رواية يوميات دكتور نفسي الفصل السابع بقلم صبحى المصري
(صوت تحت السرير)
أنا قابلت ناس كتير بتعاني من هلاوس، رهاب، اكتئاب… بس الحالة دي؟ كانت مختلفة… لأنها بدأت بصوت صغير، في أوضة ضلمة.
---
شاب في أواخر العشرينات، مهندس معماري، شكله مرتب، بس عينه فيها توتر غريب… دخل العيادة وقاللي بصوت واطي:
هو "دكتور… أنا مش بنام في بيتي بقالي ٤ أيام… كل ما أرجع، أسمع نفس الصوت… بيكلمني من تحت السرير."
سألته:
"يعني إيه بيكلمك؟ بيقولك إيه؟"
رد وهو مرعوب:
"بيقوللي... أنا صاحي قبلك، وهفضل بعدك…
بيقولها كل ليلة الساعة ٣ و١٣ دقيقة."
أنا فكرت إنها هلاوس، فبدأت معاه بجلسات تهدئة وطلبت منه يسجل الصوت لو سمعه تاني.
بعد يومين… رجع، باين عليه ما نامش، وعينه فيها احمرار.
ورمالي موبايلي علي المكتب وهو بيرتعش … وسمعت.
كان في صوت خفيف… وبعدها جملة بصوت غريب، رخيم، كأنه طفل متخفي في طبقة صوت شخص كبير:
"أنا صاحي قبلك… وهفضل بعدك… قرب، قرب أكتر، تحت السرير فيه حاجه ليك."
في اللحظة دي، أنا اتجمدت.
الصوت مش بس واضح… ده بيقول اسمه كمان في الآخر!
---
قررت أزوره في البيت…
مكان نظيف، مرتب… بس الأوضة اللي بينام فيها كانت برد مبالغ فيه، حتى في عز الصيف.
جربنا ننام هناك، أنا على الكنبة، وهو على السرير.
الساعة ٣:١٣ بالظبط… جت الجملة:
"أنا صحيان قبلك… وهفضل بعدك…"
لكن المرة دي… الصوت كان ورا ودني!
قمت مفزوع، نورت النور… مفيش حد.
بصينا تحت السرير، لقينا حفرة صغيرة جدًا… لكن غويطة…
كأن الأرض فيها تشقق قديم، طالع منه ريحة تراب ميت.
وسمعنا الصوت تاني… بس من الحفرة:
>"لو بصيت أكتر… مش هتعرف تطلع."
---
من هنا بدأت الكوابيس.
الولد بقى يشوف نفسه نايم جوه الحفرة دي، بيتسحب…
وكل ليلة كان بيصحى على جملة جديدة، الصوت بيقولله:
"أنت اتكلمت عني… دلوقتي لازم أخرج معاك."
ابتديت ألاحظ إن جسمه بقى يضعف، وزنه قل، وكل ما يشوف مراية، يقول إنه شايف "حاجة" واقفة ورا ضهره… بس مبتتحركش.
---
جبت شيخ قريب مني، وقعدنا نقرأ قرآن في الأوضة.
والغريب… إن الحفرة بدأت تطلع ريحة نار.
والصوت اختفى لحظيًا، لحد ما الشيخ قال:
>"ده مش جن عادي…
ده كيان اتغذى على الخوف، وفتح باب من عقله للعالم بتاعه.
السر في أول مرة خاف فيها من تحت السرير، وهو صغير… والكيان استنى لحد ما بقى ضعيف كفاية ."
---
بدأنا علاج نفسي عميق، مع جلسات تحصين دينية يومية.
وفي آخر جلسة، خلى الشاب يبص في الحفرة، ويقول:
"أنا مش خايف منك… ومش هديك من روحي حاجة."
الدخان اللي كان بيطلع من الحفرة وقف.
والبيت بقى طبيعي.
والولد؟
اتغير تمامًا… بقى أقوى، وعرف ينام لأول مرة من غير منام مرعب.
---
#نصيحه :
أوقات الخوف اللي من وإحنا صغيرين… لو سكتنا عنه، ممكن يكبر جوانا… ويبقى باب لحاجة تانية تدخل.
واحنا لازم نواجهه… بعقلنا، بإيماننا، وبالنور اللي جوانا.
---
بعد ما الشاب بطل يسمع الصوت، والبيت رجع طبيعي، أنا كنت فاكر إن الموضوع خلص.
لكن الحقيقة… كان لسه في باب مفتوح.
---
عدّى شهر، وكنت قاعد في العيادة براجع حالات، لحد ما لقيت ظرف بني على المكتب… من غير اسم، من غير ختم.
جواه كانت رسمة مرعبة مرسومة بإيد واضحة إنها بتترعش… الرسمة كانت لطفل صغير نايم على السرير، وتحت السرير… فيه عين واحدة بس بتبص لفوق، وحواليها زي دوائر سودة كأنها موجات صوت.
وتحت الرسمة جملة مكتوبة:
"هو ما مشيش… هو بس غير شكله."
---
اتصلت بالشاب… مردش.
روحت له البيت… الجيران قالوا إنه اختفى بقاله ٣ أيام، بس محدش لاحظ، لأن باب بيته كان مقفول من جوه.
كسرت الباب مع الشرطة…
البيت فاضي، بس ريحة التراب كانت راجعة.
ودخلت الأوضة.
تحت السرير؟
الحفرة كانت مفتوحة تاني… بس أعمق، والحيطان حواليها متشققين كأن الأرض بتبلع نفسها.
وعلى الحيطة… مكتوب بالدم:
"هو اللي قرّب… مش أنا اللي ناديت."
---
قعدنا نحقق في تاريخه… وطلع إن أول مرة خاف فيها من تحت السرير، كان عنده ٧ سنين، بعد ما مات أخوه التوأم في حادث غرق.
بس الغريب؟
إن التوأم التاني اختفى الجثة بتاعته من المشرحة… وماحدش عرف مكانه!
---
بدأنا نربط الأحداث…
هل ممكن الكيان ده، يكون دخل من أول ما مات أخوه؟
ولا الكيان استخدم الرعب القديم كقناع؟
قررت أرجع للشيخ اللي ساعدني.
قاللي:
"في كيانات مش جن… ولا عفاريت.
دي بتتخلق من خوف البشر…
وكل ما الطفل يفضل شايل الخوف ده جواه، الكيان يكبر ويعيش على حسابه."
"في حالات نادرة… الكيان يقرر "يُجسد" نفسه… وياخد مكان شخص تاني… خصوصًا لو فيه توأم، والطرف التاني ضعيف."
---
ومن يومها، بقت تيجي ليا حالات بتشتكي من نفس الصوت…
ناس عمرها ما قابلت الشاب ده، بس لما يوصلوا لسن معين، ٣٠ سنة تحديدًا… يبدأ الصوت ييجي الساعة ٣:١٣ فجراً،
ويقول:
"أنا صاحي قبلك… وهفضل بعدك."
و ب المناسبه يا اصدقائي بيقال عن الأشخاص دي أنهم من الزوهريين
وكلهم… كانوا اتعرضوا لخوف عنيف وهم صغيرين تحت السرير.
---
دلوقتي، أنا مش دكتور بس… أنا بقيت حارس باب، ما ينفعش يتفتح.
والسؤال اللي لسه محدش جاوب عليه:
هو الكيان ده بييجي من خوفنا؟
ولا إحنا اللي بنخلق الكيان… لما نخاف بزيادة؟
---
كل خوف ليه جذور… بس لما نسيبه ينمو، بيبقى وحش.
واجه خوفك، احمي طفلك اللي جواك… قبل ما حاجة تانية تاخد مكانه.
---
أنا كنت فاكر إن دوري خلص… دكتور نفسي، ساعد مريض، شاف حاجات أغرب من الخيال، واستعان بشيخ علشان يقفل الباب.
بس اللي ما كنتش عارفه…
إن الباب ده مش بيقفل من برّه… لازم حد يقفله من جوه.
---
بعد تكرار الحالات، والرسومات، والأصوات اللي بتتكرر في نفس المعاد…
بدأت أحس إن الكيان ده ما كانش بيطاردهم بس،
كان بيحضّرني أنا.
لحد ما وصلتني رسالة على تليفوني من رقم مجهول:
"اللي ساعدته… ساب الباب مفتوح.
لو ما قفلتوش… هنشوف أكتر من عين واحدة."
قررت أنزل الحفرة.
رجعت نفس البيت، نفس الأوضة، وكان معايا الشيخ وصاحب ليا من الداخلية. الحفرة كانت أعمق بكتير من قبل كده…
ريحة عفت، وبرودة مش طبعية… كأنك نازل قبو عمره آلاف السنين.
كلنا نزلنا… وكل خطوة كأنها بتسحب جزء من روحك.
المكان تحت كان ممر طويل، وعلى الجدران مرايات سودة، مش بتعكسك، بتوريك نسخ منك بتصرخ، بتتحلل، بتبص عليك.
ولقينا أول حاجة غريبة:
سرير صغير… قديم، وعليه لعبة دب محروقة من النص التحتاني.
واللي أغرب؟
اللعبة كانت بتتكلم بهمس، بصوت طفل:
"أنا مستنيك… من زمان قوي."
---
الشيخ بدأ يقرأ… والصوت كان بيعلى.
"ماينفعش تقفل الباب… وانت ما فتحتش قلبك للي كنت خايف منه."
في اللحظة دي… الجدران كلها اتشقّت.
وخرج من المرايات نسخة مني… بس عينيها سودا بالكامل. وبدأت تتكلم بصوتي:
"إنت ساعدت الكل… وسايب نفسك؟
إنت بتعالج الناس من كوابيسهم، وانت نفسك مش نايم من سنين."
الشيخ قاللي:
"ده مش جني… ده ظلّك اللي سابك من كتر القهر والضغط، ورجع يطالب بجزء منه."
---
اللحظة دي، كانت الاختبار.
لو خفت… الكيان هيستبدلني.
لو واجهت… الباب هيتقفل للأبد.
بصيت في المراية… وأنا برتعش،
بس قلت:
"أنا مش كامل… ومش لازم أكون.
أنا تعبت، آه، بس ما استسلمتش.
وكل يوم بصحى، يبقى أنا لسه في المعركة."
---
المرايا بدأت تتشقّق…
النسخة دي صرخت، والسرير اتحرق لوحده،
والدب اتحول رماد.
وسمعت صوت يقول:
"الباب اتقفل… بس في غيره لسه مفتوحين."
---
خرجت من الحفرة… وأنا مش نفس الشخص.
أنا دلوقتي مش بس بعالج المرضى…
أنا بحميهم من نفسهم.
---
الرسالة:
كل واحد فينا عنده ظل…
بس مش لازم يبتلعنا.
واجه، ما تهربش.
لأنك لو ما دخلتش الحفرة بإرادتك… هي اللي هتجيلك.