![]() |
رواية زواج تحت التجربة الفصل الخامس عشر بقلم رباب حسين
القوة… تلك النعمة التي قد تُهدي الضعيف تاج الهيبة وقد تُلقي بالعاقل في هاوية الغرور فهي سلاح ذو حدين في أحد طرفيه رفعةٌ ونبل وفي الأخر بطشٌ وظلم....قد يحملها الإنسان بقلبٍ نقي فينصر بها المظلوم ويمسح بها دمعة اليتيم ويزرع بها عدلًا في أرضٍ أنهكها الجور وقد يحملها أخر كجمر في كف متعجرفة لا يطفئها سوى الخراب.....
القوة لا تختبر في المعارك فقط بل في لحظة صمت أمام استفزاز وفي قرار رحيم حين يكون الانتقام ممكنًا وفي نظرة متواضعة من عين تعرف أنها قادرة على تحطيم الكبرياء لكنها تختار الرفق.....
القوة ذات حديين الحد الأول من القوة يبني الأوطان يشد يد الضعفاء ويمنح الأمان لمن ضاقت بهم الدنيا أما الحد الأخر فيمزق النسيج ويقتل الطمأنينة ويحول الإنسان إلى ذئب ينهش من حوله دون وعي.....
كل قوةٍ لا يرافقها وعي تصبح لعنة..... وما بين هذين الحدين يقف الإنسان حائرًا يحمل بين كفيه مصيره ومصير من حوله فإما أن يكون عدلًا يمشي على الأرض أو طاغيةً لا يذكر إلا في حكايات الخراب.....
فاختر حدك بعناية فإن القوة امتحان لا يمنح إلا لمن يستحق......
يقترب أيهم من عائلة الألفي بخطى ثابتة ومع كل خطوة تدب الرعب في قلوبهم جميعًا..... ينظرون حولهم لا أحد يحميهم ولا يجدون سوى نظرات أيهم القاتلة المليئة بالغضب والكره..... إحتمى النساء بالرجال عدا إيمان التي تنظر إلى خالد الملقى على الأرض آثر إرتطامه بالشجرة ولا تجد مفر وشعرت بأنها على حافة الهلاك فصاحت بكل قوة : خااااااااالد
سمع خالد صوتها فنظر حوله في ألم ووجد أيهم يقترب منهم فوقف خالد وحاول أن سيتجمع قواه ثم ركض ليقف أمام أيهم وهو يقول : كفاية كده..... حتى لو ليك حق عند طارق مش صح إنك تأذي الناس ديه كلها
نظر له أيهم بكل غضب وعينيه شديدة الإحمرار وقال : وأمي كان ذنبها إيه يعملو فيها كده؟.....حتى لو بابا خانهم زي ما قالو ليه يعملو في أمي كده وقدام عيني؟
شعر خالد بأن أيهم في قمة غضبه الآن وهذا سيتطلب منه الرد بنفس قوته فنظر إلى إيمان ورأي الخوف في عينيها من أيهم والدموع تنساب على وجهها فعاد النظر إلى أيهم ولم يجد حلول أخرى سوى فقد السيطرة على غضبه وترك العنان لقوته فقبض يده بقوة ولكم أيهم في وجهه..... ارتد أيهم قليلًا للخلف آثر ضربته ثم نظر له بابتسامة متهمكة وقال : إنت عايز تقف قصادي؟.... مش خايف أبلة إيمان تزعل منك؟..... إنت ضعيف يا خالد..... أضعف من إنك تقف قدامي.... ثم اقترب منه وقال له بصوت لا يسمعه سواه...... إنت مش فاكر لكن أنا فاكر كويس...... عشان كنت ماشي وراك زي ضلك...... لما جيت عندي العيادة عشان أخد منك العينة كنت أنا بخلص على عمك ولما نزلت من عندي خليت واحد يمشي وراك ويعصبك على الطريق..... فاكر؟
تذكر خالد ذلك اليوم جيدًا عندما تشاجر مع أحد الرجال بالشارع ولم يتذكر شئ بعد ذلك.....
أيهم : بعد ما اتعصبت كده لقيتك مسكت دماغك وعرفت إنك في أخر مرحلة..... بس إنت ضعيف لما بتوصل للمرحلة ديه دماغك بتتحكم فيك..... قلبك الرهيف بيمنعك تأذي حد فا بتجري زي الجبان...... عرفت إنك كده لما حكيت أول مرة على اللي عملته في سالم إبن عمك وقلت إنك مفتكرتش أي حاجة بعدها..... قربت منك وقتها من ضهرك ورشيت منوم في الهوا ووقعت بين إيديا وقلت ساعتها للناس اللي واقفة إنك مريض وأنا الدكتور بتاعك وريتهم البطاقة وخدتك في عربيتك ونيمتك جنب جثة عمك وطبعًا لما صحيت لقيت عمك ميت جنبك وافتكرت إنك قتلته
نظر له خالد في غضب فقال له : لا لسة إستنى..... فاكر سالم..... أنا اللي رحتله وقولتله لازم ياخد حقه منك وفعلًا راح السجن وزارك وكنت عارف إنك هتهرب وتخرج وراه وفضلت مراقبك لحد ما هربت وفعلًا ودخلت الكوخ اللى في الصحرا وبعد ما هربت من المكان دخلت أنا لقيتك يا دوب ضربته بس كملت أنا عليه وخلصت منه
نظر له خالد في غضب ثم قال : ليه عملت كده؟..... ليه؟
أيهم في غضب : ليه؟! عشان داسو عليك وإنت ضعيف.... خدو فلوسك ورموك تشحت في الشوارع وإنت صاحب شركة...... إنتقمتلك منهم زي ما بنتقم لنفسي..... لما لقيتك رغم القوة اللي عندك ديه مش قادر تأذي اللي عملو فيك كده...... حتى خطيبتك كانو عايزين ياخدوها منك..... اللي زي عمك وابنه وزي الناس ديه ميستحقوش يعيشو وسطنا زي البني أدمين..... دول حقهم يعيشو في غابة..... وأنا عملت الغابة بتاعتي اللي محدث هيقدر يغلبني فيها
أمسك أيهم رأس خالد ووجهها إلى عائلة الألفي ثم قال : بص عليهم..... شايف الخوف اللي في عينيهم..... نفس الخوف اللي كان في عيني وأنا عيل صغير محبوس في عربية وشايف أمي وهما بيعتدو عليها وبيقتلوها قدام أبويا وبعدين قتلوه وهو مقهور....... أنا عملتك زيي عشان تقف إيدك في إيدي نخلص على الوحوش اللي في هيئة بني أدمين مش عشان تقف قصادي
أبعد خالد يديه عنه في غضب ونظر له وقال بصوت مرعب : أنا مش زيك...... إنت اللي وحش مش هما.... وأنا عمري ما هبقى وحش..... نظرات الخوف اللي إنت فرحان بيها ديه بالنسبالي أنا قمة الوحشية..... أنك تتلذذ بألم الشخص اللي قدامك يبقى أنت اللي مريض..... وللأسف يا أيهم مش هتلاقيني جنبك..... هتلاقيني ضدك
أمسك خالد أيهم من ذراعيه بقوة ثم رفعه عاليًا وطاح به أرضًا ثم نظر إليهم جميعًا وقال في صوت مرتفع : أهربو
نهض أيهم ولكم خالد بقوة وظلا يتبادلا اللكمات وغادرت عائلة الألفي جميعًا عدا إيمان التي ظلت تقف خلف الشجرة تشاهد ما يحدث في خوفٍ على خالد.... ظلت اللكمات بينهما حتى وجد أيهم منضدة في منتصف الحديقة مصنوعة من الحديد فرفعها وقذفها بوجه خالد فوقع خالد أرضًا ثم انقض عليه أيهم وألقى جسده عليه وانهال عليه باللكمات.... حاول خالد أن يدافع عن نفسه فدفعه بعيدًا عنه ونهض سريعًا ووجد محراث يدوي ملقى بالأرض فرفعه في وجه أيهم ليدافع عن نفسه فنظر له أيهم وهو يلتقط بأنفاسه بصعوبة وقال : مش هتقدر تعمل بيه حاجة.....إنت أجبن من إنك تأذيني
زاد غضب خالد وضرب قدم أيهم به فتأوه في ألم وقال خالد : متستفزنيش أكتر...... إنت عارف الغضب اللي جوايا كويس وعارف أنا قادر أعمل إيه
حاول أيهم الوقوف مرة أخرى على قدمه ثم قال في ألم : لو فضلنا طول الليل نضرب في بعض محدش فينا هيغلب التاني.... فكر تاني يا خالد وحط إيدك في إيدي
خالد : لا
لم يترك خالد خيار أخر لأيهم سوى قرار واحد وهو القتل فانقض عليه سريعًا وأمسك بيده التي بها المحراث وأمسكها بقوة ثم لكم وجهه بقوة وهو يقول : مسيبتليش خيار تاني
أخذ منه المحراث وضرب رأس خالد به وسالت الدماء منه ووقع أرضًا ودنى أيهم بجسده عليه ونظر في عينيه قبل أن يفقد الوعي وقال : عرفت إنك ضعيف...... لازم تتعلم إن قوتك ديه مش عشان تحمي الوحوش دول...... فكر بعقلك وأنا هقابلك تاني وساعتها هعرف قرارك النهائي
سمع أيهم صوت سيارات إنذار الشرطة التي إستدعاها طارق إلى منزله فركض سريعًا وتسلق الجدران حول الحديقة وقفز إلى الجهة الأخرى وهرب..... اقتربت إيمان من خالد وهي تصيح في بكاء : خااااالد..... خااااالد
جثت على ركبتيها أمامه ورفعت رأسه على يديها وحاولت وقف النزيف الذي برأسه وهي تصيح بكل قوة : إسعاف..... هاتو إسعاف بسرعة
بعد قليل جاءت سيارة الإسعاف وتم نقل خالد إلى المشفى وذهبت معه إيمان ولحقت بهما عائلة الألفي جميعًا وبعد قليل أُذيع الخبر وأيضًا ظهرت براءة خالد حسب القرار الذي أخذته النيابة العامة باعتراف أيهم أمام عائلة الألفي بأنه هو القاتل وأن خالد لم يفعل شئ ضد القانون وأن خالد كان يحاول حماية العائلة وقام بمواجهة أيهم وتحول خالد من لقب السفاح إلى المنقذ وبعد أن كان مصدر الخوف عند الناس أصبح مصدر الأمان والدرع أمام مصدر الرعب الحقيقي..... أيهم
وبالرغم من أن قوتهما متعادلة إلا أن كلًا منهما إختار طريق مختلف وليس بأرادتهما ولكن بالقوة الداخلية التي تتحكم بهما فالخير والشر متواجدين داخل كل شخص ولك الأختيار بأن تجعل أحدًا منهما ينتصر على الأخر
لازمت إيمان المشفى مع خالد الذي ظل غائب عن الوعي ليومين آثر الضربة التي تلاقاها وفي هذه المدة حاولت إيمان إيجاد علاج وأخذت عينات من جسد خالد وقامت بعمل تحاليل عدة وظلت بجواره حتى أستعاد وعيه في اليوم الثالث ووجدها تجلس بجواره نائمة على الكرسي فرفع قناع الأكسجين عن وجهه ونادى باسمها في صوت ضعيف فانتبهت إيمان إليه ونظرت إليه وقالت في لهفة : خالد حبيبي..... إنت كويس؟
خالد : كويس..... أيهم.... عملكو حاجة؟
إيمان : لا هرب لما البوليس جيه..... حمد الله على سلامتك
اقتربت منه إيمان وقامت بمعانقته.... رفع خالد وجهها ونظر إلى عينيها وقال : إنتي هدية الدنيا ليا..... أنا مستعد أدفع عمري كله عشان أشوف نظرة الحب واللهفة ديه في عينيكي على طول
إيمان : كفاية التمن اللي دفعته من صحتك عشان تبقى معايا..... أنا مهما أعملك عمري ما هعوضك عن اللي حصلك بسببي
خالد : مش بسببك..... ده إختياري أنا وأنا اختارتك إنتي وهعمل أي حاجة في الدنيا عشان تبقي ليا
إيمان : ربنا يخليك ليا يا حبيبي
طُرِق الباب ودخلت الممرضة ووجدت خالد إستعاد وعيه فأخبرتهما أننا ستأتي بالطبيب
نظرت إيمان إلى خالد وقالت : مش عايز تشوف الأخبار؟
خالد في تعجب : ليه في حاجة جديدة حصلت وأنا نايم؟
إيمان : كتييييير
فتحت إيمان التلفاز ونظر خالد إلى الأخبار وسمع حديث الإعلام عنه فنظر إلى إيمان في تعجب فقالت مبتسمة : الحقيقة ظهرت والناس شايفينك دلوقتي بطل وكلهم بيدعولك عشان ترجع بالسلامة وتقدر تقبض على أيهم حتى الشرطة أعلنت دعمها الكامل ليك
خالد : المشكلة إن قوتنا واحدة
إيمان : متقلقش.... فيه معاك حاجة مش عنده؟
خالد : إيه هي؟
إيمان : مهدأ قوي جدًا بيوقف أفراز الأدرانيالين أي نعم لوقت بسيط بس في الوقت ده تقدر تتغلب عليه
خالد : كويس.... بس إنتي ملقتيش علاج لحالتي صح؟
إيمان : لا بس فيه خبر حلو
خالد : إيه هو؟
إيمان : الغدد بقت بتفرز الأدرانيالين وقت الحاجة فقط..... يعني مبقاش موجود في جسمك طول الوقت..... بمعنى إن نسبته بدأت تقل مع التمارين اللي بتعملها ومحاولاتك في السيطرة على غضبك هتقدر تتحكم في جسمك وعمرك ما هتأذي حد
خالد : لكن لو اتعصبت هبقى في الحالة ديه تاني؟
إيمان : اه.... والقوة طبعًا هتفضل موجودة..... أنا شايفة إنك طالما بتقدر تتحكم في نفسك مش بتأذي حد فا كده إنت مش خطر على الناس..... وفيه خبر كمان حلو..... مصادرة الأموال العامة قررت ترجعلك فلوس عمك وباباك وحصتك في الميراث بعد ما ثبت براءتك من قتلهم..... يعني الشركة بقت بتاعتك
خالد : الحمد لله..... ربنا جبر بخاطري بعد كل اللي شفته
إيمان : ربنا جزاك بعد ما وقفت مع الناس اللي محتاجالك وعشان إنت قلبك نضيف مفيهوش ذرة شر ولا قدرت تأذي حتى اللي أذوك..... أنا فخورة بيك وفخورة إني مراتك
ابتسم خالد لها في سعادة فبعد أن كانت حلم صعب المنال أصبحت مصدر ساعدته وهبة ربه التي ساندته وتحملت الصعاب لإجله..... ما أعظم أن ترزق بزوجة تكون لك حصن في مواجهة الصعاب.....
مر عدة أيام وتعافى خالد تمامًا وفي هذه الأثناء كانت الشرطة تحمي منزل عائلة الألفي التي ظلت حبيسة داخل جدران منزل..... خرج خالد من المشفى وذهب إلى منزل عائلة الألفي وقامت إيمان بعمل جرعات من المهدأ مجهزة داخل الحقن وأعطتها لخالد
وصل خالد إلى المنزل ووجد العائلة مجتمعة تنتظر قدومه وعندما دخل وقفو حوله جميعًا ورحبو به وجلسو معًا ليقومو بوضع خطة القبض على أيهم
نورة : كل ده تمام.....بس الولاد وجودهم هنا خطر عليهم
ليلى : أنا كمان عايزة الولاد يروحو مكان أمان
طارق : ما هو مفيش حد هيقدر يحميهم غير خالد
ليلى : خالد هيحمي مين ولا مين..... وبعدين المرة اللي فاتت قدرنا نهرب المرة الجاية محدش عارف إيه اللي هيحصل..... أنا شايفة إن إحنا نخرج الولاد من غير ما حد ياخد باله يعني كلهم يخرجو في عربية واحدة وميظهروش جوا العربية إلا لما يبعدو خالص عن البيت..... حتى لو أيهم مراقبنا مش هيعرف إنهم خرجو
خالد : أنا مقدر خوفكم عليهم وشايف إن معاكم حق..... بس فيه مكان هيقعدو فيه
نورة : فيه الفيلا اللي في الساحل يقدور يقعدو هناك
خالد : تمام..... بكرة الصبح ندبر الموضوع ونخرجهم من الفيلا
في مكان بعيد يجلس أيهم في معمله واستمع إلى حديث عائلة الألفي مع خالد وعلم أن أولادهم سوف يخرجون من المنزل غدًا وهذا كل ما يريده
فلاش باك
كان أيهم يركض في الحديقة عندما سمع صوت الإنذار لسيارات الشرطة فوجد الباب الخلفي للمنزل المطل على الحديقة مفتوح فدخل سريعًا ووضع جهاز تصنت صغير أسفل المنضدة داخل البهو وخرج سريعًا