رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثاني عشر 12 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثاني عشر 


مر عدة أيام وكانت ترنيم في غير حالتها المعتادة، حيث لاحظ الجميع شرودها المستمر وابتعادها عن المزاح، وكان يبدو على ملامحها تأثير عميق من الهموم التي تملأ قلبها. عيناها، اللتان طالما كانتا تلمعان بالفرح، تعكسان الآن شيئًا غريبًا، وكأن ظلاً خانقًا بدأ يخيم على روحها. حاول سلطان فهم ما يحدث، وحين رأى التغيرات التي طرأت على تصرفاتها، تملكه شعور متزايد بعدم الارتياح. ومع أنه كان يؤمن بأن ما تمر به لا يمكن أن يكون بمفرده نتيجة لضغوط ليلة الزفاف المنتظرة، إلا أن ترنيم كانت تكرر تلك الأعذار وكأنها تسعى لإقناع نفسها قبل أن تقنع الآخرين. رغم عدم تصديقه لتلك الأعذار، فقد بذل جهدًا كبيرًا ليوفر لها جوًا خاليًا من الضغوط، محاولاً تجنب أي نقاش قد يزيد من معاناتها.

في المشفى، دلفت ترنيم غرفة غريب لتطمئن على حالته الصحية، ولكن قلبها كان يثقله التوتر. قد لاحظ هو أيضاً التحول الذي طرأ على شخصيتها، حيث انتقلت من المرح إلى الحزن، كأنها فقدت بعضًا من ضيائها. بدأت تفحص حالته بصمت تام، وعينيها كانت تشعان بالقلق والأسى، وكأن العالم من حولها توقف لحظة لتسمع أنين قلبها. نظر إليها باستغراب، وظل يراقبها حتى انتهت من حديثها، إذ قالت بنبرة حزينة: 
"كده بقيت كويس وتقدر تخرج مع تغيير للجرح يومياً وهكتب ليك علاج تمشي عليه في الفترة الجاية. حمد لله على السلامة."
لكن تلك العبارة لطالما كانت تمر على مسامعه كفاصل زمني بين حالتين؛ حالة كانت ترنيم بصحة جيدة، وحالة مؤلمة تشغل تفكيرها الآن.
كادت أن تتحرك، لكن شعرت بيده تمسك معصمها، كأنه يطلب منها أن تبقى لحظة أطول ليقرأ تعابير وجهها. رفع عينيه ليبصرها بتركيز، فتساءل بنبرة هادئة:
"مالك؟" 
وكأن سؤاله كان بمثابة جسر بين العاطفة والمعرفة، يريد فقط اختراق جدار الحزن الذي بنته حول نفسها.
نظرت له باستغراب، وأجابت بصوت مختنق: 
"لو سمحت، سيب أيدي." 
تلك الكلمات كانت بثقل الحزن الذي افترسه في عینیها، وطفيف الغضب الذي تطاير من شفتيها، دليل على مدى العصبية التي كانت تحاول احتوائها.
ترك يدها، ولكنه سأل بتساؤل عنيد: 
"مالك؟ مش من طبيعتك تبقي هادية وساكتة كده؟" 
كانت هذه الكلمات أشبه بطرقات على باب قلبها، محاولًا فتحه ليكتشف ما يدور بداخله، لكن ترنيم لم تشأ أن تكون ضعيفة أمامه.أجابت بغضب: 
"وحضرتك تعرفني منين وتعرف طبيعتي من أمته، ويخصك في أيه حالي؟ لو سمحت ألزم حدودك." 
كان جوابها يحمل رائحة التحدي، وهو ما زاد من إحساسه بالاستغراب، إذ كيف كانت الفتاة المرحة والمشرقة قد تحولت إلى شخص تنفث الكلمات كالرصاصات؟
ضغط على أسنانه بغضب، حيث قال بنبرة تحذيرية: 
"أول وآخر مرة تتكلمي معايا بأسلوبك ده، فاهمة؟" 
كانت تلك الكلمات بمثابة تحذيرات إلا أنها استقبلتها بشيء من الاستفزاز، وكأنها كانت تقول له إن هذا النوع من الأساليب لن يوقف زحف كرهها للواقع الذي تعيشه.
حركت أصابعها أمامه، وأجابت بغضب:
"وأنت مش مسموح ليك تتعامل معايا بالأسلوب ده." 
لفظتها وكأنها تعاند موجة صاعدة، متمنية أن تقف في وجه العاصفة القابلة بأن تجرفها بعيدًا.
أمسك يدها بغضب، وقال: 
"بت أنتي لمي لسانك بدل ما أقطعه ليكي."
كان هذا التحذير كفيلاً بزيادة التوتر بينهما، لتتكاثر الدوامات المتلاطمة داخل الغرفة كما لو كانت خزانة أسرار مغلقة.
ردت عليه بغضب متزايد: 
"لا أنت ولا عشرة زيك يقدروا يدوسوا ليا على طرف، سيب إيدي بدل ما أقطعهالك."
كان صوتها يمثل صرخة داخل فوضى الصراع، وطنينًا يتردد في أذن العناد الذي لم يكن ينوي التراجع.
ضغط بقبضة يده بشدة، حتى كاد أن يكسر عصبيتها، ثم أسقطها داخل أحضانه بطريقة غير متوقعة، وهو ينظر إليها بتحدٍ يملؤه الغضب والحماس في آن واحد. وعندما همس إلى أذنها بتلك النبرة الجريحة، قال بصوت يكاد يكون خافتًا: 
"لو أمك داعية عليكي، توقعي تاني في سكتي، علشان وقتها مش هرحمك."
كانت كلماته تحمل في طياتها تهديدًا مستترًا، فبدا له وكأنه يزرع بذور الخوف في قلبها، بينما هو في الحقيقة، كان يعيش لحظة من الاندفاع العاطفي الذي لم يكن يعرف كيف يتعامل معه. 
أنهى كلامه ودفعها بعيدًا عنه بقوة كانت كافية لتجعل كيانها يغلي من الغضب، ثم صرخ بصوت جهوري موجهًا لها بالتحذير: "غوري من وشي واطلعي بره." 
كانت الكلمات كالرصاص في قلبها، لكنها لم تتراجع. نظرت إليه بغضب متأجج، وعينيها تتألقان بشغف قوي، وتحدثت من بين أسنانها: 
"وانت خاف على نفسك مني، علشان وقتها أنا اللي مش هرحمك." 
كان تحديها له يبعث في نفسه أصداء المنافسة، يزيد من وعورة الأجواء حولهم، ومحاولة السيطرة على الوضع. 
أنهت كلامها، ثم خرجت من عنده بغضب شديد، وكأنها تحمل في خطواتها كل تاريخ من الصراع الذي بينها وبينه. بينما نظر "غريب" إلى أثرها وهي تبتعد، ورغم غضبه منها، إلا أن شجاعتها وقوتها تحت وطأة تلك الظروف قد أثارت فضوله وإعجابه في آن واحد. دلل عنده ذلك الإحساس بأن الأمور بينهما لن تصل إلى نهايتها السعيدة بسهولة، بل ستكون مليئة بالتحديات والمعارك. بدأ يعدل ملابسه بحركة عشوائية، وكأنه يحاول استعادة الهدوء الذي مثل ذبذبات معركة داخلية. 
ثم تحدث مع الحارس الخاص به واضعًا لمسة من الجدية على صوته، قائلاً بأمر واضح: 
"حضر العربية علشان خارج خلاص من هنا." 
أومأ الحارس برأسه مطيعًا وخرج لينفذ أوامره، بينما ظل "غريب" يفكر في تحدي "ترنيم" له. كانت أفكاره مشوشة ومختلطة، لكن بدا واضحًا أنه لم يعد بإمكانه تجاهل ما حدث، بل سيعود ليواجهه مرة أخرى، مهما كانت العواقب.
      ***************************
بالمساء...

جلس سلطان بجوار ترنيم على الأريكة، حاوطها بذراعهَ في محاولة لتهدئتها، لكن سرعان ما ابتعدت عنه واستقامت في وضعها، وكأنما تحاول بناء جدار بينهما يقيها من مشاعر الفوضى التي تعصف بها. كانت تعابير وجهها مضطربة، مما جعل سلطان يشعر بأن هناك شيئًا ثقيلًا يثقل كاهلها. تحدثت بصوت مختنق، كأنما يثقلها همٌ ثقيل: 
"أنا داخلة أنام، تصبحوا على خير." 
كانت الكلمات تخرج بصعوبة، وكأنما كل حرف يجر معها عبءًا كبيراً.
نظر إليها سلطان باستغراب، متسائلاً عن هذا الاندفاع المفاجئ الذي يتناقض مع طبيعتها العادية: 
"تنامي دلوقتي! من إمتى وأنتي بتنامي بدري كده؟" 
كان يستغرب كيف تحوّلت الأجواء في لحظة واحدة، بينما كان ينتظر أن يشاركها الحديث.
ردت عليه بضيق، وقد ارتفعت نبرة صوتها كأنما كانت تنازع بكلماتها، والألم بدا واضحاً في عينيها الزائغتين: 
"إيه، تعبانه وعايزه أنام، مش من حقي يعني ولا إيه؟" 
كان هناك شيء في نبرة صوتها يجعل سلطان يشك في أنها تحمل أكثر مما تظهره، وكأنما تنكر رغبتها في الاستماع إليه أو في الحديث معه عن ما يثير قلقها.
تبادل النظرات معها الجميع باستغراب، وتساءلت وفاء: 
"يا بنتي، فيه إيه مالك هو مقالش حاجة لعصبيتك دي؟" 
كان الاستغراب يسود وجه وفاء، بينما كانت تحاول فهم السبب وراء انغلاق ترنيم وابتعادها عنهم بشكل واضح. كانت وفاء تعرف أن هناك شيئًا أكثر عمقًا يعرفه الجميع، ولكن لا أحد كان مستعدًا لمناقشته.
تنهدت بعمق وعبّرت عن غضبها، قائلة بصوت محبط: 
"افضلوا أهروا في الكلام كتير بقى، أنا داخله اتخمد." 
تذرعت بذلك كوسيلة للهروب من حواراتهم، لكن في حقيقة الأمر، كانت تحاول الهروب من المعاناة التي تتصاعد داخلها، أيقنت أن النوم قد يكون مهربًا مؤقتًا من أفكارها المظلمة.
وتركتهم، متجهة نحو شقتها، حيث دفعت الباب بقوة وكأنما تهرب من عواطفها، تاركة وراءها قلقهم وضجتهم. شعرت بخطواتها تتسارع وهي تتجه نحو ملاذها، قلبها ينبض بسرعة، معتقدة أن العزلة قد تقدم لها بعض الراحة، حتى ولو كانت مؤقتة.
نظرت سميه إلى أثرها باستغراب، وقالت بخيفة: 
"أنا مش عارفه، ترنيم مالها اليومين دول، عصبيه على طول ورافضه تتكلم مع أي حد، ولا تقول على اللي مضايقها بالشكل ده." 
بينما كانت تشعر بالقلق, رأت أن شعور ترنيم المتزايد بالعزلة قد يورطهم جميعًا في دوامة من مشاعر القلق والتوتر.
استقام سلطان في جلسته وتحرك باتجاه الباب، ثم دخل شقة وفاء، وفتح باب غرفة ترنيم ليجدها تبكي، عينيها تلمعان بالدموع. أغلق الباب خلفه وجلس على السرير بجوارها، ملامساً ظهرها برفق. لكنه، على عكس ما توقع، انتفضت فجأة بغضب، ودفعته بعيداً عنها بعصبية، قائلة: 
"أنت بتعمل إيه هنا، وإزاي دخلت أوضتي من غير ما تخبط؟"
 لم تستطع رؤية وجهه الواثق والمعتاد على فتح الأبواب، بل شعرت بأن وجوده يضايقها أكثر.
نظر إليها باستغراب، وتحدث بتساؤل: 
"وده من إمتى، ما إحنا بندخل أوض بعض على طول من غير استئذان؟" 
انزعج بشكل كبير من رد فعلها، محاولًا فهم ما يجري في عقلها، مدركًا أنه لم يعد الأمور كما كانت.
زفرت بضيق، وكأنما تحاول كتمان مشاعرها المحتدمة: 
"سلطان، ممكن لو سمحت تخرج وتسيبني، أنا مصدعه وعايزه أنام." 
كانت الكلمات تخرج منها مضطربة، تعبر عن رغبتها في التراجع بعيداً عن الضغوط، وكأنها تستجد منه أن يتركها لتواجه مشاعرها في صمتها الخاص.
أمسك يدها برقة، محاولاً أن يبعث في نفسه وفيها بعض الأمل، ربت عليها بنبرة قلق ممزوجة بمشاعر الحب: 
"مالك يا بنت قلبي، إيه مزعلك اليومين دول، متحاوليش تكذبي عليا وتقولي متوترة من قرب الفرح، ولا الكلام العبيط ده، علشان أنا وأنتي مستنين اليوم ده بفارغ الصبر." 
كانت تلك اللحظة كفيلة بأن تجعل قلبه ينبض بسرعة، فهو لم يعرف أبداً ترنيم بهذا القدر من الحزن والضياع. عينيه تبحثان عن أي بصيص من الأمل في عينيها، لكنه كان ينظر إلى الغيوم التي تحجب سعادتها. 
لكنها أبعدت يدها عنه، وقد ارتجفت ملامح وجهها وكأنما تحملت عبءًا ثقيلاً، ومن بين شفتين ترتعشان قالت: 
"مافيش يا سلطان، ممكن تخرج بقى من الأوضة." 
كانت الكلمات تخرج منها كالصوت الخافت في ليلة عاصفة، حيث كانت تشعر بأن كل ما تود قوله قد تجمد داخلها. كان هناك أمور تغلى في داخلها، لكن القلق والخوف منعها من الإفصاح عنها. 
اقترب منها، محاولاً احتضانها كما اعتاد أن يفعل في الأوقات الصعبة، لكنه شعر بها تتراجع للخلف بسرعة، متحدثة بضيق: "سلطان، لو سمحت اخرج من الأوضة." 
كان قلبه ينفطر وهو يرى مسافتها، وكأنها تخشى الاقتراب منه، بل وكأنها تبتعد عن كل ما يمثله الحب والأمان. تساءل عن السبب وراء هذا الفجوة المفاجئة التي نشأت بينهما، والتي لم يكن موجودة يومًا. 
وقف بغضب، وحرك يده على شعره للخلف، متحدثاً بنفاد صبر متزايد: 
"أنا مش خارج من هنا غير لما أفهم فيه إيه بالظبط، مالك حالك متلخبط كده ليه اليومين دول؟ أنا اللي مربيكي وفهمك أكتر من نفسك، ومتأكد إنك زعلانة من حاجة. أول مرة تخبي عني حاجة يا ترنيم، اتكلمي وخرجي كل اللي جواكي، ولو عاملة مصيبة وخايفة مني ومش عايزة تقوليها، اتكلمي ومتخافيش." 
كان قلبه يتألم من فكرة أنها تشعر بأنها لا تستطيع الوثوق به، لكنه يعرف أنه في تلك اللحظة، يحتاج إلى إدراك ما في داخلها. "المهم، ارجعي ترنيم بنت قلبي، مش قادر أشوفك كده، قلبي بيتقطع علشانك." 
أغلقت عينيها بألم، وكأنها تحاول هزيمة فكرة استسلامها، وتحدثت بصعوبة: "بترجاك، سيبني دلوقتي، يا سلطان، وحياة أغلى حاجة عندك، امشي." 
كانت كلماتها مثل طعنة خنجر أدخلتها إلى قلبه، لكنه كان مصمماً على عدم التخلي عنها، فهو يعلم أن الحواجز التي تفصل بين القلوب يمكن تجاوزها، لكن كان عليه أن ينتظر حتى تنفتح هي له. 
لكن سلطان أُجبرها على الوقوف وكوب وجهها بين يديه القويتين، نظر في عينيها بعمق، وكأنه يحاول قراءة أسرارها التي أخفتها عن الجميع، وقال بصوت مليء بالحب: 
"أنتي أغلى حاجة عندي، يا ترنيم، وعلشان كده هنفذ رغبتك وأخرج، بس اوعديني تقوليلي إيه مزعلك." 
بدا صوته كمن يحمل شعلة أمل في ظلام حالك، وكيف أن عواطف الحب لا تعرف الاستسلام. 
هربت دمعة من عينيها، وكلمته بصوت مختنق، ممتزجًا بالألم والمعاناة: 
"هتعرف، قريب أوي هتعرف، يا سلطان، تصبح على خير." 
كانت تلك الكلمات تبدو كأنها وعد مُعطى في غفوة من الأمل، ولكن في باطنها كانت تحوي الكثير من الحزن والقلق على ما ستحمله الأيام القادمة. 
أزال عبراتها بأصابعه برفق وحنان، قبل وجنتها برقة، وتحدث بصوت هامس:
"وانتي من أهلي، يا بنت قلبي." 
كانت تلك الكلمة كالعكاز الذي تسند عليه، كانت تمثل الأمان الذي فقدته في هذه اللحظة.   
ابتعد عنها، ونظره معلق عليها، ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه، تاركًا خلفه جوًا ثقيلاً مليئًا بالمشاعر المتضاربة. 
نظرت إلى أثره، ثم ارتمت على السرير، وظلت تبكي، تتعالى شهقاتها بألم حتى غلبها النوم. كان الليل يخيم بعتمته، ولا تزال في ذهنها أفكار مشوشة، كانت تعلم بأنها ستجد الحلاوة في الكلمة التي لم تقال، لكنها لم تكن مستعدة بعد لمواجهتها.
      ****************************
مرت الأيام، وجاء يوم زفاف سلطان وترنيم. كان هذا اليوم يمثل تتويجًا لحلم عشقها الطويل، ولكنها وجدت نفسها محاصرة بمشاعر متناقضة. كانت الدموع حبيسة داخل عينيها، والجميع يتساءل عن السبب، لكن دون جدوى، فقد كانت آلام قلبها أقوى من فرحة الزفاف. تفتحت الأسئلة في عقلها كزهور شائكة، وكلما حاولت الضغط على المشاعر المكبوتة، زادت حدة الألم بداخلها.
ارتدت ترنيم فستانها الأبيض، التي كانت آية من الجمال، حيث تتلألأ الأقمشة مع أي حركة، ولكن في عينيها لم يكن هناك سوى السواد. نظرت إلى انعكاسها في المرآة، بينما تسابقت دموعها على خديها كأنها تنهار تحت ثقل الفرح المزيف. في تلك اللحظة، فتحت سميه الباب ونظرت إليها بقلق، وكأنها ترى ابنة خالتها ورفيقة عمرها تتأرجح بين عالمين، ثم ركضت نحوها واحتضنتها بقوة، تربت على ظهرها حتى تهدأ، بينما كان يتمزق قلبها من رؤية الألم الذي يعبر عن ترنيم.
تمسكت ترنيم بها بقوة، وتعالت شهقاتها وكأن قلبها يتمزق من شدة الألم. كانت هذه هي اللحظة التي تجلى فيها الصراع الأكثر عمقًا بداخلها: بين المتوقع والمفترض، وبين ما تريده وما يُفرض عليها. قالت سميه بقلق وعدم فهم: 
"مالك بس يا ترنيم؟ إيه حصلك؟ لحد دلوقتي مش مصدقة إن ده اللي بيحصلك في أكتر أيام كنت بتحلمي بيها." 
ثم أضافت، "أنا معاكي، أتكلمي بسمعك." 
لكن ترنيم، محاصرة في دوامة مشاعرها، لم تستطع أن تجيب.
تحدثت بصعوبة وسط شهقاتها وقالت:
"ياريتني موت قبل اليوم ده يا سميه!" 
كان صوتها مكسورًا وضبابيًا، وهي تشعر بالألم الشديد الذي يشبه طعنة خنجر في قلبها. 
"قلبي وجعني أوي وبينزف من جوه."
انتشر الوجع في روحها، وكأنها تحاول أن تتخلص من ذاتها. كانت تتمنى لو أن بإمكانها الفرار من هذا الواقع المؤلم.
نظرت إليها سميه بعينين ملئهما القلق، وسألت: 
"مالك يا ترنيم، طيب احكيلي، وقوليلي إيه وصلك للحالة دي." 
كانت ترغب في أن تعرف السر وراء تلك السحابة الكئيبة التي تخيم على ترنيم، ولكن قبل أن تجيب، كادت أن تفتح قلبها، لكن الباب انفتح فجأة، ودخل زوج والدتها قائلاً: 
"المأذون تحت يا بنتي، يلا، سلطان مستنيكي." 
كانت الكلمات كصفعة لها، تذكيرًا بواجباتها التي تتجاوز آلامها الذاتية.
نظرت ترنيم إليه بدموع، وحركت رأسها بحزن، ثم وجهت نظرها نحو سميه، متحركة نحو الخارج كما لو كانت تسلك طريقًا نحو المجهول. خرجت من شقتهم وهبطت على الدرج، وقدميها ترتعشان وببطء شديد، تشعر وكأن كل خطوة تقربها إلى الخلاص، ولكنها لم تكن متأكدة من أي نوع من الخلاص ستحصله. وصلت إلى مدخل العمارة، وكان سلطان في انتظارها، قبَل يديها بحب وابتسم لها، وكأن تلك اللحظة قُدِّرت بأن تكون لحظة سعيدة، ثم وضع ذراعها داخل ذراعه واتجها إلى المكان المخصص لهما. تحت سعادة الجميع، بدأ المأذون بالإجراءات، بينما كانت ترنيم تتألم، وكانت الأصوات حولها تبدو كأنها ضباب، لا تسمع سوى صوت قلبها المتمزق ولا ترى سوى السواد. أغلقت عينيها في محاولة لمنع الدموع من الهطول، وفي هذه اللحظة، سمعت صوت أخيها تامر المختنق يقول لها:
"امضي هنا يا ترنيم." 
كانت كلماته كالنقطة التي تفصل بين العالمين بالنسبة لها، لكنها شعرت أن الندم قد غمر حياتها بطريقة لا يمكن تصورها بعد. فتحت عينيها المحمرتين من كثرة البكاء ونظرت له بوجع، كأن كل أشعة النور حولها قد انطفأت. ثم نظرت إلى الأوراق الملقاة أمامها، تلك الوثائق التي كانت تمثل مستقبلها المجهول. حركت يدها ببطء وكأنها تتخذ القرار الأكثر صعوبة في حياتها، وأمسكت بها، ثم أخذت القلم، والذي شعرت وكأنه ثقلٍ يجرها للأسفل. تحركت نحو الورق تحت ترقب الجميع، قلوبهم تخفق في حيرة وترقب. لكن فجأة، توقفت استقامت بجسدها كمن يستجمع آخر قواه، وبدأت تمزق الأوراق أمام ذهول كل الحاضرين، وكان صوت تمزقها كأنه ينذر بانهيار عوالم بأكملها.
وقف سلطان سريعًا، وقد اعترته الصدمة، وتحدث بغضب: 
"انتي أتجننتي يا ترنيم! أيه اللي انتي عملتيه ده؟" 
لهجته كانت تعكس المزيج من الهلع والرغبة في السيطرة، وكأن تلك الحركة هي تمرد على ما أراد فرضه. 
نظرت له بدموع، وتحدثت بصوت حزين ومكسور يكاد يكون همسًا: 
"علشان انت مش من حقي أنا يا سلطان، انت حق مراتك وبنتك." 
كلماتها كانت تنبض بالألم، وكانت تكشف عن جراح عميقة سُطّرت في قلبها، جراح لم يدركها أحد سواها.
اتسعت عينا سلطان بصدمة، وكذلك دوائر العيون الأخرى التي بدأت تتجمع حولهم، في عملية سعي لفهم ما يحدث. كان يدرك أن هناك شيئًا ينهار، شيئًا أكبر من مجرد ورقة تمزقت.
تحركت ترنيم بغضب وحرقة مشاعر، اقتربت من مكان معين حيث كانت تقف فريدة وابنتها رنيم، وشعرت بأن قلبها يتألم من رؤية تلك العائلة. أمسكَت بيد فريدة ويد ابنتها، ورجعت بهما إلى سلطان، وهي تتحدث بدموع تسيل كجداول من الماء الساخن:
"هما دول أحق بيك مني يا سلطان. إزاي جالك قلب تعمل فيهم وفيا كده؟ انت إزاي طلعت كداب وممثل شاطر بالطريقة دي؟ ده أنا صدقتك يا شيخ إنك فعلاً بتحبني، وعيونك مش شايفة غيري، صدقت إن أنا فعلاً بنتك الوحيدة بنت قلبك زي ما بتقولي. طيب ليه تعمل فيا كده؟ عملتلك إيه علشان تجرحني بالشكل ده؟ انت كنت دنيتي كلها، ليه تديني الحياة بأيدك وتخدها مني مرة واحدة؟ ليه كبرتني وكبرت حبك في قلبي؟ وبعد كده دوست عليه بجذمتك؟ انت علمتني كل حاجة في الحياة، لكن نسيت تعلمني أهم حاجه، أزاي  أكرهك يا سلطان. من هنا ورايح مراتك وبنتك هيعيشوا هنا وسط أهل أبوها في الشقة اللي أنا وأنت كنا بنجهزها لينا، دلوقتي هما أحق بيها، أكتر مني. مبروك يا عريس، معلش جات متأخرة أوي بعد سبع سنين، بس أهو أحسن من مافيش و اتعمل ليكم أحسن."
كانت كلماتها قوية كالصواعق، تفجر كل ما كان مخبئًا في أعماق قلبها قبل أن تنهض من المكان كما لو كانت تحمل عبء العالم على كتفيها.
أنهت كلامها وركضت سريعًا إلى الأعلى، تاركة خلفها عاصفة من المشاعر والذكريات، كما لو كانت تسعى للنجاة من جحيم كادت أن تبقى فيه للأبد.
حركت وفاء رأسها بحزن ظاهر على ملامح وجهها، وحركت فكيها وكأن الكلمات تتزاحم في صدرها، فتحدثت بلوم ووجع: 
"ليه يا سلطان تعمل في بنتي كده؟ ليييه؟ ده أنا كنت مطمنة عليها معاك، كنت بسلمها ليك وبكل ثقة فيك!" 
كانت مشاعرها تمزق قلبها بين قلقها على ابنتها وصدمة ما حدث. 
"اداري، طلعت انت الجلاد يا ابن أختي، مش مسمحاك على اللي عملته فيها." 
رنَت الكلمات كالصواعق في الهواء، وكأنها لم تكن فقط تتحدث عن ابنتها بل أيضاً عن كل الأحلام الضائعة وكل الآمال المنكسرة.
أنهت كلامها بصرخة حزينة، وركضت خلف ابنتها، قلبها في حالة من الشجن. لم تتجاوز الموقف الذي تعيشه، وكانت كل خطوة تشعر وكأنها تبتعد عن الأمان الذي كانت تريد أن توفره لها.
نظرت سميه وصباح إليه بنظرات مليئة بالتساؤلات واللوم. ثم تبعاً لوفاء وابنتها، بدت مشاعرهم متضاربة، كيف يفعل ابنهم هذا؟ كيف يمكن أن يحرّض الألم والخذلان؟
بدأت الأضواء تغلق تدريجياً والناس يغادرون المكان، تصاعدت همساتهم حوله، مرروا نظرهم إليه كأنه محكوم عليه دون رحمة. حطّم الصمت وسرعان ما تحولت الاحتفالات إلى خيبات وفوضى.
جلس سلطان على المقعد، ولم يكن بإمكانه تصديق أن كل شيء قد انقلب في تلك اللحظة. عزلته الأفكار، بينما انتبه إلى صوت ابنته تقول له بتساءل طفولي: 
"هو احنا هنعيش هنا على طول زي ما أبلة ترنيم قالت ليا يا بابي؟" 
تعبير البراءة في عينيها كان كالصاعقة عليه. كيف يجيبها، وقد دمّرت قسوة المسؤوليات أحلامهما المشتركة؟
نظر إليها بحزن وانكسار، وأومأ برأسه بهدوء يكاد يتبدد تحت وطأة التقصير، ثم نظر إلى فريدة بغضب حارق وبدأ يتحدث وهو يضغط على أسنانه بتوعد: 
"متفكريش نفسك إنك كده ذكية وحطتيني قدام الأمر الواقع؟ وحياة الغاليين، لدفعك تمن عملتك دي غالي أوي." 
عكست كلماته مشاعر الاضطراب والقلق حول ما قد يحدث في الأسابيع المقبلة.
تكلمت بصوت مرتعش، واجتاحت كلماتها المكان كإبر مشحونة بالقلق، وقالت بتوضيح: 
"أنا ماليش دعوة، صدقني هي اللي عرفت من اسم بنتك بالكامل وأنا بكشف عليها في المستشفى." 
كان صوتها مكسورًا، وكأنها تبحث عن ملاذ، ولكنها أدركت أنها تربط النقاط الأكثر تعقيدًا في معادلة الحياة.
نظر لها بغضب متصاعد كأنه يبحث عن مخرج من هذا الموقف، ثم استقام بجسده وحمل ابنته الصغيرة من على الأرض، صاعدًا بها إلى الأعلى بكل ما فيه من يأس.
تحرك إلى الداخل بقدم مرتعشة، و مشاعر مختلطة، وقف أمام والدته وبدأ يتكلم بصوت مختنق، تحميلًا لها كل الآلام: 
"مش عايزة تخدي بنت ابنك في حضنك يا أما؟ حفيدك عارف إن اللي عرفتيه صعب، بس صدقيني كان غصب عني." 
نظرت إلى الاتجاه الآخر، عينيها مليئتين بالدموع، وتحدثت بصوت مختنق: 
"أنت لا ابني ولا عايزة أعرفك. ابني مات من سبع سنين لما راح يتجوز من ورانا وخلف بنت ورماها بعيد عن حضننا وعيش عيلة تانية في الوهم، وبعد كده كسر قلبها من غير شفقة منه ولا رحمة. أنت مش سلطان ابني، لا أنت واحد غريب معرفهوش، واحد أناني كداب ومخادع. خد بنتك واطلع بره، مش عايزة أشوف وشك تاني." 
كان كل كلمة كالبندقية، تطلق الرصاص على الذكريات الجميلة التي كانت تتمنى أن تعيشها مع ابنها، ولكنها تحولت إلى كابوس فاجع. 
تكلم بصوت مختنق، يُعبر عن ألم داخلي مشبوه: 
"بنتي ملهاش ذنب في اللي بيحصل ده كله يا أما، أرجوكي، أبوس إيدك، متخدهاش بذنبي." 
كانت نبراته مليئة بالرجاء، كأنه يحاول جاهداً أن ينقذ ابنته من عواقب خياراته السيئة. انتفضت كلماته في الهواء، كالصدى في غرفة فارغة، تحمل معها جميع المعاناة والفواجع التي حامت حول عائلته الصغيرة. شعور بالعجز والضعف سيطر عليه وهو يتطلع إلى ابنته، عارفاً أن مهما حاول، لا يمكنه أن يغير ما حدث، لكنه أراد أن يحميها من الآثار السلبية لهذا النزاع الدائر حولهم.
أنهى كلامه ووضعها على قدميها، في حركة تحمل الكثير من المعاني. كان يريد أن يُبعِدها عن هذه المشاعر القاسية، لكن في ذات الوقت، كان يؤلم قلبه أن يتركها. كانت لحظة مؤلمة، تؤكد على الفجوة التي تفصلهم، لكن عليه أن يتحمل نتيجة أفعاله. تمنى لو كان بإمكانه استرجاع بعض اللحظات الماضية، لكن الزمن يمضي ولا يرحم.
نظرت لها بحزن شديد، مزيج من الشفقة والألم يسيطر على مشاعرها، ثم احتضنتها وظلت تبكي بلا عوائق. كان صوتها مثل موسيقى حزينة تُعبر عن كل ما لم يُقال.
"ذنبك إنك جيتي من أب أناني زي ده." 
ثم أكملت، وعيناها تلمعان بالدموع. 
"كان نفسي أخدك في حضني وانتي لسه حتة لحمه حمرا، أعيش معاكي كل مراحل عمرك لحد دلوقتي، أشوفك وانتي بتكبري."
تذكرت كيف كانت تأمل أن تصبح والدتها، تتمنى أن تكون لها الذكرى جميلة، بعيداً عن الألم الذي جلبه هذا الرجل، الذي كان من المفترض أن يكون حاميها وملجأها. 
"كان نفسي تبقى من ترنيم البنت اللي أبوكي رباها وكبر قلبها بحبه، لكن، بعد كده كسرها بإيده." 
شعرت بالحسرة في الكلمات، وكأنها تُعبر عن جرح غائر في قلبها.
نظر لها بحزن شديد، بدأت مشاعره تتداخل مع مشاعر القلق والخوف على مصير ابنته، وخرج سريعًا من الشقة، حيث كان الذهول يتملك عقله. نظر إلى شقة وفاء، وأدرك أن كل شيء تغيّر، ثم هبط من على الدرج بطريقة غامضة، كمن يهرب من ظله. صعد سيارته وتحرك بها سريعًا، وكأنما يحاول الهروب من الأعاصير التي تحاصر حياته ويطلب مهرباً للندم الذي يملأ داخله.
       ***************************
جلست ترنيم في غرفتها، ترتدي فستانها الأبيض الذي كان يلامس الأرض، مما أضفى عليها لمسة من البراءة والنعومة من جهة، ومن جهة أخرى، كان هذا الفستان قد جلب إليها الكثير من الذكريات المؤلمة. أسندت ظهرها على الباب، وكأنها تبحث عن دعم  يشعرها بالأمان وسط عواصف مشاعرها. كانت دموعها تتساقط بشغف، كأنها شلالات من الأحزان، بينما تتنفس بصعوبة من شدة البكاء، وكأن كل نفس تقاوم الثقل الموجود في صدرها. كلما سمعت صوت طرقات الباب، مع صوت سميه ووالدتها تتصاعد شهقاتها أكثر، كانت تتذكر اللحظات عندما كانت سعيدة، قبل أن تتغير حياتها فجأة. صرخت قائلة:
“ابعدوا عني، سيبوني في حالي، مش هفتح لحد.”
تحدثت وفاء بتوسل، مخاطبة ترنيم بصوت ملؤه القلق:
“علشان خاطري يا بنتي، افتحي الباب، قلبي قايد نار عليكي.”
لم تكن وفاء تريد فقط الدخول، بل كانت تشعر بعبء المسؤولية كأم، وكأن كل لحظة تمر عليها دون أن تخرج ابنتها من قوقعتها تزيد من أوجاعها. بينما كانت بين شهقاتها، قالت:
“سيبوني لوحدي، أبوس إيديكم.”
ردت سميه بصوت حزين مليء بالأسى:
“ترنيم، افتحي علشان خاطري.”
فجأة، صرخت وهي تتأرجح بين الألم والغضب، وكأن كلاً من شعورها بالخذلان وقوتها الداخلية تتصارع معها:
“أقسم بالله لو مسكتوش همشي وأسيب ليكم البيت خالص.”
ثم ساد الصمت في المكان، حيث ضمت قدميها بالقرب من صدرها، كأنها تحاول أن تحمي نفسها من العالم الخارجي. أسندت رأسها عليهما، والدموع تتسابق على وجنتيها، وهي تستذكر ما حدث منذ أسابيع، تلك اللحظات التي كانت تمثل ذروة التوتر وقرارات حاسمة غيرت مجرى حياتها. 
        **************************
فلاش باك...

جلست ترنيم تستريح قليلاً من العمل الشاق في المشفى، لكن الممرضة قد جاءت تخبرها بأن هناك شخصاً يريد التحدث معها. نظرت إليها باستغراب ووافقت برأسها. نهضت من مقعدها واتجهت إلى ذلك الشخص، فوجدت امرأة شابة برفقة طفلة صغيرة. ابتسمت لها، وقالت:
“مساء النور، خير، حضرتك الممرضة بتقول إن حضرتك طالبة تقابليني.”
ابتسمت لها بلؤم، وقالت:
“أيوه، يا دكتور ترنيم، ناس كتير بتشكر فيكي وفي خبرتك، رغم صغر سنك، فكنت حابة تكشفي على بنتي وتطمنيني عليها.”
نظرت ترنيم إليها باستغراب، لكنها ابتسمت بترحاب، وقالت:
“أه طبعاً، اتفضلي معايا على اوضة الكشف.”
تحركوا إلى غرفة الفحص، حيث وضعت الطفلة على السرير، وبدت كأنها مزيج من البهجة والقلق. نظرت إلى والدتها بنظرة تأكيد، وسألت:
“بس الدكتور عزت موجود وتخصصه أطفال وممتاز جداً، ليه مخلتهوش يكشف هو عليها؟”
تنحنحت بإحراج، وكان واضحًا أنها تحاول أن تظهر شجاعة رغم قلقها، وقالت:
“بس أنا مش عايزة دكتور أطفال يكشف على بنتي. هي مريضة حساسية صدر، وكنت محتاجة دكتورة شاطرة زيك تطمني عليها.”
ابتسمت لها ابتسامة هادئة، محاولة أن تهدئ من روعها، وقالت:
“متقلقيش، بنتك جميلة، ما شاء الله، وهتبقى زي الفل.”
وضعت السماعة الطبية على أذنيها، وتحدثت مع الطفلة قائلة:
“اسم القمر إيه؟”
ردت عليها الطفلة ببراءة تعكس شعاع الشمس الذي يُشع في عينيها:
“أسمي رنيم سلطان الدسوقي.”
ابتسمت لها وهي تفحصها، قائلة بحماس:
“تعرفي أنا كمان اسمي شبه اسمك، يعني اسمي ترنيم الدسوقي. صدفة جميله مش كده؟”
نظرت فريدة إليها بضيق، وتحدثت بتوضيح واضح، وكأنها تُثبّت حقيقة لا يمكن إنكارها:
“اسمها رنيم سلطان سليمان محمد الدسوقي.”
اتسعت عينا ترنيم في صدمة، وبدت وكأنها تستوعب تأثير تلك الكلمات، وتكلمت بصوت مهتز:
“لا، بصراحة، أنا اسمي ترنيم إبراهيم سعيد الطلبجي، بس بقول اسمي ترنيم الدسوقي على اسم عيلة خالتو.”
نظرت فريدة إليها بنفاد صبر، وكانت ملامحها تعكس شعوراً شديداً بضرورة إثبات هويتها، وقالت:
“وبنتي برضه اسمها على نفس عيلة خالتك.”
استدارت لها بعدم فهم، وكأنها تبحث عن إجابة تفسر تلك التعقيدات، وقالت:
“مش فاهمة قصدك؟”
اقتربت فريدة منها، ونظرت في عينيها بعمق، وبلطف لكن بحزم قالت بتوضيح:
“لا، إنتي فاهمة بس بتحاولي تنكري، اسم سلطان الدسوقي. ده حق بنتي، مش من حقك.”
تعالت دقات قلبها بتوتر، وتحدثت بتلعثم، مشاعر التضارب تتصارع في داخلها:
“أنتي بتقولي إيه يا مجنونة؟”
ضغطت على أسنانها بغضب، وكأن حالتها كانت تعبيرًا واضحًا عن الصراع الداخلي الذي تشعر به. تفاجأت من هذه الادعاءات، واستمرت في نفي الحقائق التي تبدو غير قابلة للتصديق. 
نظرت إلى ترنيم بعيني مليئتين بالنار، وقالت:
“بقولك الحقيقة اللي انتي متعرفيش حاجة عنها. رنيم تبقى بنت سلطان خطيبك، وأنا أبقى مراته.”
حركت رأسها بالرفض، بينما ارتفعت معدلات دقات قلبها بشكل واضح، وتحدثت بعدم تصديق، كأنما تنكر وقوع الكارثة:
“إنتي كدابة، سلطان مستحيل يعمل كده.”
لكن فريدة كانت مصممة على إثبات موقفها، بل أخرجت ما يثبت زواجها من سلطان، واحتفظت بالأوراق مثل كنز ثمين. تقدمت نحوها خطوة، وقدمت لها الأوراق بشيء من الحماسة، قائلة:
“دي قسيمة الجواز، ودي شهادة ميلاد رنيم، واللي يثبت صدق كلامي.”
جلست على المقعد بعدم تصديق، تراقب الوثائق التي عرضت أمامها بعينيها المملوءتين بالدهشة، وتأكدت من صدق كلام فريدة بطريقة لم تعهدها من قبل. انهمرت الدموع من عينيها، شعرت وكأنها غارقة في بحر من مشاعر الصدمة والخيبة. حركت رأسها بالرفض، وبلعها الفشل في التصديق، ثم تكلمت وهي تستحضر تلك المشاعر:
“مستحيل سلطان يعمل فيا كده، مستحيل. طيب إزاي يعني متجوز من سبع سنين ومعيشني طول السنين دي كلها في وهم إنه بيحبني، أنا حاسة نفسي في كابوس.”
جلست على المقعد المقابل لها، تنظر إلى ترنيم بعمق. حاولت أن تجمع شتات أفكارها، وتحدثت بتوضيح وعينين مليئتين بالألم،:
“سلطان جالي من سبع سنين، وطلب مني الجواز بس يكون في السر عشان أهله ميعرفوش، علشان إنتي وقتها كنتي صغيرة وبتحبيه، وخاف يجرح مشاعرك. وانا قدرت موقفه الشهم، ووافقت على طلبه. بعد كده، ربنا كرمنا برنيم، ولما طلبت منه يعرف أهله، قالي إنك عالقة وماسكة فيه، ومش عارف يقولك الخبر أزاي، قالي أنه مربيكي  وبيخاف عليكي زي بنته بالظبط. و خبر زي ده هيجرح مشاعرك. وفضلنا على الحال لحد وقتنا ده، وكل ما ينوي يقولك، يحصل حاجة. حتى لما بعد عنك آخر مرة، ده كان خلاص زهق منك، ومكانش عارف يقولك ازاي، وكان خلاص قرر أن يعيش معانا على طول، بس للأسف حصل اللي كان خايف منه. وأنتي أذيتي نفسك بقلة الأكل، فضطر  أنه يرجعلك تاني، علشان خاف تأذي نفسك تاني."
كانت ترنيم تستمع لكلمات فريدة، والدموع تنهمر بغزارة من عينيها. حركت رأسها بعدم تصديق، فقد صدمتها الحقائق حول سلطان، وفاقت الحدود. تكلمت بصوت مرتعش من كثرة البكاء:
“يعني هو مكانش مسافر وقتها؟”
حركت رأسها بالرفض، وقالت:
“لا طبعاً، سلطان كان نايم جنبي على السرير وقتها، وأصلاً السفر اللي كان سلطان بيقولك عليه، وقتها بيكون عندي أنا.”
وضعت يدها على وجهها، واجهشت بالبكاء، وتحدثت بعدم تصديق:
“مستحيل سلطان يعمل فيا كده، مستحيل.”
نظرت إليها بحزن مصطنع، وقالت:
“أنا آسفة ليكي بجد لو كلامي وجعك، بس هي دي الحقيقة، وكان لازم أعرفها ليكي علشان تفكري في خطوة الجواز منه قبل فوات الأوان.”
نظرت إليها بحزن، وتكلمت بصوت مختنق من شدة البكاء:
“أنا آسفة ليكم بجد، لو كنت أعرف بوجودكم في حياته، كنت انسحبت أنا منها.   بس للأسف عشت مخدوعة زيكم، طول السنين اللي فاتت دي، بس كويس إن عرفت الحقيقة دلوقتي. وأنا هنسحب من حياتكم.”
تكلمت سريعاً بتوسل:
“لا استني، لو سلطان شم خبر إن أنا اللي جيت وقولتلك الحقيقة، مش بعيد يطلقني فيها وياخد بنتي مني، ويحرمني منها. بترجاكي، بلاش تخربي حياتنا علشان خاطر رنيم.”
نظرت إلى رنيم النائمة على السرير، براءة وجهها الصغير كانت تحمل معاني عميقة وتجسد أحلاما لم تكتمل بعد. ثم نظرت إلى فريدة بدموع، وقالت:
“هقولك نعمل إيه علشان نحط سلطان قدام الأمر الواقع، وميقدرش يعمل حاجة معاكي.”
نظرت لها فريدة بانتصار، وهي تستمع لكلمات ترنيم التي تعلن أمام الجميع زواجهما الذي دام أكثر من سبع أعوام في السر. كانت تلك اللحظة بمثابة نقطة تحول، حيث تجمعت كل مشاعر الخوف، الغضب، والأمل في نفس الوقت، مدركة تماماً أن هذه الخطوة قد تقلب موازين حياتهم بالكامل.
         **************************
بااااك...

فاقت ترنيم على صوت طرقات متكررة على الباب، وهي تهمس بصوت طفولي مُتشوق:  
"افتحي يا ابلة ترنيم، أنا رنيم. بابي مشي وانا معرفش حد هنا غيرك."  
ارتفعت شهقاتها في الهواء، وتكلمت بشفاه مرتعشة، وكأن كل كلمة تتطلب جهداً كبيراً:  
"روحي عند مامي يا رنيم، أنا مش فاضية."  
أنهت كلامها، ودوار شديد اجتاح رأسها كالرياح العاتية، وسقطت على الأرض فاقدة للوعي، تاركة خلفها صدى صوت رنيم الذي يطرق الباب.
          ************************
في صباح اليوم التالي...

بدأت ترنيم تحرك رأسها ببطء شديد، وبصعوبة، فتحت عينيها لتجد نفسها في غرفة مشفى، محاطة بأصوات خافتة تتناغم مع الروائح الطبية الخفيفة. نظرت حولها باستغراب، وكأنها تحاول تذكر كيف وصلت إلى هذا المكان الغريب. استعملت لسانها لتبلل شفاها قليلاً، محاولةً التحدث وكأن الكلمات تكافح للخروج من حنجرتها. بحثت بعينيها في أرجاء الغرفة، ورأت الجميع يجلس حولها، ملامحهم مفعمة بالقلق والتوتر، لكن سلطان كان غائباً عن المشهد، مما زاد من الشعور بالفراغ في قلبها. انهمرت دموعها على خدها مثلما انهمرت الأمطار بعد جفاف طويل، ونطقت بصوت مختنق، كأن الكلمات تتعثر في لسانها: 
"ماما، سميه."
قفزت وفاء بسرعة واقتربت منها، عينيها اللامعتان تجسدان مجموعة من المشاعر المتضاربة، أمسكت يد ترنيم برفق ودموعها تتلألأ في عينيها كنجوم في ليلة مظلمة، وقالت: 
"طمنيني عليكي يا قلب أمك من جوة." 
كان صوت وفاء يرتعش كسيجارة تتلظى في هواء بارد، يحمل الكثير من القلق والتوتر الذي يكافح من أجل التبدد.
ابتسمت ترنيم لها بين دموعها، ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها خلجات الأمل، وأجابت: 
"متقلقيش يا ماما عليا، أنا كويسة، بس عايزة أعرف أنا جيت هنا ازاي؟"
أجابت وفاء بصوت مختنق، كريشة تتراقص في مهب الريح: 
"بنت سلطان جات قالت لينا أنك مش بتردي عليها في الأوضة، واحنا قلقنا عليكي. قعدنا نخبط على الباب، وفعلاً مردتيش على حد، في الوقت ده، جه سلطان من بره، كسر الباب وشالك، وجابك هنا." 
كانت وفاء تحاول التماسك، لكن كلماتها كانت مثل سلاسل تحمل أوزاراً ثقيلة.
أغلقت عينيها، والدموع تتدفق بغزارة، وكأنها نهر يجرف كل شيء أمامه، وقالت:
"قال يعني كده بيداويني، وهو اللي جرحني؟"
احتضنتها وفاء، برفق، وربتت على ظهرها حتى تهدأ. تمسكت ترنيم بها بقوة، وتوالت شهقاتها وكأنها أبواق تشير إلى ألم عميق:
"أنا قلبي وجعني أوي يا ماما، روحي بتنسحب مني، مش قادرة أصدق أن سلطان قدر يعمل فيا كده. طيب ليه يوجعني بالشكل ده؟ عملتله أيه علشان كل ده؟"
تكلمت وفاء بدموع، وبعقلها الذي يحاول التصالح مع الفوضى: 
"أنتي معملتيش لحد حاجة يا ضنايا، أنتي قلبك أطهر قلب، صافي ومفهوش ذرة كره لحد. طفلة صغيرة لسه طالعة للدنيا، ده كان أول درس من الدنيا، هو صعب شوية بس هيقويكي، هيعلمك أزاي تتجاوزي الوجع وتتمسكي بالشجاعة من تاني."
وفي ذلك الوقت، دخل سلطان، نظر إلى ترنيم بقهر ووجع يفيض من عينيه كأنه يحمل مسئولية الجبال على كاهله. حاول أن يخرج صوته، زلزلت صمته القاتل، وقال:
"عاملة إيه دلوقتي يا ترنيم؟" 
لكنه أدرك أن الكلمات وحدها لا تكفي لتضميد الجراح الذي تركه، وأن هناك أشياء أعمق بكثير تنتظره ليواجهها.
ابتعدت ترنيم عن حضن والدتها، وألقت نظرة حزينة إلى الاتجاه الآخر، محاولة أن تخفي مشاعرها الجياشة. ثم قالت بصوت مختنق، مشحون بالمرارة: 
"مستني مني أقولك إيه يا سلطان؟ أقولك أنا كويسة وزي الفل، ولا أقولك الله ينور عليك إنك وجعتني وكسرتني؟ ولا مفكر إنّي هقوم وأجري عليك وأرمي نفسي في حضنك زي ما كنت بعمل قبل كده؟"
نظر سلطان إلى وفاء وسميه وصباح، واحتار في ألمه، ثم تكلم بصوت مختنق:
"ممكن تسيبونا لوحدنا؟" 
كانت كلماته مفعمة بالاستعطاف والرجاء، كأنه يقوم بإجراء اختبار يختبر فيه مشاعرها، وكأن وجودهم معًا يمنعه من مواجهة الواقع.
خرجت وفاء وسميه وصباح، وأغلقوا الباب خلفهم برفق، تاركين الفرصة لسلطان وترنيم لمناقشة ما غصت به قلوبهم. اقترب سلطان نحو السرير، وكاد أن يجلس عليه، لكنه شعر بتدفق الغضب في وجهها، فقالت باستياء: 
"إياك يا سلطان! لو سمحت، أقعد في أي مكان تاني." 
كانت كلماتها بمثابة جدار أقامه الحزن بينهما، جدار لا يمكن للحنان أو الاعتذار أن يهدمه.
تكلم بحزن واعتذر: 
"أنا آسف يا ترنيم، حقك على قلبي يا بنت..." 
ردت سريعًا بصوت مختنق، يظهر شدة ما في قلبها: 
"متكملهاش يا سلطان، أنا مش بنت قلبك. بنت قلبك بجد هي رنيم، اللي من لحمك ودمك، هي دي اللي تستحق قلبك ودلعك ليها."
كان صوتها يحمل الحزن والغضب في الوقت ذاته، وكأنها تتصارع مع كيانها.
في تلك اللحظة، نزلت دمعة من عين سلطان، وكاد قلبه أن يخرج من صدره من شدة الألم، وكأنما قام بلكم نفسه بشعور الندم والحسرة. قال: 
"إنتي كمان يا ترنيم بنت قلبي، وأول ما عيني شافت، أنتوا الاتنين أغلى ما ليا في الدنيا. عارف إنّي غلطان، بس صدقيني والله العظيم ما كدبت عليكي في مشاعري. إنتي عشقي الأول والآخير، جوازي من فريدة كانت غلطه، وكنت ناوي أصلحها، بس كانت حملت في بنتي، مكانش ينفع أسيب بنتي تعيش بعيدة عن حضني. دي حتى نسخة منك في كل حاجة. كل لحظة كنت بقضيها معاها كنت بشوفك فيها. أنا عارف أن مليش عين أطلب منك السماح، بس لو فيه ذرة حب ليا في قلبك، تسامحيني يا بنت قلبي، وعمري كله اللي راح واللي جاي."
توالت شهقاتها وتكلمت بصعوبة: 
"أنت عارف يا سلطان، عامل زي أيه دلوقتي؟ زي اللي قعد يجلد حد على ضهره لحد ما جرحه جروح كتير أوي، ونزف، وجاي يقول آسف، مكانش قصدي. سبع سنين معيشني مخدوعة فيك، وانت بتتعامل معايا عادي جداً، كنت تيجي من عندها وتخدني في نفس الحضن اللي كنت أخدها فيه طول الليل، وأنا زي العبيطة أفرح وأمسك فيك وأقولك خدني معاك. ما ليك حق ترفض، هتخدني فين معاك؟ عند مراتك وبنتك؟ بالله عليك، كان أيه شعورك وانت نايم معاها، وتخلص تكلمني وكأنك عايش بتتعذب من بعدك عني؟ أزاي كنت قادر تستحمل ظلمك لينا إحنا التلاتة؟ أنا حاسة أني شايفة قدامي واحد معرفهوش، واحد كداب وأناني، واحد ظالم ومفتري. مش بس أنا اللي أتأذيت منك، دي حتى بنتك كانت ضحيتك، أنا عشت أربعة وعشرين سنة من عمري في عالم واحد بس، هو العالم بتاعك المخادع يا سلطان، ومن دلوقتي هعيش في عالم تاني أنا اللي اختاره بكامل إرادتي، عالم فيه ناس من اختياري أنا. دنيا كنت أنت حرمني منها بفرض سيطرتك عليا، من اللحظة دي هتقبلك كأبن خاله وبس، و ده كرم مني على فكرة أني هتقبلك في حياتي أصلاً. واياك فاهم، إياااك تدخل في أي حاجة تخصني يا سلطان. ونصيحة، حاول تعوض بنتك شوية من الظلم والأنانية اللي أنت عيشتها فيها، وحرمتها من أقل حقوقها، وهي تعرف مين أهل أبوها. حاول تكون أبوها بحق وحقيقي، مش بس اسم وراه اسمها. بعد إذنك أخرج بقى علشان عايزة أريح شوية."
اقترب ببطء، وكأن كل خطوة تثقل كاهله، وتكلم بصوت مختنق يكاد يجتاج حنجرة مختنقة بالعواطف: 
"ترنيم، سامحيني بترجاكي. بعدك عني معناه موتي، إنتي الحياة بالنسبالي."
نظرت إلى الاتجاه الآخر، والدموع تنهمر منها كالسيل بعدما كُسِرَت كل الحواجز، وقالت بصوت مكسور، يشوبه الحزن المرير:
"لو سمحت، سيبني واطلع بره." 
أحست في تلك اللحظة بعبء مشاعرها يوثقها إلى الأرض، وكأن حزنًا متراكمًا لطالما كتمته ينفجر الآن، مما جعلها تشعر بعجزها عن مواجهة الواقع الذي أصبح كتلة من الألم.
نظر لها نظرة مطولة، كأنما يقرأ كل سطر من كتاب عواطفها المثقل بالآلام بسكون، ثم قال بحزم مختلط باليأس: 
"أنا عارف إنّي غلط، بس هصلح غلطي ده وهرجعك ليا تاني يا ترنيم، علشان مستحيل هقبل إنك تكوني لغيري. افهميها بقى، تحكم. افهميها نرجسية، افهميها زي ما تفهميها، إنتي ليا أنا وبس." 
كان صوته يحمل عبق الذكريات، مثلما يحمل صوت الريح مزيجًا من العمق والخفة.
أنهى كلامه، وخرج مسرعًا من عندها، وكأنما يترك خلفه ظلال مشاعره التي تلاحقه. نظرت إلى أثره، وضعت يدها على وجهها، وكأنها تحاول إيقاف انسياب الدموع، لكنها انهارت وانهارت دموعها بغزارة، وصوت شهقاتها يصل لجميع العاملين بالمشفى، مما جعل جميع من يسمعها يتقطع قلبه عليها، وكأن كل شخص في المكان يشعر بثقل الفراق الذي يثقل روحها، وكأن العالم بأسره قد اختبر آهاتها وتضرعها للصبر في بحر من الألم.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1