قصة ايمار كاملة بقلم فهد حسن


 قصة ايمار كاملة بقلم فهد حسن

مش عارف أعمل إيه ولا أفكر إزاي.. أنا اكتشفت إن مراتي بتعمل أسحار وأعمال بالصدفة بعد 6 سنين جواز.. وإنها ياما كانت سبب في أذية ناس وتعب ناس وخراب بيوت ملوش أول من آخر.. أنا مش مستوعب إزاي ماقدرتش اكتشف ده من زمان.. كنت بصدقها لما بلاقي زيارات ستات ليها كتير وبتقول صحابي وبيحبوني، كنت بسكت وبقول ما أنا بسيبها طول الوقت لوحدها وحقها يبقي عندها أصحاب.. كان البيت دايمًا ريحته زفرة ولما كنت أسألها، كانت بتقولي إن دي ريحة السلم وبتظهر لأني بكون داخل من بره وبعد شوية بتروح.. أو تقول إن ده أكل القطط اللي هي بتربيها.
 كنت بستغرب من كمية وعدد القطط.. والأغرب ليه إن القطط دول كلهم لونهم أسود.. وكنت ارجع وأقول إن دي حريتها والمهم إنها مبسوطة.. كنت مغيب عن إن كل ده هي بستخدمه في الشر اللي كانت بتعمله.. أنا مش عارف إيه القرار الصح اللي ممكن آخده معاها.. أبلغ عنها وأفضحها، ولا أطلقها بالمعروف وساعتها مش هبقي عارف هي هتفضل تمارس أفعالها القذرة دي وتأذي الناس ولا هتوب لربنا.
لما واجهتها بأفعالها اعترفت بكل بساطة وقالتلي:
ـ مهما كان قرارك اللي هتاخده مش هيمنعني عن حاجة.. وخلي في علمك.. خاف على نفسك قبل متاخد قرار.
قالت الكلمتين وسابتني ومشيت.
حسيت بجردل تلج وقع فوق دماغي.. وأدركت إنها مش بعيد تموتني، الموضوع مش هيفرق معاها كتير، مابقيتش عارف أعمل إيه ولا اتصرف معاها إزاي، ولا حتى عارف أفكر.
شريط معرفتي بيها عدى قدامي عيني، وبدأت افتكر كل الحاجات اللي كانت بتحصل وبتدل على أفعالها وأنا كنت مغيب عنها.. بدأت أحكي لنفسي الحكاية من الأول عشان أقدر أرتب أفكاري.
اكتشافي لأمرها وقذارة أفعال بدأ لما بدأت أشم مع ريحة الزفارة ريحة عفن من المطبخ.. نضفنا مرة واتنين وتلاتة والريحة مكنتش بتروح أبدًا، دي كانت بتزيد، كانت الريحة بشعة كأنها قبر.. أو قبر فعلًا.
فضلت أفتش وأدور عشان أعرف الريحة دي جاية منين، لحد مالقيت تجويف صغير ورا ضهر المطبخ بحجم ضعف تجويف عداد الكهربا مثلًا.. تجويف كده معرفش اللي عمله دماغه بتفكر إزاي، لدرجة إن لولا الريحة دي مكنتش اكتشفته أبدًا ويارتني مااكتشفته.. ده قبر للقطط.. أول ما فتحته مبقتش قادر أطيق الريحة، فضلت أكح وبطني قلبت وكنت بطلع في الروح، جمعت قوايا وبدأت أفتش وأبص كويس.. ولقيت جواه جثث للقطط.. في منها سليم ومنها المتحلل ومنها اللي معدته انفجرت والعفن بياكلها.. وكان مع كل جثة قطة ورقة ملفوفة أو ملزوقة في القطة، أو حروف محفورة على جسم القطط.. مبقتش مستوعب المنظر المرعب المقرف اللي أنا كنت شايفه قدامي.
جيبت جوانتي المطبخ وبدأت أمد إيدي جوه أشوف إيه مكتوب على الورق، وآخد القطط دي في كيس كبير وأدفنها في مكان بعيد وأنضف كل ده.
الريحة كانت لا تطاق بس سيطرت على نفسي عشان لازم أخلص من كل ده.
لفيت تي شيرت كده على مناخيري وبؤقي وبدأت ألم جثث القطط في كيس، وخدت الورق اللي كان ملزوق عليهم وبدأت اقراه.. كان مكتوب حروف متقطعة وكلام غريب في سطر واحد مافهمتش منه كلمة.. فتحت ورقة تانية وكان مكتوب فيها:
"ربط حجب انعدام رغبة مرض."
وفيها رسمة لكائن ما، مقدرتش أفهم اللي راسم كان فعلاً قاصد المشهد ده ولا كان مجرد نقش؟ وكان متعلق فيها قفل.. مقدرتش أفهم حاجة.. فجمعت كل الورق واحتفظت بيه وخدت جثث القطط ودفنتها في مكان بعيد، ولما رجعت البيت كملت تنضيف  وبدأت الريحة تروح.. في الوقت ده مراتي مكنتش في البيت، كانت بايته عند أهلها يومين.. فاتصلت بيها وقولتلها اللي حصل لقتها مرة واحدة بتقولي:
ـ بلاعيم انشق.
ـ بتقولي إيه؟ أنا مش فاهم حاجة؟
قفلت في وشي السكة!.. حاولت اتصل تاني الخط اتفتح وكان صوت تقطيع في الشبكة وفجأة لقيتها ورايا.
اتخضيت ورميت الموبايل من ايدي وفضلت خايف. احساس مرعب وغريب سيطر عليا أول ما لقيتها في وشي.. معرفش جت امتي وازاي ومنين؟!
ومن غير ما تديني أي مساحة لسؤال أو كلام قالت:
ـ فين الورق اللي أنت خدته؟ ودفنت فين جثث القطط؟!
معرفتش أرد لأنها كملت وقالت:
ـ أنت خربت كل حاجة.
قالت الجملة دي وجريت على المطبخ.. مكنتش عارف أعمل إيه.. لقيت نفسي رجليا مش شايلاني فوقت قعدت على أقرب كرسي وأنا بقول لنفسي: الست اللي آمنتها على بيتي ونفسي بتعمل أعمال للناس وسحر. الكلام اللي كان في الورق طلاسم سحر.
مش عارف أعمل إيه أو أتصرف إزاي.. وكل اللي جه في بالي هي فكرة واحدة بس.. إني أبلغ عنها.. لكن رجعت في الفكرة لما مرة واحدة لقيتها  في وشي وهي عنيها كلها شر.. لا يمكن تكون نظرتها نظرة حد بشري.. شوفت في عينيها شيطان.. شوفتها جن مش إنسان!
وقالت:
ـ قرارك اللي هتاخده مش هيمنعني عن حاجة.. خاف على نفسك قبل متاخد قرار.
وسابتني ومشيت.. اختفت من البيت في لحظة.. واتأكدت إنها فعلاً مش موجودة.. بس اللي أنا مش متأكد منه إنها هل يا ترى هتظهر تاني في أي لحظة ولا لا؟ وإيه الحل والقرار اللي أنا ممكن آخده معاها؟
والسؤال الأهم: هي كانت بتعمل إيه بالظبط؟
أسئلة كتير لازم تترتب عشان أقدر ألاقي إجابات عنها والتصرف فيها يكون صح.
في وسط كل ده سمعت صوت قطة بتصرخ كأنها بتطلب حد ينقذها.. جريت في اتجاه الصوت لقيت واحد واقف في المطبخ ماسك قطة ودابحها والدم مغرق كل ملامحه وهدومه.. وخرج من شباك المطبخ وهو مقفول.
فجأة الدنيا ضلمت والنور قطع.. مكنتش مش شايف حتى كف إيدي من العتمة ولا عارف أتحرك أروح فين؟
بدأت أسمع صوت همس وضحكة ميزتها بسرعة إنها ضحكت طفل.. وبدأ نور ضعيف يظهر قصادي في المطبخ وصوت ضحكة الطفل بيقرب وبيوضح أكتر، ولقيته مرة واحدة ظهر قصادي والنور متسلط عليه، وبدأ يمشي في اتجاهي.. ومعرفش إن كان شايفني وقاصدني ولا لا؟ بدأ يقرب وبدأت تظهر هيئته قدامي بملامحه البريئة وضحكته اللي بتدل على إنه بيلعب، وكل ما بيقرب كل ما الضحكة صوتها بيكون بشع وكل ما ملامحه بتوضح قدامي وهيئته المرعبة بتبان.
وفجأة اختفى مرة واحدة، وحسيت بنفس في ضهري،
اترعبت والتفت مرة واحدة، لقيت الطفل بس المرة دي كان أعمى.. عنيه مفيهاش النني الأسود اللي عندنا ده،
وماسك في إيده قطة.. وبشدة واحدة فصل راسها عن جسمها وشرب الدم.. محستش بعدها بحاجة غير لما فتحت عيني على شروق الشمس.. لقيت نفسي في مكان غريب مرمي على الأرض.. دماغي تقيلة جداً كأن حد ضربني عليها بحاجة تقيلة.. عنيا مزغللة والرؤية مش واضحة. حاولت أجمع نفسي وأركز أكتر عشان أقدر أقوم، ولما وقفت لقيت نفسي في المقابر.

اتكعبلت وأنا بحاول آخد خطوة، حسيت بجسمي كله متكسر وكأنني كنت في خناقة ومضروب علقة محترمة. أنا إزاي وصلت هنا؟ أنا كنت في بيتي.. مش قادر أفتكر إزاي وامتى أنا ممكن أكون جيت هنا.. بس اللي متأكد منه إن الليلة اللي فاتت مكنتش مجرد كابوس.
فضلت أبص حواليا وعيني بتدور على أي مخرج.. الجو كان مليان ضباب، والهدوء القاتل مخيف أكتر من أي صوت. فجأة سمعت صوت خشخشة جاية من ورايا. التفت ببطء ولقيت مراتي واقفة بعيد.. بس ملامحها مش واضحة أوي، كانت شبه ظل طويل مش ثابت كأنها بتتهز.. اتحركت ناحيتي، مشيت خطوتين تلاتة لحد مابقت قريبة مني.. ملامحها اتضحت تحت ضوء القمر الخفيف.. وهنا شوفت إن دي مش مراتي..، دي كانت جثة متعفنة لواحدة تشبهها.. عنيها مفتوحة على وسعها، بس فيها ضلمة كأنها بوابة للجحيم.
- إنت خربت كل حاجة.  

الصوت مكنش طالع منها، الصوت سمعته طالع من كل اتجاه حواليّا.. مكنتش قادر أرد، مش قادر حتى آخد خطوة لورا.. رجلي مسمرة في الأرض وكأن في حاجة شداني لتحت.
وفجأة القبر اللي وراها اتفتح وإيد سودا طلعت منه بتتلوى كأنها بتدور على حاجة تمسكها.. وبعدها شوفت راس حد بدأت تظهر من جوه القبر.. وشّ واحد شكله ميت من قرون، عضمه بارز من جلده المتآكل وسنانه زي المسامير.
ـ بلاعيم انشق.
الصوت جه من جوه القبر، صوت تقيل طالع من بطن الأرض.. بلاعيم ده الاسم اللي مراتي قالته امبارح. إيه علاقته باللي بيحصل؟ هل هي جزء من الطقوس اللي كانت بتعملها؟ ولا أنا اللي بقيت ضحية؟
فجأة حسيت بحاجة بتتحرك  على جلدي وبتحرقه بسرعة رهيبة لدرجة أني حتى مالحقيتش أقاوم أو أتوجع.. ولما بصيت على كفي تحديدًا، لقيت وشم مرسوم.. رمز غريب محفور والألم كان لا يُطاق كأن حد بيحفر في عضمي.
ـإنت ملكي دلوقتي. 
الصوت كان واضح وجاي من جوا دماغي! وشّ الكائن ده كان أقرب.. مبتسم ابتسامة خلتني أحس إن دي آخر لحظة في حياتي.. بقيت أتنفس بصعوبة، الأرض تحتيا كانت بتتشقق.. مش عارف إزاي، لكن لقيت صوتي طالع وقولت: 
-  ابعد عني.. ابعد عني.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الوحش أو الكائن اللي خرج من القبر وقف لحظة، ابتسامته اختفت وكأنه مش متوقع إني أتكلم أو أقدر أقاومه حتى ولو بكلمة.
وقبل ما أفهم إيه اللي بيحصل، حسيت بهزة قوية كأن زلزال ضرب المكان كله.. وبدأت اسمع صوت مألوف.. كان أذان الفجر.. الوحش بدأ يصرخ، الأرض اتحركت تحتي ومرة واحدة لقيت نفسي في بيتي من تاني. 
بس مكنتش لوحدي.. كانت مراتي قاعدة قدامي وبتبتسملي بهدوء، وعنيها فيها نفس الضلمة والعتمة اللي شوفتها في المقابر وقالت:
- لسه فاكر إنك هتقدر تهرب؟

أنا كنت متأكد إن اللي بيحصل ده مش مجرد كابوس ولا هلاوس ولا تخيلات.. ده واقع، وواقع مرعب مخيف مفيش منه مهرب ولا مفر.. وواضح إنه مالوش نهاية واضحة.  
مراتي كانت قاعدة قدامي، بملامحها اللي كنت فاكِر إني حافظها عن ظهر قلب زي ما بيقولوا، بس دلوقتي بقيت شبه غريبة، كأن الجلد اللي بيغطي وشها مجرد قناع ودلوقتي القناع وقع وبانت الحقيقة اللي مستخبية تحته.. كانت بتبتسم بس الابتسامة دي ما كنتش طبيعية، كان فيها حاجة غلط، حاجة كأنها مش نابعة من عضلات وشها.. دي كأنها محفورة فيه حَفر، وقالت مرة كمان:
- لسه فاكر إنك هتقدر تهرب؟
صوتها كان هادي، أهدى بكتير من المفروض يكون عليه بعد كل اللي حصل. لا فيها توتر، ولا خوف، ولا حتى غضب، بس كان فيه يقين... يقين مرعب، كأنها متأكدة مليون في المية إن مفيش مخرج، مفيش مهرب، مفيش خلاص.  
أنا جسمي كان متخشب ومشلول وعقلي مش مستوعب إزاي كنت في المقابر والدنيا بتتشق تحتي، والوحش ده كان بيقرب مني، وفجأة بلا مقدمات أنا هنا، في نفس الأوضة، نفس المكان، ونفس الرعب اللي لسه مخلصش.  
حاولت أتكلم وأسألها يمكن أقدر أفهم منها أي حاجة، بس حلقي كان ناشف كأن صوتي اتحبس جوايا وقلبي كان بيدق بطريقة مش طبيعية زي طبول الحرب اللي بتنذر بالموت.
هي قامت ببطء، خطواتها تقيلة ووقفت عند باب الأوضة، وبعدها التفتت ناحيتي، ولمحت في عنيها الشر اللي ماشفتهوش في أي بشر قبل كده.. كأنها بقت شيء تاني غير الإنسانة اللي أنا كنت عايش معاها ٦ سنين كاملين.. وقالت:
- إنت ماشي في طريق ملهوش رجوع.. وعرفت حاجات مكنش المفروض تعرفها.
وشاورتلي إني أبص على كفي، المكان اللي الرمز الغريب اتحفر فيه، واللي لسه حاسس بألمه كأنه نار مولعة في جلدي ورجعت قالت:
- دلوقتي أنت بقيت واحد منهم.
كلامها جمد الدم في عروقي؛ بقيت واحد من مين؟! 
هي خرجت من الأوضة، وأنا قومت جري وراها، لكن بمجرد ما عديت الباب.. لقيت نفسي في مكان تاني تمامًا.. مكنتش في شقتي ولا حتى جوه أي بيت.. أنا لقيت نفسي جوه ممر طويل، طويل بطريقة مش منطقية، زي سرداب تحت الأرض، الجدران حجرية، الإضاءة صفراء خافتة، والجو مليان ريحة قديمة، ريحة عطن، كأن المكان ده مقبرة مقفولة بقالها مئات السنين.  
مالقيتش حل غير إني لازم أمشي وأشوف وأواجه مصيري.. كنت بتحرك غصب عني زي ما أكون من غير إرادة ومليش حكم على نفسي.. في آخر الممر كان فيه باب خشب عريض وقديم.. شكله كأنه عدى عليه قرون من الزمن، بس كان مفتوح زي ما يكون بيناديني عشان أدخل.. قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة، جسمي بيشر عرق عرق، وأعصابي مشدودة لدرجة إني كنت حاسس بعروقي بتنبض كإنها هتنفجر جوه جسمي من التوتر والقلق.. رجليا اتحركت لوحدها زي ما يكون في حاجة بتجبرني إني أقرب، حاجة أقوى مني وأقوى من إرادتي. 
لما وصلت للباب شميت ريحة حاجة مش بس معفنة، لا دي كانت ريحة موت، ريحة دم ناشف، وبرغم كل ده دخلت ولقيتها جوه... مراتي أو اللي كانت مراتي، واقفة وسط دايرة مرسومة على الأرض، دايرة مليانة رموز، رموز زي اللي كانت محفورة على القطط اللي لقيتها في التجويف السري في المطبخ، زي الرمز اللي على كفي دلوقتي، وكانت بترسم بإيديها حاجات في الهوا وبتقول كلام ملوش معنى، طلاسم وكلمات غريبة وحاجات مش مفهومة بس مؤثرة.. مؤثرة بطريقة تخليك تحس إنك جوة كابوس بس مستحيل تصحى منه.  
أنا حاولت أتكلم، حاولت أصرخ، بس في اللحظة اللي فتحت فيها بؤقي، حسيت بريح تقيلة ومليانة غبار وتراب دخلت في حلقي ومنعتني حتى من إني أعرف آخد نفسي، حسيت كأن حد مسك رقبتي وبيحاول يخنقني وبيكتم أنفاسي، وكل حاجة بدأت تبقى ضبابية قدامي.. وقبل ما أفقد الوعي، آخر حاجة شوفتها كان فيه عيون بتتفتح في الضلمة، مش عين ولا اتنين، دول آلاف العيون وكلهم كانوا باصين ناحيتي ومركزين معايا.. وبعدها وقعت على الأرض من الخضة.
بس المرة دي كنت متأكد إن لما أصحى إن العالم اللي هفتحه عيني فيه.. مش هيكون نفس العالم اللي عرفته قبل كده.
أنا كنت واقع في الضلمة، ضلمة أعمق من أي حاجة شوفتها في حياتي، مش مجرد عتمة، دي كانت فراغ، مكان مفيهوش بداية ولا نهاية، كأن الزمن نفسه اتجمد، وكأني محبوس جوا حلم أسود، حلم حد تاني هو اللي مسيطر عليه وبيتحكم فيا.. بس الأغرب من كده إني كنت واعي مش مغيب، مش مجرد واحد فقد الوعي، لا أنا كنت سامع وحاسس، كنت فاكر كل اللي حصل، وكل ما كنت بحاول أفكر في أي حاجة من اللي شوفتها، كل ما الضلمة دي كانت بتزيد أكتر، كأن أفكاري بتغرقني أكتر وأكتر في أعماق بير مالوش آخر.. لحد ما فجأة ظهر نور.. النور ده مكنش نور طبيعي، ده نور خارج من عين واحدة ضخمة مفتوحة قدامي في الفراغ، حجمها كان أكبر مني، بصتلي كإنها بتبص جوايا مش عليا، كأنها بتشوف اللي جوا دماغي وجوا روحي ونفسي.. وبعدين سمعت صوت مش بشري.. صوت همس لكنه في نفس الوقت رج المكان كله.. الصوت قال:
ـ أنت دلوقتي بقيت بتاعنا وملكنا.

الجملة دي كانت زي سكينة غرزت في قلبي، كأن حد نحتها جوة عقلي.. أنا حاولت أرد، حاولت أصرخ، لكن صوتي كان مخنوق، مشلول، لسان تقيل، كأن فيه إيد خفية قافلة بؤقي ومنعاني أصرخ.. ورجع الصوت يقول من جديد:
ـ العلامة اللي على كفك مش مجرد وشم، دي باب بيوصلك لينا ويوصلنا ليك.

أول مرة استوعب إن العلامة اللي ظهرت على إيدي مش مجرد نقش، مش لعنة عشوائية، لكنها مفتاح لحاجة أنا لحد دلوقتي مش فاهمها ومش مستعد أفهمها.. أنا كل اللي بتمناه إن الكابوس ده ينتهي وأطلع بحلم.. لكني سمعت الهمسات بتقول:
ـ حان وقت العبور.
وفي اللحظة دي حسيت بعقلي وروحي بينجذبوا ناحية العلامة، كأن قوة مغناطيسية بتشدني لشيء مخفي تحت جلدي، شيء عايز يخرج  بيحاول يخرج ويستحوذ عليا.. أنا كل ده كنت مغمض عيني بس شايف كل حاجة في نفس الوقت.. وفي اللحظة دي فتحت عيني مرة واحدة ولقيت نفسي في مكان جديد أغرب من كل اللي فات..
حيطان من طوب قديم مليانة نقوش، أرضية باردة كأنها متلجة، والهواء مكتوم ومليان ريحة بخور بس مش ريحة بخور عادية، دي ريحة بخور وعليه دم محروق.
ولمحت في نص المكان المريب ده إن فيه باب جديد.. باب ضخم قديم أسود بالكامل، ومليان رموز زي اللي شوفتها على الورق اللي كان مع القطط، بس الفرق إن الرموز دي كانت بتتحرك، بتتلوى كأنها حية وكأنها مستنياني أنا تحديدًا:
ـ قرب. 
الصوت رجع تاني، لكن المرة دي كان جاي من الباب نفسه.. كنت عايز أهرب وأجري وأحاول أصحي نفسي من الكابوس ده، بس رجليا مكنتش بتتحرك كأني مربوط بحاجة أقوى مني.. وفجأة سمعت ضحكة.. ضحكة نسائية عميقة مليانة سخرية..
بصيت على مصدر صوت الضحكة ولقيت مراتي واقفة، بنفس الابتسامة المخيفة ونفس الملامح اللي بعيدة كل البعد عن البشر.. بس المرة دي كانت لابسة عباية سودا طويلة ومغطية وشها بنقاب شفاف، عينيها  بس هي اللي ظاهرة وخارج منهم نور أحمر مشع ويعمي العين، وقالت:
- مش قولتلك إن مفيش مهرب.
كان صوتها مليان يقين قاتل وثقة كبيرة وتحدي غريب: 
- أنت اللي فتحت الباب بنفسك مش أنا.. كنت فاكر إنك لما تدفن القطط هتنهي كل حاجة؟ كنت فاكر إنك لما تقرأ الورق هتفهم؟ لا يا حبيبي.. أنت بس كنت بتقرب أكتر. 

أنا مش قادر أفهم أي حاجة، بس الشيء الوحيد اللي اتأكدت منه إن أنا اللي كنت غبي.. أنا اللي كنت فاكر إن اللي عملته كان محاولة خير، بس في الحقيقة إني اللي عملته جرني لحاجة مش طبيعية لحد ما وصلت هنا للمكان ده، رجعت كملت كلامها وقالت:
- إنت مش بس بقيت جزء من اللعنة، إنت بقيت جزء من الطقس نفسه.. وإنت اللي هتتمه.

وفجأة، الباب بدأ يتهز، الرموز اللي عليه كانت بتلمع، والهواء بدأ يتحرك بسرعة، وأنا حسيت بجسمي كله بيتسحب ناحيته، كأني جزء منه ولازم ومفروض أدخله منه.. بس لفين مش عارف، يمكن لنهايتي أو لخلاصي.
- افتكر اسمه كويس. 
مراتي قالت الجملة دي قبل ما تتحرك ناحيتي، وقربت من ودني وهمست: 
ـ بلاعيم.  
أول ما الاسم خرج من بؤقها كل حاجة اتغيرت.. حسيت إني اتقسمت لنصين، كأن روحي نفسها بتتقطع، الباب اتفتح واللي وراه مكنش مكان.. اللي وراه كان حاجة مش المفروض أبدًا حد يوصلها.. زي ما تكون حاجة كانت مستنياني من زمان.. وفي اللحظة اللي بدأت أشوف فيها اللي جوه الباب.. كل حاجة اسودت وانتهت.

لما فتحت عيني مكنتش في مكاني ولا حتى في جسمي، أو بمعنى أصح مكنتش حاسس إن اللي حواليا هو الواقع اللي أنا كنت عايشه قبل كده.
كنت واقف قدام بحيرة سودة.. بحيرة مش بتعكس أي صورة، ولا حتى صورة القمر.. بحيرة تشبه عين ميتة كأنها حفرة في الأرض بتبلع النور، بتبلع أي شيء يقرب منها، وحتى الهوى كان ساكن كأن العالم كله واقف في لحظة ما بين الحقيقة والكابوس. 
كنت عارف من جوايا إن ده المكان اللي كل حاجة بدأت فيه.. وعرفت  إن الحكاية مش حكاية سحر، مش مجرد أعمال وقطط مدبوحة وطلاسم على الورق.. عرفت إن الحقيقة أبشع من كده بكتير.
كل حاجة بدأت من زمان، من يوم ما اتولدت تقريبًا..
العالم دايما كان فيه خط رفيع بيفصل بيننا وبينهم.
 بين البشر وبين الحاجات اللي عايشة في عالم تاني سفلي مليان ضلمة وعتمة، عايشين عشان ياكلوا من خوفنا ويشربوا من قلقنا، وبيكون مترصدين لينا من يوم ولادتنا.. ومراتي أو اللي كنت فاكرها مراتي هي واحدة منهم.. لكن في هيئة بشر.. عندها جسم ونفس وحياة وروح.. لكن الروح دي ما كنتش روح بشرية، أنا كنت دايمًا بشوف إن أهلها مش ناس عادية، عيلتها مش مجرد ناس ساكنين بيت قديم.. هما حُرّاس على شيء شيطاني مرعب.. هما حُرّاس الباب.. باب مصنوع من عهد قديم.. من اتفاق تم من قرون، واللي يدخل منه مابيخرجش أبدًا نفس الشخص اللي كان عليه قبل العبور.. ولما أنا دخلت حياتها بقيت جزء من القصة. 
بقيت واحد من اللي شهدوا الحقيقة.
لكن المشكل إن الشهادة دي ليها تمن.. وأنا دفعت التمن من غير حتى ما أفهم إني دفعت.. كل حاجة كانت مرسوملها ومتخططلها كويس جدًا.. الجواز مكنش اختيار..الحب مش حقيقي.. البيت مش بيت.. أنا كنت مجرد مفتاح.. من يوم ما حطيت رجلي في حياتها ومن يوم ما فتحت باب بيتنا لأول مرة بعد الفرح، من يوم ما كنت بضحك معاها من غير ما أعرف إن الضحكة دي بتتسجل وبتتحول لوثيقة بتثبت إني دخلت عالم تاني غير عالمنا ده.. أنا كنت جوه في الحكاية لكن مكنتش الراوي، كنت جزء من الحبكة، جزء من الخطة، وعمري ما كنت هعرف إلا لما يجي دوري إني أعرف حسب رؤية الكاتب.. والعلامة اللي على كفي هي البداية.. دي مش لعنة.. دي مش مجرد وشم سحري.. ده توقيع وختم على العهد اللي أنا حتى مكنتش عارف إني وافقت عليه. 
ولما الباب اتفتح وشوفت اللي وراه وحسيت بالعيون اللي كانت مستنياني ولما سمعت اسمي بيتقال بصوت مليان نهم  شهوة لاستهلاك كل شيء فيا فهمت.. فهمت إن الموضوع مفيش منه رجوع.. كل اللي أنا شوفته كان مجرد مقدمات.. والرعب اللي مريت بيه كان مجرد مدخل خفيف وتحضير لكارثة كبيرة.. كارثة العبور للعالم التاني.. أنا مكنتش ضحية.  أنا كنت الهدف. 
وأكتر حاجة بتقتلني دلوقتي.. وسايبة جوايا نار مش هتنطفي أبدًا، إني حتى لو كنت عرفت كل ده قبل ما يحصل مكنتش هقدر أغير أي حاجة.. لأن كل خطوة خدتها كانت مكتوبة من يوم ما أتولد.

كل ده مكنش مجرد عالم تاني، أو مجرد بُعد موازي زي ما الأفلام بتحاول تصور لنا، لا ده كان شيء أقدم من العالم نفسه، شيء أعمق من الزمن، شيء مَفهوش منطق،مكان مينفعش مش للحياة ولا حتى للموت، مكان مَلوش آخر ومَلوش بداية.. مكان هتنعزل فيه وتبقى واحد منهم وهما اللي يحددوا لك دورك.
وهما كانوا مستنيينّي، كنت حاسس بده، وكنت بشوف حاجات لا شكلها مفهوم ولا عقل بشري يقدر يستوعبها، حاجات بتتحرك جوه الفراغ الأسود كأنها دخان أو كأنها ظلال، لكن الظلال دي ليها وزن وليها ملمس وليها عيون وليها وفيها حياة.. سمعت همساتهم بيقولوا:
ـ أخيرًا
الهمس كان بيهز المكان كأن العالم نفسه بيتكلم، وكأن كل شيء حواليا كان فرحان بوجودي.
أنا مكنتش خايف، الخوف كان مرحلة أنا عدَّيتها من زمان.. ولا حتى كنت مصدوم.. لأن الصدمة بتيجي لما تكتشف حاجة جديدة، وأنا كنت عارف وحاسس بده طول الوقت حتى قبل ما يحصل.. لكن أنا كنت حزين على نفسي وعلى عمري وعلى حياتي اللي مكنتش حياتي من البداية، على السنين اللي قضيتها وافتكرت إن ليا وعندي إرادة، على الحب اللي كنت فاكره حقيقي وطلع مجرد خيط من خيوط الشبكة اللي اتلفت حواليا ووقعتني جواها.. في اللحظة دي شوفت مراتي أو اللي كنت فاكرها مراتي كانت واقفة عند الباب بابتسامة كلها رضا وثقة وانتصار كبير، وقالت:
- كل حاجة خلصت وأنت عملت المطلوب منك.

مكنتش عايز أسألها ليه؟ مكنتش عايز أعرف السبب، لأن مكنش فيه سبب أنا كنت مجرد ترس في آلة قديمة، ترس كان لازم يتحرك واتحرك فعلاً.. وفي اللحظة اللي حسيت فيها إن كل شيء انتهى فهمت حاجة جديدة. 
فهمت إن كل باب بيتفتح لازم يتقفل.. حتى لو مش بإيدي ومش بإرادتي، لكن دي طبيعة الدنيا، طبيعي إن أي شيء ليه بداية  لازم يكون ليه نهاية.  
وفهمت إني مش لازم أهرب ولا أدخل في صراع.. أنا دلوقتي أقرر.. أنا اللي كنت المفتاح، وأي مفتاح يقدر يفتح باب، يقدر  برضو يقفل الباب اللي فتحه.

رفعت كفي اللي كان فيه العلامة واللي كان عليه التوقيع على المصير اللي اتكتب عليا لي وركزت فيه.. ركزت في كل شيء شوفته وكل حاجة عشتها، كل لحظة رعب وكل لحظة خوفت فيها، كل شيء فقدته وكل ذكرى وكل حاجة كانت بتقوللي إن مفيش أمل، وإني مجرد لعبة في إيد قوى أعظم مني.. بس لا.. أنا مش مجرد لعبة.. أنا مش مجرد ضحية.. أنا اللي دخلت هنا وأنا اللي هخرج والباب اللي اتفتح هيتقفل معايا للأبد 

 

وفي اللحظة دي سمعت صرخة.. صرخات مليانة غضب وفزع، كأنهم لأول مرة بيدوقوا طعم الفشل، لأول مرة بيلاقوا حد مش راضي ورافض الاستسلام.. مراتي اللي مكنتش مراتي صرخت هي كمان، بس صرختها كانت مختلفة، كانت كلها ذهول، كأنها مستحيل كانت تتخيل إن في حد يقدر يعمل اللي أنا بعمله.. في الوقت ده أنا مشيت ناحية الباب بيقين كامل وبكامل إرادتي وقفلت الباب.. فجأة الظلام اختفى والصمت حلَّ محل الهمس.. المكان كله تلاشى.. فتحت عيني ولقيت نفسي نايم على الأرض في وسط شقتي.. مفيش ظلال، مفيش أبواب سودا، مفيش قطط مدبوحة، مفيش أصوات همس بتخرج من العدم.. كنت لوحدي ومراتي اختفت، مكنش ليها أي أثر كأن عمرها ما كانت موجودة ولا عمرها جت العالم ده.. حرفيًا اتمحَت.. أنا قومت من على الأرض وبصيت حواليا.. كل حاجة طبيعية لكن كنت حاسس إن إن في حاجة ناقصة.. أنا مش نفس الشخص.. أنا شوفت أكتر من اللي كان مفروض أشوفه، وأي حد بيشوف عمره ما بيرجع زي ما كان.. مشيت ناحية المرايا اللي في الصالة وبصيت فيها، وشي كان هو هو، لكن عيني لا.. كان فيها حاجة مختلفة.. كأن في جزء مني لسه هناك.. كأن الباب حتى لو اتقفل فلسه اللي حصل وراه وبسببه سايب أثر جوايا.. أنا آه رجعت الحمد لله، لكن السؤال هو: هل الباب فعلاً اتقفل للأبد؟

كنت فاكِر إن القصة انتهت، إنِّي خرجت من الكابوس، إنِّي انتصرت، لكن الحقيقة.. الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن النهاية.. لأن في حاجات لما تلمسها، حتى لو لمسة خفيفة، مستحيل تخرج منها سليم، مستحيل تفضل أنت، ومستحيل تعيش من غير ما تفضل تسمع النِدا.
من يوم ما قفلت الباب، من يوم ما رجعت للشقة ولقيها فاضية، وأنا كل ليلة قبل ما أنام بحس بحاجة بتتحرك في الضلمة، بحس بأنفاس مش بتاعتي، بحس بعيون بتراقبني من كل مكان، لكن لما ألف بلاقي كل حاجة طبيعية.
في الأول قولت لنفسي إنها مجرد تهيؤات، آثار جانبية من اللي عشته، لكن الموضوع اتطور وبقوا في أحلامي كمان.. كل ليلة نفس الحلم، أكون واقف قدام الباب اللي من العالم التاني، بس المرة دي مش بفتحه، الباب هو اللي بيندهني، الباب هو اللي عايزني أرجع، صوت بيطلع من الفراغ، مش صوت واحد، دول مئات وآلاف الأصوات، بتوشوش، بتصرخ، بتترجَّى، وأكتر حاجة كانت بترعبني إنِّي كنت حاسس إني عايز أسمع أكتر، إني لو ركزت شوية هفهم كلامهم، وهعرف هما عايزين مني إيه.
في الأول كنت بفتكر الحلم وبتجاهله، وبحاول أقنع نفسي إنه مجرد أثر نفسي طبيعي، لكن بعد أسبوع بدأت أسمع الهمسات وأنا صاحي.
بدأت ألاقي نفسي مشدود للمراية أكتر من اللازم، أقف قدامها بالساعات من غير سبب، كأنِّي مستني أشوف حاجة معينة أو مستني حد يظهر.
وفي يوم لقيتها كانت واقفة ورايا.. مراتي، أو بمعنى أوضح؛ مش الإنسانة اللي أنا كنت عارفها، لكن الكائن اللي كانت عليه طول الوقت.. كانت بتبتسم ابتسامة مكنتش فيها لا غضب ولا تهديد ولا خوف ولا ولا أي إحساس مفهوم.. كانت مجرد ابتسامة حد مستني حاجة، حد عارف إن اللي هيحصل لازم يحصل

وقتها فهمت.. أنا عمري ما خرجت فعلاً، أنا بس أخرت اللي كان مكتوب، لكن المكتوب ما بيتغيرش، هو بس بيتأجل.
أنا كنت فاكر إنِّي انتصرت، لكن في الحقيقة أنا كنت مجرد واحد جري قدام الموجة، فاكر إنه هرب لكنه مش مدرك إن الموجة أسرع وإنها في الآخر هتغرقه.

والليلة دي وأنا واقف قدام المراية، شايفها بتقرب أكتر، شايف الضلمة اللي وراها بتوسع، وشايف الباب اللي كان مقفول بيتفتح من تلقاء نفسه، عرفت إنِّي وصلت لنقطة مفيش بعدها رجوع.. وعرفت إني الخادم الجديد لبلاعيم..

تمت...

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا

 

تعليقات