محصلش حاجة، لما نروّح من الشركة نعدي نجيب الولاد.
أراد عناقًا حارًا فأبعدته عنها وهي تقول في شدة:
-نتكلم جد إحنا في الشركة.
زفر فؤاد بقوة وتحمّل حال رجوعهم، انصاع لرغبتها قائلًا:
-زي ما تحبي!
أخبرته دون تردد:
-تعرف إن سيف طلب إيد ورد بنتي.
تعجب فؤاد وبدا مهتمًا، هتف:
-محدش قالي!
-طلب إيدها وبيقول حبها ومعجب بيها
لم يرتاح وأحس بريبة غير عادية في الأمر؛ لكن لم يخبرها بذلك، قال حذرًا:
-هي بنتك وإنتِ حُرة!
مطت شفتيها متحيّرة للغاية، فما علمت به مؤخرًا لم يعجبها أيضًا، فهي سوف تتزوج بابن عمتها، وعليها أن تمنع تلك الزيجة، تنهدت وقالت في عزيمة:
-هخلّص موضوع كده، وأبقى أفضى لطلب سيف...........!!
*****
لم يكف عن الضحك والسخرية من هيئته حين قصّ له مدى إعجابه بالفتاة الجميلة، واستمر هكذا من المطار حتى وصل لشقته في تلك المنطقة. ولج أندرو للداخل وهو على نفس حالته المستهزئة بصديقه، ذلك الأمر جعل أدريان يغضب من حماقته فقد تمادى كثيرًا، وبفضل غبائه ذاك سينكشف أمرهما، ثم ألقى حقيبة سفره بعنف أرضًا وجلس على الأريكة متجاهلًا سخافته، فصاح أندرو يوبخه:
-The bag, man
-(الحقيبة يا رجل!)
لاحظ أندرو ضيقه فتماسك بصعوبة، لأن ما يراه فاق حد التحمّل، جلس بجانبه محاولًا أن يهدأ، خاطبه مستنكرًا:
-Don't be upset, any girl will love someone with your shape
-(لا تتضايق، فأي فتاة ستحب شخصًا بهيئتك تلك!).
نظر أدريان أمامه وقال غاضبًا منه:
-I didn't come here to like Andrew, I just told you about it
-(لم أحضر هنا لأحب أندرو، أخبرتك بأمرها فقط).
لم يقتنع أندرو بأنه مجرد حديث عابر يسعد من خلاله ما مر عليه هنا، بل ذكر اسمها والحديث عنها أوضح مدى إعجابه بها، ولكنه يتصنّع اللامبالاة، ثم تنهد قائلًا:
-Never mind, I'm just not used to the situation, and how you deal here like this
-(لا عليك، أنا فقط لم أعتاد الوضع، وكيف تتعامل هنا بهذا الشكل!)
ثم أشار عليه، فحدق به أدريان محذرًا:
-I don't like making mistakes, just remember my name, and never say another name
-(لا أحب الخطأ، فقط تذكّر اسمي، وإياك أن تقول اسمًا آخر).
امتثل أندرو له وتفهّم الموضوع، فسأله أدريان مهتمًا:
-Did anyone notice your presence here?!
-(هل انتبه أحد لحضورك هنا؟!).
نفى بهزة رأسه، ثم نظر حوله يستكشف المكان، ثم سأله متعجبًا:
-Why haven't you prepared the place yet? Where will I sleep, man?!
-(لماذا لم تجهّز المكان إلى الآن، أين سأنام يا رجل؟!).
-Don't worry, I talked to someone and he'll get it over with in a couple of days
-(لا تقلق، لقد تحدثت مع أحدهم وسينهي الأمر خلال يومين).
تساءل أندرو في فضول:
-Does everyone here love you?!
-(هل يحبك الجميع هنا؟!).
أظلم أدريان عينيه ليجيب في ثقة:
-Everyone without exception
-(الجميع دون استثناء)
-really!
-(حقــًا!).
ثم قهقه عاليًا مما جعل أدريان يغتاظ منه، فأكمل أندرو متهكمًا:
-How about the beautiful girl man!
-(ماذا عن الفتاة الحسناء يا رجل!).
وصل أدريان لقمة غضبه منه ثم لكمه بعنف في فكه فتألم الأخير بشدة وزجره:
-Damn you, I was kidding!
-(عليك اللعنة، لقد كنت أمزح!).
