رواية خذلان الماضي الفصل السادس والاخير
بعد عدة أسابيع…
جلست راما حبيسة بغرفتها، وموجات الدموع تنهمر من عينيها، تشعر بشوقٍ عميق لعمر، الذي كان يمثل لها أكثر من مجرد حب، بل كان هُناك عالم كامل من الذكريات الجميلة واللحظات السرمدية التي شاركتها معه. لكنها أرغمت نفسها على الابتعاد حتى لا تتكرر خيبة الأمل التي تعرضت لها في الماضي بسبب خيانة وألم الفراق، عندما تمزق قلبها وأحلامها إلى أشلاء بفعل خيانة غير متوقعة من شخص كانت تعتمد عليه. سمعت صوت عمر يتردد في الخارج، وهو يناديها للخروج ليتحدث معها، وقلوبهم تبدو وكأنها تخفق بحذر، كل منهما مدرك لخطورة الموقف ولكنهما متمسكان بالأمل. حاولت مي ووالدتها ثنيها عن قرار الابتعاد، لكن كل محاولاتهما ذهبت أدراج الرياح، حيث كانت راما تتمسك بموقفها وكأنها تبني جدارًا بين قلبها وذكرياتها المؤلمة.وصلتهم دعوة فرح من أحد أفراد العائلة في مطروح، فرَفضت راما الذهاب بشدة، بينما لم تتمكن مي من الذهاب أيضًا لاقتراب موعد ولادتها، وبذلك كانت الأجواء صحراوية من الإحباط والانزعاج تجوب المكان. تركها رامي مع أخته راما وطلب منها الاعتناء بها حتى يعودوا في صباح السبت، متمنيًا أن يتجاوزوا هذه المحنة الصغيرة معًا.فجأة، دوى صوت صراخ يأتي من غرفة مي، انتفضت راما من مكانها بهلع وركضت بسرعة نحوها، وكأن صوت مي كان ناقوسًا ينبهها للخطر القائم. تكلمت بصوت مرتعش ونبرة قلقة، مستفسرة:
“مالك يا مي بتصرخي كده ليه؟”
بدأت مي بالبكاء وقد امتلأت عينيها بالدموع، وأجابت بألم:
“شكلي بولد يا راما! الطلق عندي من بليل، بس كنت مفكرة إنه شوية وهيعدي زي كل مرة. مش قادرة أتحمل بموت ألحقيني، أبوس إيدك.”
ابتلعت راما ريقها بصعوبة، وقالت بتوتر:
“حاضر، حاضر! هتصل بالاسعاف.”
صرخت مي بألم وقالت:
“الإسعاف يومها بسنه على ما يوصلوا، يكون اللي في بطني نزل، اتصلي بعمر بسرعة! هو هيوصل أسرع من الإسعاف.”
تعالت دقات قلب راما بالقلق، أومأت برأسها بالموافقة، وأمسكت هاتفها وأجرت اتصالاً، بينما كانت تتمنى في داخلها أن يأتي عمر سريعًا، كأنه الفارس المنقذ من هذا الألم. انتظرت الرد بضع ثوانٍ معدودة قبل أن تسمع صوته المتلهف يشد انتباهها:
“أخيرًا، راضيتي عليا وكلمتيني! وحشتيني أوى يا راما؟”
تنحنحت بتوتر، وقالت بصوت مرتعش:
“أنا مش متصله علشان اللي في دماغك ده، أنا متصله علشان أقولك تعال بسرعة على الشقة، مي بتولد ومافيش معايا حد في البيت ومش قادرة أواجه الموقف وحدي.”
أجاب بسرعة، قلقة حقيقية في صوته:
“مي بتولد؟ طيب عشر دقايق بالكتير وأكون عندك.”
أغلقت الخط مع عمر ونظرت إلى مي بتوتر، وقالت:
“عشر دقايق هيكون هنا، أتحملي بس يا مي.”
أمسكت مي بيدها، وكانت الدموع تتجمع في عينيها، وسرعان ما صرخت:
“مش قادرة يا راما! الوجع صعب أوي، أاه يارب.”
ربتت راما على يدها بحنو، وقالت:
“معلش يا حبيبتي، استحملي، هي الأمومة مش بالساهل كده. وبعدين، ما أنتي مجربة الوجع ده في ياسين.”
أومأت مي برأسها وبكت، قائلة:
“عارفة والله، بس الوجع صعب أوي أوي.”
ابتسمت راما بهدوء، وقالت بنبرة حنونة:
“ربنا يجعلها ساعة سهلة عليكي يا رب.”
فجأة، دق جرس الباب، فركضت راما وفتحته، وتحدثت بخوف شديد:
“ألحق يا عمر، مي تعبانة أوي وبتولد.”
نظر إليها بأشتياق، قائلاً بصوت هامس:
“وحشتيني أوي يا راما.”
نظرت له بعدم تصديق، وردت بنفاذ صبر:
“بذمتك، ده وقته؟! بقولك البت بتولد جوه!!”
ابتسم على كلماتها، وقال:
“طيب، ما تدخلي! هاتيها، مينفعش أدخل ومافيش رجالة جوه.”
أومأت برأسها بالموافقة، وتحركت إلى الداخل وساعدت مي على الحركة للخارج، وكأنهما تحملان آمالًا جديدة مع كل خطوة. كانت مي تصرخ بألم شديد، وضحك عمر بشكل هستيري، مضيفًا بصعوبة:
“شكلك مسخرة وانتي بتصرخي كده يا مي!”
أجابت مي بصراخ:
“هولع فيك يا عمر! هطلع الوجع اللي حاسه بي كله على جتتك!”
ضحكت راما على مناغشات مي وعمر، قائلة:
“امشي يا بنتي، أخلصي، مش وقته اللي بتقوليه ده! هتولدي وانتي واقفة والله.”
تحركت مي مع راما نحو الخارج، وصرخت: “ربنا يجمعك انت وراما في بيت واحد، وتطلع عينك يا عمر يا ابن عمر!”
رد عمر بتمني، قائلاً:
“يااااارب يسمع من بؤك ربنا. أول مرة تقولي حاجة صح، شكلها كده مسك الختام.”
ضغطت راما على أسنانها بغضب، ثم ضغطت على يد مي بقوة، وقالت بصوت هامس:
“اتلمي يا مي ولمي الدور بدل ما أديكي يد في بطنك، أزفلت منك البيبي.”
استمع عمر لكلمات راما، وقال بمزاح:
“كتري بقى من الدعوة دي في اوضت العمليات. سمعت إن دعوات اللي بتولد بتكون مستجابة.”
نظرت راما إلى عمر بضيق وقالت:
“متندمنيش إن سمعت كلامها واتصلت بيك يا عمر.”
تعالت ضحكاته، وقال:
“مش البت مي دي مجنونة وطقة ودماغها مسافرة، بس أول مرة تعمل حاجة صح، علشان كنت هتجنن عليكي وعايز أشوفك بأي طريقة.”
صرخت مي بوجههم، قائلة:
“انتوا هتحبوا في بعض، وأنا بموت من الوجع! هتولي جوزي، يا رامي، ألحقني من تحت أيد روميو وجولييت دوول!”
ابتسمت راما على كلمات مي، وساعدتها في الصعود إلى السيارة، وكأن كل واحدة منهن كانت تحمل قطعة من قلب الأخرى. جلست بجوارها بينما صعد عمر إلى المقود، ونظر في مرآة السيارة إلى انعكاس صورة راما، وغمز لها بعينه قبل أن يتحرك بالسيارة مسرعاً إلى المشفى، حيث يحمل الأمل في عبور لحظة حياة جديدة معهم.
………………………………………………….
بعد بعض وقت، وُلدت مي، وخرجت الممرضة بابتسامة دافئة تحمل الطفل في ذراعيها، وقدمت الطفل إلى راما قائلة:
“حمدالله على سلامة المدام، جابت عريس زي القمر.”
حملت راما الطفل برفق، ونظرت إليه بإعجاب، وارتسمت على وجهها علامات الحنان، وكأن دقات قلبها كانت تتناغم مع خفقات عواطفها الجياشة. قبّلت رأسه بحنو، وكأنها تحاول تقبيل عذوبة الحياة في جسده الصغير، ثم قالت:
“ما شاء الله جميل أوي، نسخة من أبوه.”
أقترب عمر منها وقبّل الطفل بحب، وعيناه تتلألأ بالفرح كأشعة الشمس الباكرة بعد عاصفة. نظر بحب إلى راما وهمس لها بصوت خفيض كأنه يخاف أن تفر الهالة السحرية من حولهم:
“عقبالنا لما تجيبي حتة مني ومنك.”
شعرت راما بتوتر، كأنما صاعقة طائشة قد ضربت مشاعرها الهادئة، وابتسمت لممرضة كوسيلة للهرب من حديث إضافي قد يزج بها إلى حيز الشكوك. وسألت بتساؤل وبلكنة تدل على القلق:
“مامته عاملة إيه دلوقتي؟”
أجابتها الممرضة بابتسامة لطيفة، وكأنها تطمئن روح راما المتوترة:
“كويسة الحمد لله، شوية وهتدخل اوضتها. ممكن بس البيبي علشان نجهزه وندخله لمامته، وياريت والده يدفع باقي حساب المستشفى علشان يستلم الطفل ويسجله في الصحة.”
أومأت راما برأسها بتفهم، لكنها كانت تشعر بأن الوزن الهائل لتلك المسؤوليات بدأ يثقل على كاهلها، فقالت:
“والده جاي كمان ساعتين.”
أخذت الطفل وعادت مرة أخرى إلى الداخل، وكأن خطواتها تحاول الانسلاخ عن ثقل المشاعر المترسبة. تنهد عمر بضيق وتحدث بتمني كطفل يحلم بعيدًا:
“راما، وافقي بقى على جوازنا. نفسي نعيش اللحظة دي سوا، نفسي يتقفل علينا باب واحد وتبقى مراتي على سنة الله ورسوله. أنا عندي حاجات كتير أوي عايز نعيشها سوا، نرسم لوحة حياتنا بألوان سعادتنا.”
نظرت له بقلق، وارتبكت أفكارها كما لو كانت في دوامة، وتحدثت بصوت مختنق كمن يشهد غرق سفينة:
“بلاش تستنى يا عمر، علشان هتستنى كتير أوي وعلى الفاضي. اسمع كلامي وروح شوفلك بنوتة، لسه الحياة وردية في عيونها، هي دي اللي هتقدر تسعدك وتعيشك اللي نفسك تعيشه. أما أنا خلاص، عايشة من غير روح، مش هقدر أسعدك.”
أمسك يدها وتحدث بنبرة عاشقة، كأن كلماته تحمل سحرًا يحاول أن يذيب كل الخوف:
“أنا موافق وراضي جدا كمان، وافقي أنتي بس وملكيش دعوة بأي حاجة. مش يمكن أطلع أنا اللي نكدي ومتعاشرش.”
ابتسمت على كلماته وظلت صامتة وكأنها تحاول تلمس جليد حزانها. شعر بتفاؤل كبير عندما ابتسمت راما، وتحدث بسعادة عميقة:
“اعتبر سكوتك وابتسامتك موافقة على طلبي؟”
في تلك اللحظة، خرجت الممرضة وأبلغتهم بخروج مي من العمليات إلى غرفتها المتخصصة، كأنها قد جلبت لهم أنغام الحياة مرّة أخرى. تحركت راما سريعًا من أمام عمر وذهبت عند مي، وكأنها تعود إلى حوض شغفها. زفر عمر بضيق، وكلمات معدّلة في قلبه، وقال:
“يعني، ده كان وقته؟ لازم تخرج الممرضة وهي هترد عليا.”
أنهى كلامه، لكنه لم يستطع تخطي الطيف الذي خيم عليه، وتحرك خلف راما إلى غرفة مي. دخلوا إلى الداخل، وجلست راما بجوار مي، قبّلت رأسها بحب، وكلماتها تفيض بالحنان:
“حمدالله على السلامة يا أم حزلقوم.”
ردّت مي بنبرة متعبة، لكنها تحاول أن تلملم نفسها:
“الله يسلمك يا راما، عقبالك يا رب لما ربنا يهديكي على الوَلَا اللي هيموت عليكي. أنا دعيتلكم كتير أوي جوة والله.”
ابتسم عمر بسعادة وقال:
“ربنا يستجاب منك يا أم ياسين. شوفتي اللي حصل معايا بعد ما كنتي انتي اللي بتتحايلي عليا علشان أتجوز بنت من اللي بتجبيهم ليا. دلوقتي أنا وإنتي بنتحايل على اللي خطفت قلبي وعقلي وكل كياني.”
نظرت لهما بتوتر وتحدثت بتلعثم، وكأن قلبها لا يزال في حالة صراع:
“ب ب بقولكم إيه، انتوا الاتنين بلاش تحدفوني لبعض. قولتلكم مش موافقة.”
اقترَب منها وتحدث بصوت هامس، محاولاً اختراق حواجز الخوف:
“ما الموافقة كانت خلاص هتنطقيها، لولا خروج الممرضة. إيه غير رأيك بقى؟”
ابتلعت ريقها بتوتر، وارتجفت أوتار صوتها وقالت بتلعثم:
“ا ا أنا مكنتش هوافق على فكرة، أنا كنت لسه هرفض، بس خرجت الممرضة وسكت.”
أحاط خصرها بذراعه وتحدث بنفاذ صبر، محاولاً استحضار القوة من صوته:
“راما، بقولك إيه، واضح كده الهدوء مش هيجيب نتيجة معاكي. إنتي هتوافقي وهنتجوز، وهنجيب عروسة لحزلقوم، ابن البت المجنونة دي، والشهر الجاي هتبقى مراتي برضاكي أو غصب عنك.”
رفعت حاجبيها إلى الأعلى، وكأنها تتحدى كل الحدود، وقالت بتحدٍّ:
“والله! طيب، أنا مش موافقة، ووريني هتتجوزني إزاي غصب عني.”
ضمّها أكثر إلى حضنه وتحدث بنبرة عاشقة، وكأنه يزرع الأمل في قلوبهم:
“بتكلم بجد يا راما، مش قادر أعيش من غيرك. وافقي بقى، حلي أيامي. والله العظيم بعشقك.”
نظرت له بخوف ورهبة، وكأنها تشهد معركة المشاعر في قلبها، ثم نظرت إلى مي، وجدتها تتابعهم باهتمام شديد. عادت بنظرها مرة أخرى له وأومأت برأسها بالموافقة، وكأن خطوتها هذه تحمل النذر الجديد. نظر لها باستغراب، في فرحة عفوية، وقال بتساؤل:
“أفهم إيه من حركة راسك دي يعني موافقة ولا قصدك إيه بالظبط؟”
تنحنحت بخجل، وكأنها تتسلح بكلماتها الحانية، وتحدثت بكلمات متقطعة:
“م م موافقة.”
تحدث بسعادة بالغة، وكأن الأمل قد ارتدى ثياب الفرح:
“أنا مش مصدق نفسي، أخيراً. حاسس نفسي بحلم، وخايف أصحى من الحلم الجميل ده.”
حاولت مي أن تطلق الزغاريد، لكنها لم تستطع، وما لبثت أن غمرت عيونها بالدموع، وتحدثت بسعادة:
“كان نفسي أزغرد وأغرق الدنيا زغاريد، بس ملحوقة. أكل فرختين تلاتة وتترد صحتي فيا بعد العلقة دي، وأنا كل ما أشوف حد، هزغرد في وشه.”
تعالت ضحكاتهم على كلمات مي، تلك الأصداء التي دفنت همومهم جميعًا في بحر من الفرح. وفي ذلك الوقت، وصل رامي ووالده ووالدته، نظروا إلى بعض باستغراب، ثم نظروا إلى راما وعمر بعدم فهم. تحدثت مي بسعادة، وكأنها مرآة لفرحتهم:
“وش يحيي حلو علينا، أخيراً راما وافقت تتجوز عمر.”
احتضنها رامي بسعادة، كالغيمة المطرية التي تنثر الفرح، وقال:
“ربنا يسعدك يا حبيبتي ويفرح قلبك.”
ثم ابتعد عنها واحتضن عمر وتحدث بنبرة سعيدة:
“مبروك عليك أختي. أنت راجل وتستاهلها، ربنا يهنيكم يا رب.”
تحدث والدها بسعادة، وكأن قلبه قد انتشى كعصفور حر:
“ربنا يفرح قلبك يا بنتي ويرزقك راحة البال.”
ابتسمت له وقالت بحب، كأن كلماتها تتدفق كالنبع:
“الله يبارك فيك يا حبيبي، وربنا يخليك لينا يا رب.”
نظرت لها والدتها بدموع الفرح، واقتربت منها واحتضنتها بسعادة، كأنها تحمل كل الأماني:
“أخيراً يا بنتي، هطمن عليكي مع راجل يستاهلك بجد، ربنا يسعدكم يا رب.”
ربتت على ظهرها بحنو، وكأنها تمتدح قلوبهم، وقالت بحب وامتنان:
“ربنا يخليكم ليا، ودايماً في ضهري وساندني.”
تحدث عمر بتلهف، عازمًا على تحقيق أحلامه:
“عمي، أنا هجيب أهلي الأسبوع الجاي علشان أطلب إيد راما. مناسب ليكم الميعاد ده؟”
أومأ والد راما برأسه بالموافقة، وقال:
“تنوروا يا حبيبي في أي وقت، البيت بيتكم.”
نظرت راما له بخجل، وكأنها تحاول عبور جسر جديد من المشاعر، ثم نظرت إلى الاتجاه الآخر، تحاول الهروب من أضواء الموقف. تحدثت مي بضيق، تحاول أن تسلط الضوء:
“يا سلام يا أخويا، جيت حضنت أختك وباركت ليها، وأنا ولا كأنك شايفني ولا سألت على البيبي عامل إيه.”
ابتسم لها، ثم اقترب منها وجلس بجوارها، احتضنها بحب وقبّل رأسها وقال بلطف:
“حمدالله على سلامتك يا أم الولاد. ربنا يبارك لنا فيهم، ويجعلهم ذرية صالحة يا رب.”
ابتسمت له بحب، وكأنها تعيش في جنة اللحظة، وربتت على صدره وتحدثت بنبرة عاشقة:
“ويخليك ليا يا أجمل ما في حياتي. أنا محظوظة بجد بيك، وإنك أجمل وأعظم زوج وأب في الدنيا.”
تحدثت راما بمزاح، وكأنها تحاول تهوين الأجواء المتوترة:
“فشتي وكليتي، مش قادرة تستحمل رومانسيتكم دي، ارحمونا.”
نظرت لها وقالت بتريقة، كأنها تذكّرها بتلك اللحظات:
“شوف مين بيتكلم، من شوية كنتوا عايشين دور العشق الممنوع. اهدي يا بنتي كده شوية وصفي النية.”
تعالت ضحكات الجميع، وفي ذلك الوقت، دخلت المربية ومعها الطفل الصغير وأعطته لوالدته، كأنها أضافت مسحة جديدة من الفرح لحياتهم. احتضنها رامي بسعادة، قبّل رأسها وسأل باستفسار، وكأنهم يمزجون الأماني بالمحبة:
“أمال ياسين فين؟”
أجابته بتوضيح وهي تمسك بيد طفلها الصغير، وكأن عذوبة اللحظة تملأ المكان:
“كلمت أم محمد، لما يجي باص المدرسة تخده وتخليه عندها لحد ما نروح.”
أومأ رامي برأسه بتفهم، وظلوا ينظرون إلى طفلهم بسعادة، كأنهم يرون مستقبلهم يتجلى أمام أعينهم.
………………………………………………….
بعد مرور عدة سنوات…
هبطت راما، وهي تمسك يد ابنتها لمار ذات الست سنوات، بخطوات خفيفة من فوق الدرج، مفعمة بالحماس، فتسارعت دقات قلبها مع كل خطوة. كانت الأجواء مليئة بالتوقعات، حيث كانت تشعر بأن يومها سيكون استثنائيًا. خرجت من شقتها، دون أن تنسى أن تلقي نظرة أخيرة على غرفة لمار المليئة بالألعاب والضحكات والذكريات السعيدة. نزلت إلى الأسفل وصعدت إلى السيارة التي كانت تنتظرها، ثم أغلقت الباب ببطء كما تفعل دائمًا، وكأنما تدعو السعادة لتصاحبها في رحلتها. انطلقت نحو الشركة، مشغولة بأفكارها الرومانسية حول المفاجأة التي أعدتها لزوجها، وما بين هذه الأفكار كانت تطل على نافذة السيارة لتشاهد المدينة تنبض بالحياة. بعد مرور بعض الوقت، وصلت إلى وجهتها، وترجلت منه، فنظرت إلى ابنتها مبتسمة قبل أن يصعدوا إلى الأعلى. عندما فتحت الباب، أضاء وجهها بابتسامة مليئة بالحب وقالت:”مفااااجأه.”
عندئذٍ، نظر إليها بسعادة، وبدت عينيه كأنما تعكسان فرحته ويقدران اللحظة. نهض من مقعده، متخطيًا كل العراقيل التي واجهته خلال اليوم، واقترب منها بحنان، حيث حمل ابنته بيديه، قبلها برقة كما لو كان يشكرها على وجودها في حياته، ثم أنزلها برفق ليوقف تلك اللحظة الثمينة للمستقبل. احتضن راما بعشق، وقد انطلقت منه الكلمات النابعة من القلب:
“أجمل مفاجأه، والله كنت لسه بفكر فيكم.”
ابتعدت عنه قليلًا، وأضفت بعض الدلع لحديثها قائلة:
“اممم، ما أنا حسيت إنك عمال تفكر فيا. قولت يا بت يا راما، خدي لمار وروحي ليه المكتب، ونقول ليه كل سنة وانت طيب، وعقبال مليون سنة وانت معانا، ومنور حياتنا يا أجمل ما في حياتنا.”
أنهت جملتها وأخرجت ساعة يد هدية من حقيبتها، متلألئة تحت أضواء المكتب، وأعطتها له بفرحة تنبع من قلبها، وكأنها هديا من روحها. كانت الساعة رمزًا لذكرياتهما، ومؤشرًا على كل لحظة مرت في حياتهما معًا. كانت تمثل الأمل الجديد والمستقبل المشترك. دقات قلبه تراقصت بسعادة، فاستقبل الهدية بيديه المرتجفتين، ثم قبل يديها بحب ورفع صوته بنبرة عاشقة:
“كل سنة وانتي منورة حياتي، يا أجمل حلم أتمنيت تحقيقه، وربنا حققه ليا. ربنا يخليكم ليا يا رب.”
أخرجت اختبار حمل من حقيبتها، ورسمت على وجهها ابتسامة من السعادة، قائلة:
“ودي تاني هدية ليك.”
نظرت إليه وهي تتأمل تعبير وجهه المليء بالدهشة، وكانت كأنما تراقب السماء وقد انفتحت أمامهم بفرص جديدة. فقال:
“حامل يا راما؟ أنا مش مصدق نفسي! فرحان أوي إن عيلتي بتكبر معاكي. يااااه، ألف حمد وشكر ليك يا رب، أكرمتني بحب عمري، وكمان رزقتني الذرية منها. قد إيه كرم ربنا كبير، دايمًا يجبر بخاطر عبيده بعد الصبر. ربنا يديمكم في حياتي، يارب.”
ابتسمت له بحب وحرارة، وقالت:
“ده أنا اللي لازم أقول الكلام ده بعد خذلان الماضي اللي شوفته على أيده. أسودت الدنيا في عيوني، وقلت خلاص، انتهى كل حاجه. لكن جيت أنت، ولونت حياتي بحبك ودفئه. رجعت ثقتي بنفسي، حسستني بقمتي، خلتني أثق في الناس بعد ما كنت فقدت الثقة في الكل. كنت أجمل مكافأة من ربنا ليّا، عوضني خير عن كل اللي شفته. ربنا يخليك لينا، يارب.”
احتضنها بسعادة وراح بحب، قائلاً:
“إيه رأيك نحتفل بالمناسبة السعيدة دي ونتغدا بره، وبعد كده ناخد لمار الملاهي؟”
نظرت له باستغراب، متسائلة:
“طيب والشغل؟”
غمز لها، قائلاً بمزاح:
“يغور الشغل قصاد لحظة حلوة جنب حب عمري.”
أنهى حديثه، وحمل ابنته على ذراعه، وقبلها بحب، ثم أمسك يد راما، وخرجوا معًا من مكتبه ليقضوا وقتًا سعيدًا، يضيف ذكريات جميلة تتخلد في عقولهم، ويدونون فرحتهم في صفحات حياتهم التي لطالما انتظرت قدوم اللحظات السعيدة. كانت هذه اللحظة تمثل بداية فصل جديد لقصتهم، مليء بالأمل والتحديات الجديدة، وكل ما عليهم فعله هو العيش في هذه اللحظة والاستمتاع بكل تفاصيلها.
تمت بحمد الله