رواية حرب سقطت راءها الفصل العاشر بقلم نور زيزو
فى الإسكندرية كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة مساءً فى محطة الأتوبيسات توقف الأتوبيس جانبًا فترجلت "ليان" منه وسارت إلى بيتها قدمًا، فتاة فى التاسعة عشر من عمرها يبلغ طولها الـ 160سم وجسدها ممشوق مُرتدية فستان وردي اللون بأكمام من قماش الكتان فضفاض وشعرها الأسود مرفوع على شكل ذيل حصان مُرتدية حذاء رياضي أبيض اللون وتحمل حقيبتها البيضاء الصغيرة ودفترين على ذراعها، سارت فى الزقاق وهى تلعب فى هاتفها وتضع سماعة الرأس الوردية فوق رأسها تمنع عنها أصوات العالم الخارجي،كان الزقاق هادئًا جدًا وتخرج من واحد للآخر وكان الزقاق فارغًا وهادئًا وعينيها لم ترفع عن الهاتف وقد أعتادت يوميًا على السير فى هذه الشوارع الهادئ دون خوف، تعثرت فى شيء ضخم أسفل قدمها لتصرخ بفزع وعادت خطوة للخلف فصُدمت عندما رأت يد أحدهما لتصرخ بذعر وأعتقدت أنها جثة مُخبأة بالطريق لكن أوقفها سماع صوت أستغاثة ضعيف ، أقتربت "ليان" بخوف يحتلها لترى شاب فى منتصف الثلاثينات غارقًا فى دمه وقد تعرض للطعن فى خصره ، لم ترى ملامحه جيدًا بسبب ضعف الإضاءة، أبعدت الصناديق الكرتونية عنه بتعجل محاولة مساعدته وجعلته يعتدل فى جلسته بهدوء وقالت بصوت دافئ:-
_ متخافيش أنا فى أولى طب
حاولت مساعدته ومزقت قميصه بتعجل تحاول ربط الجرح وتضغط عليه بقوة فقالت بعفوية:-
_ أنت نزفت كتير ، تقدر تسند عليا وأوصلك لأقرب مستشفى
بحثت عن هاتفها الذي سقط من فزعها لتتصل بالأسعاف لكنه مسك يده بقوة يمنعها من فعل ذلك وفتح عينيه ببطء من التعب ورأى أمامه فتاة ملامحها صغيرة ليدرك بأنها لم تبلغ السن فعلًا ، تملك بشرة بيضاء شعرها الأسود بنعومته وغرتها تزيدها جمالًا، لديها زوج من العيون الخضراء الواسعة شفتيها ملون باللون الوردي اللامع بسبب أحمر الشفايف الذي ترسم به شفتيه، أخذ الهاتف من يدها وأتصل على رقم مجهول وقبل عشر دقائق أمتلاء المكان بالرجال وكان يبدو عليهم أنهم رجال عصابات فأبتعدت "ليان" عن طريقهم بخوف وصرخ أحدبهم يبدو أنه قائدهما يقول:-
_ خدوا الرئيس على العربية بسرعة وأتصلوا بالدكاترة
أخذوا من الأرض وعينيه تحدق بالصغيرة كلما أبتعد، عادت "ليان" إلى منزلها ففزعت والدتها عندما رأت الدماء على ملابس صغيرتها ويديها فقالت "ليان":-
_ متخافيش يا ماما دا واحد كان مصاب وساعدته
_ أنا كام مرة أقولك يا ليان أبعدي عن الأغراب ، إنتِ ضامنة اللى فى الشارع دا مين ؟
قهقهت "ليان" بعفوية وهى تدخل المرحاض تغسل يديها مُتمتمة:-
_ مش أوى كدة يا ماما، متقلقيش عليا أنا قدها ومبخافش
تأففت الأم بضيق ثم دلفت "ليان" إلى غرفتها تبدل ملابسها وخرجت تساعد والدتها فى تحضير العشاءوتُحدثها قائلة :-
_ أمال بابا فين؟
_ فى الأوضة بيصلى العشاء
أومأت إليها "ليان" بنعم وجلسوا على السفرة معًا حتى جاء والدها وجلس على السفرة بينما يقول بحُب:-
_ حمدالله على السلامة يا حبيبتي
_ الله يسلمك يا حُب
قالتها "ليان" بلطف وتتناول طعامها وكان الصمت يسود بينهما حتى قاطعتهما "ليان" تقول:-
_ حضرتك فكرت فى طلبي
تنحنح "فتحى" بخفوت وتوقفت "ياسمين" عن الطعام وتغيرت تعابير وجوهما الأثنين لتفهم "ليان" أن طلبها ما زال مرفوضًا فتحدثت بجدية:-
_ بابا أنا طلبت منك أروح مع أصحابي القاهرة، هو يوم سد رد مش هتأخر الساعة 8 بالكثير هكون هنا
_ لا، القاهرة لا
قالتها "ياسمين" بضيق شديد وانفعال واضح فى ملامحها مما جعل "ليان" تُدهش من رفض والدتها القاطع فنظرت إليها بضيق وقالت:-
_ ليه لا، هى القاهرة بتعض
لم تقبل "ياسمين" النقاش ووقفت من مقعدها تاركة الطعام ثم ولجت إلى غرفتها غاضبة فنظرت "ليان" إلى والدها مُندهشة من تصرف امها وقالت:-
_ أنا مش فاهمة هو فى أى؟
تنهد "فتحى" بهدوء وقال بخنق:-
_ مفيش هى قلقانة عليكِ لأنك بنت وعايزة تسافري لوحدك
_ حضرتك ممكن تيجي معايا أنا مش رافضة دا؟
قالتها بجدية ليغادر "فتحى" هو الأخر المكان تاركين الصغيرة فى حيرتها ، تركت "ليان" الملعقة من يدها بضيق واستفهام كبير فى عقلها، دلفت إلى غرفتها غاضبة وظلت بها حتى غرقت فى نومها من التعب......
فى مكان أخر داخل فيلا كبيرة فى الإسكندرية تملأها الحراسة والرجال من كل مكان وفى كل زاوية، كان الطبيب يعالج جرح الرجل وسط صرخاته القوية وقال:-
_ الحمد لله أن الطعنة مأذتش الأعضاء
تحدث "كريم" بقلق على رئيسه قائلًا:-
_ يعنى هو بخير
تبسم الطبيب ونظر إلى الرجل المصاب بعفوية ثم قال:-
_ متقلقش عليه يا كريم هو أسد، ومش أول طعنة لجلال بيه
أومأ إليه بنعم ليقف "جلال" يرتدي تيشيرته ببرود شديد جدًا وملامح وجهه الغليظ يشير بيده إلى الطبيب بأن يرحل، وقف "كريم" الشاب صاحب الثلاثين عامًا خلفه ببدلته السوداء يشابك يديه ببعضهم أمامه وينظر بعينيه البنية على "جلال" من الخلف ويدون لحية ويصفف شعره الأسود للأعلي ، تحدث "جلال" بنبرة حادة قائلاً:-
_ عملت أى؟
مد "كريم" يده إلى رئيسه بالتابلت وكان مفتوح على السيرة الذاتية لـ "ليان" ، تحدث بهدوء:-
_ ليان فتحى محفوظ، قدمها 54 يوم وتم التاسعة عشر سنة، طالبة فى أولى طب جامعة إسكندرية، معروفة بين صحابها بالشخصية القوية وبتحب المغامرة والتحديات ، عنيدة لأقصى درجة وأتفصلت من مدرسة فى الإعدادية بسبب ضربها لمدرس حاول يلمسها وأتفصلت من مدرسة فى تانية ثانوية عشان ضربت زميلتها فى المدرسة ورفضت تعتذر من المديرة ، وحيدة أبوها معندهاش أخوات ، باباها فتحى محفوظ صاحب شركة محفوظ للأدوات المنزلية وفضل 20 سنة مبيخلفش وبعد عشرين سنة جواز ربنا رزقه بـ ليان
نظر "جلال" إلى صورتها فى السيرة الذاتية ثم قال بجدية:-
_ خلى عينيك عليها
أومأ "كريم" بنعم ثم قال:-
_ أحم ، بالنسبة للى حصل ....
قاطعه "جلال" بنبرة حادة أكثر باردة:-
_ قفل على الموضوع دا ومع شروق الشمس خلى الرجالة تجهز عشان هننزل القاهرة
أومأ إليه بنعم....
____________________________
فى القاهرة ، عاد الجميع من الخطبة بسعادة فأستوقفهم "الجارحي" بنبرة قوية:-
_ ديحة!!
نظرت "مديحة" وهكذا الجميع إليه فأقترب منها بهدوء وقال:-
_ أخر مرة تفكري تقربي من مراتي أو حتى تدخلي فى شئونها وأنا موجود على وش الدنيا
تأففت بضيق من تصرفه أمام الجميع فهل يفكر حفيدها فى إهانتها أمام العائلة لتقول بضيق:-
_ أنت سامع نفسك بتقول أى؟، الظاهر أن اسم ديحة خلاك تنسنى مكانك وبتتكلم مع مين؟
تحدث "حمدى" بتعب من طول اليوم قائلًا:-
_ خلاص يا مديحة أدخلى شقتك
أقترب "الجارحي" منها خطوة وقال بتهديد واضح دون خوف:-
_ أخر مرة يا حجة هتكلم معاكِ باللسان
_ أنت قد اللى بتقوله دا
وضع يديه فى جيوبه بغرور وقال بكبرياء:-
_ الزمن علمي أنى لما أقول أكون قد القول وجربيني يا ديحة ، وغلاوة الحج عندك لتجربيني بس، لأن برضو حاجة اتعلمتها من الحج جوزك لما أعمل أكون قد رد الفعل .... وإنتِ عملتي فكوني قد رد فعل الجارحي أبو النور.... مراتي خط أحمر
كزت على أسنانها بضيق غاضبة منه ، وقفت "قُدس" تشاهد جراءته فى تحدي جدته وتهديدها أمام زوجها وابناءها ، يراقب جميع الرجال تهديد الحفيد للجد دون ان يلفظ أى منهم بحرف، أعلن حربه على الجميع لأجلها كما وعدها، جزء من قلبها يتعلق به باستماتة وجزء أخرى منها يحكم عقلها الذي يرفض العودة له وكل ذرة بالمنطق تخبرها بانه سيعود لقساوته من جديد ولم تدوم رقته ولطفه معها، كانت تصارع وحدها ما يدور بداخلها والحرب القائمة بين القلب المُسلح بالعشق والعقل المُسلح بالمنطق، تحدث "حمدى" بهدوء قائلة:-
_ جارحي، أنا واقف واللى بتكلمها مرات حمدى أبو النور
تبسم "الجارحي" بسخرية وقالت بلطف مُصطنع مُستفز:-
_ حقك عليا يا حج ، على رأسي بس أى اللى يخلى مرات المعلم حمدى أبو النور تجسس عليه وتتصل بالمحامي تسأل على الوصية والأملاك
أتسعت أعين الجميع وهكذا "حمدى" الذي صُدم من تصرف زوجته وهى تبحث عن ماله فقط، مر "الجارحي" من جوارها وقال بهمس:-
_ دى قرصة ودن صغيرة من الممكن أعمله إذا قربتي لقُدس
كادت "مديحة" أن تتحدث بتلعثم خائفة من زوجها الذي يمقنها بعيني ثاقبة تملأها الشر والحقد لكنه لم يسمح لسماع صوتها ودلف إلى شقة "وصيفة" ليدخل الجميع إلى شققهم، صعد "الجارحي" أولًا لكنه لم يسمع خطواتها فألتف ليرى "قُدس" تسير نحو شقة "وصيفة" فسأل بدهشة:-
_ رايحة فين؟
حدقت به وشعرت بهزيمة قلبها الخائف من تقلبه عليها وما زالت تشعر بالحزن والخذلان من جعلها دمية فى يديه، هزمها العقل بأفكاره المُرعبة، كانت تعلم أن بمجرد دخولها لشقته سيتبدل حاله من جديد معها ويقسو عليها فقررت أن تهرب منه وتمتمت:-
_ داخلة عشان أنام
قالتها بتعب ليترجل "الجارحي" الدرجات التى صعدها حتى وصل أمامها مُندهش من هجرها، أعتقد أن لطفه وقبلته صباحًا كان نهاية الفراق والهجر بينهما ، أم تكفى خطوته فى البداية بتقبيلها لمصالحتها وإعلان السلام بينهما لتبدأ حياة جديدة بينهما ويسعدوا معًا بطفلهما، تحدث بدهشة مُتسائلٍ عن هروبها منه:-
_ ليه؟
رفعت نظرها نحوه بتوتر وعينيها دامعة تتمنى لو تلقى بجسدها الصغير بين ذراعيه وتختبى به من قسوة العالم، لكن عقلها الخبيث لا يوافقها على النعيم ودومًا يأخذها إلى الجحيم فتحدثت ببرود مُصطنع تخفى به حربها القائمة بداخلها بعد أن رمقته بجدية:-
_ أعتقد أن كلامي كان واضح لما قُلتلك أنى عند أهلى لحد ما تبعتلي ورقتي
ضحك بسخرية من تحولها الغريب، قضم شفته السفلية بغيظ ثم قال بهدوء:-
_ أنا فكرت أنك عقلتي و...
حك لحيته بضيق من عنادها الشديد وقال مٌتأفف من تمردها:-
_ هو مش المفروض أنى صالحتك الصبح وقُربنا من بعض وضحكك فى وشي و........ ، إنتِ واعية إنتِ بتعلمي أيه يا قُدس أنا مش هتحمل صبيانتك دى كتير
قاطعته وهى تتذكر يومها كاملًا معه وتقول بعنادٍ وتحدٍ:-
_ فكرت لما تعاملني كويس يوم هعقل وأرجع عن قراري، أنا مش هرجعلك يا جارحي، مش هرجعلك عشان زى ما أنت قُلت قبل كدة أنا مش مناسبة ليك ولا أنت كمان مناسب ليا، اه أنا يمكن النهاردة تقبلت اللى فى بطني لما شوفته لأن غصب عنى أنا أم وقلبي ماله لما شوفته وسمعت صوته لكن متقبلتش وجودك، أنا فكرت كتير وعرفت أنك مش الراجل اللى أنا عايزاه ولا فيك ميزة واحدة مناسبة ليا
شعر بحدتها فى الحديث وإهانتها له كرجل بكلماتها القاتلة فجذبها من ذراعها بقوة إليه وقال بلهجة مُخيفة مُرعبة:-
_ إنتِ مين اللى صورلك أن يحق ليك أنك تقربي من كرامتي ورجولتي، أوعي يا قُدس في يوم أو حتى لحظة تنسي أنى الجارحي أبو النور، أنا لو بنفذلك طلباتك وبعملك اللى عايزاه دا عشان كرم أخلاق مني مش ضعف، ومتخلقتش الست اللى تلوي ذراعي، عايزة تتطلقي .... عيني زى ما تحبي بس ما بعد ما تولدي ابنى ولحد ما تولديه مش عايز ألمح ظلك حتى ، مبقاش الجارحي أبو النور إذا ما دفعتك ثمن المساس بكرامتي وتقليلك منى كراجل......
دفعها من ذراعها للخلف بغضب سافر وقال بحزم:-
_ غورى يا قُدس
صعد إلى شقته غاضبٍ يتواعد لها بالكثير من الإهانات والذل على جرح كرامته، دلفت إلى شقة "وصيفة" بهدوء شديد والحزن حليفها فى هذه الليلة....
________________________
فى الإسكندرية ، تسللت "ليان" من غرفتها فى السابعة صباحٍ قبل أن يستيقظ والديها، وصلت لباب الشقة وخرجت منها عازمة أمرها على السفر بعناد، ترجلت للأسفل ووجدت سيارة ملاكي بيها أصدقائها الأربعة ولدين وبنتين ، صعدت فى الخلف مع البنات وأنطلقوا جميعًا إلى القاهرة وخلفهم سيارة رجل "جلال" يراقبها....
كان "كريم" يقود السيارة بـ "جلال" الذي يجلس فى الخلف يتابع أعماله على جهاز التابلت، رن هاتفه من قبل الرجل الذي يراقب "ليان" فحدثه "كريم" ثم أغلق الهاتف وقال:-
_ ليان فى طريقها للخروج من إسكندرية مع أربع شباب ، بنتين وولدين
رفع "جلال" نظره عن التابلت بأهتمام وقال:-
_ معقول يكون لها دخل بالهواري ، خليه وراها
اومأ إليه بنعم وأعطي الأمر للرجل فى الهاتف...
فى السيارة الأخرى كانت "ليان" تستمع مع أصدقائها فى سفرهما إلى القاهرة حتى وصله إلى بوابة القاهرة فتحمس الجميع ....
___________________________
[[ عمــــارة أبو النور ]]
استيقظت "هدير" صباحًا مع أذان الظهر، خرجت من غرفتها ورأت "سنية" تجهز الإفطار مع والدتها "وصيفة" التى تبسمت فور رؤيتها لوجه ابنتها وقالت بلطف:-
_ صباح النور يا عروسة
تبسمت "هدير" بخجل وجلست على الأريكة تقول بهدوء:-
_ خلاص خليتينى عروسة
تركت "وصيفة" السفرة لـ "سنية" وذهبت نحو ابنتها ثم قالت:-
_ طبعًا وست العرايس كمان، أنا شوفت الدكتور أمبارح وعينيه متشالتش من عليكي وبصراحة أنا أرتاحت له مع أنى متكلمتش معاه بس حسيت بقبول كدة جوايا من ناحيته
ضحكت "هدير" بعفوية على والدتها ثم قالت بملل:-
_ ههههه برضو اللى قبله كدة، صفصف إنتِ أى رجل تحت بند عريس بترتاحيله والقبول بيقي مليون الميه
حاولت إخفاء خجلها وتوترها من الخطوة التى أقدم عليها "مصطفى" فتحدثت "وصيفة" بعفوية:-
_ يا شيخة يعنى إنتِ مش عايزاه ، أقول للحج أنى سألتك وموافقتيش
تنحنحت "هدير" بأحراج وقالت بتوتر وأرتباك:-
_ أى يا صفصف مستعجلة ليه؟ ما هنأخد وقتنا فى التفكير
ضحكت "وصيفة" بعفوية على ابنتها ثم قالت بأريحية:-
_ طب قومي يا أختى صحي قُدس عشان تفطر على ما أشوف أبوكِ خلص ولا لسه
بحثت "هدير" حولها عن والدها وقالت بهدوء:-
_ هو فين؟
ألتفت "وصيفة" حولها بخوف أن يسمعها ثم همست إلى ابنتها بقلق شديد قائلة:-
_ منمش طول الليل بعد القنبلة اللى رماها الجارحي قصادنا، ومن الفجر عمال يتصل بالمحامي وجاله من صباح ربنا وقاعدين فى المكتب جوه، ربنا يستر من تفكيره أنا أول مرة أشوف أبوكِ كدة وبالغضب والعصبية دى كلها من يوم ما أتجوزته وكله من وش البومة اللى متجوزها
تنهدت "هدير" بقلق وقالت:-
_ ربنا يستر
فتح باب الغرفة يقاطع حديثهما الهامس وكانت "قُدس" تركض نحو المرحاض تستفرغ ما بأحشائها وخرجت تتكأ على الحائط بظهرها فوقفت "هدير" و"وصيفة" من مكانها وساروا نحوها فكانت شاحبة جدًا فسألت "هدير" بقلق:-
_ مالك يا قُدس؟
_ تعبانة شوية
قالتها "قُدس" بتعب ودوران رأسها لا يتركها فمسكت رأسها بتعب وحاولت الاستقامة فتعثرت قدميها لتمسك "هدير" يدها بقلق وكانت باردة كقطعة من الثلج فوضعت يدها الأخرى على جبين "قُدس" وكانت باردة جدًا مما جعلها تتحدث بفزع:-
_ يا لهوى دا إنتِ متلجة يا قُدس، أتصلى يا ماما بالدكتور
سارت "قُدس" بتعب معها نحو الأريكة مُتمتمة بضعف:-
_ مفيش داعي يا دودو ، أنا مش عيانة
رمقتها "هدير" بقلق بينما "وصيفة" تحملق بالصغيرة وقالت بتردد وصوت خافت:-
_ إنتِ حامل؟ نعملك أختبار حمل
_ اه
قالتها "قُدس" بتعب وألقت بجسدها على الأريكة نائمة من وجع بطنها الذي يلازمها لكنها فزعت عندما أطلقت "وصيفة" الزغاريد فى الشقة بفرحة تغمرها بينما "هدير" نظرت إلى الصغيرة بدهشة ولم تصدق ان فتاة بعمرها تحمل بداخلها جنين وعلى وشك أن تكون أم، طلبت الطلاق ولم تخبرها بأن شيء قد حديث بينهما والآن تفاجئها بالحمل وما زالت هنا غاضبة وتهجر زوجها، خرج "حمدى" على صوت الزغاريد مُندهشة من وجود الفرحة فى بيته ليقول بحدة صارمة:-
_ ما خلصنا يا وصيفة الخطوبة وخلصت
كان فى أشد غضبه وعلى وشك هدم المنزل على رؤوس الجميع لكن أوقفه صوت "وصيفة" التى تقول بحماس وفرحة تغمرها:-
_ تعال يا حج شوف عروستنا وباركلها ، قُدس حامل
أتسعت عيني "حمدى" على مصراعيها من هول الصدمة التى وقعت عليه فتحدث بهدوء وتلاشى غضبه:-
_ طيب روح أنت دلوقت وأعمل اللى قُلتلك عليه فى أسرع وقت
أومأ "المحامى" إليه بنعم وقال بلطف:-
_ عن أذنك يا حج ومبروك يتربي فى عزكم
غادر المحامى وأقترب "حمدى" بعكازه وخطواته الضعيف نحو حفيدته الجميلة، جلس على الأريكة بجوارها فرفعت جسدها بتعب ليمسح على رأسها بحنان رغم الضغط والضيق اللذان يحتلان عقله، تحدثت بلطف ونبرة دافئة:-
_ إنتِ حامل يا قُدس؟
_ اه يا جدو
بدأت "وصيفة" نوبة من الزغاريد من جديد لتصرخ بها "حمدى" رفاعٍ عكازه فى وجهها بحزم:-
_ أخرسي ، كتم على الموضوع دا
دُهش الجميع من حزمه وإخفاءه للأمر فنظر "حمدى" بهدوء إلى الصغيرة وقال:-
_ مين يعرف إنك حامل؟
_ أنتوا وجارحي بس
قالتها بقلق ليقول بحزم شديد موجه حديثه إلى ابنته وزوجته:-
_ إياك حد غيركم أنتوا الأثنين يعرف ولا يشم خبر عن الموضوع دا، اللى حاول يقتل جارحي لسه متمسكش والعيلة كلها أول ناس محل شك واللى عايز يأذيه مش هيغلب على أذي ابنه
تحدثت "هدير" بقلق مما حدث وقالت:-
_ عندك حق يا بابا وخصوصًا إنى شاكة فى عماد
تنهد بهدوء شديد ثم قال:-
_ أنا بس أتأكد
رفع رأسه لها بجدية يرمقها بنظرة مُرعبة ويتطاير منها الشر:-
_ إياكِ يا وصيفة حد يعرف ، قُدس هنا فى بيتك أمانة عندك وسلامتها هى واللى فى بطنها مسئوليتك فاهمة وأى حاجة تعوزها متطلبهاش من حد غير جارحي بما أنه عارف بحملها وجوزها، إياك حد يشك مجرد شك فى أنها حامل
هزت "وصيفة" رأسها بنعم وجلست بجوار الصغيرة ليقترب "حمدى" أكثر ويقبل رأس "قُدس" بلطف وقال بحُب:-
_ مبارك يا نن عيني وخلى بالك من نفسك عشان تجيبلنا بنوتة قمر زيك كدة
تبسمت "قُدس" بعفوية على دلل جدها لها فقاطعهم صوت دقات الباب ودلفت "آسيا" بعد أن كان الباب مفتوح بعد خروج "سنية" وسألت بفضول:-
_ خير يا مرات أبويا الزغاريد دى من عندكم مش كدة
تنحنحت "وصيفة" بتوتر وقالت بحماس:-
_ أيوة يا آسيا، باركيلى أختك هدير جالها عريس وأخيرًا وافقت تقعد معاه ، الدكتور اللى كان قاعد معنا أمبارح على الترابيزة
نظرت "آسيا" إلى أختها بحقد وقالت بضيق:-
_ ااااه وماله، مبروك مقدمًا يا هدير
_ الله يبارك فيكِ يا آسيا
قالتها "هدير" بهدوء فتحدث "حمدى" بضيق:-
_ باركتي يا آسيا أمشي غورى عند أمك البومة
شعرت "آسيا" بضيق واحراج أكبر من طرد والدها لها ثم قالت:-
_ كدة يا أبا ماشي
_ غورى روحي لأمك السودة ، ما إنتِ طالعة وارثة السواد منها
قالها بغضب شديد لتخرج "آسيا" من الشقة غاضبة، تبسم "حمدى" بعفوية وقال:-
_ قومي يا قُدس أتسندي عليا ونفطر سوا ، أنا عايز الواد يطلع فيه العز
ضحكت عليه ووقفت تتسند عليه رغم ضعف جسده لكنه كان يدللها بحنان ......
____________________________
فتحت "ياسمين" باب غرفة ابنتها وهى تقول:-
_صحى النوم يا ليان ، الفطار....
لم تجد ابنتها فى الغرفة فخرجت بذعر تبحث عنها فى المرحاض لكن لم تجد اثر لابنتها مما جعلها تصرخ باسم زوجها:-
_ فتحي... ألحقنى يا فتحى ، ليان مش موجودة
ترك الهاتف من يده وقال بدهشة:-
_ يعنى أى مش موجودة؟؟
قالتها بذعر وقدميها تركض فى كل أرجاء الشقة باحثة عن ابنتها والخوف تملك منها وبدأت يديها ترتجف بخوف وكاد قلبها أن يتوقف ....
_ بقولك مش موجودة ، يالهوي لتكون راحت القاهرة بجدة
___________________________
خرج "عمران" من الشركة التى يعمل بها فى المهندسين الساعة الرابعة عصرًا ، دلف إلى أحد المطاعم مع أصدقائه وطلبوا الغداء، رن هاتفه باسم "ليل" خطيبته الجميلة فخرج من المطعم يحدثها بعفوية وقال:-
_ خطيبتي القمر
_ أى دا في أى؟
قالتها "ليل" مُندهشة من كلمته ليتابع الحديث بعفوية وقال:-
_ أصل لحد دلوقت مش مصدق أنك بقيتي خطيبتي خلاص وأمبارح دبلتي نورت أيدكي، عايز أقولك أنى طول اليوم النهاردة مخلعتش دبلتك أبدًا وحاسس بفرحة وهى منورة أيدي
ضحكت "ليل" على حُبه وقالت برقة:-
_ لا صدق يا روحي
_ بحاول والله أصدق أنك خلاص بقيتي بتاعتي
قالها بحب وهو يضع يده فى جيب بنطلونه وينظر فى الأمام على المارة بسعادة، تحدثت "ليل" بخجل من كلمته:-
_ لسه يا حبيبي ، الكلام دا لما أبقي مراتك رسمي، دلوقت أنا خطيبتك وبس
كان يستمع لحديثها بحُب وقال بمشاكسة ومرح:-
_ بت ، أنا خلاص أعتمدت أنكِ بقيتي مراتي ، إحنا فى عيلتنا الخطوبة بحكم كتب الكتاب
قهقهت "ليل" على مزاحه وقالت:-
_ دا فى شرع مين دا
_ فى شرع قلبي يا نبض قلبي
قالها بدلال يتغزل بمحبوبته ليُصدم عندما رأى "قُدس" تقف على الجهة الاخرى من الطريق مع شاب فى عمرها ويمازحون بعضهم باللمس فتحدث بدهشة:-
_ قُدس
تعجبت "ليل" من كلمته وقالت بدهشة:-
_ قُدس... مالها؟
خرج شاب وبنتين من المطعم المقابلة ليقفوا معهم فقال "عمران" بضيق من تصرفات الفتاة التى يراها:-
_ بنت خالك واقفة مع شباب ونازلة ضحك ومرقعة وسط الشارع، هو فين جوزها اللى عاملكم رعب يشكمها
تعجبت "ليل" من حديثه وقالت بغضب:-
_ لا ، أنت أكيد بتهزر ، قُدس مين اللى بتهزر وتتمرقع مع شباب
لم يبالي بشيء بعد أن خرج صديقه يناديه من أجل الطعام فأنهي الحديث مع "ليل" وأغلق المكالمة لكن شعر بشيء يخبره بان يصورها فألتقط صور لها مع الشباب ودلف للداخل، مرت "ليان" مع أصدقاءها بسعادة تغمرها فى رحلتهما وكانت نسخة طبق الأصل من "قُدس" .....
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم