رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والتاسع و الخمسون
لم تصدق سيرين أذنيها... هل حقا نطق بها تلك العبارة القاسېة...
لا قيمة له
كان ذلك الوصف كالسيف يغرس في صدرها دون رحمة... طعڼة لا تأتي من عدو بل من من أحبته حد الفناء.
كل السنوات التي أهدتها لقلبه كل اللحظات التي وضعت فيها ذاتها بين يديه كأمانة تختصر الآن في ثلاث كلمات قاټلة لا قيمة له
شعرت وكأنها تذوب من الداخل كأنها كانت تمسك بجمرة اسمها ظافر وتحاول أن تقنع قلبها أنها وردة.
قالت بصوت خاڤت لكنه كان كالړصاص المغلف بالماء البارد
أنت محق... أعتقد أنه لا قيمة له الآن.
انتفضت قسمات وجه ظافر كمن اصطدم بمرآة تعكس ظله المشوه... الأوردة على جبينه انتفخت واحتقنت عيناه بلون
الخذلان... لكنه نفض عنه كل شيء وضمھا فجأة إلى صدره يائسا... كمن يحاول احتواء رماد هبطت نيرانه وصار صقيعا.
لكن صدره لم يمنحها دفئا... كان بالنسبة إليها كلوح خشبي ثقيل يطبق على رئتيها فسحبت نفسا عميقا بدا وكأنه آخر زفير لحياة كانت تترنح منذ زمن.
هو أراد منها اعتذارا دمعة كلمة ندم... شيء يحيي كبرياءه المهترئ لكنها كانت مثل صخرة غرست جذورها في قرار البحر.
سيرين... كانت تعرف نفسها... لا تتراجع إذا تعلقت بشخص مضت إليه ولو في طريق ملغم... وإذا قررت الانفصال لا تلتفت حتى لو مزق الألم صدرها.
لم تكن بخير أصلا... جسدها لم يكن مستعدا لهذا الچحيم العاطفي... لم يكن تنفسها متزنا... لم تكن
نبضاتها سوى خطوات متعثرة في ممر مظلم... وحالما لاحظ ظافر ارتعاشها تراجع سريعا
أما هي فقد زاغت أنظارها وتلاشى صوتها وانطفأت بداخلها كل محاولات المقاومة... ظهرها ملتصق بجدار بارد كالجليد كأن الواقع يصفعها
ما الذي يحدث
تمتمت برجاء خاڤت كأنه صوت ضمير يحتضر تستكمل بأنفاس متقطعة
انتظر... أيمكننا تأجيل هذا لعدة أيام فقط
توقف ورمقها بنظرة فيها شيء من الجهل والشك والغيرة في آن واحد.
ولم نؤجل سأل بصوت خشن كمن لا يجد منطقا لطلبها.
سكتت لحظة ثم كذبت.
كان الصمت بينهما أكثر صخبا من أي جدال.
تراجع ظافر أخيرا لكنه لم يتركها تماما... بل سحبها إلى جانبه واستلقى قربها يلف ذراعه حولها
كقيد ناعم.
لم تكن تتوقع أنه سيصدقها... لكنها لم تملك وسيلة أخرى لتدفعه عنها... وعندما شعرت أن قبضته تراخت قليلا سمحت لجفنيها أن يطبقا على عينيها المتعبتين.
غفت... نامت سيرين كمن يسقط جسده من فوق جبل ليهرب من ذاكرته.
لكن ظافر
كان يحدق في سقف الغرفة بعينين تائهتين كمن يحاول أن يفهم من يكون الآن.
تمتم بصوت بالكاد يسمع
كيف استطعت التوقف عن حبي بهذه السهولة
حين فتحت سيرين عينيها في اليوم التالي كان الفراش خاليا إلا من البرد...
ظافر لم يكن هناك.
وفي المطبخ بينما كانت تغسل الصحو اللون الأرجواني العميق اتخذ شكل حريق صامت كعلامات احتراق خلفها الليل... أثر ظافر.
حاولت أن تخفيها
بكريم الأساس مرارا... لكن لا
شيء يخفي أثر العاصفة... فارتدت قميصا بياقة عالية وأسدلت شعرها كستار على رقبة أرهقها التذكر... لقد كانت تحاول أن تمحو الليل من جسدها... لكن ماذا عن ذاكرتها
بعد أن ارتدت ثوبها بلون الرماد الصامت خرجت سيرين من الغرفة وقد تركت خلفها بقايا حلم مهتز وعينين لا تزالان عالقتين في رماد الليلة الماضية.
كان ظافر جالسا في غرفة المعيشة مائل الجسد يتكئ بكتف مشدود على طرف الأريكة بين يديه أوراق مبعثرة كأنها رموز سر يقلبها ببطء وكأن كل ورقة تحمل چريمة لم يعلن عنها بعد.
قال بصوت خاڤت لكنه حاسم
سنذهب إلى المكتب اليوم.
نظرت إليه سيرين بعينين مجهدتين ثم قالت بنبرة تغزلها من التعب
أود أن أرتاح اليوم.
لكن الحقيقة لم تكن الراحة... كانت تخفي خلف تلك الجملة رغبة
دفينة زيارة سرية إلى المستشفى حيث يمكنها أن تسأل بهدوء عن موعد الإباضة وتحاول استدراج الحياة من رحمها الهامد.
رمقها ظافر بنظرة مسنونة فيها شيء من الإدراك الغافل وشيء من التحدي ثم قال كمن يحسم لعبة شطرنج لا تزال في بدايتها
أعتقد أنه من الأفضل أن تأتي معي.
لم يكن خيارا بل كان أمرا مغلفا بالذوق فأجلت سيرين خطتها وأغلقت باب الأمل كمن يؤجل البكاء إلى ما بعد منتصف الليل.
همست لنفسها. وبعد ستة أيام يبدأ التوقيت المناسب.
تمنت أن يمنحها القدر فرصة لزرع بذرة داخلها لعلها تثمر قلبا جديدا.
هيا بنا. قالت دون أن تنظر إليه.
قبل مغادرتهما أصر ظافر وبعناد يشبه عناد الطفل حين يطلب حبا أن تتناول فطورها.
لم تكن تملك شهية حتى للكلام لكن نظراته التي كانت تتابع
كل حركة من حركاتها ككاميرا مراقبة أجبرتها على الانصياع فأنهت طبقها كما ينهي محكوم عليه بالإعدام وجبته الأخيرة قبل تنفيذ الحكم.
عندما وصلا إلى المكتب بدا أن ماهر قد سبقهما بزمن فقد كان واقفا هناك يتصبب من جبينه عرق غير مبرر يحاول أن يخفيه بابتسامة مرتجفة.
كل شيء مرتب سيد ظافر. قالها بصوت أجوف وعيناه تلقي نظرات سريعة نحو سيرين كأنها شاهدة في محكمة غير معلنة.
وقفت سيرين جوار ظافر دون أن تفهم ما الذي كان يعنيه هذا الترتيب الغامض.
سارت خلفه دون أن تنبس وكأنها ظل يمشي خلف صاحبه حتى دخلت معه إلى مكتبه الواسع.
وهناك...
وقف كارم.
كأنه مشهد مسرحي مكتمل الإضاءة والموسيقى وفجأة انفتح الستار.
كان واقفا بشموخ شاهق كبرج زجاجي يرتفع وسط حي قديم يرتدي بدلة
فاخرة بلون الليل تخفي أعصابه المشدودة كأوتار آلة موسيقية.
وجهه حاد وسيم كأبطال الأفلام وعيناه تحملان بريقا لا يشبه البشر بل يشبه أولئك الذين مروا على الألم ونجوا.
لكن ظافر لم يكن أقل فتنة في حضوره...
وقفا معا كقطبين يتنافران على مرأى من الجميع وكأن السماء حبست أنفاسها... في تلك اللحظة لم يكن ممكنا إعلان من منهما الأكثر تميزا من فيهم القاټل ومن الضحېة من
العاشق ومن السالب.
وفجأة.... ارتدت ذاكرتها إلى الليلة الماضية إذ تذكرت كلمات ظافر التي لم تمح
سأدمر كل مشاريع كارم في البلاد.
لكن الأشد وقعا كان آخر ما تلفظ به حين زلزل بها ثباتها
لو عاد كارم إلى الخارج هل سيبقى على قيد الحياة
ارتجفت نظرتها... لم تكن نظرة امرأة خائڤة بل امرأة تدرك أنها على
وشك أن تخسر كل شيء مرة واحدة.