رواية عطر سارة الفصل الثامن والعشرون
بالمساء بعروس البحر المتوسط..
بشالية خاص بعائلة علام..
فتحت سارة عينيها بصداع، وضعت يديها حول رأسها تحاول تذكر ما حدث معها، الخادمة، الطبيبة، جنينها، وضعت يدها على بطنها بهلع لتسمع صوته الساخر بجوارها :
_ مات ربنا يجعلها أخر الأحزان..
انتفضت، رفضت، بكت، ندمت، مشاعر كثيرة ضربتها دفعة واحدة من مفعول جملته، رفعت عينيها إليه لا تعلم لما أرادت سماع إن جنينها بخير رغم ما فعلته، كان يجلس على المقعد المقابل لها واضعا ساق على الآخر ثم قال :
_ أكيد دي دموع الفرح مهو اللي كان بيربط بينك وبين محمود الوحش مات..
رأي بعينيها نظرة عتاب وكأنها ترمي عليه اللوم وهذا ما قالته بنحيب :
_ أنت السبب في موت إبني أنت السبب في كل حاجة لأنك ضعيف زي أبوك بالظبط ويمكن أبشع منه..
ماذا قالت؟!.. وكيف قدر لسانها على هدم أخر ما بينهما؟!.. حدق بها بذهول ثم أشار على صدره مردفا :
_ أنا السبب؟!.. ليه قولتلك خبي عليا حملك وروحي أمشى ورا خدامة الله أعلم معاكي والا عليكي، أنا اللي قولتك أقتلي روح مالهاش ذنب في أي حاجة غير ان واحدة غبية زيك أمها؟!..
نظرت إليه بأعين غارقة بالدموع ثم قالت :
_ كنت عايزني اسيبه يعيش مع اب رافض يقول للناس إنه متجوز أمه؟!.. كنت عايزني أجيب طفل الدنيا عشان يعيش منبوذ زي أروى أختك..
_ أخرسي يا غبية أنتِ مراتي على سنة الله ورسوله مش محتاجة اي أثبات عشان أعترف بابني، وبعدين هو أنتِ شايفني زبالة لدرجة اني معترفش بحتة مني؟!..
حركت رأسها بضياع وقالت :
_ أنت مش شايف غير معتز وعايدة عارفة كدة وبتضغط عليك بيه وأنت بتعمل أي حاجة وكل حاجة عشانه، أنا مش في حساباتك حتى لو بتحبني زي ما بتقول الحب محتاج قوة تحميه وأنت رغم كل قوتك دي ضعيف وعاجز..
قالتها للمرة الثانية وكأنها تود إثباتها عليه، كان حقاً مذهول يراها لأول مرة ويري نفسه بعينيها للمرة الأولى، أوما إليها بقوة مردفا :
_ لو كنت راجل ضعيف كان أقل رد مني على كلامك وافعالك علقة موت تقعدك في المستشفى شهرين تلاتة، بس أنا عشان راجل مش هعمل كدة، معتز ده ابني حتة مني مش جايبه من الشارع عشان تبقى مشاعره ولا حاجة بالنسبة ليا، كنت فاكرك هتقفي جانبي لحد ما نعدي الصعب سوا وتكوني واثقة في حبي، بس أنتِ اللي عيلة صغيرة معندهاش لا خبرة ولا مخ بتتصرفي بغباء ومش شايفة غير نفسك..
صرخت به مردفة :
_ أنت مستخسر فيا أشوف نفسي؟!.. ده حقي طالما على هامش حياة الكل ومحدش مهتم بيا ولا بوجعي يبقى من حقي أخاف على نفسي..
ضرب كفيه ببعض بقوة ثم أقترب منها مردفا بسخرية :
_ من حقك تخافي على نفسك برافو، وكان مين اللي هيدفع التمن إبني اللي لسة مشافش للدنيا نور.
_ تقدر تقولي مشاكلك كانت هتتحل امتي لما بطني تبقي قدامي مترين والكل يقولي منين، وطبعا البيه هيبقى خايف على مشاعر معتز الأحسن ليا اتحمل الفضيحة لوحدي لحد ما معتز أعصابه تهدي..
يكفي لهنا أي كلمة ستقال ستبني بينهما حائط جديد ربما يستحيل هدمه، أخذ جكيت بذلته وقال :
_ ظلم بظلم أنتِ ممنوعة تخرجي من هنا لحد ما تولدي، معاكي عزيزة هتبقى تحت أمرك والحرس على الباب حدودك الشالية أي خطوة برة ممنوعة، موبايلك في ايدك اعملي بيه اللي أنتِ عايزاه بس نصيحه مني يا سارة لو سألتك جدتك او أي حد أنتِ فين فانتِ بتصيفي خلينا حلوين مع بعض للآخر واعرفي كويس ان أنتِ اللي وصلتينا هنا، لان اللي زيك لا يؤتمن يبقى حر المرة دي لحقته يا عالم المرة الجاية ممكن تعملي إيه؟!..
_____ شيما سعيد _____
بعد يوم طويل مرهق عاد محمود لقصر علام وهو يعلم انه خالي من أفراد العائلة، وجد علي يجلس بانتظاره فزفر بضيق مردفا:
_ وبعدين في اليوم اللي مش عايز يخلص ده؟!.
جلس على الأريكة المقابلة لمقعد علي وقال:
_ جاي ليه بالليل كدة ؟!..
أجابه الآخر بغضب:
_ أنا هنا من 8:00 الصبح بس أنت اللي مكنتش موجود..
_ وسايب شغلك واللي وراك وقاعد هنا من 8:00 الصبح لوحدك تعمل ايه يا علي؟!..
_ ما تبطل برود يا جدع انت، أنت عارف انا هنا ليه يا محمود رفضت جوازي من أروي ليه ؟!.. شايفني مش قد المقام ولا ما ينفعش اناسب محمود باشا علام؟!..
تنهد محمود بضيق ثم قال بقوة:
_ بلاش تخريف يا علي وبلاش كلام خلينا نخسر بعض، أنت عارف كويس قوي انا مش موافق على الجوازه ليه..
حرك رأسه بنفي وقال:
_ لأ يا محمود مش عارف أنت مش موافق ليه؟!.. انا كنت فاكر انك هتبقى مبسوط بس طلعت بالنسبه لك ولا حاجه لدرجه انك مش عايز تحط ايدك في ايدي..
نظر إليه محمود بحدة وقال:
_ هو انا مش قولت لك بلاش كلام يخلينا نخسر بعض، عايز تعرف انا مش موافق ليه؟!.. لانك بتغير الستات زي الشرابات أنت ما تقدرش تعيش مع ست أكتر من اسبوع واللي انت جاي تطلبها دي اختي اللي شافت هم الدنيا كله والمفروض اني اعوضها مش اديها لك عشان تكمل عليها، تحطها في البيت زي الاباجوره وتطلع تتصرمح أنت براحتك، علي خلي اللي بينا اقوى من النسب والحاجات اللي ممكن تخسرنا بعض...
محمود محق هو صاحب ماضي أسود يجعل الجميع يخشي خوض التجربة معه، قام من مكانه وقال بقوة:
_ عندك حق تخاف وتشك بس انا بحبها يا محمود، أنت أكتر واحد عارف الحب بيغير البني ادم ازاي مش هسيبها وهفضل العمر كله مستنيها لو ده هيثبت لك اني بحبها، انا همشي دلوقتي لكن عايزك تفهم حاجه واحده بس ان أروى هتبقى مراتي وام ولادي حتى لو اتجوزتها واحنا عندنا 100 سنه..
ذهب علي فأخذ محمود نفسه بتعب وأخرج هاتفه وقام بالاتصال على جدته، قبل أن ينطق بحرف وصل إليه صوتها الغاضب:
_ سارة فين يا محمود ؟!..
أجابها بقوة:
_ امتحاناتها خلصت من أسبوع فسافرت تغير جو..
_ يا سلام أنت فاكرني يا عبيطة عشان اصدق الكلام الاهبل اللي أنت بتقوله ده، عملت ايه في البنت يا محمود؟!..
حرك عنقه يميناً ويساراً بإرهاق وقال:
_ رني عليها لو قالت لك غير اللي انا قولته ابقي حاسبيني يا الفت هانم وسلام دلوقتي عشان أنا تعبان..
أغلق الهاتف بوجهها ثم قام بخطوات ثقيلة لغرفة مكتبه، فتح اللاب توب الخاص به ليجدها عبر الكاميرات تنام على فراشها وتضم وسادتها إليها فقال بحزن:
_ حقك عليا يا حبيبتي بس أنا خايف منك ومش عارف لو اديتك ضهري في وسط الزحمه اللي انا فيها دي كلها ممكن تعملي في نفسك ايه ولا في ابني ايه.. اخلص من القرف اللي حواليا ده كله عشان اقدر يبقى كل تركيزي عليكي بس وهرجعك لحضني تاني..
حمل اللاب توب ونام على الأريكة الموضوعة بغرفه المكتب ثم وضع اللاب توب على بطنه وظل يشاهدها حتى ذهب هو الاخر بالنوم..
_____ شيما سعيد _____
بعد يومين..
بلندن..
دق باب منزل طاهر كان يعلم هوية الطارق فقام بخطوات سريعة حتى وصل للباب فتحه ووجد ولده الكبير يقف أمامه بملامح يفوح منها التعب والإرهاق، افسح له مساحة يستطيع الدخول منها، دلف محمود واغلق الباب خلفه ثم القى بجسده على اقرب مقعد فقال طاهر بقلق:
_ قولي مالك يا محمود من وقت ما اتصلت بيا عشان تعرف مكاني وانا مش مطمن، أنت فيك ايه بالظبط شكلك بيقول انك تعبان حنان حصل لها حاجه؟!..
نظر اليه محمود بسخريه ثم قال:
_ وانا وحنان نفرق معاك في ايه يا بابا؟!.. مراتك بقى لك اكتر من خمس شهور ما شفتهاش، حملك وحمل عيلتك كله حطه على دماغي، جاي دلوقتي تقولي شكلك تعبان ما انا لازم اتعب عشان انا بني ادم مش جبل..
جلس طاهر بجواره، ولأول مرة يشعر بأن محمود تعب من دور الكبير، يعلم من البداية إنه أب وزوج فاشل ولكنه أعتاد على وجود محمود محله، أبتلع ريقه مردفاً:
_ أول مرة تشتكي من وقوفك في ضهري يا محمود، اول مره اشوف في عينك نظره عتاب او احس اني قليل قدامك..
ضغط محمود على رأسه بتعب ثم قال:
_ عشان انا مش واقف في ضهرك يا بابا انا واقف مكانك، بص مش جاي لا الومك ولا اعاتبك ولا اتكلم معاك في اي حاجة، أنت كبير كفايه انك تعرف الصح من الغلط، كل اللي بطلبه منك أنك تبقي جانبي الأيام دي محتاج لك، محتاج لحد يقف في ضهري واحس اني مش لوحدي، هترجع وتقف جنبي ولا مش هتقدر؟!....
كان سؤال مغلف برجاء كبير، شعر به طاهر ففتح ذراعيه لولده الذي كان ينتظر هذا العناق بلهفة، القى بنفسه على صدر والده وأغلق عينيه بالقليل من الراحة فقال طاهر:
_ تعالي أدخل ارتح يا محمود وبعدين ننزل مصر..
بشعور طفل صغير بالأمان أومأ إليه وسار معه للداخل مردفاً بطاعة:
_ ماشي..
_____ شيما سعيد ______
بدأت تمر الأيام ومحمود يتابع سارة يوما بعد يوم عبر الكاميرات ويذهب إليها كل يومين تفتح إليه الخادمة لينام على الأريكة المقابلة لفراشها ويرحل قبل أن تستيقظ، بمرة من المرات رآها بالكاميرة تسأل عزيزة بشك:
_ أنا عايزة أفهم حاجه ريحه البرفان اللي بصحى كل يوم الاقيه مليان الاوضه ده جاي منين بالظبط واياكي تكدبي عزيزه..
إجابتها الأخري بتوتر:
_ ريحه ايه بس يا ست هانم وانا اعرف منين؟!.
_ يعني محمود مش بيجي هنا؟!..
_ وهو يعني هيلبس طاقيه الاخفاء يا ست هانم ما هو لو بيجي هتشوفيه وتسمعي صوته..
زفرت بضيق وقالت:
_ ماشي روحي اعملي ليا قهوة..
تحركت عزيزه للخارج فضربت سارة على رأسها مردفة:
_ لا بيجي لك ولا عايز يشوفك ولا بيفكر فيكي أصلا بطلي اوهام بقى وتخيلات وخلي عندك دم..
بالخارج ردت عزيزة على اتصاله بتوتر فقال:
_ ما تتكلميش عشان ما تحسش ان انا اللي بكلمك، بلاش تعملي قهوه المشروبات الوحيدة المسموح للهانم تشربها هما اللبن والعصيرات غير كده هحاسبك أنتِ مفهوم؟!..
_ أمرك يا باشا..
دقائق ودلفت لها باللبن فنظرت إليها سارة بغضب مردفة:
_ إيه ده ؟!..
بسرعة البرق قالت الأخري:
_ ده لبن يا حبيبتي مفيد ليكي وللبيبي القهوة غلط على البيبي..
_ بجد غلط ؟!..
_ أيوة طبعاً..
_ طيب خلاص هاتي اللبن..
بمساء نفس اليوم قررت تلبيت نداء قلبه وقلبها وذهب اليها وجدها تجلس بالحديقه فاقترب منها مردفا :
_ قاعدة هنا ليه الجو ساقعة في الوقت ده؟!..
لفت وجهها إليه ليعلم إنه أشتاق بجنون لرؤية عينيها، كان يبتعد عنها حتي لا يزيد الأمر سوء بينهما، حرم نفسه من جمال عينيها والآن رأي نعيمه، كانت ذابله بها الكثير من العتاب، فقال:
_ ما تبصليش كده يا سارة اللي أنا عملته ده عشان خايف عليكي ومش عارف ممكن تعملي إيه في غيابي..
_ اللي أنت عملته ده عشان خايف على نفسك مش عليا ويا ريت ما تجيش هنا تاني لأني مش طايقاك ومش عايزه اشوفك..
جذبها بغضب مردفاً:
_ أنتِ اللي مش طايقاني ومش عايزه تشوفيني؟!.. هو أنتِ مش واخدة بالك انك كنتي ناويه تموتي ابني؟!.. انا بحاول انسى المصيبه دي وبقول أنك عيلة صغيرة وخايفه ومش فاهمه لو اتعاملت معاكي على انك عاقله وكبيره كنا هننتهي يا سارة...
نظرت داخل عينيه بقوة قائلة:
_ وأنا بقولها لك اهو أنا كبيرة وفاهمه وواعية، وكنت عايزه اخلص من آخر حاجة ممكن تربطني بيك ومش عايزه أشوفك تاني خلي عندك دم بقى..
بالفعل ذهب ومن بعدها ظل يتابعها من بعيد حتى آت موعد متابعتها مع الطبيبة، ذهب إليها رآها تجلس على الأريكة ومعها كتاب تقرأه بتركيز فقال بجمود:
_ قومي البسي عشان اطمن على البيبي..
أصبحت تراه فقط مرة واحدة بالشهر حتي يطمئن معها على صغيرته، يأخذها بصمت ويعود بها بنفس الصمت..
لتمر خمسة أشهر يتابعها عبرة الكاميرات ويهتم بتفاصيلها بمساعدة الخادمة وبنفس الوقت يتابع تحضيرات عملية عايدة ....
_____ شيماء سعيد _____
نهاية الفلاش باك..
بغرفة سارة..
طردت عزيزة، وبعد أقل من ساعة بدأت تشعر بأشياء غريبة، ألم يأتي لعدة لحظات وبعدها يختفي، لتمر ساعة أخري وتصبح حركتها تؤلمها أكثر همست بتعب:
_ كان لازم يعني اقول لعزيزه تمشي مش قادرة أقوم من مكاني طيب أتصل على تيتا، لأ لأ مش هتقدر تعمل ليا حاجة..
حاولت التحرك حتي لو حركة خفيفة حتى تصل لهاتفها الموضوع على الطاولة المجاورة للفراش، خرجت منها تنهيدة تكتم بها صرختها المتألمة، سحبت الهاتف سريعاً وقامت بالاتصال عليه ثلاث مرات ففتح أخيراً الهاتف مردفا بغضب:
_ في إيه طالما مش برد أبقى قاعد مع العيلة بترني ليه..
_ مهو أنا كمان من العيلة دي وبنت عمك يا أبية وإلا نسيت..
تنفس محمود بغضب قبل أن يمسح على خصلاته مردفا:
_ أكيد مش رانة عشان الكلام الفاضي ده اخلصي..
أرتفعت شهقاتها وهي تلعن نفسها على زواجها منه، ما هذا الحب الأعمى الذي جعل منها أداة للتسلية مع رجل متزوج ولديه فتى أصغر منها بعدة سنوات، لم تتحمل أكثر وهي ترى مائها يتساقط من بين ساقيها مردفة:
_ الحقني أرجوك أنا بولد..
_ إيه..
قالها بخوف شديد عليها فأكملت هي حديثها:
: أنا خايفة وأنا لوحدي يا محمود أرجوك تعالى قبل ما إبني يحصل له حاجة..
توقف به الزمن لعدة لحظات وهو ينظر لعايدة التي تستعد لدخول غرفة العمليات، وبين حبيبته التي تبكي له برجاء حتى لا يتركها بمفردها وبين هذه وتلك هو يقف عاجزا، وصلت إليه صرخة سارة القوية أسقطت قلبه أرضا فقال بلهفة :
_ سارة إنتِ قوية وأنا جانبك أتحملي نص ساعة وهتصرف..
ارتفعت شهقاتها أكثر وعضت على أسنانها من الوجع، قدرتها على التحمل انتهت فأغلقت عينيها باستسلام كبير هامسة بنبرة بدأت تختفي شيئا فشيئا:
_ لو موتت هيبقى ذنبي في رقبتك ولو قومت منها حسابنا مع بعض هيبقى طويل يا أبيه..
تود أن يتحدث أن يقول أي كلمة تبرر موقفه، أتى صوت والده الغاضب :
_ سيب الموبايل ده وشوف مراتك عايزة تكلمك قبل ما تدخل العمليات..
أغلق الهاتف معها ورأسه تكاد تنفجر، نظر الي والده مردفا :
_ بابا اتصل بالمستشفى بتاعتنا في اسكندرية وخليهم يروحوا الشاليه اللي هناك فورا مع دكتورة نسا وتوليد..
رفع والده حاجبه بتعجب مردفا :
_ مين اللي في الشالية يا محمود..
_ محمووود..
صرخة قوية من عايدة جعلته يفقد المتبقي من أعصابه، سارة الآن وحيدة وقلبه معها، لو حدث لها شيء.... لا لا يستحيل أن يحدث، قال لوالده بنبرة حادة قبل أن يدلف للأخرى :
_ سارة اللي موجودة في الشاليه واللي جوا بطنها إبني..
حدق به طاهر بذهول، سارة ابنة أخيه تحمل بأحشائها طفل من ولده؟!.. كيف هذا وأين كان هو؟!.. أقترب معتز من محمود الواقف على باب الغرفة مردفا :
_ هو حضرتك هتفضل واقف كدة ماما منهارة وعايزة تشوفك..
الله يلعنها، عاد بنظره لوالده وقال بغضب :
_ أتصرف يا بابا..
أوما إليه طاهر بتوهان أما هو دلف لغرفة عايدة بمفرده، وقف أمامها وجدها تحدق به وتبكي فقال :
_ أدخلي العمليات يا عايدة وكفاية دلع..
_ أنا خايفة يا محمود ومش برتاح الا أنت جانبي..
خائفة ومعها الجميع ما حال سارة وكيف تتحمل وجعها، يحترق العالم بما فيه ليبقى بجوارها، خرج من الغرفة وهو يركض للخارج بكل قوته لو بيده لسبق الرياح، يسمع صراخات عايدة نداء معتز حتى رنين اسمه من والده، ترك الجميع خلفه واتجه للمطار، رفع هاتفه ليتم تحضير طائرة خاصة تذهب به لأرض الإسكندرية الآن وبعدها قام بالاتصال على أروى التي قالت بقلق :
_ هنسافر إسكندرية نعمل إيه يا محمود؟!..
_ مش وقت كلام يا أروى سارة هتروح مني..
عندك سارة..
ألمها بدأ يخف يأتي دقائق ويذهب دقائق أخرى حتى مائها تنزل على مراحل، حاولت أخذ نفسها وشعرت بالقليل من الأمان مع عودة الخادمة، أقتربت منها بلهفة مردفة :
_ لما حضرتك تعبانة ليه حلفتي أسيبك لوحدك محمود بيه أتصل بيا وهيقطع عيشي..
حدقت بها بضياع تتمنى لو تقدر على أغلاق عينيها ولكن كيف سيكون حال صغيرتها لو فعلت ذلك.؟.. حركت شفتيها بتعب مردفة :
_ الحقيني يا عزيزة أنا تعبانة أوي..
ابتسمت إليها الأخرى مردفة :
_ ده أنتِ زي الفل والبكرية بتأخد وقت طويل أهدى وخدي نفسك طالما الوجع لسة بيروح وييجي يبقى لسة بدري ومتخافيش الإسعاف على وصول..
لم تنتهي من الجملة ووصل لهما صوت سيارة الإسعاف لحظات معدودة وكانت سارة بداخلها متجهة لمشفى علام..
وضعت بغرفة مجهزة على أعلى مستوى بجوارها عزيزة التي قالت :
_ مش قولتلك البكرية بتأخد وقت..
يا الله لا يكفي نفيه لها كعقاب أعطي لها تلك الكارثة على شكل خادمة، أغلقت عينيها بتعب مردفة :
_ أبعدي عني يا عزيزة أنا تعبانة..
بعد مرور نصف ساعة..
دلف إليها وخلفه أروى، أهتز جسده وهو يراها ضعيفة خائفة متألمة، رأته أمامها وبلحظة سمحت لنفسها بالبكاء، طفلة صغيرة تاهت بشوارع غريبة عنها وأخيراً رأت والدها لتشعر إنها وصلت لبر الأمان هذا كان حالها، جلس على أرضية الغرفة بجوارها وقال بحنان :
_حبيبتى..
رفضت بحركة سريعة من رأسها، حرمها من حنانه أشهر والآن يضحك عليها، أشاحت بوجهها بعيدا عنه فأشار لأروي وعزيزة بالخروج، بأحد أصابعه حرك وجهها إليه مردفا :
_ حقك عليا..
يا ليت العتاب والاعتذار يغير ما مرت من مشاعر، عاد وجعها لتصرخ بقوة انتفض جسده على أثرها، فقال بهلع :
_ حاسة بأيه يا حبيبتي استنى اجيب الدكتوره ..
ضغط على زر بجوار الفراش وقام جلس بجوارها على الفراش، ضم جسدها لصدره وهو يشعر بأرتجافها بين يديه، دلفت الطبيبة ومعها ثلاثة ممرضات فبكت سارة أكثر مردفة برجاء :
_ خليها تطلع برة يا محمود دي بتوجعني أكتر..
وضع قبلة حنونة على خصلاتها المتعرقة وقال :
_ متخافيش أنا جانبك..
وجد الممرضة تقترب منها وتحاول فتح ساقيها فقال بغضب :
_ أبعدي عنها مين سمح لك تقربي منها بالشكل ده؟!..
نفذت أمره بخوف فقالت الطبيبة :
_ أهدى يا باشا ده كشف لعنق الرحم هو بيبقى صعب شوية بس لأزم..
حركت رأسها برفض ثم أغلقت يديها حول عنقه هامسة :
_ عشان خاطري بلاش أنا خايفة أنت مش عارف هما عملوا فيا إيه وأنت مش موجود..
كلمات بسيطة ذكرته إنها كانت بمفردها بأكثر أوقاتها احتياجا له، مرر بيده على وجهها بحنان وقال :
_ المرة دي هبقي جانبك ومحدش هيقرب منك غيري..
رفع نظره لطبيبة مردفا بقوة :
_ طلعي اللي معاكي برة أنا هساعدك بدل ما أنتوا عاملين ليها رعب كدة..
_ يا باشا محدش عمل لها حاجة الكشف ده فعلا صعب ولازم حد يتحكم فيها..
بنظرة واحده من عينيه أشارت للممرضات بالخروج، فأبتعد عنها قليلا ومازالت يده تضم يدها مردفا :
_ أعملي اللي الدكتورة تقولك عليه ولو حسيتي بوجع عضي على أيدي..
مع زيادة ألم عليها قبل أن تقترب منها الطبيب أومات إليه بضعف، أطلقت صرخة قوية مع كشف الطبيبة عليها ليقبل رأسها عدة مرات بأعتذار، بعد دقيقة من العذاب قالت الطبيبة :
_ لسة شوية كمان حاولي تقومي يا مدام تمشى شوية..
زادت دموعها وقالت :
_ مش قادرة ومش عايزة، عايزة أولد قيصري..
نظرت إليه الطبيبة ونفت الفكرة فأشار إليها بالخروج، مسح على وجهها عدة مرات وقال :
_ تعالي اتسندي عليا نمشي سوا.
_مش قادرة هو محدش حاسس بيا ليه، وبعدين لولا إن ماليش غيرك هنا ولو مشيت هتبقى لوحدي مكنتش خليتك معايا أنا مش طايقاك..
أوما إليها بصبر ومد لها يده مردفا :
_ اعملي فيا كل اللي نفسك فيه بس دلوقتي لأزم أساعدك عشان تيجي فاطمة مش أنتِ بتحبيها ونفسك تاخديها في حضنك؟!..
نعم تحبها وترغب بضمها، تنتظر رفيقة دربها على أحر من الجمر، وضعت كفيها برجفة بين يديه فقام بمساعدة حتى وضعت ساقيها على الأرض خرجت من شفتيها اه متألمة فقال :
_ معلش أنتِ قدها يلا خطي..
ما أبشع أول خطوة بهذا الثقل المغلف بنيران من الوجع، خطت معه أول خطوة وبكت أكثر ليمسح دموعها بقبلاته وبدأ يتحرك معها، أرتفعت شهقاتها فقال بحنان :
_ عمرك سمعتي قرآن بصوتي؟!..
لعبة على فضولها ونجح، حركت رأسها بنفي فقال وهو يحثها على أكمال حركتها حتى خرج بها من الغرفة :
_ طيب يلا عشان تبقى أخر حاجة سمعتها حبيبة قلب أبوها في بطن مامتها صوت باباها بيقرأ قرآن..
وضعت رأسها على كتفه بتعب وأخذت نفسها بتقطع ومع تسمع آية الكرسي بصوته العذب.
" بسْم اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "
دلف بقلبها راحة نفسية جعلتها تنسي ما يحدث بها لعدة لحظات، همس بنبره دافئة:
_ صوتي حلو صح ؟!..
أومات إليه بتعب ثم ضغطت على يده بقوة تعجب لها، سألها بقلق:
_ في إيه ؟!.. حاسة بأيه ؟!..
سقطت دموعها بقوة وحاولت العض على شفتيها لعلها تتحمل إلا إنها شعرت برأس صغيرها تبدأ بطريقها للخارج فصرخت بفزع:
_ بولد أنا حاسة بيها بتطلع مني..
حملها بين يديه فرأته أروي وأخبرت الطبيبة، دقائق وكانت بالداخل وهو معها يده بيدها، نظرت إليه وقالت بأنفاس متقطعة:
_ أنا خايفة..
_ أنا جانبك...
جملة بسيطة بثت بداخلها الامان، مر الوقت عليهما بثقل شديد هي تتنفس بصعوبة وتتألم وهو يمسح على وجهها المتصبب عرقا ويدعو لها..
وأخيراً انتهت صرخاتها وات موعد بكاء " فاطمة محمود علام" لتعلن عن قدومها، سلمتها الطبيبة له فحملها برجفة لذيذة وبكي من حلاوتها لا يصدق إنه يحمل نسخة صغيرة من سارة تحمل دمه ولقبه، أخذتها منه الطبيبة ووضعتها على صدر والدتها لتطمئن بسماعها دقات قلبها فقالت سارة بتعب:
_ دي بنتي يا محمود ؟!..
كانت مذهولة فابتسم لها وقبل رأسها ورأس الصغيرة مردفاً:
_ بنتنا يا بسبوسة...
أعطها للطبيبة حتي تعدها للخروج وبعد ثواني كان يحملها فنظر لسارة بخوف مردفاً:
_ هي غمضت عينها ليه ؟!..
_ ما تقلقش يا محمود بيه هي بس واخده مخدر في المحلول عشان نقدر نكمل شغلنا من غير ما تحس بوجع.. خد البرنسيسة الصغيرة واتفضل أخرج..
بخطوات ثقيلة تركها بالداخل وخرج، وجد أروي تنتظره بالخارج ومعالم وجهها غير مفهومة فقال بقلق:
_ مالك يا أروي في إيه ؟!..
_ مش عارفه اقولك ايه يا محمود وبصراحه ما كنتش حابه ان انا اللي هقول لك الخبر ده وخصوصا وأنت فرحان كده ووو ..
_ اخلصي يا أروي في ايه؟!.. مش بكره في حياتي قد المقدمات ؟!..
_ عايدة تعيش أنت..