قصة بياع الفريسكا كاملة بقلم شادى اسماعيل
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية.
نوستالجيا
(مقطع من أغنية خوليو إكلسياس-الحنين)
الحنين رحلة طويلة.. أولها اشتياق واخرها وجع.. ومستحيل ترجع من الرحلة زي ما بدأت.. أوقات كتير الحياة بتظلمنا.. لا.. احنا اللي بنظلم نفسنا.
28 فبراير 1990:
لسه فاكر أول مرة اتقابلنا فيها.. كنت واقف قدام البحر.. مش فاكر كنت بقوله ايه وقتها؟.. لكن اكيد كنت بشتكيله من حاجة وجعاني.. ماهو البحر طبيب لكل جروحي.. وفي وسط كلامي مع البحر سمعت صوت دوشة عالية.. لفيت وشي وساعتها عيني جت في عينيها.. ملاك في صورة بشر.. شئ مستحيل تشوفه مرتين في حياتك.. كانت واقفة ومعاها ناس كتير.. لكن ماكنتش شايف غيرها.. وقفت لدقايق مدهوش بجمالها.. ماشيلتش عيني من عليها.. وحسيت كإن في الدقايق دي.. كان بيتزرع حبها جوايا.. لحد ما فوقت على صوتها بتقول للبنات اللي معاها...
- يلا بقى انا لازم امشي عشان اتأخرت.. اشوفكوا بكرة.
ردت عليها واحدة من الواقفين وقالتلها...
- خلي بالك من نفسك.. هكلمك لما اروح.
- ماشي يلا باي.
سابتهم ومشيت.. ومافيش دقيقة ولقيت واحدة تانية بتقول للباقيين...
- يلا باي!.. دمها تقيل أوي البت دي.
ردت عليها البنت الأولانية وقالتلها بحدة...
- ماتلمي نفسك يا سها.. انتِ ليه بتحاولي تقللي منها دايمًا.
- وانا هحاول اقلل منها ليه؟!.
- عشان غيرانا مثلًا.
- ايه!.. انا اغير من دي؟!.. قال اغير منها قال.
- هتفضلي طول عمرك حقودة كدة وماتحبيش أبدًا حد يكون احسن منك.
- وانا يوم ما يكون في حد أحسن مني هتكون دي؟!.
- مافيش فايدة.. انا ماشية.. سلام.
سابتهم ومشيت.. عدت من جنبي ووقتها اتلخبطت.. فكرت لثواني وبعدين لقتني بمشي وراها...
- يا آنسة.. يا آنسة.
وقفت ولفت وشها وأول ما شافتني قالتلي بعصبية...
- نعم.. عايز ايه؟.
- اهدي بس يا استاذة.. انا مش بعاكس والله.. انا كنت عايز اسألك على حاجة.
بصتلي من فوق لتحت وبعدين سألتني باستغراب...
- حاجة ايه؟!.
- هي الأستاذة اللي كانت مع حضرتك من شوية ومشيت.. اسمها ايه؟.
- نعم!.. وانت مالك اسمها ايه؟!.
- يا استاذة انا قولت لحضرتك اني مش بعاكس والله.. انا بس كنت عايز منها.
- عايز منها ايه؟.. يعني واحد زيك هيكون عايز منها ايه؟.
سكت أول ما سألتني السؤال ده.. عندها حق.. انا عايز منها ايه؟.. شكلي كان وحش أوي.. عشان كدة قولتلها...
- شكرًا يا استاذة.. واسف اني وقفتك.. عن إذنك.
سيبتها ومشيت من غير ما ترد.. كنت بلوم نفسي.. انا ايه اللي عملته ده؟!.. ازاي اسأل عنها؟.. وليه اصلًا؟!.. ايه اللي خلاني اعمل كدة؟!.. فوقت من سرحاني على صوت واحد بيقولي...
- هات واحدة فريسكا يا صاحبي.
رفعت راسي وبصيتله وبعدين بصيت لصندوق الفريسكا جنبي على الدكة.. مديت ايدي فتحت الصندوق وخرجت منه واحدة وناولتهاله.. وساعتها قالي...
- حسابك كام؟.
- ولا حاجة.. ببلاش.
قومت من مكاني وخدت الصندوق ومشيت.. ايه يا مصطفى.. انت بتتبطر على نعمة ربنا ولا ايه؟!.. مش دي الشغلانة اللي معيشاك.. جاي دلوقتي وتستعر منها؟!.. مش انا اللي بستعر منها.. لكن نظرة صاحبتها لها قتلتني.. مش لو كنت كملت تعليمي كان زماني.. كان زمانك ايه؟.. كنت هتبقى عالم ذرة يعني؟!.. اعقل يا مصطفى وشوف اكل عيشك.. وانسى.. الأحلام مش للي زيك.. الأحلام اتخلقت عشان الناس المرتاحة تسلي وقتها فراغها وتزود فلوسها.. لكن اللي زينا ما عندهمش وقت يحلموا.. غلط.. اللي زينا هم اللي لازم يحلموا.. لازم يحاولوا يغيروا حياتهم.
******
10مارس 2015:
فوقت على ايد بتطبطب على كتفي.. لفيت وشي لقيت سميحة أختي واقفة جنبي...
- قاعد لوحدك ليه يا مصطفى؟.. المعازيم بيسألوا عليك.
- خارجلهم دلوقتي يا سميحة.
- بنتك هي كمان عمالة تسأل عليك.. ماينفعش يبقى عيد ميلادها وانت قاعد هنا وسايبها لوحدها جوة.
- قوليلها جاي دلوقتي.. وبعدين ماهي مع اصحابها.
- قوم ياحبيبي.
- حاضر ياسميحة.
قومت خرجت مع سميحة.. كانوا كل المعازيم ملمومين حوالين الترابيزة عشان يطفوا الشمع.. وسهر واقفة بينهم.. عديت من بين الناس لحد ما وصلت ووقفت جنبها.. حضنتها وبوست راسها.. كانت مبتسمة.. ابتسامة جميلة.. ابتسمت وانا بقولها...
- كل سنة وانتِ طيبة يا حبيبتي.
- وانت طيب يا بابي.
سرحت في عينيها.. نفس عيونها الله يرحمها.. حتى نفس الضحكة.. مش عارف الشبه اللي بينهم ده نعمة ولا لعنة؟.. ساعات كتير لما ببصلها بتعذب وافتكر اللي حصل.. وساعات ابتسم وافرح لإن بحس بوجودها.. فوقت على صوت سميحة...
- يلا يا مصطفى.. يلا ياسهر عشان نطفي الشمع.
صوت جماعي يختفي تدريجيًا:
- to you happy birthday.
******
15 ديسمبر 1990:
- to you happy birthday.. سنة حلوة يا جميل.. سنة حلوة يا.... هي اسمها ايه صحيح ياض يا مصطفى؟.
- والله ما انا عارف يا عم جمعة.
- بقى يا مغفل يوم ما تحب واحدة ماتبقاش عارف اسمها.. لكن عارف تاريخ ميلادها؟!.
- انا عرفته بالصدفة لما سمعتها بتعزم صاحبتها النهاردة الصبح.. وبتقولها ماتتأخرش بالليل عن الحفلة.
- قولي يا مصطفى.. هي حلوة؟.
- وهي حلوة بعقل يا عم جمعة؟!.. دي تحل من على حبل المشنقة.
- اه يابن اللذينة.. طول عمرك توقع واقف.
- لا باين كدة المرة دي وقعت على جدور رقبتي ياعم جمعة.
- ليه بس يابني؟!.
- انا فين وهي فين؟!.. ما انت عارف اللي فيها.. وبعدين دي شكلها من عيلة كبيرة أوي.
- اااخ.. مشكلة دي.. ولا مشكلة ليه؟.. الحب مايعرفش المستحيل.
- حب ايه يا راجل ياطيب؟!.. انا اللي بحبها مش هي اللي بتحبني.
- ماهي لو عرفتك هتحبك.
- وهي هتعرفني منين بس؟.
- عرفها على نفسك يا سيدي.
- اعرفها على نفسي؟!.. هاها.. عارف يا عم جمعة.. لما شوفتها النهاردة استخبيت وقولت يا أرض انشقي وابلعيني.
- ليه كدة بس؟!.
- ماعرفش بس كل ما بشوفها بحس إني رجعت عيل صغير تاني.. والقاني واقف قدامها مبتسم زي العبيط.. بقالي كام شهر على نفس الوضع.
- طب ومعقولة يعني ماخدتش بالها منك الكام شهر دول؟!.
- مش عارف.
- بس انا بقى عارف.
- قصدك ايه ياعم جمعة.
- البت دي عينها منك.
- هاها.. ايه ياعم اللي انت بتقوله ده؟!.
- اسمع مني.. البت دي عارفة إنك بتحبها.. ولو ماكنتش عينيها منك.. ماكنتش هتيجي كل يوم في نفس الميعاد وتقعد على الكورنيش.
فكرت في كلامه وحسيت إنه بيتكلم صح.. هي فعلًا بقالها فترة بتيجي تقعد كل يوم في نفس الميعاد ونفس المكان.. حتى لو صاحبتها مش موجودة بتيجي لوحدها.. ابتسمت لما حسيت بالأمل وبعدين سألته...
- تفتكر عينيها مني بجد يا عم جمعة؟.
- انا رأيي كدة.. وبعدين اما تقطع الشك باليقين.
- يعني اعمل ايه؟.
- لما تشوفها بكرة.. قرب منها وبصنعة لطافة حاول تفتح معاها كلام.
- بس انا كدة ممكن اضايقها.
- ياض ماتبقاش أهبل.. اعمل نفسك بتبعلها فريسكا.. واهي لو سمعتك يبقى كلامي صح.. ماسمعتكش وطرئتك يبقى انت الكسبان.
- كسبان ايه بقى؟.
- راحة بالك يا عبيط.. وماتفضلش متشعبط في حبال دايبة لحد ما توقع وتنزل زرع بصل.
كان عنده حق.. صحيح ممكن اتوجع لو قفلت بابها في وشي.. بس هرتاح واهو وجع ساعة ولا وجع كل ساعة.. سيبته يومها وروحت وانا مستني النهار يطلع بفارغ الصبر.
تاني يوم خدت صندوق الفريسكا وطلعت على البحر كالعادة.. قعدت على الدكة مستنيها وانا مش عارف هتيجي ولا لا؟.
******
اكتب انا محمد فريد.. هذه المذكرات وانا بكامل قوايا العقلية.. اليوم هو الثلاثاء الموافق السابع عشر من ديسمبر للعام 1991...
كنت وكيل نيابة في الإسكندرية وقتها.. وفي يوم كنت قاعد في المكتب وجالي تليفون بيقول إن في جريمة قتل حصلت في شقة من الشقق السكنية.. اتنقلت فورًا لمكان الحادث.. لكن أول ما وصلت شوفت منظر بشع.. في البداية قابلت الرائد عدلي.. سلم عليا بترحاب شديد وهو بيقول...
- محمد باشا.. ازي معاليك؟.
- الحمدلله يا عدلي بيه.. اخبارك ايه؟.
- تمام ياباشا.
- قولي ايه اللي حصل؟.
- جريمة فظيعة يا باشا.. اتفضل شوف بنفسك.
مشي عدلي وانا وراه.. دخلنا من باب الشقة واللي كانت عبارة عن صالة في مقدمة الشقة.. وعلى اليمين كان في أوضة الصالون.. أما على الشمال فكان الانتريه وقدامه التلفزيون.. وفي الوش مباشرة طرقة طويلة.. مشي عدلي في الطرقة وانا في ضهره.. عديت على أوضة في اليمين وفي وشها المطبخ على شمالي.. بعدها عدينا من قدام الحمام على الشمال.. وفي نهاية الطرقة كان في أوضتين.. أوضة على الشمال وأوضة في الوش.. وقف عدلي قدام بابها وقالي...
- دي أوضة النوم.. الضحية اتقتلت هنا.
دخلت بهدوء ووقتها لقيت رجال المعمل الجنائي والطب الشرعي بيباشروا عملهم.. الدم كان مغرق الأرض بشكل مرعب.. وقدامي على السرير كانت الضحية نايمة في وضع غريب.. الجزء العلوي كان على السرير.. أما الجزء السفلي فكان على الأرض.. ولابسة قميص كان لونه زهري قبل مايتحول للون الأحمر من كتر الدم.. قربت من الجثة وكان الطبيب الشرعي بيفحصها.. وساعتها اكتشفت إن حلق الضحية مقطوع بآلة حادة.. غير عدد كبير من الطعنات في بطنها.. المنظر كان بشع جدًا.. بعدت عن الضحية وبدأت ابص في الأوضة.. قدام السرير بالظبط كان في تسريحة.. وعلى يمينها الدولاب.. اما على الشمال فكان في باب الحمام.. ولاحظت وجود دم بشكل كبير قدام الحمام.. ولما قربت وبصيت جوة الحمام لقيت اثار دم على الحوض وداخل البانيو.. واضح إن الجريمة ارتكبت في الحمام.. خرجت من الحمام ومن الأوضة كلها.. وكان عدلي ورايا.. وقفت قدام باب أوضة النوم وبصيت جوة الأوضة التانية.. كانت مرتبة بعناية.. مشيت في الطرقة لحد ما وصلت للحمام الكبير ولما بصيت جواه لقيته نضيف ومافيهوش اثار للدم.. خرجت في الصالة وبعدين بصيت حواليا.. كل حاجة في مكانها.. مافيش غير أوضة النوم هي اللي عبارة عن فوضى.. طلعت علبة سجايري وولعت سيجارة.. ونفخت دخانها في الهوا قبل ما اسأل عدلي...
- اكتشفتوا الجريمة إزاي؟.
- واحدة من الجيران هي اللي بلغت.
- والواحدة دي عرفت منين؟.
- بتقول إنها كانت راجعة من برة.. لقت باب الشقة مفتوح.. استغربت طبعًا فجت وقفت على الباب ورنت الجرس.. لكن لما ماحدش رد قلقت أكتر.. دخلت جوة وبدأت تنده على الضحية.. بس برضه ماحدش رد عليها.. وقتها دخلت جوة واكتشفت اللي حصل.
- اسم الضحية ايه؟.
- سهر القماش.. بنت رجل الأعمال المعروف.
- معقولة!.. وهو ماظهرش ليه لحد دلوقتي؟.
- كلمناه واتضح إنه مسافر برة مصر.
- هي متجوزة؟.
- اه.. بس للاسف مش عارفين نوصل لجوزها.. لما كلمناه في الشركة قالوا إنه خرج من بدري وماحدش عارف يوصله.
- ده ايه الصدفة دي!.
- صدفة ملفتة للنظر فعلًا يافندم.
- حاول توصله بأي شكل.. ده أول مشتبه فيه.. ده لو ماكنش هو القاتل.. ودلوقتي انا محتاج اتكلم مع الست اللي بلغت.
- موجودة في شقتها يافندم.. هي بس منهارة شوية.
بصيت على الشقة اللي في وش شقة الضحية وسألته...
- هي الشقة دي؟.
- ايوة يافندم.
- تمام.
رميت السيجارة وانا برن الجرس.. وبعد دقيقة فتحت الباب ست في الأربعينات.. كان باين عليها إنه بتعيط بقالها كتير.. بصيتلها لثواني وبعدين قولتلها...
- انا محمد فريد وكيل النيابة.
- اهلًا وسهلًا بحضرتك يافندم.
- ممكن اتكلم مع حضرتك شوية؟.
- اه طبعًا اتفضل.
فتحت الباب على اخره ووقتها دخلت.. سابت الباب مفتوح ودخلت قدامي لحد ما وصلنا للصالون.. قعدت على الكرسي وبعدين قولتلها...
- اسف طبعًا إني بكلمك وانتِ في الحالة دي يا مدام...
- اسمي صفاء.. وآنسة مش مدام.
- اسف يا انسة صفاء.
- ولا يهمك يا فندم.
- طب اتفضلي اقعدي.. حضرتك هتفضلي واقفة كدة؟.
ارتبكت من كلامي ومن كتر ارتباكها قعدت مكانها بتلقائية.. كانت بتبصلي بخوف واضح.. حاولت اهديها وقولتلها...
- انا ملاحظ إن حضرتك متوترة.. ممكن تهدي شوية عشان اقدر افهم منك اللي حصل؟.
خدت نفس عميق وبعدين قالتلي...
- انا من ساعة ماشوفت سهر بالوضع ده وانا مش قادرة اتلم على اعصابي.
- طب اهدي شوية.. الرائد عدلي بيقول إن حضرتك كنتِ راجعة من برة وقتها.. ولقيتي الباب مفتـ..
- ايوة يافندم.. انا لما رجعت وشوفت الباب مفتوح استغربت.. مش من عادة سهر تسيبه مفتوح كدة.. قربت من الباب عشان اشوف في ايه؟.. لكن لما رنيت الجرس وماردتش عليا قلقت.. خصوصًا إني عارفة إن جوزها مش موجود.
قاطعتها وانا بسألها...
- وعرفتي منين إن جوزها مش موجود؟!.
- هي كانت سهرانة معايا هنا إمبارح بالليل وقالتلي إنه مش موجود اليومين دول.. عشان عنده شغل مهم ومش هيرجع قبل كام يوم.
- يعني هي كانت سهرانة معاكِ إمبارح؟.
- ايوة يافندم.
- تمام يا استاذة صفاء كملي.
- دخلت جوة الشقة وبدأت ابص فيها.. ماكنتش موجودة.. وشوفت باب أوضة النوم مفتوح.. بيني وبينك يافندم حسيت إن في حاجة غلط.. مشيت بهدوء ناحية الباب وأول ما دخلت وشوفت منظر سهر جسمي اتنفض.. ماكنتش عارفة اتلم على اعصابي.. صرخت وجريت برة الشقة.. دخلت هنا وقعدت في الصالة وانا مش قادرة افكر.. اتصل بمين ولا اعمل ايه؟.. في الاخر قررت اتصل بالشرطة.. وهو ده كل اللي حصل.
كان جسمها بيتنفض ونفسه متقطع بسبب العياط أول ما افتكرت المشهد.. عشان كدة قولتلها...
- اهدي يا استاذة صفاء.. اهدي.
- سهر ماكنتش تستاهل كدة أبدًا.. دي كانت ونعم الناس.. اخلاق وأدب ماشوفتهمش في حد قبل كدة.
- طب اهدي وإحنا إن شاء الله مش هنسيب حقها.. انا بس عايز اسألك عن كام حاجة كدة.
- اتفضل يا فندم.
- امبارح لما كانت سهر قاعدة معاكِ.. ماحستيش إن فيها حاجة متغيرة؟.. أو هي ماقالتلكيش إن في حاجة حصلت معاها؟.. خايفة من حد مثلًا.
- لا خالص يافندم.. احنا إمبارح كنا قاعدين نضحك ونهزر.. مافيش بس غير لما لقيتها مرة واحدة كدة سرحت.. ولما سألتها سرحت في ايه قالتلي...
- عمر مش راضي يخليني اسافر فرنسا لوحدي.
- ليه كدة؟!.. هي اول مرة يعني؟.
- مش عارفة بقى.. وانا عايزة اسافر.. لازم احضر المسابقة دي.. دي مهمة جدًا بالنسبة لي.
- طب ما تحاولي معاه تاني.
- حاولت بكل الطرق.. برضه مافيش فايدة.. من ساعة الموضوع اللي حصل وهو مش قادر ينسهالي.
- يانهار أبيض!.. هو لسه بيشك فيكِ؟.
- اه المتخلف.. قال يعني انا هبص لواحد بيبيع فريسكا على النيل!.. كنت ناقصة غبائه هو كمان.
- لا مالوش حق.. ايه التفكير الغريب ده؟!.. طب وانتِ ناوية تعملي ايه؟.
- هسافر واللي يحصل يحصل.. انا اصلًا خلصت إجراءات السفر.
- بس كدة هتحصل مشكلة كبيرة يا سهر.
- تحصل مشكلة بقى.. هو له عندي محاولة كمان.. ولو مارضيش هيصحى يلاقيني بكلمه من فرنسا.
- طب ماجربتيش تكلمي عوني بيه وتدخليه في الموضوع؟.
- بابي هو كمان شايف إن عنده حق.. وبيقولي احمدي ربنا إنه ماكبرش الموضوع.
- انا مش فاهمة حصل ايه لكل ده بصراحة!.
- ولا انا.. انا بقيت حاسة إنهم مايعرفونيش.. وكإنهم لسه بيتعرفوا عليا ومايعرفوش أخلاقي.. انتِ عارفة انا من كتر إحساسي بالإهانة كنت بفكر اعملها بجد.
- لا طبعًا ايه اللي انتِ بتقوليه ده؟!.. اهدي وإن شاء الله هتتحل.
بس يافندم هو ده االلي حصل يومها.
******
لما خلصت صفاء كلامها قولتلها...
- مسابقة ايه اللي كانت مسافرة فرنسا عشانها؟.
- مسابقة فنية.. سهر كانت رسامة شاطرة جدًا.
- غريبة يعني مالقتش ولا صورة في شقتها.
- لا ماهي كانت بترسم في الأتيليه بتاعها.. مابترسمش هنا.
- الأتيليه!.. وفين الأتيليه ده؟.
- في الرووف فوق.
- طب ممكن تطلعي معايا توريهولي؟.
- اه طبعًا اتفضل يافندم.
خرجنا انا وهي من الشقة وطلعنا الدور اللي فوق.. الرووف كان مقفول بباب حديد.. لكن لقيتها طلعت مفتاح من معاها وفتحت الباب.. بصيتلها باستغراب ومن غير ما اتكلم قالتلي...
- سهر كانت مدياني نسخة من المفتاح عشان لو حصل ظرف ولا حاجة.. اتفضل يا فندم.
دخلت الاتيليه وكان كله عبارة عن صور.. بصراحة المكان كان فوضوي بشكل كبير.. لكن ماقدرش أنكر إن الصور كانت مبهرة.. كملت صفاء كلامها وانا بتفرج على المكان وقالت...
- سهر كانت بتسافر كتير.. وساعات بتحتاج حاجة أو بتكون نسيت حاجة.. فبتكلمني وانا ابعتهالها أو هي تبعت حد ياخدهم.. ده السبب إنها كانت بتسيبلي نسخة المفتاح.
- وياترى كانت سايبالك نسخة من مفتاح الشقة؟.
- لا طبعًا.. هي كانت سايبة النسخة بتاعت الأتيليه لإن جوزها رافض الموضوع ده.. فهي مش هتقدر تعتمد عليه لو احتاجت حاجة تخص الأتيليه.
- وليه جوزها رافض انها ترسم؟!.
- بيقول إنه تضييع وقت وحاجة مالهاش لازمة.. اصل هو راجل عملي جدًا.
- مين اللي في الرسمة دي؟.
سألتها السؤال ده وانا بشاور على لوحة من اللوح.. كان مرسوم فيها شخص قاعد على البحر وسرحان.. شكل الصورة وكإنه حقيقي.. عشان كدة شكيت إنه شخص ممكن تكون سهر تعرفه.. قربت صفاء من اللوحة وبعدين قالتلي...
- ده مصطفى بياع الفريسكا.
- بياع الفريسكا اللي جوزها شاكك إنها على علاقة به؟.
- اه.
- طب وصورته بتعمل ايه هنا؟.
- دي حكاية طويلة.
- انا مافيش ورايا حاجة.
بصتلي واتنهدت قبل ما تقول...
******
16 ديسمبر 1990:
(مقطع من أغنية عبدالحليم حافظ – يا خلي القلب)
لو في قلبك قد قلبي حب ياحبيبي، يا حبيبي
لو بتكوي النار نهارك لو بتسهر زيي ليلي
لو صحيح بتحب، كنا نحضن حبنا ونبعد بعيد
بعيد عن عيون الدنيا، عن كل العيون.
كنت قاعد على البحر مستنيها.. وكان صوت عبدالحليم جاي من عربية الجيلاتي اللي جنبي.. صوته صحى فيا احلام كبيرة.. مش عارف إذا كنت هقدر احققها ولا لا؟.. وإذا كان اصلًا مسمحولي احلم بها؟.. ولا اللي زيي مالوش يحلم الأحلام دي؟.. الأغنية خلصت وانا فوقت من الحلم.. بصيت جنبي لكن ماكنتش لسه جت.. ضربات قلبي بدأت تزيد.. كنت متوتر.. خايف ماتجيش في اليوم الوحيد اللي قررت اصارحها فيه.. استنيت لحد ما الشمس بدأت تغيب.. وقتها قولت لنفسي اكيد مش هتيجي.. كنت حاسس إن دي إشارة من ربنا عشان يعرفني إن الموضوع ده ماينفعش.. خدت صندوق الفريسكا وقومت من مكاني.. بس وانا بلف وشي شوفتها.. كانت قاعدة على الدكة.. بصيت عليها من بعيد.. وابتسمت الإبتسامة الساذجة اللي ببتسمها كل ما اشوفها.. بعدها حطيت صندوق الفريسكا جنب بتاع الجلاتي وقولتله يخلي باله منه على ما ارجعله.. بعد كدة مشيت ناحيتها.. ماقدرش أقول إني كنت حاسس بنفسي.. وده لإني كنت حاسس من جوايا إحساس غريب.. كإني رايح اتعدم أو رايح اترمي في النار.. كل ما اقدم خطوة ارجع خطوتين.. لحد ما وصلت عندها.. كانت سرحانة في البحر.. والهوا بيداعب خصلات شعرها الطويل.. فيخليها أجمل.. وكإنه بيشاركني اللحظة وبيهيأ الأجواء قدامي.. حست بوجودي ولفت وشها ببطء ناحيتي.. ابتسمت.. ميلت راسها ميلة خفيفة وعلى وشها علامات تعجب.. اختفت الإبتسامة من على وشي.. لكن سكت وماتكلمتش.. هزت راسها وهي بتسألني...
- في حاجة؟.
حاولت انطق.. بس كإني فقدت النطق قدامها.. زي طفل خايب مش عارف إجابة السؤال.. عادت السؤال مرة تانية والمرة دي لهجتها كانت حادة شوية...
- في حاجة؟.
اتنحنحت قبل ما اقولها...
- هو انا ممكن اتكلم معاكِ؟.
الدهشة بانت على وشها أكتر.. وسألتني باستغراب...
- تتكلم معايا في ايه؟.
- انا.. انا.. ا...
ماكنتش عارف ابدأ منين؟.. ولا ابدأ إزاي؟.. مش عارف اجمع كلمتين على بعض.. لكن حاولت.. خدت نفس طويل وقولتلها...
- انا اسمي مصطفى.. وكنت عايز اقولك.. عايز اقولك يعني.
هزت راسها بعدم فهم وسألتني...
- عايز تقولي ايه؟.
- اصل انا.. انا بشوفك كل يوم.. كل يوم بتيجي تقعدي هنا.. وانا ببقى قاعد هناك.. و.. و.. ويعني كنت.. كنت عايز اقولك اني معجب بكِ.
نطقتها.. أخيرًا نطقتها.. ماعرفش ايه اللي هيحصل بعد كدة.. بس حسيت إن في جبل اتشال من على صدري أول ما قولتها.. وهي سكتت ماردتش.. لا ابتسمت ولا شتمتني.. كل اللي عملته إنها قامت من مكانها وسابتني ومشيت!.. ماكنتش فاهم تصرفها.. هي ليه عملت كدة؟.. كان ممكن ترد حتى لو هتقول كلام يجرحني.. بس على الأقل ابقى فهمت.. لكن اللي عملته ده حاجة غريبة بالنسبة لي.. عشان كدة أول ما فوقت من صدمتي بردة فعلها جريت خدت صندوق الفريسكا وروحت على عم جمعة.. أول ما شافني ضحك وقالي...
- شكلك بيقول إنها هزقتك.
هزيت راسي النفي.. فكمل وقال بلهفة...
- ايه وافقت؟!.
هزيت راسي النفي برضه.. فسألني باستغراب...
- اومال ايه اللي حصل؟.. اوعى تقول إنها ماجتش.
- لا جت.
- اومال ايه.. ماقولتلهاش؟.
- قولتلها.
- طب ما تنطق يابني.. ايه اللي حصل؟.
- ماعرفش.
- يعني ايه ماتعرفش؟!.. ماهو يا اه يا لا.
- انا أول ما قولتلها إن معجب بها سابتني ومشيت.. وماقالتش أي حاجة.. وجيتلك عشان اسألك.. معناه ايه اللي هي عملته ده؟.
بص لي لثواني وعلى وشه عدم فهم.. بعدها سابني وراح يعمل كوباية شاي.. وهو واقف عند البوتجاز قالي...
- انا مش فاهم تصرفها ده.. بس اللي اقدر اكدهولك إنها مازعلتش.. لإنها لو زعلت كانت هزقتك.
- ايوة بس معناه برضه إنها مش موافقة على الموضوع.. لإنها لو موافقة كانت قعدت واتكلمنا.
- عندك حق.. تصرفها غريب فعلًا.. بس هيبان.. كله هيبان.. إن ماكنش النهاردة يبقى بكرة.
- انا مش عارف هقابلها تاني إزاي بعد ما عرفت اللي جوايا؟!.
- هتقابلها عادي.. ولا كإنك قولت حاجة.. لو هي اتكلمت خير وبركة.. ماتكلمتش ولا تشغل بالك واعرف إنها رفضت بشياكة.
