رواية منعطف خطر الفصل الرابع و العشرون
الموت عندي أهون من إني أتجوز ممدوح ابن خالي... دا هو اللي مربّيني! هيبقى جوزي إزاي بس!
زهيرة ردت بقسوة الأم اللي شايفة إن الكلمة وعد: لما خالك سألك قولتي موافقة! إزاي دلوقتي، بعد ما حددنا يوم الفرح والناس كلها عرفت، تيجي تقولي مش عايزة؟! إحنا مش بنلعب يا زينة!
زينة كانت بتبكي من وجع أكبر من قدرتها على التحمل. هي لما وافقت، كانت بتحلم. كانت مصدقة إن القدر أخيرًا سمع دعواتها، وإن معتصم ابن خالها اللي قلبها متعلق بيه من سنين هو اللي جاي يخطبها.
فاكرة اليوم اللي خالها قال فيه: "أنا عايز زينة لابني"، كانت هترقص من الفرحة. حسّت إن ربنا كافأها على صبرها وحبها الصامت. قالت "موافقة" بقلب مليان أمل... لكن الفرحة اتحولت لصدمة بعدها.
عرفت إنهم مش جايين يخطبوها ل معتصم... دا ممدوح ابن خالها الكبير، المتجوز من عشر سنين ومراته مبتخلفش.
عايزينها زوجة تانية! مش حبيبة، مش شريكة عمر... بس "بديله"
زهيرة قامت بغضب، وهي بتعدل طرحتها وقالت: امسحي دموعك يا عروسة! محدش من دار خالك لازم يشك في حاجة. قومي معايا نشتري جهازك وهدوم الفرح!
خرجت زهيرة من الأوضة، وزينة فضلت قاعدة مكانها، حاسة إن العالم كله ضاق عليها. كأن في حكم بالإعدام اتكتب باسمها من غير ما حد يسمع دفاعها!
رفعت عينيها للسماء، والدموع نازلة بهدوء، وهمست جواها: يا رب... أنا ما تمنّتش حاجة في حياتي قد ما تمنّيت أكون من نصيب معتصم. كنت بدعيلك ليل ونهار. بس خلاص... ان مكنش ليا، شيل حبه من قلبي يا رب... عشان أعرف أكمل الجوازة دي.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
عند ياسمين.
كانت قاعدة في حوش المدرسة، وسط دوشة عيال بتجري وتهزر وتضحك، بس هي كانت في حتة تانية خالص... عينها على الأطفال اللي بيلعبوا، بس عقلها سرحان في خالد.
من وقت المكالمة الأخيرة بينهم، اللي فتحت له فيها قلبها وحكت له كل حاجة عنها... وهو اختفى.
لا سأل، ولا حاول يتواصل معاها.
وجعها قوي الإحساس ده، حسّت إنها كشفت ضعفها قدامه، وفي الآخر سابها ومشي.
كانت الوحدة بتزنّ على قلبها، والملل مالي يومها، كأنها لوحدها في الدنيا كلها.
وفجأة سمعت صوت أنثوي بيقطع الشرود:
شيرين (بابتسامة هادية): "قاعدة لوحدك ليه؟"
رفعت ياسمين عينيها، لقت زميلتها شيرين، مدرسة العربي الجديدة في المدرسة، جاية تقعد جنبها، وبصّتلها بلطف وقالت: بشوفك كتير قاعدة لوحدك؟ مش بتحبي الاختلاط ولا إيه؟
ياسمين زفرت وقالت وهي بتحرك كتفها: مش كده... بس بحس إني غريبة هنا. الناس كلها متحفّظة معايا عشان أنا من عيلة الشرقاوي، أصحاب المدرسة. وأنا بحب الناس تتعامل معايا على طبيعتي، مش مع اسم عيلتي.
شيرين ضحكت بخفة، ومدّت إيدها لياسمين: أنا شيرين... ومش فارق معايا إنتي منين ولا اسمك إيه. أنا حابة أتعامل معاكِ إنتي، مش مع لقب.
ياسمين ابتسمت لأول مرة من وقت طويل، ومدّت إيدها تسلّم عليها: "ياسمين."
شيرين طلّعت سندوتشات من شنطتها، ومدّت أيديها بواحدة لياسمين وهي بتقول: يلا كلي معايا... الأكل أحلى مع صحبة.
ياسمين (بابتسامة دافية): "شكرا ..."
شيرين وهي بتاكل: دي سندوتشات جبنه بالطماطم مش هتلاقيها مع اي حد هنا.
ياسمين ضحكت وقالت: ماما كانت دايما تعملهالي وانا رايحه شغلي في السنتر.
شيرين بحماس: وانا كمان بشتغل في سنتر بعد المدرسة هنا.. هنعمل ايه العيشة صعبة ولازم نعمل كل اللي نقدر عليه.
ياسمين ابتسمت وافتكرت أيام السنتر والشغل إللي كانت بتتعب فيه طول النهار وترجع البيت هلكانه ومش قادرة بس كانت مبسوطة وسعيدة وبالها مرتاح مع مامتها واخوها.
شيرين سحبتها تاني من شرودها بطريقتها المرحه الطبيعيه و فضلوا ياكلوا مع بعض، والكلام بينهم ابتدا يسخن واحدة واحدة...
وياسمين لأول مرة من فترة، حست إن فيه حد ممكن يشوفها هي، مش مجرد لقب...
وإن الدنيا يمكن تكون لسه بخير شوية.
خلص اليوم الدراسي، وياسمين كانت خارجة من باب المدرسة، ماسكة إيد أحمد أخوها الصغير اللي كان بيتمرجح بإيديها وهو بيضحك.
شيرين كانت ماشية جنبهم، ضحكتها عالية وهما بيتكلموا، بس ضحكة ياسمين اختفت فجأة...
لما عينيها وقعت على يحيى واقف قدام عربيته الفخمه.
لابس بدلة شيك، ونضارة شمس سودة، واقف بجسمه المفرود وثقة واضحة في ملامحه.
شيرين لمحت يحيى ووقفت تبص عليه بانبهار: "بصي كده! شايفة القمر اللي واقف هناك ده؟... والعربية! الله أكبر بجد!"
ياسمين (بصوت منزعج): "آه... شايفاه."
يحيى أول ما لمحهم، اتحرك ناحيتهم بخطوات ثابتة، وفي اللحظة دي، أحمد ساب إيد ياسمين وجرى عليه بحماس:
"يحيى!!"
شيرين استغربت وسألت وهي لسه عينيها عليه: "هو... إنتوا تعرفوه؟"
ياسمين (بضيق): "ده يحيى ابن عمي."
شيرين بصتلها بدهشة وفضول ظهر على وشها وقالت بنغمة فيها اهتمام: "ابن عمك بجد ؟ طب هو خاطب؟ ولا متجوز؟"
ياسمين استغربت السؤال، وفضلت تبصّلها من غير ما ترد، بس قبل ما تفتح بقها، كان يحيى وصل ليهم.
عينيه كانت مركزة على ياسمين، نظرة طويلة كأن الزمن وقف عنده، ونبرة صوته كانت هادية وقريبة: "يلا يا ياسمين... أنا اللي هوصلكم النهاردة."
ياسمين بصّت لــشيرين بتوتر واضح، وقالت بسرعة: " نكمل كلامنا بكرة يا شيرين... مع السلامة."
يحيى بصّ لــشيرين بنظرة سريعة متعالية، كأنه مش مهتم حتى يعرف هي مين، وكمّل مشي جنب ياسمين.
لما بعدوا شوية، ياسمين همستله بغيظ وهي ماشيه: "هو السواق فين؟"
يحيى (وهو بيبص لها بإعجاب ما بيخبيهوش): "قولتله يمشي... أنا اللي هوصلكم النهاردة. وبعدين... انتي لسه زعلانة مني؟ أنا اعتذرتلك أكتر من مرة، وده مش من طبعتي على فكرة... يحيى الشرقاوي عمره ما اعتذر لحد."
ياسمين كانت ماشية جنبه من غير ما ترد، نظرتها قدامها، وملامحها متصلبة.
يحيى وقف فجأة، ومد إيده مسك دراعها بحنية لكنها مفاجئة، وقال بصوت منخفض وهو بيبص في عينيها: "بس انتي... مش أي حد يا ياسمين."
ياسمين اتوترت، وسحبت دراعها بسرعة من إيده، ونبرتها عليت بغضب مكبوت: "انت عايز مني إيه بالظبط يا يحيى؟!"
يحيى بصّ لها بنفس النظرة اللي دايمًا بتخلّيها تحس بعدم ارتياح... نظرة كلها إعجاب وشيء أعمق من مجرد اهتمام: "عايزك متزعليش مني... وأنا أوعدك إن اللي حصل مش هيتكرر تاني."
ياسمين زفرت وهي بتحاول تكتم تعبها: "ماشي يا يحيى... محصلش حاجة."
يحيى (بحماس باين في صوته):"يعني كده هتقبلي عزومتي على الغدا؟"
ياسمين ردّت بسرعة، ونبرة القلق واضحة في كلامها: "لأ، مش للدرجة دي... قلتلك محصلش حاجة وخلاص يا يحيى، الموضوع انتهى."
ومشيت بسرعة ناحيه العربية وقالت:"يلا نرجع البيت... عايزة أطّمن على ماما."
يحيى كان ساكت، بيبص لها بنظرة فيها تفكير، بس من غير ما يرد.
فتح باب العربية الخلفي، وأحمد طلع بسرعة وقعد، وهو مبسوط،
وبعدين فتح الباب الأمامي لياسمين.
ياسمين وقفت لحظة، مترددة... كانت خايفة تركب جنبه، بس خدت نفس وشجّعت نفسها، وركبت.
مش حابة تعمل مشاكل، ولا تصطدم بيه تاني... خاصةً وإنها عارفة عصبيته ومشاعره اللي مش مفهومة.
يحيى ركب مكانه، شغّل العربية، وسكتوا هما الاتنين. جوّا العربية كانت خالية من الكلام،
بس صوت ياسمين الداخلي كان مليان ضجة.
فتحت موبايلها، وبصّت فيه من غير تركيز... كانت بتحاول تشغل نفسها بأي حاجة،
مجرد وسيلة تهرّب بيها من التوتر اللي رابط أعصابها.
العربية مشيت، بس اللي في قلب ياسمين لسه واقف مكانه.
العربية كانت ماشية بسرعة هادية، والجو جوّاها كان أهدى من اللازم، كأن الكلام ممنوع.
يحيى كل شوية يرمق ياسمين بنظرة جانبية، يحاول يقرأ ملامحها، يشوف إذا كان فيه فرصة تقرب منه.
بس ياسمين كانت باينة مش مرتاحة، قاعدة على طرف الكرسي، وموبايلها في إيدها بس مش مركزة فيه،
عنّيها بتتحرك في الشاشة من غير ما تقرأ حاجة، وكل تفصيلة في وشّها بتقول إنها عايزة الوقت ده يخلص.
يحيي كان بيتكلم ويهزر مع احمد من وقت للتاني وياسمين بتضحك بمجاملة عشان أخوها، لحد ما ظهرت قدّامهم نقطة تفتيش أمنية،
عربية الشرطة واقفة على جنب.
وظباط واقفين بيشاوروا للعربيات تقف.
يحيى (بغريزة دفاعية): "مش فاهم هما بقوا بيعملوا كل يوم والتاني كمين هنا ليه.. عمومآ متقلقيش.. ده كمين عادي؟."
ردت ياسمين باستغراب: وانا هقلق ليه!! هما بيشوفوا شغلهم.!
اتكلم احمد وهو قاعد في الكرسي الخلفي: انا لما اكبر هبقى ظابط زيهم.
يحيي كح جامد وقال ل احمد: ما بلاش الشغلانه دي.
احمد رد وهو بيضحك: انت بتقول زي حسن ابو علي.. هو كمان قالي بلاش الشغلانه الصعبة دي.
ياسمين ابتسمت تلقائيا لما احمد نطق اسم حسن ابو على.. ويحيى ما خدش باله من الاسم وميعرفش ان احمد يقصد خالد، الظابط، اللي منع ياسمين انها تنطق اسمه قدامه واللي مايعرفهوش إن واحد من الظباط اللي واقفين دول كان خالد...
واقف بزيه الرسمي، عينيه مرهقة من السهر والتفكير، بس مركز في كل عربية بتعدي.
وأول لما العربية الفخمة قربت، رفع نظره كعادة شغله، بس فجأة وقف الزمن عنده لما شاف ياسمين قاعدة جنب يحيى في الكرسي الأمامي...
نظراته ثبتت عليها، وقلبه اتقبض.
في اللحظة دي كانت بتضحك ضحكة مجاملة على كلام يحيى عشان خاطر احمد أخوها ،
بس بالنسباله، المنظر كان كافي يولّع نار الغيرة في قلبه.
حاول يخبي مشاعره بسرعة، أخد نفس، وبدأ يمشي ناحيتهم، وياسمين اول لما شافته اتجمدت مكانها وحست بنغزه في قلبها..
خالد وقف جنب العربية، ملامحه مش بتبين غير حاجتين:
السيطرة… والغيرة اللي بتغلي جواه بس مش باينة غير في عنيه.
يحيى نزل الإزاز ببطء، وكأن الزمن نفسه كان بيبطّأ
علشان يخلي اللحظة دي توصل أقصى توترها.
نظرة خالد تقابلت مع ياسمين…
نظرة ثابتة، قوية، محمّلة بكل الكلام اللي ماتقالش بينهم.
ياسمين قلبها دق بسرعة،
عينها ماقدرتش تهرب من عينه،
كأن الوقت وقف بين اتنين مش قادرين يبعدوا… ومش قادرين يقربوا.
وفجأة، أحمد قطع اللحظة وهو بيتنطط جوه العربيه وقال بصوت طفولي مليان فرحة: "حسن أبو علي! أنا هنا أهو!"
فتح الباب بسرعة، جري على خالد، ورمى نفسه في حضنه.
خالد حضنه بقوة، وإيده على ضهره كأنها بتحميه من الدنيا كلها.
كان واضح إن بينهم رابط قوي، مفيهوش أي تمثيل.
يحيى اتفاجئ من اللي شافه، فتح الباب ونزل بسرعة، عينه رايحة وجاية بين أحمد وخالد.
ــ "هوه إنت تعرف الظابط خالد؟"
يحيى سأل احمد وهو مش مصدق.
"ده حسن أبو علي! صاحبي!"
أحمد قالها بكل تلقائية وهو ماسك في ايد خالد.
نزلت ياسمين هي كمان من العربية بس متحركتش من مكانها.
خالد لف وشه ناحية يحيى ، وقال بنبرة هادية بس نبرة الغضب فيها ماكنتش مستخبية: "هو أحمد يقربلك؟"
يحيى رد بهدوء، وهو بيحاول يمسك أعصابه: "احمد ابن عمي يحيى الله يرحمه... يعني أخو كارما بنت خالتك من الاب."
وهو بيكلم خالد، عينه لمحت ياسمين وهي واقفة جنب العربية،
متوترة، عينها بتتحرك ما بين الاتنين… مش عارفة توقف فين.
يحيى كمل وقال بصوت فيه نبرة تملك واضحة: "والآنسة ياسمين يحيى الشرقاوي…
بنت عمي،.. وخطيبتي."
الكلمة وقعت زي الحجر على قلب خالد،
بس ملامحه ما اتحركتش،
إنما عنيه اتحولت للون تاني…
لون الغيرة، والغضب ، والوجع اللي مش مسموح له يبان.
ياسمين بصّت في الأرض، حسّة بكلام اتقال باسمها وهي مش طرف فيه،
وحسّة بعينين بتحاسبها على حاجة هي نفسها مش فاهماها... الفصل الخامس والعشرون من هنا