رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثاني والثلاثون
فتحت عيناها الناعسة عندما شعرت بسخونة أسفل ذقنها، لترفع وجهها عن وجهه، فوجدته شديد الأحمرار يتصبب العرق منه، شهقت بفزع وهي تجده يشدد على الغطاء يهمهم بكلمات غير مفهمومة رفعت وجهه لها قائلة بلهفة:
- جواد مالك يا حبيبي..!!!!
لم يكن واعياً لِما يحدث حوله بتاتاً، فنهضت هي محاوطة وجهها بكفيها قائلة بحيرة:
- أعمل أيه يا ربي!!!
خرجت من الغرفة لتركض على الدرج متجهة للمطبخ، سكبت ماء مثلج في إناء، لتأخذ منشفة بيضاء صغيرة، ثم صعدت له، دلفت الغرفة لتغلق الباب خلفها، لتجلس جواره ثم وضعت المنشفة بعد أن أغرقتها بالماء وعصرتها على مقدمة رأسه، جلست أمامه على ركبتيها لتُبعد الغطاء و حررت أزرار القميص واحداً تلو الأخر لتبعده عن صدره حتى يستطيع التنفس براحة، تنهدت بحُزن شديد فهي لأول مرة تراه بهذا الضعف والهوان، أعتادت عليه قوي وقاسي لا يهزمه أحد ولا يضعفه مخلوق، منعت نفسها من البكاء حُزناً عليه، لتسند رأسها على رأسه الذي قبع بأحضانها، وبكفها الأخر تنقل المنشفة من جبينه لوجنتيه ثم لعُنقه، وهو لا يُبدي ردة فعل، فقط مُغمض العينان وهي تعلم أنه غائب عن الواقع، عبثت بذقنه لتُقبل جبينه، ظلت على حالها أكثر من ساعة حتى عادت حرارته لطبيعتها نوعاً ما لتتفاجأ به يمسُك كفها الصغير ليُقربه لثغره ثم قبله بهدوء، لتنهض نُصف جالسة قائلة بدهشة:
- جواد أنت صاحي!!!
- صاحي يا حبيبتي..
هتف وهو ينظر لها، لتجلس أمامه تتفقد حرارته مرة أخرى، ليردف هو يمسد على إحدى وجنتيها بكفٍ واحد قائلاً بحنان:
- أنا كويس متخافيش..
ذبلت عيناها لتحتضن وجهه بكفيها قائلة وهي تميل نحوه:
- بجد؟!!
أومأ لها بتأكيد، فـ قبلت وجنته قائلة بحنان:
- طيب انا هجهزلك الحمام تاخد شاور دافي اتفقنا؟!
جذبها نحوه برقة ليحاوطها بذراعيه المفتولين، قائلاً بإبتسامة خفيفة ليغمز بوقاحة:
- موافق بس تبقي معايا..!!!
رفعت حاجبيها من تغير مزاجه فجأة، لتضرب كفاً على آخر قائلة بقلة حيلة:
- والله أنت فايق ورايق!!!
ضمها لصدره لتحاوط خصره هي بدورها، ربت على خصلاتها هامساً:
- حد يبقى متجوز القمر دة وميبقاش رايق!!!
أبتسمت لترفع رأسها له ثم قبلت فكه الحاد، لتعود تدفن رأسها في صدره، فـ عبث بخصلاتها هكذا دقائق، ثم قال بجدية:
- ملك.. عايز أعرف كل اللي حصل!!!!
أغمضت عيناها تعُض على شفتيها، فهي كانت خائفة من هذا السؤال، لتنهض جالسة أمامه، ففعل هو المثل بعد أن أبعد قطعة القماشة عن جبهته، ينصت لها بإهتمام شديد، لتبدأ "ملك" بقّص ما حدث على مسامعه، تراقب تغبيرات وجهه خائفة من أن يعود ويغضب مرة، ولكنها تفاجأت به يقول بجمود:
- و هي عاملة أيه دلوقتي؟!!
أبتسمت داخلها على سؤاله عليها، لتقول بعقلانية:
- كنت هطمن عليك وهروح أشوفها، بس أنا عارفة انها مش كويسة، والله يا جواد ياسمين بتحبك اوي، عشان خاطري يا حبيبي إديها فُرصة تانية..!!!
نظر لها بسُخرية قائلاً:
- فرصة تانية؟! دة عشم ابليس في الجنة، خلاص يا ملك الثقة اللي كانت بينا أتكسرت وهي المسئولة عن دة، انا ورحمة ابويا هخليها متشوفش الشارع، حتى الجامعة هتروحها على الأمتحانات بس وأنا بنفسي هوديها وهجيبها!!!
زفرت بقلة حيلة، ثم قالت تحاول أن تستميله لشقيقته:
- طيب مش عايز تشوفها؟! عايز تشوف تهورك و ضربك اللي معلمين في جسمها يا جواد، لو شوفتها قلبك هيتقطع عليها، وهتقول أن مستحيل أن أنا عملت فيها كدا
وبالفعل كلماتها جعلت الألم يمتلك قلبه حتى وإن لم يظهر ذلك عليه، لم يُجيبها لينهض من فوق الفراش ثم دلف للمرحاض يصفع الباب خلفه، لتنظر "ملك" في الفراغ مسندة وجنتها على إحدى كفيها!!!
• • • •
وقفت "رهف" تُحضر الطعام في المطبخ بعد خروج "باسل" للشركة، فـ هو طيلة تلك الفترة كان جانبها يرفُض تركها وحدها، دندنت بكلمات أغنية مصرية تُطهي بمهارة أكتسبتها من على الأنترنت، مرتدية منامة شتوية ثقيلة لتحميها من الطقس البارد، سمعت طرقات على الباب، عقدت حاجبيها بإستغراب فـ من الذي سيأتيهم الأن، تركت الملعقة التي كان تُقلِّب بها، ثم أتجهت إلى الباب واقفة خلفة تقول بحذر:
- مين؟!!
- أنا يا رهف، أمك يا حبيبتي!!!
أعتلت البسمة شفتيها بعدم تصديق أن الباب وحده من يفصلها عن امها بالخارج، فتحته سريعاً بإشراقة ملئت وجهها، وكادت أن تحتضنها ولكنها بُهتت فجأة عندما رأته يقبع خلفها، أكثر شخص تمقتُه بحياتها، ارتعش جسدها من رؤية وجهه بعد تلك المدة، وسماع صوته البغيض وهو يقول بخبثٍ:
- أزيك يا رهف!!! وحشتيني..!!!
أغمضت عيناها بتقزز، لتحتضنها والدتها غافلة عن نظرات الإشمئزاز التي توجهها له، وتفحصه لها بوقاحة معهودة منه، عانقت أمها التي قالت بفرحة شديدة وهي تلمس معدتها المنتفخة:
- يا حبيبتي يا بنتي، كدا تبقي حامل ومتقوليليش!!!
أبتسمت لها "رهف" بإصفرار قائلة:
- أنا والله يا ماما كنت هاجيلك مع باسل، بس أنا حياتي كانت متلخبطة شوية الشهور اللي فاتوا!!!
هتفت والدتها "سميرة" وهي تجذبها للداخل جالسين على الأريكة:
- ولا يهمك يا ضنايا، اومال فين جوزك!!!
نظرت بطرف عيناها إلى زوج امها "ناصر" الذي جلس على الأريكة أمامهم واضعاً قدمٍ على أخرى ينظر لها بتحدي، منتظر جوابها على أحر من الحمر، لتلتفت إلى أمها قائلة:
- في الشغل يا ماما، بس جاي كمان شوية!!!
قالت هكذا لإخافته، وبالفعل ظهر الرعب على وجهه، ليعود واضعاً كلتا قدميه على الارض، لتنهض "رهف" قائلة بجمود:
- ثواني يا ماما هعملك حاجة تشربيها!
نهضت والدتها سريعاً تردف بلهفة:
- لاء يا حبيبتي خليكي متتعبيش نفسك، انا جاية أقعد معاكي مش جاية أتضايف!!
هتفت سريعاً بتوتر:
- لاء مافيش تعب ولا حاجة متخافيش عليا!!!
ذهبت مسرعة قبل أن تعترض، لتدلف للمطبخ واضعة كفها على قلبها الذي حقاً أصبح يؤلمها، نظرت لهاتفها فوجدته على الرُخام، أخذته سريعاً ثم ضغطت على شاشته، لتهاتفه، وضعته على أذنها وهي تردُف بشفتين مرتجفتين:
- رُد يا باسل!!!
وكأنها سمع أستنجادها به، ليرُد بنبرة مرِحة:
- لحقت أوحشك؟!!!