- فكرك كدة؟!.
- طبعًا وماتعملش غير كدة.. اوعى تكلمها تاني غير لو هي اللي بدأت الكلام.
- ماشي ياعم جمعة.. لما اشوف شورتك دي هتوديني لفين.. مع إني متأكد إنها هتغرقني.
******
17 ديسمبر 1991:
صفاء بصتلي واتنهدت قبل ما تكمل كلامها وتقول...
- سهر يومها كانت متخانقة مع جوزها.. وخرجت عشان تقعد على الكورنيش شوية.. اتفاجئت به بيقرب منها وبيقولها إنه معجب بها.. ماكنتش قادرة ترد عليه.. عشان كدة قامت وسابته.
- طب وهو يعني ماشافش الدبلة اللي في ايديها الشمال؟.
- سهر ماكنتش بتلبس الدبلة.
- ليه؟.
- من يوم ما اتجوزت وهي عايشة في مشاكل.. جوزها راجل شكاك بطبعه.. وهو اصلًا كان متجوزها جواز صالونات عشان يراضي اهله.. عمره ما اهتم بها خالص.. وكل ما يحس إنها فرحانة يفكر إن في راجل تاني في حياتها.
- يااه للدرجة دي؟!.
- وأكتر يافندم.
هزيت دماغي بتفهم وبعدين دققت في اللوحة ووقتها قولتلها...
- بس اللوحة مكتوب عليها تاريخ 20مايو 1991.
هزت راسها بالإيجاب وقالت...
- ايوة.. ماهي رجعت تاني بعدها واتكلموا.
- هي ومصطفى؟.
- اه يافندم.
- وايه اللي حصل؟.
******
ديسمبر 1990:
عدت ايام بعدها وهي مابتجيش.. كنت حاسس إني بوظت كل حاجة.. وضيعت احلى حاجة في حياتي من ايديا.. على الأقل الأول كنت بقدر اشوفها واتأمل جمالها.. دلوقتي مابقتش عارف حتى اشوفها.. الله يخرب بيتك وبيت افكارك يا عم جمعة.. لكن في يوم وانا قاعد على البحر لقيتها جت.. أول ما شوفتها قلبي نط من مكانه.. بس شوفتها جاية ناحيتي.. كنت بحاول ادارى في أي مكان.. بس قربت مني وأول ما وقفت قدامي قالتلي...
- انت قولت ايه اخر مرة اتقابلنا؟.
ماقدرش انكر إني خوفت من سؤالها.. حسيت إنه فخ عشان بعد ما اجاوبها تضربني بالقلم.. فبصيتلها لثواني وانا متردد.. لكنها سالتني مرة تانية...
- قولت ايه المرة اللي فاتت؟.
- ماقولتش.
- لا قولت.. خلي عندك شجاعة وعيد اللي قولته.
سكت وانا حاسس بإحراج شديد.. وبعدين قولتلها بتردد...
- قولت إني معجب بكِ.
بصتلي لثواني وبعدين ابتسمت وقعدت جنبي.. استغربت تصرفها أكتر.. وبصيت لها بتعجب.. ولقيتها حطت ايديها على الصندوق وقالت...
- شكله حلو اوي الصندوق ده.
ماكنتش قادر استوعب انها قاعدة جنبي وبتكلمني وهي مبتسمة.. فضلت ابصلها وانا مبتسم ابتسامة غريبة مش قادر احدد اذا كانت فرحة ولا دهشة وصدمة.. وهي لما لاحظت ده ضحكت ضحكة عالية وسألتني...
- انت عامل كدة ليه؟!.
اتعدلت وبصيت قدامي بإحراج وانا بقول...
- لا مافيش.. بس مش مصدق انك قاعدة قدامي دلوقتي.. وكمان بتضحكي معايا.
ضحكتها اختفت ولقيتها بصت في الأرض وبعدين قالتلي...
- بص يا مصطفى.. انا صحيح جيت واتكلمت معاك.. بس ده مش معناه إني موافقة على الكلام اللي قولته المرة اللي فاتت.
- مش فاهم قصدك.
- قصدي إني عايزاك تنسى اللي انت قولته المرة اللي فاتت.. انا جيت النهاردة اتكلم معاك لإني مخنوقة أوي ومحتاجة اتكلم مع حد مايعرفنيش.. ولا يعرف أي حاجة عني.
صحيح كل اللي قالته مافيهوش كلمة تجرحني.. بس حسيت إني ادبحت بسكينة تلمة.. لكن برضه ماقدرتش اشوفها كدة واسيبها وامشي.. عشان كدة نسيت وجعي وقولتلها...
- وانا سامعك.. اتكلمي.. ايه اللي مضايقك؟.
بصت قدامها وسرحت في البحر لثواني قبل ما تتنهد وتقول...
- حاجات كتيرة.. عارف يا مصطفى.. اوقات بتمنى لو كنت اتولدت بنت فقيرة ماتملكش أي فلوس.. افضل عايشة اليوم بيومه.. وابقى مضطرة اشتغل عشان لو ماشتغلتش مش هعرف اعيش.. ومالاقيش حد بيقربلي عشان عايز مني حاجة.. لكن بيقربلي عشان عايزني انا.. انت فاهمني يا مصطفى؟.
ابتسمت وانا ببصلها فرفعت حاجبها وقالتلي...
- بتضحك ليه؟!.
- بضحك عشان انا فاهمك.. بس انتِ فاهمة الحياة اللي بتتكلمي عنها دي عاملة ازاي؟.. مهما اوصفلك مش هقدر اوصلك الحياة دي صعبة قد ايه.
- مش مهم.. المهم إني ابقى حرة.
- وانتِ مش حرة؟.
- لا.. عمري ما كنت حرة.. مافيش مرة اختارت فيها حاجة.. حياتي كانت دايمًا طريق مرسوملي ولازم امشي فيه غصب عني.. وماينفعش اخرج عنه.
- بس انا شايف انك خرجتي عنه اهو.. جيتي هنا وقاعدة تتكلمي مع بياع فريسكا.
ضحكت وهي بتقولي...
- تصدق عندك حق.. اكيد بابي ماكنش راسملي ابدًا إني اقعد مع بياع فريسكا.
- انتِ اسمك ايه؟.
- قمر.
******
ديسمبر 1991:
خلصت صفاء كلامها وبعدين اتنهدت وقالت...
- ومن ساعتها وهم بيتقابلوا.
سألتها سؤال حيرني...
- هي سهر ليه ماقالتلوش اسمها الحقيقي؟.
- ماكنِتش عايزاه يعرف عنها اي حاجة.
- ليه؟!.
- مش عارفة.. بس هي قالتلي.. إنها كانت بتعتبر إن مصطفى شخص من عالم تاني غير عالمها.. عشان كدة كانت عايزة هي كمان تبقى واحدة تانية.. غير سهر اللي في عالمها الحقيقي.
- تمام.. بس بعد كل اللي حكيتيه ده.. ولسه شايفة إن سهر ومصطفى ماكنش بينهم أي حاجة؟.. اعتقد جوزها كان عنده حق في شكه فيها.
- لا طبعًا.. سهر ومصطفى ماكنش في بينهم حاجة.
- متأكدة؟.
- اه متأكدة يافندم.
- تمام.. هستأذنك تسيبي المفتاح معانا لحد ما التحقيق يخلص.. لإن الاتيليه ممكن يكون في أدلة مهمة.
- اتفضل يافندم.
ادتني المفتاح بعدها طلبت منها تنزل.. وفضلت واقف شوية قدام اللوح.. واللي كانت أغلبها لمصطفى.. وبيني وبين نفسي كان بيدور سؤال.. ازاي ماكنش في بينهم حاجة؟!.. اومال رسمتله الصور دي كلها ليه؟!.
******
سبتمبر 1991:
يومها كنا قاعدين على البحر.. لما لقيتها فجأة بتبصلي وبتقول...
- ايه رأيك ارسمك؟.
- ده على اساس إنك مارسمتنيش قبل كدة؟!.
- لا طبعًا.
ضحكت وانا بقولها...
- على فكرة انا شوفتك مرة وانتِ بترسميني.
ابتسمت وهي بتلعب في شعرها بخجل قبل ما تقولي...
- لا يعني مش بالظبط.. بس انا قصدي ارسمك بطريقة تانية.
- طريقة تانية ازاي؟.
- بصراحة انا هشارك في مسابقة مهمة جدًا كمان كام شهر.. وجت في دماغي فكرة دلوقتي إن انت تكون بطل لوحاتي.
ابتسمت ابتسامة واسعة وانا بسألها...
- بذمتك ده منظر واحد يكون بطل لوحاتك؟!.
- ليه بتقول كدة؟!.. انت شكلك حلو.. وانا متأكدة إني هكسب المسابقة باللوحات اللي هعملهالك.
كلامها فرحني جدًا.. مع إنها كان بتتكلم من منطلق تاني.. لكن فرحت إن هي شايفاني كدة.. وده السبب اللي خلاني اوافق ترسمني في لوحاتها.. كان جواها إحساس قوي إنها هتكسب المسابقة.. وفضلت 3 شهور بترسم لوحات.. لحد ما جِه اليوم إياه.. كنت قاعد مستنيها على البحر زي العادة.. لكن النهار راح والشمس غابت وهي لسه ماجتش.. قولت اكيد حصلت حاجة منعتها تيجي.. بس من جوايا كنت قلقان جدًا عليها.. روحت غيرت هدومي وبعدها نزلت قعدت مع عم جمعة.. ووقتها حصل اللي ماكنتش متوقعه.
******
ديسمبر 1991:
طلبت من عدلي يوصل لمصطفى بأي شكل.. على حسب كلام صفاء.. سهر كانت بتقابله على البحر.. ودي معلومة هستهل الوصول له شوية.. في نفس الوقت طلبت البحث عن جوزها لإني بقيت متأكد بنسبة كبيرة إن هو القاتل.. بس اللي عرفته يومها شئ غريب.
******
ديسمبر 1991:
كنت قاعد مع عم جمعة بنشرب الشاي.. وفجأة سمعنا صوت الرعد.. قال عم جمعة...
- سبحان من يسبح الرعد بحمده.. شكل الليلة هتبقى تقيلة يا مصطفى.
- مش اتقل من غيابها النهاردة.. انا خايف يكون حصلها حاجة.. أول مرة ماتجيش.
- ماتقلقش يابني.. إن شاء الله خير.
- ياريت ياعم جمعة.
المطر كان بينزل بغزارة في الشارع.. قومت قفلت الشباك.. لكن في نفس اللحظة الباب خبط.. روحت عشان افتح لكن عم جمعة شاورلي اقعد ومشي ناحية الباب.. الباب اللي كان بيخبط بعنف.. واول ما فتح الباب لقيت شاب واقف قدامه.. وبيقوله...
- مصطفى بتاع الفريسكا عندك؟.
بصله عم جمعة باستغراب وسأله...
- وانت عايزه في ايه؟.
- مالكش في.. انا بسألك هو موجود عندك ولا لا؟.. الناس قالولي انه بيقعد معاك كل يوم.
- لا مصطفى مش هنا.
أول ما عم جمعة قال كدة.. لقيت الشاب طلع من جنبه سكينة غرقانة دم.. وجهها ناحية عم جمعة وقاله...
- قولي الاقيه فين؟.
- مصطفى عزل من هنا.
مسكه الشاب من هدومه وهو بيصرخ فيه...
- قولي الاقيه فين بدل ما اقتلك.
في اللحظة دي خرجت من الصالة وقربت ناحية الباب.. كنت بزعق فيه...
- سيب عم جمعة ياض انت.
رفع راسه وبص لي وهو مبتسم ابتسامة خبيثة...
- ايوة كدة.. انت مصطفى اللي الهانم بترسمه في لوحاتها.
- انت مين؟.. وعايز ايه؟.
- انا المغفل اللي الهانم مقرطساه ومقضياها معاك.
- هانم مين؟.
- سهر هانم.. ايه مش عارفها؟.
- انا ماعرفش واحدة اسمها سهر.
- انت كمان بتكدب يا جبان.
زق عم جمعة وحاول يدخل من الباب.. لكن عم جمعة مسك فيه جامد وهو بيقول...
- انت رايح فين؟.. مش هتدخل.
- اوعى يا راجل انت.. سيبني.
- لا مش هسيبك.
- قولتلك سيبني.
رفع السكينة وضرب عم جمعة في قلبه.. صرخت بصوت عالي...
- عم جمعة.
وقف الشاب مصدوم وهو بيبص لعم جمعة والسكينة راشقة في قلبه.. قربت منها ومسكته وفضلت اضرب فيه.. بعدني عنه وهرب.. قربت من عم جمعة اللي كان واقع على الأرض ومش قادر يتنفس...
- عم جمعة.. حاول تمسك نفسك على ما اوصلك للمستشفى.
- ماتتعبش نفسك يا مصطفى.. انا خلاص أجلي جِه.
- حقك عليا يا عم جمعة.. ماكنتش اعرف إن الحكاية ممكن توصل لكدة.
- ياعبيط كلنا هنموت.. بس باختلاف الطرق.. وانا كدة كدة كانت رجلي والقبر.. المهم انك بخير.. خلي بالك من نفسك يابني.
غمض عينيه بعدها.. حطيت ايدي على رقبته كان لسه فيه النبض.. حاولت اشيله واقوم به.. لكن في اللحظة دي لقيت الظابط داخل من الباب.. وأول ما شافني قالي...
- انت بتعمل ايه؟!.. انت قتلته؟!.
- ماقتلتوش.. لسه عايش.. الحقوه بسرعة قبل ما يموت.
******
ديسمبر 1991:
بلغني عدلي على لاسلكي واحد من زمايله باللي حصل.. وقالي إنه رايح على المستشفى مع الراجل العجوز.. وإن معاه مصطفى في العربية.. اتحركت على المستشفى وأول ما وصلت لقيت عدلي واقف قدام أوضة العمليات ومعاه مصطفى.. مصطفى اللي كان باين عليه القلق جدًا.. قربت منه وقولتله...
- انت اللي قتلته؟.
- لا ياباشا.
بدأ يحكيلي اللي حصل.. وعرفت إن اللي زاره هو جوز سهر.. ووقتها قولتله...
- على فكرة سهر ماتت.. قتلها قبل ما يجي يقتلك انت كمان.
بص لي بذهول.. وعينيه وسعت على اخرها.. الدموع كانت بتنزل على خده.. لكن كنت حاسس إنه مش طبيعي.. وفجأة وقع على الأرض واغم عليه.. شيلته انا وعدلي وقعدناه على كرسي الانتظار.. بعدها طلبت حد من التمريض وخدوه وراحوا به على الطوارئ.. في الوقت ده طلبت من عدلي يروح يدور على جوز سهر.. قبل ما يهرب برة البلد.
******
10 مارس 2015:
لما فوقت من الصدمة بعد كام يوم.. عرفت إنهم قبضوا على جوز سهر.. لكن محمد بيه فريد خبى عليا إن عم جمعة مات ومالحقوش يسعفوه.. عرفت الخبر بعد اسبوع تقريبًا.. ودي كانت صدمة أكبر بالنسبة لي.. واخر يوم في المستشفى لقيت عوني باشا جاي يزورني.. كنت فاكر إنه هيهددني بالقتل أو هيتخانق معايا.. لكن لقيته قعد قدامي وقالي...
- انا عرفت حكايتك انت وسهر الله يرحمها.. واتأكدت إن ماكنش في بينكوا حاجة.. انا عيشت حياتي كلها اجبرها على كل حاجة.. عمري ماسيبتلها حرية الاختيار.. حتى الجواز اجبرتها عليه.. والرسم الحاجة الوحيدة اللي اختارتها بمزاجها.. كنت بتريق عليها واقولها إن اللي بتعمله شئ فارغ مالوش قيمة.. عشان كدة انا جايلك النهاردة عشان نحقق حلم سهر.
كنت ببصله وانا مش فاهم.. عوني باشا بيعيط؟!.. وبيطلب مني انا احقق حلم بنته؟!.. عشان كدة سألته...
- مش فاهم هنحقق حلمها ازاي؟.
- انا حجزتلك تذكرة لباريس.. انت هتروح المسابقة وهتحضر بدل سهر الله يرحمها.. انا اتواصلت مع المنظمين وفهمتهم الوضع.. وهم وافقوا إنك تروح مكانها ولو خدت جايزة انت اللي هتستلمها.
مش مستوعب اللي بيقوله!.. ده بجد؟!.. وفعلًا طلع بجد.. بعد ما خرجت من المستشفى بكام يوم.. خدت اللوحات وطيرت على باريس.. وكان معايا عوني باشا.. اشتركت في المسابقة وخدت المركز التاني.. وطلعت على مسرح كبير قدام ناس عمري ما كنت احلم اقابلهم.. كانت لحظة مهمة جدًا في حياتي.. وقتها شوفت سهر واقفة قدامي ومتبسمة.. انا عارف إن كان نفسها تكون موجودة.. بس برضه عارف إن هي مبسوطة عشان انا اللي استلمت الجايزة مكانها مش حد تاني.. لإن ده حلم بدأناه سوا.. وكان لازم اللي يكمله واحد مننا.. احنا وبس.. رجعت القاهرة ومعايا جايزة كبيرة وفلوس كتير.. وبدأت حياتي بها.. عوني باشا ساعدني واعتبرني زي ابنه.. لحد ما وقفت عليا رجليا.. ومع الوقت بقيت من أهم رجال الأعمال.. صحيح اتجوزت وخلفت.. لكن عمري مانسيت سهر.. ولا هقدر انساها في يوم من الأيام.. لإنها عايشة معايا في كل وقت.. بشوفها دايمًا وبتكلم معاها.
تمت بحمدالله
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم
