رواية هجوم عاطفي ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم هاجر عبد الحليم

رواية هجوم عاطفي الفصل الاول بقلم هاجر عبد الحليم


صحيت رودينا من النوم وهي تشعر بالضيق، لا تطيق نفسها ولا ترغب في سماع أي صوت حولها. وبينما كانت تحاول استجماع أنفاسها، جاءها صوت طرقات خفيفة على الباب، تلاه صوت الدادة نصيرة بنبرة قلقة:
نصيرة: "رودينا... يا بنتي، كل دا؟ اتأخرتِ جدًا، وسيادة اللواء على آخره مني!"
رودينا (متعبة): "معلش، يادادة..."
نصيرة (متنهّدة): "حقك عليا، يا بنتي. عقبال ما أكلت جدتك وادّيتها دواها، فضلت تصرخ وتقول عليا حرامية، لحد ما أخيرًا افتكرت إني شغالة هنا وهديت! تعرفي؟ رغم إن دا مش أول مرة يحصل، بس قلبي كل مرة بيقع في رجليا."
رودينا (بابتسامة خفيفة): "معلش، يادادة... إنتِ أكتر حد بيعرف يتعامل معاها وبيتحمل طباعها."
نصيرة (بحنان): "على قلبي زي العسل، يا بنتي. ولا عمري اشتكيت للغريب، دي عشرة عمر! اللي عملته معايا في عزّها يخليني أشيلها اللي باقي من عمري كله."
رودينا: "والله، يادادة، إنتِ عمود البيت ده، الكل مسنود عليكِ بحبك وصبرك. إنتِ مش مجرد شغالة، إنتِ صاحبة مكان وبيت، ودا مش مجرد كلام!"
نصيرة (متأثرة): "طول عمرك لسانك حلو، وقلبك بلسم... أمك الله يرحمها، لما ماتت، كنتِ لسه حتة لحمة حمرا، وستك ما كانتش عارفة تتعامل معاكي إزاي. لما قالت لي أجي، اعتبرتك بنتي، مش مجرد حد بربيه. عمري ما ندمت إني ما اتجوزتش، لأن ستك كانت نعم الأخت، استحملت وصبرت عليا، واحتوتني وقت ما كان ماليش حد... وشقايا فيكي مش رايح هدر، كل ما أشوف حنيّتك عليّا، بحس إن تعبي مجاش على الفاضي."
رودينا (بابتسامة ماكرة): "الكلام الحلو دا هيخليني أضعف وأدمع وأحضنك، ونقعد نبكي على حالنا، وأنا ورايا مأمورية مستعجلة وعايزلها قلب ميت!"
نصيرة (بقلق): "يا بنتي، ليه ما تغيّري الشغلانة دي؟"
رودينا (بحزم): "كله إلا كده! دا حبيبي وروحي... أقولك إيه، أنا اتجوزت الشغل دا، يرضيكي أطلق منه؟ دا خراب بيوت وظلم كبير، وميُرضيش ربنا!"
نصيرة (متنهّدة): "أهو كل مرة نتكلم، تفتحي فيا الفتحة دي!"
رودينا (تقبّل رأسها بحب): "مقدّرة خوفك عليّا، بس أنا قدّ المكان اللي أنا فيه، وإلا مكنتش دخلته! أنا هروح، وممكن أتأخر، فإنتِ كُلي ونامي، اتفقنا؟ يلّا، باي يا حبيبتي."
مشيت رودينا وتركت نصيرة تضع يدها على قلبها، تهمس بدعواتها أن تعود سالمة...
....
دخلت رودينا القسم بخطوات مهيبة، تتقدم بثبات رغم تسارع دقات قلبها. كانت نظرات الجميع تتابعها باحترام، وكل من مرّت بهم ألقوا عليها التحية، فردّت عليهم بتركيز شديد، لكن عينيها كانت موجهة مباشرة إلى مكتب اللواء.
في مكتب اللواء...
اللواء (بجدية): "جاهزة؟"
رودينا، رغم قبضة القلق التي شعرت بها في قلبها، ردّت بثقة ثابتة: "أيوة، يا فندم."
اللواء (بحزم): "على بركة الله."
.....
داخل إحدى المستشفيات، وقف مالك غاضبًا، ملامحه متشنجة وصوته يحمل تهديدًا واضحًا.
مالك (بعصبية): "يعني إيه الكلام دا؟! أنا وربنا منا ساكت... وهطربقها عليهم!"
يحيى (محاولًا تهدئته): "بطل عصبية، يا مالك، واعقل."
مالك (بانفعال): "إنت بتقولي كارثة حقيقية، وهيتهد على دماغنا كل حاجة في لحظة واحدة!"
يحيى (بتروٍ): "يا ابني، إحنا مالنا! مش بتاعتنا، مش هيتحقق معانا، فيه جهات مسؤولة، وإحنا مجرد نفذنا أوامرهم."
مالك (ساخرًا ومندفعًا): "يا سلام! وإحنا بقى معندناش دماغ نفكر بيها؟ مش بنوزن الأمور ونشوف تبعيات أي قرار؟ إحنا غنم وبنمشي ورا صاحبنا؟!"
يحيى (بقلق): "إحنا شاكين، آه، بس لسة مفيش أي دليل. أي رد فعل منك لو عرفوا بيه... إنت كده في عداد الأموات! وإنت ليك أهل، خاف عليهم."
مالك (بإصرار وغضب): "أنا مش بتهدد، ولا بهاب من مخلوق! عمري ما تعودت أشوف الغلط وأسكت عنه، حتى لو فيها موتي، يا يحيى! ولو الموضوع يخص الواد اللي خرج ومحدش عارف عنه حاجة، وأهله بيموتوا عليه... لو عرفت إن الإدارة ليها يد في اللي حصل، يبقى يتحملوا اللي هيشوفوه مني!"
يحيى (بتنهيدة ثقيلة وهو ينظر إلى صديقه بقلق): "ربنا يستر، يا صاحبي..."
....
في حي شعبي...
(سليمة تهرول نحو أمين، عيناها محمرة من كثرة البكاء، وصوتها يختنق بمرارة الألم.)
سليمة (بانفعال وانكسار): "ابني يا أمين! عايزة ابني، الله يخليك... الواد راح فين؟! منهم لله اللي كانوا السبب! اللي شاوره عليا أدخله المستشفى دي، واهو دخل ومطلعش منها!"
أمين (بهدوء مشوب بالحزن): "وإحنا كنا نعرف إيه اللي هيحصل، يا سليمة؟ دا قدر، ولما بييجي بيعمي البصر."
سليمة (بعصبية ودموعها تتساقط): "وبعدين؟ هنفضل ساكتين كده؟!"
أمين (بتعب وأسى): "أنا عملت اللي عليّا، روحت وبلغت، بس إنتي شايفة، مفيش جديد... قاعد مستني أي خبر يطمن قلبي على الواد."
سليمة (بغضب واتهام): "إيه البرود دا، أمين؟! دا لو كان ابنك من صلبك، كنت اتحركت أكتر! ولا عشان أنا اللي خلفته من راجل تاني اول مرة احس اني ندمت وخليتك تربيه بدل ابوه؟!"
أمين (ينفجر غاضبًا): "بطّلي الكلام اللي مالوش لازمة، يا سليمة! إنتي عارفة إني موجوع زَيّك!"
سليمة (بحزم وإصرار): "ماشي، بس أنا مش هقعد واحط أيدي ع خدي، مش هقعد دقيقة واحدة! هروح المستشفى وأقلبها على دماغهم! مش هرتاح غير لما أعرف ابني حصله إيه، ولو اللي في بالي طلع صح، هدخلهم السجن واحد واحد!"
(تحاول النهوض، وأمين يمسك يدها محاولًا تهدئتها، لكنها تفلت منه بعزم. تتجه إلى الباب، وحين تفتحه، تجد رودينا واقفة بثبات، نظرتها جادة.)
رودينا (بصوت حازم): "مساء الخير... المقدم رودينا صلاح، مباحث الأمن."
....
داخل منزل سليمة – الصالون
(تجلس رودينا على الكرسي بخشونة رسمية، ظهرها مستقيم وعيناها متيقظتان، بينما تتحرك سليمة بتوتر واضح، ممسكة بطرف طرحتها بين يديها.)
سليمة (بحفاوة لكنها قلقة): "تشربي إيه يا بنتي؟"
رودينا (بحزم وابتسامة مطمئنة): "ولا حاجة، يا حاجة. أنا جاية عشان أسألك شوية أسئلة تساعدني أوصل لابنك وأرجعه لحضنك في أقرب وقت."
سليمة (بعينين تلمعان بالأمل): "بجد يا بنتي؟!"
رودينا (بثقة): "أيوة، بس لازم تفهميني الأول... ابنك دخل المستشفى ليه؟"
سليمة (تتنهد بحزن): "كان عنده سخونية جامدة وحرارته ولعت فجأة! أول ما دخل المستشفى، قعدوا معاه خمس ساعات، وبعدها الإدارة خرجت تقول لنا إنه اختفى! حتى تشخيصه ما عرفناهش!"
رودينا (بدهشة): "إزاي يختفي من مستشفى كبيرة كده؟ دا مستحيل يحصل إلا لو حد من الإدارة متورط!"
أمين (مترددًا، لكنه يشعر بأهمية ما سيقوله): "بس ليه؟ هيستفادوا إيه؟ وبعدين، لما الولد دخل، بعدها بربع ساعة بدأوا يسألوني عن اسمي، فصيلة دمي، شغلي... وطلبوا تحاليل غريبة، غالية جدًا، لكن عملناها."
رودينا (بحذر): "تحاليل إيه؟"
أمين: "حاجات خاصة بالجينات والمناعة... الفكرة إن التحاليل دي بتاخد وقت، لكنهم قالوا إن حالة الولد مستعجلة، وعملوا لنا استثناء. النتيجة طلعت في ساعة بس! وبعدها مفيش دقايق، الدكتور يخرج ودكتور يدخل، لحد ما فجأة قالوا لنا الولد مش موجود!"
سليمة (بغضب وخوف): "أنا حاسة إنهم خطفوه يا حضرة المقدم! هو ممكن يكونوا قتلوه؟!"
رودينا (بحزم): "مستشفى كبيرة زي دي مستحيل تعمل كده علني، لكن ممكن يكون في حد متورط جوّا. بس اطمني، لو ثبت أي حاجة، الشرطة مش هتسكت!"
(تنظر إليهما رودينا بحزم، ثم تنهض، تشير إليهما للحاق بها.)
رودينا: "الأول، لازم تيجوا معايا حالًا... كل ثانية بتفرق!"
(يتبادلان نظرات قلقة، ثم ينهضان بسرعة، فالوقت الآن ليس في صالحهما.)
...
داخل المستشفى – مكتب المدير
(يجلس الدكتور خلف مكتبه، يتصبب عرقًا رغم برودة التكييف، بينما رودينا تقف أمامه متسلحة بنظراتها الحادة، وسليمة تمسك بطرف طرحتها بقوة، وعينها تراقب الطبيب كالصقر. أمين يقف خلفها، يعقد ذراعيه وهو ينظر إلى الطبيب بريبة.)
الدكتور (يحاول التماسك، بصوت هادئ لكنه متردد): "بصي حضرتك، مفيش أي مؤامرة هنا، بس في سوء تفاهم حصل. إحنا مستشفى كبير بنتعامل مع آلاف الحالات يوميًا، وممكن يحصل خطأ إداري."
رودينا (تميل للأمام، تضع كفيها على المكتب): "خطأ إداري؟ طفل يختفي من مستشفى وماحدش عارف هو فين؟ والكاميرات 'بالصدفة' كانت عطلانة؟ والملف فيه أوراق ناقصة؟ حضرتك متخيل الكلام دا منطقي؟"
(يسود صمت لثوانٍ، قبل أن يلتفت الطبيب للموظفة الواقفة بجانبه.)
الدكتور (بصوت جاد): "هاتي لي دكتور عصام من قسم التحاليل فورًا!"
(تهز الموظفة رأسها بسرعة وتخرج. يتنهد الطبيب، يمسح جبينه، ثم يلتفت لرودينا.)
الدكتور: "بصراحة، الحالة دي كانت تحت إشراف جهة معينة، و... ودي أوامر جاية من فوق، فوق أوي."
أمين (ينفعل، يضرب المكتب بيده): "يعني إيه فوق أوي؟! ابني فين؟!"
سليمة (تصرخ بانفعال): "إنتو عملتوا فيه إيه؟!"
(قبل أن يرد الطبيب، يدخل دكتور عصام، رجل في الأربعينات من عمره، يبدو أكثر هدوءًا واتزانًا، لكنه يحمل في عينيه شيئًا غامضًا.
رودينا (تنظر إليه مباشرة): "دكتور عصام، أنت المسؤول عن التحاليل، صح؟ الطفل اللي اختفى، ليه كانت تحاليله غريبة وسريعة بالشكل دا؟
(يتبادل عصام والطبيب الرئيسي نظرات سريعة، ثم يتنهد عصام ويقرر الرد بحذر.)
دكتور عصام: "الحقيقة... الطفل كان عنده تطابق نادر مع متبرع محتاج نقل عضو بشكل عاجل. لما اكتشفنا دا، جات لنا أوامر بمتابعة حالته بدقة."
سليمة (بصدمة، تخطو للخلف وهي تضع يدها على فمها): "يعني ابني كانوا هيبيعوا أعضاءه؟!"
أمين (يقترب من الطبيب بغضب، يكاد ينقض عليه): "انتو مجرمين! ابني فين؟!"
(يضع دكتور عصام يديه أمامه كأنه يهدئ الأمور، ثم يتحدث بسرعة.)
دكتور عصام: "استنوا! احنا ما عملناش حاجة للولد! كل اللي حصل إن جهة معينة نقلته لمكان تاني بعد ما عرفوا إنه مطابق لحالة خاصة جدًا... وأنا مش عارف أكتر من كدا."
رودينا (بلهجة تهديدية): "الجهة دي مين بالضبط؟
(ينظر الدكتور الرئيسي لدكتور عصام، ثم يزفر الأخير بقوة قبل أن يهمس بجملة واحدة قلبت الموقف كله.
دكتور عصام: "وزارة الصحة... وبالتحديد، وحدة الأبحاث الجينية."
.......
داخل منشأة طبية سرية – غرفة معزولة
(تُفتح الباب الحديدية، ويتقدم فريق من رجال الأمن بملابس رسمية، يتبعهم أمين وسليمة الملهوفان، ورودينا التي تتفحص المكان بعينين يقظتين.)
(في ركن الغرفة، على سرير أبيض، يجلس الطفل ملفوفًا ببطانية خفيفة، عيونه تائهة، لكنه يتحرك فور أن يرى والديه.)
الطفل (بصوت مرتجف): "ماما... بابا! الحقوني"
(تندفع سليمة نحوه، تضمّه بقوة، والدموع تنهمر من عينيها.)
سليمة (تبكي وهي تتحسس وجهه): "حبيبي. انا هنا ياروحي عملوا فيك حاجة احكيلي اوعي تخاف؟"
الطفل (يهز رأسه، صوته ضعيف): "كانوا بياخدوا مني دم كتير... بس أنا كويس، عايز أروح ياماما انا شوفت حاجات وحشة اوي هنا."
(أمين ينحني ليحتضنه هو الآخر، بينما رودينا تلتفت نحو أحد المسؤولين الواقفين بقلق.)
رودينا (بصوت صارم): "أنا عايزة تقرير شامل عن كل اللي حصل معاه، ولو ثبت إنه اتعرض لأي أذى، المسؤولين عن دا هيدفعوا التمن!"
(المسؤول يتلعثم، يحاول التهرب، لكن أحد الأطباء يتقدم، يبدو عليه التأثر بالموقف.)
الطبيب: "بصراحة... الطفل عنده تركيبة جينية نادرة، وكانوا بيدرسوها ضمن مشروع طبي سري... وتأكدت بنفسي إنه ما حصلوش ضرر، وكان الهدف فقط تحليله.
أمين (بغضب): "تحليل؟! تخطفوا ابني عشان تحليل انتو مجانين واشمعنا هنا ولا انتو متعودين اي مريض ييجو تحللو وتشوفو هينفع يخضع لمشاريعكم ولا لا ؟!"
رودينا (تقاطع بحدة): "القضية دي مش هتنتهي هنا...انا بكل بسهولة اقدر اعرف اذا كان فعلا وزارة الصحة عندها علم بكل اللي جرا منكم ولا لا؟"
(بينما يحتضن أمين وسليمة طفلهما بإحكام، تخرج رودينا هاتفها، تتصل بالقيادة لتبلغهم أن الطفل قد تم العثور عليه، لكن التحقيق لم ينتهِ بعد. فهذه القضية... قد تكون مجرد بداية لكشف حقيقة أكبر.)
stories
stories
تعليقات