نهض أدريان ثم خاطبه بنبرة جادة صلبة:
-Andrew, don't kid me, I'm only here for one thing
-(أندرو، لا تمزح معي، أنا هنا من أجل شيء واحد فقط).
ثم تحرك ناحية باب الشرفة المفتوح، بينما فرك أندرو أسفل ذقنه في ألم واضح، ثم نهض متجهًا خلفه، قال متأسفًا:
-I'm sorry man, don't be mad at me
-(أعتذر يا رجل، لا تغضب مني).
نطق بذلك وهو يخبط كتفه في ود كبير، تجاهله أدريان فهتف أندرو مازحًا:
-What are we going to eat, you promised me good food!
-(ماذا سوف نأكل، لقد وعدتني بطعام جيد!).
تذكر أدريان طعام السيدة زبيدة اللذيذ، فقال له مبتسمًا باتساع:
-You will eat food you have never eaten before........!!
-(سوف تأكل طعام لم تأكله من قبل............!!).
*****
في الشرفة الواسعة بفيلته، تطلع في جموح على المكان أمامه، كان شاردًا في الخطوة التالية له، لم يتوقع أنه هنا بعد سنوات غياب، فهو لم يتذكر سوى ذكريات طفولية عابرة، خاصةً في مكان سكنه الذي حُفرت معالمه داخل عقله، بعكس الترف الذي حوله الآن.
تنهد حمزة بقوة ليخرج من دوامة أفكاره للواقع من حوله، في تلك اللحظة تقدم منه بيتر أوفى رجاله وأفضلهم، خاطبه في ترقب:
-نحن هنا منذ ثلاثة أيام، ولم نفعل شيء حتى الآن!
أظهر حمزة براعته في التحدث باللهجة المصرية رغم غيابه عنها لسنوات حين التفت إليه وقال:
-مش مصدق إنها ماتت لحد دلوقت، متأكد هو اللي قتلها!
أظهر حمزة غضبه واستيائه وهو يتحدث، فهتف بيتر في عقلانية:
-يجب أن تمتلك دليل، فـ نوح ليس سهلًا لأن تنتقم منه
مسح حمزة وجهه بكفيه ليخفف من حدة حزنه واستيائه، هتف متوعدًا:
-كل اللي عمل في عمتي حاجة مش هسيبه، ومش معنى إنها كانت عايشة لوحدها مش هاخد حقها.
تقدم بيتر منه أكثر وقال في جد:
-إن كان نوح قد فعلها وأخذ ما أراد لما جاء إلى هنا؟
فكر حمزة في كلامه فهذا ما يحيّره، فاستأنف بيتر في دهاء:
-هناك سيدة متهمة بمقتلها، ربما عرفت بأمر ما تملكه السيدة وقتلتها لتسرقها.
جاء هذا الأمر على فكر حمزة أيضًا، واستنكر أن سيدة بعُمرها تقتل وتسرق، لكن لما لا، ربما ولديها لهما علاقة بالأمر، فسأله عاجزًا:
-ونوح لحد دلوقت متعرفش فين؟!
أعرب عن فشله في تلك المهمة حين قال نافيًا:
-لم نعثر عليه، لكن من المؤكد أنه هنا، أخبرني ألفريدو بأنه ينوي السفر لمكان مجهول عنه.
كور حمزة قبضته وبداخله تراقصت الشيطان التي تحفزه على الانتقام منه، هتف ساخطًا:
-كل ده علشان الفلوس والأملاك، دي عمتنا نقتلها يعني
هدّأه بيتر حين قال في ثبات:
-عليك أن تكون حذرًا، نوح غضبه شديد، وأنت تعرف لا أحد يعترض طريقه، حتى أنت!
انزعج حمزة من حديثه، ولم يعلّق عليه فهو محق، لكن هنا الأمر مختلف، فهو يعرف البلد جيدًا بعكسه، وربما فرصة للتخلّص منه وتأديبه بشأن فعلته الشنيعة بحق عمتهمــا، فهتف متحمسًا:
-اقلب مصر كلها عليه، والست المتهمة دي أخبارها تكون عندي أول بأول............!!
*****
ولج المطبخ عليها وجدها منهمكة في تجهيز الطعام بأروع شكل وألذ طعم بالتأكيد، اقترب منها مبتسمًا في ود وحاوط كتفيها من الخلف وهو يثني على مجهودها المضني:
-ربنا ما يحرمنا منك يا ست الكل، ولا من نفسك في البيت.
ضحكت زبيدة وقالت وهي تقلّب الطعام:
-ربنا اللي ما يحرمني من فرحتك على طول يا حسين إنت وأخوك.
قبّل وجنتها بقوة وهو يضمها من الخلف قائلًا:
-بحبك قوي يا أمي.
شعرت السيدة زبيدة بالدفء والأمان من قرّبه، هتفت:
-ربنا يزيدك فرح كمان وكمان يا ابني.
انضم رامي لهما وقال في غِيرة مزيفة:
-يا سلام، ورامي لأ.
ضحكت السيدة ثم التفتت لتضمهما الاثنان لحضنها وأخذت تقبل رأس كل منهما، قالت في صدق:
-أنا سعيدة ومرتاحة طول ما أنا شيفاكوا مرتاحين يا ولادي.
هتف رامي بنبرة حنون:
-ربنا ما يحرمنا منك يا أمي!
انتبهت السيدة للطعام من خلفها وهتفت توبخهما:
-كده، الأكل هيتحرق، يلا برة مع الضيوف علشان ميصحش تسيبوهم لوحدهم، دول أجانب وياكلوا وشنا.
خاطب رامي أخيه فيما معناه وقد قرر معاونة والدتهما:
-روح إنت يا حسين، أنا هساعد ماما في السلطة، بعملها حلو.
وافق حسين ثم تركهما وسار للخارج، وحين توجّه للصالون تفاجأ بحضور ورد وجلوسها برفقتهما، ليس ذلك فقط، تتبادل الحديث في سلاسة. تقدم حسين منهم ولم يعجبه ما تفعله، ثم انتبهت ورد له، وقبيل جلوسه خاطبته في شغف وهي تنهض:
-حسين عاوزاك في موضوع مهم!
نظر لها ثم هز رأسه ليستأذن منهما، أخذها لشرفة الصالة ثم أعلن إنصاته لها، لمحت ضيقه فسألته في تردد:
-زعلان علشان هنتجوز مش كده؟!
رد في عدم رضى:
-مش دا بس اللي مضايقني، إزاي تقعدي معاهم كده وتضحكي وتتصاحبي، إنتِ بتزوديها ساعات
تجاهلت حديثه عن شخصها وعلّقت في غيظ من غلاظته:
-على فكرة اللي بترفض تتجوزها دي جايلها عريس غني، وغني قوي كمان
مجرد وصفها أشعره بالحقارة، فقد قلّلت من شأنه دون أن تدري، فزوجته السابقة تركته لهذا السبب، وظهر الحزن في عينيه، ليس لزواجها، بل لأن الحياة مرتبطة بالمال لا بالسعادةِ والودِ. انتبهت ورد لما قالته وندمت على ذلك، هي لم تتعمد أن تجرحه، ونظرت له في أسف وهي تلعن تهورها، فعدّلت من حديثها قائلة:
-أنا قصدي ليه ترفضني، فيا أيه وحش!
استغرب كلامها وقال مستنكرًا:
-مش إحنا متفقين إنها تمثيلية علشان اللي حصل تحت السلم قدام الناس!
لم تقدر ورد على الكتمان أكثر، فقالت في حبِ:
-لأ اتجوزني، أنا موافقة عليك بكل حالاتك، ومش مستعجلة.
حدق بها متفاجئًا، ودُهش من نظرات العشق النابعة منها، وتلك البسمة التي زينت وجهها وهي تنتظر منه أن يوافقها القول. تحيّر حسين في ماذا يفعل معها، وفهو لم يفكر مطلقًا في الزواج منها، لطالما كانت في مقام أخته، وشعر بالخجل المفاجئ من الأمر، فقال في هدوء ظاهري:
-أنا مش هتجوز دلوقتي.
تبدّلت ملامحها للحنق منه، وقالت بنبرة منفعلة:
-إشمعنا شهد جاهز تتجوزها، ليه أنا بقى، ولا حرام عليا.
لم يخفي ضيقه من أسلوب ردها الفظ معه، فهتف يوبخها:
-احترمي نفسك وصوتك يكون واطي، لو جايلك عريس، مبروك عليكِ
وقفت ورد تتطلع عليه في خيبة أمل، فقد باتت تتسول ارتباطهما، وهنا فقدت جزء من كرامتها، لا بل كلها. كتمت ما بداخلها وأرادت تغيير الحديث لما جاءت من أجله، فقالت بصوت ضعيف:
-شهد بعتتني ليك، عاوزاك تتفق مع عادل إن الجواز هيكون كده وخلاص ولمدة محددة ويطلقوا.
استمع لها متهكمًا من كم الخبل الذي تتفوه به، فهتف محتجًا:
-مين أهبل هيوافق على كده!.
ردت في جهل:
-معرفش، هي بلغتني تكلمه إنها مغصوبة، وافق بقى موافقش لازم يعرف الكلام ده
-مستحيل عادل يرضى بيها وهي مش عاوزاه.
قال حسين في يقين من الأمر، فردت مترددة:
-بابا لازم هيجوزها، ما تشوفلها حد ثقة يتجوزها فترة صغيرة وبعدين يطلقها، على ما الجو يهدى وبابا يروق
نظر حسين للجانب الآخر وأخذ يفكر، فما سيفعله تهوّر، وبدأ بالفعل يفكر في أحد يقبل ذلك ولم يهديه فكره، بينما لمحت ورد أدريان في الصالون وأطالت إليه النظر، ويبدو أنها اختارته هو، لما لا، هو ليس بجميل ويبدو عليه البلاهة، فبالطبع سيقبل هذا الاتفاق اللعين وينفذه، ثم نظرت لـ حسين واقترحت:
-أيه رأيك في أدريــان..........!!
*****
تسطح على تخته محدقًا بالأعلى، وتاه بفكره لبعيد وهو يتذكر تلك الفتاة الحسناء بهيئتها التي لم يعتاد عليها، فرغم أن والدتها ابنة عمه؛ لكن تختلف كثيرًا عنها، فهي الأروع، تنهد سيف بعمق واعتزم التأني حين خاطب نفسه:
-مش هستعجل، شهر وتخلّص الجامعة وهجيبها الشركة تشتغل معانا وتكون قريبة مني، وقتها بقى هعلقها بيا بطريقتي!
لاحت بسمة واثقة على ثغره متيقنًا أنها لن تجد أفضل منه، وسيحاول بشتى الطرق أن يقنع ابنة عمه بــه، وسيغيّر من وضعه أمامهـا لتتقبله.
قطع وصلة اختلائه بنفسه دخول شخصٍ ما، اعتدل بجزعه قليلًا ليرى من ثم تفاجأ بـ ديما من ولجت، قطّب وجهه من قلة أدبها في بعض الأحيان، ثم نهض من مكانه ليقابلها مزعوجًا من سوء فعلتها. حين وقف أمامها خاطبها ممتعضًا:
-فيه بنت محترمة تدخل أوضة شاب بالشكل ده.
نظرت له لبعض الوقت وابتلعت إهانته، سألته:
-فيها أيه أحلى مني؟!
لم يرد سيف حيث فهم مرمى سؤالها، فابتسمت ساخرة وهي تعدّل من سؤالها:
-أقصد بتمتلك أيه أكتر مني؟!، ما أنا في يوم هورث، ولا هتأخر عليك!
تطاولت ديما للحد غير المقبول، ولم يتمالك سيف نفسه من وقاحتها فقبض على فكها بقوة، هتف محذرًا:
-إلزمي حدودك، إنتِ مين علشان تكلميني كده، لأكون وعدتك بحاجة وأنا مش واخد بالي.
تحمّلت ديما ألم فكها ونظرت له في غضب، هتفت حاقدة:
-لأ فيه بينا، وحاجات كتير
تركها متأففًا من وجودها وقال:
-علشان اتصاحبنا شوية هتجبريني اتجوزك، إنتِ حبتيني بس إنتِ مش ذوقي.
بهتت تعابيرها وهي تستمع له، فقالت مستهزئة:
-وبتاعة الحواري ذوقك.
تطلع عليها في غرور وقال بكل برود:
-أيوة، خدي بقى بعضك وأمشي.
صفعته ديما بكل قوتها لتثأر لنفسها من سفالته، ثم تفاجأت به يبادلها الصفعة في حينها، شهقت غير مستوعبة أنه فعلها معها وهي تضع يدها مكان صفعته التي طبعت أصابعه، ونظرت له في تيهٍ كبير، بينما أحدّ سيف إليها النظر وخاطبها مهتاجًا:
-عديتي حدودك معايا، يلا بـــرة
اضطربت من صوته العالي ثم دون كلمة تحركت للخارج ودموعها بدأت في النزول، وحين سارت لتهبط الدرج ارتفعت شهقات بكائها وهي تتوعد:
-واللهِ يا سيف لأقتلك إنت وهي..............