قصة الشقة كاملة بقلم فهد حسن
كنت محتاجة شقة قريبة من الكلية بتاعتي، لأن بيتنا في العاشر من رمضان، والمواصلات بتاخد مني وقت كتير كل يوم لحد الجيزة.. دورت كتير على شقة مناسبة، بس الإيجارات غالية جدًا، لحد ما صاحبتي نور قالتلي إن فيه شقة صغيرة في عمارة قديمة، موجودة في شارع عماد الدين وإيجارها مناسب جدًا.
روحت شوفت الشقة؛ وكانت فعلاً في عمارة قديمة جدًا من أيام الملكية بس عجبتني.. الشقة في الدور الرابع، أوضة وصالة ومطبخ وحمام، مفروشة بعفش قديم بس نضيف، صاحب الشقة راجل كبير في السن وقالي إن الشقة دي بتاعت بنته، بس بنته سافرت بره من سنين وهو بيأجرها للطلبة..
وافقت على الإيجار على طول، ودفعت شهر تأمين وشهر مقدم واستلمت الشقة.. دي أول مرة أعيش لوحدي وكنت متحمسة جدًا.. رتبت حاجتي وبدأت حياتي الجديدة.. أول أسبوع عدى عادي، بروح الكلية الصبح وأرجع على المغرب أذاكر وأنام.. كنت مبسوطة إن المشوار بقى قصير وإني بقيت أقدر أنام براحتي شوية. بس بعد أسبوع بدأت ألاحظ حاجات غريبة.. بحس إن فيه حد بيراقبني وأنا في الشقة.. كنت بسمع أصوات خطوات في الصالة، أو بلاقي حاجات مش في مكانها، زي كتاب كنت حطاه على الترابيزة ألاقيه على الأرض، أو كوباية ماية كنت حطاها في المطبخ بلاقيها في الصالة.. حاجات كتير شبه كده.
في البداية أقنعت نفسي إن ده بسبب إني مش منتبهة أو إني تعبانة ومش مركزة.. بس الحاجات الغريبة استمرت وزادت.. وفي ليلة كنت نايمة وصحيت على صوت موسيقى قديمة خفيفة جاية من الصالة.
قومت وبصيت في الصالة والموسيقى فضلت مستمرة بس مكنتش عارفة مصدرها.. مكنش عندي راديو أو أي جهاز ممكن يشغل موسيقى.. وقولت لنفسي إن الصوت ده أكيد جاي من شقة تانية في العمارة.
دخلت نمت وكبرت دماغي، والصبح سألت واحدة من الجيران قابلتها وأنا نازلة، إذا سمعت موسيقى بالليل، مش شرط امبارح بس عمومًا يعني، فقالت لي ماسمعتش حاجة ولا عمرها سمعت.. سألت صاحب الشقة إذا كان فيه حاجة غريبة في الشقة، ضحك وقالي إني ممكن أكون بسمع أصوات من الشقق اللي حواليا.
حاولت أصدق كلامه، وأقنع نفسي إن مفيش حاجة غريبة.. وباليل صحيت تاني على صوت الموسيقى. المرة دي أعلى، وفيه صوت ضحكة ست مع الموسيقى. قومت مفزوعة وخرجت الصالة.. وياريتني ما كنت خرجت.. شوفتها.. شوفت ست لابسة فستان أبيض طويل وتصميمه عقديم، شعرها طويل وأسود، وكانت واقفة في نص الصالة وبترقص على الموسيقى وبتضحك.. وشها شاحب زي الميتين.
أول ما شوفتها صرخت، ورجعت جري للأوضة وقفلت الباب وحطيت وراه كرسي.. قلبي كان بيدق جامد وجسمي بيترعش.. وسمعت خطوات بتقرب من الباب، وبعدين صوت خبط خفيف على الباب وصوت الست بتقول:
ـ فتحي الباب يا سارة.. عايزة أتكلم معاكي.
صرخت:
ـ أنتي مين؟! عايزة إيه مني؟!
ـ أنا ليلى ودي شقتي.. وأنتي هنا ضيفتي..
ورجع صوت الموسيقى والضحك من تاني في الصالة، فضلت في الأوضة بعيط من الخوف لحد الفجر، وبعدين كل حاجة سكتت مع الأذان.
ولما نور الصبح طلع فتحت الباب بحذر، وساعتها لقيت ليلى قاعدة. زي ما شوفتها قبل كده، لابسة فستان أبيض وشعرها طويل وأسود وقالتلي:
ـ عايزاكي تسمعي حكايتي.
أنا فضلت متخشبة في مكاني ومش قادرة اتحرك، وهي قالتلي إنها كانت مغنية ورقاصة مشهورة في الأربعينات، وكانت بتحب حد من الطبقة الملكية ووعدها إنه هيتجوزها، بس أهله رفضوا إنه يتجوز رقاصة، وضغطوا عليه يتجوز بنت عمه. في الأول رفض بس في الآخر وافق وسابها.. وهنا ليلى حاولت تنساه بس مقدرتش. كانت بتشوفه مع مراته في الحفلات وقلبها بيتقطع.
وفي مرة بعد ما شافته في حفلة مع مراته، رجعت الشقة وشربت سم وماتت.. ومن ساعتها وهي هنا مش قادرة تسيب المكان وحاسة إنه هيرجع يدور عليها.
ساعتها أنا اتكلمت وسألتها:
ـ بس ده كان من 80 سنة.
ـ عارفة، بس حاسة إنه لسه عايش وإنه هيرجعلي.
حسيت بحزن عليها.. ولقيت نفسي بقولها:
ـ أنا كمان حبيبي خاني مع صاحبتي.
ـ عشان كده أنا ظهرت لك، حسيت إننا متشابهين.
من اليوم ده، بقيت أشوف ليلى كل ليلة تقريبًا، ببتظهر وتقعد معايا وتحكيلي عن حياتها وعن مصر في الأربعينات، وعن الحفلات والموسيقى والرقص، وأنا كمان كنت بحكيلها عن حياتي وعن الكلية وعن مشاكلي.. في البداية كنت خايفة منها، بس مع الوقت بقيت أعتبرها صديقة.. بس مع الوقت حسيت إن في حاجة بتحصل وإن ده مش مفروض يحصلي، أنا عايشة ومصاحبة شبح؟
ساعتها كنت خلصت امتحانات، فقررت أسيب الشقة، وسيبت الشقة في نفس اليوم، ورجعت أعيش مع أهلي، حاولت أنسى اللي حصل وأقنع نفسي إنه كان مجرد كابوس أو هلوسة.. بس اللي مخليني مش مطمنة إني ساعات بسمع صوت موسيقى قديمة في أوضتي بالليل، وساعات بشم ريحة عطر قديم زي اللي كانت ليلى بتحطه.. وأحياناً بشوف ظل بيتحرك في الأوضة، وأنا عارفة إنه ظل ليلى.. يمكن ليلى لحقتني من الشقة للبيت، أو يمكن هي مجرد ذكرى علقت في دماغي. مش عارفة. بس اللي أنا متأكدة منه إني مش هسكن في شقة قديمة تاني مهما كان سعرها رخيص.
تمت..