قصة عريس اختى كاملة بقلم فهد حسن
القصة كاملة
من أول مرة شوفت فيها عريس أختي، لما كان جاي يتقدم، لله في لله كده ما ارتحتلوش، كان فيه حاجة جوايا بتقولي متوافقش، لو وافقت هيحصل كارثة أو مصيبة بعد كده، وبرغم إني فعلاً موافقتش، إلا إني مقدرتش أقف قدام رغبتها عشان مبقاش ظلمتها، لكن اللي حصل بعد كده كان عندي حق فيه، لأنه كان خارج حدود العقل والمنطق.. وحتى الخيال.
يومها كان جاي لوحده من غير تهله، ولما سألناه ليه مجابش أهله معاه، قال إنه ملوش حد ولوحده دايمًا، أسرته المكونة من أب وأم وأختين اتوفوا في حادثة من 10 سنين، ومن يومها وهو عايش لوحده، وإنه من محافظة تانية وليه أهل بس من يوم ما اتولد ميعرفش حاجة عنهم، أسرته كانت مقاطعة باقي عيلته ولسبب ما والده ووالدته استقروا في القاهرة، وعاشوا حياة منفصلة عن باقي العيلة ومنعوا عيالهم من التعرف عليهم والوصول ليهم.
ده خلاني ماارتحيش أكتر.. بعدها حصل نقاش بيني وبين أسرتي لما خلص زيارته لينا ومشي، وقولت إنه شخص لا يصلح لينا وربنا يوفقه مع حد تاني، لكن زي ما قولت أختي صممت عليه، وبما إنهم شغالين مع بعض في نفس المكان، فمن الواضح إن ما بينهم معرفة خليته يجي يتقدم، فرضخت وقولت خلاص مادام عايزين بعض، كل واحد حر في اختيار شريك حياته اللي هيكمل معاه.
بعدها بيومين لقيته بيكلمني، وبيسألني عن القرار اللي أخدناه في موضوع الجواز، فجاوبته إننا موافقين وكل شيء تمام، فاداني ميعاد بعدها بكام يوم، وتحديدًا الجمعة عشان يعدي علينا وياخدنا نروح نشوف شقته، فوافقت.
ويوم الجمعة بعد ما نفذنا الاتفاق، روحنا نشوف شقته اللي كان مكانها في منطقة كويسة جداً، وكمان في عمارة ضخمة حديثة، فميلت على أختي وسألتها:
ـ هو سامر بيشتغل إيه بالظبط في الشركة عندكوا؟ فقالت:
ـ هو عميل عندها في الشركة مش شغال معانا.. وهو عنده شركة استيراد وتصدير ورثها عن أبوه.
ودي كانت صدمة بالنسبالي إن كلامها اتغير، حسيت إن ملامحها اتبدلت وسيطر عليها الكسوف والإخراج لانها كدبت عليا وقالت إنهم شغالين مع بعض، لكني حاولت أتماسك وأكتم غضبي عشان أعدي اليوم على خير، ولما نرجع البيت يكون في حل.
طلعنا بالأسانسير للدور التاسع، وبعدها هو سبقنا بخطوتين وفتح الشقة، ولما دخلنا حسيت إن الشقة ليها ريحة مميزة، ريحة سيئة ومعفنة كإنها مقفولة بقالها 20 سنة.. باللفظ ريحة مكمكة..بس في نفس الوقت كإن حد مولع فيها بخور أو رش نوع معطر فعملوا ميكس ريحة يخنق.. وأول ما دخلنا كلنا بدأنا نكُح، وأمي قالتله وهي مش قادر تاخد نفسها:
ـ إيه يا ابني الريحة دي؟ أنت مفتحتش الشقة دي من امتى؟
جاوب ببرود:
ـ أنا عايش لوحدي، وباجي على النوم وبس، أومال أنا عايز اتجوز ليه؟ عمومًا الموضوع عادي والأمر طبيعي.
كان هاين عليا امسكه اضربه في اللحظة دي واللي يحصل يحصل، لكني مسكت نفسي عنه لأن معايا أهلي ومش هينفع أعمل حاجة زي كده أبدًا.
بدأ هو يفتح شبابيك الشقة عشان الهوا يدخل، وبدأنا نتفرج على الشقة اللي كانت واسعة جدًا، ومفيهاش حاجة تذكر غير إنها فاضية تمامًا وعلى السيراميك، باستثناء أوضة واحدة فيها سرير وقديم يكاد يكون متهالك، وباقي الأوض كلها فاضية وعلى السيراميك زي الشقة، ولاحظت أوضة واحدة مقفوله، فسألته:
ـ مش هتفتح الأوضة دي نشوفها؟
جاوب بنفس البرود وقال:
ـ لا.
بدأت أخرج عن شعوري وقولتله:
ـ لا ليه يعني؟ افتح الأوضة خلينا نشوفها.
بصلي بغضب وقال بصوت في نبرة حدة:
ـ مش من حقك تشوفها، أنا مش عايز حد يشوفها أو يدخلها، هي خاصة بأمي وبيا وبس، اللي فيها ميهمكش.
وفي اللحظة دي امي ادخلت وقالت بنبرة فيها لطف:
ـ خلاص يا رحيم يا ابني، سيبه على راحته، كل واحد وليه خصوصياته.
للأسف وللمرة التالتة سكت وعديت اليوم لحد ما رجعنا البيت، وساعتها زعقت لأختي وقولتلها:
ـ إزاي تخبي عليا أو تكدبي في موضوع شغله ده؟
ردت أمي:
ـ خلاص يا ابني بقى، المهم إنه شخص كويس، وواضح إنه يقدر يفتح بيت، وأنت ابقى روح أعمله زيارة في شغله.
في الوقت ده هو اتصل عشان ياخد ميعاد للخطوبة، وأمي أجبرتني إني أديله ميعاد بعد أسبوع، وشاورتلي إني أطلب منه أروحله الشغل، فعملت كده غصب عني، وهو وافق وإداني عنوان شركته، واتفقنا إن تاني يوم هروحله.
تاني يوم في الميعاد اللي اتفقتنا عليه كنت عنده، بعد ما وصلت لمكان أقدر أوصفه إنه صحراء، ارض فاضية فيها مبنى يشبه المصانع، ولولا إن معايا عربية عمري ما كنت هوصل للمكان ده أبدًا، قربت من الباب واتصلت بيه، وبعد 5 دقايق لقيته خرج من بوابة المصنع وقاللي تعالى ادخل.
لما دخلت معاه لقيت نفسي في مكان كأنه مهجور، فيه آلات وماكينات مفهمتش دي بتاعت إيه؟ المكان يشبه الأماكن المسكونة بالأشباح ومفيهوش موظفين نهائي، مشيت معاه لحد ما دخلنا أوضة مكتب ماتقلِش في المنظر الغريب عن المكان من بره كتير.. سامر سألني:
ـ تشرب إيه؟
ـ قهوة مظبوط.. بس قبل أي حاجة؛ هو إيه المكان ده؟ وفين الموظفين؟
رفع سماعة تليفون داخلي وهو بيقول:
ـ هاتي اتنين قهوة مظبوط.
وبعدها ابتسم ابتسامة صفراء وكمل وقال:
ـ فيه موظفين عادي، بس هما في البريك، أنت بس مش طايقني من الأول فمستغرب كل حاجة، أنا حاسس باللي جواك.
قام وقف بعدها ومشي لحد باب الأوضة وقال:
ـ أنا مش بس بحس بالناس يا رحيم، أنا بعرف اللي جواهم بالحرف، تقدر تقول موهبة خارقة، إن أنا عندي القدرة على معرفة اللي بيدور في أذهان الناس، يمكن ده مُأرق للبعض، لكنه بالنسبالي متعة، حتى كمان أنا أقدر أتوقع أحداث بسيطة ممكن تحصل، حتى بص، الباب هيخبط لما تعد من 1ل10 والبنت هتيجي بالقهوة، عد يا رحيم..
معرفش ليه بدأت بالعد فعلًا.. كنت مجبر إني أنفذ كلامه، وأول ما وصلت للرقم 10 الباب خبط، قام هو فتحه وعلى شفايفه ابتسامة انتصار رهيبة، وكان ورا الباب فعلاً بنت معاها قهوة، ولاحظت إن شكلها غريب جدًا.. رفيعة بطريقة مبالغ فيها، تحت عنيها أسود جدًا وملامحها باهته ووشها شاحب.
أخد منها القهوة وشاورلها تمشي، رجع وحط القهوة قدامي وهو بيقولي:
ـ اتفضل، اشرب قهوتك.
شربت القهوة وأنا جوايا نفس الإحساس كإني مسلوب الرغبة والإرادة، حاسس إني في حلم مش حقيقة، زي ما أكون عايش الأحداث فعلاً بس روحي مش في جسمي.
الوقت مر معاه في كلام كتير مش فاكر منه أي حاجة غير إن اتولدت جوايا رغبة بالموافقة والقبول ناحيته، وإزاي ده حصل.. معرفش!.
خرجت من المكتب وأنا مغيب تقريبًا، خرجت من المكان ده وركبت عربيتي ورجعت البيت، ولما وصلت وأمي سألتني عن اللي حصل، لقيتني بقولها إنه شخص كويس وناجح، ولقيت عنده مصنع للبطاطس المغلفة وبيصدرها لعدد من الدول العربية والافريقية.
بعد ما خلصت معاها كلام حسيت للحظة إني مش فاكر إنه قالي كده، إنما وأنا بحكيلها كنت سامع صوته في ودني بيلقني الكلام ده اقولهولها.. وفي نفس الوقت مكننتش حاسس غير إنه صوت خارج من جوايا.
بعد ما خلصت فيها كلامي مع أمي حسيت بقلق وعدم راحة.. كان فيه حاجة غلط، حاجة بتصرخ جوايا وبتحذرني.. لكن اللي حصل بعدها خلى كل الحكاية تتقلب لرعب حقيقي.
بدأت الأيام تمر عادي، سامر بقى يتردد على بيتنا أكتر، كان لطيف زيادة عن اللزوم مع أمي، وده خلى أمي تحبه أكتر.. لكن أنا كنت متأكد إن في حاجة مش مظبوطة فيه.
في يوم خطوبة أختي، كانت كل حاجة ماشية طبيعي لحد ما حصلت أول حاجة غريبة.. بعد ما سامر لبس الدبلة في إيد أختي، الكهربا قطعت فجأة في البيت كله، وسمعنا صوت قوية.. أختي كانت متوترة، وأمي بتحاول تهدي الجو بكلامها. سامر ضحك ضحكة خفيفة وقال:
ـ مش مشكلة دي حاجات بتحصل عادي.
لكن عينيه كانت بتلمع بشكل غريب في ضوء كشافات تليفوناتنا..
بعد الخطوبة بيومين، أختي بدأت تلاحظ حاجات مش طبيعية.. زي إنها تلاقي دبلة الخطوبة مش موجودة في مكانها وترجع فجأة، أو تلاقي تليفونها بيرن ومفيش حد بيتكلم من الطرف التاني، وكأن صوت أنفاس تقيل بس.
قررت أواجه سامر. كلمته وطلبت منه يقابلني. رحب جدًا وقاللي تعال عندي الشقة بالليل.
لما روحتله استقبلني عادي، لكن من أول لحظة دخلت الشقة وحسيت بحاجة بتخنقني، نفس الريحة اللي كانت هناك وقت ما زورناه أول مرة.. كنت محضر نفسي إني هبعتر بكرامته الأرض، لكن لما قعدنا.. بدأ يتكلم بصوت هادي جدًا وقال:
ـ أنت برضو لسه مش مرتاحلي يا رحيم.. بس فيه حاجات أنت محتاج تعرفها.
بدأ يحكيلي عن عيلته، وعن حادثة غريبة حصلت معاه وهو صغير.. قال إنه فاكر ليلة معينة لما كان عنده 12 سنة، لما صحى على صوت صراخ عالي جاي من أوضة أهله.. ولما فتح الباب شاف أبوه واقف وسط الأوضة وفي إيده سكينة، ووشه كله دموع.
سامر قال إنه جري وقتها، لكنه ماقدرش يهرب بعيد. حاجة مش عارف يوصفها أجبرته يرجع. ولما رجع شاف إن أهله متكومين على الأرض، ومكنش عليهم نقطة دم.
كنت قاعد قدامه ومش قادر أقول حاجة. لكنه فجأة بصلي وقال:
ـ أنا عارف إنك شاكك فيا. بس الحكاية مش زي ما أنت فاكر.
قبل ما أرد سمعت صوت جاي من الأوضة اللي قال إنها خاصة بأمه.. نفس الأوضة اللي رفض يفتحها قبل كده. صوت خبط متكرر، كأن حد بيخبط على الباب من جوه.
فقولتله:
ـ طيب افتح الأوضة دي لو مفيش حاجة تخبيها، وريني إيه جواها.
سامر سكت شوية، وبعدين قام بهدوء وفتح الباب.
واللي شوفته جوه كان أكبر من أي حاجة ممكن أتخيلها.
الأوضة كانت مليانة صور قديمة لعيلة، بس الصور كلها متشوهة.. مفيش وش كامل كأن في حد قاصد يمحي معالم الوشوش.. وفي نص الأوضة كان فيه كرسي هزاز قديم بيتهز لوحده.. سامر قال بصوت ضعيف:
ـ في حاجة بقت معايا ولزقت فيا بعد اللي حصل.
الأوضة كلها كانت بتضيق علينا، أو كأني أنا اللي حاسس بكده.
بعد اللي شوفته في الأوضة دي، حسيت أني مش قادر أتنفس.. حسيت إن في حاجة كأنها بتخنقني، وزنة بتزن في ودني، وحاجة تقيلة على صدري.. سامر كان واقف قدامي وشه زي ما يكون ميت، عنيه ثابتة كأن مفيهاش روح.. حسيت أني لازم أمشي..
خرجت وأنا عقلي مشتت، هل اللي بيحصل ده طبيعي؟ لكن كل حاجة كانت مخلياني أشك.
أول ما رجعت البيت لقيت أمي قلقانة وسألتني:
ـ مالك يا رحيم؟ شكلك مش طبيعي.
رديت عليها وأنا مشوش:
ـ مافيش يا ماما.. متاخديش في بالك.
دخلت أوضتي وقعدت على السرير أفكر في كل اللي سامر قاله عن اللي حصل لعيلته.. إزاي ممكن حاجة تبقى لزقة في شخص؟ هو قصد إيه؟ شبح؟ لعنة مثلاً؟ مفيش حاجة في الكلام ده ممكن تدخل العقل.. من كتر التفكير دماغي لفت بيا ونمت.
تاني يوم صحيت على صوت أختي بتصرخ في أوضتها، حسيت إن الكابوس لسه مكمل.. جريت عليها؛ لقيتها قاعدة على السرير شعرها منكوش وعينيها مليانة خوف. سألتها في لهفة:
ـ إيه اللي حصل؟
بصتلي وهي مش قادرة تتكلم، وشها أسفر كأنها شافت الموت.. أخيرًا قدرت تنطق وقالت:
ـ حلمت بسامر، بس مش هو! شكله كان متغير، وشه مش بني آدم.. وكان بيقولي كلام عن الأوضة اللي ممنوع ندخلها، وقال إني لو حاولت أتكلم عن الموضوع ده كلنا هنموت.
كنت هقول لها إن دي مجرد كوابيس من قلقها، لكن قبل ما أنطق، لقينا حاجة على مراية الأوضة. جملة مكتوبة بخط باهت كأنها محفورة مش مكتوبة:
"اللي بيقدر يشوف، بيبقى جزء من الحكاية."
اتجمدنا مكانا.. قلبي كان هيوقف..حاولت أتماسك وقولت لها:
ـ أنا هشيل المراية دي وأرميها.
شيلت المراية فعلاً، وخرجتها برا الشقة كلها، لكن من جوايا كنت عارف إن الحكاية دي أكبر مننا بكتير.
فقررت أواجه سامر تاني. المرة دي روحتله على مكتبه، وكان في نفس المكان الغريب ده.. أول ما دخلت قابلني بنظرة عادية، لكن كان فيها حاجة مش طبيعية. كأنه عارف إن أنا جايله، وعارف أنا كمان جايله ليه.. قعدت قدامه وقولتله بحدة:
ـ اسمع يا سامر، أختي حلمت بيك حلم وحش جدًا، والمراية عندنا كان مكتوب عليها كلام غريب. إيه اللي بيحصل بالظبط؟
سامر ابتسم ابتسامة واسعة جدًا، وشوفت عينه بتلمع بشكل مش طبيعي. رد بهدوء:
ـ أنا حذرتك يا رحيم، الحكاية دي مش زي أي حاجة أنت تعرفها أو سمعت عنها.. فيه حاجات في الدنيا ملهاش تفسير، لكن وجودها حقيقي، وأنت اللي صمتت تفتح الأوضة.
ـ يعني إيه؟ إيه اللي عايز توصلهولي؟
رد عليّ وهو بيقوم من مكانه وبيمشي ناحية شباك المكتب:
ـ أنت وأهلك دلوقتي جزء من اللعنة دي.. الموضوع بدأ مع أهلي لكن اللي حصل معاهم كان تمهيد، أنا كنت الوسيط، لكن أنتم... أنتم الباقيين. الأوضة اللي عندي دي مربوطة بروحي، واللي يشوف اللي فيها بيبقى مربوط بيها زيي.
صوته كان مخيف، كأن فيه صوت تاني وراه بيتكلم بنفس النبرة. كملت أضغط عليه:
ـ ومين البنت اللي جابت القهوة؟ شكلها مش طبيعي هي كمان.
ضحك بصوت عالي وقال:
ـ دي مش بنت، دي الجنية أو الروح اللي بتتحكم في كل حاجة هنا.. أنت عرفت كتير، لكن ماينفعش تخرج قبل ما تاخد القرار اللي هي عايزاه منك.
في اللحظة دي الدنيا اتغيرت في ثانية، النور ضعف جدًا، وبدأت أحس بهوا بارد جدًا حواليا. سامر قرب مني وقالي:
ـ دلوقتي يا رحيم قدامك اختيارين: يا تنضم لينا وتقبل وجودك في الحكاية، يا إما مصيرك هيبقى زي اللي قبلك.
سامر كان واقف قدامي، وشه ثابت لكن عينه مليانة تهديد، وكأنه بيستمتع بالخوف اللي بيزرعه جوايا. الجو حوالي كان مكتوم، والهوا بارد جدًا كأنه سكاكين بتحفر في عضمي.. حاولت أتمالك نفسي، لكن الحقيقة إن كل كلمة قالها كانت بتخليني أخاف أكتر.. فسألته:
ـ أنا مش فاهم حاجة من كلامك! إيه الحكاية؟ وإيه المطلوب مني؟
سامر ابتسم ابتسامة مريضة، وقال:
ـ الحكاية ما ينفعش تتفهم بالعقل. هي أكبر من كده. كل اللي عليك دلوقتي إنك تقرر، يا تكمل وتبقى جزء مننا، يا أنت حر بقى.
بدأت أسمع كأن في ناس بتهمس بكلام مش مفهوم حوالينا، الأرض تحت رجلي بدأت تتهز هزات خفيفة زي النبضات.. المكتب نفسه كأنه بدأ يتغير. الحيطان بقت أغمق، لونها رايح للأسود، وفي شقوق صغيرة ظهرت فجأة في الحيطان.
اتكلم سامر بصوت واطي بس ثابت:
ـ أنت من ساعة ما شوفتني وأنت حاسس إني مش طبيعي. صح؟
هزيت راسي بحركة لا إرادية إن كلامه صح، ماكنتش قادر أقول حاجة. سامر كمل:
ـ عارف ليه؟ لأنك مش أول واحد يحس بكده. أنا مش طبيعي فعلًا. لكن أنا اللي كنت محتاجك، ومحتاج أختك. مش أنتم اللي بتختاروني، أنا اللي باختاركم.
اتحركت خطوة لورا، وأنا عيني عليه.. سألته بصوت مليان توتر:
ـ ومين اللي بيحركك؟! إيه اللي خلاك كده؟
سامر قرب مني وووشه بقى أوضح، وكل ما يبصلي عنيه تبقى أغمق وأعمق. همس وقال:
ـ مش مهم تعرف دلوقتي، لكن لو عايز تخرج حي، فيه حاجة لازم تعملها
ـ إيه هي الحاجة دي؟
ـ ارجع للأوضة وافتح الصندوق اللي جوة الدولاب. هتلاقي فيه كل اللي أنت محتاجه
سامر مشي ناحية الشباك ولف ضهره ليا كأنه خلاص زهق مني.. حسيت إن الفرصة الوحيدة للخروج من الكابوس ده هي إني أنفذ اللي قاله.
خرجت من المكتب بخطوات مترددة، وكان عندي إحساس إن في حاجة بتراقبني. المكان بقى صامت بشكل مرعب، ولا صوت آلات، ولا ناس، بس خطواتي على الأرضية بتعمل صدى عالي جدًا ومخيف.
وصلت للشقة اللي كنت فيها قبل كده.. ريحة المكان زادت سوء.. حسيت إن الشقة مهجورة أكتر من الأول.. ومعنى إنه ماجاش معايا ده مرعب أكتر من أي حاجة.. هل سامر مش بشر أصلًا؟ روح أو جن زي البنت اللي في مكتبه؟
حسيت إن باب الأوضة كإنه بوابة لجهنم. .الباب مقفول بنفس الطريقة اللي شوفته عليها أول مرة، لكن المرة دي كان عليه نقش غريب محفور عليه.. حاجات شبه الرموز، لكن مش مفهومة.. أول ما قربت وحطيت إيدي على المقبض، حسيت بنار بتلسعني، بس ماقدرتش أسيب المقبض كأن إيدي اتسمرت عليه.
الباب فتح بصوت مزعج، بصيت حواليا بسرعة ولقيت الدولاب اللي سامر قاللي عليه.. قربت منه بحذ، وقلبي كان هيوقف مع كل خطوة.. أول ما فتحت الدولاب لقيت الصندوق اللي اتكلم عنه.
الصندوق كان صغير وقديم.. معمول من خشب غامق، وعليه نفس النقوش اللي كانت على الباب.. حطيته على الأرض وبدأت أفتحه ببطء.. الغريب إن الصندوق كان خفيف جدًا كأنه فاضي، لكن لما فتحته لقيت جواه كتاب قديم جدًا وصفحاته متآكلة.
مسكت الكتاب وفتحته.. أول صفحة كانت مكتوبة بلغة مش مفهومة، لكن كل ما بصيت فيها أكتر، بدأت أفهم الكلام، كأنه بيتترجم قدامي.. الكلمات كانت بتقول:
"اللعبة بدأت، والهروب اختيار مش موجود.. واللي دخل جوه دايرة اللعبة لازم يكمل للنهاية.
في اللحظة دي، حسيت بحاجة بتتحرك ورايا.. لفّيت بسرعة وأنا قلبي هيوقف.. ولقيت ظل طويل جدًا على الحيطة.. الظل مش ظلي أنا، لأن مفيش مصدر نور أصلاً.. وقبل ما أستوعب اللي بيحصل، اتكلم بصوت خشن، وقال:
ـ أنت فتحت الباب اللي ما يتفتحش. سامر كان مجرد بداية.. اللعبة دلوقتي بينك وبيننا.
الكتاب وقع من إيدي، وكل حاجة حواليا اختفت.. رجعت ألاقي نفسي واقف في الشارع جنب عربيتي. كنت بتنفس بصعوبة وقلبي بيدق بسرعة، لكن الكتاب كان لسه في إيدي.. حاولت أفكر إذا كنت بحلم ولا لأ، لكن أثر الحرق على إيدي اللي فتحت بيها الباب أكدلي إن كل حاجة كانت حقيقية.
رجعت البيت بسرعة؛ ولقيت أختي واقفة في الصالة، باهتة زي ما شوفت البنت الغريبة في مكتب سامر. سألتني بصوت مبحوح:
ـ عملت إيه
ـ إحنا في مصيبة.. مصيبة كبيرة جدًا.
ساعتها حسيت إن كل حاجة حواليا بقت غريبة. المكان نفسه مش زي ما كان كأن الشقة فقدت روحها، أو يمكن أنا اللي فقدت الشعور بالأمان فيها.. الكتاب اللي في إيدي كان بيدّي طاقة مرعبة، وكأن في حد بيراقبني من خلاله
أختي كانت لسه واقفة وملامحها بهتت أكتر.. عينيها كانت مليانة خوف، لكن مش الخوف العادي اللي أنا متعود أشوفه على وشها.. ده كان خوف أكبر وأعمق كأنها عارفة اللي هيحصل وماعندهاش حل للهروب منه.
قربت منها وسألتها:
ـ إيه الحكاية يا نور؟ قوليلي بصراحة، سامر ده إيه؟ وإنتي مخبية عني إيه؟
نور بصتلي وعينيها فيها دموع، لكنها سكتت. حاولت أشدها للكلام لكن صوتها طلع متقطع:
ـ أنا.. أنا كنت فاكرة إن الموضوع عادي وإني أقدر أغيره، أو أقدر أخرجه من اللي هو فيه.. لكن اللي شفته منه أكبر من أي حاجة.. سامر كان بيحكيلي حاجات، حاجات عن ناس عرفهم زمان وماتوا.. لكن الغريب إنه كان عارف كل تفاصيل موتهم، وكأن...
قاطعتها وأنا صوتي مليان قلق:
ـ ها كملي.
هزت راسها ببطء، ودموعها بدأت تنزل أكتر.. وقالت:
ـ مش عارفة.. بس لما سيبته ورجعت البيت في اليوم ده الكوابيس فضلت تطاردني.. كوابيس عن نفس الشقة قبل ما أشوفها، ونفس الأوضة اللي مقفولة.. وعن سامر وهو واقف فيها وبيبصلي بعينيه اللي مش بشرية.
الكتاب اللي كنت ماسكه بدأ يسخن في إيدي كأن حد ولّع نار فيه.. غصب عني فتحته تاني، وبدأت الكلمات تظهر قدامي لوحدها.. النصوص كانت بتتحرك وبتشكل جمل بتخاطبني مباشرة:
"البداية كانت اختيارك.. النهاية مش ملكك. الخطوة الجاية: المواجهة."
نور بصت للكتاب وقالت:
ـ إيه ده؟ إنت جبت الكتاب ده منين؟
حكيت لها بسرعة عن اللي حصل وعن الظل اللي شوفته.. لما خلصت كلامي فضلت متنحة مكانها كأنها مش مصدقة، لكن جزء منها كان عارف إن ده كله حقيقي.
قالت:
ـىأنا حلمت بنفس الكتاب ده. شوفته في إيد سامر، وكان بيقرأ فيه، وبعدها كل حاجة اتغيرت.. في الحلم كنت أنا وهو في أوضة مضلمة، وسمعت أصوات ناس بتصرخ. لما قربت منه شوفته بيضحك، لكن ملامحه كانت بتتغير قدامي.
الكتاب كان بيشدني، مش للقراءة، لكن للحركة، كأن صفحاته بتقوللي: "اتحرك قبل فوات الأوان."
مسكت الكتاب واتوجهت لباب الشقة.. نور صرخت من ورايا:
ـ أنت رايح فين؟
ـ, رايح الشقة بتاعته. لازم نعرف الحقيقة. لو فضلنا قاعدين هنا إحنا اللي هنموت بدل ما نواجه.
نور رغم خوفها قررت تيجي معايا.. وصلنا للشقة أسرع من المتوقع، لكن كل حاجة فيها كانت ضلمة أكتر من قبل كده.. الريحة الكريهة زادت، والمبنى كله كان كأنه مهجور، مفيش حتى صوت سكان.
دخلنا الشقة بحذر. كل حاجة كانت زي ما هي، بس الأوضة المقفولة كانت مفتوحة المرة دي.. أول ما قربنا منها وولعنا كشافات التليفونات لقينا سامر كان واقف جوا.. وشه مليان هدوء غير طبيعي، ووراه حاجات غريبة متعلقة على الحيطان: صور قديمة، رموز، وحاجات شبه التحف لكن شكلها مريب
قال وهو بيضحك:
ـ كنت متأكد إنك هترجع يا رحيم. كنت مستنيك. اللعبة لسه ما خلصتش.
قبل ما أرد الأوضة اتحولت لكابوس حي. الجدران بدأت تتحرك، وصوت الصرخات اللي نور حكيت عنه بدأ يعلا أكتر.. سامر فتح إيده وقال:
ـ دلوقتي يا نكمل للنهاية.. يا إما نهايتكم هتبدأ.
الشقة كانت بتبلعنا جواها حرفيًا.. نور كانت واقفة ورايا متسمّرة مكانها، صوت نفسها مسموع في الصمت اللي كان بياقطع فجأة بصراخات خارجة من جدران المكان. سامر كان قدامي وشه ثابت ببابتسامة مليانة خبث وغموض، عينيه فيها لمعة مخيفة زي ما يكون شايف حاجة إحنا مش شايفينها.
قربت منه، صوت رجلي على السيراميك كان عالي، لكن الصوت الوحيد اللي غطى عليه كان نبض قلبي. حسيت إنه قادر يسمعه، قادر يحسه، وقادر يتحكم فيه. لما وصلت على بعد خطوتين منه قال بصوته الهادي، اللي رغم هدوءه كان بيقطع في روحي:
ـ عارف يا رحيم، كل الأسئلة اللي في دماغك دلوقتي ليها إجابة. لكن أنا مش عارف إذا أنت كنت مستعد تعرفها ولا لا.
نور قطعت كلامه بصوت مليان خوف وارتباك:
ـ إنت إيه؟ إنت عايز مننا إيه؟
سامر بصلها ببطء، وقال بهدوء:
ـ أنا مش عايز منكم حاجة. أنا اخترتكم بس لأنكم كملتوا النصيب. القصة بدأت قبل ما تتولدوا.
سكت شوية، كأنه مستمتع باللحظة، وبعدها كمل: "
ـ من سنين طويلة، كان فيه عيلة.. عيلة وقعت في غلطة ملهاش تصحيح. جدي، اللي كان واحد من عالمكم، قرر إنه يتحدى قوانين الطبيعة. وقع اتفاق مع العالم اللي إنت دلوقتي واقف جواه.
أنا حسيت بجسمي بيتكتف، مش حرفيًا لكن كنت متخشب من اللي بيقوله.
ـ والعيلة دي إيه علاقتها بينا؟ إحنا ملناش دعوة بيك ولا باللي حصل من سنين.
ـ دمكم هو حلقة الوصل اللي هتكمل الربط. وأنا موجود هنا عشان أنهي اللي بدأه جدي.
نور صرخت:
ـ دم إيه؟! إحنا بشر، ملناش علاقة بأي حاجة من اللي بتقولها.
سامر رفع إيده وصوته اتغير. بقى أعمق، وصدى كلماته مل المكان:
ـ بشر؟ يا نور إنتي شايفة نفسك بشرية لأنك مش فاهمة الحقيقة.. كل اللي تعرفوه هو قشور. لكن الدم اللي في عروقكم هو المفتاح.. المفتاح اللي هيخليني أرجع لعالمي وأحكمه.
كلامه كان بينزل على دماغي زي الشومة، وفي لحظة فهمت.. الشقة دي، الصرخات، الكتاب اللي ظهر فجأة.. كل حاجة كانت خطة.. خطة عشان يجرني أنا ونور للمرحلة الأخيرة.
نور اللي كانت دايمًا أضعف مني في المواقف دي، فجأة لقيتها بتواجهه بشجاعة:
ـ وإيه العالم اللي إنت عايز تحكمه؟ وإزاي دمنا هيعمل كده؟
ضحك بصوت عالي ضحكة مليانة جنون وغطرسة:
ـ العالم اللي بتكلم عنه مش حاجة تقدروا تتخيلوها. عالم أكبر من عقولكم. الدم بتاعكم هو الرابط بين عيلتكم وعالمي. لما نزلتوا عالم البشر، كنتوا زي الزرع اللي لازم يتسقى لحد ما يطرح. وأنا.. أنا الحصاد.
الأرض بدأت تتهز تحتنا، والجدران كانت بتنكمش وتتحرك كأنها بتاعنا.. نور قربت مني زمسكت إيدي، وقالت بصوت مرعوب:
ـ لازم نخرج من هنا. ماينفعش نسيبه ينفذ اللي في دماغه.
حاولت أتحرك لكن سامر رفع إيده تاني. الوقت وقف، والمكان كله بقى سكون.. قال بصوت مرعب:
ـ الخروج مش رفاهية ولا اختيار.. لازم تكملوا للنهاية.
في اللحظة دي حسيت بحاجة غريبة. كأن فيه نور صغير جوايا، نور بيتصارع مع الظلام اللي سامر بينشره حوالينا.. بصيت لنور وقولت:
ـ لازم نلاقي نقطة ضعفه.. لازم نوقفه قبل ما يبقى متحكم فينا تمامًا.
بس سامر رد وقال:
ـ, نقطة ضعفي؟ يا رحيم إنت لسه فاكر إنك عندك فرصة؟ الحكاية دي مافيهاش أبطال ولا أشرار. فيها مصير، وإنت ونور جزء من المصير ده.
صوته كان بيزيد قوة، والمكان كان بيقفل علينا أكتر وبيحبسنا جواه.. نور بصتلي وقالت:
ـ ماينفعش نستسلم، أكيد في حاجة نقدر نعملها وننهي بيها كل ده.
ولأول مرة فكرت في الكتاب اللي في جيبي.. سحبته بسرعة وفتحته على الصفحة اللي كانت مليانة رموز غريبة وبدأت اقراها..، ولأول مرة شوفت على وش سامر حاجة شبه الخوف.. حاول يقرب مني، لكن نور وقفت بيني وبينه، وقالت:
ـ إنت مش هتاخدنا. إحنا مش بتوعك.
سامر رد بخوف:
ـ ماتقراش.. اسكت.. أنت بتقرا غلط.. عرفت الطريقة دي إزاي.. اسكت.. اسكت..
الرموز بدأت تنور، وصوت صرخات سامر ملا المكان. الجدران كانت بتنهار، والظلام اللي حواليه بدأ يتلاشى. ولأول مرة حسيت إن فيه أمل.
المكان كان أشبه بحطام.. الجدران اللي كانت بتتقرب علينا فجأة بقت مجرد فراغ وكأنها اختفت.. الأرض اللي كنا واقفين عليها بقت زي السحاب، حاجة ما بين الحقيقة والوهم.. سامر كان واقف قدامي، لكنه مكنش نفس الشخص اللي كان من شوية.. وشه بقى ملامحه مش ثابتة، كأنها بتختفي وبتتكوّن تاني كل ثانية. كان واضح إن الكتاب اللي استخدمناه فعّل حاجة جواه، حاجة مش محسوبة.
نور مسكت دراعي، صوتها كان واطي لكنه مليان خوف: ـ رحيم.. في حاجة بتحصل.. في حاجة غلط.
بصيت ليها وحاولت أتمالك أعصابي، لكن الحقيقة كانت واضحة: إحنا كنا في قلب معركة أكبر مننا. سامر بصلي وعينيه بقت أعمق من الأول كأنها بوابة لفراغ عميق. قال بصوت مبحوح، كأنه بيكتم صرخة:
ـ إنت فاكر إنك كسبت؟ ده مجرد بداية.
قرب خطوة والهوا اللي حواليه كان بيتحرك معاه. قال: ـ الكتاب ده مش سلاح زي ما إنت فاكر. الكتاب ده ختم.. ختم بيربط بين العالمين. وإنت اللي فتحت البوابة.
صوت انفجار هز المكان، الأرض اللي تحتنا بتبدأ تتشقق. نور صرخت:
ـ بوابة إيه؟ إحنا ما عملناش حاجة.
سامر ضحك ضحكة، وقال:
ـ إنتوا مش فاهمين حاجة ليه.. من اللحظة اللي جيتوا فيها الشقة دي، كل حاجة كانت محسوبة.. كنتوا القطع اللي بتتحرك على رقعة الشطرنج، لكن الملك الحقيقي هو اللي بيتحكم في اللعبة.
الكتاب في إيدي بدأ يسخن وكأن فيه حاجة جواه بتغلي.. نور بصتلي وقالت:
ـ رحيم، الكتاب ده خطر.. إحنا المرة دي لازم نتخلص منه.
لكن سامر قاطعها بصوت مليان غضب:
ـ لو انخلصت منه العالمين هيقفلوا عليكوا للأبد... الكتاب هو الرابط الوحيد اللي ممكن ينقذكم.. أو يهلككم.
في اللحظة دي حسيت بحاجة جديدة.. كأن الكتاب كان بيهمس جوايا، بيقول لي إن أنا الوحيد اللي يقدر يفهمه. فتحت الكتاب بسرعة، والصفحات بدأت تتحرك لوحدها، لحد ما وقفت عند صفحة كانت مليانة رموز، لكنها المرة دي كانت واضحة أكتر.
بصيت للصفحة وقولت:
- أنا مش فاهم حاجة، لكن كأن فيه حاجة بتقوللي لازم أكمل قراية وماسمعش لكلام سامر.
سامر وقف مكانه، صوته اتغير من الغضب للذعر:
ـ اسكت، ماتعملش كده! إنت مش فاهم اللي ممكن يحصل لو قرأت اللي مكتوب.. العالمين هينهاروا.
لكن كان فيه حاجة جوايا بتقولي إن ده الحل الوحيد. بدأت أقرأ الكلمات، اللي كانت خارجة من لساني كأنها جزء مني.. نور كانت بتراقبني والخوف على وشها كان بيكبر مع كل كلمة بقولها.
سامر بدأ يصرخ، صرخات كانت بتهز المكان كله. الأرض تحتنا كانت بتتحرك كأننا واقفين على بركان. قال بصوت مليان ألم:
ـ إنت بتقتلني! إنت بتدمر اللي أنا بنيته.. ماكنش لازم تقرأ الكلمات بالطريقة دي.
فضلت مستمر، وحسيت إن الكتاب كان بينقلي قوة غريبة.. سامر بدأ يتراجع، جسمه كان بيتحول لضباب، ومع كل كلمة كنت بقولها كان بيختفي أكتر.
نور قالت بصوت عالي:
ـ كمل يا حيم، كمل.. هو بيختفي وبينتهي.
سامرقال:
ـ لو أنا هختفي مش هختفي لوحدي.. البوابة مفتوحة وكل اللي فيها هيخرج.
صوته كان آخر حاجة سمعتها قبل ما المكان كله ينهار. الأرض انفتحت تحتنا، وكأننا بونقع في حفرة مالهاش آخر.. نور صرخت وأنا حاولت أمسك إيدها.
لقينا نفسنا في مكان جديد. وسمعنا صوت همسات، وأصوات خطوات، وكأننا مش لوحدنا.. نور قربت مني، وقالت بصوت مهزوز:
ـ إحنا فين؟
ـ مش عارف.. لكن سامر قال إن البوابة اتفتحت. يمكن ده العالم اللي كان بيتكلم عنه.
في اللحظة دي سمعنا صوت جديد. صوت هادي لكنه مليان قوة:
ـ إنتوا فتحتوا البوابة لكن ماقفلتوهاش. واللي خرج منها لسه معاكم.
قولت:
ـ مين بيتكلم؟
الصوت رد:
ـ أنا حارس البوابة. وإنتوا دلوقتي جزء من العقد اللي كان مكتوب من سنين.. عشان تخرجوا لازم تدفعوا التمن.
قولت بغضب:
ـ تمن إيه؟
الصوت ضحك وقال:
ـ التمن هو اللي سامر كان بيحاول ياخده. دمك ودم نور. لكن الفرق دلوقتي إنكم قدام اختيار: تضحوا بنفسكم... أو تفتحوا البوابة لحد جديد.
نور بصتلي والدموع في عينيها وقالت:
ـ لازم نلاقي طريقة. ماينفعش نخسر كل حاجة.
لكن الحقيقة كانت واضحة.. كنا متحاصرين في لعبة أكبر مننا، والخيارات قدامنا كانت كلها بتودي لنفس النهاية: التضحية.
سامر رجع ظهر من جديد..ملامحه بقت مش بشرية. عينيه كانت شبه نار قايظة، وجسمه كان محاط بهالة نار كأنها بتمتص النور حوالينا.
قال بصوته العميق:
ـفاكرين لما قولتلكوا إن القصة كلها لعبة؟ الحقيقة إنكم كنتوا القطع الأخيرة اللي أنا محتاجها. الكتاب كان وسيلة لإكمال الطقس.. وإنت يا رحيم كنت المفتاح اللي بيفتح البوابة.
نور قربت مني وجسمها بيرتعش.. قالت بصوت واطي ومرعوب:
ـ قولتلك يا رحيم، كان لازم نتخلص من الكتاب.. إحنا لازم نهرب.
سامر ضحك ضحكة كانت أشبه بعاصفة:
ـ "تهربوا؟ أنتوا فاكرين إنكم لسه في عالمكم؟ البوابة مفتوحة خلاص، والعقد اكتمل.
نور صرخت: إنت بتتكلم عن إيه؟
رد عليها بهدوء مليان شر:
ـ أنا واحد من الجن. الجوازة دي كان متخطط ليها من سنين، ومجرد ظهوري في حياتكوا كان لتحقيق العقد. دلوقتي نور هتكون ملكي. العقد مكتوب بدمكم.
أنا ماقدرتش أستحمل أكتر وصرخت:
ـ مش هتلمسها.. لو العقد محتاج دم، يبقى أنا اللي هقفل البوابة.
سامر حاول يقرب.. لكن أنا مسكت إيد نور وشدبيتها وفضلت أجري زي المجنون.. أدركت إن كل ده سيطرة علينا في عالم الوهم، العالم ده مالهوش علينا أي سيطرة.. لو خرجنا منه زي ما دخلناه، فهنقدر نهرب بسهولة.. كل حاجة حوالينا بتتغذى على خوفنا، ومهيألنا إننا مانقدرش نعمل أي حاجة ولا نواجه.. المواجهة الحقيقة هي إدراكنا إننا أقوى.. فضلت أقول يا رب نجينا وأنا شادد نور وبنجري، والكتاب في أيدي التانية.. لحد ما لقينا نفسنا جوه الأوضة من جديد.. ولما بصينا ورانا؛ لقينا في ضوء اتجمع في دوامة ضخمة، وسامر اتحول لظل بيختفي جوا البوابة اللي بدأت تقفل.. كان بيصرخ لكن صوته ضعيف. البوابة قفلت، والمكان كله رجع لهدوء غريب.
خرجنا بره الشقة، ولقينا إن الشقة فعلاً مهجورة.. بس العمارة كانت عادية لأن الشقة في آخر دور.. نزلنا أنا ونور أختي لحد تحت.. وعند البوابة لقينا البواب قاعد، وأول ما شافنا قام مذعور زي ما يكون شاف عفريت.. سألنا انتوا مين ونازلين منين.. فجاوبناه.. فقال إن الشقة دي مقفولة من سنين.. بعد ما في راجل قتل أسرته كلها فيها وقتل نفسه بسبب إنه كان ملبوس.. ومن يومها الشقة مسكونة بروح واحد اسمه سامر.. وإن دي الحكاية اللي هو سمعها لكنه مايعرفش حاجة عنها.. وكان فاكرنا في الأول حرامية، لكن لما شرحناله واتكلمنا معاه سابنا نمشي.
وإحنا في طريقنا للبيت وقفت وحرقت الكتاب.. وواضح إن سامر ده كان ليه علاقة بعيلتنا زمان، يمكن حد من جدودي، أو أبويا.. وأكيد الكل خبى علينا عشان مايفضحش نفسه.. وفي النهاية ربنا نصرنا.. أتمنى إن الحكاية تنتهي هنا بحرق الكتاب.. وسامر يختفي للأبد.
تمت..
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا