رواية جريمة الاباء الفصل الرابع بقلم حمدى مغازى
التليفون رن الساعة 11 بالليل.. كان رقم غريب.. رديت وساعتها سمعت واحد بيقول بهدوء شديد…
- مساء الخير.
ولإن المكالمة كانت على رقم من أرقام الإعلان فرديت بصوت واحد عجوز وقولت...
- مساء النور.
- ازيك ياوالدي؟.. اخبارك ايه؟.
- الحمدلله.. مين معايا؟.
- انا عبدالسلام.. وكنت متصل بخصوص الإعلان اللي حضرتك منزله في الجرنان.. انت كنت طالب مرافق يقعد معاك.
كحيت كام كحة وقولتله وانا لسه بكح...
- ايوة.. انا فعلًا محتاج مرافق.
- سلامتك ياولدي.. الف سلامة عليك.. لو تعبان ادييني حد اكلمه وارتاح انت ياوالدي.
لقطته.. هو ده اللي بدور عليه.. عامل نفسه ذكي وعايز يتأكد إذا كان في حد عايش معايا ولا لا.. سكت لثواني وبعدين قولتله...
- للأسف ياحبيبي ماحدش قاعد معايا.. انا عايش لوحدي.. مافيش غير ابني بيجي يطل عليا كل كام شهر مرة.
سكت لحظات سمعت فيها صوت أنفاسه عالية وبعدها قالي...
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. ربنا يهديه ويصلح حاله.. طيب ياوالدي انا ممكن اجي اقابلك امتى؟.. الساعة خمسة كويس؟.
وقتها افتكرت الشاب اللي اديته ميعاد الساعة سبعة.. فرديت عليه بسرعة...
- لا.. خليها بعد الساعة 8 اصل انا.. انا عندي بكرة مشوار عند الدكتور وهرجع على سبعة ونص تمانية.. فالأحسن نخليها بعد 8.
- خلاص ياوالدي خليها على الساعة 9.. والف سلامة عليك.
- الله يسلمك ياحبيبي.
- في رعاية الله.
- في رعاية الله.
قفلت معاه واتصلت بـعماد اللي كان قاعد في الشقة التانية.. جالي بسرعة ولما دخل قالي...
- خير يافندم؟.
- دلوقتي اللي كلمنا الصبح واحد تاني.. لكن القاتل اللي احنا عايزينه هيجي الساعة 9 ومسمي نفسه عبدالسلام.
- طب والواد اللي هيجي الساعة 7 ده؟
- عادي هقابله طبيعي جدًا.. جايز يكون شريكه وجاي عشان يأمن المكان.. المهم اجهز وخلي الرجالة عينيها مفنجلة.. احنا بدأنا الجد.
- انت مش خايف يافندم؟.
- هخاف من ايه؟!.. ده عيل جبان وخسيس.. مابيقدرش غير على الناس الضعيفة اللي غلبها المرض وهدها الزمن.
- ربنا معاك يارب.
- يارب.. يلا روح نام انت دلوقتي ومن بكرة الصبح هنبدأ نتعامل طبيعي.
- تمام يافندم.
خرج عماد من الشقة وسابني عشان انام.. بس بصراحة ليلتها ماجاليش نوم.. كنت قاعد بفكر في اللي هيحصل.. انا هقعد مع القاتل من بكرة ولحد وقت غير محدد.. ماكنتش خايف منه طبعًا.. لكن بفكر في التعامل معاه. وتاني يوم لما النهار طلع والساعة قربت من 6 لقيت عماد داخل عليا الشقة ومعاه كرسي متحرك زي ما اتفقنا.. قعدت على الكرسي.. وبعدها بدأنا احنا الاتنين نبص للساعة.. لحد ما الساعة بقت 7 ووقتها سمعت جرس الباب بيرن.. قام عماد فتح وبعد ثواني لقيته داخل ومعاه شاب في العشرينات.. عماد عرفه على نفسه إنه ابني وبدأ يفهمه طبيعة الشغل المطلوب منه.. بعدها خد بياناته وقاله هنبقى نكلمه.. وقام الواد مشي وبعد ما عماد وصله رجع وقالي...
- تفتكر يافندم إنه بيشتغل معاه فعلًا وجاي يأمنله الطريق؟.
- تؤ ماظنش.. بس عامة المقابلة كانت عادية.. يعني حتى لو هم مع بعض مش هيشكوا في حاجة.. وده هيبان أكتر الساعة 9.
قعدنا مستنين لحد ما الساعة بقت 9 إلا خمسة ووقتها الجرس رن.. بص لي عماد وقالي وهو قايم يفتح الباب...
- ده ملتزم بمواعيده كمان.
راح فتح الباب وبعدها دخل وشوفت من وراه عبدالسلام.. الاسم الجديد اللي اختاره القاتل لنفسه.. حسيت بقبضة في صدري أول ما شوفته.. قرب مني وعلى وشه ابتسامة خبيثة.. بعدها مد ايده عشان يسلم عليا.. بصيتله لثواني وماسلمتش عليه.. وهنا اتكلم عماد وقاله...
- معلش يا استاذ عبدالسلام.. الحاج اصله مابيحبش يسلم بالايد.. موسوس من العدوى.
بصله عبدالسلام وبعدين رجع بص لي بنفس الإبتسامة الخبيثة وقال...
- لا عادي.. الحاج يعمل اللي هو عايزه.. ده زي والدي.
رد عليه عماد وقاله...
- طب اتفضل ارتاح يا استاذ عبدالسلام.
قعد على الكرسي وبعدها عماد اتكلم...
- قولي بقى حضرتك اشتغلت الشغلانة دي قبل كدة ولا أول مرة؟.
- لا اشتغلتها كتير.. بصراحة انا وهبت نفسي للموضوع ده.. بحس براحة وسط الناس اللي زي الحاج.. انا اصلي جدي في اخر ايامه كنت انا اللي بقعد معاه.. كنت بحبه جدًا.. ولما مات حسيت بفراغ كبير.. ومن وقتها وانا واهب نفسي للشغلانة دي.
كان بيتكلم بتأثر شديد.. بصراحة كنت مذهول من أدائه.. لدرجة إني كنت هتأثر.. والغريبة إنه كان بيتكلم وهو باصص في الأرض.. عماد قاله ساعتها...
- البقاء لله ربنا يرحمه.
- ونعم بالله.
- قولي يا استاذ عبدالسلام.. حضرتك خريج ايه؟.
- تمريض.. انا درست التمريض عشان يساعدني في المهنة اللي وهبت نفسي لها.
- طب ليه مافكرتش تشتغل ممرض واهو برضه هتساعد ناس كبيرة؟.
- يا استاذ عماد الناس اللي بيقدروا يجوا المستشفى دول ناس معاهم اهلهم أو رجليهم شايلاهم.. لكن الناس اللي قاعدين بين اربع حيطان لوحدهم.. ومش قادرين يتحركوا.. مين هيوديهم للدكتور لو تعبوا؟.. مين هيبقى جنبهم لو صحيوا في نص الليل.
في اللحظة دي كحيت كحة جامدة.. ووقتها قام وقف وقالي...
- اجيبلك ماية يا والدي؟.. المطبخ منين؟.
رد عليه عماد وقاله...
- لا اقعد يا استاذ عبدالسلام هو شوية وهيبقى كويس.
- ازاي ده؟!.. قولي حضرتك المطبخ منين؟.
- هتدخل يمين.. هتلاقيه على شمالك.
سابنا وراح المطبخ ووقتها بصيت لعماد وانا مش قادر امسك نفسي من الضحك.. الواد مقنع بشكل غريب.. شاورلي عماد بايده أول ما شافه جاي من ورايا فكحيت مرة تانية.. قرب مني وفي ايده كوباية الماية...
- اتفضل يا والدي.. الف سلامة عليك.
خدت منه كوباية الماية وشربتها والغريبة إنه فضل واقف لحد ما خلصت وبعدين خدها مني وهو باصص في الأرض.. فبصيتله وقولتله...
- شكرًا يابني.
- العفو يا والدي.. هنيًا.
قعد مكانه تاني وساعتها عماد بصله وقاله...
- بص يا استاذ عبدالسلام.. انا ورايا مشغوليات كتير بتخليني مش بقدر اجي للحاج غير كل شهرين تلاتة مرة ويمكن كل خمس شهور مرة.. عشان كدة انا عايز حد أمين ومحترم يقعد معاه.. ياخد باله بقى من اكله شربه.. مواعيد ادويته.
- مفهوم طبعًا.. كان الله في العون.. انا عايز حضرتك تطمن الحاج هيبقى على راسي.. وهريحه على الاخر.
- وانا مش طالب اكتر من كدة.. قولي بقى مرتبك كام؟.
- لا انا ماباخدش حاجة لنفسي خالص.. انا قولت لحضرتك انا واهب نفسي للموضوع ده.
- ازاي بقى؟.. اومال بتعيش منين؟.
- وانا هعوز ايه تاني؟.. انا هاكل من اللي الحاج هياكل منه وهنام في الشقة هنا.. يعني مش هحتاج حاجة تانية.
- هو لسه في ناس كدة؟!.
- يا استاذ عماد زي ما في ناس بتعمل شر في لسه ناس بتعمل الخير وبتقصد به وجه كريم.
- ربنا يبارك فيك ويكتر من امثالك.
كحيت كحة عالية أول ما عماد قال كدة.. فبص لي عماد وقال بسرعة...
- خلاص يبقى اتفقنا.. تقدر تيجي بكرة إن شاء الله وتبدأ وهتلاقيني سايبلك ورقة فيها مواعيد الأدوية بتاعت الحاج.. وورقة تانية فيها الأكل اللي بيحبه واللي مابيحبوش.
- انا بقول نبدأ من النهاردة.. هروح بس اجيب شنطة هدومي وحاجتي واجي على طول.
- خلاص اتفقنا.
- تمام.. هقوم انا ومش هتأخر إن شاء الله.
قام وقف وخرج من الشقة وبعد ما عماد وصله رجع وهو بيضحك وقالي...
- فظيع ابن اللذينة.. ده انا كنت قربت اصدقه.
ضحكت وانا بقوله...
- ربنا يكتر من أمثاله؟!.. احنا ناقصين يا عماد؟!.
- انا قولت اجاريه يافندم.
- مستعجل مش عايز يضيع لحظة.
- يلا اهو جِه لقضاه برجليه.
عدت ساعة ولقينا الباب بيخبط.. وطبعًا كان جاب شنطة هدومه ورجع.. وأول ما دخل اتفاجئ بعماد متعصب وبيقوله...