قصة يمنى الانصارى كاملة بقلم فهد حسن
انا عشت حكايات وقصص رعب كتير بعدد شعر راسي.
بس مفيش حكاية هزتني قد حكاية يُمنى الأنصارى.. حكاية مريبة تعبتني نفسيًا جدًا وأخدت مني وقت طويل عشان أقدر أعالجها.. ولحد النهارده لما بفتكرها جسمي بيقشعر وبخاف.
عيشت من عمرى ٣٠ سنة بفضل الله وبأمره أقدر أواجه أي شيء غير مرئي وأقدر انهي وجوده بالقرآن وأقضي عليه نهائي.. وفي يوم لقيت زميل ليا في الشغل بيقولي:
ـ يا شيخ طه.. في بنت واحد عزيز عليا حياتها اتشقلبت وعايشة في كابوس، فياريت لو تيجي معايا نعملهم زيارة، لأن والدها بيقولي إن الوضع صعب جداً جداً..
فقولتله:
ـ إن شاء الله كله بيتحل بأمر الله ومفيش حاجة صعبة نهائي.
وبلغته بميعاد فكلم صاحبه ورجع أكد عليا الميعاد وكان بعد ٣ أيام.. الميعاد كان يوم الخميس بعد صلاة العشا.
ليلة الخميس بليل كنت داخل أنام.. وبعد ما غمضت عينيا بدقيقة، لقيت باب أوضتي بيتفتح بعنف، اتخضيت وافتكرت إن حد من الأولاد حصله حاجة، ولما قومت لقيت شيء اسود طويل ضخم سادد الباب، وقالي بصوت قوي مليان تهديد:
- متروحش ليمنى أحسنلك.
وبعدها اختفى.. معرفش ليه وقتها حسيت بشوية خوف، مع إني ياما شوفت أهوال، لكن المرة دي في حاجة مش مظبوطة.
قومت اتوضيت تاني وصليت مع إني قبل ما أنام لازم اصلي، فكنت مصلي لكني صليت تاني، وفضلت أقرأ قرآن لحد ما نمت.
وتاني يوم صحيت الصبح لبست وروحت علي شغلي، ووقفت في إشارة روكسي، ولإنها بتطول فبطلت العربية وقعدت استغفر.. ساعتها لقيت حد بيخبط على إزاز العربية، ولما انتبهت لقيتها بنت حلوة جدًا وشيك، ففتحت الإزاز وسألتها عن سبب تخبيطها على الإزاز فقالت وهي بتلتف حواليها:
ـ يمنى بتقولك بلاش تيجي، لأنه هيأذيك.
وفجأة مشيت واختفت في وسط العربيات.
الإشارة فتحت، فاضطريت طبعًا اتحرك وأنا مستغرب.
لما وصلت الشغل وطول الطريق كنت بفكر في الموضوع بالكامل، وقابلت زميلي اللي أكد عليا الميعاد، وإنه هيقابلني في وسط البلد قبل العشا عشان نصلي هناك ونروح لبيت يمنى في السيدة زينب، فقولتله تمام على ميعادنا إن شاء الله.
خلصت شغل ونزلت عشان اركب العربية، فلقيت راجل كبير في السن، يجي عنده ٨٠ سنة وأكتر واقف ساند على العربية، ولما استأذنته عشان اتحرك قال:
ـ أنا كنت مستنيك يا طه.
وإداني سبحه وخاتم فضة عليه لفظ الجلاله وجلابية بيضاء وهو بيقول:
ـ دول مرسال من الأحباب، مساعدة منهم قدام اللي هتقابله عند يمنى.
قال كده وسابني ومشي.. كل اللي بيحصل غريب عليا أوي وأول مرة اتعرضله.. حاولت أتعايش مع الموقف ومشيت وأنا بفكر وبجمع كل الخيوط دي لأن واضح جداً إن فعلاً البنت بتتعذب وبيحصلها أمور فوق طاقة أي بشر.
في الميعاد قابلت زميلي في وسط البلد وروحنا لبيت يمنى.. وهناك فتحلنا راجل من سننا، تقريبًا ٥٠ سنة أو أكتر شوية.. رحب بينا وقال:
ـ أهلًا يا شيخ طه.. اتفضلوا.
سميت الله.. وأول ما رجلي لمست عتبة الباب حسيت إن الشقة من جوه كإن فيها مظاهرة.. حسيت بوجود ناس كتير جدًا، وحسيت إن الشقة بتتهز والعفش بيتكسر، وكإن اللي فيها معترضين على وجودي، مش شايف حاجة لكن الموضوع ليه بُعد تاني، كإنك في حلم وشايف ده لكن أنت صاحي وشايف الواقع الطبيعي وده كان أول مرة يحصللي وأعيشه.
دخلنا وبعد ما قدمولنا الشاي، والد يمنى نده عليها، فخرجت من أوضتها ولما شوفتها كانت مفاجأة بالنسبالي.. لأنها كانت هي هي نفس البنت اللي جتلي في الإشارة الصبح.. يمنى قربت مني بهدوء وسلمت عليا كإنها فعلاً عارفاني ومش أول مرة تشوفني.
محبتش استنى وخدني الحماس إني أعرف اللي وراها، فلمست راسها بإيدي وغمضت عيني وطلبت منها تغمض عينها..
يمنى في الوقت ده كان عندها ٢٥ سنة تقريباً.
فلما لمست راسها وغمضنا، شوفتها طفلة في نفس البيت، وكان الجو ليل، وهي خارجة من أوضتها رايحة الحمام، وفجأة سمعت حد بينادي عليها من شباك في الصالة، فهي خافت وجريت، إلا إنه رجع طمنها وقالها إحنا أصحاب وإنها ماتخفش منه.. فهي راحت لعنده وبدأوا يتكلموا من الشباك اللي بيطل على المنور وبعد شوية المشهد اختفى.
وظهر مشهد تاني وتالت ورابع متكرر.. هي بتكلمه من جوه الشقه وهو بيكلمها من المنور، وفي كل مرة المشهد كان بيختفي وبيظهر كان سن يمنى بيكبر شوية.. لحد ما كانت في سن العشرين تحديدًا، وده إحساس جالي فجأة إن المشهد ده حصل في اليوم اللي هي تمت فيه ٢٠ سنة.. وساعتها سمعته بيطلب منها الجواز فيمنى رفضت، فغضب منها غضب شديد جدًا وضربها قلم على وشها.. من قوته يمنى اتحدفت مترين لورا وراسها خبطت في الأرض وسال منها الدم.. وساعتها ظهر قدامي.
شيء لونه أسود بلون الفحم، ملوش أي ملامح وضخم، قرب منها وهي كانت فقدت الوعي تقريبًا ولمس دمها بايده ولحسه، وبعدها فضل يكتب حروف على الارض بدم يمنى وهو بيقول كلام غريب بصوت هز الحيطان لدرجة إن من قوة الصوت الحيطان كانت هتتخلع من مكانها:
ـ أنتي ملكي ومش هتعيشي حرة أبدًا ولا هتكوني لحد غيري.
في اللحظة اللي شوفت فيها المشهد ده، حسّيت بألم فظيع في راسي، وكأن حد بيدق مسامير في جمجمتي. فتحت عيني بسرعة، لقيت يمنى قدامي بملامح جامدة جدًا، نظراتها ميتة، وعينيها سودة تمامًا.. سودة كأنها أبواب مفتوحة على العدم.
والدها وزميلي قاعدين قدامي، بس واضح إنهم مش شايفين اللي أنا شايفه.. حاولت أتكلم لكن لساني تقل وكل ما أفتح بؤقي أحس كأن في حاجة بتخنقني من رقبتي.
يمنى فجأة ابتسمت ابتسامة مش بتاعتها.. ابتسامة مرعبة مخيفة، ابتسامة حد شاف نهايتي خلاص، وقالت بصوت مش صوتها:
ـ حذرتك بس أنت ماسمعتش.
بمجرد ما سمعت صوتها، حسّيت بإيد بتخترق صدري، باردة، قوية.. قلبي فضل يدق بجنون، الدنيا اسودّت قدامي للحظة، وبعدين لقيت نفسي واقف في مكان غريب.
الأرض كلها رملة سودة والسما مش موجودة، بس فيه ضباب أسود بيلف حواليا كأنني محبوس جوة حاجة. المكان كله صمت.. صمت مخيف كأنه مستحوذ على أفكاري وحاسس إن أنا مش لوحدي.
وقدامي ظهر.. الكيان الأسود اللي كان بيكلم يمنى من المنور. لكن هنا هو مش مجرد ظل! ده كيان ضخم، جسمه كأنه دخان أسود، وعينه حمراء زي ما تكون جمر متوهج.. وساعتها الكيان قال بصوت مليان غضب:
ـ بتدخل ليه فيما لا يعنيك؟ دي حقي، وأنا كنت صبور.
بصيتله وحاولت أتكلم أو اقرأ أي آية، لكن صوتي ماطلعش كأن المكان ده بيرفض القرآن، أو كأن الكيان ده عارف يتحكم فيا كويس.
وفجأة كل حاجة بدأت تتحرك بسرعة. الأرض تحتيا بدأت تتهز، والأصوات بقت أعلى كأنها عايزة تاكلني حي! كنت هفقد الأمل لولا إيدي جات على حاجة في جيبي.. السبحة والخاتم!
مجرد ما مسكتهم حسّيت بقوة غريبة بتجري في جسمي، زي طاقة نور وسط ضلمة قاتلة. قدرت أفتح بؤقي أخيرًا وصرخت بكل قوتي:
ـ اللهم إني أعوذ بك من شر هذا المكان ومن وما فيه.
في اللحظة دي الكيان صرخ صرخة رجّت المكان كله، وأنا حسّيت بجسمي بيترمي بعنف..
فتحت عيني فجأة، لقيت نفسي مرمي على الأرض في بيت يمنى وكلهم حواليا، ووالدها بيصرخ:
ـ فوق يا شيخ طه.. فوق.
لكن الأغرب إن يمنى كانت بتترعش، جسمها بيتنفض بعنف، وصوت غريب خارج منها بيقول:
ـ مش هسيبها.
عرفت إن الليلة دي مش هتعدي بسهولة، وإن اللي جوا يمنى مش مجرد تلبس عادي. ده كيان ليه قصة، وله سطوته، ومش هيسيبها إلا بحرب حقيقية.
ودي كانت مجرد البداية.
أنا كنت فاكر إني شوفت أهوال كتير في حياتي، لكن اللي حصل مع يمنى كان حاجة تانية.. كان كابوس حي، كأن الجحيم قرر يفتح بابه جوه أوضة صغيرة في السيدة زينب.
يمنى جسمها كان بيترعش، عينيها لسه سودة زي بير مالوش قرار، وصوتها طالع مش صوتها، كأنه عشرات الأصوات في نفس اللحظة.. مرة صوت طفل بيعيط، مرة صوت راجل غليظ، مرة صراخ ست، ووسط كل ده كان فيه همهمة مخيفة، كلمات مش مفهومة لكنها كانت بتدوّي في وداني وتخبط في جمجمتي.
والدها كان واقف جنبها مرعوب، عمال بيبصلي كأنه بيستنجد بيا، وأنا حسيت بضغطة رهيبة على رقبتي كأن في حد بيحاول يخنقني ويمنعني عن مساعدة يمنى بأي شكل وأي طريقة.. مسكت السبحة في إيدي بكل قوتي، وحسيت براحة غريب كأن حد بيديني طاقة وقوة.
بصّيت في عيون يمنى، وبدأت أقرأ بصوت عالي وبتركيز وبصوت كله يقين:
ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
مجرد ما بدأت أقرأ، جسم يمنى بدأ يتشنج أكتر، صوتها بقى صراخ حاد وعالي أووي أعلى من الطبيعي، كأنها بتتقطع من جوة وفجأة.. كل الأنوار في الشقة طفت.
الضلمة كانت تقبض القلب مش ضلمة عادية، دي ضلمة حسّيت بيها بتزحف على جسمي، بتحاول تدخل جوايا. صوت والد يمنى كان بيرتعش وهو بيقول:
ـ النور قطع ليه، هو ده وقته يعني؟.
لكن أنا كنت عارف، ده مش مجرد انقطاع كهربا، دي كانت خطوة من العدو اللي أنا مش شايفه، عايز يسيطر على الموقف بأي طريقة، عايز يحسسنا إننا ضعاف قصاده وإنه قادر يسطر علينا وعلى كل حاجة حوالينا.
أنا فضلت مكمل موقفتش.. فضلت أقرأ بكل قوتي، وصوتي بيعلى أكتر وأكتر، وأول ما وصلت لآية:
"وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ"
الدنيا انفجرت حرفيًا، صرخة مرعبة خرجت من يمنى هزّت الحيطان، حسّيت إن الأوضة كلها بتتهز، والإزاز اللي في الشقة كله اتكسر مرة واحدة. الشقة كلها بقت فوضى وصوت حاجات بتتكسر في كل مكان، والأخطر إني حسّيت بحركة حواليّا.
إحنا مش لوحدنا في الشقة دي.
كان فيه حاجة أو حاجات ماشية حوالينا، مش شايفهم آهلكن سامع خطاويهم على الأرض، حاسس بنفسهم، شامم ريحتهم العفنة مالية المكان، وأكتر حاجة مرعبة كانت الهمسات اللي سامعها.
كلمات مالهاش معنى لكن مخيفة، حسّيت إنها بتتقال عند ودني كأن حد بينفخ فيها نار، حسّيت بجلدي بيحترق ورجليا مش حاسس بيها.
لكن مش هخاف ومش هضعف:
ـ اللهم إني أسألك بعظمتك أن تخرج هذا الخبيث من جسد هذه الفتاة.
في اللحظة دي حسّيت بزلزال حقيقي، يمنى رفعت رأسها لفوق وجسمها كان بيتلوى بشكل غريب ومريب، وبدأت تتكلم بصوت مرعب:
ـ سجاح.. سجاح.. سجاح مش هيسيبها.
مين سجاح؟ استغربت.. الاسم ده جه زي الطلقة في وداني، عمري ما سمعته قبل كده لكن حسّيت إن له معنى خطير والمفتاح لحل اللغز.
وفجأة يمنى اتهدت، وقعت على الأرض مغمى عليها، الأنوار رجعت تاني لوحدها، لكن الأجواء فضلت متوترة، ولسه الحكاية ما انتهتش.
أنا عرفت إن الليلة دي مش مجرد ليلة رقية، دي حرب حقيقية مع كيان اسمه سجاح.. وأنا لازم أعرف مين هو وإيه حكايته قبل فوات الأوان.
يمنى كانت مرمية على الأرض جسمها ساكن لكن مكنتش حاسس بالراحة.. كان في ريحة في الشقة نتنة جدًا.. وحسيت إن في طعم في لساني وحلقي.. طعم معدن مصدي أو طعم رماد محروق.. زميلي كان ماسك فيا وعينيه مرعوبة، ووالد يمنى كان بيحاول يهزّها لكن هي مكنتش بتتحرك.
أنا كنت متأكد إن ده هدوء ما قبل العاصفة.
حاولت أفكر بسرعة، الاسم اللي خرج من بؤق يمنى كان واضح جدًا.. سجاح. مين ده؟ ده اسم بني آدم؟ ولا كيان؟ ولما نطقته حسيت إن المكان كله اتجمد لحظة زي ما يكون اسم ملك أو سلطان.
قربت من يمنى ولمست جبينها.. كانت باردة بشكل مرعب، جلدها شبه حجر التلج لكنها كانت بتتنفس ببطء، كأنها مش هنا معانا، كأن روحها مش في المكان ده.. والدها قرب مني وقالي بصوت متوسل:
ـ هي بنتي كويسة، صح؟ قولي إنها كويسة، أرجوك طمني عليها وساعدها.
بصيتله وأنا مش عارف أجاوبه.. وجوايا بقول لنفسي إن الحقيقة يمنى مش كويسة.. دي في خطر أكبر من اللي هو متخيله.. سكت ومقدرتش أقول كده.
نظرتي راحت ناحية زاوية الأوضة اللي بابها كان مفتوح وقادر أشوفها كويس.. لأني حسيت بحركة هناك كأن فيه حد بيبص علينا، بس أول ما بصيت على زاوية الأوضة مالقيتش حد..لكن أنا متأكد إن فيه حاجة في الشقة غيرنا.
كنت لسه بفكر أتصرف إزاي، وفجأة يمنى شهقت بقوة.
الشهقة دي كانت كأنها بتاخد أول نفس ليها بعد غرق طويل، عينيها فتحت ورجعت للونها الطبيعي، لكن نظراتها كانت فاضية كأنها مش مدركة اللي بيحصل.
حاولت تحرك إيديها على رقبتها، كأنها بتحاول تخلّص نفسها من حاجة ووشها كان متوتر وأصفر.
قربت منها وقولت بهدوء:
ـ يمنى، إنتي سامعاني؟
يمنى بصتلي لكن في اللحظة دي حصلت حاجة غريبة جدًا.. وشها اتجمد وبقى خالي من أي تعبير.. وابتسمت ابتسامة غريبة مرعبة مخيفة مش شبه ابتسامتنا كبشر.
وبصوت هادي لكن مرعب قالت:
ـ ليه مهتم بيّا كده يا شيخ طه؟
اتسمرت مكاني.. الصوت ده مش صوتها.. كان صوت واحدة تانيةفيه نغمة خبيثة، كأن حد بيتحايل عليك بطريقة غير مباشرة، وكأنها بتلعب معايا لعبة.
زميلي حس بالخوف وقرب مني وهمس:
ـ يا طه ده مش صوتها، دي مش هي.
أنا حسيت كده برضهلكن كان لازم أكون ثابت وماأظهرش خوفي، لإن لو اللي بيتكلم ده سجاح، يبقى هو بيحاول يختبرني ويقلد صوت يشتتني.. أو يمكن سجاح دي أصلًا واحدة.
قربت منها أكتر وقولت بحزم:
ـ مين اللي بيتكلم؟ يمنى ولا حد تاني؟
ابتسامتها فضلت زي ما هي ومردتش.. بس أنا كنت شايف إن إيدها بتتحرك ببطء ناحية الأرض، صوابعها كانت بترسم حاجة.. دواير متداخلة وحروف غريبة.
حسّيت بجسمي بينمل، الجو حواليا بدأ بيتغير ويبقى مكتوم.. فجأة يمنى ضحكت ضحكة باردة جدًا، وبعدها قالت بهمس:
ـ هتعرف قريب.. هتعرف كل حاجة في وقتها.. بس السؤال هو.. هتلحق تعرف؟
وفجأة النور طفى تاني.
الضلمة كانت مخيفة والدنيا بردت مرة واحدة وبدأت أسمع حاجة مرعبة.. صوت همسات حوالينا جاي من كل اتجاه.. أصوات كتير، أصوات أطفال وستات ورجالة كلمات متداخلة كأنهم بيحكوا أسرار ممنوع تتقال.
زميلي مسك دراعي بشدة، وأنا حاولت ماأفقدش تركيزي.
مسكت السبحة والخاتم الفضة وعرفت إن لازم أبدأ أتحرك بسرعة قبل ما اللي بيحصل ده يخرج عن السيطرة.
بدأت أقرأ المعوذتين بصوت واضح، وده كان كفاية عشان الهمسات تعلى كأنهم مش مستحملين.
لكن اللي حصل بعد كده كان مرعب أكتر.. وفي حاجة زقتني بعنف..حسّيت بجسمي بيتدفع لورا كأن حد غير مرئي ضربني في صدري، اتكعبلت ووقعت على الأرض وزميلي كان بيحاول يمسكني.
ووسط الفوضى دي سمعت صوت خطوات حد بيتحرك في الشقة.. مش يمنى ومش والدها، ده حد تاني خطواته بطيئة وتقلية.
شغلت كشاف تليفوني وقومت جريت بسرعة ناحية مصدر الصوت.. بس برضو مالقيتش حاجة ومفيش حد.
بس أنا كنت متأكد إني مش بتوهم.
وفجأة صوت يمنى بقى أعلى كأنها بتغني.
استغربت ورجعتلهم تاني.. صوتها كان غريب جدًا، كانت بتردد نغمة قديمة مليانة حزن، كأنها أنشودة مفقودة من قرون.. حاجة مرعبة مفيهاش روح.
لكن فجأة وسط الغنا، قالت جملة واحدة بصوت واضح تمامًا:
ـ سجاح لا ترحل.
وهنا عرفت إن كل حاجة لسه هتبدأ.
الليلة دي مكنتش زي أي ليلة، الليلة دي كانت بوابة، بوابة لسر عمره سنين، سر كان مستخبي في ضباب الماضي، وسط حكايات اتنسجت جوه جدران البيت ده، حكايات محدش فكر يسمعها، أو يمكن محدش حب يعترف إنها كانت حقيقية.
يمنى كانت قاعدة على الأرض عينيها غايبة عن الواقع، شفايفها بتتمتم بكلمات ملهاش معنى، أو يمكن ملهاش معنى بالنسبة لينا، لكن ليها معنى في مكان تاني وزمان تاني مع ناس تانيين.
أنا كنت عارف إن اللي حاصل ده مش مجرد مس شيطاني، مش بس كيان تلبسها وخلاص، لا الموضوع أعمق وأخطر وأقدم من كده بكتير.. في حاجة ليها جذور قديمة بس أنا مش فاهمها. وعلشان أفهم لازم أرجع لأول خيط في القصة.
قربت من والد يمنى اللي كان قاعد جمبها على الأرض وعينيه مليانة خوف ووجع على بنته.. النور رجع في الوقت ده.. ولاحظت إن عينيه مليانة بالدموع.. زي ما تكون دموع أقرب للندم وحزن متخزن جواه من سنين، كأنه مستني اللحظة اللي حد يسأله فيها السؤال اللي عمره ما جهز نفسه يجاوب عليه.
بهدوء وبدون ما أبصل سألته:
ـ حكيلي ومتخابيش.. احكيلي عن سجاح.
الدنيا سكتت حتى يمنى اللي كانت بتهذي سكتت.
كأن الاسم ده ليه قوة غريبة، كأنه مفتاح الصندوق الأسود اللي محدش قرب منه من زمان.
والد يمنى بلع ريقه بصعوبة وخد نفس عميق وبدأ يتكلم بصوت متكسر، صوت راجل شايل ذنب قطم ضهره:
- زمان.. قبل ما يمنى تتولد، كان عندي أخت اسمها سجاح.. كانت أصغر مني بسنتين، وكانت أجمل حاجة في الدنيا، بعيون واسعة وسودا، وابتسامة تنور الضلمة. كانت بتحب الحياة، بتحب الغنا، بتحب تحلم.. بس للأسف كان فيه حد تاني بيحبها أكتر من اللازم.
إحنا كنا ساكنين في نفس البيت ده، نفس الشقة، وكان عندنا منور صغير ضيق، لكن بالنسبة لسجاح، كان هو العالم كله.. كل ليلة كانت تقعد عند الشباك تغني بصوت واطي، كأنها بتحكي أسرارها للكون. كنت أضحك عليها وأقولها: هو أنتي مستنية الأمير ييجي لك من المنور؟ كانت تضحك وترد عليا وتقول: يمكن.
بس اللي محصلش في أي حكاية هو إن الأمير طلع حاجة تانية خالص.. محدش عارف إمتى وإزاي الموضوع بدأ.. بس سجاح بقت بتتكلم مع حد من المنور.. حد محدش فينا شايفه، حد كان صوته واصل بس ليها.. في الأول افتكرناها مجرد تهيؤات، مجرد أحلام بنت صغيرة بتحاول تهرب من ملل الحياة، بس في ليلة معينة كل حاجة اتغيرت.. ليلة عيد ميلادها العشرين.
قلبي دق بعنف.. ده نفس اللي حصل ليمنى.. نفس اليوم ونفس السن.. والد يمنى كمل كلامه وقال:
ـ في الليلة دي سجاح خرجت الشباك كالعادة، بس اللي اتغير المرة دي إنها وقفت على حافته، كانت بتضحك وبتهمس كأنها بتتكلم مع حد، ومرة واحدة سابت نفسها ووقعت في المنور.
مرة واحدة والد يمنى سكت.. وأنا حسّيت برجفة بتجري في عروقي.. ضغط عليه يكمل فقال:
ـ وقعت في قلب المنور، بس لا صرخت ولا اتوجعت من الواقعة ولا أي حاجة.. ولما نزلنا شوفناها بعد ما جسمها اتهبد على الأرض.. كان فيه ابتسامة مرسومة على وشها مريبة كأنها كانت مستنية اللحظة دي.. بعدها الحياة مابقتش زي الأول، البيت بقى كئيب، كأن الضلمة بتملى كل ركن فيه، وكل ليلة كنت بسمع صوت غناها جاي من المنور.. مع الوقت مبقيتش قادر أتحمل.. مشيت وسيبت البيت، كنت فاكر إني لما هبعد كل حاجة هتنتهي، ولما اتجوزت وخلفت يمنى حصلي ظروف ما فرجعت عيشت هنا من تاني.. لكن لما يمنى كبرت وبدأت توقف في نفس المكان اللي كانت واقفة فيه أختي، عرفت إن الحاجة اللي أخدت سجاح لسه هنا، ولسه مستنية تاخد حد جديد.. عايز أقولك يا شيخ طه إن أختي اسمها الحقيقي يمنى.. وأنا سميت بنتي يمنى على اسمها.. وسجاح ده اسم هي سميته لنفسها كدلع.. في الأول استغربته بس بعد كده اتعودت عليه.. بس دلوقتي فهمت إنه لعنة.. لعنة قتلت أختي وحبست وسيطرت على بنتي.
الحقيقة نزلت عليا زي شومة فوق راسي.. خليني أقول على عمة يمنى اسم سجاح.. سجاح ماتت واللي موتها لسه ساكن في المكان.. وعشان كده رجع من جديد وعينه على يمنى، كأنه عايز حبيبة جديدة ليها علاقة دم بحبيبة قديمة.
بصيت ليمنى.. لقيتها قاعدة بصمت بتبص في الفراغ، لكن كان فيه دمعة نازلة على خدها.. كأنها سمعت كل كلمة، كأن روحها شاهدة على كل حاجة اتقالت وشافتها وعاشتها.. وساعتها أنا بقيت عارف كل حاجة أو على الأقل كنت عارف بداية الحل.
لكن السؤال الحقيقي: هل لسه فيه فرصة لإنقاذ يمنى؟ ولا خلاص بقت ملك لسجاح؟
البيت كان ساكت، لكن السكوت فيه مكنش راحة، كان حاجة بتخنق وبتضغط على الصدر كأن الهواء نفسه بقى تقيل.. كنت حاسس إن الليلة دي هتكون نقطة فاصلة، إما إنقاذ يمنى أو ضياعها للأبد، لكن اللي أنا متأكد منه إن مفيش رجوع.
يمنى كانت قاعدة قدامي عيونها متعلقة بالسقف كأنها شايفة حاجة إحنا مش شايفينها، أو يمكن سامعة صوت، صوت مألوف، صوت بينادي عليها من بعيد من ورا الحياة نفسها.
أنا عارف النوع ده من الجذب الروحي، شوفت قبل كده ناس بيقعوا ضحايا ليه، ناس بينجرّوا وبيتسحبوا للحتة اللي مفيش منها رجوع، الحتة اللي بيكون فيها الموت مش نهاية وبوابة لمكان أفظع بكتير.
والد يمنى كان قاعد جنبها إيده بتترعش وهو ماسك كفها، كأن مجرد لمسته ممكن ترجّعها للواقع، لكن الحقيقة كانت واضحة.. يمنى بعيدة وأقرب للناحية التانية منها لينا.
بهدوء وبصوت فيه يقين قولت:
ـ لازم نرجعها.
والدها رفع عينه وبصلي وكانت مليانة يأس كأنه بيقول من غير كلام: إزاي؟
أنا نفسي مكنتش عارف إزاي، لكن كان عندي إحساس إن الحل مش في طرد الكيان اللي متعلق بيها لكن في مواجهته:
ـ يمنى أنتي سمعاني؟
ناديت عليها بصوت واضح وواثق لكنه مفيش رد.
رفعت إيدي ولمست جبينها، كانت باردة.. باردة بطريقة غريبة برودة بتحمل وراها آلاف الأرواح الضايعة.
في اللحظة دي حسيت بيه.. مش مجرد وجود، لا،
دي كانت عاصفة، عاصفة من الكيان اللي متشبث بيها، كيان كان واقف في الضلمة متربص ومستني ومتأكد إن اللحظة قربت، اللحظة اللي يمنى فيها هتكون ملكه بالكامل.
وأول ما لمست جبينها الدنيا كلها اسودّت.
لقيت نفسي واقف في مكان غير المكان، نفس البيت لكن في زمن تاني، أو يمكن في بُعد تاني.. الجدران كان عليها شروخ والأرض متربة، والمكان كله ضباب كأن الضباب نفسه ليه وجود مادي، كأنه بيحاول يلمس جلدي ويلف حوالين روحي.
وفي وسط الضباب شفتها.. أكيد دي سجاح عمة يمنى.. مش عارف إن كانت دي عمة يمنى فعلاً ولا واحدة تانية ولا واحد بيعرف يتخفى في هيئات مختلفة.
كانت واقفة عند الشباك اللي بيطل على المنور، نفس المكان اللي كانت يمنى بتوقف فيه، نفس الملامح، نفس العيون السودا العميقة، لكن ابتسامتها كانت مختلفة. ابتسامة حد بيملك الزمن، بيملك اللحظة، حد عارف إنه كسب وإن النهاية خلاص قريبة.
لكن فجأة شوفت يمنى هناك برضه، واقفة جنبها وعيونها مغربة، جسمها ساكن كأنها بقت مجرد انعكاس، صورة باهتة في مراية مليانة غبار.
مشيت ناحيتهم وأنا حاسس بكل خطوة كأنها بتاخد مني جزء من روحي، كأن الضباب بيحاول يوقفني ويمنعني، لكن أنا مكمل لأني عارف إن لو وقفت كل حاجة هتضيع:
ـ سيبها وابعد عنها وكفاية اللي خدته.
قولت بصوت واضح، صدى كلماتي لف في المكان لكن سجاح ضحكت ضحكة هادية، هادية بشكل مريب وقالت بصوت ناعم لكنه مليان بشيء أقدم من الزمن نفسه:
ـ ليه؟ هي بتاعتي دلوقتي، واخدة مكاني، واخدة حياتي، دي الحاجة الوحيدة اللي ليا، وأنت عايز تاخدها مني؟
ـ مش بتاعتك.
رديت بسرعة بصوت أقوى:
ـ إنتي مُتي من زمان، روحك لازم تسيبها وسيب المكان ده، خلاص مفيش حاجة ليكي هنا.
ـ هو أنا اللي اخترت أموت؟ هو أنا اللي اخترت أضيع؟ أنا كنت مستنيا، مستنيا حد يفهمني، حد يسمعني، حد يساعدني، لكن مفيش حد جه، مفيش حد حاول، وأنا فضلت هنا بين الحياة والموت لحد ما جه هو وخدني. وكان لازم أردله الجميل.. ولما جت يمنى جيت عشان آخدها ليه وعشان تعيش معايا هناك.
ـ يمنى نهايتها مش هتكون زي نهايتك.
قولتها بسرعة وأنا ببص ليمنى اللي كانت واقفة كأنها مابتسمعش، كأنها مجرد شبح وسط الأشباح.
سجاح بقت تهز راسها ببطء وعنيها بتلمع، والضباب بدأ يتحرك بسرعة كأن المكان بينهار، أو يمكن كأنه بيحاول يخفي الحقيقة، الحقيقة اللي كانت بتتعرى قدامي.
ورجعت سألت بصوت مرتجف لأول مرة، الخوف ظهر في صوتها وفي عيونها:
ـ لو مجتش معايا أنا هضيع.. سجاح هيموتني.
قربت منها رغم كل الرعب اللي حسّيته:
ـ إنتي ميتة.. روحي ارتاحي.. مكانك مش هنا.
عينيها برقت كأنها أول مرة تسمع الجملة دي، أول مرة حد يديها إذن بالرحيل أو يقولها الحقيقة.
الضباب بدأ يتلاشى، الجدران بدأت ترجع لطبيعتها، وإيدها ببطء لمست إيدي، للحظة حسيت بيها، حسيت بكل الألم اللي عاشت فيه، بكل الوِحدة البرد اللي غلفت روحها طول السنين..وبعدها اختفت.
رجعت للواقع وأنا باخد نفس عميق، كأنني كنت غرقان وطلعت للسطح بعد سنين تحت المية.
يمنى كانت قدامي عيونها بترمش ببطء، كأنها هي كمان كانت بتستوعب اللي حصل، لكن كان فيه حاجة مختلفة.. روحها رجعت ومبقيتش مجرد انعكاس باهت في مراية الزمن القديمة.
والدها انهار في العياط وهو ماسك إيدها بإحكام، وملامحه ما بين الصدمة والفرحة، لكنه كان عارف إن المعجزة حصلت.
أما أنا فكنت عارف إن كل حاجة خلصت.. أو على الأقل كنت فاكر كده.
لكن الحقيقة إن النهاية لسه ما جتش.
الدنيا كانت ساكتة سكوت غريب، مش الهدوء اللي يطمن، لكن الهدوء اللي يخوف.. كأن كل حاجة حوالينا كانت مستنية اللي جاي، اللحظة الأخيرة اللي هتحدد مصير يمنى ومصير الليلة كلها.
يمنى كانت بتبصلي عيونها مليانة حيرة، مش فاكرة اللي حصل أو يمكن مش عايزة تفتكره.. والدها كان ماسك إيدها ودموعه نازلة على خده وبينادي عليها، وهي بترد عليه بصوت ضعيف كأنها خارجة من حلم طويل أو كابوس.
أنا كنت واقف جسمي في رعشة ولسه حاسس بحاجة غلط.. كل اللي حصل كان منطقي وكان المفروض يكون خلاص لكن في حاجة جوه قلبي بتقولي إن القصة لسه ما انتهتش:
ـ يمنى انتي كويسة؟
سألتها بصوت هادي لكن جوايا كنت عمال أحلل كل تفصيلة، كل نفس بتاخده وكل حركة في ملامحها.
ردّت بصوت مبحوح:,
ـ أنا.. أنا تعبانة.. بس حاسة إني هنا.
الكلمات طمنتني، بس لسه في حاجة غلط، حاجة ماخلصتش.
وفجأة حسيت بهواء بارد لف في الشقة، مش البرد الطبيعي، كان برد غريب، كأن الباب اللي بين العالمين لسه مفتوح، كأن اللي خرج لسه واقف مترصد.
بصيت بسرعة ناحية الشباك اللي كانن يمنى بتوقف عنده وكان مفتوح.. رغم إننا مافتحناهوش.
قربت وبصيت منه.. والضلمة اللي كانت في المنور مش مجرد ضلمة، كأن السواد نفسه ليه كيان كأنه مش مجرد غياب للنور لكن حضور لشيء آخر:
ـ سجاح؟
همست وأنا مش متأكد إذا كنت بسأل أو بنده.
وفجأة حسيت بزلزال هز المكان.. والأضواء بدأت تومض وترعش تتحول لنور أحمر خافت بلون الدم.
يمنى شهقت وإيديها شدت على إيد والدها وهي بتصرخ فجأة كأنها حست بحاجة إحنا مش شايفينها:
ـ سجاح هنا.. لسه هنا.
والكلام ده كان آخر حاجة كنت أحب أسمعها.
لكن قبل ما أقدر أتحرك، قبل ما أقدر أقول أي كلمة، الشباك اتفتح أكتر والضلمة اللي كانت بره دخلت.. مش دخان ومش هوا ولا ضباب.. لكن ضلمة بتتمدد وبتتحرك على الحيطان وفي الأرض وحوالينا في كل مكان.
ولقيت نفسي مش قادر أتحرك كأن رجلي تجمدت، كأن في حاجة كلبشتني وكتفتني وأنا شايف يمنى بتترفع من الأرض وجسمها بيتشنج، وصوتها بيطلع منها لكنه مش صوتها.
ـ أنا لم أرحل.
كان صوتها وصوته، صوتين متداخلين، صوت أنثوي حزين وصوت راجل غضبان ممتزجين بطريقة خلت شعري يوقف.. وخرجت ضحكة من يمنى خلت قلبي يتقبض:
ـ أنا سجاح الحقيقي.. مش الشبيه اللي تقمص عمة يمنى.
في اللحظة دي كل الأمور بقت واضحة وفهمت.
اللي كان متعلق بيمنى مش مجرد روح عمتها.. سجاح شيء أكبر وأخطر كان بيستخدمها زي ما استخدم عمتها قبلها.
كل حاجة كانت مجرد لعبة، مجرد تمهيد لحاجة أكبر، وإن الليلة دي مش هتنتهي بالسهولة اللي كنت فاكرها.
شديت السبحة اللي إداهالي الراجل العجوز حطيتها في إيدي وبدأت أقرأ، صوتي كان ضعيف في الأول لكن زاد قوة مع كل كلمة كنت بنطقها، وكل ما صوتي كان بيعلى كل ما كان الصراخ اللي في الشقة بيعلى أكتر، يمنى كانت بتتلوى ووالدها كان بيبكي وهو مش عارف يعمل إيه.. قولت:
ـ الله أكبر، الله أعظم، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء.
الظلام بدأ يتراجع لكنه كان بيقاوم كأنه متعلق بالواقع، متعلق بيمنى زمتعلق بالشقة دي وبالمنور وكل حاجة هنا
وفجأة الشباك اتقفل لوحده، ويمنى وقعت على الأرض جسمها بيرتعش لكن عيونها بقت عادية لأول مرة من سنين.. السكوت رجع والمكان كله بقى هادي، لكن المرة دي كان هدوء حقيقي.
والد يمنى انحنى فوقها وهزّها بلطف، وهي فتحت عنيها وبصتلي وقالت بصوت متعب لكن حقيقي:
ـ سجاح سابني أخيرًا.
أنا أخدت نفس عميق وبصيت حواليا وماحسيتش بأي وجود غريب.. كان كل شيء طبيعي.. لكن أنا مكنتش متأكد إذا كنت دي الحقيقة ولا أنا بأحاول أقنع نفسي وخلاص.. في حاجة جوايا كانت بتقول إن القصص دي عمرها ما بتنتهي تمامًا.
بعد أسبوع نقلوا يمنى من البيت..الشقة فضيت والهدوء خيّم عليها.
بعدها بمدة سألت صاحبي عليهم، فقال إنه مايعرفش حاجة عنهم من بعد ما عزلوا.. فقررت أروح أنا وأسأل هناك عنهم.. وقابلت واحد من الجيران وسألته عن الشقة دي إن كانت للإيجار.. فقالي وفضل يحلف إنها مسكونة.. وإن في جار تاني ساكن في العمارة كان بيصلح سلك الدش من المنور.. وحلف إنه شاف انعكاس حد واقف فوق.. وسمع صوت حد بينادي وبيقول سجاح.
شكرته ومشيت.. وأنا مش عارف إذا كان ده مجرد وهم.. ولا لسه في حد هناك مستني روح جديدة يستحوذ عليها؟
تمت..
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم