قصة الفيلا المسكونة كاملة بقلم فهد حسن

قصة الفيلا المسكونة كاملة بقلم فهد حسن

ـ تفتكر يا عم سيد إن فعلاً الفيلا دي فيها عفاريت ومسكونة زي ما الناس بيقولوا؟..  أو حتى تفتكر إن فيه عفاريت أصلًا، ولا الناس بتألف حكايات من خيالها عشان تسلي وقتها؟!.


بعد ما خلصت كلامي زكنت مستني عم سيد يرد عليا، كان فيه صوت تاني هو اللي بيجاوب.. صوت بوابة الفيلا الحديد وهو بيتفتح.

عم سيد جه يقوم عشان يشوف مصدر الصوت، مسكت إيده بسرعة وأنا بقوله بخوف شديد: 

ـ  رايح فين؟ هو أنت عارف في إيه بره؟.


صوت البوابة رجع اتقفل تاني، وسمعنا صوت واحدة بتضحك، لمؤاخذة يعني ضحكة مايصة حبتين، لقيت عم سيد بيضحكلي وبيقول:

ـ  آدي ياعم اللي فتح البوابة ودخل.

خرجت أنا وهو من أوضة الأمن اللي جمب البوابة عشان نشوف مين دي، ولما خرجنا لقينا الباب مقفول ومفيش حد؟

وعشان حد يدخل من بوابة الفيلا للمبني نفسه اللي جوه، لازم يمشي ممر طوله مايقلش عن ٥٠٠ متر، فاللي دخل راح فين؟

عم سيد بصاي وقالي:

ـ  تقريبًا موضوع العفاريت ده بجد يا رمضان.. إحنا نستنى نشوف إيه هيحصل، وإن حصل حاجة غريبة تاني نسيب الشغل، مش هنخسر كتير لو سبنا الشغل يعني، ده أول يوم لينا هنا، إنما لو جازفنا وكملنا ممكن نخسر حياتنا لو فضلت الحاجات الغريبة دي تحصل.

وسابني ورجع لأوضة الأمن وهو مش على بعضه وبيتلفت حوالين نفسه.

جريت دخلت وراه وقولتله: 

ـ بصراحة يا عم سيد أنا خايف أكتر منك، بس أنا محتاج الشغل جدًا لأنى داخل على جواز وماصدقت يعني ألاقي شغل، وأكيد أنت كمان عندك أسرة ومحتاج الشغل، أنا فعلاً سمعت إن الفيلا دي محدش بيعمر فيها بسبب إنها مسكونة، بس يا عم سيد كلها حكايات، مجرد حكايات، وإحنا كده كده مع بعض ونطمن بعض، ونقضي الشيفت بتاعنا بأي طريقة لحد ما ناخد على الجو، وأهو نسأل فرد الأمن بتاع الصبح على الموضوع بتاع العفاريت ده ونشوف هيقولنا ايه؟.

ـ يا رمضان ما هو سلمنا الشغل ومشي، أنت نسيت إنه قال هياخد ٣ أيام إجازة لأن بقاله فترة مبياخدش 

أجازات..

ـ  أيوا صح نسيت، طيب ياعم سيد ما هو لو في عفاريت الراجل ده كان هيكمل في الشغل ازاي؟! أكيد مفيش حاجة، ده وهم بس، والناس كانت بتقول كده في شركة الأمن عشان تطفشنا مش أكتر عشان أكيد طمعانين في المرتب، أنت عارف الناس ونفوسها يعني.


 


ساعتها سمعنا صوت الضحكة تاني وكان عالي جدًا، المرة دي خرجنا نجري وكان الصوت جاي من داخل مبني الفيلا نفسه.. فضلنا نبص لبعض وعلامات الذهول على وشوشنا، ورجعنا أوضة الأمن من تاني.. أخدنا عصاية المقشة وسكينة وروحنا في اتجاه الصوت اللي سكت ورجع تاني، وبدأنا نقرب من مبنى الفيلا، ولما قربنا لاحظنا خيال واحدة فعلاً ظاهر ورا شباك أوضة من الأوض وبتكلم حد وبتضحك.

خيال الشخص اللي بتكلمه ده ظهر وقرب منها، ولما بقت في حضنه غرز في ضهرها سكينة فصرخت ووقعت على الأرض.

جرينا بسرعة على فوق عشان نشوف مين دول؟! ولقيت عم سيد بيقولي:

ـ  يارتها جت على العفاريت، آدي أول يوم لينا وتحصل جريمة قتل.


الحل الوحيد اللي كان قدامنا في الوقت ده هو إننا نتصل على صاحب الفيلا الأول.. بس لما كلمناه مردش علينا.. رجعنا اتصلنا بالمسؤول في شركة الأمن اللي إحنا تبعها، لكنه برضو مردش.

قولت بتوتر: 

ـ تعالى نطلع يا عم سيد نشوف في إيه.. هو إحنا لسه هنتصل ونضيع وقت.

رد وقالي:

ـ  إحنا لازم نكلم البوليس الأول.

ساعتها سمعنا صوت حد بيشد وبيسحب حد على الأرض.. تلقائيًا جرينا على فوق ودخلنا الأوضة اللي جاي منها الصوت، ولما دخلنا ملقناش أي حد نهائي.. سكون تام وصمت رهيب.. لكن لاحظت وجود آثار دم على الأرض، وكانت آثار دم قديمة مش جديدة.

نزلت على الأرض عشان اتحقق من آثار الدم دي، عم سيد مسكني بسرعة وهو إيديه بتترعش وقالي:

ـ أنت بتعمل إيه؟ أنت مجنون.. أنت عايز تلمس إيه؟


 وشدني من دراعي وقومني.. بس لما رجعت بصيت تاني على الأرض ملقتش أي آثر للدم.. الموضوع كان غريب جدًا، مرعب، مقلق، ومحير، كنت شايف عم سيد ميت من الخوف، بس الغريب إني كنت عايز أعرف إيه بيحصل، خايف مقدرش أنكر، بس كان جوايا شغف إني أعرف إيه اللي بيحصل جوه الفيلا بالظبط.


عم سيد شدني جامد من دراعي مرة كمان، ورجعنا لأوضة الأمن من جديد، وساعتها فضل يزعقلي ويقولي:

ـ أنت يا ابني لو عايز تموت نفسك فأنا ماعنديش استعداد لكده، وأول ما الفجر يأذن والصبح يطلع أنا هرجع بيتي تاني ومش عايزها الشغلانة دي، ومن هنا لحد ما الفجر يأذن لو السماء نزلت على الأرض مش هتحرك من مكاني ده أبدًا.

ـ خلاص يا عم سيد اهدى، بس فعلا الفيلا طلعت فيها عفاريت، بس تفتكر مين قتل مين؟! ولا دي مجرد عشان يخوفونا ونمشي؟

مردش عليا.. راح ولع السبرتاية الي موجودة في الأوضة وإيده بتترعش وحط كنكه القهوة على النار، وعلى ما القهوة اتعملت كان ولع ٣ سجاير من كتر التوتر والخوف والقلق.. فضلنا في صمت رهيب استمر ٤ ساعات، كان خلالهم عم سيد شرب أكتر من ٤ قهوة وزيهم شاي وعلبة سجاير وذيادة، وكل ما أكلمه يزعقلي ويقولي متتكلمش معايا نهائي.. لحد ما سمعنا كلاكس عربية جاي من بره بوابة الفيلا، والكلاكس بقى كلاكسات، كذا عربية بره البوابة.. فكان لازم نخرج..


عم سيد بصلي والفزع في عينيه وقال بصوت مبحوح من كتر السجاير:

— أنت سمعت الكلاكسات دي؟

— أيوه، بس مين ممكن يجي هنا في الوقت ده؟!


خرجنا من أوضة الأمن ببطء وبحذر وأنا قلبي بيدق بسرعة، والهواء كان بارد بطريقة غريبة كأننا في عز الشتا رغم إننا في الصيف. وصلنا للبوابة ووقفنا جنب بعض وبصينا من خلال فتحة في البوابة صغيرة.

وشوفنا أربع عربيات سودة واقفين بره، نزل منهم رجالة لابسين بدل سودة، ووشوشهم مش باينة تحت إضاءة الشارع الباهتة.. واحد فيهم طويل وضخم قرب من البوابة وضرب عليها بكل قوته، وصوته كان عالي وفيه تهديد واضح:

— افتح الباب.

عم سيد همسلي:

— دول مش حكومة.

وفعلًا مكنش فيه عربيات شرطة، لا سرينة، ولا إضاءات زرقا، مجرد رجالة ملامحهم ما تطمنش.. وقبل ما ناخد قرار نهائي سمعنا الصوت إياه تاني.. ضحكة الست! بس المرة دي كانت أقرب… كأنها واقفة ورايا بالظبط.

التفت بسرعة بس مكنش في حد.. بس كان في حاجة مش طبيعية… لمحت من بعيد إن الهوا كان بيحرك ستارة شباك من شبابيك الفيلا، وكأن حد واقف وراها. نفس الأوضة اللي شوفنا فيها القتل.

الراجل اللي بره ضرب على الباب بقوة أكتر، صوته بقى أعنف:

— افتح يا رمضان إحنا عارفين إنكم جوه.

عم سيد بصلي بذهول وهمسلي وهو بيترعش:

— همَّا عارفين اسمك إزاي؟!

