رواية بين احضان العدو الفصل العاشر
وأخيرا قالت بصوت متردد :-
" أنت حقا ستتغير ... لن تؤذيني مجددا ..."
" أبدا ..."
قالها بسرعة لتطالعه بعدم تصديق رغم إن داخلها رغبة شديدة بتصديقه ...
لا يمكنها التصديق بأنه تغير بهذه السرعة ...
بعدما فعله بها لسنوات ...
غادر بعدما أخبرها إنه سيترك لها حرية الخيار دون أن يضغط عليها وبقيت هي وحدها بمشاعر متضاربة ..
والدها الذي عرفته لسنوات لا يمكنه أن يتغير فجأة ..
والدها الذي لطالما كرهها ونبذها ...
هل يفعل هذا ليمنعها من الزواج ..؟!
هل يخدعها ..؟!
لن يكون هذا غريبا عليه ..
مرت حوالي ساعتين قبلما تتفاجئ بباسل يطلب منها مغادرة المنزل حيث ينتظرها خارجا ...
خرجت حائرة فهي لم تتخذ قرارها بعد ...
وجدته ينتظرها في سيارته ...
أشار لها أن تصعد جواره ...
أطاعته وركبت جواره ...
قاد سيارته متجها بعيدا لمكان بعيد عن المنزل كي ينفرد بها ...
هتف بها بعدما ركن سيارته على جانب الطريق :-
" سنتزوج صباح الغد بإذن الله ..."
التزمت الصمت تماما فسألها بوجوم :-
" ألم تسمعي ما قلته ...؟!"
" على أساس إنه لن يكون زواجا حقيقيا ...؟!"
سألته بخفوت ليتنهد مجيبا :-
" هكذا أفضل ... أخشى أن يكشفون ذلك ويتدمر كل شيء ...."
" أبي تحدث معي اليوم ..."
قالتها بتردد ليهتف باسل مستغربا :-
" رعد تحدث معك ...؟!!"
أضاف بنبرة ساخرة :-
" هل حاول إستمالتك إليه وإرجاعك عن قرار زواجك مني ..؟!"
لم تجبه فهتف بضيق :-
" لماذا لا تتحدثين ...؟!"
" أخبرني إنه سيتغير ...."
قالتها بخفوت ليسأل بخفة :-
" وأنت صدقته ...؟!"
" كلا ...."
هتف بسرعة :-
" ولا يجب أن تفعلي .. إنه يخدعك ... "
" وأنت تستغلني ..."
قالتها فجأة لتحتد ملامحه مرددا :-
" لا أظن إنني كذبت عليكِ بشأن هذا يا زينة فكل شيء معروف بالنسبة لك ... "
أضاف عن قصد :-
" على الأقل أنا لا أحاول خداعك مثل غيري ...."
قالت بعد صمت قصير :-
" معك حق ..."
ثم أضافت بإرتباك :-
" آسفة ..."
تنهد بصمت ثم قال بجدية :-
" إسمعيني للمرة الأخيرة يا زينة ... أنا كنت صريحا معك منذ البداية ولم أخدعك قط ... يمكنك أن تعتبري ما بيننا صفقة سيستفيد منها كلانا ... صفقة لها أجل محدد ...."
هزت رأسها بصمت قبلما تحسم أمرها مرددة :-
" أنا موافقة ... لنتزوج غدا ...."
**
مساءا ..
أغمضت عينيها بصعوبة محاولة الإستسلام للنوم بينما داخلها خوف كبير من يوم الغد وما ينتظرها فيه …
أخذت تتقلب داخل فراشها دون أن تغفو…
مرت الساعات عليها طويلة حتى قاربت الساعة الثالثة فجرا عندما شعرت بأحدهم يدلف لغرفتها …
إنتفضت من مكانها وهي تهتف بجزع :-
" من …؟!"
شهقت بصوت مسموع وهي تجد هاشم أمامها بعدما فتح ضوء الغرفة يطالعها بملامح حادة وعينين ناريتين …
إنتفضت من فوق سريرها تصيح به :-
" ماذا تفعل هنا …؟! لماذا أتيت …؟!"
ضحك بإستخفاف ثم قال ببرود :-
" أصبحت تحاسبيني أيضا … ظهرت لديك مخالب فجأة يا زينة …"
تقدمت نحوه تدفعه برفض :-
" اخرج من هنا حالا … اخرج .."
شهقت مجددا عندما وجدته يقبض على ذراعها بقوة ويلويها إلى الخلف لتتأوه بألم بينما يهمس هو جانب أذنها :-
" أنا هنا لأجلك أيتها الحمقاء … أريد حمايتك من ذلك الوغد …"
" اتركني … أنا لا أريد حمايتك …"
هتفت بها بصعوبة بينما سارع هو يخرج عبوة معدنية من جيبه ثم منديلا قبلما يحررها من قبضته وهو يرش المنديل جيدا لتتراجع إلى الخلف وهي تصرخ بهلع :-
" ماذا تفعل أنت …؟!"
" توقفي عن الصراخ فلا أحد سيسمعك …"
قالها وهو يتقدم نحوها قبلما يجذبها بسرعة من ذراعها وهو يكمم فمها بالمنديل …
كانت تحاول مقاومته بصعوبة لكنها فشلت لتغزو تلك الرائحة القوية أنفها قبلما تفقد وعيها وتسقط بين ذراعيه …
حملها بسرعة وهو يتجه بها خارج المكان ليخرج بها من الباب الخلفي إلى سيارته التي ركنها خلف المنزل مسبقا …
وضعها داخل السيارة بحرص ثم إتجه إلى مكانه خلف المقود ليدير سيارته متجها به إلى شقته التي جهّزها مسبقا لإستقبالها …
**
في صباح اليوم التالي …
كان يهم بالمغادرة عندما سمع صوت طرقات على باب غرفته …
تنهد بضيق وهو يتقدم نحو الباب ويفتحه ليجد ضحى أمامه تطالعه بنظرات ثابتة وهي تخبره :-
" أحتاج أن أتحدث معك … للمرة الأخيرة على الأقل …"
" بالطبع لن نتحدث هنا …"
قالها بنبرة مقتضبة لتومأ برأسها وهي تخبره :-
" سأنتظرك في غرفة المكتب …"
" سألحق بك حالا …"
تحركت تغادر المكان يتابعها هو بعينيه حتى رحلت ليتنهد بعمق مفكرا إن وجودها حوله بات يخنقه بشدة …
ما زال قلبه معلق بها مهما أنكر ذلك …
ما زال يحبها فهي حبه الأول ونسيانها سيكون صعبا …
لكن ماذا عليه أن يفعل …؟!
هو لا يستطيع الغفران …
ليس بعدما تخلت عنه …
وهو لن يكون سعيدا إن غفر لها ذنبها وعاد معها من جديد …
عقله لا يقبل ذلك ولا حتى قلبه المتيم بها فهي خانته وغدرت به وطعنته فالصميم …
جذب مفاتيح سيارته وهاتفه مقررا النزول إليها ليحسم هذا الأمر فاليوم سيتزوج رسميا من زينة ليدخل بعدها في مرحلة جديدة من إنتقامه المنتظر بل تكاد تكون المرحلة الأهم …
غادر غرفته وهبط إلى الطابق السفلي ليجدها كما قالت تنتظره في المكتب …
دلف إلى الداخل وأغلق الباب خلفه ثم تقدم نحوها وجلس قبالها لتسأله :-
" ما زلت مصرا على قرارك السابق …؟! هل ستتزوجها حقا …؟!"
" نعم يا ضحى …"
قالها ببساطة وهو يضيف :-
" أخبرتكم جميعا إنني سأفعل هذا ولا أفهم حقا ما بالكم لا تصدقون حديثي …"
" أنت تدمر نفسك … هل تعي ذلك …؟!"
هتفت بها معترضة ليهتف بوجوم :-
" لماذا أردت التحدث معي يا ضحى ..؟!"
زفرت أنفاسها ببطأ ثم قالت بجدية :-
" هذه المرة لا أقول هذا كي نعود سويا … ليس هذا ما أريده حاليا على الأقل …"
أضافت بملامح خائبة :-
" لقد إستوعبت إنك لن تغفر لي ما فعلته مسبقا وتقبلت هذا ولكن …"
توقفت لوهلة ثم قالت :-
" أنا خائفة حقا عليك … أنت تؤذي نفسك بما تفعله …"
تغضن جبينه بينما تضيف هي بصدق :-
" عمي رعد والبقية لن يتركونك وشأنك ولن يمرروا لك ما فعلته بسهولة … سيقتصون منك وبأسوأ طريقة ممكنة … أساساً أنت تعرفهم جيدا و …"
قاطعها ببرود :-
" من الجيد إنك تدركين هذا … أنا أعرفهم جيدا … أعرف مع من أتعامل يا ضحى فلا تقلقي بشأني …"
" يجب أن أقلق …"
عضت على شفتيها ثم أضافت :-
" رغبتك بالإنتقام تعميك تماما عن هذا … أتفهم رغبتك ولا ألومك عليها ولكن لا تخسر نفسك بسببك إنتقام أهوج لن تجدي منه نفعا …"
" من قال إنني لن أجدي منه نفعا …؟! على أي أساس قررتِ هذا …؟!"
سألها بسخرية متعمدة لتخبره ببساطة :-
" لأنه الواقع يا باسل … الإنتقام لا يجلب سوى الألم والأذى لصاحبه …"
أخذ نفسا عميقا ثم قال بعد لحظات :-
" أشكرك حقا يا ضحى على إهتمامك … أشكرك كثيرا لكن …"
أكملت نيابة عنه :-
" لكنك لن تهتم بكلامي … ولن تأخذه بعين الإعتبار …"
نهضت من مكانها وهي تبتسم ببساطة :-
" أتمنى أن تراجع نفسك يا باسل ولو لمرة واحدة …."
أضافت بجدية :-
" وحاول أن تبعد زينة عن إنتقامك فهي مسكينة ولا تستحق أن تكون كبش فداء لك … لا تستغلها بهذه الطريقة يا باسل … أنت لست هكذا فلا تتصرف بطريقة لا تشبهك …"
تحركت تغادر المكان تاركة إياه يتخبط تماما بعدما قالته مفكرا بزينة التي يستغلها في إنتقامه دون ضمير فقط كي ينتقم من والدها الذي ينبذها ولا يعترف بها كإبنة له …
**
فتحت عينيها بصعوبة وهي لا تستوعب ما حولها …
رفعت جسدها بصعوبة وهي تتطلع على المكان حولها عندما إصطدمت عينيها بعينيه الباردتين …
شهقت بصدمة وعقلها لم يستوعب بعد ما يحدث وما سبب وجوده أمامها وأين هي الآن وماذا تفعل هنا …
" صباح الخير …"
قالها وهو يبتسم بهدوء لتصيح وهي تنتفض من مكانها وعيناها تدوران مجددا في المكان حولها لتستوعب إنها ليست في غرفتها بل في مكان جديد لم تره مسبقا :-
" أين أنا …؟! ماذا فعلت بي …؟!"
" أنت هنا … معي … في شقتي …"
قالها ببساطة قبلما ينهض من مكانه ويتقدم نحوها لتتراجع إلى الخلف بجزع حقيقي وهي تتمتم بنبرة خائفة :-
" لا تقترب مني … لا تلمسني …"
توقف في منتصف الطريق وهو يطالعها بضيق :-
" لا تخافي يا زينة … لن أفعل أي شيء يمكنه أن يؤذيكي …"
" أخرجني حالا من هنا …"
صاحت بها سريعا ليهتف بجدية :-
" لا خروج لك من هنا حتى ننهي ما بيننا …."
قالها بنبرة جادة لتتسائل بتردد :-
" ماذا تقصد ..؟!"
تقدم نحوها خطوتين لتحتضن جسدها بذراعيها لا إراديا …
تنهد بصمت وخوفها منه لهذه الدرجة يضايقه رغم كونه المسؤول الوحيد عنه …
" صدقيني لن أؤذيكِ أبدا يا زينة …"
" أنا لا أريد شيئا منك سوى أن تتركني وشأني…"
قالتها بنبرة متلعثمة ليهتف بجدية :-
" لكنني أحبك يا زينة ولا أستطيع تركك كما تطلبين …"
هتفت بنبرة متسولة :-
" أرجوك يا هاشم اتركني وشأني … يكفيني ما فعلته بي حتى الآن …"
قال بسرعة :-
" وأنا هنا لإصلاح ما فعلته مسبقا وتعويضك عن الأيام السيئة التي عشتها بسببي …"
أضاف بصدق :-
" أنا أحبك كثيرا وندمت حقا على ما فعلته بك مسبقا … سأتزوجك يا زينة وأعوّضك عن كل المعاناة التي عشتها منذ ولادتك … صدقيني سأجعلك بأفضل حال وأسعدك بكل الطرق الممكنة …"
كانت تستمع له بعدم تصديق …
لا تستطيع أن تصدق ما يقوله …
مهما فعل سيبقى هو هاشم الذي إنتهكها وإستغل ضعفها ووحدتها لمرات كثيرة ونال منها الكثير وحطم برائتها ودمر عالمها الوردي …!
" أنا لا أريدك … أنت أذيتني .. لا يمكنني أن أقبل بهذا …"
قالتها بسرعة وصوت متلعثم ليهتف برجاء :-
" جربي يا زينة … فقط جرّبي … لن تخسري شيئا …"
أدمعت عيناها وهي تهمس له برجاء :-
" أرجوك دعني أغادر … أتوسلك …"
احتدت ملامحه وهو يهدر بها :-
" لن تغادري من هنا حتى تصبحين زوجتي بشكل رسمي … "
أخذت تهز رأسها نفيا وهي تصيح برفض :-
" لا أريد … لن أتزوجك … أبدا …"
" إذا ستبقين هنا … ولن تخرجي من هذه الشقة مهما حدث …"
" لا يمكنك أن تفعل بي هذا …"
قالتها بنبرة غير مصدقة ليهتف بقوة :-
" بل سأفعل .. ستبقين هنا حتى تتعقلين وتوافقين على الزواج مني وحينها سنغادر هذه الشقة سويا ونبدأ حياتنا معا كزوج وزوجة معرفة الجميع …"
أنهى كلماته وتحرك مغادرا تتابعه هي بعينيها الدامعتين قبلما تنهمر عبراتها فوق وجنتيها بحرارة …