قصة وائل الحن كاملة بقلم فهد حسن
رجعت البيت في يوم وأنا مش شايف قدامي، بس مش من تعب الشغل، كنت مبسوط حبتين، بعد ما خلصت قاعدة حلوة مع جماعة حبايبي واتبسطنا كلنا، بعدها رجعت البيت إزاي معرفش، الدنيا كانت بتلف بيا، وحاسس إني مبسوط وجميل، بنفس إحساس أستاذ يحيي الفخراني في فيلم الكيف لما قال الجو مُنعش وجميل.
ولما وصلت الشارع وقربت على العمارة اللي أنا ساكن فيها، وقبل العمارة بكام بيت كده لقيت مشبك اتحدف عليا، ولما بصيت لفوق عشان أشوف مين حدفه، لقيت نفسي لبست كيس ماية محترم غرقني وفوقني، فضِلت أشتم وأزعق وأهلل في الشارع، لكن ولا حياة لمن تنادي، فقررت أمشي وأطلع البيت عشان أغير هدومي اللي اتغرقت.. وفجأة قبل ما اطلع البيت لقيت صوت بينادي عليا:
ـ مجدي.. أنت ياض يا مجدي.
كإنه بينادي بس مش عايز حد يسمعه، فاستغربت ولفيت في اتجاه الصوت، عشان ألبس كيس ماية تاني أكبر من الأول وبقيت زي اللي خارج من بحر.
مكنش فيه حاجة تتعمل غير إني لازم أطلع البيت، الهدوم غرقانة ماية والزعيق والشتيمة مش جايبين نتيجه، ولما طلعت البيت جريت على الحمام وغيرت هدومي، وبعدها دخلت أوضتي واتفاجئت بورقة محطوطة على مكتبي الصغير ومكتوب فيها:
"أحلى كيسين ماية عليك يا أبو خالو."
مكنتش مستوعب هو في إيه بيحصل.. وبرغم إن الموضوع يخوف إلا إن إحساس السخافة سيطر عليا أكتر من الخوف.
اتعصبت ومسكت الورقة حرقتها، ولعت فيها وأنا بقول لنفسي: أكيد أنا تقلت في الشرب، أنا بحلم، ما هو أكيد ده حلم، أنا هنام وهصحى وهبقى كويس، ومش هشرب تاني بعد كده.
رميت نفسي على السرير ونمت ومحستش بنفسي، صحيت الصبح في ميعادي لبست وروحت شغلي واليوم مشي عادي جدًا، وإحنا في الشغل في آخر اليوم جه واحد صاحبي وقالي:
ـ معايا حته من بتوع زمان.. هتدعيلي.
- لا ياعم لا، أنا مش هشرب تاني خلاص.
ضحك وقالي:
ـ يا عم يلا انجز عشان اللي معايا على قدنا والعيال جاية ومش هتقضينا..
لقيتني بروح معاه وطلع الجوان الجميل وشربنا،
وبدأنا ننبسط ونضحك بدون سبب ولقينا صحابنا جايبن وهما بيقولوا:
ـ آه يا أندال..خيانة، بتلعبوها خارسة من غيرنا؟
- معلش بقى يا رجالة، إحنا عملنا واحدة سامحونا، والصراحة الحاجة مكنتش ينفع تستنى ولازم تتشرب.
وفضلوا يضحكوا عليا وعلى طريقتي وفات اليوم. رجعت البيت وقابلت صحابي بتوع الشارع متجمعين، ولما وقفت معاهم لقيتهم بيحكوا عن أكياس الماية اللي بتترمي من العمارة اللي قبل عمارتي بشوية، ومحدش عارف مين اللي بيحدفها..
بس كلامهم كان عادي، أكياس ماية بتتحدف وتفسيرها إن ممكن يكون عيل صغير وخفيف بيعرف يحدف ويستخبى قبل ما حد يلحق يشوفه.. ولما حكيتلهم اللي حصل معايا قالولي: أنت على طول ضايع ومش في وعيك فأكيد بتتخيل، ورقة إيه وصوت إيه؟ اطلع نام يا مجدي عشان تفوق من اللي بتبلبعه.
سيبتهم وأنا مش طايقهم ومش عايز أضيع الانبساط اللي كنت حاسس بيه، مشيت وأول ما جيت عند العمارة إياها دي، مشيت من تحتها واستخبيت وطلعت عمارتي وأنا حاسس بنشوة الانتصار، دخلت اوضتي ولقيت نفس الورقة على المكتب بس المرة دي كان مكتوب فيها أكتر جملة بقولها في حياتي بسبب ومن غير سبب
"خد عليك وهات عليا"
وأول ما قريتها لقيت كيس ماية لبس فيا غرقني وأنا جوه اوضتي.
لقيت نفسي مستحمي، ومعرفش كيس الماية اللي لبسته وأنا جوه أوضتي ده جالي منين، بدأت أقلق وجسمي يترعش من الخوف، ولقيت صوت ضحك ظهر في الأوضة وبيقول وهو بيضحك:
ـ يالهوي.. شكلك مسخرة ياض يا مجدي وأنت عامل بيبيه على روحك كده.. فضلت تقول خد عليك وهات عليا لحد ما جت عليك أهو.
