رواية اوار ( جنية الظلام ) الفصل الثانى عشر 12 بقلم ندى محمود توفيق

 


 رواية اوار ( جنية الظلام ) الفصل الثانى عشر بقلم ندى محمود توفيق


خرج ماهر من غرفته واسرع يقود خطواته الأشبه بالركض متجاهلًا جرحه وألمه، فقد كان يتبع صوت سمر ويصيح مناديًا عليها مزعورًا:
_سمر أنت فين؟
لم يحصل على رد منها فقط صوت صراخها الذي امتزج ببكائها وصل أخيرًا إليها ودخل الغرفة وهو لا يعرف لمن تلك الغرفة لها أم لخالها أم فارغة، لكن لم تدم تساؤلاته لأكثر من ثانية حيت تسمر بأرضه مصدومًا وهو يرى سامي معلقًا من السقف بحبل ملتف حول رقبته وميتًا، تدارك ماهر الموقف بسرعة البرق فلم يكن الوقت المناسب أبدًا لصدمته وتلك المسكينة بجواره في حالة انهيار وصراخ هيستيري، فراح يضمها لصدره بسرعة محاوطًا إياها بذراعيه في قوة من ظهرها ويخفي وجهها بين ثنايا صدره حتى لا ترى ذلك المنظر الصعب أكثر، استمرت في بكائها العالي وهي تصرخ ثم فجأة دفعت ماهر بعيدًا عنها وهرولت باتجاه سامي تمسكه من قدمه المعلقة في الهواء وتصرخ ببكاء هاتفة:
_خالو لا فتح عينك وبصلي، عملت كدا ليييييه
اسرع ماهر نحوها وجذبها بقوة وجعلها تلتفت له وتنظر في وجهه وهو يهتف لها بقلق:
_اهدي ياسمر اهدي مينفعش كدا.. تعالي برا تعالي
ارتمت بين ذراعيه تبكي وسقطت على الأرض من هوان قدميه التي لا تحملها بينما ماهر فظل يحتويها بين ذراعيه وبينما كان وشك أن يحملها بين ذراعيه ويخرج بها حتى لا تبقى بجوار خالها وتستمر برؤيته وهو ميت بتلك الطريقة السيئة.. وجد صوت بكائها توقف فجأة وصوت أنفاسها المرتفعة انعدم فأبعد رأسها عن صدره بارتيعاد ليطمئن عليها فوجدها فقدت وعيها ولم يلبث لحظة يحاول افاقتها حتى رأي ” أوار ” تقف بجوار جسد سامي وتنظر لماهر تارة ولسامي مرة مبتسمة هاتفة بشيطانية:
_لقد كان ضعيف الشخصية واستسلم فورًا لسحري، ليت فارس يستسلم مثله بسهولة هكذا ويقدم لي روحه
ثم ثبتت نظراتها المرعبة على ماهر أكثر وقالت بشر وصوت شيطاني مهيب:
_أنت وفارس تسببتوا بموته، جعلتوه يتدخل في أمور لا تعنيه.. وكل ما سيتدخل مثله سيجد نفس المصير وأنت ضمنهم ياماهر لقد حالفك الحظ اليوم لكن المرة القادمة أعدك أنه لن يحالفك
ارتفع صوت ماهر بسخط وراح يقرأ آيات من القرآن الكريم بصوت عالي مما جعلها تختفي فورًا، ثم حمل سمر بين ذراعيه وغادر الغرفة واتجه بها لغرفته فهي الغرفة الوحيدة التي يعرفها جيدًا في ذلك المنزل، وضعها على الفراش بحرص شديد ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصاله الأول بالأسعاف والثاني كان بفارس…
***
كان فارس وليلى بالكاد وصلوا لمنزلهم ودخلت ليلى إلى غرفتها تجلس على الفراش وانفجرت في نوبة بكاء عنيفة، لحق بها فارس ووقف عند باب الغرفة يرمقها بشجن.. عيناه تتحدث عن شعور العجز والندم واللوم أنه هو المتسبب في كل ما يصيب أحبابه، لكن لم يدم وقوفه وتمعنه لحالتها المزرية وهي منخرطة في بكائها لأكثر من خمس ثواني حيث تقدم منها وجلس بجوارها ثم فرد ذراعه ولفه حولها ليضمها لصدره بحنان ويلثم شعرها بعدة قبلات دافئة هامسًا:
_متعمليش في نفسك كدا ياليلى أنتي ملكيش ذنب ومكنتيش في وعيك
تشبثت بقميصه وازداد نحيبها أكثر وهي تجيبه بصوتها المتقطع:
_أنا مش قادرة أصدق أني كنت ممكن أذي ماهر
ثم ابتعدت عنه ونظرت في عينيه بذهول من نفسها وهتفت:
_ أنت متخيل أنا كنت ممكن اقتله يافارس
مسح على شعرها ووجنتها بحب وهمس في صوت هاديء محاولًا تهدئة روعها:
_محصلش الحمدلله ومكنش هيحصل بلاش تفكري التفكير اللي هيأذيكي نفسيًا ده ياحبيبتي
شردت للحظة مع سكوت مريب ثم راحت تحدقه برعب جلي وقالت في عينان دامعة وهي تبتعد عنه بنفور نابع من خوفها:
_اللي خلاها تقدر تسيطر عليا مرة ممكن تقدر تاني كمان ويمكن المرة الجاية تخليني اقتلك أنت، يعني أنا بقيت خطر على كل اللي حواليا، أنت لازم تبعد عني يافارس أنا خايفة عليك مني خايفة أوي
حاول احتوائها وتهدئتها وضمها لكنها كانت مستمرة في الكلام دون توقف وكلما يحاول الاقتراب منها تنفر يده بعيدًا عنها بقوة، بالمرة الأخيرة ظهر الاستياء على معالمه وتحول من محاولات الظهور برزانة أمامها إلى القوة والحزم وهو يجذبها نحوه ويحاوط وجهها بكفيه هاتفًا بصوت رجولي غليظ ليوقظها من حالة الصدمة والرعب التي تستحوذها:
_ليلى فوقي وبصيلي.. لـــيــلى أنا بكلمك بصيلي هنا
انتبهت له أخيرًا وحدثت في عينيه بضعف وانكسار فارتخت عضلات وجهه قليلًا وظهر اللين على معالمه وراح يحدثها بعتاب وضيق ممزوج بجديته وقوته:
_أنتي مستوعبة أنتي قولتي إيه دلوقتي، إزاي تفكري في حاجة زي كدا وتنطقيها اصلًا.. يعني إيه أبعد عنك.. معقول عايزة تسبيني في اللي أنا فيه ده، أنا لو لسا واقف على رجلي فده بسبب وجودك جنبي أنا بستقوي بيكي، أنا كل همي أني احميكي واتخلص من الشر ده عشانك وعشان كل اللي حواليا وبحبهم، صدقيني لو وصلتي لمرحلة أنك تعملي معايا زي ما عملتي ما ماهر بنسبالي أنا راضي طول ما أنتي هتكوني بخير بس.. أنا بحبك ومقدرش اتخيل حياتي لو أنتي مش معايا أو حصلك حاجة بسببي
انهمرت دموعها على وجنتيها بصمت وهي تتمعنه بغرام وأسى، وسرعان ما ارتمت بين ذراعيه وهي تلف ذراعيها حول رقبته وتعانقه بحرارة هاتفية بصوت مبحوح:
_وأنا كمان بحبك أوي.. خليك جنبي واوعي تسيبني يافارس
مسح على شعرها نزولًا لظهرها وهو مستمر في توزيع قبلاته على رقبتها وشعرها هامسًا لها بعشق يمتزج بجديته التي تظهر في نصائحه:
_مش هسيبك يالؤلؤتي متخافيش، أنا بس عايزك تكوني قوية ومتستسلميش لخوفك أبدًا وتخليها تسيطر عليكي .. أنا محتاجك جمبي قوية عشان نقدر نعدي مع بعض
هزت رأسها له بالموافقة مجيبة في قوة:
_أوعدك أني هكون قوية ومش هسمحلها تسيطر عليا تاني وأن شاء الله هنتخلص منها قريب
أكمل وصلة قبلاتها الدافئة والمحبة لها وهو يوزعها على وجهها كله حتى ارتفع صوت رنين هاتفه فابتعد عنها والتفت له ينظر في شاشته فيقرأ اسم ماهر، التقطه واجاب فورًا على أخيه باهتمام:
_أيوة ياهر عامل إيه دلوقتي؟
وصله صوت ماهر المفزوع والخشن وهو يدخل في صميم الموضوع فورًا:
_تعالي يافارس دلوقتي حالًا دكتور سامي انتحر
اتسعت عيني فارس والتفت لزوجته يحدقها بصدمة و انعقد لسانه حتى أنه لا يتمكن من الرد على أخيه فقط أنزل الهاتف من فوق وأذنه وانهي الاتصال وهو يحدث في اللآشي بعدم استيعاب، أما ليلى فراحت تهز في زوجها بهلع تسأله بخوف وقلق:
_مالك يافارس إيه اللي حصل.. ماهر قالك إيه؟
نظر لها فارس بنظرة مذهولة وهتف:
_دكتور سامي انتحر
شهقت ليلى وهي تكتم على فمها بكفها وعيناها متسعة بصدمة ممتزجة بالارتيعاد، بينما فارس فهب واقفًا فورًا وذهب يرتدي حذائه فلحقت هي به وقالت بصوت قلق:
_آجي معاك طيب يافارس
أجابها بصوت رجولية قوي وهو منشغل بارتداء الحذاء:
_أيوة طبعًا هتيجي معايا مش هسيبك وحدك
عادت لغرفتهم بسرعة تلتقط هاتفها وحقيبتها وتخرج له ثانية ليغادروا المنزل متلهفين وسط ذهولهم هم الاثنين المغلف بقلقهم الواضح على ملامحهم وكلاهما يعرف أن ” أوار ” المتسببة في موته…
***
توقف “عز ” بسيارته أمام ذلك المقهي الذي شهد على ليلة صاخبة بينه وبينها عندما قرر يأخذها في عشاء هاديء أقرب للرومانسي لكنه انتهي بشجار عنيف بينهم سببه غيرته عليها.
لا يعرف مالذي أتى به إلى هنا الآن لكنه وجد نفسه لا شعوريًا يقود سيارته باتجاه ذلك المقهي، ربما شوقه لها دفعه للبحث عن أي ذكري تذكره بها، ظل جالسًا في سيارته لوقت طويل ويسند رأسه على ظهر مقعده للخلف ويحدق في سقف السيارة بعبوس وشرود، يأخذ نفسيًا عميقًا ويخرجه زفيرًا متهملًا في حنق، أخيرًا فتح باب السيارة ونزل منها وقاد خطواته لداخل المقهي، لكن قابله ما جعله يتجمد بأرضه فور دخوله، حيث رأي راندا وهي تجلس على نفس الطاولة التي كانوا يجلسون عليها في تلك الليلة.
وقف مكانه متسمرًا يحدقها بحيرة ودهشة بينما هي فكانت تتلفت حولها بالصدفة وسقطت نظراتها عليه فصابها من الدهشة ما صابه، مرت لحظات طويلة وهم مستمرين في التحديق ببعضهم في صمت وكلاهما يفكر بماذا سيبرر وجوده بنفس المكان مجددًا، وبالأخص هي كيف ستبرر جلوسها على تلك الطاولة، تنهد ” عز ” الصعداء بقوة واطلقه زفيرًا حارًا ثم تحرك يقود خطواته باتجاه إحدى الطاولات الصغيرة مقررًا تجاهلها وعدم الجلوس معها، راقبته وهو يبتعد عنها ويجلس على طاولة أخرى وأمتلأت عيناها بالعبرات، ثم أشاحت بوجهها فورًا للجهة الأخرى تجفف دموعها التي سالت دون أذن منها من فرط قهرها، رغم اعترافها له بأنها تحبه كصديق وأخ فقط لكن الألم الذي ينهش قلبها كلما تراه يتجاهلها ويبتعد عنها أكثر يجعلها تتساءل بحيرة عن سببه، لا تفهم حتى رغبتها الشديدة في البقاء بجواره ومحادثته وربما معانقته، بل واشتاقت له كثيرًا.. اشتاقت لمحادثتهم وضحكهم ومزاحهم وحتى شجارهم الدائم.
كان هو يختلس النظر إليها خلسة وداخل عقله يجوب ألف سؤال أهمهم.. هل التقائهم مجرد صدفة لا معنى لها ووجودها بنفس المكان الذي يجمع ذكري مميزة بينهم وجلوسها على نفس الطاولة مجرد صدفة أيضًا أم هناك سبب آخر يشبه سبب قدومه إلى هنا؟! .. رغم قلبه الذي يصرخ عليه بالنهوض والذهاب لها إلا أنه كان يحاربه بكل قوة لديه محاولًا البقاء صامدًا ولا ينهار أمام عشقه لها، فيكفيه ما ناله من عشقه لها وهي تحب صديقه ولا تحبه، لكن كل محاولاته الصارمة تلك ضربت عرض الحائط وانهارت عندما رآها تقف تنوي الرحيل لكن فور وقوفها اختل توازنها وكادت أن تسقط فتمسكت بالطاولة بسرعة قبل سقوطها.
وثب واقفًا بهلع واسرع نحوها يمسكها من ذراعيها يسندها ويهمس لها بقلق يظهر في نبرته الحانية:
_أنتي كويسة؟
حاولت تفادي النظر لوجهه حتى لا يرى عيناها المتلألأة بالدموع وقالت في خفوت:
_كويسة ياعز كويسة.. عايزة امشي بس عشان الوقت أتأخر
جذب المقعد خلفها مباشرة ووجه لها تعليماته الحازمة في اهتمام:
_اقعدي الأول وريحي بس وهطلبلك حاجة تشريبها
هزت رأسها بالرفض هاتفة:
_لا مش عايزة اشرب شكرًا أنا بس عايز اروح بجد ياعز
هتف برجولية وضيق من عنادها:
_متعانديش ياراندا واسمعي الكلام قولتلك اقعدي
امتثلت لأوامره مغلوبة وجلست على المقعد وراحت ترفع أناملها تمسح آثار الدموع من عيناها، لاحظ هو حركتها فجذب المقعد المقابل لها وجلس عليه وراح يسألها بدفء:
_بتعيطي ليه؟
اخترعت كذبة سخيفة وقالت بارتباك ملحوظ:
_مش بعيط.. عيني بس دخل فيها رمش ودمعت
أخذ نفسًا عميقًا غير مصدقًا تلك الكذبة لكنه هتف باهتمام:
_طيب أنتي اكلتي امتى آخر مرة؟
سكتت ولم تجيبه خوفًا من ردة فعله أو ضغطه عليها إذا علم بينما هو فعاد يسألها ثانية لكن بلهجة صارمة:
_ردي عليا ياراندا اكلتي حاجة النهاردة ولا لا ؟
هزت رأسها بالنفي دون أن تنظر له فاماء هو برأسه في غيظ منها رغم توقعه قبل أجابتها، فقال بحزم:
_طيب يلا قومي هنروح أي مطعم وتاكلي
رفضت رفض قاطع وهي تقول:
_ لا لا مطعم إيه أنا يدوب اروح أصلًا.. لما اروح البيت هاكل
هتف عز برفض واستياء بسيط:
_مش هتروحي بالمنظر ده لازم تاكلي الأول وبعدين ملكيش دعوة بالوقت ما أنا معاكي أهو وهوصلك
أدركت أن لا مفر لها خصوصًا عندما رأت غضبه منها فقالت بهدوء محاولة إقناعه بحل بديل:
_طيب بص هنا في حجات بسيطة أكل حلويات يعني.. هطلب أي حاجة بسيطة هنا ولما اروح البيت هاكل والله كويس ياعز
تنهد الصعداء بنفاذ صبر منها وهتف مستسلمًا لاقتراحها:
_طيب واحنا وماشين هشتري ليكي أكل جاهز وتاكليه أول ما تروحي
هزت رأسها له بالموافقة وهي مبتسمة بحب بينما هو فأشار للنادل واملى عليه طلباتهم، ثم بقى كلاهما صامتًا في انتظار وصول الطعام وبين كل آن والآخر يختلس كل منهما نظرة خاطفة إلى الآخر…
***
داخل منزل الدكتور سامي.. كان المنزل مكتظ بضباط الشرطة والعساكر للتحقيق في موت ” سامي ” والتأكد ما إذا كان حالة انتحار بالفعل أم جريمة قتل بعدما تم نقله بسيارة الأسعاف إلى المشرحة، كان الضابط يقف مع ماهر ويقوم بالتحقيق مع وأخذ إفادته باللحظة التي وصل بها كل من فارس وليلى، فنظر ماهر لليلى وطلب منها بقلق حقيقي يظهر في نبرة صوته:
_اطلعي لسمر يا ليلى فوق شوفيها خليكي معاها لغاية ما نخلص
اماءت له بالموافقة وتحركت باتجاه الدرج تصعد متجهة إلى غرفة ماهر حيث توجد سمر بعدما وصف لها طريق الغرفة،بينما فارس فوقف بجوار أخيه ودار الحديث بين ثلاثتهم في حين أن الشرطة مازالت تقوم بتحقيقاتها داخل غرفة سامي، استمرت التحقيقات لأكثر من ساعة تقريبًا أوشكت على الساعتين وبعد انتهائهم وتأكدهم من أنه محاولة انتحار بالفعل أدوا واجب العزاء ورحلوا.
وفورًا انتشر الخبر وبدأ اصدقاء سامي بالوفود على المنزل وكذلك أقاربهم من الرجال والنساء التي صعدت لسمر لتواسيها وتهدئها.
اقترب ماهر من أخيه وهتف له بصوت رجولي غليظ:
_أنا هروح المشرحة عشان اخلص الأجراءات هناك معاهم وبعد كدا نطلع الدفنة وأنت خليك هنا يافارس متسيبش ليلى وسمر وحدهم
تنهد فارس الصعداء بضيق وأجاب على أخيه وهو يربت على كتفه يطمئنه:
_طيب روح متقلقش أنا موجود وخلي بالك من نفسك
غادر ماهر وترك فارس بالمنزل بعد رحيل الرجال لحضور الدفن في المقابر، كان فارس يجلس في غرفة مكتب سامي حيث التقى به آخر مرة والحزن يستحوذ على قلبه، شعور الذنب ينهشه نهشًا وهو يتهم نفسه أنه هو المتسبب الأول والأخير في موته وليس أوار.. ليته لم يطلب مساعدته.. ليته لم يتبع فضوله الذي قاده الجحيم وأدخله تلك المقبرة، لكن بماذا يفيد الندم الآن.
بينما كان منشغل بالتفكير في تلك المصائب التي تتوالي في السقوط فوق رأسه بسبب تلك الشيطانة، وقعت عيناه على ” أوار ” التي تقف أمامه بهيئتها الحقيقية المرعبة وتبتسم بشر، فاستقام واقفًا وحدقها بوعيد وغضب ثم هتف يحدثها بشجاعة:
_لو فاكرة أن باللي بتعمليه ده هتخوفيني وتخليني استسلم تبقى غلطانة أنا كدا بصمم اكتر على أني اوصل للسر اللي هيخليني احبسك في سجنك للأبد
اختفت ابتسامتها وظهر محلها الغضب الشيطاني وراحت تلقي عليه تهديداتها الحقيقية:
_توقف عن محاولاتك البائسة في البحث عن طريقة للتخلص مني وسلم لي روحك طوعًا وإلا سأجعل حياتك جحيمًا وسأخذ روح كل من تكترث لأمرهم، وستجد نفسك بنهاية المطاف وحدك وحينها ستسلم لي روحك لأنك ستدرك أن لا قيمة لروحك بعد فقدانك لأحبابك كلهم
ابتسم فارس بسخرية وقال في وعيد خبيث قاصدًا إثارة جنونها:
_مش هتلحقي تعملي كل ده لأني هكون كتبت نهايتك للأبد
خرج صوتها الشيطاني بوعيد حقيقي ووجهها أصبح رعبًا من ذي قبل:
_تذكر أنه كان اختيارك وكما تسببت بموت سامي اليوم ستتسبب في موت الجميع، وربما تسمع خبر أحد آخر في الساعات القادمة
ألقت تهديداتها واختفت من أمامه فبقى فارس مكانه يفكر في آخر كلماتها وقد احتل القلق والخوف تعبيراته، وراح يدعي ربه أن يحفظ جميع أحبابه من الأذى.
***
بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا عاد ماهر للمنزل بعد انتهائهم من دفن سامي وقاد خطواته أولًا إلى سمر بالأعلى ليطمئن عليها، كانت النساء تركوها ولم يتبقى معها سوى ليلى وبعد وصوله تركتها ليلى وذهبت لفارس ليتحدث هو معها براحة.
وقف ماهر بجوار الباب يحدق بها بحزن على حالها عندما رآها تجلس على الفراش تضم ساقيها لصدرها كالطفل الصغير وتدفن رأسها بين قدميها وساكنة سكون مقلق، أخذ نفسًا عميقًا وهو يتذكر ليلى عندما أخبرته أنها كانت طوال الوقت تسأل عنك وتريدك.. كانت ترفض وجود أي أحد بجوارها لمواستها وتستمر بالسؤال عنك، تارة تبكي على فراق خالها وتخبرها أن تريد رؤية خالها وتارة تبحث عنك.
تقدم نحوها بهدوء ثم جلس على الفراش بجوارها ومد يده يمسح على شعرها بدفء هامسًا لها بصوت انسدل كالحرير ناعمًا على قلبها:
_سمر أنا جيت
رفعت رأسها فورًا بلهفة ونظرت له بعينان كلها انكسار وقهر والقت بجسدها بين ذراعيه وهي تنفجر في البكاء بشدة وتهتف:
_خالو ياماهر.. ليه عمل كدا ليه سابني أنا مليش غيره إزاي يعمل كدا
مسح على شعرها وظهرها بحنو متمتمًا:
_ادعيله بالرحمة ياسمر هو بين ايدين ربنا دلوقتي ومحتاج الدعاء
ازداد بكائها أكثر وهي تكمل وسط بكائها بصوتها المرتجف:
_مش قادرة انسى منظره.. أنا وحشني أوي من دلوقتي ازاي هعيش من غيره وهعمل إيه من غيره أنا مليش حد غيره
أبعدها عنها برفق وحاوط وجهها بكفيه وتطلع في عينيها بثبات قوي وهمس بنبرة رجولية تبعث الآمان والسكينة في الروح:
_أنا موجود ياسمر معاكي مش هسيبك
رغم الانهيار والألم الذي يمزق قلبها على موت خالها إلا أن عيناها كانت تتحدث بكل ما في قلبها من مشاعر تجاهه بعد عباراته، بينما هو فاحتضن كفيها بين كفيه بحنو وهتف بابتسامة بالكاد تظهر على ثغره:
_قومي يلا انزلي تحت مع الستات واقرأي ليه قرآن وادعيله هو ده اللي هيفيده دلوقتي متقعديش وحدك هنا
هزت رأسها له بالموافقة فاستقام هو واقفًا ومد يده لها ليساعدها على الوقوف والنزول معه للأسفل، كانت تسير بجواره وهي ممسكة بيده تستند عليه ودموعها لا تتوقف عن الانهمار فوق وجنتيها…
***
توقف “عز ” بسيارته أمام البناية التي تسكن بها راندا ونظر لها على المقعد المجاور لها ثم هتف بحزم وهو يناولها كيس الطعام الذي اشتراه لها:
_أول ما تطلعي فوق تاكلي الأكل ده
أماءت له بالموافقة في ابتسامة خفيفة، والتقطت الكيس من يده وبقت ساكنة مكانها لثوان لم تنزل ثم التفتت له برأسها وسألته بخفوت:
_ممكن أسألك سؤال؟
أماء رأسه لها بالإيجاب بوجه خال من التعبيرات فتنحنحت بإحراج بسيط وسألت في عينان تلمع بوميض الأمل:
_أنت إيه اللي وداك الكافيه ؟
حدقها مطولًا بقوة ثم أجاب على سؤالها بسؤال أكثر ذكاء يحاصرها به:
_أنا اللي المفروض اسألك السؤال ده خصوصًا أنك كنتي قاعدة على نفس الترابيزة اللي كنا قاعدين عليها
أخذت نفسًا عميقًا بتردد وتوتر بسيط لكنها قررت الاعتراف بالحقيقة له حتى لو كانت ستكون فضح لمشاعرها التي لا تفهمها جيدًا حتى الآن.. تمتمت بهدوء وهي تدفن نظرها أرضًا:
_معرفش حسيت نفسي عايزة اروح هناك وأول ما روحت لقيت نفسي بروح على الترابيزة دي، يمكن لأنك وحشتني ووحشني كلامنا وضحكنا وحتى خناقنا فروحت لآخر مكان كان لينا ذكري فيه مع بعض
رغم سعادته من الداخل أنها ذهبت لنفس السبب الذي جعله يذهب إلي هناك، لكنه لم يسمح لسعادته بإعطائه أمل في سراب وراح يجيب عليها بقسوة وحزن ملحوظ في نبرته:
_متضحكيش على نفسك وعليا ياراندا أنا موحشتكيش ، أنتي وحشك اهتمامي بيكي وشعور الحب اللي كنت بديهولك من دون مقابل
كلماته القاسية أصابتها في الصميم وجعلت قلبها ينزف ألمًا فجتمعت العبرات في عيناها وقالت له بصوت مبحوح:
_أنا عارفة أني مهما أقول مش هتصدقني وهتفضل شايفني بالصورة اللي رسمتها عني في عقلك، بس اتمني أن يجي يوم وتصدقني وتصدق فعلًا أني ندمت واتغيرت ومفتقدة وجودك في حياتي جدًا
أنهت عباراتها التي كانت النهاية ربما لكل شيء وفتحت باب السيارة ونزلت واسرعت شبه ركضًا لداخل البناية ودموعها تنهمر فوق وجنتيها بغزارة بينما هو فنزل أيضًا من السيارة ووقف يحدق على أثرها بشرود وأسى، ظل واقفًا مترددًا في أرضه يقاوم بين شعور كبريائه وعشقه لها ورغبته في الركض خلفها وأخذها بين ذراعيه وأخبارها بمدى حبه لها، وبنهاية ذلك الصراخ كان قلبه هو المنتصر واتخذ قراره بمسامحتها واعطائها فرصة ثانية لعل تلك الفرصة تكون هي الحياة وبداية عشقهم، قاد خطواته مسرعًا ومتلهفًا يلحق بها للأعلى إلى شقتها لكنه تصلب بأرضه عند أول درجة من السلم عندما سمع صوت صراخها المرتفع الذي تبعه صمت قاتل ومرعب….

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1