رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الرابع والثلاثون 134 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الرابع والثلاثون


في تلك اللحظة التي انحبست فيها الأنفاس تقدم ظافر بخطوات ثابتة نحو الباب وكل الأنظار معلقة به كأنه نجم يذوب في سماء الليل وعندما اجتاز كامل الذي بدا على وجهه أثر حزنه على ما حدث مع سيرين حين غادرت غاضبة أبطأ من خطاه قليلا وكأنه يريد أن ينتزع الحقيقة من صدره قبل أن يتركه وحيدا.
سأله ظافر بصوت متهدج
ما الذي همست به لك سيرين قبل أن ترحل
فأعاد كامل على مسامعه كلماتها التي ما زالت عالقة في أذنه تتردد مثل صدى لا ينتهي.
لم يطرح ظافر سؤالا آخر بل استدار وغادر المكان كأنما طعنه الكلام الذي سمعه وأسال دماء قلبه.
بعد فترة قصيرة من غيابه انشغل أصدقاؤه بنقل التفاصيل لدينا بل وكل صغيرة وكبيرة عما وقع بين تيا وظافر.
وبالرغم من أن دينا كانت في خضم معركة أخرى تقاتل ضد التعليقات الإلكترونية السامة

وتحاول دفن الشائعات الرائجة في محيطها لكن ما إن تسربت إلى أذنيها جملة واحدة تيا تحاول مغازلة ظافر حتى تجمد كل شيء فيها واحترقت نظرتها بنار التملك الأعمى.
همست وكأنها تخاطب نفسها
شكرا لإخباري...
ثم أمسكت هاتفها بيد ثابتة واتصلت بأحدهم وصوتها ينفث غضبا
علم تلك المدعوة تيا درسا... درسا لن تنساه أبدا.
أغلقت دينا الهاتف وهي تنفث النيران من مخارجها متمتمة بشر
من تظن نفسها تلك تيا هل تعتقد أنها قادرة على خطف ظافر مني
ظلت دينا تتوعدها سرا فهي لم تكن تلك الفتاة الضعيفة التي تسمح للآخرين بسرقة ما يخصها بل توحشت فأصبحت كالنمر الذي تعلم المكر والافتراس بعد أن ذاق طعم الشهرة.
وفي تلك اللحظة البعيدة عن ضجيجهم عاد ظافر إلى قصره.
وحالما داست أقدامه عتبة القصر كان الظلام قد ابتلع غرفة المعيشة كما لو أن الليل
قد أقسم ألا يتركها إلا وهو يملأ أركانها بالوحشة.
أضاء المصابيح فرأى ما لم يكن يتوقعه
ثلاث حقائب مكتظة بالملابس الرجالية تتربع على الطاولة وكأنها تذكار غامض من رحلة مجهولة.
تقدم خطوة أخرى وعيناه تتنقلان بين تلك الحقائب بصمت مهيب. لم تكن هذه الحقائب التي كانت بحوزة سيرين حين غادرت إلى النادي... إذن لم هي هنا الآن في منزله!
صعد إلى الطابق العلوي يجتاز كل درجتين من درجات السلم في خطوة واحدة وعندما اقترب من مقصده كان باب غرفة نوم سيرين مواربا يرسل خيوطا باهتة من الضوء تذوب في عتمة الممر.
دفع الباب بيده بحذر فرآها في فستان شاحب اللون تجلس على أريكة مترفة في شرفتها الصغيرة ووجهها مستسلم لضوء القمر الذي صبغها بلون فضي حالم.
نظراتها خاوية تتأمل الأفق وكأنها تبحث عن شيء ضاع منها.
لم يستطع ظافر فك شفرة
ما في عينيها فقد كانت أشبه بلوحة من الليل تنبض بالشجن والهدوء المميت... تجمد مكانه اللحظات مأخوذا بهذا المشهد حتى لم يعد يشعر بمرور الوقت وكأن الدقائق تجلت في صمتها.
استدارت نحوه ببطء والدمع يلمع في عينيها كنجوم معلقة في سماء بعيدة... توقع أن تستجديه كما اعتادت دائما لكن صمتهما صار لغة جديدة بينهما.
همست سيرين بصوت ناعم كنسمة حزينة
ذهبت إلى النادي قبل قليل لكن على ما يبدو أنك وأصدقاءك لم ترغبوا بي فعدت أدراجي وحيدة.
وقفت أمامه كزهرة ضعيفة يصفعها الريح
أشعر ببعض التعب... إن لم يكن لديك ما تقوله هلا غادرتني
كاد أن يستدير ويتركها لكنه تراجع... وعيناه بقيتا معلقتين على وجهها الصبوح ومن ثم سألها بهدوء مريب
هل صحيح أنك لم تفعلي اليوم سوى التسوق
في صوته لمحة من الريبة التي يعرف أنها ستجرحها... لكن
الشك صار كوحش يغرز أنيابه
 
بصدر ظافر دون هوادة أو رحمة فلو أن كل ما فعلته هو زيارة مركز للتسوق ما كان لحرسه أن يضيعوا أثرها بهذه البساطة فهو يدرك في أعماقه أن سيرين ليست امرأة تخلف ظلها في غفلة بل كان ما حدث عن عمد تحاول إخفاء شيئا عنه وهي تعلم جيدا أنه سيثور إذا وصله ومع ذلك حين رأى الشرارة الميتة في عينيها تردد صوته الداخلي بين التصديق والتكذيب.
علمت سيرين بحدسها المرهف أن ثقته بها قد تصدعت وهي من سعت لذلك فتناولت شجاعتها وهمست بصوت واهن كنسمة في عتمة ليل إذ علمت في وقت سابق أنه لن يمرق اختفاءها المفاجئ عن عيونه وعيون رجاله فطلبت تلك الثياب من إحدى المحال الإلكترونية وأوصت بإرسالها لها على جناح السرعة وهذا لا يمنع أنها انتقت ما اشترته بعناية وفقا لذوق طافر
اشتريت لك بعض الملابس من هناك... شكرا لك على التزامك بما اتفقنا عليه.
لم يتصور ظافر للحظة أنها ستذهب لاقتناء ملابس
خصيصا له.
ظل عقله يصرخ إنها تكذب عليك لكن عينيه حين التقتا بخاصتها خذلتاه بل وأسكتت تلك النظرة كل هواجسه وكأنها جردت قلبه من أسلحته.
ساد صمت غريب بينهما صمت يشبه سحابة داكنة تخفي تحتها عاصفة لا يجرؤ أحد على النطق بعواقبها.
وأخيرا تكلم ظافر وخرج صوته هادئا
لا تصدقي ما سمعته في النادي... إنه هراء.
كانت تلك أول مرة يبادر فيها تضميد جرح لم تره فبدت محاولة خجولة لمواساتها لعلها ترمم شيئا من الفجوة التي اتسعت بينهما ومع ذلك بقي قلب سيرين جامدا برد ينسكب في ملامحها رغم ابتسامة خافتة حاولت رسمها على شفتيها ومن ثم همست بصوت منكسر والمرارة تشوب ابتسامتها
لا بأس... أعلم... لقد اعتدت على ذلك بالفعل.
لقد اعتادت... أجل اعتادت على أن تخدع على أن تواري دموعها خلف صمت مطبق على أن تحاصر داخل أسوار لا ترى منها إلا انعكاس صدى وحدتها.
شعر ظافر بحلقه يجف ابتلع ريقه
وكأنه يختنق بجبل من الصمت... أراد أن يشرح أن ينقش الحقيقة على جدار قلبها لكن الكلمات تحجرت في صدره وأبت أن تولد.
استكملت سيرين بصوت مبحوح
لا تقلق... سأرد لك المال قريبا... وكل شيء سيعود إلى نصابه حينها ستتجاوز ما حدث.
لم يعرف ظافر كيف غادر الغرفة كأنه انزلق من عالم إلى آخر بلا وعي... وعندما عاد إلى غرفته اجتاحه شعور غامض... ثقيل كحجر يطبق على صدره... لم يكن ندما صريحا ولا كان سلاما يعرفه بل كان طيفا باردا من الريبة يهمس في أعماقه بأن ما بينه وبين سيرين قد تغير... تغير إلى الأبد.
تلك اللامبالاة لم يعتدها منها كانت كصقيع يغمره من رأسه حتى أخمص قدميه... فكان من السهل دائما أن يرى الحب في عينيها... وكان من السهل أيضا أن يلحظ غيابه الآن.
مرة أخرى وجد نفسه أسيرا للظلام عاجزا عن إغلاق عينيه... جلس على الشرفة يراقب الليل الذي بدا وكأنه يمتد بلا نهاية.
تطلع
لا إراديا نحو غرفة سيرين لعل شيئا فيها يروي ظمأ قلبه المشتعل.
وفي الجانب الآخر من الجدار كانت سيرين تخوض معركتها الخاصة مع النوم... وبالرغم من أن حر الصيف يلهب المكان لكنها لجأت إلى بطانية تلف جسدها وكأنها تحتمي بها من أشباح الليل... وما إن أغمضت عينيها حتى غزا عقلها ضجيج ضحكاتهم تلسعها كالسياط.
سيرين الصماء...
تردد صدى كلماتهم في رأسها كأنها لعنات لا ترحم.
رفعت يدها ببطء تلامس أذنها المرهقة فشعرت بسائل دافئ ينساب منها... 
تناولت منديلا من طاولة السرير ومسحت الدم في صمت
ثقيل ثم تناولت حبوب الدواء مرة أخرى كأنها تتجرع الصبر ذاته في كل جرعة... وفي النهاية استسلمت لنوم خفيف يشبه هدنة قصيرة مع اليأس وهي تحتضن دمية نوح وزكريا كأنها تحتمي ببراءتهما من قسوة العالم.
ولم يخلف ظافر وعده تلك الليلة... ولم يذهب إلى غرفتها... بل تركها وحيدة تواجه الليل
وتغرق في صمتها الموجع.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1