فضلت اتلفت حواليا زي المجنون وأنا بقول بخوف:
ـ أنت مين؟! أنت فين؟
- قلبك خفيف ياض، أنا أهو جمبك،حتى شوف.
وفجأة لقيت كف نزل على قفايا لوحني.. زعقت:
ـ طيب لو راجل اظهر، اظهر وشوف هعمل فيك ايه؟
- ولا تعرف تعمل حاجة، أنت خرونج ياض.
ـ طيب اظهر بس وهوريك.
- يا ابني أنت بتكلم جن، مش حماصه صاحبك.
وأهو يا عم ظهرتلك أهو، يلا وريني هتعمل ايه؟.
فجأه لقيت قدامي جسم ارفع من القلم الرصاص، ومن كُتر ما هو طويل مش عارف يوقف في الاوضة، وجسمه مَتني ومنحني، على دماغه لابس طرطور.. طرطور زي بتاع النوم بتاع زمان ده اللي بيتلبس على الجلاليب الكستور.. أول ما شوفته فضلت أضحك عليه وأنا بقوله:
ـ أنا لو تفيت عليك هتغرق يا جن.
- أنت روش أوي ياض يا مجدي، أروش من الأستاذ أحمد براده بذات نفسيته.
قال الجملة دي وراح رافع ايده ولزقني قفا كمان، اتعصبت واتنرفزت، ولقيت نفسي بجرى عليه عشان آخد حقي وأردله القفيين، فاختفي ولزقني قفا كمان لزقت بوشي في الباب.
وسمعت صوته وهو عمال يضحك عليا، حسيت فعلاً إني مش هعرف أتعامل معاه وقولتله:
ـ اضحك براحتك، حقك، بس أنت لو راجل اتعامل معايا كبني آدم مش جن وشوف أنا...
- مجدي يا حبيبي؛ فُكك من الجو ده، المهم ينفع نبقى أصحاب؟ أنا متابعك من بدري، وأنا مليش أصحاب.. ودماغك عجباني.
سكت لثواني وأنا بفكر، وبعدها قولتله بحذر:
ـ طيب لو بقينا اصحاب، هتظهر إزاي؟مش هينفع تختفي، لو كلمتك وأنت مختفي الناس هتقول عليا إني اتجننت، ولو أنت ظهرت على هيئتك دي فاللي هيشوفك هيموت من الخضة أو الضحك يعني.
- لا متقلقش، بص الحركة دي.
لقيته ظهر على هيئة إنسان عادي.. فضلت باصصله وأنا منبهر وعقلي بيقولي حاجة واحدة بس: "فرصتك جاتلك، استغلها.".:
ـ خلاص أنا موافق نبقى اصحاب يا.. هو أنت اسمك إيه؟
ـ اللي في البطاقة ولا الدلع؟
ـ إنتوا كمان بتطلعوا بطايق؟
ـ ورخصة كمان، ما إحنا بنطير يا ابني في الجو، وكمان لينا حياة زيكوا يعني، بناكل ونشرب ونستحمى ونتجوز وبنحجز ساعة خماسي..
ـ لا يا راجل!
- طبعا، أومال أنت فاكر إيه؟ أنا لاعيب كبير يا ابني، وكنت بلعب في نادي الجن الوطني، وفي ماتش القمة ما بين نادي الجن الوطني، ونادي عفاريت المغارة جالي صليبي واعتزلت وانا عندى ٣٤٠ سنة.. كنت في عز شبابي والله.
ـ نعم! بتقول كام؟ أومال الباشا عنده كام سنة على كده؟
- عندي ٩٥٠ سنة.
ـ ده سنك ولا رقم عربيتك؟
ـ يا مجدي حياة البشر حاجة، وحياتنا حاجة تانية.
ـ طيب هنحكي كتير، بس أنا ليا طلب
- قول
ـ تعملي اللي أقولك عليه.
- موافق
ـ مهما كان؟
- مهما كان.. خد دي عربون محبة.
ولقيته بيديني علبة سجاير، ولما فتحتها لقيتها كلها سجاير ملفوفة من أجود الأنواع المغربي، ده كنز.
وقالي:
ـ يلا سلام دلوقتي، هجيلك الصبح ونبدأ رحلة صداقتنا..
فتح الشباك ونط منه واختفى، بصيت بسرعة على تحت، مالقيتلهوش أي أثر.. هو أنا تقلت في الشرب جامد ولا ده بجد.. دماغي لفت بيا، ومابقيتش قادر أرفعها، فرميت نفسي على السرير ونمت.
تاني يوم صحيت على صوت جرس الباب، فتحت ولقيت الجني صاحبنا في هيئة إنسان عادي، واقف بلبس شيك: بدلة سموكنج وكرافتة بابيون، شكله عامل زي واحد جاي يطلب إيد واحدة في فيلم قديم. بس الحاجة الوحيدة اللي كانت غريبة، الجزمة بتاعته كانت مفتوحة من قدام وعنده صوابع طويلة زي بتوع الحبار.
قالي بابتسامة:
ـ صباح الفل يا مجدي، جاهز نبدأ رحلتنا؟
رحلة إيه يا عم؟
ـ يا ابني مش إحنا اتفقنا إمبارح نكون صحاب؟
ـ يعني أنا ماكنتش بحلم ولا بخرف؟
ـ لا يا حبيبي، كل حاجة بجد. وأول حاجة لازم نعملها، ننتقم من عيال العمارة اللي قبل عمارتك، العيال اللي كانوا بيحدفوا أكياس المية عليك.
ـ يعني بجد حد بيحدف ولا أنت اللي كنت بتزاولني.
ـ لا بجد فيه عيال بتحدف، وفي نفس الوقت أنا بزاولك ـ وإحنا هنروح نخضهم ولا إيه مش فاهم؟
ـ بص يا مجدي، أنا عندي فكرة تخضهم هما وأهاليهم وتضحكنا إحنا الاتنين.. أنا هتحول لونو صغير، ونروح ندخل العمارة ونخليهم يشوفوا حاجات تعملهم عُقدة عمرهم.
بصيت له وأنا مش مستوعب:
ـ نونو صغير؟
ـ اتقل عليا بس، أنا هخليك تشوف عرض أنا بعمله مرة كل 500 سنة. استنى عليا.
وفجأة قدامي بقى فيه عيل صغير جدًا، يمكن طوله نص متر، لابس بامبرز ونضارة شمس كبيرة، وبيضحك ضحكة مريبة. بصيت له وأنا مش مصدق:
ـ إيه ده؟ إنت بجد عملتها؟
ـ أيوا ياض أنا ابن عفاريت، دلوقتي خلينا نروح نشتغل على خطتنا ونضحك ونربيهم.
فضل مختفي لحد ما طلعنا العمارة إياها فظهر في هيئة الطفل وسألته:
ـ إحنا هنخوفهم إزاي؟
ـ هتشوف، بس جهز نفسك للضحك.
وقفنا في حوش العمارة، وهو بدأ يقول يزعق ويقول:
ـ يا سُكان العمارة يا ولاد .. أنا روح الرضيع المغدور. رجّعولي اللعبة بتاعتي.
سمعنا صوت باب شقة بيتفتح، وبعدها سمعنا صوت زعيق من فوق:
ـ مين اللي بيتكلم؟ أنت مين يا ابن ال..
وهو كمل بنفس الصوت:
ـ ولادكم بيرموا أكياس ماية على الناس؟.. دلوقتي وقت الحساب.
فجأة سمعنا باب الشقة اتقفل، وطلعنا فوق وهو دخل كل شقة من بابها وهو مقفول، وأنا بره سامع ناس بتجري جوة كل شقة زي المجانين، وهو بيضحك ضحكته الغريبة، واللي يصوت، واللي يصرخ من الخوف، وهو عمال يضحك.. وفي الآخر قال:
ـ بعد اللي حصل فيهم ده محدش هيعمل كده تاني. إيه رأيك في العرض؟
ـ جده ياض يا جن.. أنا بصراحة اتبسطت.
ـ هنعمل كده كل ما حد يزعلك.. تيجي نخرج نفرفش شوية؟
ـ نفرفش؟ نروح فين يعني؟
ـ فيه كافيه جديد بتاع عفاريت، بيعملوا شيشة بطعم النعناع بتاع جهنم، حريقة.. هيعجبك أوي.
ضحكت وقولتله:
ـ أنا لو حكيت لحد إني خرّجت مع جن محدش هيصدق.
ـ المهم ننبسط يا مجدي.
ـ هو أنت اسمك إيه صحيح؟
ـ الدلع ولا اللي في البطاقة؟
ـ يادي النيلة، الاتنين يا سيدي.
ـ الدلع وائل.
ـ وائل؟!
ـ والحقيقي وائل برضو.
ـ في جن يبقى اسمه وائل؟
ـ وأنت يعني كنت مقطع العلاقات مع الجن وعارفهم وعارف أساميهم؟
ـ على رأيك.. وائل ولا نرمين مش هتفرق.
ـ أنت قليل الأدب يا مجدي.
قالها ورزعني قفا جديد واختفى، وكالعادة كاطولتوش.. وقال بصوته بس:
ـ ده عشان تتربى.
ـ خلاص يا عم مش ههزر تاني.
ـ خلاص سامحتك.. يلا نروح الكافيه.
رجع ظهر تاني.. أنا طبعًا كنت مقتنع إن كل اللي حصل كان مجرد بداية لمصيبة جديدة هتحصل في حياتي. بس قولت لنفسي: يا مجدي فرصة زي دي متجيش مرتين.. عندك صاحب جن بيحب بيحبك وبيضحك معاك؟ خلاص استغل الموقف.. ممكن يبقى السبب في فلوس كتير، عربية، وأنسى أيام الغم والقرف دي بقى.
خرجنا من البيت، والجن وائل بيتمشى جنبي وهو لابس قميص كاروهات وبنطلون جينز مقطع، وماسك في إيده علبة عصير كأننا خارجين رحلة مدرسية.. مشينا لحد ما وصلنا الكافيه اللي حكالي عليه. وفعلاً شكله مكان مش عادي.. الكافيه كان في شارع مضلم، ومالوش أي يافطة تدل عليه.. الباب كان عبارة عن باب خشب قديم، شكله كأنه طالع من فيلم رعب إيطالي من السبعينات.
الجني قال لي:
ـ ادخل برجلك اليمين يا مجدي، دي قواعد المكان.
ـ قواعد إيه؟ إحنا جايين نشرب شيشة وحشيش ونفرفش.. هو أنا داخل مَقرئة؟
ـ أنا نصحتك وأنت حر بقى..لو دخلت برجلك الشمال هتلاقي نفسك عريان في نص الكافيه.. أنا بس بنبهك عشان سُمعتك.. وأنا مش هقدر أنقذك.
خطيت برجلي اليمين.. أول ما دخلنا لقيت الدنيا ضلمة، والناس اللي قاعدين كلهم مش طبيعيين.. يعني واحد قاعد وشه كله مقلوب، وعيل صغير ماسك شيشة أكبر منه، وواحدة شعرها بينور ويطفي كأنها شجرة كريسماس.. أنا كنت حرفيًا في فيلم رعب، بس الكارثة إن كلهم بيبصوا عليا كأنهم شايفين كائن غريب.
الجني بصلي وضحك:
ـ ما تقلقش، هما عارفين إنك بني آدم، وهما مش مستوعبين إن بني آدم يجي هنا.
قعدنا على ترابيزة جنب الحيطة، والجني نادى على واحد كان شكله عامل زي تمثال فرعوني صغير. الراجل ده جه ومعاه منيو. فتحت المنيو لقيت حاجات غريبة مكتوبة زي:
شيشة برائحة الكبريت الأصلي.
مشروب روح الدم البري.
شاي جهنم الأسود.
وأغرب حاجة: طبق لسه بيجربوه جديد اسمه "أنفاس الموتى".
بصيت للجني وقولت:
ـ إنت متأكد إننا قاعدين هنا عشان نفرفش؟ ولا جايبني تقتلتي ولا إيه؟
ـ يا مجدي ده مش ستار باكس، ده كفايه للجن، جرب الحاجات دي وهتنبسط. بص، أنا هطلبلك الشيشة بتاعت الكبريت، وهطلب أنا مشروب روح الدم، وهتتبسط ماتقلقش.
طلب فعلاً، والطلبات وصلت بسرعة غريبة. أول ما شديت نفس من الشيشة، حسيت بحاجة سخنة جوا صدري كأني شارب حمم بركانية، بس الغريب إن الطعم كان حلو بشكل يخوف.
الجني بصلي وقالي:
ـ حلوة صح؟
ـ مختلفة أوي.. بس أنا خايف صحابي يقروا اسمي نفسي بكرة في صفحة الحوادث.
ـ لا تقلق يا صديقي. إنت معايا، وأنا مسؤول عنك هنا.
وأثناء ما إحنا قاعدين، والدنيا حلوة وجميلة وهادية. سمعت صوت حد بيتكلم من بعيد:
ـ مين اللي جايب بني آدم هنا؟
أنا اتوترت وبصيت للجني، لقيته ماسك كوباية العصير وبيشرب عادي جدًا كأن الموضوع طبيعي. قومت وقفت وقولت بصوت عالي:
ـ أنا يا باشا، وجاي هنا مع وائل الجن، أنا ماليش دعوة.
الصوت رد:
ـ أيوا، أيوا.. إنت يا مجدي. أنا سامع عنك، وعايز أقولك مبروك، إنت أول بني آدم يجرب شيشة الكبريت ويفضل عايش. ده إنجاز.
الناس كلها في الكافيه قامت وسقفوا. أنا كنت واقف زي الأهبل، مش عارف أضحك ولا أجري. الجني بصلي وقاللي:
ـ قولتلك ماتخافش، أنت معايا.. عيب عليك؟
قعدنا واتبسطنا، والشيشة كانت دماغها عالية، زي ما يكون عليها طن حشيش، والحجر فضل مكمل وماخلصش لمدة ٣ ساعات.. خلصنا قعدتنا ولما جيت خارج من الكافيه، سمعت الصوت بيقول:
ـ يكون في علمك يا مجدي.. المرة الجاية مش هتبقى سهلة.
بصيت للجني وسألته:
ـ هو كده بيهددني؟
ـ لا يا مجدي بيحذرك بس.. على العموم أنا دايمًا معاك في أي حاجة، وعندنا مغامرة جديدة، جهز نفسك.
رجعت البيت بعد الليلة العجيبة دي وأنا مش عارف أضحك على اللي حصل ولا أقلق من اللي ممكن يحصل بعد كده.. الجني كان ماشي جنبي، بيلعب بالمفاتيح بتاعته كأنه ما عملش أي حاجة غريبة.. قولت له:
ـ الكافيه كان عجيب، المرة الجاية مش عايز مفاجآت من النوع ده. أنا قلبي مش خفيف مش زيك.
ـ انشف كده وجمد قلبك كل حاجة محسوبة.. بقولك إيه؟ إيه رأيك تجرب حاجة تخلي حياتك تتحول مغامرة بجد؟
ـ مغامرة إيه تاني؟
ـ المرة دي هتكون حاجة شخصية. سمعت عن العمارة اللي في آخر منطقتكوا؟ اللي بيقولوا إنها مسكونة؟
ـ أيوا سمعت، بس عمري ما فكرت أقرب منها.
ـ إنت دلوقتي معايا، وأنا هضمن سلامتك. بس خلي بالك، المغامرة دي مش سهلة، وكل اللي جربوها يا اختفوا يا عقلهم ضرب.
بصيت له وأنا مش فاهم:
ـ طيب لو الموضوع خطر للدرجة دي، ليه أصلاً عايزني أدخلها؟
ـ لأنك محتاج تعرف حاجة مهمة، الحاجات اللي بتحصللك مش عشوائية. العمارة دي مربوطة بيك بطريقة ما.
ـ مربوطة بيا إزاي يعني؟ أنا أصلاً عمري ما دخلتها ولا ليا علاقة بيها.
ـ مش هتفهم غير لما تروح وتشوف بعينك.
وافقت وأنا متردد، وطلعنا على العمارة دي. شكلها من قريب كان مرعب أكتر من الحكايات اللي سمعتها عنها. الشبابيك مكسورة، والباب مقفول بس باين عليه كأنه بيتفتح كل فترة. الجو حواليها كان أبرد بكتير من باقي الشارع، وكأنك دخلت تلاجة أو فريزر.
الجني قال لي:
ـ ادخل أنت الأول وأنا وراك على طول.
ـ لا يا باشا، إنت الأول. أنا أصلاً رجليا مش شايلاني من الخوف، كمان عايزني ادخل الأول؟
ـ طيب يلا تعالى ورايا.
فتحنا الباب، وأول ما دخلنا حسيت إن الهوا جوه بيتحرك بطريقة غريبة، كأنه بيلف حوالينا مخصوص. مفيش أي نور، بس فجأة الجني سقف بإيده، والدنيا نوّرت بوهج أزرق. شوفته واقف جنبي وهو مركز جدًا.
فسألته:
هو في إيه؟
ـ المكان ده فيه حاجة غريبة، وأنا متأكد إنها ليها علاقة بحاجة تخصك
ـ تخصني إزاي يعني؟
ـ استنى وهتعرف.
كان قدامنا ممر طويل مشينا فيه، ريحته كانت زي ريحة خشب قديم محروق.. الأرضية كانت بتزيّق مع كل خطوة بنخطيها، وصوتها كأنه بيحذرنا. فجأة سمعنا صوت ضحك عالي جاي من فوق.
بصيت للجني:
ـ إيه الصوت ده؟ هو في إيه فوق؟
ـ دي مش ناس، دي أرواح المكان. بس متقلقش، أنا معاك.. هتخاف ليه وأنت معاك جن فعلاً وشوفت الجن في الكافيه.
ـ مش عارف، بس أنا حاسس إنك جن هوزء، إنما دول شياطين بجد، المكان ده مسكون.
ـ لو طولت لسانك هختفي واسيبك ليهم.
ـ لا. لا، والنبي لا، أنا هسكت خالص.
الصوت بدأ يقرب، في حاجة بتقرب مننا بسرعة. الجني قال بصوت عالي:
ـ إحنا مش جايين نأذي حد، إحنا عايزين نفهم.
الدنيا سكتت لثواني، وفجأة ظهر قدامنا كيان ضخم، شكله عبارة عن ظل بيتحرك بسرعة.. وقبل ما ألحق أقول أي حاجة، الكيان ده بدأ يتكلم:
ـ أخيرًا جيت.. كنت مستنيك يا مجدي.
ـ مستنيني أنا؟ ليه؟ أنا مالي ومالك؟
ـ لأن إنت ليك علاقة بالمكان ده. فيه سر هنا ليك، وعلشان تعرفه لازم تدفع تمن.
ـ تمن إيه؟ أنا مش فاهم حاجة أصلاً.
ـ هتفهم قريب جدًا.
وفجأة الدنيا كلها لفت بيا، وحسيت إن الأرضية بتتسحب من تحت رجلي، والجني كان واقف جنبي بيحاول يتمالك أعصابه، بس شكله هو كمان كان متوتر. واضح فعلاً إنه جن هوزء ومالوش لازمة. إيه الحظ ده يا ربي.. الدنيا فضلت تلف بيا وبقت شبه الملاهي لما تقرر تركب لعبة وأنت على معدة فاضية، وكل الأصوات حواليا كانت متلخبطة.. فجأة لقيت نفسي واقف في أوضة شكلها زي أوضة مدير في مدرسة قديمة، بس المكتب اللي قدامي شكله كان معمول من عضم مش خشب.. ولقيت قاعد على المكتب كائن عجيب، نصه اللي فوق بني آدم، ونصه التحتاني كأنه شجرة.. ماسك في إيده قلم ريشة وبينقط دم على ورقة قدامه.
بصلي وقال بصوت عميق:
ـ أخيرًا وصلنا للحظة الحقيقة يا مجدي. جه الوقت اللي تعرف فيه كل حاجة.
ـ حقيقة إيه يا عم أنت؟ أنا أصلاً مش عايز أعرف حاجة. أنا بني آدم بسيط، كل اللي نفسي فيه أعيش حياتي من غير وجع دماغ، سيجارة حلوة، فلوس، شغلانة كويسة، مفيش مدير يخصملي، إيه دخلني في كل ده؟
ـ أنت ليك حكاية كبيرة، وحكايتك مربوطة بالمكان ده
الجني صاحبي، اللي كان واقف جنبي ومش فاهم زيي، بص للراجل الغريب وقال له:
ـ مجدي ده أصلاً غلبان، آخره سيجارة مش أكتر.
ـ أيوة أيوة، أنا عارف ده كويس. بس اللي إنت متعرفوش إن مجدي مش مجرد بني آدم عادي، ده جزء من عيلة كانت مرتبطة بالعالم بتاعنا.
ـ استنى عليا بس شوية كده، عيلة إيه؟ أنا أبويا كان بيشتغل في ورشة نجارة، وجدي كان فلاح..
ـ أجدادك زمان كانوا بيشتغلوا معانا. كانوا أسياد في التعامل مع العالم الآخر، وكانوا بيقدروا يدخلوا بين العوالم بسهولة . بس حصلت مشكلة كبيرة.. واحد من أجدادك قرر يضحك علينا ويلعب معانا لعبة أكبر منه بكتير.
ـ يضحك عليكم إزاي؟
ـ أجدادك كانوا بيتعاملوا معانا عشان نحقق لهم أهدافهم للسيطرة على الناس، ونديهم قوة معينة، بس جدك الكبير، اللي اسمه 'مبروك ابن الفخراني'، قرر ياخد حاجة من عالمنا ويخبيها. الحاجة دي اسمها 'قلب الظلال'.
ـ قلب الظلال ده إيه بقى؟
ـ قلب الظلال هو مصدر طاقتنا.. لما سرقه مبروك حصلت لخبطة في عالمنا.. وفي اللحظة دي كل حاجة اتهدت.. ومن يومها عيلتك بقى عليها لعنة إن كل واحد فيهم لازم يمر بموقف زي اللي إنت فيه دلوقتي.
الراجل الغريب فتح درج في المكتب وطلع منه خريطة قديمة باين عليها كأنها متسربة من فيلم "إنديانا جونز". قال:
ـ الخريطة دي هتدلك على مكان قلب الظلال. بس خد بالك، الطريق مليان تحديات، ولازم تحلها بذكاء.
ـ ذكاء إيه يا عم؟ أنا آخر ذكاء عندي لما كنت بغش في الامتحانات وبحط ورقة الإجابات تحت الجزمة.
ـ كل واحد عنده ذكاء خاص بيه، ومتهيألي إنت عندك نوع غريب ومفيد.. بس خليني أوضح أكتر: التحديات دي معمولة مخصوص عشانك. كل تحدي هيختبر جزء من شخصيتك.
ـ يعني إيه؟ اختبارات زي إيه؟ كلمني كلام أفهمه.
ـ مثلاً؛ هتقابل روح بتحب الحوارات. لازم تقنعها إنها تغني أغنية شعبية بدل ما تتخانق معاك. أو هتعدي في طريق لازم تضحك فيه أي كائن يقابلك وإلا هتتحبس فيه للأبد.
الجني قعد يضحك وقاللي:
ـ دي فرصة عمرك يا مجدي، يلا خلينا نعيش المغامرة.
ـ مغامرة إيه؟ أنت متفق معاهم وجايبني هنا تتمسخروا عليا.
ـ ما أنت طول عمرك مُهزء يا مجدي، فيها إيه لما نتسلى عليك شوية، متقلقش، طول ما أنا معاك مفيش حاجة هتحصل وتأذيك. بس لازم تعرف إنك لو فشلت، مش هتعرف تخرج من العالم ده أبدًا.
ـ وكده مش هتأذي؟
ـ لا هتعيش هنا عادي معانا، هي دي أذية؟
ـ يعني أنا مجبر؟
ـ بالظبط كده.
وفجأة لقيت نفسي في مكان جديد، شكله كأنه طالع من كابوس.. الطريق كله ضباب، وأصوات غريبة بتهمس حواليا.. الجني كان ماسك عصاية زي الساحر، وبيقوللي:
ـ أول مرحلة؛ جمد قلب وواجهها.
ـ أواجه إيه بقى؟ إنت مش هتوضح أكتر شوية؟
ـ لا، اكتشف بنفسك. دي متعة المغامرة.
الضباب حوالينا كان تقيل لدرجة أنا والجني كنا ماشيين في الطريق اللي شكله مالهوش آخر ده. رجلي بدأت توجعني، والجني كان بيتلفت حواليه، وهو ماسك عصايته كأنه مستني كارثة تحصل. فجأة لقينا نفسنا قدام بوابة ضخمة.. البوابة دي كانت معمولة من خشب غريب، كله محفور عليه رموز بتبرق كل ما تبصلها.
الجني قالي:
ـ مجدي، خلي بالك.. هنا هنقابل أول تحدي.
ـ تحدي إيه؟
ـ البوابة دي مش هتفتح غير لما تجاوب على سؤال حارس البوابة.. السؤال هيبقى عنك.. ركز.
دقينا على البوابة، وسمعنا صوت عميق من جوه بيقول:
ـ مين اللي عايز يدخل؟
الجني رد بكل هدوء:
ـ مجدي جه عشان يحل اللغز ويكمل الرحلة.
البوابة فتحت ببطء، وظهر قدامنا كائن عجيب. نصه بني آدم، ونصه التاني مزيج بين أخطبوط وقنفد. كان ماسك كتاب ضخم شكله قديم صفحاته من الجلد وقاللي:
ـ لازم تجاوب على السؤال ده عشان تكمل.. إيه أكتر حاجة بتخاف منها، وليه؟
وقفت زي الأهبل.. السؤال كان بسيط، بس الرد كان محير. أنا بخاف من حاجات كتير: الزحمة، الكهربا وهي بتقطع فجأة، وبصراحة بخاف من الحشرات اللي بتطير. بس معرفتش أختار إيه وأجاوب بيه.
الجني زغدني وقاللي:
ـ قول أي حاجة وخلاص. مفيش وقت نضيعه.
فكرت شوية وقولت:
ـ أنا بخاف من الوحدة.. بخاف أعيش لوحدي من غير صحابي وأهلي.
الكائن بصلي وابتسم وقال:
ـ إجابة صادقة.. تقدر تعدي.
البوابة فتحت بالكامل، ولقيت نفسي فجأة في مكان جديد.. المكان ده كان زي مسرح كبير، وكل الكراسي فاضية، بس كنت سامع صوت جمهور بيضحك. ركزت أكتر، ولقيت الكائن اللي فتح لي البوابة قاعد في الصف الأول بيضحك على حاجة أنا مش شايفها.
الجني قاللي:
ـ ركز يا مجدي.. دي المرحلة التانية. هنا لازم تضحّك الكائن ده وإلا مش هتعرف تخرج.
ـ يعني إيه أضحكه؟ هو أنا عادل إمام؟
ـ ما هو التحدي كده. يلا يا نجم ورينا مواهبك.
وقفت قدام الكائن، وبدأت أفكر في أي حاجة تضحك. حاولت أقلده وهو بيتكلم، بس ماعملش أي رد فعل. جربت أقول نكتة قديمة:
ـ اتنين قرع كانوا بيتخانقوا على مشط.
الكائن بصلي بنظرة ملل وقال:
ـ النكتة دي أقدم من الجبنة القديمة.. جدد شوية.
الجني قالي:
ـ حاول تفكر في حاجة من حياتك. حاجة حقيقية تضحك، موقف مثلاً كوميدي أنت عيشته.
فكرت شوية وقلتله:
ـ, طيب اسمع دي. مرة كنت ماشي في الشارع ولبست كيس مية مرتين في نفس اليوم. المرة التانية كانت جوه أوضتي. مين بيلبس كيس مية جوه البيت غيري؟
الكائن انفجر من الضحك لدرجة إن جسمه الغريب كان بيتمايل زي الجيلي وقاللي:
ـ حقيقي إنت مش بني آدم عادي. عدّيت المرحلة دي.
عدّينا من باب خلفي في المسرح، لقينا نفسنا في مكان ضلمة جدًا، ومليان مرايات في كل حتة. الجني وقف وقاللي:
ـ هنا هنواجه أكتر حاجة بتخوفك.
ـ يعني إيه؟ ما أنا لسه قايل إني بخاف من الوحدة..مش لازم نكرر نفس القصة.
ـ لا يا مجدي. هنا كل واحد فينا هيشوف خوفه قدامه. حاول تتعامل.
وقفت قدام المرايات، وبدأت أشوف نفسي، بس مش أنا اللي أعرفه. شوفت نسخة مني عيونه حمرا، ووشه شاحب، وبيقولي:
ـ فاكر لما كنت بتهرب من كل حاجة في حياتك بالشرب والسُكر؟ دلوقتي جت اللحظة اللي مش هتعرف تهرب فيها من المواجهة.
بدأت أحس إني مُحاصر.. فضلنا في المكان ده فترة، لحد ما قررت أكسر حاجز الخوف. وقفت قدام المراية اللي فيها نسختي المرعبة بتحدي وقولت:
ـ أنا فعلاً كنت بتهرب، بس المرة دي هكمل حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.
فجأة، المراية اتكسرت، والظلام بدأ يختفي. الجني قرب مني وقال:
ـ عملتها يا نجم.. المكان كله بينهار.. لازم نكمل قبل ما نتحبس هنا.
خرجنا من المكان، ولقينا نفسنا قدام بوابة جديدة، ولقيت وائل الجني قاللي:
ـ دي البوابة الأخيرة يا مجدي، دي آخر مرحلة. جهز نفسك.. بس خد بالك؛ دي ممكن تكون أصعب مرحلة.
وصلنا قدام البوابة الأخيرة، بوابة ضخمة شكلها زي بوابات القلاع اللي بتكون في الأفلام الأسطورية، بس بدل ما تكون مرعبة كانت مزينة بأضواء نيون بتديها منظر كأنها إعلان عن عرض كوميدي. بصيت للجني وقولت:
ـ دي آخر مرحلة؟ متأكد؟
الجني كان هادي بشكل غريب وقال:
ـ ما تخليش الشكل يخدعك يا مجدي، دي أخطر واحدة. البوابة دي مش هتفتح غير لما تثبت إنك فهمت الدرس كله.. الدرس يا مجدي إنك لازم تواجه نفسك.. تواجه كل حاجة كنت هربان منها. قدامك فرصة تفهم أنت مين فعلاً.
كنت متوتر بس قررت أمشي وأكمل.. زقيت البوابة بكل قوتي، ولقيت نفسي جوه في أوضتي.. أيوا أوضتي، بس كانت زي المتحف.. كل حتة فيها كانت مليانة حاجات من حياتي: صور قديمة، لعب أطفال، أوراق شغل، وحتى كيس المية اللي لبسته في أول القصة كان محطوط على مكتبي كأنه تحفة فنية.
قعدت أبص حواليّا، وائل الجني اختفى.. وسمعت صوت شخص بيضحك. الصوت كان مألوف جدًا. وشوفت نسختي المرعبة اللي كنت شوفتها في المراية قبل كده، لكنها كانت أقل تخويف وأكتر سخرية.
ـ إنت تاني؟
النسخة ردت عليّ بابتسامة:
ـ طول عمرك هربان من نفسك وبتدور على حاجة تهرب فيها من جُبنك ومخاوفك.. أنا مش جايلك عشان أخوفك، أنا جايلك عشان أفكرك بحاجات أنت ناسيها.
ـ حاجات زي إيه؟
ـ زي إنك دايمًا بتهرب بالحاجات اللي بتحصل حواليك بدل ما تواجهها.. زي إنك بتستخبى ورا الكوميديا عشان تهرب من خوفك الحقيقي.. زي إنك كنت عايش طول الوقت بتقول: بكرة أحسن، بس عمره ما جه بكرة اللي أنت مستنيه لأنك مابتعملش حاجة تخلي بكرة ده يجي.. وبدل ما تحسن من نفسك؛ بتروح تحشش وتسكر لحد ما مخك اتلحس.
الكلام كان زي شومة نزلت فوق نفوخي عشان تفوقني، عنده حق فعلاً.. وقفت قدامه وقولت:
ـ طيب لو أنا غلطان، إيه اللي المفروض أعمله دلوقتي؟
ـ بسيطة. اعترف إنك غلطان، وإنك مش لازم تكون كامل.. ومش لازم تحقق كل حاجة أنت عايزها، ارضى بنصيبك.. الخوف موجود في حياتك مش عشان يوقفك، لكن عشان يعلمك.. لازم تتعلم تتعامل مع مشاكلك بدل ما تهرب منها في المعاصي.
الجني ظهر فجأة وقال:
ـ مجدي إنت كده قربت.. فاضل خطوة واحدة أخيرة.. اعترف لنفسك. افتح قلبك، واعرف إنك تستحق تكون أفضل.
بصيت حواليا وشوفت كل اللحظات اللي كنت بهرب منها في حياتي.. أخطائي، قراراتي، وكل مرة كنت فيها ضعيف. استجمعت شجاعتي وقولت بصوت عالي:
ـ أنا غلطت كتير، وخوفت أكتر، بس مش ههرب تاني. الخوف مش عدوي، الخوف هو اللي بيخليني أحس إني عايش.. أنا هبطل كل حاجة وهتوب خلاص.
بمجرد ما قولت الجملة دي، كل حاجة حواليّا بدأت تتغير.. النسخة المرعبة مني ابتسمت لأول مرة واختفت. الجني قرب مني وطبطب على كتفي وقال:
ـ أخيرًا واجهت نفسك بالحقيقة.
ـ وأنت كنت عارف من الأول إني هعدي كل ده؟
ـ بصراحة لا، بس كنت مستمتع وأنا بشوفك بتتعلم. دلوقتي جه وقت نرجع للحياة الطبيعية.
لقينا نفسي لسه في أوضتي، بس كل حاجة طبيعية، كأن كل اللي حصل مجرد حلم.. الجني بصلي وقال:
ـ قبل ما أسيبك يا مجدي لازم تعرف إن الحياة مليانة أزمات.. بس اللي بيفَّرق الشخص عن التاني هو طريقته في التعامل معاها.
ـ يعني مش هشوفك تاني؟
ـ يا عم أنا وهم في خيالك.. لو احتاجتني هتلاقيني في أي وقت . بس خلي بالك.. من غير كيس مية المرة الجاية.
ضحكنا سوا وفجأة اختفى.. وفي لحظة أدركت؛ وهم؟ كنت حاسس زي اللي رجع من غيبوبة.. أو فوقت من حالة السُكر وغياب الوعي اللي كنت فيها.. أنا مش عارف كل ده حصل ولا ماحصلش، بس اللي كنت حاسس بيه ومدركه، إني فعلاً شخص جديد.. عشان لأول مرة في حياتي حسيت إني فهمت نفسي.. الواحد لازم يرضى بكل حاجة، ويفضل مثابر ومستمر في السعي. مش يروح يغيب عقله ويضيع نفسه دنيا وآخرة.. أنا من دلوقتي هبطل كل حاجة.. وهرضى باللي ربنا قسمهولي.
تمت..
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا