قصة دكتور زين كاملة بقلم فهد حسن


 قصة دكتور زين كاملة بقلم فهد حسن

القصة كاملة 

كان واحشني جو البلد جدًا، قاعدة الشاي في الغيط والغدا وسط الخضرة من خير الأرض والبيت، وخصوصًا إن بقالي سنين مرجعتش مصر بسبب الشغل في الخارج.. لما رجعت مقولتش لحد إني راجع عشان أعملهم مفاجأة، وأول ما أمي شافتني؛ قامت من على الأرض كإنها بنت في العشرين وحضنتني، هي الحاجة الوحيدة اللي بفتقدها وبتوحشني في حياتي.
بعد السلامات والاستقبال من أمي وأبويا وإخواتي وفرحتهم برجوعي.. روحنا فعلاً الأرض بتاعتنا واتغدينا وسط الخضرة والجو الجميل.
وفي الليل قعدت مع أبويا في قعدة الشاي على المصطبة وكان كالعادة فيه تبادل للحكايات والأسئلة ووجهات النظر اللي ناتجة عن حياة ورؤية الناس البسيطة الغلابة.
كنت فعلا محتاج اليوم ده جدًا، كنت محتاج افتكر أنا مين بعد ما نسيت نفسي في زحمة الشغل ونظرة الناس ليا كدكتور.. في وسط كل التبجيل ده بتحتاج تفتكر انتمائك الحقيقي وبساطك.
الوقت فات بسرعة وكل الناس مشيت ما عدا عم أنيس
اللي فضل قاعد وفاجئني بسؤال غريب وقال:
ـ بما إنك دكتور يا زين يا ابني، عايز اسألك عن مشكلة بتحصل لمراتي.
عنيا يا عم انيس اتفضل، فقال:
ـ معرفش يا ابني مالها اديلها مدة، كل أسبوع تتعب يوم ولا يومين وتطلع عيني، اديلها ٤ شهور أهو ودوخت بيها على الدكاترة، مفيش حد عارف عندها إيه ولا إيه علتها..
ـ طيب احكيلي يا عم أنيس إيه بيحصل؟!
ـ مراتي دي اتجوزتها قريب عشان أم العيال ماتت من سنة ونص كده، أصل الوحدة صعبة وولادي كلهم في مصر والدنيا تلاهي يا ابني، فاتجوزت من ٥ شهور ست غلبانة من الكفر اللي جمبنا، وبعد شهر واحد من الجواز جيت في يوم ولقيتها خارجة من الحمام بتصرخ،  فضلت أسألها في إيه، ولما بقت كويسة قالتلي:
ـ وأنا بستحمى يا حاج انيس لقيت فار واقف على شباك الحمام، هشيته وقفلت الشباك، لكن لقيت الشباك اتفتح لوحده والفار واقف من تاني وبيبص عليا.
ـ وفضلت تصرخ جوه الحمام  يا دكتور لحد ما خرجت تجري، ومن يومها وهي كل يوم في ميعاد اليوم ده ألاقيها  تدخل تصرخ في الحمام وتفضل تتشنج وتبرق عنيها، لدرجة إني بخاف منها يا زين يا ابني، ومفيش دكتور عارف عندها ايه.
ـ طيب يا عم أنيس.. روح أنت دلوقتي وبكرة الصبح إن شاء الله بعد الضهر هتلاقيني عندك..

عم أنيس مشي وفضينا القاعدة.. وأنا فضلت في أوضتي طول الليل بفكر في كلام عم أنيس ومافارقيش بالي.. يا ترى ليه بتدخل تصوت في الحمام؟ ممكن تكون حالة من الهلاوس البصرية مثلاً؟.. الموضوع غريب شوية.
وتاني يوم وصلت لبيت عم أنيس وكان في انتظاري، وأول ما دخلت لقيت الست مراته واقفة في حالة استقامة غريبة، ومحركها راسها لتحت وتانية رقبتها وبصالي بصة تحدي رهيبة..
رميت عليها السلام وقعدت، والست مشالتش عينها من عيني ولا غيرت النظرة خالص.. عم أنيس وقته فهم إن مراته تصرفتها غريبة، يمكن أغرب المرة دي من كل مرة، فخدها بعيد ودخلها أوضة وقفل عليها، ولما رجع قالي:
ـ آدي الحال يا زين يا ابني، على كده من ٤ شهور والحال عمال يخرب ويبوظ.. لدرجة يا ابني لما زهقنا من الدكاترة روحنا لشيخ، وبرضو مفيش فايدة والموضوع بيزيد.
ـ طيب ممكن تجيبها تاني يا عم أنيس؟
قام فعلاً وجاي مراته مرة تانية، ولما جت قعدت قدامي وكان جسمها متصلب ومشبكة إيديها في بعض بطريقة عصبية جدًا.. كإن غضب العالم كله جواها..
حالة غريبة قدامي مش عارف أحددها.. انا تخصصي مش نفسي لكن كان عندي أفكار وخلفية من اللي درسته في الكلية زمان.. بعد دقايق من تبادل النظرات بيني وبينها فجأة قالت:
ـ أنت اللي جايبينك عشان تخليني أسيبها؟

اتفزعت واتخضيت.. كان صوت غليظ جدًا، ولما يخرج من ست وأنت مش متوقع إن الصوت ده يكون خارج من ست فده خلاني أتخطف وأتفزع.. وفضلت ثواني مستغرب ومشتت ومش فاهم حاجة.
الست اتكلمت تاني بنفس الصوت وقالت: 
ـ امشي أحسنلك..

ففهمت وقتها إني قدام حالة مس شيطاني مش مرض نفسي، ويمكن تداخل ما بين الاتنين، أنا مبخافش من الحاجات دي، بس اللي خلاني بس اتفزع، زي ما قولت إني مكنتش متخيل إن يكون صوتها كده، فكانت المفاجأة مش أكتر.
طلبت من عم أنيس يحجمها ويسيطر عليها، وبدأت اقرأ الرقية الشرعية، بس ملحقتش أكمل لأنها فكت من تحكمه فيها وزقته على الأرض وفضلت تصرخ وتترعش وتقطع وشها بضوافرها.
جبت ماية بسرعة ورشتها بيها، فسمعت صوت كأن الماية نزلت على نار فانطفت.. جسمها سكن وهدي وكأنها جثة هامدة.
طلبت من عم أنيس رقم الشيخ اللي كان بيعالجها وكلمته، وجه بعد ساعة ومتأخرش، وقالي:
ـ الست مرات عم أنيس حد رابطها بجن يا دكتور، و٩٩٪ والله أعلم اللي رابطها ده طليقها، لأن أوقات كانت بتقول اسمه بصوت تخين مش صوتها، ولما شافت الفار في الحمام، كان ده الشر المتسلط عليها، الفار ده زي ما تقول كده زي الكاميرات يا ابني.. اللي عامل الربط بعيد، لكن يقدر يتابع الموجود في مكان تاني.. بس هنا الكاميرا جن يربط الست عن زوجها، وأنا معنديش حل إلا إن عم أنيس يطلقها ويسيبها لحال سبيلها، لأن الموضوع مش هيتحل، ولو اتحل فهياخد سنين وسنين، فأحسن حل إنها تروح لحالها.. أحسن ليها ولعم أنيس.
وبالنسبة إنك لما رميت عليها الماية هديت، لأن ده اسمه "جن الرابط الناري" هو ممشيش، بس هو وهمك وضحك عليك إنك كسبته، لكنه هو هنا ومعانا.. معنديش كلام تاني أقوله..

الشيخ خلص كلامه واستأذن ومشي لأن عنده مواعيد تانية، وواضح إن الحل الوحيد فعلاً إن عم أنيس يطلقها ويسيبها لحال سبيلها، وده اللي عم أنيس رفضه تمامًا، فجأة لقينا جسم الست نجية انتصب في وضع القعدة، زي حرف "L" وفضلت تبصلي وعنيها بتنزل دم.
ومرة واحدة هجمت عليا، ومسكت رقبتي وكانت بتخنقني.. حاولت بكل قوتي أشيل إيدها من على رقبتي.. وعم أنيس كان بيحاول معايا لحد ما قدرنا نفك قبضة أيدها عن رقبتي، واتملكنا منها بكل قوتنا وجسمها همد من حالة الغضب اللي كانت مسيطرة عليها، وبسرعة إدتها حقنة مهدئة ونامت.. لأني كنت عامل حسابي على لحظة زي دي.
بصيت لعم أنيس وقولتله: 
ـ الموضوع صعب جداً جدًا، لازم أقعد مع الشيخ ده تاني ونتكلم أكتر.
 اتصلنا بيه تاني فقال:
ـ  هرجعلكوا بعد صلاة العشا ونقعد ونتكلم..

الحقنة اللي ادتهالها تخلى الإنسان ينام ١٢ ساعة متواصلة، وده كافي إنها ترتاح شوية وتفصل عن العالم كله، كان الدم اختفى من عينيها لحظة ما غابت عن الوعي، نقلناها لأوضتها ومشيت رجعت البيت، وكنت تعبان جدًا فنمت على طول.
ولما صحيت كان الليل دخل، وما بين حالة الخمول اللي بنبقى فيها أول ما بنصحى والتفكير إننا نقوم.. لمحت حاجة بتتحرك في زاوية الأوضة ورا الباب، أنا متعود أنام وباب الأوضة مفتوح، فقولت يمكن الهوا.. اتعدلت وقومت قعدت وبصيت علر الباب فلقيته بيتحرك براحة جدًا، فقومت عشان أخرج، وساعتها الباب اتقفل مرة واحدة كأن حد واقف وراه خبطة بكل قوته لدرجة  إن الخبطة رجت البيت كله.
 ولما اتقفل لقيت فار ضخم في وشي.. رجعت لورا  من الخضة لأن شكله مخيف.. وساعتها هو جري وقف على الشباك، وفجأة وقف على رجليه وحجمه بقى في حجمي، وحجم أي إنسان طبيعي وقال:
ـ ده مجرد انذار، نجية ملكي وبس.
وبعدها نط من الشباك واختفى.
حسيت قلبي هيقف من الرعب.. مشهد الفار وهو بيكبر قدامي ويتحول لكائن بشري كان فوق استيعابي.. ده مش مجرد جن، ده كيان قوي، وده معناه إن اللي مربوط بنجية مش أي حد، ده حد وراه قوة مرعبة.
اتنفست بصعوبة وأنا واقف مكاني، مش عارف أتحرك ولا أستوعب اللي حصل.. هل أنا بهلوس؟ ولا فعلاً فيه حاجة بتطاردني زي ما بتطاردها؟!
كان لازم أتصرف، لازم أفهم أكتر..مسكت تليفوني ومن غير تفكير طلبت رقم الشيخ اللي خدته من عم أنيس، بس وأنا مستني يرد سمعت صوت خربشة ضعيفة جاية من ورايا.
اتجمدت مكاني.. حركت عيني ببطء ناحية المراية اللي قصادي وشفت فيها حاجة سودة قصيرة واقفة في عند باب الأوضة بتتحرك ببطء ناحيتي.
جسمي كله اتخشب.. كنت شايف الكيان بوضوح في انعكاس المراية، لكنه مش موجود في الحقيقة. صوت الشيخ جه في التليفون، لكني كنت شبه مش سامع… الكيان ده وقف ورايا تمامًا، حسيت بنفسه البارد على رقبتي، وهمس بصوت أجش:
ـ امشي أحسنلك أنا حذرتك. وإلا هنهي حياتك.
والبيت كله اتهز هزة قوية، وباب الأوضة اتفتح مرة واحدة، ولقيت نفسي لوحدي والكيان اختفى.

 لازم أرجع لبيت عم أنيس فورًا.. في الطريق وأنا رايح لعم أنيس كنت حاسس إن في حاجة ماشية جنبي.. كل مرة أبص في ورايا ألمح ظل بيجري بسرعة غير طبيعية وسط الطريق ويختفي في الزرع.. إحساس إن حد بيراقبني كان مخليني مش قادر أتنفس كويس.
وصلت أخيرًا ولقيت البيت هادي بشكل غريب، ما عدا نور ضعيف جاي من أوضة نجية.. أو الأوضة اللي عم أنيس يعني دخلها فيها بعد ما أنا اديتها الحقنة.
خبطت الباب ومكنش فيه رد.. كنت سامع صوت زي تمتمة.. صوت مش مفهوم كأن في حد بيتكلم بلغة مش بشرية.
خبطت الباب ودخلت.. لقيت عم أنيس قاعد على الأرض وعينه واسعة ومبرقة جدًا، وباصص لنجية اللي كانت قاعدة على الكنبة بس مش هي.. أو بمعنى أصح؛ مش في حالتها الطبيعية.
عينيها كانت بيضا تمامًا ومفيهاش النني الأسود بتاعنا ده، وشها كان مشدود بطريقة مش طبيعية، وجسمها كان بيتحرك بطريقة مريبة وكأن كل عضلة فيه بتشتغل لوحدها.
لما شافتني ابتسمت ابتسامة عريضة جدًا، وسمعت صوتها لكنه كان صوتين في نفس الوقت. واحد منهم عميق ومخيف:
ـ رجعت ليه؟ مش قولتلك امشي؟
بصيت لعم أنيس ولقيته باصص ليّا برجاء، كأنه بيقولي خلصني من الليلة دي.. لكني كنت عارف إن الموضوع أكبر مني بكتير.
سمعت صوت خطوات برا البيت، التفت بسرعة وكان الشيخ وصل، ولأن الباب كان مفتوح بعد ما أنا دخلت فدخل بسرعة.. لكن أول ما دخل لون وشه اتغير تمامًا، وعرفت إنه شايف اللي إحنا شايفينه.
بصلي وقال بهمس:
ـ يا دكتور إحنا مش بنتعامل مع جن عادي.. إحنا بنتعامل مع رابط دموي.
سألته وأنا مرتبك:
ـ يعني إيه؟
قالي وهو باصص لنجية اللي بدأت تضحك بهستيريا:
ـ يعني اللي رابطها مش بشر.. اللي رابطها منهم! ومربوطة بالدم.
وما فهمتش قصده إلا لما بدأ النور يرعش، وظهر على الحيطة ظل طويل.. طويل جدًا.. ومش لواحد بس؛ كانوا كتير، وكانوا بيتحركوا ناحيتنا ببطء.

وقف الشيخ وعينه متسمرة على الظلال الطويلة اللي بتتزحف ببطء على الحيطة، وكأنه شايف كوابيس عمره كلها بتتحقق قدامه، وأنا كنت واقف بينه وبين عم أنيس اللي كان لسه قاعد على الأرض، عينيه المبرقة من الخضة والخوف بتلف ما بيني وما بين نجية، اللي لسه بصالنا بابتسامة شيطانية، وعينيها ليه بيضا بالكامل. 
التمتمة اللي كانت خارجة من بؤقها زادت، بقيت شبه تلاوة معكوسة زمش مفهومة، لكن صوتها كان بيدخل جوا وداني كأنه صدى حاجة قديمة ومميتة، حاجة أقدم من الزمن نفسه، شيء لا يمكن إدراكه بالعقل البشري.
الشيخ أخد نفس عميق وحاول يقرب منها خطوة، لكن بمجرد ما اتحرك الأوضة كلها رجت.. الأرض اتهزت تحت رجلينا وكأن زلزال ضرب المكان، والشبابيك اتفتحت مرة واحدة، والهوا اللي دخل كان بارد جدًا، كأنه طالع من قبر قديم، قبر مفتوح لسه ريحته متعفنة من أثر الموت اللي جوه.
نجية فجأة ضربت رأسها في الحيطة بقوة، صوت الخبطة كان كأنه خشب بيتكسر، ورفعت رسها وبصتلنا وبدأت تضحك ضحكة شيطانية مخيفة ومرعبة، وكأن فيه كيان كامل جوه جسمها هو اللي بيضحك مش هي.
الشيخ بدأ يقرأ آيات من القرآن بصوت قوي، لكن في اللحظة اللي صوته ارتفع فيها، حصل شيء مريع ومريب.. الضوء انطفى تمامًا.. البيت كله دخل في ظلام دامس.. وبعدها صوت صرخة نجية شق السكون
صرخة مكنتش زي أي صرخة سمعتها قبل كده، كانت مليانة ألم وغضب، كأنها بتسحب روحها، وبعدها سمعنا صوت حاجة غريبة من كل مكان حوالينا، زي ما يكون في شيء ضخم بيتنفس وسطنا وإحنا مش شايفينه.
وفي وسط الضلمة بدأت أسمع أصوات تانية.. كأن في مئات الأشخاص بيتكلموا في نفس اللحظة، همساتهم بتدور حوالينا، مش مفهومة لكنها كانت كابوسية ومرعبة، حاجة بتشبه الكوابيس اللي بتصحى منها وأنت حاسس إن فيه حد كان واقف على صدرك طول الليل.
وفجأة النور رجع.. لكن اللي شُفناه مكانش طبيعي.
نجية مكنتش موجودة.. الكنبة فاضية والأرض تحتيها كان عليها بقع سودة، كأنها بقايا رماد محروق، لكن نجية نفسها كأنها اتبخرت من الوجود.
الشيخ لف حوالين نفسه وهو بيتنفس بسرعة، صوته كان مهزوز لما قال:
ـ نجية اتاخدت من وسطنا.
قلتله وأنا مرعوب:
ـ مين خدها؟!
بصلي وعينه كانت مليانة قلق مخيف:
ـ هو.. هو الكيان اللي كان رابطها، وقرر ياخدها بالكامل.

 

لكن الغريب إن في اللحظة دي سمعنا صوت جاي من برا البيت، كان صوت حد بيعيط وبيبكي، جريت ناحيته وأنا قلبي بيدق بسرعة، وعم أنيس ورايا والشيخ بيجري معانا، فتحنا الباب وبصينا برا.. والمفاجأة الأكبر إننا لقينا نجية في وشنا.. لقينا نجية واقفة وسط الغيط أو الأرض اللي قصاد بيت عم أنيس، لابسة جلابية سودة وشعرها مبلول كأنها طالعة من البحر، ووشها أبيض بطريقة غير طبيعية، باصالنا من بعيد لكن مش بتتحرك.
كان فيه مسافة حوالي عشرين متر بيننا وبينها، لكن الإحساس اللي جوانا أو على الأقل جوايا إني قريب جداً منها وشايفها، وحسين إني مخنوق كأنها واقفة فوق صدري.. بخطوات بطيئة بدأت  نجية تتحرك وتمشي.. بس مكنتش دايسة على الأرض.. دي  رجليها مش بتلمس التراب أصلاً كأنها طايرة.
الشيخ اتقدم قصادنا وقال:
ـ ما تتحركوش، ده مش جسدها دي مش هي.

في الوقت ده نجية قربت أكتر، وكنا بنشوف وشها بوضوح.. لكن كانت فيه مشكلة وشها ما كنش ثابت.
كان بيتغير كل ثانية.. مرة شكلها العادي، مرة شكل ست عجوزة بتبتسم وبؤقها فاضي من أي سنة أو ضرس، ومرة طفل صغير بيبكي، مرة راجل غريب بعيون ميتة، ومرة.. مرة كانت أنا.. نجية وقفت قدامي ووشها كان وشي.. نفس ملامحي.. نفس شعري.. نفس كل تفصيلة فيا، ومرة واحدة نطقت بصوتي:
ـ أنت كمان هتكون ملكي يا زين. 
ولما مدت إيدها ناحيتي.. حسيت جسمي كله بيتسحب لتحت.. حسيت إن الأرض بتبلعني وبتتحول لشيء زلج وكله طين كان بيشفط رجلي جواه، وأنا كنت بحاول أتحرك بس مفيش فايدة.. كان بيشدني لتحت.. عم أنيس حاول يشدني لكن حاجة خفية دفعته وزقيته بعيد.. الشيخ خرج مصحفه الصغير من جيب عبايته، وبدأ يقرأ آيات بصوت عالي، ومع كل كلمة كان بيقولها، الأرض بتتهز أكتر، وكأن الحاجة اللي تحت بتحاول تمسك فيا أكتر ومتسبنيش.. ووقتها كنت حاسس بإحساس جديد تمامًا.. زي ما أكون بسمع أصوات جاية جوا الطين.. أصوات ناس.. ناس مدفونة.. ناس موجودة هنا من زمان وبتهمس باسمي.
ـ زين.. زين.. مكانك هنا، متسيبناش لوحدنا، مكانك هنا.

 

وبعدها حصل شيء غريب جدًا.. الحاجة اللي كانت مكلبشة فيا من تحت الأرض فجأة سابتني، حسيت كأن شيء قطع الحبل اللي كان رابطني بالمكان، ووقعت على الأرض.. أما نجية.. أو الحاجة اللي كانت متقمصة ومتشكلة في هيئة نجية في الوقت ده  اختفت.
ومافضلش منها غير صوت ضحكة، ضحكة باردة مكتومة استمر لثواني واختفى الصوت هو كنان.. وبعدين ساد صمت رهيب وكل شيء بقى هادي.

فضلت ممدد على الأرض وباخد نفسي بصعوبة، وإحساس غريب بالبرد كان بيسري في عضمي كأن روحي نفسها كانت على بعد خطوة وتخرج وتفارق جسمي وأموت.. كنت حاسس إن في حاجة ناقصة.. حاجة اتاخدت مني وأنا جوه الطين لكني مش قادر أحددها.
عم أنيس جه ناحيتي بسرعة، مدّ إيده وساعدني أقف، لكن لما بصيت في عينه، حسيت إن الرجل ده كبر سنين في لحظة.. تجاعيد وشه كانت كبيرة جدًا وكتير، وعينيه اللي دايمًا كنت بشوف فيها طيبة الفلاحين البسطا كانت مليانة رعب وخوف وذعر.
الشيخ كان واقف مكانه مصدوم، بيتمتم بآيات بينه وبين نفسه، لكنه كان عارف زيي إن اللي حصل ده مش مجرد حادثة، دي كانت رسالة، والرسالة واضحة جدًا.
نجية حد خفاها.. لكن الكيان ده لسه معانا هنا وبيلعب بينا..

رجعنا إحنا التلاتة دخلنا بيت عم أنيس بصعوبة، وأنا كنت حاسس إن رجليا لسه متعلقة وغارسة في الطين اللي بلعني وكأني واحد من اللي سمعت أصواتهم من تحت الأرض.. لما دخلنا كان البيت بارد بطريقة غير طبيعية، كأن الحرارة انسحبت من جدرانه، وريح خفيفة بتلف جوه الأوضة كأن فيه أنفاس مخفية معانا.
عم أنيس قعد وحط ايديه على بيحط وشه وصوته كان ضعيف وهو بيقول:
ـ أنا مش عارف أعمل إيه يا زين.. نجية راحت فين؟ نجية راحت مننا كده خلاص؟ ردوا عليا إيه الحل وايه اللي بيحصلنا ده.. نجية راحت فين؟
ماعرفتش أرد أقوله إيه.. لأني ببساطة مكنش عندي إجابة ولا تفسير.. بصيت للشيخ اللي كان واقف جنب الشباك وعينه ثابتة من وراه على الضلمة اللي برا، وقال بصوت في لمحة أمل وخوف في نفس الوقت:
ـ  اللي رابطها لسه هنا، هنحاول تاني وتالت وألف لحد ما نهزمه ونرجعها إن شاء الله.. بس اللي حصل ده كان تحذير ليك يا زين مش لعم أنيس.
اتسمرت مكاني.. فضلت باصصله ولساني اتعقد عن الكلام بسبب الصدمة.. وقبل ما أسأله هو يقصد إيه، كمل وقال:
ـ هو مش عايزك تبقى هنا، هو عارف إنك ممكن تبقى مفتاح لفك اللعنة دي، وعشان كده قرر يلاعبك ويحاربك.. مش أنت لوحدك، بس أنت الأساس.
حسيت بحرارة عالية بتنتشر في جسمي، إحساس بعدم الراحة.. إحساس إن الليلة دي ماخلصتش، وإن الرعب اللي بدأناه لسه في بدايته.. وفجأة سمعنا صوت باب بيتفتح جوه البيت.. كلنا اتجمدنا في مكاننا.. عم أنيس رفع عينه ببطء وصوته كان بيهمس بخوف:
ـ إحنا التلاتة هنا.. مين اللي فتح باب الأوضة؟
الهوى زاد والباب اللي ورايا هو اللي اتفتح براحة كأن حد بيزوقه.. أنا لفيت ببطء وبعدين سمعت صوت بيقول:
ـ زين.. يا زين.

 الصوت ده كان صوتي.. حد جوه البيت بينادي باسمي بنفس صوتي.. ببطء الشيخ التفت ناحيتي وعينه كانت مليانة حاجة بين الاستغراب والخوف والفهم، وقال بصوت ثابت:
ـ هو بدأ عشان ياخدك يا زين.. قاوم ماتخافش.

فضلنا قاعدين في مكانا مش قادرين نتحرك.. الباب اللي اتفتح ليه عمال بتفتح ويتقفل، والضلمة اللي جوه البيت بقت أعمق، كأنها بوابة على حاجة مش من الدنيا دي. صوتي اللي  مش صوتي ونادى باسمي اختفى، لكن الإحساس بيه ما اختفاش. كان لسه هنا بينا.
الشيخ مسح على وشه وخد نفس عميق وقال:
ـ إحنا لازم نعرف الحقيقة.. الشيء ده بيضللنا.

بصيتله وكنت مستني أسمع منه أي حاجة تخلي اللي بيحصل ده مفهوم، أي تفسير يخلي الواقع يرجع منطقي، لكن اللي قاله بعدها مكنش منطقي، ده كان أسوأ من أي كابوس.. وقال:
ـ الحكاية بدأت قبل ما نجية تتجوز عم أنيس بسنين طويلة.. نجية كانت متجوزة واحد اسمه حامد، راجل غريب حبتين، كان منطوي ودايمًا ساكت، لكن الناس في الكفر كانوا بيحكوا عنه حكايات غريبة ومش كويسة.
كانوا بيقولوا إنه دايمًا بيخرج آخر الليل يقعد بالساعات وسط الغيط وبيسمعوه بيتمتم بكلام مش مفهوم، وكان بيتعامل مع كائنات مش بشرية.. محدش كان عايز يقرب منه ولا يتعامل معاه، إلا نجية اللي اتجوزته وهي صغيرة غصب عنها.. عيشتها معاه كانت جحيم. كانوا بيقولوا إنه كان بيحبها بطريقة مش طبيعية.. حب كان حب أشبه بالامتلاك، كان بيتعامل معاها كأنها جزء منه مش حد مستقل.. نجية كانت  دايمًا بتقول لجاراتها إن كل ما تحاول تبعد عنه تحس بكوابيس، تحس إن فيه عيون بتراقبها في كل ركن، وإنها حتى لما بتبص في المراية مابتشوفش نفسها.
حامد كان بيخوفها لكن ماحدش كان يقدر يساعدها.
وفي يوم حامد عمل أغرب حاجة في الدنيا، حامد طلق نجية وبعدها اختفى.. راح زي كل ليلة على الغيط لكن ما رجعش.
دوروا عليه لقوا هدومه وحاجته، لكن هو نفسه كأنه اتبخر.
قالوا إنه غرق في الترعة، أو تاه في الأرض الزراعية ومات، لكن الحقيقة كانت غير كده، الحقيقة كانت إن حامد عمل حاجة متتعملش.. حامد باع روحه لكنه مماتش.
الشيخ خد نفس وكمل وقال:
ـ حامد ساب العالم ده، بس هو لسه هنا، مشى من حياة البشر لكنه ماخرجش منها تمامًا.
بصيتله بصدمة:
ـ تقصد إنه.
ـ حامد مكنش عامل حسابه إن الشيطان اللي هو باعه روحه ممكن يطلب منه يطلق نجية، هو طلقها لأنه لازم ينفذ التعليمات.. وبقى في الظاهر هو اللي رابطها. كان متجوزها في الدنيا، بس هو عايزها تبقى ليه في العالم التاني، العالم اللي هو راحله.. أو بمعنى أوضح؛ الكيان اللي سيطر على حامد هو اللي عايز نجية زي ما خد حامد.

وقتها كل الخيوط اتربطت في دماغي.. الفار اللي كانت بتشوفه في الحمام وعيونها اللي كانت بتنزف دم، الطريقة اللي صوتها كان بيتغير بيها كل ده كان حامد.
حامد كان مستني اللحظة المناسبة ياخدها معاه.
وعم أنيس كان مجرد عقبة في طريقه.. وبالتالي فأنا كمان بقيت عقبة زيادة لما عم أنيس استعان بيا، أما الشيخ فكان مستسلم من الأول لما قال لهم أنيس يطلقها.. ويمكن هو كمان دلوقتي بقى عقبة زينا لأنه بقى مشترك معانا.. لكن السؤال دلوقتي: نجية راحت فين؟

عم أنيس كان قاعد ساكت طول الحكاية، لكن فجأة قام واقف وقال وهو بيبكي:
ـ يعني نجية مش هترجع؟ يعني كده  مراتي راحت مني؟ يعني كل اللي أنا شوفته ده كان عشان في الآخر تبقى ليه؟

 

لأول مرة حسيت إن الراجل ده مش خايف.. الراجل ده كان  مكسور.. عم أنيس كان عارف إن جوازه من نجية مكنش مثالي أو كان ينفع يتم.. كان عارف إنها دايمًا كانت حزينة، بس كان فاكر إنها مجرد أيام وهتنسى اللي حصل لها، هتنسى حامد وهتعيش معاه حياة طبيعية.
لكنه مكنش فاهم إن فيه حاجات مابتتنسيش.
وفي اللحظة دي سمعنا صوت العياط من جديد كان جاي من برا البيت، نفس المكان اللي سمعناه منه قبل كده.. بس المرة دي كان صوت طفل صغير.
قلبي وقع في رجليا، الشيخ شدني من دراعي وقال بصوت تحذير:
ـ ماتخرجش.. ماتخرجش يا زين.

 

لكن عم أنيس خرج.. جري برا بسرعة ومااستناش، كان بيجري كأن قلبه هو اللي بيوجهه، ولما لقيت عم أنيس خرج، مكنش ينفع أسيبه لوحده، فجريت أنا كمان وراه قبل ما الشيخ يقدر يوقفني.. ولما خرجنا بره شوفنا نجية.. كانت قاعدة على الأرض ولابسة نفس الهدوم لكن المختلف المرة دي إنها كانت ماسكة طفل.
طفل صغير بشرته شاحبة وعنيه سودا وواسعة ووشه كان ثابت كأنه تمثال.
عم أنيس وقع على ركبته وناداها:
ـ نجية؟
رفعت رأسها وبصتله وابتسمت وقالت:
ـ لسه فاكرني.. وحشتك؟
لكن صوتها مكنش صوتها.. كان صوت راجل.. أكيد ده صوت حامد.
الابتسامة على وش نجية كانت شيء مرعب ومخيف.. ابتسامة كانت مليانة سخرية وتحدي لكنها قبل أي حاجة كانت مليانة شر.. النظرة دي مكنتش نظرة حد عايز يرجع، دي كانت نظرة حد رافض يسيب اللي هو فيه.
عم أنيس كان متسمر في مكانه وجسمه بيرتعش وعينيه بتلمع بخوف ووجع في نفس الوقت، كان شايف مراته قدامه لكنها مش هي، أو يمكن ما بقتش هي، وأنا كنت حاسس بنفس الإحساس، إحساس إننا قدام كيان مختلف، حاجة كانت موجودة في جسمها طول الوقت ومستنية اللحظة المناسبة عشان تظهر بشكلها الحقيقي.
في الوقت ده الشيخ وصل، لكنه وقف مكانه ومااتحركش، كان عارف إن دي مش نجية، وإن أي خطوة غلط ممكن تقفل القصة دي بطريقة إحنا مش مستعدين لها، لكن عم أنيس كان خلاص فقد السيطرة على نفسه.. وقال:
ـ نجية.. تعالي يا نجية.. تعالي معايا ندخل البيت، تعالي معايا يا نجية.
صوته كان ضعيف ومتحشرج وكان فيه رجاء، كان بيحاول يتمسك بأي أمل إن اللي شايفه ده مجرد وهم، مجرد كابوس ممكن يصحى منه، لكن نجية أو الحاجة اللي بقت جوه نجية ضحكت قصيرة، وبهدوء رفعت الطفل اللي في حضنها وبصت لعم أنيس بعينين فيها شر رهيب وسألته:
ـ شايف؟
عم أنيس كان بيتنفس بصعوبة، لكني كنت شايف الرعب الحقيقي في عينيه، لأنه في اللحظة دي  بدأ يفهم الحقيقة.
الحقيقة اللي إحنا مشينا وراها طول الفترة اللي فاتت، الحقيقة اللي الشيخ كان خايف يقولها بصوت عالي، الحقيقة اللي نجية نفسها ماقدرتش تهرب منها.. حامد مكنش بس رابطها.. حامد كان جواها.
الوقت كله اللي فات إحنا مكنّاش بنتعامل مع مس شيطاني عادي، ولا حاجة ممكن تتحل بالرقية الشرعية أو المهدئات، إحنا كنا بنحاول ننقذ حد مات من زمان، حد مكنش موجود أصلاً، حد كان مجرد قناع لحاجة تانية.. وفجأة نجية قالت:
ـ كنت فاكراك هتحارب عشاني، كنت فاكراك مش هتسبني، لكن كل اللي عملته إنك حاولت تهرب، تحل المشكلة بأسهل طريقة، ترميني لأي شيخ يقول لك طلقها وخلاص عشان ترتاح.
عم أنيس كان بيبكي ودموعه مغرقه خده لكنه مااتحركش، كان عارف إن أي كلمة دلوقتي ملهاش معنى.. لكن الشيء اللي كان على شكل طفل رفع راسه وبصلنا إحنا التلاتة.. وقال:
ـ وقتكم خلص.

الشيخ اتحرك بسرعة، رفع إيده وبدأ يتمتم بآيات بصوت عالي، الصوت كان بيرج المكان، لكن الطفل أو الشيء اللي كان على شكل طفل مكنش متأثر، بالعكس ده كان بيبتسم، ونجية كانت بتضحك.
وفي ثانية كل حاجة حوالينا وقفت.. الأصوات اختفت والزمن نفسه كأنه اتجمد.. وأنا حسيت بإيد باردة بتلمس رقبتي.
ـ إنت اللي لازم تمشي.
الصوت كان جنب ودني، كان هادي لكنه واضح، ولما لفيت بسرعة مكنش فيه حد.. لكن فصلت حاسس بالإيد لسه على رقبتي.
الشيخ بدأ يقرأ بصوت أعلى، لكن فجأة نجية صرخت.
صرخة كأنها شقت الضلمة نصين.
أنا حسيت برعشة عنيفة في جسمي وكأن روحي بتتسحب مني، لكن قبل ما يحصل أي حاجة.. كل حاجة سكنت.. الهدوء كان قاتل ومخيف أكتر من أي صوت.
ولما رفعت عيني لقيت نجية اختفت ومفيش أي أثر ليها ولا للطفل، كأن الأرض بلعتهم، كأنهم مكنوش هنا أصلاً، عم أنيس كان لسه على ركبته عيونه والشيخ واقف مكانه وساكت.. ولأول مرة من بداية الليلة دي حسيت إن كل حاجة خلصت.
لكن هل فعلاً خلصت ولا ده إحساس مزيف جوايا؟

الهدوء اللي بقى موجود بعد ما نجية اختفت مكنش مريح،  عم أنيس كان لسه مش مستوعب إنها مشيت أو بالأصح إنها اتمحَت.. الشيخ بصلي ولامحه كانت جامدة، كأنه كان عارف النهاية دي من البداية، كأنه كان متأكد إن الحل مش هيكون بإيدينا، وإن الموضوع أكبر من أي حد فينا:
ـ للأسف راحت.

الكلمة خرجت من لسانه ببطء وتقل وكأنها بتوزن الحقيقة على لسانه قبل ما ينطقها، الحقيقة اللي كنا كلنا بنهرب منها طول الوقت.
نجية مكنتش هترجع لأنها عمرها ما كانت معانا هنا وفي دنيتنا دي بشكل طبيعي.. اللحظة اللي حامد اختفى فيها من سنين، اللحظة اللي كل الناس قالوا إنه غرق، كانت لحظة ولادة شيء جديد، شيء مش بشري، شيء فضل متعلق بالدنيا بس مش فيها.. ونجية كانت بوابته  وجسمه الجديد وطريقه الوحيد للاستمرار.
ـ مشكلتها بدأت من زمان وإحنا ادخلنا متأخر.
الشيخ كان بيقولها بصوت مكسور ومهزوم، وعم أنيس ماردش.. قربت منه وحسيت بحاجة مختلفة، كأنه اتكسر فعلاً.. بس من الحزن وبي، ده  جزء منه سابه راح معاها:
ـ أنا كنت بحبها.
الصوت اللي طلع منه كان صوت حد استسلم، حد فقد كل شيء ومافضلش عنده طاقة حتى للغضب:
ـ مكنتش عايز أصدق إن اللي حصلها ده ملهوش حل، كنت فاكر إني ممكن أساعدها.
الشيخ قال:
ـ  اللي حصل لنجية ممكن يكون حصل لغيرها، أو ممكن يحصل تاني لأن الحكايات اللي زي دي مابتنتهيش، لأنها دايمًا بتدور في دواير بترجع لنفس النقطة وبنفس الطريقة بس مع ناس مختلفين.
عم أنيس قام من على الأرض ومسح  دموعه من على وشه، وبص للبيت اللي عاش فيه مع نجية آخر أيامها، البيت اللي كان بيشهد على العذاب اللي هي كانت فيه، وبصوت هادي لكنه ثابت، قال:
ـ أنا مش  هقدر أفضل هنا.

 

لأول مرة حسيت إنه بياخد قرار صح، قرار النجاة.
لأن اللي حصل مكنش مجرد قصة رعب.. ده  كان حقيقة، والحقيقة الوحيدة في العالم ده إن بعض الأماكن بتفضل تسحب الناس ليها، وعم أنيس كان لازم يخرج قبل ما يبقى جزء منها ويحصل نجية.
نجية ببساطة اختفت، وده كل اللي كان لازم الناس تعرفه.. وإحنا فهمنا كده لكن بعد فوات الأوان.

بعد اليوم ده أسبوع؛ عم أنيس باع الأرض والبيت وساب البلد، قال إنه رايح يعيش مع ابنه في القاهرة، لكن قبل ما يمشي بصلي وقال جملة عمرها ماهتتفارق عقلي أبدًا:
ـ مهما حصل، ماتدورش ورا حاجة.
افتكرت الكلمة دي بعدها بليلة.. لما كنت في أوضتي في بيتنا، قاعد على سريري بفكر في كل اللي حصل.
كنت خلاص هنام لكني اتعدلت لأن الجملة رنت في عقلي.. وساعتها لمحت انعكاسي في المراية.. وشوفت نجية واقفة ورايا.

تمت..

انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم



لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1