مكنتش عارف أرد، مكنش عندي تفسير. قلبي كان بيدق بجنون، عقلي مش مستوعب اللي بيحصل. وبعدين حصلت حاجة خلت الدم في عروقي يتجمد.

باب مبنى الفيلا الداخلي اتفتح لوحده.

كأن حد جوه كان مستنينا وبيطلب مننا ندخل.

عم سيد مسكني من دراعي بقوة، وقرب مني وهمس:

— إحنا في مصيبة.. مصيبة سودة حلت على دماغنا.


صوت الست بدأ يضحك تاني، بس المرة دي الضحكة كانت جاية من فوقنا بالظبط، وكأنها قاعدة فوق سطح الأوضة بتتفرج علينا ومستنية رد فعلنا.

سمعت في الوقت ده واحد من الرجالة اللي بره بيشد أجزاء مسدس، وقال بصوت قاطع:

— افتح الباب يا رمضا.. افتح البب يا إما إحنا اللي هندخلك بطريقتنا.

عم سيد كان على وشك إنه يفقد الوعي من الرعب، وأنا حسيت إن نهايتي قربت.. بس كان جوايا فيه إحساس تاني… إحساس إن اللي جوه الفيلا أخطر بكتير من اللي واقفين بره.

وبدأت أفهم… يمكن الرجالة دي مش هما الأعداء الحقيقيين. يمكن هما نفسهم مرعوبين من اللي جوه.

وأنا بفكر في ده لمحت حاجة بطرف عيني في شباك الأوضة اللي فوق، كان في حد واقف.

مش مجرد حد… دي كانت الست وعينيها عليا رغم إن المسافة مش قريبة بس شوفتها بوضوح، وكانت بتبتسم.. بس المشكلة إن وشها مكنش وش بني آدم.


رجلي كانت متسمرة في الأرض، وقلبي بيدق بعنف لدرجة إني حسيت إنه هيطلع من صدري. الست دي، أو الحاجة اللي شبه الست… كانت واقفة في الشباك الفوقاني، بتبصلي بعيون سودا واسعة كأنها حفرة بتناديك تقع فيها..كانت بتبتسم بس دي مكنتش ابتسامة ودودة… كانت ابتسامة حد مستني يشوفك بتتعذب.

عم سيد كان بيتنفس بصعوبة جنبي، وهو لسه ماسك دراعي بقوة كأننا لو سبنا بعض هنضيع. الرجالة اللي بره واقفين في سكون غريب، رغم إنهم المفروض ناس عادية، بس كأنهم هما كمان حسوا بحاجة غلط، حاجة مش طبيعية خالص.

ـ رمضان... افتح الباب دلوقتي حالًا.

صوت الراجل من بره كان مهزوز لكنه فيه تهديد واضح. المشكلة مش في الرجالة دول… المشكلة في اللي مستنينا جوه.

بصيت لعم سيد ولقيته بيهز رأسه ببطء كأنه بيحلف إنه مش هيفتح ولا هيتحرك خطوة لجوه الفيلا، وأنا بصراحة كنت متردد… مش عايز أدخل بس في نفس الوقت حاسس إني لو فضلت هنا مصيرنا مش هيكون أحسن.

وفجأة سمعنا صوت الباب الداخلي للفيلا اللي كان مفتوح اتقفل واترزع جامد.. ولم إن الدنيا هدوء فالصوت بيسمع.

كأن حد جوه الفيلا قال: كفاية كده… اللي عايز يدخل يدخل، واللي بره يفضل بره للأبد.

سمعت صوت الرجالة اللي بره كلهم بقوا في حالة توتر غريبة، وبعدين واحد فيهم، قال بصوت أجش:

— خلاص إحنا اتأخرنا.

فبصين من الفتحة اللي في للباب، ولقيتهم اتحركوا بسرعة ركبوا العربيات وبكل بساطة مشيوا.

عم سيد صرخ وهو باصص من جمبي في الفتحة:

— إنتو رايحين فين؟! مين دول؟! إيه اللي بيحصل هنا؟!

لكن مكنش فيه رد.. وفي أقل من دقيقة كان الشارع برا الفيلا هادي تمامًا.

الهدوء ده كان أسوأ من أي حاجة تانية حصلت.. لإنه كان معناه إننا اتسابنا لوحدنا.

أنا وعم سيد بصينا لبعض والليلة كانت لسه طويلة.

رجعنا بسرعة لأوضة الأمن والعرق مغرق وش عم سيد. بس مش بسبب الجو، ده بسبب الخوف والتوتر.. الراجل كان شارب حوالي عشرة كوبايات شاي وقهوة وسجايره خلصت، ومع ذلك أول ما قعد، قال بصوت مهزوز:

— أنا همشي الصبح، ومش هيفرق معايا حاجة.

بس المشكلة إن الصبح لسه بعيد.


كنت بحاول أستوعب اللي حصل، مين الست اللي شوفناها؟ وليه الرجالة دول جم واختفوا بالشكل ده؟ والأهم؛ مين اللي كان في الأوضة واتقتل؟ وليه لما طلعنا ملقيناش جثة؟

كنت لسه بفكر لما لمحت حاجة عند باب الأوضة بتتحرك ببطء.. رفعت عيني ولقتها هناك.. لقيت الست.

واقفة على بعد خطوات مننا، الدنيا ضلمت فجأة بره بس هي كانت ظاهرة، وبتضحك نفس الضحكة المايصة اللي سمعناها أول مرة. المشكلة مش في إنها ظهرت المشكلة في طريقة ظهورها.

عم سيد مكانش شايفها في الأول، بس أول ما بص ورايا شهق بصوت عالي ووقع بالكرسي اللي كان قاعد عليه. حاولت أتحرك لكن جسمي كان متجمد. كل حاجة جوايا بتصرخ إني لازم اهرب بس رجليا كانت مشلولة.

الست اتحركت، خطوة ورا خطوة ناحيتنا.. وبعدين بصوت هادي خالي من أي روح قالت:

— استخبيتوا ليه؟

عم سيد صرخ:

— ابعدي عننا.

مسك عصاية المقشة اللي كانت قدامه ورماها عليها، لكنها عدّت من خلالها.

وأنا فقدت الإحساس بكل حاجة، دماغي كانت بتقوللي دي مش موجودة، دي مش حقيقية.. بس عيني بتقوللي إنت شايفها، يعني موجودة وحقيقية.. ووقتها النور قطع تمامًا.

الضلمة كانت خانقة. عم سيد بيصرخ جنبي، وأنا مش قادر أشوف أي حاجة.. بس بسرعة وثلت للموبايل في جيبي ولما طلعته وولعت الفلاش اتجمد الدم في عروقي.. الست كانت واقفة قدامي مباشرة.

وشها كان أقرب من اللازم.. ملامحها مشوهة، كأن حد مسك وشها وضغط عليه بكل قوته لحد ما بقى متكسر، أو ضرب عليه بحاجة لحد ما اتشوه.

اللحظة دي كانت أطول لحظة عيشتها في حياتي.. الست وشها كان قريب مني جدًا، كنت حاسس بنفسها البارد على وشي، ورغم إن المكان كله كان ضلمة، إلا إنني كنت شايف ملامحها بوضوح تحت نور فلاش الموبايل.. وشها مش طبيعي كأن حد عصره بإيديه، وعينها كانت سودا واسعة كأنها حفرة… حفرة بتناديني أقع فيها.

حاولت أتحرك، أصرخ، أعمل أي حاجة، لكن جسمي كان متجمد مكانه. عم سيد كان واقف جنبي صوته كان مقطوع من الرعب وهو بيحاول ينطق:

— ابعدي.. ابعدي.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وفي اللحظة دي الست اختفت.

النور رجع فجأة زي ما قطع فجأة، ولقينا نفسنا واقفين في أوضة الأمن، وكأن مفيش حاجة حصلت..

عم سيد انهار وكان نفسه مقطوع، وأنا كنت واقف مكاني مش قادر أستوعب:

— إحنا لازم نمشي.. وقبل حتى ما الصبح يطلع.

صوت عم سيد كان مهزوز وضعيف، سندت عم سيد وكان كلامه هو فعلاً اللي مفروض نعمله، بس لما خرجنا عند البوابة لقيناها مقفولة من بره.. لما بصيت من الفتحة اللي في الباب شوفت إن عليها قفل مقفول من بره.. كده مش هنعرف نخرج.. ولو أنا ممكن أنط من فوق السور، فهم سيد مش هيعرف.. وأكيد أنا مش هسيبه.. أكيد في سلم هنا ولا هنا ممكن يساعدنا ننط من فوق السةر، لأنه للأسف عالي.

في اللحظة اللي اكتشفنا فيها موضوع القفل ده.. عم سيد مسك التليفون بتاعه وحاول يتصل بشركة الأمن تاني لكن مفيش شبكة. لا شبكة، ولا إنترنت، ولا حتى قدرة على التواصل مع أي بني آدم بره الفيلا دي.

ساعتها بس، استوعبنا الحقيقة.. إحنا محبوسين.. يمكن الرجالة اللي جم قفلوا علينا؟ بس إزاي وهما كانوا عايزينا نفتحلهم.. أنا دماغي هتنفجر ومبقيتش فاهم حاجة.


مرت ساعة كاملة وإحنا قاعدين مكانا،ط مش عارفين نعمل إيه.. عم سيد كان بيبص للساعة كل دقيقتين كأنه مستني الفجر ينور عشان يهرب. وأنا كنت قاعد حاسس إن حاجة مش طبيعية بتحصل، وإن اللي شوفناه ده مجرد البداية.

وفجأة الباب اللي بيفصل غرفة الأمن عن برا الفيلا اتفتح لوحده.. ببطء وبصوت مزعج كأن حد بيتعمد يخوفنا.. وشوفت حد كان واقف عند الباب.. راجل طويل لابس جلابية سودا وعينيه مش موجودة.

عم سيد صرخ بأعلى صوته، وأنا رجعت خطوة لورا وقلبي كان هيوقف.. الراجل ده مكنش بيتحرك بس كان واقف ثابت بيراقبنا.. وفجأة بصوت خشن وعميق قال:

— جااااهزين؟

رديت بسرعة:

ـ أنت مين؟ وجاهزين لإيه؟!

قبل ما نقدر نستوعب كل حاجة حوالينا اتغيرت.

الأرض بقت تراب، الجدران بقت حجر قديم وكأننا رجعنا مئات السنين لورا.. المكان نفسه مبقاش هو، لكن إحنا لسه قاعدين في نفس المكان كأننا اتنقلنا في زمن تاني.. والراجل ده بدأ يتحرك ببطء وخطوات تقيلة كأن الأرض بتعترض على وجوده.. ومعرفش إزاي لمحت في إيده سكينة.. نفس السكينة اللي شوفناها في الأوضة فوق لما الست اتقتلت.. لما خيالها ظهر مع الراجل فوق وغرزها في ضهرها.

الراجل قرب أكتر وصوته كان أشبه بصوت الحجارة وهي بتتكسر:

— الدين لازم يتسد.

عم سيد عينيه مليانة دموع، وفضل يصرخ ويقول:

— إحنا معملناش حاجة.. والله العظيم إحنا ملناش علاقة بأي حاجة.

الراجل وقف قدامنا مباشرة، رفع السكينة وبصلي أنا تحديدًا وقال:

— أنت.. إنت اللي اخترت تبقى هنا.

كنت حاسس إني خلاص هفقد الوعي، عقلي مش مستوعب هو بيتكلم عن إيه، بس أنا حاسس إنه صح.

أنا اللي كنت عايز أعرف.. أنا فعلاً السبب وأنا اللي اختارت، أنا اللي فضلت هنا رغم إن كل حاجة كانت بتقوللي أمشي.. أنا اللي سمعت الضحكة وجريت ناحيتها بدل ما أهرب.. أنا اللي اخترت.

وفجأة كل حاجة رجعت لطبيعتها.

الأرض رجعت بلاط زي ما كانت وكل حاجة بقت طبيعية.. الراجل اختفى وساب وراه هدوء قاتل.

بصيت لعم سيد، ولقيته مرعوب.. وأنا كنت حاسس إن ده هدوء ما قبل الكارثة.. وإن لسه في حاجات أغرب وأعجب مستنيانا.

الوقت كان قرب على الفجر، كنا لسه قاعدين في أوضة الأمن، منهكين زخايفين وقلقانين من كل حركة حوالينا ممكن تظهر وحتى من الهدوء.


كأن الفجر رفض يطلع. الدنيا بره بدأت تنور شوية، لكن مش النور اللي يطمن، نور رمادي كئيب، كأنه مش نور حقيقي، كأنه ضوء مزيف جاي من مصدر غريب، مش شمس زي اللي نعرفها. عم سيد كان قاعد جنبي إيده بتترعش، وأنا كنت ساكت، ساكت بس عقلي شغال بسرعة جنونية، بحاول أفهم اللي حصل أو ألاقي تفسير منطقي لكل اللي شوفناه، بس الحقيقة مفيش منطق.

الفيلا دي مش مجرد مكان مهجور، مش مجرد مبنى ناس خايفة منه وبتحكي عنه قصص، لا… دي مقبرة مفتوحة، سجن لذكريات ماتت بس لسه بتقاوم الموت، أرواح لسه بتصرخ عشان حد يسمعها، أو يمكن عشان حد ينضم ليها.

صوت خطوات تقيلة على الممر الحجري اللي قدام أوضة الأمن وبيوصل لمبنى الفيلا قطع سكون اللحظة. مش خطوات حد ماشي عادي، لا، كانت خطوات بطيئة متعمدة كأنها مقصودة، كأن صاحبها عايزنا نسمعها، عم سيد رفع رأسه ببطء وعينيه كانت مليانة قلق وخوف، وأنا عيني فضلت متثبتة على الباب مستني أي حاجة ومستعد للأسوأ.

الباب اتفتح بهدوء مريب، وكأن حد واقف ورا بيدفعه بأطراف صوابعه.. وبر كانت واقفة.. الست لمرة جديدة لسه هنا.. نفس الوش، نفس العيون السودا اللي مفيهاش لمعة، نفس الابتسامة اللي مش ابتسامة طبيعية، نفس الضحكة الباردة اللي مفيهاش روح. بس المرة دي كانت أقرب، أقرب بكتير، ووشها كان أوضح، وتفاصيله كانت بشعة أكتر، كأن اللحم عليه متآكل:

– أنتوا لسه هنا؟

الصوت طلع منها، صوت مش زي صوت البني آدمين، صوت كأن في طبقات ورا بعض بتتكلم في نفس اللحظة، صوت زي صدى الصوت في بير عميق. وكملت:

– إنتو ليه هنا؟ المفروض تكونوا معانا.

قولت:

ـ معاكم؟! معاكم فين، وأنتي مين وعايزة إيه مننا؟!

فجأة، كل حاجة حوالينا اتبدلت.

الأرض اتحولت لحجر قديم من جديد، الحيطان اتشققت، السقف بقى عالي بطريقة غريبة، كأننا فجأة بقينا في مكان مختلف تمامًا، والمصيبة كنا في نفس الأوضة بس يمكن في زمن تاني.

كنت واقف مكاني مش قادر أتنفس، وعم سيد كان جنبي، عيونه بتدور في كل اتجاه كأنه عيل تايه في مدينة مهجورة.. الست كانت لسه واقفة، لكن المرة دي ما كنتش لوحدها.. كان فيه ناس وراها.

وشوش باهتة، عيون سودا كلها سواد، هدوم مقطعة، رجالة وستات وأطفال، كلهم واقفين في صمت، كلهم بيتنفسوا مع بعض، كلهم بيراقبونا كأنهم مستنييننا نتصرف، كأنهم مستنيين نختار.

– الحساب ما بيخلصش، الحلاج مستني، والدم ما بيجفش.

الكلمات خرجت منها ببطء، بس أنا فهمت، فهمت كل حاجة.

الحلاج مش مجرد اسم، الحلاج لعنة، كيان، حاجة قديمة أوي، حاجة مش المفروض حد يعرفها، بس الفيلا دي محفورة باسمه، كأنها مملكته، كلمة سر بيها ومنها الناس بيعدوا من العالم ده لعالم تاني.

أدركت وقتها إن اللي شوفناه فوق مكنش مجرد شبح بيتقتل.. دي حلقة بتتكرر، جريمة بتتعاد، حاجة بتحصل كل ليلة، حد بيموت عشان حد تاني يعيش.

وإحنا؟ إحنا كنا الضحايا الجديدة.


صرخة قطعت التفكير، صرخة عالية، مرعبة، صرخة كأنها خارجة من روح بتتحرق. بصيت بسرعة ناحية الصوت، ولقيت عم سيد بيتشنق في الهوا.

إيدين سودا طويلة مسكة رقبته، رافعاه لفوق، ورجليه بتتحرك في الهوا زي السمكة لما بتطلعها من الماية، عيونه كانت بتنفجر من الرعب، صوته كان مخنوق، وأنا وقفت مشلول مش عارف أعمل إيه:

– لازم حد يدفع التمن.

الهمسات كانت حواليا، في وداني، في عقلي، كأنها بتجبرني أسمعها، كأنها بتتحشر في جمجمتي، وكنت عارف.. كنت عارف إن الحل الوحيد هو إني أقرر.

حد فينا هيموت، أو يمكن حد فينا لازم يختار مين يموت.

كنت لازم أتحرك، كنت لازم أعمل حاجة، بس قبل ما أقدر أفكر عم سيد وقع على الأرض.

كان ساكت، ميت؟ مش عارف. بس كان نايم زي جثة، والنور بدأ يقل تاني، ووش الست بدأ يتحول، يتمزق أكتر، يتغير، بقى أغمق، بقى مليان تجاعيد، كأنها بتتحول لحاجة تانية… كأنها بتتحول لشيء عمره أكبر من الزمن.

وقبل ما أدرك، الصوت في دماغي كان واضح جدًا، قوي، مفيش منه مهرب.

– دورك جه.

الضلمة كانت بتنتشر حوالينا زي سحابة سودا، مش ضلمة عادية، لا… ضلمة كأنها كائن حي، كأنها بتتحرك، بتتنفس، بتقرب مني، بتحاول تبلعني، وأنا واقف في مكاني مش قادر أفكر، مش قادر حتى أتحرك، وكل اللي سامعه هو الصوت اللي جوه دماغي: دورك جه.

بصيت لعم سيد اللي كان ممدد على الأرض مش بيتحرك، ملامحه ثابتة على تعبير الخوف والفزع، عينيه كانت مفتوحة بطريقة غريبة، كأنه شايف اللي أنا مش شايفه.

رفعت رأسي ببطء، والست كانت لسه واقفة، لكن وشها مكنش زي الأول.. كانت بتتحلل قدامي. الجلد بيتساقط، العضم بيظهر، العيون بتغوص لجوا، كأنها بتتحول لذكرى قديمة بتتآكل مع الوقت، لكن الحاجة الوحيدة اللي فضلت زي ما هي.. هي ابتسامتها.

– لازم حد ياخد مكاني.

الكلمات خرجت منه، لكن الصوت كان جاي من كل مكان، من الحيطان، من الأرض، من الهوا نفسه، كأن المكان كله بيتكلم، وكأن الفيلا نفسها بتحكم عليا.

أنا مش فاهم إيه اللي بيحصل، بس شيء جوايا كان بيقولي: مفيش خروج، مفيش هروب، لازم تختار.

فجأة، حسيت بحاجة بتتحرك جنبي. التفت بسرعة، وقلبي وقع في رجلي.. عم سيد كان واقف.

بس مش عم سيد اللي كنت أعرفه.. حركته مش طبيعية، ظهره محني شوية، وعينيه ميتة، عارف لما تبص في وش حد وتعرف إنه مش هو؟! ده كان عم سيد بس مش عم سيد.

– رمضان.. لازم نخلص الطقس.


الطقس؟ إيه الطقس؟ إيه اللي بيقوله ده؟! أنا عايز أصحى من الحلم المفزع ده، عايز أهرب.. عايز كل ده ينتهي، لكن الدنيا كانت بتضيق عليا أكتر وأكتر، كأن الفيلا بقت جزء مني، وأنا جزء منها.. الست قربت.. وكل ما كانت بتقرب كان المكان بيتغير أكتر، الحيطان بتتقشر، البلاط بيختفي، الأرض بقت تراب، والهوا بقى تقيل، تقيل كأنك بتحاول تتنفس تحت الماية:

– حد لازم يحل مكاني.

قالتها ووقفت قدامي.. بصت في عيني، وأنا حسيت إني مش أنا، حسيت إن جزء مني بيتسحب، إن ذكرياتي بتتاكل، إن روحي بتتفتت، عينها كانت ثابتة عليا، وانتظارها كان واضح، كانت عارفة.. إما أختار أو أبقى زيها.. ووقتها كان لازم أقرر.. إيدي كانت بتعرق وقلبي عمال بيدق بسرعة، لكن بين كل الرعب ده كان فيه فكرة واحدة هي اللي شغالة في دماغي: إما أضحي بحد أو أبقى أنا الضحية.

بصيت لعم سيد اللي جسمه كان واقف متجمد، مش هو، وفي حالة مريبة لا هو  حي ولا هو ميت، كأنه محبوس بين العالمين، جزء من اللعبة، لكنه مش اللاعب، أنا هنا اللاعب الوحيد:

– لازم تختار يا مضان.. وبسرعة.

صوت الست كان مليان قوة وتهديد خفي، وأنا كنت عارف إن دي لحظة الحسم.. يا إما أقدم حد مكاني أو أبقى أنا الحلاج الجديد.

اتحركت خطوة لورا وحسيت برجلي بتغرس في الأرض، حسيت بجسمي بيتقل، وكأن الفيلا بتشدني لجواها وبتقولي إن الهروب مش اختيار، وإن الموت مش النهاية.. هو مجرد بداية جديدة.. قولت بدون إرادة مني:

– خدوا عم سيد.

الجملة طلعت مني قبل ما أستوعب حتى إني نطقتها، قبل حتى ما أفكر، كنت عارف إني لو ما اخترتش، هما اللي بيختاروا، وفي اللحظة دي الدنيا كلها اتغيرت.

عم سيد صرخ.. صرخة اخترقت ضلوعي ونفسي وعقلي وغرست في قلبي، مش صرخة ألم.. صرخة زي ما أكون أنا خونته.

الست ابتسمت أخيرًا ابتسامة حقيقية.

العتمة اتحركت بسرعة زي إعصار أسود بلع كل حاجة، وعم سيد اختفى.. اتسحب زي دخان كإنه عمره ما كان موجود.. الدنيا كلها سكتت والصوت في دماغي اختفى.. والست اختفت هي كمان.. كل حاجة رجعت لطبيعتها كأن اللي حصل كان مجرد كابوس أو حلم.

الوضع ده مااستمرش كتير، ورجعت أسمع أصوات بعيدة بتهمس في وداني، همسات متقطعة كأنها جاية من بُعد تاني كلها بتقول نفس الجملة:

ـ الحكم اتنقل والحلاج الجديد اتولد.

قلبي دق بعنف كأن جسمي رافض اللي حصل، كأن روحي بتقاوم لكن مقاومة إيه؟ أنا اللي اخترت، أنا اللي قولت خدوا عم سيد.

كنت واقف في أوضة الأمن إيدي بتترعش وقلبي بيدق بسرعة غريبة: خدوا عم سيد.

الكلمات بتتكرر في دماغي، بتتردد كأنها نقش محفور جوا عقلي، كأنها مش مجرد قرار أنا أخدته، كأنها قدر كان مكتوب ليا.. لكن أنا عملت إيه بالضبط؟

إيه اللي حصل هنا؟ الفيلا دي فيها إيه؟ وليه أنا اللي كنت لازم أختار؟ لسه لازم أعرف الحقيقة.

قعدت على الكرسي اللي في أوضة الأمن وأخدت نفس عميق، بصيت حواليا.. الفيلا كانت هادية بشكل مرعب، كأنها بتستعد تحكي حكايتها بس على طريقتها.

بدأت أفتكر أول لما جينا، عم سيد كان خايف أكتر مني، كان حاسس إن في حاجة غلط، وكان عايز يمشي، بس أنا كنت متأكد إن كل الكلام عن العفاريت ده مجرد خرافات… بس للأسف مكنش ومطلعش كده.

لما شوفنا الست دي في الأوضة بتتقتل كنا فاكرين إننا بنشوف جريمة قتل حقيقية، بس في الحقيقة إحنا كنا بنشوف ذكرى.. ذكرى بتتكرر كل ليلة.

الست دي كانت أول ضحية.. من سنين طويلة قبل ما تبقى الفيلا مهجورة، وقبل ما تبقى مشهورة بإنها مسكونة.. كانت ملك واحد اسمه حسن الحلاج.

حسن كان راجل غريب، ومحدش يعرف عنه معلومات كتير، غير إنه كان بيسافر دايمًا، وكان عنده فلوس كتير جدًا ماحدش يعرف مصدرها، بس كان فيه حاجة غريبة في حيات.. الحاجة دي هي مراته.. مراته اللي اختفت فجأة.. الناس قالوا إنها سافرت، والبعض قالوا إنها ماتت، بس في ليلة من الليالي واحد من الخدام في الفيلا شاف حسن وهو بيحفر في الجنينة.. كان بيحفر قبر ودفن فيه جثة مراته.. الراجل جرى وحاول يبلغ البوليس، لكنه ماوصلش، اختفى هو كمان، وبعدها الفيلا كلها بقت مليانة رعب وأشباح.

لكن مش دي القصة الحقيقية؟ أو ده جزء منها لأن بقيت القصة أبشع بكتير.. حسن الحلاج مكنش مجرد قاتل.

حسن كان بيمارس طقوس سحرية قديمة.

فيه أسطورة بتقول إن فيه نوع من السحر الأسود اسمه "طريق الحلاج".. مش أي حد يقدر يستخدمه، لازم يكون عنده قلب ميت، لازم يكون مستعد يضحي بأي حد عشان ياخد القوة.. ويضحي بأي حاجة، عقيدة، أهله، ماله ونفسه.. والمقابل إنه يفضل حي.

بس مش الحياة العادية.. لازم حد تاني ياخد مكانه، أو الشخص اللي بيقرر يمارس السحر ده ينتقل في الأجساد ويستحوذ عليها.. حسن لعب اللعبة زي ما الكتاب بيقول، وقدم كل حاجة قربان مقابل القوة، ومنهم مراته وبعدها بقى هو أساس كل حاجة.. حتى بقى اسمه حسن الحلاج.. وكل فترة لازم ياخد جسد جديد يمارس من خلاله طقوسه.. وحد  جديد يبقى الحلاج.

وكل اللي بيدخلوا الفيلا بيتحولوا لضحايا.

عشان كده اللي اشتغلوا هنا قبلي هربوا، وعشان كده كل ما حد يقعد فترة يختفي.. أنا فهمت كل حاجة دلوقتي عن طريق صوت جوايا حكالي الحكاية.. يمكن صوت عم سيد اللي أنا ضحيت بيه وكشف لي الحقيقة، حقيقة الفيلا وحقيقة خيانتي ليه.. الست اللي شوفناها كانت روح مراته.. بتظهر لكل ضحية جديدة بتوريهم اللي حصل لها.. وعم سيد كان الضحية اللي كان لازم تتقدم.

وأنا الخاين اللي قدمته.. أنا اللي اخترته عشان أنقذ نفسي.. وياريتني أقدر أكون فعلاً أنقذت نفسي.

حسيت بجسمي بيتقل، كأن الأرض نفسها بتكلبش فيا، وشوفت قصادي صورة راجل.. الراجل اللي ظهر مرة. أكيد هو.. هو حسن الحلاج بس هو شبهي في نفس الوقت، بملامح غامضة، وعينيه اللي مفيش فيها حياة، وعرفت إن أنا بقت لعنتي زي لعنته.. أنا بقيت جزء من الفيلا.. أنا الحلاج الجديد.


تمت..

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا


 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1