قصة سفاح تحت السن كاملة بقلم فهد حسن


 قصة سفاح تحت السن كاملة بقلم فهد حشن


أنا عارف إنك مش هتصدق الكلام اللي هقوله لك دلوقتي.. ولا حتى ممكن تستوعب أنا ليه عملت كده. بس لو حطيت نفسك مكانى، يمكن تفهم.. الموضوع مش عايز غير شوية وقت علشان أشرح لك الحكاية من أولها.. هقول لك على كل حاجة، بما فيها التفاصيل اللي أكيد مش هتحبها.. بس علشان تفهمني، لازم تسمع مني.

أنا اسمي نادر.. كان عندي 22 سنة لما بدأت أعمل كل ده.. يعني أنا وقتها ماكنتش واحد عنده عشرات السنين من الخبرة في الحياة، بس كفاية إن عندي قلب مليان بالكراهية.. أو اكتسبت الكراهية دي من الناس والدنيا.

 

اللي حصل كان قبل ١٠ سنين من اللحظة دي، زي ما قولت؛ كان عندي ٢٢ سنة.. كنت بعيش من قبلها وقت جميل.. فلوس كتير، الدنيا هادية، وعايش حياتي مع أبويا بالطول والعرض.. فلوس، بنات، سهر، عربيات، وبشوف أبويا مرات قليلة كل شهر.. لحد ما في يوم كل حاجة اتغيرت، والكراهية ملت قلبي، كان يوم عادي زي أي يوم، لحد ما شوفتها، كل حاجة اتغيرت.. شوفتها معاه، شوفتها مع أبويا.. كان منظرهم قذر، مش هقدر أنسى ملامحهم لما شوفتهم، وخصوصًا هي، كانت مبتسمة كأنها بتقول له: أنا هنا علشانك، خدامتك، ملكك.

 

زي ما كانت بتبص لي بالظبط وبفهم كلامها من نظرات عينيها.. دي الوحيدة اللي أنا حبيتها، رغم تعدد علاقاتي، أنا بعترف طبعًا..وأنا كنت شايف فيها كل حاجة.. بس هي ماكنتش شايفة كده، كانت باصة لما هو أبعد.. أبويا؟ كانت معايا عشان بس توصل لأبويا، راجل عجوز معاه فلوس ماتتعدش، لو بقت معاه ومات، أو قدرت تتحكم فيه، يبقى كسبت أكتر بكتير إنها تبقى معايا.. عمري ما اتخيلت إنها تخوني أصلًا، لكنها خانتني، ومع مين؟ مع أبويا.. ولما شوفتها معاه في سرير واحد، ماكنتش مصدق عينيا، وهما كانوا مندمجين لدرجة إنهم ماحسوش بوجودي.. لأن فيلتنا فيها دور أرضي كبير،وفيه جزء معمول كأوضة الاستراحة.. شوفتهم من ورا الازاز من بره.. ماقدرتش أمسك نفسي.. الاتنين دول كانوا السبب إن حياتي تتغير للأبد..

كل حاجة حصلت وقتها نتيجة قرار أنا أخدته في لحظة.. لكن أثره فضل.. جرح معلم في قلبي وذكرياتي ونفسي.. مش قادر أنسى منظرهم.. لفيت ودخلت أوضة أبويا من غير ما حد يحس بيا، أخدت المسدس، وحطيت كاتم الصوت.. الفيلا كمان ماكنش فيها حد، هو كان مدي الشغالين أجازة، وضامن إني مش هاجي في الوقت ده نهائي.. أخدت المسدس ونزلت، باب الأوضة كان مفتوح عادي.. كانوا في وضع صعب عليا، سامع صوتها، وصوت أنفاسه، دمي غلي أكتر، وضربتهم هما الاتنين بالنار، ماتوا في ساعتها، ودمهم النجس سال واختلط بدم بعض.. حسيت بلذة الانتقام، وندم الفعل، انهرت وأنا بضحك ضحك هستيري وببكي.. المسدس وقع من ايدي.. وأنا وقعت على الأرض جمبه من طولي.. مش قادر استوعب اللي حصل.. لكن فوقت لنفسي بعد ساعة، لازم أخفي أثرهم.. قومت وروحت الجنينة، فضلت أدور لحد ما لقيت أدوات الجنايني، فاس، وكوريك وحاجات تساعدني على الحفر.. لفيت الجثتين في ملايات، وقطعت أكياس زبالة كبيرة وفردتها، وبالسوليتب لزقتها على الملايات وأحكمتها على الجثتين، عشان لما أسحبهم على الأرض ما يبقاش في أثر دم.. روحت حفرت حفرة واسعة عميقة.. ورميتهم فوق بعض، وودعتهم وأنا بتف عليهم وبنزل عليهم التراب.. كل ده كان صعب عليا، لكن الغل وشعوري بالانتقام وحلاوته طغى على كل حاجة تانية، وقدرت أعمل كل ده في وقت قليل ولوحدي.. وقطعت بالمنجل حشيش من الأرض وداريت بيه الحفرة.. اللي عملتها في آخر نقطة في أرض الفيلا في الجنينة الورانية.. ورجعت مبنى الفيلا.. أخدت المرتبة حملتها على العربية بتاعتي.. ومسحت كل حاجة كويس.. دورت العربية ومشيت رجعت الشقة اللي أنا ساكن فيها.. حطيت المرتبة في الحمام.. ونزلت بسرعة، من حظي لقيت محل بتاع مراتب يا دوب بيقفل.. اشتريت واحدة تانية بنفس المقاسات.. واخدتها ورجعت الفيلا حطيتها على السرير.. وكل حاجة بعدها بانت طبيعية، أبويا اختفى، التحقيقات ماوصلتش لحاجة، وماحدش دور على البنت لأن ماحدش بلغ باختفاءها، هي ماكنش ليها أهل من الأساس.. ومن هنا بدأت حكايتي، من هنا حياتي اتقلبت واتغيرت.. المرتبة قطعتها مليون حتة وعبيتها في أكياس ورميتها، والمسدس احتفظت بيه معايا وخبيته.

ورجعت بعد ما خلصت كل حاجة شقتي من جديد.. لكن بشخصية جديدة غير اللي كنت عليها قبلها بوقت بسيط، قبل ما كل حاجة تتغير.. حاولت أعمل نفسي طبيعي.. وأتعايش عادي، لكن الحقيقة، ماكنتش طبيعي. اللي عملته غيرني، حسيت بحاجة غريبة جوايا. كنت حاسس إني حرقت جزء كبير مني، دفنته معاهم في الحفرة اللي عملتهلهم بإيدي، بس في نفس الوقت، كأني اكتشفت جزء جديد فيا. جزء أسود، بارد، ومتوحش.

 
عدت الأيام، وكل حاجة هديت، التحقيقات اتقفلت، والناس افترضت إن أبويا اختفى. وأنا قررت أحاول أبدأ حياة جديدة، بعيد عن كل ده. بس الغضب.. الغضب كان جوايا. كنت بشوف في عيون البنات اللي حواليا نفس النظرة اللي شوفتها فيها يوم ما اكتشفت خيانة هايدي.. نفس الطمع.. نفس القذارة.

مرة كنت في مول ما، وقاعد في مكان بحبه بشرب قهوتي..  وساعتها عيني وقعت على واحدة قاعدة لوحدها، شكلها بسيط جدًا، لكن كانت بتبص للي حواليها بطريقة خلتني أشك فيها.. بدأت أراقبها من بعيد.. ولما ركزت معاها أوي، لقيت واحد كبير في السن قرب منها، وأنا ماكنتش قاعد بعيد عنهم، فسمعتها وهي بتتكلم معاه بمياعة وحلاوة ونعومة.. ولمحتها وهي بتاخد رقم تليفونه وهي مبتسمة. حسيت إني بشوف نسخة تانية من اللي خانتني.
فضلت أتابعها من بعيد لحد ما خرجت من المول، ركبت تاكسي، وأنا خدت عربيتي وراها. كنت عارف في اللحظة دي إني مش هسيبها. مش بسببها هي، بس عشان اللي بقت تمثله في دماغي.
وصلت عند بيت.. ودخلت شقة في الدور الأرضي في منطقة هادية..فضلت قاعد مستنيها في عربيتي بره، وبعد نص ساعة، نزلت قعدت في جنينة صغيرة قصاد البيت.. هي مش جنينة بالمعنى الحرفي، هو مكان صغير كده فيه خضرة وزرع قصاد كل عمارة في المنطقة.
أنا ماكنتش مخطط لحاجة، بس كنت مستني لحظة مناسبة.. لحظة أحقق فيها حاجة جوايا أنا لسه مش عارفها، وماكنتش عارف أنا براقبها ليه، عشان هي فعلاً شبه هايدي، ولا أنا عايز أشوفها شبه هايدي.. مش عارف!.. بس هي ما قعدتش كتير وقامت اتحركت.
الدنيا كانت هادية، والشارع فاضي تقريبًا.. كنت شايل معايا نفس المسدس، كأنه بقى صاحبي الجديد.. نزلت من العربية بسرعة أول ما شوفتها ماشية بعيد عن البيت، ناحي السوبر ماركت اللي على أول الشارع. قربت منها، وكلمتها:
ـ  مساء الخير، ممكن دقيقة لو سمحتي؟
لقيتها وقفت، وبصت لي بصة استغراب وقالت:
ـ خير، اتفضل؟
 صوتها كان هادي، لكن حسيت إنها قلقانة وبتحاول تداري قلقها، ابتسمتلها وقولت: 
ـ أنا بس كنت عايز أقولك حاجة.
هي كانت بتبص لي بتركيز، وأنا كملت:
ـ سمعتك في الكافيه.. أنتي مش متضايقة إنك بتلعبي بالناس، مش حاسة بأي ذنب؟
ـ وأنت مين بقى؟ وعايز إيه يعني، وده يخصك في إيه؟
قربت منها أكتر وهمست في ودنها: 
ـ أنا العدالة.
وقبل ما تحاول تفكر، أو تعمل أي رد فعل، حتى لو بسيط، المسدس كان متثبت في جنبها. أمرتها تمشي قدامي لشارع ضلمة في آخر الحي.. شارع أنا كنت عارفه، لأني جيت المنطقة اللي هي ساكنة فيها دي كتير قبل كده، لما وصلنا، أنا كنت جاهز وواخد قراري.. ومن غير ولا كلمة، ضربتها طلقتين في صدرها، فوقعت في الأرض ميتة في ساعتها.
بعدها فوقت لنفسي، مابقيتش عارف أودي الجثة فين، هل اخدها وأروح الفيلا ادفنها، ولا أخدها في شنطة العربية وأروح بيها أي أرض فاضية صحرا وأدفنها ولا أتخلص منها إزاي؟
أتراجعت عن الأفكار دي، وسيبت الجثة مكانها على الأرض وجريت، ركبت العربية بسرعة، وسوقت بأقصى سرعة وهربت.
بعد كام يوم، قريت خبر اختفائها من الفيسبوك.. الشرطة لقوا جثتها في الشارع سايحة في دمها بناء على بلاغ من أهل الحي، لكن ما وصلوش لأكتر من كده.. وده اللي عرفته مع مرور الأيام.. ماحدش شافني، ماحدش خد رقم عربيتي، ماكنتش سايب أي بصمات، مسدسي معايا، والطلقتين اللي استقروا في صدرها مش دليل يخلي حد يوصلي.. ده اللي طمنت نفسي بيه، كنت فاكر إني بعيد عن الخطر.
لكن الدليل ده.. كان البداية.

فاتت شهور بعد اللي حصل.. كنت فاكر إني خلاص عديت الليلة دي زي اللي قبلها. لكن الحقيقة، الحاجة دي جوايا بدأت تكبر. كنت كل مرة أقول لنفسي إني مش هعملها تاني، إن الموضوع كان صدفة.. لحظة غضب. لكن في كل مرة، كنت أرجع ألقى نفسي واقف قدام واحدة جديدة.. بشغف جديد في الانتقام.
البداية كانت زي ما حصل مع اللي فاتت.. أراقب، أتفرج، وأستنى اللحظة المناسبة. المرة دي كانت في مكتبة عامة.. دخلت أشتري كتاب، كنت بحاول أرجع لحياتي الطبيعية.. أكون "نادر العادي" اللي بيحب يقرأ ويشرب القهوة مع كتاب جديد، رغم إن حياتي ماتوحيش بكده، بس أنا كنت بحب القراية.. زمان وأنا في المدرسة كنت بقرأ كتير جدًا، والشغف ده فضل مكمل معايا.. وساعتها رفعت عيني من الكتاب اللي في إيدي وبتصفحه وبقرأ كلمة الضهر، شوفتها.

كانت قاعدة على ترابيزة في آخر المكتبة، بتتكلم مع المسؤول عن المكتبة.. مديرها أو الأمين بتاعها، هي المكتبة فيها جزء كمان زي كافيه مصغر كده، وكان راجل كبير في السن، يبان إنه معاه فلوس.. في البداية مافيش حاجة شدّتني فيها، لكن بعد شوية، لاحظت طريقة كلامها. كانت بتضحك معاه، بتتصرف كأنها تعرفه من زمان، وفي الآخر.. استلفت كتاب وطلبت رقمه. نفس السيناريو اللي شوفته قبل كده.
المرة دي الموضوع خد وقت أكتر. فضلت أراقبها لمدة أسبوعين. كنت بستنى عند المكتبة كل يوم، بشوفها بتروح فين وبتعمل إيه. لاحظت إنها ما بتتعاملش مع حد بنفس الطريقة. بتختار، وبتلعب لعبتها.. تضحك وتاخد اللي عايزاه وتسيب وراها ضحايا.
وبعد ١٥ يوم كاملين،  قررت إن الوقت ده يكون هو وقت التنفيذ.. كنت بجهز نفسي ببطء وعلى مهلي، عارف إن الغلطة اللي هتحصل هتوقعني، وأنا مش عايز أقع وأتحبس، على الأقل دلوقتي.. المسدس كان معايا كالعادة، بس المرة دي كنت مجهز نفسي أكتر. كنت اشتريت كشاف قوي، حبل، وأدوات صغيرة للحفر. ما كنتش ناوي أسيب ورايا أي دليل.
اتبعتها لحد بيتها. كانت شقة صغيرة في منطقة شعبية أو يعني مش شعبية أوي، الشارع اللي هي ساكنة فيه بعيد عن الشوارع الرئيسية. دخلت العمارة وطلعت وراها لحد الدور الرابع. استنيت شوية فوق السطح، لأن الدور اللي هي ساكنة فيه هو الأخير، لحد ما الناس كلها تسكن وتنام، ومايبقاش في حد طالع أو نازل.. ودي مش أول مرة آجي وراها العمارة هنا، فاستخبيت في عشة فراخ قديمة فوق السطح، ومن منظرها عرفت إن ماحدش بيطلعه.. وراقبت شقتها من فوق، ومن المنور، ولما لقين نور شقتها بينطفي، نزلت بسرعة، وفتحت الباب، الباب كان قديم، من الأبواب اللي فيها شُراعة ازاز، فتحت الازازا بقاطع مخصص للازاز، ومديت ايدي فتحت الترباس.. فتحت ودخلت بحذر، وأنا ماسك المسدس في إيدي.
كانت نايمة على الكنبة، شكلها هادي جدًا، لأنها ببساطة ماتعرفش إنها آخر ليلة ليها في الدنيا، الشقة كانت فاضية تمامًا، أقصد مافيهاش حد غيرها.. قربت منها، وصحيتها بهدوء.. فتحت عينيها، وأول ما شافتني برقت واتخضت، وقبل ما تفكر تصرخ، كنت أنا أسرع منها بكتير، بضربة واحدة بالمسدس على دماغها سكتتها. كنت عايزها تشوفني، وتعرفني، تعرف إن أنا اللي قتلتها، أنا العقاب اللي لازم تاخده على أفعالها 
ربطتها بالحبل بسرعة اللي كنت محضره، وحطيت الكشاف قدام عينيها. كنت عايزها تصحى من جديد.. تشوفني وتسمعني.. وفتحت عينيها، سألتها وأنا ماسك المسدس وموجه ناحية دماغها، وهي كانت بتتهز وبتترعش من الخوف وبتبكي:
ـ عارفة أنا مين؟
مانطقتش:
قربت منها وقولت: 
ـ فاكرة الراجل بتاع المكتبة؟ اللي أنتي لعبتي عليه وأخدتي منه ٥ آلاف جنيه خلال أسبوعين، وأكيد غيره كتير.. بس مش هيبقى فيه أكتر.. وهجاوبك، أنا كنت براقبك، وشوفتك لما خدك بالعربية المقطم و. ...، مش هقول بقى، أنتي عارفة كويس اللي حصل، وأخدتي الفلوس ونزلتي من عربيته.
قولت كلامي ولزقت بوقها بلزق قوي، سولوتيب، لأني حسيت إنها هتصرخ، ولما قفلت بؤقها، لقيتها بتصرخ صراخ مكتوم..لكن أنا كنت مركز على اللي لازم أعمله، ودماغي ماكنش فيها إلا هدف واحد بس، إني جيت هنا عشان أتخلص منها.
بصيت في عينيها بثبات، كنت مبسوط وأنا شايف الخوف والرعب اللي في نظراتها، ودموعها، ولسان حالها بيتوسل ليا اسيبها وأمشي.. بطلقة في دماغها نهيت كل حاجة، وقلبي ارتاح وحسيت بهدوء رهيب.. كاتم الصوت ده اختراع جميل.. أنا كنت مجهز كل حاجة، كيس كبير لفتها فيه، زي بتاع الإسعاف.. كل حاجة بتخلص بالفلوس، وتقدر تجيبها بسهولة.. وبعد ما خطيتها في الكيس عشان الدم، لفيتها في سجادة.. ونزلت حطيت في شنطة العربية، البنت كان حجمها صغير، ووزنها خفيف، والدنيا هدوء والوقت متأخر، كل ده ساعدني أنزل بسرعة من غير ما حد يشوفني، ولا يحس بيا، حطيتها في شنطة العربية.. ومشيت بكل هدوء، لمكان بعيد عن أي حد.. حتة أرض فاضية في مدينة من المدن الجديدة بره القاهرة، حفرت حفرة عميقة، ودفنتها هناك. لكن المرة دي، وأنا وأنا بدفنها، بصيت على وشها بصة أخيرة، وعنيها المبرقة بالخوف في لحظة موتها، ولاحظت حاجة صغيرة.. سلسلة فضة كانت لابساهها. 
أخدتها بسرعة وشدتها من رقبتها، وحطيتها في جيبي تذكار منها.. كنت شايف إن دي حاجة صغيرة ومش مهمة. ما كنتش أعرف هتبقى الكارثة اللي ورا كل حاجة.
بعد فترة الموضوع مان.. يجي سنة مثلاً.. لكنه رجع اتفتح تاني، اللي عرفته إن حتة الأرض دي ملك الحكومة، وبدأوا يحفروا عشان يبنوا عليها.. فطبعًا لقوا الجثة، والتحقيق اتفتح، مش بس في موضوع البنت دي، ده اتربط بيه الحكايتين اللي قبل كده..
الموضوع بدأ يبقى خطير. كنت بحاول أهرب، لكن كل مرة كنت أسيب دليل صغير، دليل بسيط، هو اللي كان بيربطني بكل حاجة. المرة الجاية.. مش هيكون فيه غلط.
لكن السؤال اللي كان بيطاردني: ليه ماكنتش قادر أوقف؟ ليه كنت حاسس إني لازم أكمل

الأيام اللي بعدها كنت حاسس إني محاصر.. السلسلة اللي معايا فضحتني.. لأن البنت طلع ليه أهل وأصحاب، وكانوا مبلغين باختفائها، وقالوا إنها كانت لابسة سلسلة فضة، واحدة صاحبتها كانت عملاهالها عمولة، ومفيش زيها، ولما الأخبار انتشرت، في حد قال إنه شاف واحد لابس نفس السلسلة دي في كافيه.. وطبعًا الشخص ده كان أنا.. للأسف عملت الحركة دي بغباء.. بس غروري في لحظة خلاني أفتح الكيس وآخد السلسلة وكمان ألبسها.. الموضوع.. بقى كابوس جوه عقلي، مش عارف إن كان اللي شافني ده قدر يشوفني بالكامل ولا لا، عارف ملامحي يعني ولا مجرد طشاش، وهل كاميرات المكان ممكن تبين السلسلة وإني لابسها ولا هتعدي، دماغي كانت هتنفجر من التفكير، كل ما أحاول أنسى الموضوع، أحس إني بفكر فيه أكتر، الموضوع بدأ يخرج عن السيطرة، مش بس جوايا، لكن كمان برة.
الشرطة كانت بتحقق، والناس في كل مكان بدأوا يتكلموا.  همسة هنا، نظرة هناك، بوست على الفيسبوك.. والأهم هو الصوت اللي جوايا، اللي بسمعه بيقول: " يا نادر أنت مش طبيعي." ما كنتش عارف إذا كان ده حقيقي ولا مجرد وهم جوا دماغي.
 
بدأت أجهز من جديد، بعدت عن نفسي وتفكيري كل حاجة، لازم أعمل حاجة جديدة تبعد عني الشبهات.. والمرة دي هتكون مثالية.. اختياري بقى أدق. كنت بتجنب أي حد ممكن يعرفني، أي حد ممكن يربط بيني وبين الجرايم اللي عملتها.. بدأت أراقب في مناطق بعيدة تمامًا عن دايرتي.. المرة دي كنت عايز أكون أكتر ذكاء.
ضحيتَي الجديدة كانت مختلفة. بنت ١٨ سنة أو في السن ده تقريبًا، بتشتغل في كشك صغير بيبيع كتب في الزمالك، عرفت إن اسمها نادية.. فضلت أسبوعين كاملين أراقبها. كنت متأكد إن مفيش أي حد من دايرتها ممكن يربطها بيا.. ما بتتكلمش مع الزباين كتير، مجرد كلمة واتنين وخلاص.. حياتها كانت بسيطة، لكن في نظري، كانت مناسبة.
قررت أتحرك في ليلة ساقعة والجو فيها تلج.. المطر كان بينزل، والشوارع فاضية تقريبًا. نادية كانت آخر حد بيقفل الكشك بعد ما تخلص شغلها. وقفت بعربيتي على ناصية الشارع، وأنا مستني اللحظة المناسبة.
لما قفلت الكشك واتحركت، مشيت وراها بخطوات هادية.. الطريق كان ضبمة، والشارع شبه مهجور. لما قربت منها، اتكلمت بهدوء:
ـ نادية، استني لحظة.
لفتت وبصت لي، ملامحها كانت متوترة.
ـ أنت مين، وعايز إيه؟
حاولت أتصرف بطريقة طبيعية: 
ـ ماتقلقيش، كنت عايز أستفسر منك عن حاجة بسيطة.
لكن قبل ما تقول أي حاجة، مسكت إيدها بقوة، وحطيت قطعة قماش مبلولة بمخدر على وشها. بعد ثواني، جسمها انهار في إيدي.
رجعت بيها بسرعة للعربية، اللي ماكنتش بعيد، وبدأت الخطة.. المرة دي ماكنتش عايز أرتكب أي غلطة. أخدت كل الاحتياطات، لبست جوانتي زيادة، غطيت كراسي العربية بالبلاستيك، واتأكدت إن مفيش أي حاجة ممكن تسيب أثر.. اتحركت بالعربية بعد ما حطيتها في الشنطة.. والنوم مفعولة ١٢ ساعة كاملة.
لكن في نص الطريق، حصلت حاجة ما كنتش حاسب حسابها.. شوفت أمين شرطة كان واقف في كمين.. وقفني وطلب يشوف رخصة القيادة.
قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة، بس حاولت أتمالك نفسي. اديته الرخصة وابتسمت،كان باصص جوه العربية وقال:
ـ مالك مستعجل كده؟ رايح فين؟
ـ راجع البيت. الجو مطر والدنيا ساقعة، وأنا عايز أوصل قبل ما المطر يبقى أجمد من كده.
 رجع لي الرخصة وقال: 
ـ ماشي، اتفضل وامشي على مهلك.
اتحركت بالعربية، وخدت نفسي بصعوبة، وأنا بقول جوايا أنه لو فتح شنطة العربية بس، أنا كنت روحت في ستين داهية.. أنقذتني  كدبة صغيرة؟  وفكرت إن حاجة واحدة صغيرة غلط مش معمول حسابها ممكن توديني للنهاية؟.. أكيد دي لازم تبقى آخر مرة..

بعد كام يوم لما دفنتها في مكان تاني في الصحرا.. 
الليل كان هادي، لكن جوايا عاصفة ماببتنهيش.. كنت قاعد لوحدي في شقتي، كل حاجة حواليا كانت مضلمة، إلا لمبة صغيرة جنب السرير. كنت بحس إن الضلمة دي أصدق حاجة عندي، لأنها شبه حياتي بالمللي.
مسكت كوباية القهوة وأنا إيدي بتترعش.. أنا مش شخص ضعيف، لكن الذكريات اللي بترجع فجأة بتكسرني. كل حاجة بدأت من زمان، قبل ما حياتي تتحول لكابوس مليان دم. لو كنت أقدر أرجع بالزمن، أرجع لطفولتي، يمكن كنت أغير حاجات كتير.
زمان، كنت طفل وحيد في بيت كبير، مليان أصوات بتزعق ومشاعر مش مفهومة.. أبويا كان راجل قاسي، ملامحه كلها غضب، وصوته كان دايمًا عالي. أمي.. أمي ما كنتش موجودة، لأنها قررت تسيبني وأنا صغير وتختفي. ما أعرفش كانت خايفة من أبويا ولا من حياتها، لكن اللي أكيد إنها سابتني لوحدي.
كبرت وأنا بشوف الدنيا من زاوية ضلمة. الحب؟ ماكنتش أعرف معناه. الثقة؟ دي كلمة كنت بشوفها في الأفلام بس. كل حاجة كنت بتعلمها كانت من اللي حواليا. ودول كانوا ناس زي أبويا.. كذابين، أنانيين، بيحبوا نفسهم أكتر من أي حاجة.
أول مرة حسيت إن جوايا حاجة مش طبيعية، كان يوم ما شوفت أبويا وهو بيضرب واحد شغال معاه. الراجل كان بيبكي وبيترجاه، لكن أبويا مارحمهوش. وقتها، كنت صغير، وما كنتش فاهم ليه المشهد ده أثر فيا. دلوقتي، عرفت إنه ساب علامة جوايا.. علامة خلّتني أشوف القسوة على إنها طريقة للحياة.
لما كبرت، الدنيا اديتني فلوس، لكن مااديتنيش راحة. كنت بشوف كل اللي حواليا بيحبوني علشان الحاجة الوحيدة اللي أملكها، الفلوس، . كنت بخرج معاهم، أصرف عليهم، وأضحك، لكن جوايا كنت فاضي. ولما لقيت أول شخص حسيت إنه ممكن يكون حقيقي.. أول حب.. اكتشفت إنها كانت بتستغلني زي الباقيين.
الخيانة اللي شوفتها بعيني في أوضة أبويا قتلت كل حاجة جوايا. مش بس الحب، لكن كمان الثقة في نفسي، في العالم، في أي حاجة حواليا. لما قتلتهم، ماكنتش بقتلهم هما بس، كنت بقتل الذكرى دي، اللحظة اللي خلتني أكره حياتي.

بعد الجريمة الأولى، ما كنتش ناوي أكمل. كنت فاكر إن ده كان انتقام وانتهى. لكن الحقيقة كانت أسوأ من كده. اللي عملته فتح جوايا باب، باب السواد المكبوت فيا وجوايا. كنت بقول لنفسي إنها مجرد غلطة، لكن الحقيقة إن الغلطة دي خلّتني أشوف إن الموت هو الحل لكل اللي مضايقني.
مش كل ضحية قتلتها كانت زي البنت الأولى. لكن كل واحدة منهم كانت بتمثل حاجة مش مفهومة بالنسبالي.. حاجة كنت عايز أمحيها. يمكن كانوا بيفكروني بنفسي، بنقط ضعفي، بالخيانة، بالألم.
الأسوأ من كل ده إن بعد كل مرة كنت بقتل، كنت بحس براحة لحظية. كأن الجريمة هي الطريقة الوحيدة اللي بتديني إحساس إني لسه عايش. كنت عارف إن اللي بعمله غلط، لكن كنت عاجز عن التوقف.
يمكن أنا ماكنتش بكره البنات اللي قتلتهم. يمكن كنت بكره نفسي أكتر.. مع الوقت، بدأت أحس إن النهاية قربت. كنت دايمًا بسيب ورايا دليل صغير. في البداية، كنت فاكر إن ده بسبب غلطة أو تسرّع. لكن الحقيقة.. كنت عارف إنني بسيب الأدلة دي عن قصد. كنت بحس إنني عايز حد يوقفني، حد يفهمني، حد يعرف إن اللي بعمله مش مجرد قتل، لكن رسالة، صرخة في وش الدنيا.
في الليالي الطويلة اللي ماكنتش بنام فيها، كنت بسمع أصوات الضحايا في دماغي. كنت بحاول أقاوم، لكن الصوت اللي جوايا كان عالي،  صوت نفسي أو شيطاني بيريحني وبيقول: نادر، هون على نقسك، حقك تنتقم.. ده حقك.
 لكن أنا فضلت مش  عارف، حقي على إيه.. ولا ليه.
كنت محتاج حد يسمعني، لكن ما كنتش بقدر أتكلم.
الليلة دي، وأنا قاعد لوحدي، عرفت إن النهاية بقت قريبة جدًا. عرفت إني ماشي في طريق ملهوش رجوع. السؤال الوحيد اللي كان جوايا هو: مين هيوقفني؟ وامتى؟

اتخنقت فنزلت اتمشى.. كنت ماشي في الشارع ضلمة ما أعرفش أنا فين ولا رجليا جابتني هنا إزاي، كنت بحاول أهرب، مش من حد، لكن من نفسي. خطواتي تقيلة، كأن الأرض بتسحبني لتحت، كأنها بتطالب بحقها في الدم اللي في رقبتي.
الليلة دي كانت مختلفة. كنت حاسس بحاجة غريبة، كأن في حاجة بتراقبني، بتتبع خطواتي. يمكن تكون ضميري، لو كان لسه موجود، أو يمكن حاجة أكبر، زي لعنة أو روح واحدة من اللي قتلتهم. لكن مش مهم، لأن اللحظة دي كنت عارف إنها مش مجرد ليلة زي باقي الليالي.
وصلت لمكان على النيل.. مافيش أصوات بشر، حاجة غير الصمت وصوت الماية.
بدأت أسترجع اللي فات. كل ضحية، كل وش من وشوشهم، كل صرخة.. واكتشفت إنهم ماماتوش. لكن الحقيقة إن كل واحدة فيهم كانت عايشة جوايا.
فجأة سمعت صوت تليفوني،. صوت رسالة، لما فتحتها لقيتها من رقم غريب.. والأغرب إنها رسالة نصية، مش فيس ولا واتس.. كانت عبارة عن جملة واحدة: 
"كل حاجة اتكشفت، الحق نفسك قبل ما يجيبوك." 
قلبي اتقبض. مين اللي بعت الرسالة؟ ومين اللي عرف؟

 

رجعت بسرعة على البيت، كنت لازم أفكر. قعدت على المكتب، حاطط إيدي على راسي، بفكر في اللي جاي. كنت عارف إن الوقت انتهى. اللعبة خلصت.
الرسالة التانية جت وأنا غرقان في أفكاري:
"مفيش وقت، هما جايين لك." كنت حاسس إني محاصر، لكن لأول مرة، مش حاسس بخوف. يمكن كنت متقبل النهاية، أو يمكن كنت عايزها تحصل.
سمعت صوت عربيات برة، إضاءة  عربيات الشرطة قطعت الضلمة اللي كنت غرقان فيها. قومت وقفت، وأنا حاسس إن رجليا مش شايلاني.. وسمعت أصوات عالية بره.. الباب كان بيتكسر، والصوت عمال بيعلى.
الباب اتفتح، وصوت شد أجزاء الأسلحة بيصرخ حواليا.. رفعت إيدي، وابتسمت ابتسامة صغيرة. كانت دي لحظة الحقيقة، لحظة النهاية اللي كمت عارف إنها جاية جاية.

بعد ما تم القبض عليا، لما ركبت في عربية الشرطة، وأنا قاعد ورا، بدأت أفكر. كل التفاصيل اللي كنت فاكرها بسيطة، طلعت دليل ضدي.. السلسلة، الرصاص اللي هو هو في كل أجسام الضحايا.. كل حاجة كنت فاكرها صغيرة، طلعت خيوط بتربطني بكل ضحية.  
لكن مش دي الكارثة. الكارثة إن الشخص اللي كان بيراقبني طول الفترة دي، الشخص اللي كان بيجمع الأدلة وبيبعتها للشرطة، طلع أقرب مما كنت أتخيل. كان واحد من اللي كنت فاكر إنهم صحابي. عمر، الشخص اللي عمري ما شكيت فيه.  
عمر كان زميل طفولة، كنا دايمًا مع بعض، لكن بعد ما أبويا مات والدنيا قلبت عليّ، بدأت أبعد عنه. هو حاول يساعدني، لكن أنا بعدت أكتر. ماكنتش عايز أي حد يشوفني ضعيف، وده كان غلطتي. عمر فضل يراقبني، وفي لحظة معينة، شك في تصرفاتي. بدأ يربط الأحداث، وقرر إنه يوصل للشرطة بدل ما يواجهني.. ويمكن الرسايل اللي بعتها، عشان يوريني إني مش ذكي، وإن هو كان أذكى مني، ولعب بيا زي ما أنا لعبت بالضحايا..
في قسم الشرطة، التحقيق بدأ فورًا.. كنت قاعد زي الصنم، ثابت، ساكت، متجمد.. بس مش ندمان، بس مش مبسوط في نفس الوقت.  

 

الظابط اللي كان بيحقق معايا، حط قدامي أدلة تخصني: شعرة مني كانت واقعة مع البنت اللي دفنتها في الأرض والشرطة لقيتها، والخاتم بتاعي في الحفرة في الفيلا، وحتة طين ناشفة كانت على الدواسة قدام باب شقتي وماخدتش بالي منها..
فضلت ساكت ومابردش، الضابط سألني:
ـ ليه عملت كده، كان إيه هدفك؟ 
ـ بسبب اللي أنا عيشته في حياتي.

ومن هنا بدأت أحكي لهم، مش عشان أبرر اللي عملته، لكن عشان كنت محتاج حد يسمعني. حكيت عن الخيانة، الغضب، والفراغ اللي جوايا. حكيت عن كل ضحية، عن كل ليلة كنت برجع فيها البيت وحاسس إني بفقد جزء من روحي أكتر. 

بعدها مرت الأيام وروحت المحكمة في النهاية. القاعة كانت مليانة ناس، الصحافة، وأهالي الضحايا.. وبعد وقت كمان فات من غير ما أحس، القاضي نطق بالحكم: "إعدام."  
الكلمة دي ما كانتش مفاجأة. كنت متوقعها. لما سمعتها حسيت براحة غريبة، كأن كل العذاب والسواد اللي جوايا انتهى أخيرًا.  

اتحولت لزنزانة عشان تنفيذ الحكم، وأنا ماقدمتش استئناف ولا حتى وكلت محامي، كنت مستني اللحظة اللي هواجه فيها النهاية، كنت بفكر. مش في اللي عملته، لكن في اللي كنت فاقده. الحب، الثقة، وحتى الأمل.
لما الوقت جه.. اللحظة الأخيرة كانت هادية. مفيش صراخ، ما فيش خوف. بس سلام غريب، كأنني أخيرًا، بعد كل السنين دي، قدرت أوصل للحقيقة. الحقيقة إن الوحش اللي كنت بحاول أهرب منه، كان أنا.  

****

بعد كل ده، بعد ما انتهت القصة، واللحظة دي بقت ذكرى بعيدة، كل شيء كان هادي. الهدوء اللي بعد العاصفة، وكأن الحياة نفسها كانت واقفة تتنفس قبل ما ترجع تدور مرة تانية.
في الزنزانة الصغيرة اللي كان بيقضي فيها أيامه الأخيرة، كان نادر قاعد على الأرض، ساند ضهره على الحيطة. مع كل نفس كان بيأخده، كان في حاجة غريبة بتحصل جوا روحه، مزيج من الندم، والراحة، والحزن.
 
أنا كظابط بحب أتكلم مع الشخصيات اللي زي نادر، أفهم دوافعه وسلوكه الشاذ، وأكتب عنه وعن حياته، وتفكيره المريض.. وده اللي نادر حكهولي خلال شهور انتظاره لتنفيذ حكم الإعدام.. وبعد تنفيذ الحكم.. أنا بحكيه عشان أعرض حالته الغريبة دي..

تمت..
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1