قصة جسد مؤقت كاملة بقلم فهد حسن


 

قصة جسد مؤقت كاملة بقلم فهد حسن


جريت ناحية الباب، حاولت أفتحه، لكنه اتقفل لوحده! كنت بحاول أشده بكل قوتي، لحد ما حسيت بأنفاس قريبة من وشي.. وحد بيقول، هو هو نفس صوت الراجل:

ـ أنا حذرتك.. بس أنت ماسمعتش.

وفجأة الباب اتفتح بعنف وأنا وقعت برا، اتدحرجت على الأرض، وقبل ما أقوم الباب اتقفل بقوة كأن حد ضربه بكل قوته من جوه.. فضلت قاعد على الأرض وقلبي هينفجر في صدري من كتر الرعب، وجسمي كله بيرتعش.


بعد اللي حصل جوه البيت، مكنتش عارف أتنفس، كنت مرعوب لدرجة إني حسيت إن الدم في عروقي بقى متجلط، والبرد اللي كنت حاسه وأنا جوه اتحول لحرق غريب في جلدي، كأن المكان نفسه ساب علامة جوايا مش بس على كتفي، وكأن البيت مش مجرد جدران وسقف… لأ، ده كيان حي، بيشوف، بيسمع، وبيقرر مين يدخل ومين يخرج، واللي زيي… اللي جه بمزاجه وقرر يكسر القواعد، مفيش ضمان إنه يخرج زي ما دخل، أو حتى يخرج بني آدم أصلاً!

لكن أنا خرجت… أو أقدر أقول كنت فاكر إني خرجت.. لأني خرجت بجسمي بس وروحي أو جزء ما مني فضل محبوس جوه البيت.

لما فوقت لنفسي قومت من على الأرض بسرعة وجريت بعيد عن البيت، حرفيًا كنت بجري من الموت، والمصيبة إني كل ما كنت ببعد كنت بحس إن المكان لسه معايا وإني لسه جواه، وكنت حاسس إن في حاجة بتتحرك تحت جلدي، كأنني خدت معايا حاجة وأنا خارج، حاجة مش مرئية، حاجة مستنية اللحظة المناسبة عشان تظهر!.


لما وصلت عند باب العمارة بتاعتي، كنت حاسس إن رجليا مش شايلاني، كل خطوة كنت باخدها كنت حاسس إن فيه حاجة بتجرني ورا ومش عايزاني أمشي وأبعد، عايزاني أرجع… بس كنت منهك، قلبي كان بيدق زي الطبول، وأول ما دخلت العمارة ووقفت جوه الأسانسير ووشي كان في المراية، حسيت إن المراية مش بتعكس صورتي أنا… كانت بتعكس حاجة تانية!

أنا واقف وشايفني بس أنا مش أنا.. عيني مش نفس عيني.. كان في حاجة غريبة في انعكاسي، ملامحي كانت باهتة شوية، كأني نسخة قديمة مني، أو نسخة مش مكتملة، وكان في ضباب خفيف بيظهر ويختفي في المراية، وأنا حاسس إن الانعكاس بتاعي بيتحرك أسرع مني بنص ثانية… كأنه بيحاول يسبقني.

كنت بمد إيدي ناحية المراية ببطء، وحاسس كأن حد تاني بيحركها معايا..  لحد ما الأسانسير فتح، كنت حاسس إن كان في حد معايا جوه، حتى بعد ما خرجت، حسيت إن في بوابة بيني وبين عالم تاني مفتوحة، واللي ورا البوابة دول وعارفين مكاني ومستنيين اللحظة اللي  يطلعوا منها بالكامل أو ياخدوني لعالمهم.. أنا مش عارف أنا عملت في نفسي إيه بس!؟


لما دخلت شقتي كنت منهار، قلبي كان بيدق بسرعة، وكنت عرقان بطريقة بشعة، دماغي مصدعة، وإيدي بتترعش، وجريت بسرعة على أوضتي، وأول ما دخلت لقيت إن النور كان شغال، وأنا متأكد إني طفيته، ومفيش حد غيري في الشقة.

دخلت بحذر، وكل خطوة كنت باخدها كنت بحس إن الأرض تحتيا بتتهز، كنت سامع صوت همسات ضعيفة، مش مفهومة، كأن فيه أكتر من شخص بيتكلم في نفس الوقت، وكنت بحاول أقنع نفسي إن دي مجرد تهيؤات، مجرد وهم، بس لما بصيت ناحية سريري، لقيت حاجة وقفتني مكانني.

الورقة.. الورقة اللي لقيتها قدام أوضتي كانت مرمية على السرير مع إني كنت متأكد إنها في جيبي.

قربت منها بحذر، والمرة دي كان مكتوب عليها حاجة جديدة!

ـ أنت مش المفروض تكون هنا.

مسكت الورقة بإيدي المرتعشة، وكنت حاسس إن الوقت بيوقف، كأنه مش حقيقي، كأني في حلم، وكنت سامع ضربات قلبي بتزيد أكتر، لحد ما سمعت صوت خبط على باب البلكونة.. تحديدًا خبطة واحدة قوية.

بصيت ببطء ناحية البلكونة ووقلبي كان هيوقف.. كان في حد ورا شيش البلكونة من جوه البلكونة نفسها، كان واقف وبيبص عليا.. كان الراجل العجوز.. بس عينه مكانتش عينه.. كانت سودة بالكامل، سودة زي الفراغ، مفيهاش أي بياض، كأنها حفرة مفتوحة على الجحيم، وشه مش ثابت، بيتغير كل ثانية، وشه القديم بيختفي ويظهر تحته وشوش تانية، وشوش لناس تانية… ناس مخيفة… ناس معرفهاش.

فتح بؤقه وبدأ يضحك، صوت ضحكته كان واطي في الأول، بس بقى أعلى وأعلى، لحد ما حسيت إن الحيطان بتتهز، حسيت إن المكان كله بيتحرك.

وحسيت كأن العالم من حواليا اختفى وأنا اللي لوحدي محبوس مع الكابوس ده.

صرخت، وجريت ناحية الباب كنت عايز أخرج، عايز أهرب، بس لمحت المراية جنب الباب، ولمحت نفسي فيها… أو لمحت اللي كان واقف مكاني.. اتسمرت مكاني وأنا مش قادر أستوعب، انعكاسي كان ثابت بس أنا كنت بتحرك.

ـ أنت اللي دخلت… بس مش أنت اللي خرجت.

دي آخر جملة سمعتها قبل ما الدنيا تسود قدامي، وآخر حاجة شوفتها قبل ما أفقد الوعي، كانت انعكاسي وهو بيبتسم، ابتسامة مليانة شر.


صحيت على صوت خبط شديد على باب الشقة، صوت عنيف متكرر كأن حد بيحاول يكسره، قلبي كان بيدق بسرعة، وأنا لسه مش عارف إذا كنت فعلاً صحيت ولا ده امتداد للحلم المرعب اللي كنت فيه.. قومت من على الأرض مترنح، آخر حاجة فاكرها إني كنت واقف عند الباب، وفقدت الوعي بعد ما شوفت انعكاسي في المراية بيتحرك لوحده.

قومت بالعافية وأنا حاسس إن جسمي متكسر وفتحت الباب بحذر وإيدي بتترعش، لقيت ظابط شرطة واقف قدامي، وورا منه كام أمين شرطة على مخبر، مش عارف بصراحة دول رتبهم إيه.. وسألني:

– أنت علي الدمرداش؟

حاولت أفهم اللي بيحصل، حركت رقبتي وحسيت بألم غريب، كأن حد كان ماسكها طول الليل وبيضغط عليها، سألتهم وأنا مش قادر أفهم:

– في إيه؟ حصل حاجة؟

الظابط دخل خطوة جوه بدون استئذان، وعينه بتدور في الشقة كأنه بيدور على حاجة، وبعدها بصلي وقال:

– في جريمة قتل حصلت امبارح  في عمارة قريبة منك وفي ناس شافوك واقف قصاد العمارة.

حسيت بسخونة بتجري في عروقي، كأن دمي بدأ يغلي، عقلي بيحاول يستوعب اللي الظابط بيقوله ولا ده وكيل نيابة ولا إيه، مش لابس لبس ميري.

– جريمة قتل؟ مين؟

الظابط أو وكيل النيابة اللي من خضتي نسيته أسأله وحتى هو ماعرفش نفسه قاطعني وهو بيطلع صورة من جيبه.. كانت صورة لجثة مرمية على الأرض وعنيها مفتوحة على وسعها، وشها مرسوم عليه رعب لا يمكن وصفه، وكأن الضحية ماتت وهي بتشوف أسوأ كابوس ممكن يتشاف.. عرفته على طول، كان هو.. الراجل العجوز بتاع البيت القديم.

رجليا كانت هتخوني، مسكت الحيطة عشان ماقعش من طولي، عيني فضلت على الصورة كأنها مغناطيس بيشدني، مش قادر أبعد نظري عنها.. إزاي؟ الراجل ده مش ممكن يكون مات، ده كان هنا من شوية وكان بيبص عليا من ورا الشيش بتاع البلكونة، وكان في كل مكان حواليا… مستحيل يكون مات.

الظابط لاحظ التوتر اللي على وشي، قرب مني وسألني مباشرة:

– أنت شوفته امبارح؟ حد شافه عندك؟

دماغي كانت بتلف، كنت عايز أتكلم، أحكي كل اللي حصل، عن البيت، عن المرايا، عن صوته، عن تحذيراته، عن الإحساس المرعب اللي كان بيطاردني… لكن عرفت وقتها إن مستحيل حد يصدقني، ولو قولت أي حاجة ممكن أبقى أنا المتهم.

حاولت أسيطر على نفسي ورديت بصوت متماسك رغم إن قلبي كان بيخبط في ضلوعي:

– لا… أنا من زمان وأنا مشفتوش، بس.. بس إزاي مات؟

الظابط اتكلم ببطء، كأن كل كلمة خارجة من بؤقه تقيلة، وكأن هو نفسه مش مستوعبها:

– لقيناه ميت جوه البيت، لكن المشكلة مش في موته، المشكلة في حالة الجثة.

حسيت بجسمي بيتوتر أكتر، سألت وأنا عارف إن الإجابة مش هتعجبني:

– حالة الجثة؟ ليه كانت عاملة إزاي؟

الظابط طلب من أمين الشرطة يطلع صورة تانية.. بس المرة دي الصورة كانت بشعة.

جثته كانت متخشبة، جلده ناشف كأنه مات من سنين، وعينه كانت مفتوحة واسودت بالكامل، بالظبط زي ما شوفتها آخر مرة.

والأسوأ هي ملامحه.. كانت ملامحه نسخة طبق الأصل من انعكاسي في المرايا امبارح.. حسيت بإيدي بتتلج.. في حاجة غلط.. حاجة مرعبة.. حاجة أكبر من مجرد جريمة قتل وأنا جزء منها.


كل حاجة بدأت تتشابك في دماغي، كأن الأفكار والمشاهد والأصوات كلها اتجمعت فوق بعضها، بقت كومة دخان مش قادر أشوف من خلالها.. الراجل اللي محدش كان بيتكلم عنه مات، لكن موته مش طبيعي، شكله، وضع جثته، عينيه اللي شوفتها قبلها بساعات وهي مليانة شر.. والأغرب إن صورته في لحظة موته كانت متطابقة مع انعكاسي في المرايا، كأن في لعنة اتنقلت من مكان لمكان، أو روح سابت جسدها واتلبست في حد تاني.. الأغرب بقى إن الظابط واللي معاه سابوني ومشيوا عادي.. هل أنا بحلم، ولا اتجننت؟

دخلت الشقة وقعدت على الكنبة، قلبي كان بيدق بسرعة، أفكاري كانت بتتحرك زي دوامة، بتحاول توصل لحقيقة… أو حتى طرف خيط. في حاجة غلط، حاجة كبيرة وكل اللي أنا خايف منه دلوقتي إن الدور يكون عليا.

فضلت سهران طول الليل مش قادر أنام، مش قادر حتى أقفل عيني، كل ما أحاول أنام بسمع صوت أنفاس حد معايا في الأوضة، أشوف حركة خفيفة عند المرايا، وأحس إن الجو حواليه تقل كأن في حاجة مش طبيعية بتتحرك في المكان.. وكل ده مش مجرد توهم لأ، في حاجة حواليا بتراقبني ومستنية لحظة ضعف، لحظة خوف عشان تحبسني بالكامل جواها.. هل ممكن يكون الظابط واللي معاه ده مجرد مشهد مش حقيقي، يكون اللي مسيطر عليا هو اللي اخترعه، الكلمة بتاعت أنت دخلت البيت بس ماخرجتش مسيطرة على عقلي.. معقول؟!

الصبح جيه وأنا لسه صاحي بس كنت تايه، مش حاسس إن اللي بيحصل حواليا حقيقي، كأن كل حاجة بقت ضباب.. بس كان  عندي إحساس رهيب إني لازم أتصرف قبل ما الوقت يفوت.

نزلت الشارع، وبدون تفكير لقيت نفسي رايح عند البيت القديم.. لأول مرة وقفت قدامه بدون خوف، بدون تردد، كأن اللي حصل خلاص غيرني، كأن الليلة اللي فاتت سلبت مني أي إحساس بالخوف.. الباب كان مقفول كالعادة، لكن الغريب إنه مكنش مقفول.


خدت خطوة ودخلت، البيت من جوا كان مختلف عن اللي شوفته قبل كده، لا هو مهجور بالكامل ولا هو بيت طبيعي، جدرانه كانت قديمة بس مش متهالكة، الأرض مليانة تراب لكنه طبيعي، والجو كان كأنك دخلت كهف، برد بدون سبب، إحساس بالاختناق، كأن الهوى نفسه تقيل.. مشيت ببطء في طُرقة ضلمة، كان في أوض كتير على الجانبين كلها مقفولة، إلا أوضة واحدة في الآخر بابها مفتوح، والضوء الخافت اللي جاي منها عامل ظل غريب على الأرض، ظل لشخص قاعد مستنيني جوه.

قلبي كان عمال يدق بطريقة غير طبيعية، مشيت ووقفت عند الباب، وبمجرد ما بصيت جوه، حسيت إن جسمي اتشل واترعبت.


جوه الأوضة كان في كرسي خشب، عليه قاعد نفس الراجل اللي المفروض مات، نفس الوش، نفس الدقن، نفس الابتسامة اللي كلها شر، لكن في حاجة مختلفة، حاجة مش مفهومة… ملامحه كانت مهزوزة كأنها مش ثابتة، وكأنه بينتقل بين أشكال مختلفة بسرعة خرافية.

كنت هصرخ، لكن قبل ما أفتح بؤقي سمعت صوته:

– اتأخرت يا صاحبي، كان لازم تيجي من زمان.

 نبرته كانت باردة، وطريقة كلامه كأنه عارف إن هيجي اليوم اللي هدخل فيه هنا، اليوم اللي هكتشف فيه الحقيقة.. بس هو المرة اللي قبل كده كانت وهم في خيالي؟

حاولت أتكلم لكن لساني كان مربوط، فضلت واقف مكاني وأنا حاسس بجسمي بيترعش، الراجل رفع عينه وبصلي بنظرة غريبة، نظرة موجهة لشيء جوه مني. وكأنه شايف حاجة أنا نفسي مش شايفها:

– أنا وأنت واحد، وإنت عارف كده بس بتحاول تهرب.


جملته وقعت عليا زي شومة حد ضربني بيها على دماغي، حسيت بألم رهيب في راسي، عقلي بقى خلاص هينفجر من الجنان اللي بسمعه وبيحصللي، كأن في ذكريات مدفونة جوايا كلامه بيصحيها، صور سريعة عدت على عينيا، لحظات مش واضحة، ناس على وشوشهم خوف رهيب، وأصوات صراخ مكتومة في الضلمة.

فقدت سيطرتي على نفسي ووقعت على الأرض وأنا بحاول أتنفس بسبب الرعب اللي أنا بعيشه، والألم في دماغي بقى أقوى، وكأن في حد بيحفر جوايا وبيستخرج مني حاجة مكنتش عايز أشوفها ولا أفتكرها.. وبعد لحظات فهمت.. أنا مش مجرد شاهد، أنا جزء من ده كله، أنا كنت هنا قبل كده.. قبل سنين، يمكن من قبل ما أتولد حتى.


حياتي اللي كنت فكرها حقيقية ما هي إلا جزء من دايرة أوسع، دايرة من الخوف والرعب، واللعنة اللي بقت مربوطة بيا من اللحظة اللي شوفت فيها انعكاسي بيتحرك لوحده.

والراجل اللي قدامي مش مجرد دجال، ولا شخص عادي، ده أنا… في زمن تاني، في خط زمني تاني، أو يمكن في جسد تاني.. البيت ده مش بيت.. ده سجن.

والمصيبة إن أنا كنت واحد من اللي روحهم اتسجنت هنا من زمان.. والنهارده جت اللحظة اللي لازم أدفع فيها التمن.


 


رجعت للحياة الطبيعية فجأة، زي اللي كان بيغرق وطلع ياخد نفس، فتحت عيني وأنا على الأرض جوه البيت، بس المرة دي كان إحساس مختلف.. إحساس إني مش لوحدي، إحساس إن في حاجة ساكنة جوا جلدي بتتحرك مع كل نفس باخده.

الراجل اللي كان قدامي اختفى.. أو بالأصح داب في الهوا كأنه دخان تلاشى في العتمة، لكن كلماته فضلت تدوي في دماغي: "أنا وأنت واحد". الجملة دي كان ليها معنى خطير ومخيف، وأنا كنت عارف إني لازم أفهم كل حاجة قبل فوات الأوان.

قومت بصعوبة وطلعت الشارع وأنا مش متأكد إذا كنت لسه في الواقع ولا جوه كابوس مستمر. الشارع كان عادي، الناس ماشية، الحياة شغالة، لكن جوايا.. جوايا كان في عاصفة

وصلت شقتي وأنا مهدود، قفلت الباب بالمفتاح كأن ده هيحميني، رميت نفسي على السرير، بس مجرد ما قفلت عيني سمعت صوت.. صوت حاجة بتتحرك حواليا.

فتحت عيني بسرعة وبصيت للمراية اللي في الأوضة.. المرة دي كانت فاضية، لكن لما بصيت تاني انعكاسي كان واقف ثابت، مبتسم. بس مش أنا.. كان هو.

اتفزعت وقومت بسرع بس انعكاسي ما اتحركش، فضل واقف في مكانه ونطق بصوتي، لكنه كان صوت أعمق مليان شر وقال بتحذير أخير:

ـ جه وقت العودة.

الجملة دي رعبتني أكتر، وحسيت بجسمي بيترفع لفوق، والمراية بتوسع كأنها بوابة عايزة أو بتحاول تبلعني، وأنا  كنت عاجز عن المقاومة.

قبل ما الدنيا تظلم تمامًا، قبل ما أفقد آخر جزء من ذاتي، أدركت الحقيقة.. أنا مش كنت مجرد شاهد.. أنا موجود بس في بعد تاني، أنا روح جوه جسد مؤقت.. أنا حاجة مش قادرة أفهمها فهم واضح عشان أشرحها.. بس النتيجة إن أنا دلوقتي بقيت جزء من عالم تاني غير عالم الأحياء.

حسيت بجسمي بيتسحب لجوا المرايا، برودة قاتلة وجعت جسمي، كأن الدم فجأة بطل يتحرك في عروقي، وكأن الزمن نفسه وقف، مابقاش في صوت غير دقات قلبي اللي كانت بتبقى أبطأ… لحد ما حسيت كأني بقيت جثة لكن واعي.. واعي لكل حاجة بتحصل ولكل حاجة بتتغير حواليا.. كان في همسات، ضعيفة في الأول وبعدين بقت أصوات واضحة، مألوفة، ناس بتنادي بأسامي، ناس بتصرخ، ناس بتقول جمل غير مفهومة، لكن كلها كانت ماشية في اتجاه واحد… اتجاهي أنا.


وفجأة لقيت نفسي واقف في مكان غريب. مش بيتي، مش الشارع، مش أي مكان أعرفه. كان ممر طويل، جدرانه زي نسيج حي، بتتمدد وتتقلص كأنها بتتنفس، والأرض تحتي كانت رطبة، كأنها مش مجرد أرض، كأنها جسد ضخم أنا واقف عليه.

كنت سامع صوت خطوات بطيئة وتقيلة جاية ناحيتي، وكل ما كانت بتقرب كل ما الضلمة حواليّا بدأت تتراجع وتكشف عن شكل ماكنتش مستعد أشوفه..هو أنا.

مش مجرد انعكاس، مش مجرد ظل، كان أنا بكل تفاصيل وشي، بكل حاجة فيَّا، لكن مختلف، بعيون غريبة… عيون مافيهاش بياض، سودة بالكامل، مليانة فراغ لا نهائي. كان لابس نفس هدومي، واقف بنفس الطريقة، لكن ابتسامته… ابتسامته كانت كأنها محفورة في وشه، كأنها جزء من جلده، ابتسامة مش طبيعية، ابتسامة ماتنتميش لأي حاجة بشرية.


حاولت أتحرك، أهرب، لكن رجلي كانت متكتفة، كأني بقيت جزء من المكان ده، والوقت بقى مجرد وهم.

مد إيده ناحيتي وبصوتي قاللي:

ـ جه وقت الاستبدال.


 


فهمت كل حاجة في لحظة، الرعب قتلني، كل الأحداث اللي حصلت، البيت، الراجل، المكالمات، كل ده مكنش مجرد صدفة، كان تحضير للحظة دي.

 أنا كنت بديل، البديل الجاهز، والمراية كانت البوابة.

حاولت أقاوم، صرخت، لكن صوتي اتكتم، كل حاجة حواليا كانت بتنهار، الجدران بقت بتقفل عليا، الأرض اتفتحت، والمراية بقت قدامي تاني، بس المرة دي كنت أنا اللي جوه، وأنا اللي برا كنت واقف بيبص لي، بنفس الابتسامة، بنفس العيون السودة.. أنا اتحبست.

بقيت محبوس جوا المراية، كيان تاني خد مكاني، خد حياتي، خد جسمي، خرج للواقع، وأنا… أنا بقيت مجرد ذكرى في عالم الظلال.


الراجل ده مكنش بشري، ده كيان من عالم تاني بياخد الناس ويحبسهم جوه العالم بتاعه لهدف الشر المطلق وبس، بس أنا السبب، أنا اللي مشيت ورا فضولي وكملت في الطريق ده.. كل اللي حصل مكتش حقيقي، ده كان وهم، لأني من وقت ما دخلت البيت وأنا فعلاً اتحبست.. أرجوك ياللي بتسمع.. أرجوك حاول أخرجني.. دور على المراية.. في كل مراية تقابلها يمكن تقدر تنقذني.


تمت..

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا

 



تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1