رواية اغتصاب طفلة الفصل الرابع 4 و الاخير بقلم ندى ممدوح


رواية اغتصاب طفلة الفصل الرابع والاخير بقلم ندى ممدوح

عودةُ عائِد
صمتٌ عميق، عطشٌ شديد، خوفٍ عظيم كان يعتري الجميع، ها هو ذا عائد يقفٌ بأعين ذائغة واجفة، يتجلي فيهما رعبٌ خفي، يودُ لو يستتر، لو يفر أو يجد مكانًا يتوارى فيه مما اقترف في دنياه، المشهد رهيب الأولين والآخريين وكل ما خلق الله يقف للحساب، أناسٌ يعدون مستبشرين ضاحكين، وبعضهم ممتقع الوجه من سوء ما بُشر، ينتظر أن ينادى عليه ليُسأل! 
لكنه كان مدرك جرم الذنب الذي اقترفه، يعلم أنه ليس له مغفرة، لكن ماذا! 
ألن يرى رب العباد؟ 
سيحجب عن رؤية ربه؟! 
الذنوب ستحيل بينه وبين رؤية خالقه.
بغتة وجد صحيفته في شماله، تضم كل ذنوبه وخطاياه، ناسٌ ألتقطوا صحائفهم بأيمانهم وأُناس بشمالهم، هاله ما رأى داخل الصحيفة، كتابه كله اسود مليء بالذنوب، لم يرَ حسنة واحدة تنير هذه العتمة الحالكة. 
العطش استبد به، ثم هناك حوضٌ تشرب الناس منه، فدنا.. لكنه لم يستطع أن يشرب منه ولا يرتشف رشفة واحدة حتى فقد أبتعد الجميع وبقَّ وحيدًا 
يا حسرةً على المرء إذا فقد محبة ربه! 
رأى عائد أهوالٍ كثيرة، وتمنى لو يعود إلى الدنيا فيعمل من الحسنات ما يُذهب بالسيئات، يا ليته يعود فيكفر عن خطاياه، يا ليته قدم لحياته.. 
لكن هذه الحسرة لات حين مناص. 
لقد سبق الأجل 
لن يعود فيعمل صالحًا.. 
انه سيخلد في النار فياحسرتاه على ما فرط في دينه. 
ثم بعد هذه الأهوال، يساق الناس إلى الصراط، وهو جسرٌ ممدود على متن النار أحدّ من السيف وأدق من الشعرة، رأى عائد أناس تتعثر في أول قدم على الصراط ومن يترنح وهو يسير حتى تظن أنه سيسقط حتمًا، ورأى أناس تهوى إلى جهنم، حل الفزع فؤاده ما أن رأى الصراط وحان دوره، فما أن وضع أول قدم على الصراط أعتقد أنه سيهوى إلى جهنم، فنظر أسفل منه فوقع بصره على سواد جهنم ، أنها جهنم التي أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي الآن سوداء قاتمة، يصل الحجر إلى قعرها بعد سبعين سنة، أنهارت العبرات من مآقي عينيه وود لو يرجع فلا يمر فوق الصراط، لكن كيف؟ 
ووضع القدم الأخرى فترنح، ثم وقف متصلبًا عندما قرع سمعه شهيق النار وتغيظها. 
رباه كيف الآن يمشي فوقه مع ضعف حاله واضطراب قلبه وتزلزل قدميه وثقل ظهره بالأوزار، رفع بصره فرأى الناس يزلون ويتعثرون وتتنازلهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب؟ 
فيا له من منظر ما أفظعه 
يا ليته قدم لحياته، يا ليته كان ترابًا، عند ذلك تخطفته النيران وهوى في نار جهنم. 
عندئذ أفاق عائد من غيبوبته على سرير المشفى شاهقًا في ارتياع ينظر يمنى ويسر في هلع، يتحسس جسده، فوجد أنه في غرفة معقمة يجثم جهاز الأكسجين فوق أنفه وفمه، وثمة جهاز لقياس سرعة القلب في إصبعه، يا إلهِ أين كان؟ وكيف جاء؟ 
ألم يمت؟! 
ألم يدخل القبر! 
ألم يحشر مع الناس يوم القيامة ويحاسب أمام الله ويلتقط صحيفته! 
عندئذ نظر إلى ذراعه الشمال ورفع كفه ( بهذا الكف ألتقط الكتاب!) 
ذهب عقله عندما ذهب إلى رسول الله ليشرب من حوضه ويرَاه فولى الرسول عنه وابتعد.. 
فأجهش في البكاء، ثم تعمق في التفكير ألن يرَ النبي؟ الآن فقط يشعر أنه يحبه وينتمي لهذا الدين. 
حتى صحابة رسول الله لم ينظروا إليه. 
نزفت آماقي عينيهِ بحورًا من العبرات. 
ثم أنتفض جسده، وارتعدت فرائصه وهو يتذكر الصراط، وصوت شهيق وزفير جهنم يخترق مسامعه فرفرف قلبه كذبيحٍ يود الفرار. 
اتسعت عينيه حمراوتين من البكاء ثم شرد بعيدًا جدًا حائرًا، كيف النجاة؟ أنَّى السبيل للتوبة، أم لات حين مناص؟ 

سمع الباب يفتح ثم ممرضة تصيح: 
_يا إلهِ هل أفقت من غيبوبتك؟ سأنادي للطبيب ليأتي فورًا لفحصك. 
ثم سمع خطواتٍ تعدو، فاستكان بقلبٍ يرتجف من هول ما مر به من كابوسٍ، أو حلم أيًا كان ما رأه فقد علم أنه أن مات فستكون جهنم له لبالمرصاد، فيجب أن يفر منها يجب أن يضع بينه وبينها جسرٌ شاهق من الحسنات تحيل بينه وبينه. 
دلف الطبيب إلى الحجرة متبسمًا فأدحر التفكير عنه، ثم باشر فحصه في اهتمام، لكنه لم يكن مهتمًا سوا بالتوبة إلى الله! 
لم يكن يشغله إلا النجاة من النار. 

                      *******

جلس الضابط على مقعد بجوار فراش عائد ليأخذ أقواله. 
بعد أن أنصت عائد إلى الضابط، غمغم وهو يهز رأسه في تهالك، قائلًا: 
_يعقوب بريء يا سيدي، وسجنه ظلمٌ له، فأنا من يجب أن يسجن مكانه. 
سكت لهنيهة ثم أتبع يقول: 
_الشجار الذي حدث بيني وبينه كان شجار عادي كالذي يحدث دائمًا بين الشباب، طعنت النصل كان عن طريق الخطأ مني وليس ليعقوب أي شأن بذلك. 
تأمله الضابط طويلًا، ثم زم شفتيه قائلًا بتنهيدة: 
_ولكن الشهود لم يقولوا ذلك... 
قاطعه عائد بحدة: 
_الناس لا تتحدث إلا بالظاهر وبما يروه دون أن يعلموا الحقيقة أو السبب، أخبرك يا سيدي صادقًا أن يعقوب بريء والخطأ خطأي. 
أشار له الضابط قائلًا وهو ينهض: 
_أهذا آخر كلامٌ لديك؟ 
أومأ عائد برأسه إيجابًا، ورمقه الضابط بنظرة أخيرة قبل أن يرحل. 

                       ********
_إلى أين أنتِ ذاهبة؟ 
قال تلك العبارة والد راندا وهو يقف على باب حجرتها واجم الوجه، ينظر إليها وهو يتميز غيظًا، فهمهمت راندا وهي تكاد تطيرُ من الفرح: 
_يعقوب سيخرج اليوم من السجن وأنا ذاهبة لأستقبابه برفقة خالتي ويوسف. 
فدنا والدها مغضبًا، وقبض على معصمها، وهتف في صرامة: 
_لن تذهبي إلى هذا القاتل، ولن يتم هذا الزواج. 
فرفعت راندا رأسها تجابه والدها، وقالت في إصرار: 
_يعقوب ليس بقاتل يا أبي، كما أنه سيظل زوجي للأبد لن أتخلى عنه، وسأذهب لاستقباله وسأقف بجانبه. 
فضم أبيها وجهها بين كفيه، وهمس يقنعها: 
_أنا لا أريد إلا ما فيه مصلحتك يا ابنتي، فأني أب أخشى أن تحال حياتك جحيمًا برفقة رجلٌ قاتل! 
أزاحت راندا كفيه عن وجهها، وقالت: 
_يعقوب ليس بقاتل يا أبي، وأمضى عمره كله لم نعرف عنه إلا كل خير، وقد فعل ذلك بسبببي... 
ولم تكمل فقد انهارت في البكاء، بينما ضيق والدها حاجبيه مندهشًا، وردد: 
_بسببك كيف؟ 
همَّت أن تبوح له، لكن طرقاتٍ على الباب قاطعتها، ثم جاءها صوت يوسف يهتف: 
_راندا نحنُ في انتظارك أن كنتِ ستأتي. 
كفكفت راندا أدمعها ثم مضت. 

                              *********
خرج عائد من المشفى قبل أن يكمل علاجه بعد أن أصر على والديه بالخروج فامتثلا له، بعد مناقشاتٍ وجدالٍ معهما لأنه برأ يعقوب، لكنه استحى أن يقول لهما الحقيقة، عن سر صنيع يعقوب، خشى أن يسقط من نظرهما، خرج من المشفى وقد يمم وجهه للقاء يعقوب، وعند مركز الشرطة رأى راندا ولم تراه فأطرق في خجل وود لو يعود أدراجه، أو أن يذهب فيطلب منها السماح عما بدر منه، لكن كيف تسامحه؟ كيف يطلب ذلك. 
ظل واقفًا مترددًا في العودة حتى شاهد يعقوب وهو يضم أمه وزوجته وصديقه، وقد نمت لحيته، وتغبر وجهه، فتحرك إليه في تؤده، ثم وقف عن كثبٍ مطأطئ الرأس، فهتف يوسف فيه: 
_ما الذي جاء بك، رجاءً أرحل عن هُنا. 
لكن يعقوب هدأ هذه المرة من غضب يوسف وهو يقول بتروي: 
_تريث يا يوسف ذره يبوح لما جاء لأجله، خذ أمي وراندا وأنتظراني.. هيا. 
ألتفت يعقوب إلى عائد الناظر إلى الأرض في خجلٍ وتوتر، وقال: 
_ماذا تريد؟ أسمعك هات ما عندك. 
ظل عائد لائذًا بالصمت، لم يجد ما يلوذ به غيره مليًا، حتى تنهد يعقوب في ملل، فقال بتلجلج: 
_أنا أدرك أني أذيتكم كثيرًا.. 
ألتمع الدمع في عينيه وأحتقنت الكلمات في جوفه، ثم جاهد ليسترسل قائلًا: 
_ذنبي عظيم أفقه ذلك، ولكنني في غيبوبتي رأيت أنني أهوى إلى نار جهنم. 
أنتفض فؤاد يعقوب ونظر له متأملًا، فالوجه لم يكن الوجه. 
به لمسة قد تغيرت. 
به ندمًا متجليًا، وخوفٌ باديًا، ونورًا غريبًا غير ذاك السواد القاتم الذي كان القلب ينقبض حين النظر إليه. 
فذلك وجه يسكن المرء له، فهل هو صادق؟ 
_لم أجيء لأطلب منك العفو فأنا أدرك عظم خطأي في حقكم جيدًا وأتمنى أن تسامحاني يومًا، ذلك اليوم أنا لم أعتدي على راندا أعتداءً كاملاً زوجتك لا تزل عذراء لم أمسها. 
قالها وهو منكس الرأس بشدة، تهوى أدمعه من آماقي عينيه ندمًا وخجلًا، ثم غادر سريعًا تاركًا يعقوب ينظر في أثره ذاهلًا. 
مشى عائد والدمع لم يرقأ من عينيه، كان يسير وسط الزحاف وجلًا من الله، لا يعلم إلى أين يذهب؟ 
وكيف يذهب إلى الله؟ 
ماذا لو جاءه ملك الموت الآن؟ 
ترى سيأتي ليقبض روحه نزعًا؟ أم لن يشعر بشيء؟ أترى يوجد وقتٌ ليفعل ما ينير له ظلمة القبر؟ 
ماذا لو كان بالفعل قد مات؟ 
يا الله كيف كان سيمر فوق الصراط وفوق ظهره كل هذه الآثام؟ 
أفق يا صاح، فالعمر يجري، والموت كالولادة ليس لها وقتٌ محدد، ولا سبيل للفرار، فانهض وأعد العدة. 
أعد للحظة تدخل فيها قبرك، أستعد ليثبتك الله عند سؤال الملكين، أستعد وتخفف من ذنوبك حتى تأتي الله بقلبٍ سليم، أستعد لتمر فوق الصراط خفيف الظهر. 
لم يشعر بقدميه وهو يسير حتى اقترب من مسجد بلدتهم، وسمع الأذان يخترق أذنيه كنداء من الله العلي العظيم له، فأنصت بقلبٍ خاشع يرجوا أن يطيل الله عمره ليشبع من الإيمان، ويرتوي بطاعة الرحمن. 
وقف أمام المسجد بقلبٍ متصدع يأمل التضميد، ثم مال ليخلع نعليه ويضع أول قدم داخل بيت الله فترمم قلبه واستكان، ومضى ليتوضأ وخرج وهو يشعر بذنوبه تتساقط، وكأن قلبه بات فارغًا متهيأً لحب الله وطاعته. 
وعندما سجد سال دمعه وهو يشكو لله ظلم نفسه لنفسه. 
أفق يا صاح، فوالله أن ذهبت للعالمين وشكوت لهم ما يكنه الفؤاد، لن تجد من يسمعك دون مللٍ أو كللٍ إلا الله، لن تجد منهم من يداوي ندوبك النازفة إلا الله، لن يرى أحد عَبراتك الحبيسة غير الله. 
فالله هو الرؤوف بعباده، هو السميع بمناجتاهم، هو العليم بما في أفئدتهم، الله فقط من يستطيع أن يمحو العبرات، وأن يفرج الكربات، وأن يذهب بالأحزان، وأن يسمع مناجاة قلبك، ويكن كريمًا رحيمًا معك. 
أفق يا صاح فما الدنيا لنا، ولا نحن لها، أنها مجرد دار نبتلى فيها ونذهب. 
وبينما عائد يبث شجونه لمولاه ويطلب المغفرة، كان ثمة آخر يسجدُ آخر الصف يدعوا الله أن يغفر له ذنبه الذي اقترفه دون وعي. 
يرجوا أن يتوب الله عليه من لحظةِ غضب كاد يودي بحياة انسان. 
الأهم من الذنب هو الأعتراف به وطلب المغفرة، 
هو أن نفيق قبل أن نقول يا حسرتاه على ما فرطنا في جنب الله. 
تمت بحمد الله

تعليقات