ألتمعت عيناها بالدموع، لتردف بهمس قائلة برجاء:
- باسل سيب اللي في إيدك وتعالي بسُرعة!!!
قطب حاجبيه مستشعراً صوتها الباكي يردف بتوجس:
- في أيه؟!!!
انهمرت الدمعات فوق وجنتيها قائلة وهي تتمسك بالهاتف بكلتا كفيها كأنها تتمسك به:
- ماما وجوزها هنا، وأنا..أنا خايفة أوي!!!
أنتفض من فوق كرسيه الذي ذهب بعيداً، ليأخذ مفاتيح سيارته وسترته، قائلة وهو يصرخ بغضب يخرُج من المكتب:
- وهما عِرفوا المكان إزاي!!!!
لم تجيبه فقط تبكي بخفوت، ألقى بسترته بالسيارة ليقودها بسرعة قائلاً وهو يضرب على المقود بعصبية من سماع صوت بكائها الذي يمزق قلبه:
- أسكتي يا رهف متعيطيش خايفة من أيه ميقدرش يقرب منك دة أنا كنت طلعت روحه في إيدي!!!!!
إرتجف جسدها من صراخه، لتصمت سوى من شهقاتها الخافتة، مسح على وجهه يهدأ نفسه ثم هتف بحنان مسترسلاً:
- ششش بس يا حبيبتي إهدي، طيب أنتِ في الأوضة؟!!
غمغمت وهي تُزيل دموعها:
- لاء في المطبخ
- تمام خليكي فيه ومتطلعيش وانا خلاص دقيقتين وأبقى عندك، أنا معاكي أهو ع الفون مش هقفل لحد م أوصل تمام يا حبيبي؟!
قال محاولاً طمأنتها، لتُردف بخفوت:
- تمام!!!!
حاول أن يُنسيها الأمر رغم صدره الذي يحترق، ورغم عيناه المُتقدة بشُحنة من الغضب سيُفرغها به فورما يراه، فتلك هي فُرصته للفتاك به، فقال بمرح زائف:
- بس تصدقي الساعة اللي غبت عنك فيها دي وحشتيني فيها جداً!!!
أبتسمت بتوتر قائلة وأطرافها ثُلجت:
- اممم..
صف السيارة بعشوائية قائلاً وقد عاد لهدوءه، بنبرة لا تبشر بالخير أبداً:
- أنا تحت خلاص..!!
أغلق معها ثم صعد على الدرج بخطوات سريعة متفادياً المصعد، دفع باب شقته الذي كان شبه مفتوح، فوجده يقبع على أريكة بيته، وبمنتهى البرود، ألقى "باسل"بمفاتيحه، لتظهر أبتسامة ليس بها ذرة من المرح، ثم شمّر عن ساعديه مقترباً منه بهدوء، ليقف الأخير مذعوراً، لتقف "سميرة" أيضاً بإبتسامة طيبة، نظر له "باسل" موجههاً له نظراته لو كانت تقتل لجعلته يسقط جثة هامدة، ليمسك بتلابيب قميصه، قائلاً بصوتٍ عنيف، ونبرة كالجحيم:
- جيت بـ رجليك، دة أنا كنت مستنيك من زمان!!!!
خرجت "رهف" لتجذب والدتها المندهشة نحوها، فـ كوّر "باسل" كفيه، وبغل شديد وجه له ضربة قاسية كادت أن تحطم فكه، وجعلته يسقط أرضاً في لمح البصر، ليزحف للخلف وسط بكاء "رهف" و لهفة "سميرة" التي أبعدت أبنتها عنها بقسوة ممسكة بثياب "باسل" تصرخ به:
- أنت مجنون بتضربه ليه!!!
نظر لها بجمود قائلاً بسُخرية:
- ضرب؟! الضري لسة جاي!!!
نظرت له بصدمة لتلتفت إلى "رهف" تقول بحدة:
- أتكلمي يا رهف في أيه، هو احنا جايين عشان نتبهدل هنا!!!
أقتربت "رهف" منه ممسكة ذراعيه قائلة برجاء:
- خلاص يا باسل سيبُه!!!
أزاحها بلُطف خلفه وهو ينظر لذلك القذر القابع أسفل أقدامه، لتهرع "سميرة" نحو زوجها قائلة بغضب شديد:
- قوم يا ناصر أنا أسفة إني جيبتك هنا، وانتِ يا هانم مش عايزة اشوف وشك تاني فاهمة!!!!
تشبثت بقميصه من الخلف بكفها، وهي تنظر إلى والدتها بعينان ملئتهما الدموع، ملئتهما الخذلان، فـ نهض "ناصر" يمسح الدماء من جانب ثغره، ولم يستطيع رفع عيناه به، كاد أن يتحرك جوار "سميرة" ولكن أوقفته يد فولاذية أمسكت برسغه، ليردف "باسل" بنظرة خبيثة، ونبرة جعلت الرعب يتمكن منه:
- حسابنا لسة مخلصش، وأنت لسة متعرفش باسل الهلالي حسابه عامل أزاي!!!
نظر له بجلل، ليتركه "باسل" فـ سحبته "سميرة"خلفها وهي تمتم بإمتعاض، ثم صفعت باب الشقة خلفها لتنتفض "رهف" من أثر الصفعة، ألتفت لها "باسل" ليحاوط كتفيها مقربها منه عندما شعَر أنها حتماً ستبكي الأن..ولكنها لم تبكي، هي فقط تحاوط خصره مغمضة العينان، مسّد على خصلاتها برفق، منتظراً أنفجارها بالبكاء ولكن لم يحدُث، وكأنها أصبحت متبلدة لا تشعر بشئ، أبعدها عنه بلُطفها ثم رفع وجهها له بأناملة ينظر لعيناها الفارغة والخالية من أية مشاعر، ربت على وجنتيها الباردة يُردف بحنان:
- متزعليش نفسك يا حبيبتي..
لم تتغير نظراتها الجامدة نحوه، ولا تحرك تيُبس جسدها، فـ قلق "باسل" ليمسك بكتفيها قائلاً بهدوء:
- رهف..
أبعدته عنها بهدوء، ثم ألتفتت لتسير إلى غرفتهم بجسد ذهبت الروح منه، فـ ذهب هو وراءها يراقب حركاتها بنظرات ثاقبة، وجدها تستلقى على الفراش متدثرة بالغطاء بهدوء، دنى هو نحوها بعد أن أشعل الضوء، ليجلس كالقرفصاء أمامها حتى يكُن في مستواها، ثم هتف بلُطف:
- رهف قومي نتكلم..!!
- سيبني لوحدي يا باسل..!!!
هتفت بهدوء وهي تجذب الغطاء لأعلى رأسها، فـ أمسك به ليزيحه قائلاً بحدة طفيفة:
- أزاي يعني أسيبك لوحدك وأنتِ كدة!!!
لم تجيبه لتلتفت إلى الناحية الأخرى متجاهلة إياه، فـ زفر هو ماسحاً على وجهه بضيق، ثم نهض ليلتفت لها مستلقياً جوارها، فـ كان في مواجهتها، دسّ ذراعه أسفل ظهرها ليجذبها إلى صدره فـ أستسلمت له "رهف" لتدفن وجهها في عنقه متشبثة بقميصه، ليهمس هو برفق:
- متشيليش جواكي حاجة يا حبيبتي، ومتكتميش في نفسك كدا!!
لم تجيبه ولكنها حاوطت خصرها قائلة بنبرة تجلى الالم بها:
- باسل خليك جنبي أنا تعبانة جداً..!!!
قبّل مُقدمة رأسها ليمسح على خصلاتها يُردف بصدق:
- لو كنت أقدر كُنت أخدت كُل الألم اللي جواكي وأحطه جوايا!!!
ليُتابع وهو ينظر لوجهها قائلاً:
- طيب تيجي نُخرج أفسحك شوية؟!
نفت قائلة بطفولية وهي تحتضنه بقوة:
- لاء أنا عايزة أفضل في حُضنك..
قهقه على براءتها ليضمها له ينثر قبلاتها على خصلاتها ووجهها فصدحت ضحكاتها لتُخفي وجهها بين يداها عن مرمى ثغره ولكنه عاد يُبعد كفيها يُقبل كل إنش في وجهها وأصابعه تتخلخل إلى معدتها لتدغدها، لينهوا ضحكهم بقُبلة رقيقة على شفتيها جعلتها تنسى حُزنها بأكمله..!!!
• • • •
يضع كفه أسفل ذقنه يتأملها في نومها، شفتيها المزمومة وعيناها المغمضتان بأهدابها الكثيفة، خصلاتها المشعثة على وجهها وذراعيها العاريتان، أبتسم لينثنى نحوها يُطبع قبلة طويلة على شفتيها، لتبتسم برقة وهي لازالت مغمضة العينان وكأنها تشعر به لتحاوط كفه بكفيها ثم أخذتهم أسفل وجهها مغمغمة بنعاس:
- ظافر..!!!
وضع وجهه مُقابل وجهها، حيث كانا الإثنان يضعان وجنتيهم على الملاءة، ليقول بصوته الرجولي ذو البحة المميزة:
- قلبُه!!!
أبتسمت مجدداً دون أن تفتح عيناها، لتقترب منه تُلصق أنفها بأنفه، محاوطة عنقه دون أن تعي، قائلة برقة:
- بحبك..!!!
نظر لها "ظافر" نظرات عاشق، ثم رفع إبهامه لشفتيها ليمسح عليهما قائلاً بوله:
- بعشقك..!!!!
وقبل أن تُجيبه كان مُحتضناً شفتيها بشفتيه، مثبتاً كفيه جوار الفراش، يوزع عدة قبلات على كامل وجهه بحنو شديد جعلها تدرك أنها لست بحلم جميل، إنما هو الواقع تعيشه معه، سقط بشفتيه لعُنقها الطويل، ليدفن أنفه به يستنشق حُسن عبيرها، وصدره يتأجج بنيران عاشق متلهف..!!!
• • • •
أخذته قدميه لها دون أن يشعر، ليدلف لغُرفة صغيره بخطوات بطيئة حذِرة، فوجدها نائمة جوار "عمر" تحتضنه بين ذراعيها، ذهب نحوها ليجلس على الأرض جوارها، ليمد أنامله لخصلاتها يعبث بهم، شارداً بها، لماذا تجذبه لهذه الدرجة، لماذا تجعله يبغض بُكائها الذي يمزق قلبه، لماذا وهو ذو القلب القاسي يلين جوارها، تنهد بحيرة، ليقترب منها أكثر هامساً:
- هنا، صاحية؟!
عندما شَعر بإنتظام أنفاسها تأكد أنها نائمة، ليتذكر ما فعله فأنبه قلبه على صراخه بوجهها في لحظة غضب أهوج ليس لها ذنب به، لينهض ثم أبعد "عُمر" عنها برفق، ودثره مقبلاً جبينه، ليضع يده اسفل ركبتيها والأخر على ظهرها، ثم حملها بخفة ينظر لرأسها التي أسندتها على صدره بعفوية لرفضتها تماماً لو كانت واعية، ذهب بها لغرفتهم ثم دفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش بخفة، ثم جلس جوارها، وكاد أن يُفيقها ولكنها أستفاقت بالفعل تُفرك عيناها، وعندما أدركت انه جوارها في غرفتهم، أشتعل صدرها غضباً لتندفع مبتعدة عنه ثم نهضت حتى كادت أن تخرج من الغرفة بخطوات عنيفة ولكنه نهض سريعاً ليجذبها من ذراعيها قائلا بهدوء:
- رايحة فين!!!
نفضت ذراعيها عنه بنزق قائلة بضيق:
- ملكش دعوة!!!
رفع حاجبيه بتهكُم، ثم شدد على ذراعيها يُردف بهدوء مُرعب:
- أعدلي لسانك يا هنا!!!
نظرت له بتحدي سافر، لتردف بإستهزاء:
- مش هعدله يا ريان، واللي عندك أعمله، انا خلاص مبقاش فارق معايا..!!!
- والله؟!!
هتف وهو يتركها ثم أتجه إلى الباب ليوصده بالمفتاح، ثم وضعه بجيبه، ليلتفت لها، فـ ظلت "هنا" ساكنة كما هي، رغم إرتعاب قلبها منه، ليتقدم منها قائلاً وهو يُعيد خصلة متمردة وراء أذنيها:
- مش هتطلعي من الأوضة دي غير لما نتصالح..
نظرت له بدهشة تحولت لغضب شديد لتضربه في صدره بإحدى كفيها بلكمة لم تؤثر به على الإطلاق، تُردف بصوتٍ عالٍ:
- نتصالح!!؟، يعني أنت تزعق وتشخُط وتُنطر وفي الأخر عايزني اسامحك بالسهولة دي!!!
أبتسم بمكرٍ وهو يحاوط خصرها يُقربها منه قائلاً:
- انا عارف كويس إزاي أخليكي تسامحيني!!!
شردت في عيناه الفيروزية، ولكنها أبعدته عنها بكفيها قائلة بإستفزاز:
- فارق معاك اوي أسامحك؟!!
هتف بهدوء:
- ايوا..!!
كتفت ذراعيها قائلة وهي تقترب منه خطوتان وكأنها تحاصره بأسئلتها:
- ليه؟!، ليه فارق معاك أوي كدا..!!
وبالفعل أوقعته في شباكها، فهو حتى لا يعلم لما يتألم قلبه لتلك الدرجة لمجرد حُزنها منه، أبتعد عنها ليلتفت يوليها ظهره قائلاً بثبات:
- عادي يعني..
أقتربت منه وملامحها جدّية للغاية، لتردف بهدوء:
- ريان..
كم يعشق أسمه عندما يخرج من شفتيها، وكأن الأسم لأول مرة يرّن بأذنيه، ليهمهم وهو ينظر لها:
- نعم؟!!
حاولت إبعاد عيناها عن نظراته التي تضعفها، لتردف بصوتٍ جامد، ولم تعلَم أثر جملتها على قلبه:
- عايزة أتطلق!!!
جمدت تعابير وجهه فجأة، لتظلم عيناه بطريقة أرعبتها، وجعلتها تعود خطوتان للخلف، ليُقربها هو منه ممسكاً بعضديها بقسوة، تآوهت "هنا" بألم وهي تتلوى بين يداه، ليغرز أظافره في ذراعيها وصدره يهتاج بعنف صارخاً بها:
- مش قولت قبل كدا متجيبيش سيرة الطلاق دي على لسانك، أعقلي بقا وبطلي شغل العيال دة، اي زفت مشكلة تقولي عايزة اتطلق أيه هي لبانة في بُقك، أوعي تفتكري أنك كدا بتلوي دراعي، أنا كل حاجة هنا تمشي بأمري، بمزاجي عايز أطلقك هطلقك مش عايز يبقى تفضلي قاعدة هنا في بيتي تربي أبني وبس!!!
كلماته كانت كالصفعات التي هوّت على وجنتيها، ملئت الدموع عيناها وشعرت بقلبها أُعتصر حتى نزف دماً، سقطت أنظارها لذراعيها ترى غرس أظافره الحادة ببشرتها الرقيقة، لترفع نظراتها لعيناه القاسية، و من شدة صدمتها وألمها الجسدي والنفسي، شعرت بالأرض تُميد بها، لتُغمض عيناها، أرخى كفيه عن ذراعيها عندما وجدها بتلك الحالة، ليُسندها من خصرها فتحولت نظراته من غِلظة شديدة إلى قلق أشد، لم تشعر "هنا" سوى بثقل جسدها يسقط بأحضانه فاقدة وعيُها..بين ذراعيه!!!
• • • •
أمسكت بإختبار الحمل بسعادة شديدة بعد أن ظهر عليه علامتان باللون الأخضر، لتضع يدها على قلبها تُهدأ نبضاته الفرحة، وأخيراً ستكون أُم، وقفت أمام مرآة المرحاض، تنظر لعيناها اللتان يلمعان بفرحة ثم ألقت بالإختبار في السلة لتخرج من المرحاض تبحث بعينيها عن "مازن" في الغرفة ولكن لم تجده، لتخرج فوجدته يجلس مع أمام التلفاز، فعلِمت أن "يزيد" نائم، بغرفتها، أقتربت منه لتجلس جواره، تنظر له بغبطة شديدة، ليلتفت لها قائلاً بإستغراب:
- بتضحكي كدا ليه يا فريدة أتهبلتي ولا أيه؟!!!
أزدادت أبتسامتها أتساعاً فضرب هو كفاً بأخر يضحك عليها، ثم كاد أن يتحدث ولكنها أمسكت بذراعه لتجعله يقف، وقفا بالفعل في مواجهة بعض، لتمسك "فريدة" بكف "مازن" الغليظ، ثم وضعتها على معدتها ببطئ، فـ نظر لها بصدمة، أزدادت عندما قالت بفرحة شديدة:
- هتبقى أب يا مازن!!!
توسعت عيناه بسعادة، ليبتسم تلقائياً ثم حملها من خصرها ليدور بها صارخاً بفرحٍ، حاوطت"فريدة" عنقه بقوة وصدحت ضحكاتهم الشقة بأكملها، ثم أنزلها قائلاً بسُرعة:
- لاء مينفعش أشيلك و أدوخك كدا، أنتِ تقعدي ترتاحي وأنا هعمل كل حاجة، أنا بجد مش مصدق يا فريدة!!!
كادت أن تقفز من فرحتها، ليوقفها هو يصرخ بها:
- يخربيتك أنتِ هتتنطتي!!! أثبتي كدا!!!
ضحكت بشدة قائلة:
- أنا فرحانة أوي بجد!!!
ضمها له يُقبل جبينها بعشق، لتعانقه هي الأخرى بإبتسامة زينت ثغرها..!!!
• • • •
جالس على الأريكة واضعاً رأسه بين كفيه، بينما الطبيبة أمامه تفحصها بدقة، ليرفع هو عيناه ينظر لشحوب وجهها، ليزداد شعور تأنيب الضمير لديه، ألتفتت له الطبيبة ثم هتفت بعملية:
- واضح أن المدام هنا أتعرضت لصدمة أدت لفقدان الوعي، أنا أدتها منوم عشان جسمها يرتاح..
نهض قائلاً بهدوء:
- هتفوق منه أمتى؟!
أسترسلت الطبيبة بجدية:
- مش قبل 3 ساعات..
أومأ لها لينادي على الدادة لكي تصلها إلى باب الشقة ففعلت مُسرعة، أقترب من الفراش ليجلس جوارها ثم أمسك بكفها ليُقبله بعُمق، نظر إلى أثار الجروح التي تركها في ذراعيها، فأغمض عيناه يسُب نفسه على حماقته، مكوراً قبضتيه بغضب، ولكن أرتخت فور رؤية "عُمر" يركض نحوه قائلاً بصوتٍ شبه باكي:
- بابي هي مامي مالها!!!
حمله ليجلسه بأحضانه قائلاً برفق:
- متخافش يا حبيبي مامي كويسة، هي بس محتاجة ترتاح شوية، أيه رأيك نسيبها تنام؟!!
أومأ له "عُمر" وهو يمسح عيناه الباكية، ثم أقترب من "هنا" ليُقبل إحدى وجنتيها ببراءة طفولية، ثم أشار لوالده قائلاً بإبتسامة:
- تعالى يا بابي بوسها عسان تبقى كويسة..!!!!
أقترب "ريان" منها ثم مال عليها ليسند كِلتا كفيه جوار رأسها، ليسقط بثغره يُقبل وجنتها بعُمق وكأنه يتنفسها، ثم أبتعد عنها ليُدثرها جيداً، وأخذ "عمر" وخرجا..
فور خروجهم هتفت الدادة بقلق:
- الدكتورة قالتلك أيه يا ريان بيه؟!!
هتف "ريان" يُطمأنها:
- متخافيش يا مدام نادية، هي كويسة بس داخت شوية عشان مكلتش من الصبح..!!!
زفرت براحة ثم قالت بإبتسامة:
- ربنا يخليكوا لبعض يابني.!!!
وجه لها إماءة بسيطة مبتسماً، ثم هتف قائلاً:
- أنا همشي دلوقتي بس مش هتأخر، خلي بالك من عُمر ولما هنا تصحى كلميني على طول..
أماءت له تُخبره ألا يقلق، ليخرج "ريان" من الشقة يقف منتظر المصعد، فرك عيناه مبتلعاً ريقه يشعر بشئ يجثو على صدره، وصل المصعد ليستقله، ثم بعدها ترجل منه ليخرج من البناية بأكملها، أستقل سيارته ليذهب بها نحو إحدى المناطق النائية بالصحراء، وقفت السيارة في مكان يسوده الظلام سوى من ضوء سيارته، أمامه تقف سيارة أخرى، ليترجل "ظافر" منها، ثم أمر حراسه بإشارة من أصبعه ليخرجوا ذلك الحرامي الذي أعتدى على بيت "ريان" وهو نفسه من هدد "هنا" وجعلها تعيش أسوأ الكوابيس، أبتسم "ريان" بخبث ألتمع بعيناه وهو يرى ذلك القذر يقف بإرتعاد شديد وسط تلك الرجال مفتولين العضلات، أقترب "ريان" من "ظافر" يبتسم أبتسامة ليست نابعة من قلبه، فبادله "ظافر" نفس الأبتسامة، ليُخبره بهدوء:
- جيبتهولك لحد عندك عشان تعمل فيه اللي أنت عايزه!!!
- أنا مطلبتش مساعدتك أساساً، فـ ليه عملت كدا!!
هتف "ريان" بجدية وملامحه لا توحي بشئ، فـ قال "ظافر":
- عشان زي مـ قولتلك أن اللي باعته أخت مراتي، يعني حد يُخصني، فـ دوّرت عليه وجبتهولك!!!
وضع "ريان" كلتا كفيه في جيب بنطاله ثم أبتعد عن "ظافر" الذي هتف ساخراً:
- أيه؟! مافيش شكراً!!!
ألتفت له "ريان" مبتسماً ببرود:
- لاء، عشان أنا كنت هعرف أجيبه بيك او من غيرك!!!
لاحت على شفتيه أبتسامة جامدة، ليسترسل وهو يهم بالصعود لسيارته:
- سلام يا ريان!!!
غادر "ظافر" بسيارته خلفه سيارة حراسه، لينظر الرجل إلى "ريان" برعب، ثم كاد أن يركُض في تلك الصحراء الشاسعة ولكن أمسك به "ريان" من ملابسه صارخاً به بقسوة:
- رايح فين يا روح أمك!!!
أنهال عليه بالضرب في مختلف مناطق جسده، حتى تقيئ الأخير دماً ليسقط أرضاً فلطخ الدماء والتراب وجهه، لينحني نحوه "ريان" ممسكاً خصلاته بقسوة:
- أتهجمت على بيتي و أتحايلت عليا زي النسوان عشان أسيبك وسيبتك، لكن يا حيلة أمك تهدد مراتي لاء!!! ورحمة ابويا لهخليك هنا للكلاب تنهش في لحمك!!!
وبالفعل تركه في وسط الصحراء بعد أن أخرج غضب اليوم بأكمله به، ليتركه في وسط الصحراء المظلمة، ثم تركه وذهب ليصعد سيارته ثم مسح الدماء من كفيه بالمناديل الورقية، ليذهب بالسيارة منطلقاً بعيداً عنه!!!
• • • •
طرقات عنيفة على باب شقتهم، جعلتها تنتفض من نومها لتبحث حولها فـ لم تجده، ولكنها سرعان ما تذكرت أنه أخبرها بضرورة ذهابة للشركة، لتفيق مجدداً على الطرقات التي لا تأتي سوى من شخصٍ أهوج، نهضت لترتدي إسدالها ثم لفّت الحجاب حول رأسها، لتذهب نحو الباب قائلة بغضب:
- براحة شوية في أيه!!!
فتحت الباب وكادت أن تستكمل صراخها على الشخص المجهول، ولكن جُحظت عيناها مصعوقة، ليسقط كفها من فوق مقبض الباب ولم تستوعب ما تراه، فخرجت كلماتها مهزوزة من صدمتها:
- مريم!!!!
أرتسمت على ثغر "مريم" أبتسامة خبيثة وهي تشاهد صدمتها، لتدلف للداخل دون حتى أن تستأذن منها، صفعت "ملاذ" الباب بغل، لتلتفت إلى "مريم" الجالسة على الأريكة قائلة بحدة:
- خير، أيه اللي جابك..؟!!!
أبتسمت "مريم" قائلة وهي تشير للمقعد أمامها قائلها بلهجة صعيدية:
- أجعدي يا ضُرتي!!!!!
صُدمت "ملاذ" من اللقب الذي أطلقته عليها، لتصدح ضحكتها الخالية من ذرة مرح والمتهكمة لتردف:
- ضُرتك مين يا حبيبتي، أنتِ ناسية أن ظافر طلقك ورماكي من زمان، ولا يمكن الصدمة لسة مأثرة على نافوخك!!!!
ضحكت "مريم" هي الأخرى ولكنها كانت ضحكة سعيدة، شامتة بها، لتنهض واثبة أمام "ملاذ" التي نظرت لها ببرود، لتردف الأخيرة قائلة بصوتٍ يتقافز من السعادة:
- يا جلبي عليكي هو ظافر مجالكيش؟!!أصل ظافر ردِني تاني جبل (قبل) فرحكوا بـ يوم واحد بس!!!!! مجدرش على بعادي!!!!
• • • •
