رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سارة محمد


 رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الرابع والعشرون


 كادت "فريدة" أن تفقد الوعي من تلك الصدمات التي تسقط منهمرة على رأسها، فور أن أخبرها البواب بتلك الفاجعة ركضت نحو السائق تترجاه بشهقات متتالية أن يذهب للمشفى، فأنصاع هو لها ليجلس بمقعده ينتابه القلق على "مازن"، قبعت هي خلفه لا تستطيع التحكم بصدرها الذي يعلو ويهبط بإنهيارٍ، وقفت السيارة أمام المشفى لتترجل هي ثم ركضت بقوة بحالتها المزرية وعيناها الحمراء وشفتيها التي ترتجف رعباً، وصلت لموظفة الأسقبال التي سرعان ما هتفت بقلق:
- فريدة!!!! الحمدلله انك جيتي مازن بيه لسة جايبينه من شوية وحالته خطر!!!!

وضعت كفها على فمها لتمتم بخفوت وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع:
- فين!! هو فين!!!!!

هتفت الموظفة بشفقة:
- في العناية يا حبيبتي!!!!

ركضت "فريدة" في ممر المشفى وقدميها تحملها عنوةً، ترتجف وكأنها في مهب رياح تعصف بجسدها، صعدت على الدرج مهرولة لتقف أمام الغرفة ذات الزجاج المرئي، وضعت كلتا كفيها على الزجاج تنظر لجسده المستلقي على الفراش، شفتيه البيضاء و عيناه المغمضة، وضعت يدها على قلبها و هي لا تستطيع الحفاظ على توازن أنفاسها التي تدلف لرئتيها، علَت شهقاتها حتى أصبحت تصدح في أرجاء المشفى، هي لا تستطيع تخيل حياتها بدونه، حياتها تصبح جحيماً إن لم يكُن بها، كلما تتذكر ذلك الكلام القاسي التي وجهته له تشعر بنغزاتٍ في قلبها، كان في أشد أحتياجه لها وهي من دفعته بعيداً تاركة إياه بمفرده يعاني بصمت، أغمضت عيناها تتذكر عندما أخبرها أن خالقه أخذ حقها منه، رفعت رأسها لأعلى ضامة كفيها إلى صدرها تقول ببكاء مختنق:
- يارب.. يارب أنا ماليش غيره، ماليش حد في الدنيا دي غيره والله، سامحه يارب على أي حاجة وحشة عملها ورجعهولي، أنا قلبي واجعني اوي، لو سابني هموت وراه، انا مش هقدر استحمل اعيش و هو مش معايا!!!!

أخذت في البكاء وعيناها لا تغفل عنه ، قلبها يعتصر بقوة وكأنه يُعبر عن ألمه بتلك الطريقة، عيناها مغمورة بدمعاتِ شوشت رؤيتها له، لتعود وتزيلها بعنف، ألتفتت تبحث عن حقيبتها لتجدها ملقاة أرضاً فركضت نحوها ثم أخذت هاتفها، هاتفت "ملاذ" تخبرها لضرورة مجيئهم، لتعود تقف أمام الغرفة بعينان تورمتا من شدة البكاء، فلمحت أحد الأطباء الذي تعلمه جيداً يخرج من الغرفة لتركض نحوه تتشبث بذراعه فهو دائماً ما كان يعاملها كأبنته، لتهتف بحُرقة:
- ماله يا دكتور، جوزي في أيه!!!

ربت الطبيب على يدها بشفقة قائلاً:
- مازن بيه حالته متأخرة يا بنتي، العملية لازم تتعمل في أقرب وقت!!!! 

بُهتت لحديثه ولكنها عادت تقول:
- طب أعمل العملية أرجوك في أسرع وقت!!!!

أومأ الطبيب قائلاً بهدوء:
- هنعملها طبعاً بس هنستنى لما يفوق.. أحنا هنسيطر على الوضع دلوقتي لحد مـ يفوق!!!

هتفت "فريدة" بتوسل:
- طب عشان خاطري يا دكتور عايزة ادخل أساعدكوا لو سمحت!!!

نظر لها الطبيبق بشفقة ليقول:
- مينفعش يابنتي أنتِ مش شايفة حالتك، مش هتقدري تمسكي نفسك ومتقلقيش مازن بيه حياته تهمنا جداً وهنعمل اللي علينا وزيادة!!!

أومأت هي لتعود وتنظر له واضعة كفيها على الزجاج مستندة برأسها عليه، تركها الطبيب وعاد للداخل، راقبت "فريدة" شحوب وجهه الذي أرعبها، تمنت لو أن تحطم ذلك الفاصل الزجاجي بينهما وتدلف ترتمي في أحضانه ولا تتركه أبداً!!!!

• • • •

أرتجفت أوصال "ملاذ" عندما أنهت مكالمتها مع "فريدة"، هاتفت "ظافر" ثم وضعت الهاتف على أذنها، سمعت صوته يقول بهدوءٍ:
- ايوا يا ملاذ!!!!

أنتفض قلبها رعباً، ولم تشعر بنفسها سوى و هي تشهق بكاءاً لينتفض هو من فوق كرسيه قائلاً بلهفة:
- في أيه!!!! أيه اللي حصل!!!!!

غمغمت "ملاذ" بصوتٍ مهتز:
- مازن!!!!

هربت الدماء من وجهه ليلتقط بذلته قائلاً بترقب:
- ماله؟!!!

- في المستشفى!!!!!!

• • • •
ذهبت عائلة الهلالي بأكملها إلى المشفى، ألتفتت "فريدة" لهم فوجدت"ملك" و "رقية" تركضا نحوها، قبضت "رقية" على ذراعيها قائلة ببكاء وجسدٍ ينتفض:
- ماله مازن يا فريدة!!!
أكتنفت الحيرة معالم وجهها، فهي لا تريد أن تُخبرها لكي لا تقلق، وبذات الوقت يجب أن تعلم، أنقذها "ظافر" الذي هتف بنبرة مظلمة و هو ينظر لها بحدة:
- مازن كويس يا أمي متقلقيش، هو بس تعِب شوية!!!

ألتفتت له والدته تقول بصرامة:
- فاكرني هبلة إياك، تعِب يجوم يدخل العناية؟!!!

مسح "ظافر" وجهه بعنف ثم أسترسل بجمود:
- تحبي اجيبلك الدكتور يقولك بنفسه؟!!!

جلست "رقية" على المقعد والدمعات تهدر من عيناها مردفة بحزن:
- كان جلبي حاسسني أنه فيه حاچة!!!!

أقتربت منها "ملك" لتجلس جوارها تربت عليها وبكائها أيضاً يعلو في الطابق، ألتفت "ظافر" لينظر إليها وهي تقف بعيداً عنهم تنظر له بندمٍ، أقترب منها بخطواتٍ وئيدة و عيناه تقدح شراراً، أرتعبت من نظراته لتعود خطوتان للخلف، وفي أقل من الثانية كان وصل لها ليجذبها من ذراعها بقسوة ساحباً إياها خلفه، سارا معاً في ممر المشفى و خطواته أضعاف خطواتها، حاولت إبعاد كفه الغليظ عن ذراعها وهي تقول برجاءٍ:
- ظافر أسمعني!!!!!

لم تشعر سوى بظهرها يرتطم بالحائط خلفها لتغمض عيناها تتأهب لصراخه بوجهها، وبالفعل وجدت ملامحه تصبح أكثر قسوة وجمود، ألتفت بوجهه ليتأكد أن لا أحد من عائلته ينتبه لهما، ليعود ملتفتاً لها مضيقاً عيناه يرمقها بنظرات كالصقر، ناهيك عن أظافره التي أتخذت محلها في ذراعيها تنغرز بهما بقسوة تنبع من داخله لتطبق شفتيها للداخل تمنع تآوهاتها المكتومة بجوفها، أغمضت عيناها لا تريد رؤية ملامحه القاسية، فهي لا تريد أن تحفر ذكرى ملامحه وهي بتلك الحالة، لطالما أعتادت منه على نظراته الدفيئة ولمساته الحنونة، ولكن من يقف أمامها الأن لا يُمكن أن يكون من أحبته، عندما رآها تطبق جفنيها بقوة أزدادت تعابير وجهه قسوةً، قبض على فكها يهتف بنبرة جعلت أوصالها ترتعد أرتعاداً:
- بُصيلي و أنا بكلمك!!!!!
ظلت مغمضة عيناها تحرك رأسها سلباً، إزداد ضغطه على فكها بقوة مزمجراً:
- أفتحي عنيكي يا ملاذ!!!!!

فتحت حدقتيها المملوئتين بالعبرات، نظر حوله فوجدهم على حالهم مشغولون بمواساة "فريدة" و والدته، عاد ينظر لها يقول بصوتٍ غليظ:
- الغلطة غلطتي أني آمنتك على سر زي دة، كان لازم أعرف أنك متستاهليش أقولك على أي حاجة تخصني ولا تخص عيلتي!!!

صُدمت من كلماته التي غُرزت كالخنجر السام في صدرها، لتنظر لعيناه الزيتونية ولسانها عُقد لا تستطيع التحدث، فهيبته يقف أمامها رجالٍ ونساء يرتعدون خوفاً، عيناه الحادة تجعل من لا يهاب شئ ينتفض رعباً، أبتلعت غصة بحلقها، إزدردت ريقها ثانيةً تنظفه لتقول بنبرة خاوية:
- قبل مـ تتكلم أسمعني الأول، دة جوزها وكان لازم تعرف، ومسيرها كانت هتعرف لما ييجي ع المستشفى والدكاترة يقولولها حالته!!!!

نظر لها بصرامة شديدة، نظرة أخرستها، ثم رفع سبابته في وجهها يجأر بقسوة:
- أخر مرة هأمنك على سر يخصني!!!!!

ألتفت ليذهب مبتعداً عنها، تاركاً عيناها تهدر بالدموع لتجلس على أقرب مقعد بعيداً عن مرمى عيناهم، أستندت برأسها على الحائط مغمضة عيناها بوهنٍ..

أقتربت "ملك" من "جواد" لتقف أمامه وجسدها ينتفض من البكاء، سرعان ما أخذها بين ذراعيه مقبلاً جبينها يردف برفق:
- هيبقى كويس والله، مازن مش بيستسلم بسهولة، وبعدين ظافر قال أنه مافيهوش حاجة!!!

حاوطت خصرها لترفع رأسها له بعيناها الغائرتان بالدموع قائلة:
- أنا خايفة عليه أوي!!!!

مال بثغره مقبلاً عيناها ليردف بحنو:
- متخافيش طول مـ أنا جنبك!!!!

أبتسمت بعذوبة لتحتضنه بقوة تستمد قوتها منه، أبتعدت عنه بعد عناق دام دقائق لتجلس على المقعد جوار "فريدة" التي ربتت على كتفيها بعطف..

• • • •

نهض "باسل" سريعاً بعد أن أخبره "ظافر" بوجود أخيه بالمشفى، ليتجه لغرفته ثم أنار الأضواء، و فتح الخزانة ليأخذ قميص لم يدقق به وبنطال لم يعلم لونه حتى، أرتداهما على عجلة ثم كاد أن يخرج من الغرفة لولا صوت "رهف" الناعس:
- في أيه؟!!

ألتفت لها "باسل" ثم أتجه نحوها ليميل على الفراش قائلاً و هو يحاوط وجنتها اليمنى:
- حبيبتي نامي أنتِ مافيش حاجة!!!

بعثرتها دفئ كفه على ملمس بشرتها، ولكنها عادت تقول بصوت متوتر وهي تلاحظ نظراته التائهة:
- طيب هو في حاجة؟!!!

أجابها "باسل" بصوتٍ هادئ رُغم النيران المشتعلة داخله:
- مازن تعب ودخل المستشفى!!!!

صُدمت "رهف" مما قاله، لتُبعد الغطاء عنها قائلة سريعاً:
- طب أستنى أنا هاجي معاك..!!

نفى سريعاً و هو يُردف:
- لاء خليكي انا مش هتأخر!!!

نهضت "رهف" تقف أمامه لتقول برجاء:
- عشان خاطري حتى أبقى جنب فريدة وماما رقية وملك..!!

صمت قليلاً ثم أومأ لها قائلاً بعجلة:
- طيب بسرعة و انا هستناكي في العربية تحت..!!

• • • •
وصلا للمشفى ليتقدم "باسل" من "ظافر" الواقف بثباتٍ ليس بحديث عليه، بيننا ذهبت "رهف" نحو "فريدة" لتجلس معها، أردف "باسل" يقول بخفوت:
- عرفوا؟!!

- فريدة بس!!!
هتف بجدية، ليومأ الأخير مكتفاً ذراعيه، ذهب ليجلس على أحد المقاعد مستنداً برأسه على ظهر المقعد، يشعر بأنه ضال لا يعلم طريقه، زفر مختنقاً ليشعر بحركة جواره، وجد "رقية" تقترب منه بخجلٍ، أعتدل في جلسته لينظر لها بترقب، جلست والدته جواره ثم ضمت كفيه براحتيها المجعدة تقول برجاء: 
- سامحني يابني، انا عارفة اني غلطت غلط واعر لما خبيت عليك مكان مرتك، بس صدجني دة كان لمصلحتكوا، انا مش هعيش جد اللي عيشته يا ضنايا، عايزة اغادركوا وجلبي مرتاح يا باسل!!!

أنتفض باسل من محله من حديثها عن الموت أمامه، ليضمها لصدره قائلاً بحنو:
- ألف بعد الشر عليكي يا ست الكل أحنا منقدرش نعيش من غيرك متقوليش كدا، وبعدين صدقيني أنا مش زعلان منك أبداً، ربنا يخليكي لينا

ضمته لها وهي تبكي بحرقة على أبنائها، فهم عانوا الكثير منذ نعومة أظافرهم!!!

• • • • 
لم تحتمل "فريدة" الضغط على أعصابها، فالأجواء حولها كئيبة، لا تسمع سوى صوت بكاء، ولا ترى سوى أعيُن ممتلئة بالعبرات، شُحب وجهها، زاغت أنظارها و أرتخت ذراعيها من فوق الزجاج ولم تشعر سوى بإرتطامها بالأرضية بقوة، وصرخات قلِقة حولها!!!!

وُضعت "فريدة" في غرفة بالمشفى بالقرب منه، بعد أن أخبرهم الطبيب بأنها فقدت الوعي لشدة الضغط عليها، و أمر أن تبقي وحدها لكي تهدأ..!!!
فتحت عيناها ببطئٍ لتقابل أنظارها بجدران بيضاء جعلت الضيق يدلف لقلبها، و سرعان ما أنتفضت بجسدها فوق الفراش و علت أنفاسها بشدة عندما وجدت "مازن" ليس بقربها، وضعت أقدامها على الأرضية الباردة ثم فتحت الباب لتجد كلاً من "رهف" و "ملاذ" بجانب "ملك" يمنعوها من الخروج، حاولت "فريدة" مقاومتهمن حتى تستطيع الوصول له تردد جملة واحدة "أبعدوا عني" ، ولكن لم تسطتيع، أرتدت خطوة للخلف جاحظة المقلتين، لتغمغم بصوتٍ خافت:
- أنتوا مش عايزني أروحله عشان هو حصله حاجة صح؟!!!

نفت "ملاذ" وكادت أن تتكلم، ولكن وجدت صوت "رقية" يصدح:
- مازن .. مازن فاج (فاق)!!! 

شُلت أطرافها لوهلة، بل عجزت خلايا جسدها عن الإستجابة، شعرت وكأن قلبها توقف عن النبض، لتعود مندفعة نحو غرفته هرولةً، دلفت هي الأولى لغرفته لتجد عيناه مفتوحتان ينظر نحوها، ركضت نحوه بقوة لتدفع بجزعها العلوي نحو صدره تحتضنه وهي تحاوط عنقه بقوة، حاوطها هو بذراعٍ يُخفي ألم قلبه، فوجدها تنفجر في بكاء عنيف لتبتعد عنه محاوطة وجنتيه بكفيها قائلة بكلمات مبعثرة تظهر بها نشيج بكاء:
- حبيبي .. أنت كويس دلوقتي؟!!! 
جذبها "مازن" لأحضانه بقوة ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها ولم يتحدث، فهو بالتأكيد سيكون بخير أن كانت هي بأحضانه وإن كانت فترة مؤقتة، أبتعدت عنه "فريدة" لتمسد على خصلاته قائلة بحزن شديد:
- أنا أسفة أنا السبب أنا اللي سيبتك ومشيت ومخدتش بالي أنك تعبان، لو كنت جنبك مكنش حصل دة كله!!!!

أمسك بكفها ليُطبع قبلة عميقة عليه، ليلتفت ينظر إلى والدته التي أقتربت منهما لتقول بحنو أموي:
- أنت بخير يا ضنايا؟!!

هتف "مازن" بصوتِ مبحوح:
- متقلقيش يا أمي أنا كويس!!!!

أتجهت له "ملك" ببكاءٍ كالطفلة:
- كدا تقلقنا عليك؟!!
أبتسم بها بحنان ليفتح ذراعه الأخر لها لتسرع هي بإحتضانه ثم أنهارت باكية، ربت على ظهرها يقول برفق:
- أهدي يا ملك أنا لسة ماموتش!!!

نظرت له "فريدة" بغضب لتتساقط دمعاتها هادرة كالأمطار، أبتعدت عنه "ملك" بعد أن طبعت قبلة على وجنته وسط أنظار "جواد" التي كانت كالنيران ستأكل الأخضر واليابس، رفع رأسه لوالدته التي أقتربت منه أيضاً تحتضن رأسه برفق، قبّل كفها ليلتفت إلى "ظافر" الذي هتف بهدوء:
- ها يا حاجة أطمنتي عليه خلاص؟!!!

أردف "باسل" هو الأخر بمزاح:
- تعالي بقا يا أمي عشان منبقاش عازول بين الراجل ومراته!!!!

أومأت "رقية" ليخرجوا جميعاً من الغرفة بعد أن أغلق "باسل" الستار فوق الزجاج، أبتعدت عنه "فريدة" لتعتدل في وقتها ثم مسحت دمعاتها لتنظر له بعيناها الحمراء لتردف:
- أنا مش عايزة أضغط صدرك عشان أنت لسة تعبان!!!

زحف هو ببطئ لآخر الفراش لتبقى مساحة ليست صغيرة لها، ثم ربت على الفراش قائلاً بلُطف:
- تعالي هنا..

توسعت عيناها لتنظر حولها قائلة بتوتر:
- ليه؟!! مازن أحنا في المستشفى!!!!

أطلق "مازن" ضحكة رجولية جعلته يسعل بشدة، ف أنتفضت هي تهرع لتسكب له ماء من الأبريق الموضوه فوق الكومود، جلست جواره ثم عدّلت وضعيت رأسه لتجعله يرتشف منها، نظر هو لها بعد أن توقف عن السعال قائلاً بخبث:
- حبيبتي أحنا هنّام بس مش هنعمل حاجة لا سمح الله انتِ اللي دماغك شمال، بس لو كدا أنا معنديش مانع!!!!

ضيّقت عيناها لتضرب كفاً بآخر بقلة حيلة، أستلقت جواره وجهها مقابل وجهه، وضع هو ذراع أسفل رأسها والأخر تولى مهمة تقلص المسافة بينهما، حدق بوجهها بنظرات حانية، وفور رؤية "فريدة" عيناه أجهشت في بكاء شديد ليبتسم هو محاوطاً رأسها إلى صدره قائلاً بمزاح:
- بعد كدا هناديكي فريدة أم دمعة!!!!!

توقفت عن البكاء لتبتسم وسط بكائها وهي ترفع عيناها له، ثم طبعت شفتيها على ذقنه لتردف بنبرة حزينه:
- م أنت متعرفش أيه اللي حصلي أول م ملاذ قالتلي أن عندك القلب ولا كمان لما البواب قالي أنك تعبت وجابوك على هنا، والله يا مازن حسيت أن الأرض بتدور بيا وأن حياتي وقفت خلاص!!!

لم يكن يتابع حديثها اذي لم يسمع بالأساس، بل كانت عيناه تتركز فوق شفتيها ، وبدون وعيٍ منه سقط بشفتيه لشفتيها المرتجفة، ليُقبلها بمزيج من الشوق والرغبة، فـ هو قد فعل الكثير من أجل تلك اللحظة، لكي تكن معه برغبتها دون إرغامها على شئ، أستسلمت "فريدة" لرقة لمساته دون أن تحاول إبعاده، فصل هو القبلة وأخذ ينظر لعيناها البريئتان ووجنتيها التي تضخ بالحرارة مما جعلها حمراء، أبتسم بخفة ليطبع قبلة على وجنتيها اليمنى، ثم أنتقل إلى اليُسرى بروية، أرتفعت أنامله لصفحات وجهها الناعم يتلمس وجنتيها بنظرات عاشقة، اغمضت عيناها متنهدة برقة لتظهر أسنانه المتلألأة في أبتسامة خفيفة متمتماً بصوت أجش:
- لا والله!!!!

فتحت عيناها بفزع لتدخل في نوبة ضحك خافتة ثم حاوطت عنقه بذراعيها بينما يستند هو بكلتا كفيه على الفراش جوار خصرها، لتغمغم هي بغنج قائلة:
- يرضيك الدكتور ييجي ويشوفنا كدا وياخدنا ع القسم دي!!!!!

ضحك ملء شدقيه ليردف:
- انتِ مصيبة!!! محدش يقكر يدخل هنا غير بإذني، وبعدين هو أيه اللي هيجيبه دلوقتي!!!

رفعت كتفيها قائلة ببساطة:
- عشان تعمل العملية مثلاً!!!!

تخشبت صفحات وجهه ليبتعد بوجهه عنها بحنق، فنظرت هي له بتساؤل قائلة:
- في أيه؟!!

أعتدلت في جلستها مثلما فعل هو المِثل، تغيرت ملامح وجهه كلياً لينظر لها ثم نظر لها بجفاء، قائلاً بجمود شديد:
- مش هعمل عمليات!!!!

أعتلت الصدمة وجهها، لم تستوعب حتى ما تفوه به من حماقة، نهضت واثبة وبالكاد تستطيع قدميها حملها لتتمتم بصعوق:
- نعم؟!! أنت قولت أيه؟!!!!

- زي مـ سمعتي!!!!!
هتف بنبرة خالية من الحياة لينهض من فوق الفراش و عيناه لا تبشر خيراً، أخذ قميصه ثم أرتداه بحذرٍ، ألتفتت له "فريدة" غير مصدقة أفعاله، ولكن عندما رأت ذلك الجمود بعيناه قادتها قدميها له فوقفت أمامه ثم قبضت على قميصه مقربة إياه وهي تقول بحدة:
- أنت أيه اللي بتقوله ده، يعني أيه مش هتعمل العملية!!!!
أبعد كفيها عن قميصه ليتركها مبتعداً، أشتعلت عيناها غضباً لتلتفت له صارخة:
- أستنى!!!!

أتجهت نحوه لتردف بغضب حقيقي:
- لو سمحت لما ابقى بكلمك تُقف وتسمعني!!!!

رفع أحد حاجبيه لها بسُخرية، ليُكتف ذراعيه يتذكر عندما كان يصرخ بها غضباً عندما تتركه وتذهب و هو يتحدث معها، نظر لها وهي تقترب منه لتقول بصوتٍ عالٍ
- ليه بتعمل معايا كدا!!! مش كفاية خبيت عليا أنك تعبان وكمان مش عايز تعمل العملية!!! أنت أيه يا أخي معندكش دم!!!!

توحشت ملامحه ليقبض على رسغها ليجذبها نحوه بقسوة قائلاً بنبرة مخيفة:
- لما تتكلمي معايا صوتك يوطى ولسانك يتعدل بدل مـ أقطعهولك!!!

حاولت إبعاد ذراعها عن قبضته الأشبه بالفولاذ ولكن لم تستطيع، نظرت له بنظرات خذلان ستظل في ذاكرته طيلة حياته، ولأنه لا يريد أن يضعف أمام عيناها أبتعد عنها ليُوليها ظهره، نظرت "فريدة" لذراعها الذي أصبح شديد الاحمرار، أتجهت نحو الفراش لتجلس عليه، تعالت أنفاسها تقاوم رغبة في البكاء، لتمتم بصوتٍ خافت:
- أنت عُمرك مـ حبتني!!!

ألتفت لها "مازن" بدهشة، ليعود مرتدياً قناع البرود على وجهه، لتُكمل وهي تنظر له:
- طول عمرك بتهرب من مسؤلياتك، أنت أساساً مهمل ومعندكش أحساس بحد، دايماً كنت بقولك أنك أناني مش بيهمك غير نفسك ميفرقش معاك أي حاجة تانية حتى أنا مش فارقة معاك، عايز تسيبني وتمشي بعد كل دة؟!! أنا عملت معاك أيه عشان تعاقبني بالمنظر دة!!!!

وسط حديثها الباكي نهضت تقترب منه وصوتها يعلو شيئاً فـ شيئاً، قطع هو المسافة بينهما ليقترب منها يحاول تهدأتها واضعاً كفيه على وجنتيها لتنفض هي ذراعه بعيداً عنها صارخة:
- أبعد عني متلمسنيش، أنا تعبت وزهقت خلاص، قرفت من كل حاجة، أنا أبويا سابني وماما قبله سابتني ومشيت.. حتى أنت كمان عايز تمشي، للدرجة دي أنا وحشة و محدش عايز يبقى معايا؟!! حتى الشخص الوحيد اللي حبيته في الدنيا دي أكتشفت أن أنا اصلاً مش فارقة معاه!!!!

جذبها لأحضانه سريعاً مربتاً على خصلاتها ليقول:
- فريدة أنتِ أغلى وأحسن حاجة حصلتلي في حياتي، أنا مش فارق معايا حد غيرك، بس تقدري تقوليلي أنا عملت أيه حلو في حياتي عشان أفضل عايش؟!! طول عمري كنت الأبن اللي ملهوش لازمة في العيلة، أبويا عمره مـ حبني و أمي كانت شايفاني حِمل عليها من المصايب اللي كنت بعملها، حتى لما أتجوزتك عاملتك معاملة محدش يستحملها ورغم كدا حبتيني، مكنش ينفع تحبيني اوي كدا، عشان لما أموت تتعودي على غيابي ومتتعبيش!!!!!

أبتعدت عنه بصدمة، لتشهق باكية وهي تقول وسط أنتفاضة جسدها:
- أنت بتقول أيه!!!! أنا حقيقي مش قادرة أفهم كلامك، مش ذنبي أني حبيتك زيادة عن اللزوم، و عشان كدا مينفعش تسيبني يا مازن، أنت لو حصلك حاجة والله العظيم هعمل في نفسي حاجة ويزيد بقا يعيش لوحده، يا مازن، أنا ماليش غيرك في الدنيا دي كلهم بِعدوا عني، لما كنت بعيد عني كنت حاسة أني يتيمة حقيقي، عارف أنا بابا لما سابني مزعلتش كدا، بس أنت لما سيبتني كأنك خدت روحي ومشيت، أنا ويزيد هنبقى لوحدنا في الدنيا مالناش حد، أنت عارف الاف الناس بيموتوا بالمرض دة عشان مش بيبقوا قادرين يدفعوا تكاليف العملية، لكن أنت معاك فلوس ومش عايز تنقذ نفسك!!!! ليه بتعمل معايا كدا؟!!!

أنثنى عليها يُقبل جبينها ممسداً على خصلاتها برفق لتحاوط هي خصره تغمغم في بكاء:
- متسبنيش لوحدي يامازن ، انا مش عايزة أرجع يتيمة تاني بالله عليك!!!!

أغمض عيناه و هو لازال يعانقها، بكائها الخافت يمزق قلبه، أبعد ذقنه عن خصلاتها ليرفع وجهها لها بكفه الأيمن مربتاً على إحدى وجنتيها و هو يمسح دمعاتها قائلاً برفق:
- أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عايزاه!!!

مسحت دمعاتها من مقلتيها وأهدابها لتقول بشفاه مرتجفة ونبرة أهتزت لهفةٍ:
- أنا مش عايزة حاجة غير انك تعمل العملية وتبقى كويس!!!!

أبتسم يومأ برأسه لتجحظ عيناها بصدمة، ودون مقدمات رفعت ذراعيها تحاوط عنقه بسعادة شديدة، لم تعُد قدميها تلمس الأرضية أسفلها ليحاوط هو خصرها حتى لا تسقط يضحك بقوة على أفعالها الطفولية، ولكن فجأة أنكمشت مللمحه ألماً لتتبدل الأبتسامة بوجوم مُربك، أسند قدميها على الأرضية و هو يشعر بالدماء تنسحب من جسده رويداً، أستند على الفراش واضعاً كفه على قلبه، أثنت رأسها نحوه تصع ذراعها على كتفه وبنبرة قلقة هتفت:
- حبيبي.. أنت كويس، حاسس بأيه!!!!

أسندته ليجلس على الفراش برفق وفي ذات الوقت دلفت الممرضة بعد أن طرقت الباب لتخبرهم بضرورة إجراء العملية الجراحية، وعندما رأت حالته أبعدت "فريدة" عنه بلطف لكي يستطيع التنفس بحرية، طلبت من الطبيب المجئ لتتجمهر العائلة خوفاً عليه..

اخبرهم الطبيب بنبرة حادة يشوبها التوتر:
- مازن بيه لازم يعمل العملية حالاً حالته بتسوء في كل ثانية بتعدي!!!!

صُعق الجميع لتهتف "رقية" بدهشة:
- عملية أيه يا وِلد!!!!

أغمض "ظافر" عيناه يلعن حماقة زوجته، ليلتفت إليها يطالعها بنظرات تشُع نيران، لينظر الطبيب إلى "رقية" قائلاً بنبرة مستفهمة:
- حضرتك متعرفيش أنه عنده القلب؟!!!
لطمت "رقية" على صدرها بصدمة لتتساقط العبرات من عيناها زخات، ركضت نحوه لتجلس جواره تجذب رأسه إلى أحضانها تمسد على خصلاته الناعمة، ربت بدوره على ظهرها يُطمئنها بشتى الكلمات، بينما أرتدت "ملك" للخلف جوار زوجها، عيناها جاحظة ولسانها رُبط، سرعان ما أخذها "جواد" بين ذراعيه لتنظر هي له ثم أعادت النظر لأخيها الذي فتح ذراعه الأيمن بإبتسامة حنونة، تركت "ملك" زوجها لتركض ناحيته ثم جلست جواره، أحاطها هو بذراعه مقبلاً خصلاتها يهدهدها بصوته الدافئ، نظرت لهم "فريدة" بحزن لينظر هو لها بنظراتٍ ذات مغزى، وكأنه يُخبرها أن لا داعي للقلق، أبتسمت له وسط دمعاتها ثم جلست بالقرب منهم، لتهتف "رقية" ببكاء:
- ليه مجولتليش يا ضنايا، ليه تحرج "تحرق"جلب أمك عليك!!!!

نظر لهم الطبيب بعطف ليردف برفق:
- متقلقيش يا رقية هانم هيعمل العمليه وهيرجع لطبيعته، أنا بس بستأذنكم تتفضلوا لأن التأخير في إجراء العمليه هيرجع عليه هو بالسوء!!!

وبالفعل وُضع "مازن" على الفراش المتنقل ودلف لغرفة العناية، جلسوا جميعاً على المقاعد و قلوبهم تخفق رعباً، عدا "ملاذ" التي ظلت واثبة بعيداً عن "ظافر"، فهي تعلم أنه يتحكم بأعصابه بصعوبة، يبقى ثابتاً ظاهرياً وداخله ينهار، لم يمنعها خوفها أن تقترب منه، نظرت لذراعيه اللذان عُقدا أمام صدره، رأسه الثابته وعيناه ترتكز في نقطةٍ ما لا تهتز، جلست جواره و أوصالها ترتعد، نظر هو لها بطرف عيناه بنظرة لم تلاحظها، عاد محدجاً أمامه لتلتفت هي له بإندفاع قائلة بعينان لامعتان بالعبرات وبصوت خافت لا يسمعه سواهما:
- انا عارفة اني غلطانة ف اللي عملته، بس تعالى كدا نفكر لو مكنتش فريدة عرفت مني كانت هتعرف من مدير المستشفى لما يكلمك ويقول انه في المستشفى، كنت هتيجي لوحدك يا ظافر و طنط رقية مكنتش هتبقى عارفة ولا مراته اللي ليها حق انها تعرف جوزها ماله فكر شوية..!!!!!

قاطعها بقبضة قوية للغاية على رسغها غارزاً أظافره بها، نظر لها بعينان لو كان لها أثر فيزيائي لكانت سقطت جثة هامدة في الحال، لتبادله نظرات مصدومة وهي تنظر لكفه الغليظ، حاولت سحب ذراعها ليتركها هو و قد تقلصت ملامحه شزراً، نهضت هي سريعاً لتنهمر الدمعات من عيناها، سارت في الممر بعجاله ثم وقفت أمام المصعد، ألقت نظرة أخيره عليه فوجدته ينظر نحوها بتحذير، لم تبالي به لتدلف المصعد ثم ضغطت على الطابق الأرضي، وصلت إلى الطابق لتترجل ثم ذهبت لتجلس على أحد المقاعد المتراصة بنظام، أسندت ذقنها على كفها تزفر بإختناق، نظرت جوارها لتجد فتى صغير يتراوح عمره ما بين الأربع أو الخمس سنوات، كان ينظر نحوها مبتسماً ببراءة، نظرت حولها لعلها تجد أبيه أو أمه ولكن الكل منشغلاً معاً فبدى أنه لا ينتمي لأياً منهم، أقتربت منه لترفع أناملها تمسد على خصلاته قائلة برفق:
- فين بابا وماما ياحبيبي؟!!

أبتسم لها ببراءة قائلاً:
- بابي جاي دلوقتي..!!!

أومأت هي بإرتياح لتحاوط كتفه الصغير بذراعها قائلة بحماسٍ:
- وانت أسمك ايه بقا؟!!!

ردد هو بتلقائية:
- أسمي عمر، وبابي أسمه ريان الجندي!!!!!

وقع الأسم على أذنها كالصاعقة، لتنتفض واقفة تقول بهلعٍ:
- ريان الجندي!!!!

أومأ الطفل بإستغراب لصدمتها، لتقع عيناه على أبيه الذي أتجه نحوهم فنهض راكضاً نحوه فرِحاً:
- بـــابــي

سقط قلبها صريعاً أسفل أقدامها، لم تود الألتفات ولكن صوته الأجش الذي هتف بصدمة هو الأخر:
- ملاذ!!!!!!

ألتفتت له بعينان برقتا بالدموع، لتتحول ملامحه إلى ساخرة و هو يقول:
- أيه؟!!! أفتكرتيني؟!!! أومال أزاي مفتكرتينيش لما كنتي معايا في الأسانسير!!!!

أرتخت أطرافها تبلُداً لترتعش شفتيها ألماً، كادت أن تتحدث لولا أسمها الذي صدح بالمشفى جعل من بها يلتفتوا حولهم بغرابة، تمنت لو إن تبتلعها الأرضية أسفلها عدا أن تلتفت له، ولكن صوت خطواته الغاضبة والتي باتت تحفظها جعلتها تلتفت في وجه المدفع، لم تشعر سوى بأنه يسحبها خلفه بقسوة بالغة، حاولت أن تهدأه ولكنه كان كالإعصار الذي سيودي بكل شيئ يقف في طريقة، أخذها إلى أحد غرف المشفى الفارغة ليدفعها بعنف ثم رفع سبابته في وجها وبنبرة أصتك بها على أسنانه:
- كنتي بتعملي أيه مع ريان برا، ردي!!!!!!!
صرخ في أخر جملته لتنهض هي ببرودٍ قائلة:
- كان بيسألني مازن في أنهي دور عشان يطلع ويبقى معاك.. مش هو بيشتغل معاك ومن واجبه ييجي يشوف أخوك!!!!

نظر لها والنيران تندلع من عيناه، رُغم الشك الي أعتلى ملامحه ولكنه قال بنبرة تحذيرية:
- حسابنا في البيت!!!!
خرج من الغرفة فوجده جالس على المقعد وعيناه شاردة أمامه، ذهب نحوه يحاول أن يرسم أبتسامة صفراء على ثغره، ليقف أمامه فأنتصب هو واقفاً و هو يقول بنبرة هادئة:
- أتمنى ميكونش حصل سوء تفاهم يا ظافر بيه!!!!

نفى هو قائلاً و هو يمد كفه له:
- متشكر يا ريان انك جيت!!!

صافحه "ريان" بإبتسامة متكلفه، و هو يقول:
- دة واجبي يا باشا، طمني مازن بيه كويس؟!!!

- مازن في العمليات، أدعيله.

- ربنا يشفيه ويقوم بالسلامة...

رفع الصغير رأسه ليتمسك ببنطال "ظافر" و هو يقول بسخط طفولي:
- أنت بتزعق مع طنط ليه يا عمو!!!

سقط "ظافر" لمستواه ليهتف و هو يعبث بخصلاته:
- عشان أنا شرير!!!!

قلب الصغير شفتيه للداخل و هو يقول:
- ايوا..!!!

ابتسم له "ظافر" ليشير على أحد الغرف قائلاً:
- روح الأوضة دي هتلاقي طنط هناك، صالحها وهاتها وتعالى..!!!

أومأ الصغير بسعادة ليركض نحو الغرفة المنشودة..

• • • •

جلست "ملاذ" واضعة كفها على قلبها لا تستطيع التحكم بضرباته، سمعت صوت طرقات على الباب تليها دخول "عمر"، زالت "ملاذ" دمعاتها لتبتسم له، ركض هو نحوها قائلاً و هو يمسك كفها بكلتا راحتيه الصغيرتان:
- يلا يا طنط قومي ومتعيطيش، عمو قالي أصالحك وتيجي معايا..!!!

حملته "ملاذ" لتجعله يجلس جوارها، أمسكت بكفيه لتغمغم بتأنٍ:
- حاضر هاجي معاك، بس قولي الأول مامي فين مشوفتهاش يعني!!!

رفع الصغير كتفيه قائلاً:
- مامي في البيت..

أغمضت "ملاذ" عيناها تحمد خالقها فهي لم تمت كما ظنت، إذاً انه لن يعبث خلفها ويسرد لزوجها شئ تعلق بالماضي..

• • • •

جلست "ملك" على المقعد زوجها على يمينها ووالدتها على يسارها، حاولت جاهدة أن تخفف عنها وتخبرها أن سيصبح بخير ولكن لم تستطيع كلماتها ان تخمد النيران المندلعة داخلها، فألق برأسها على "جواد" الذي أخذ يهمس في أذنها أنه جوارها، وأخيها أيضاً سيكُن بخير..

بعد ساعتين..

جلس "باسل" على أحد الامقاعد يحنى جزعه العلوي للأمام، شعر بمن يجلس جواره ليرفع رأسه فوجدها تبتسم له وعيناها تفيض شفقةٍ على حاله، أبتسم بإبتسامة لم تصل لعيناه فقط حتى يطمئنها، ثم عاد بظهره للخلف يسند رأسه على الحائط خلفهر ، نظرت لكفه لتمد أناملها المرتعشة لكي تتلمسه، ترددت كثيراً ولكنها قبضت على كفه بكلتا كفيها معاً، فتح عيناه بصدمة وهو ينظر لراحتيها بنظرات غير مصدقة توسعت عيناه وهو ينظر لها بصدمة، بادلته بإبتسامة رقيقة مطمئنة، تخبره بعيناها أن كل شئ سيصيح بخير، و سريعاً ما أخذ كفيها بين كفيه ليُقبلهما برقة ينظر لها بنظرات مُغرمة، نظرت لكفيه الذان أبتلعتا كفيها و ذقنه المستند عليهما، ترك يداها ليحاوط وجنتيها يقرب وجهها له، طبع قبلة طويلة مشتاقة على جبينها ثم أسند رأسها على كتفه مربتاً على ظهرها بحنان بالغ..

ذهب "عمر" مع أبيه بعد أن ودعهم يدعو إلى "مازن" أن تعود حالته لطبيعتها، اتجه "ظافر" إلى "باسل" الذي نهض قائلاً بإرهاق:
- في حاجة يا ظافر؟!!
- باسل خُد مراتك وأمي و الباقي وروحهم و أرتاح في البيت أنت كمان وأنا هفضل هنا!!
هتف "ظافر" بنبرة آمرة كعادته، ليتمتم "باسل" بضيق و هو ينظر للعائلة:
- مش هيوافقوا يا ظافر، أنت عارف امي عنيدة ازاي ومش هتتحرك غير لما تطمن عليه!!!!

- مسمعتش الدكتور وهو بيقول ان العملية هتاخد وقت؟! 
هتف "ظافر" بإنفعال، فثُبتت تعابير وجه الأخير قائلاً:
- عارف، بس محدش فيهم هيوافق يمشي، وانا بقول نستنى لحد مـ يفوق!!!

مر ساعة، أثنتان، إلى أن وصلت لأربع ساعات يجلسون على جمرٍ مشتعل قلوبهم تخفق بحدة، ظلت "فريدة" على حالها تدعو لله أن ينهض زوجها بسلام، بينما رقية تضرع لخالقها على سجادة الصلاة أن يصبح فلذة كبدها بخير، لمح "ظافر" الطبيب يخرج ليركض نحوه قائلاً:
- مازن كويس..!!!

ركضت أفراد العائلة له ليمسح الطبيب حبات العرق من فوق جبينه و الحزن يعلو صفحات وجهه!!!!!

تعليقات