قصة ام محمد كاملة بقلم فهد حسن
أم محمد جارتنا ست ما يعلم بيها إلا ربنا.. وعنيها مش تدب فيها رصاصة زي ما بيقولوا وبس، لا دي تدب فيها دانة مدفع وبرضه ما تعملش حاجة.. قاعدة مدخلة نفسها في كل كبيرة وصغيرة في الشارع، تعرف "دبة النملة"، ما تشوفكش جايب حاجة وانت راجع بيتك إلا لو رشقتها عين، وانت وحظك ساعتها؛ لا عدّيت منها سليم، أو جالك تسمم، أنت وقدرك في اللحظة دي.
إلا لو اتنازلت عن غموضك بحمل كيس أسود غير مفهوم الهوية، وقررت تصارحها وتكسر سمّ عينها وتعلن إن اللي جوه الكيس ما همّاش إلا 2 كيلو موز (مش من الفاخر) للأولاد، ليس إلا. ومن اليوم ده، فكّرت أناشد بائعي الفاكهة والخضار إنهم يغيروا لون الكيس المتداول للون غير الأسود، عشان أم محمد تشوف إن اللي جواه مش حتة آثار ولا 200 ألف جنيه، بل هما 2 كيلو موز أو طماطم مستوية عشان تتعمل صلصة.
أم محمد عندها صبّانة في شارعنا، متوسطة الطول. وصبّانة، بالمعنى الدارج لسكان المناطق الشعبية اللي زي حالتنا، هو محل لبيع الصابون السائل والمنظفات بجميع أنواعها. أرملة 3 مرات، ما هو مفيش حد يقدر يعمّر معاها أبدًا، حتى ولادها التلاتة اتجوزوا والدنيا تلاهي، والزيارات على قد الوقت الفاضي عندهم، فهي بقت كل شغلتها إنها تفتح الصبّانة من 9 الصبح لـ 10 بليل، وتقعد تراقب الناس والجيران.
مين اتجوز؟ مين طلق؟ مين خلّف؟ تعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل حاجة في الشارع. ودايمًا هي ما بتطلعش أسرار حد، هي بس بتحكيلك لما تقرر تتلحس في نفوخك وتنزل تجيب منها صابونة بريحة بسرعة، عشان وانت داخل تستحمّى اكتشفت إن الصابونة خلصت. فهي، وهي بتجبلك الصابونة بحركات بطيئة من فوق الرف، تسليك بحكايتين تلاتة عن أهل منطقتك.
لو حركة البيع قليلة، وده في غالب الوقت، هي بتقوم بدورها وتجيب كرسي صغير تقعد عليه قدام باب محلها، وتلم الستات حواليها، وكل واحدة ترمي اللي عندها. وسرّ في البير طبعًا.
(على الهامش: كنت قرأت في رواية البؤساء عن راجل زوّر عملة من شدة فقره عشان يصرف على أسرته، ومراته خدت أول ورقة منها وراحت تصرفها، بس اتمسكت. وكيل النيابة فضّل يضغط عليها وهي بتنكر، لحد ما اخترع حيلة وقالها إن جوزها متجوز عليها في السر، وقدّم لها مستندات مزورة، فاعترفت عليه في ساعتها.)
"كانت مرة قالت لي: ما تأمنش لسرك مع واحدة ست أبدًا".
ولو جيت للحقيقة: ولا راجل، ولا حتى للكتكوت بتاعك اللي بيموت بعد ساعتين ده، يمكن وهو بيموت يفتن عليك!
أم محمد بتستغل وقت فراغها وتتلسّص على سكان الشارع، وفي قاعدة الستات الجميلة ونسمة المغربية وكوبايتين الشاي، تحكي إن فلان وهو راجع بليل شافته شايل ومحمل – آه ما هو كسيب. وفلان عمرها ما شافته راجع شايل حاجة لأهل بيته – راجل بخيل وجلدة!
في ليلة موعودة مش هانساها، كنت قابض جمعية، فلوسها حلوة حبتين. فضلت أدفع فيها سنتين. فرحة قبض الجمعية في كفة، وإنك آخر اسم فيها ده موضوع تاني خالص. وقلت: أنا لازم أكافئ مراتي بقى. عديت على أحد مطاعم الفاست فود، عملت أوردر محترم من بتاع المفاجآت ده، ورجعت البيت.
وللأسف... "شافتني" بصوت كتكوت أبو الليل.
رغم إني خدت الخطوة وأنا مطمئن إنها أكيد قفلت محلها وطلعت بيتها، إلا إني وأنا راجع الساعة 12 بليل، لقيتها لسه فاتحة. وعنيها رشقت جوه الكيس. فضلت متابعة حركة الكيس من الكيسين اللي شايل كل واحد فيهم في إيد. وكان الكيس تقيل شوية لأن خامته تشبه أفرخ الورق.
وهوب، كن حيث لا أدري، اتقطع! وكأن قلبي هو اللي اتقطع، وراح مع الأكل اللي باظ!
وقالت: "مش تاخد بالك يا ابني؟ ده انت تلاقيك دافع فيهم دمّ قلبك. ليه المصاريف دي كلها؟"
ما كنتش بتكلم، لكن جوايا بقول: يخرب بيت عينيكي يا شيخة... وكم من السباب الهائل.
لمّيت اللي باظ على جنب، وسبتها ومشيت وأنا هاين عليّ أعيط.
ولما طلعت البيت، مراتي فرحت بالكيس، ولما فتحته فرحتها اختفت؛ لأن الكيس التاني كان فيه السلطات والمقبلات: كول سلو، وتومية، وما شابه.
وحكيت لها على اللي حصل، فقالت لي بصيغة نسائية بحتة:
"ولا يهمك يا حبيبي، أنا عاملة فرخة هحمرها، وناكل معاها السلطات دي".
وحمّرت الفرخة، وكلنا السلطات، وكأننا كلنا زيت فرامل!
نار في المعدة، وقئ، وحاجات كتير كده تقدروا تتوقعوها.
لعنة عين أم محمد جبّارة وثاقبة، تقدر تخترق أدقّ الحصوات وأعتى الأكياس، حتى لو كان الكيس فيه شوية سلطات!
حادثة الخوخ والطماطم عدّت بأمان، إنما حادثة الفاست فود كانت مدوّية!
ومن يومها، وأنا ما بقيتش أجيب حاجة معايا نهائي. أو لما أرجع وأشوفها بعيني قفلت المحل، أنزل أجيب اللي أنا عايزه.
وبحمد ربنا إن اليوم ده كنت لسه مخلفتش، عشان كان ممكن عيل صغير يروح فيها...
في كل شارع وكل حارة، في عين لأم محمد، على هيئة أسماء تانية:
ممكن أم حسين، أم علي، أم الخلول... مش هتفرق "أم مين"،
لكن العين الثاقبة والمناخير المحشورة في كل شيء... موجودة.
لعنة، ومعظمنا داق منها.
كل واحد فينا اتعرض يوم لعين راشقة في حياته بدون سبب، وبدون مبررات.
وتحية لكل واحد قدِر يهرب من أم محمد...
تمت
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم