رواية اوجاع الماضي الفصل التاسع
عز: مش فاهم حضرتك، تقصد اي ؟؟
الأب: ما شاء الله عليك وعلى ولادك. بنتك مذيعة كبيرة ومخطوبة لابن وزير الداخلية، يعني الباب العالي! وانته، اهي المذيعة بتقول على حضرتك "رجل الصناعة الأول"، وولدك الكبير ظابط، والتاني طيار، وصحابكم من عليه القوم.
بسيوني (مبتسم): اسمحلي ياعمي، عز ولد حلال مصفّى، يستاهل كل خير.
عشق: وتعرف يا جدي؟ كمان بيعملوا خير كتير قوي. عمي عز عامل جمعية خيرية بتساعد المحتاجين، وبيجهز البنات الغلابة للجواز، غير المرتبات الشهرية.
كل ده وعبدالرحيم واقف ساكت، لكن فجأة قال وهو بيضحك بسخرية:
عبدالرحيم: احمد ربك إنك متجوزتش البومة الفجرية دي! أنا كده أكون عملت فيك معروف، المفروض أبقى شريكك في كل اللي عندك!
الأب: دي ناس ليها بخت، وناس ليها مرار.
عبدالرحيم: يا أخي، قول ما شاء الله، انت هتحسد أخوك؟
عبدالرحيم: أحسده؟ ده أنا حاقد عليه!
شمس: يا أبويا، ما انته كمان الحمد لله، اللي عندك كتير.
صافيه: ما هي البومة دي كتبتلك نص ورثها من أبوها، يا إكرام وهي ميتة.
عبدالرحيم: والله ما يشبع، ولا مال قارون يشبعه!
في اللحظة دي نزار كان بيبص لعشق بنظرات كلها هيام.
أدهم: إيه يا نزار، إحنا هنا!
نزار: هااه؟
ليضحك أدهم: بقولك إيه يا نزار، ما تيجي تفرجنا على البلد؟
جميلة: آه ياريت، نفسي أشوف بلدنا.
أدهم: بعد إذنك يا جدو.
الجد: روحوا اتفرجوا على البلد يا ولدي.
نزار: يلا بينا يا شباب!
جميلة: يلا!
عشق: أروح معاهم يا أبا؟
بسيوني: روحي مع إخواتك يا بتي.
خرجوا كلهم ونزار قال بحماس:
نزار: تعالوا نشوف أرض الأحلام بتاعتي!
جميلة: أرض الأحلام؟ إزاي يعني؟
نزار: تعالوا وشوفوا!
راحوا لقطعة أرض صغيرة مزروعة ورد.
نزار: إيه رأيكم؟
عشق (مبهورة): الله! فيها كل أنواع الورد!
نزار يقطف وردة ويديها لعشق:
نزار: عارفة الوردة دي اسمها إيه؟
عشق (بخجل): لا؟
نزار: اسمها "عشج".
تحمر خدود عشق وتبتسم.
جميلة: إحنا هنا يا نزار، خلّيك حلو بقى!
وفي الجهة التانية، أدهم لاحظ بنت بتجري بخوف، جري وراها وسألها:
أدهم: فيه إيه يا آنسة؟ بتجري كده ليه؟
نسمة: ومالك؟ أجري ولا ماجريش؟
أدهم: لا، بس شكلك مش من البلد؟
نسمة: فعلاً. بس سيبني أكمل جري.
أدهم: طب بجدي، بتجري من إيه؟
نسمة: من أخويا! ضرب مراته وعايز يضربني.
أدهم: وضربتيها ليه؟
نسمة: خدت جزمتي وخرجت بيها!
أدهم (ضاحك): تضربيها علشان جزمتك؟
نسمة: وكسر عضامها كمان! المسوسة دي!
أدهم: مسوسة؟ يعني إيه؟
نسمة: يعني سوسة، بتقوم أخويا عليا!
أدهم: طيب تعالي اقعدي مع أخواتي هنا.
نسمة: نوعهم إيه إخواتك؟
أدهم: بنات، يلا شوفي بنفسك.
دخلت نسمة الخص وقالت:
نسمة: يا بوي على الهم! نزار! واد عبدالرحيم الضلالي! والبت عشج السهتانة!
بصت لجميلة:
نسمة: أوبا، مين البت الأجنبية دي؟
جميلة: أجنبية؟ والله انتي عسل!
عشق: دي عسل؟ دي لسانها طويل ويدها أطول!
نسمة: يا بت، هجملك!
نزار: ما تلمي دورك يا نسمة!
نسمة: أنا أعضك والله!
أدهم: إيه البت دي؟
نسمة: إنت كمان!
نزار: جوليلي، ضربتي مين النهاردة؟
نسمة: مرات أخويا، وكمان بنتها.
أدهم: ليه الافترا ده؟
نسمة: لازم يتربوا!
أدهم: انتي بنت مين؟
نسمة: وانت مالك! إيه الفضول ده!
نزار: يا نسمة، ده أدهم، ابن عمي عز، كان عايش في مصر.
نسمة: يعني ضلالي زي أبوه؟
نزار: اقفلي خشمك!
أدهم (مغتاظ): انتي مبتحترميش حد؟
نسمة: بحترم شمس بس، راجل بصح!
أدهم حس بغيرة من شمس، ومش عارف ليه.
جميلة: بس باين عليكي طيبة.
نسمة: أنا طيبة مع الطيب، أما قليل الحيا بعرفه شغله.
عشق: خلاص بجا، ربنا يهديكي.
نسمة: بجولك إيه، يا عشج؟ نلعب سباج، واللي تكسب تضرب التانية!
أدهم: حتى في اللعب عندك ضرب؟
نسمة: ما لك؟ بكلم عشج، خليك في حالك!
جميلة: إيه بس يا نسمة، ده أدهم طيار!
نسمة: يعني بيسوق طيارة؟ ده شكله مدرس ألعاب!
أدهم: لا يا أختي، طيار كبير كمان!
نسمة: طيب هنشوف!
أدهم: عندك طيارة أركبك؟
نسمة: لا، انت اللي هتجيبها وتركبني!
أدهم: لا والله، انتي في المهلبية خالص!
نسمة: ما تخلنيش أعملها معاك!
نزار: شمس في البيت، بس المرة دي مش هيتدخل بينك وبين أخوكي.
نسمة: شمس بيعزني وميرفضليش طلب!
أدهم: إيه العشم ده؟
جميلة (بضحك): قابل يا أدهم!
أدهم: أنا مروح!
نسمة: خدني معاك بيتكم.
أدهم: روحي لوحدك.
نسمة: أروح ليه؟ عايزة أشوف خيتي روضة، وحامد حبيب خالته.
أدهم: إيه؟ انتي أخت مرات شمس؟
نسمة: أيوه، وشمس في مقام أخويا الكبير.
أدهم: مش تقوللي من الأول؟
نسمة: هتوديني ولا لأ؟
أدهم: تعالي يا فالحه!
جميلة (ساخرة): أوبا! أدهم وقع في المجنونة! ياعيني عليك يا أخويا!
أدهم: قدامي يا أختي.
نسمة (بتتأفف): طيب ما تزقش! ما كنتش عاوزة أروح معاك أصلاً! كنت هاروح لوحدي، بس والله لولا خوفي من معتمد أخويا كنت مشيت من زمان. أنا مش عارفة عملتله إيه!
أدهم (ضاحك): ولا حاجة! ده إنتي يا دوب كسرتي مراته وبنته... حاجة بسيطة يعني!
نسمة: وشكلي هكسر حد تاني كمان!
أدهم: لا بقى... قلبك أبيض!
---
في منزل إكرام، كان إبراهيم بيكلم والدته.
إبراهيم: بقولك إيه يا أما، أنا خالتي إكرام وحشتني جوي.
عايدة (بحدة): ولا خالتك إكرام، ولا ربراب!
إبراهيم (بتعجب): هو انتي ليه بتكرهيها؟ دي طيبة قوي، وبتعاملني أنا وأخواتي البنات كأننا ولادها، ويمكن أكتر! وإحنا يعني شغالين عندها!
عايدة (بغضب): إحنا مش شغالين عند حد، وبكره كله يبقى بتاعنا!
إبراهيم (منبهر): يعني كل العز ده يبقى بتاعنا؟
عايدة: بس اللي في بالي هو اللي هيحصل!
إبراهيم: طيب، أنا عاوز أروح ألعب مع حامد.
عايدة: روح مع عمك عبد الكريم، ولما تكلمه، قوله "يا أبا".
إبراهيم (بتردد): بس هو مش أبويا...
عايدة: اسمع الكلام زي ما بقولك.
إبراهيم: حاضر.
يدخل عبد الكريم فجأة.
عبد الكريم: السلام عليكم.
عايدة: وعليكم السلام.
عبد الكريم: إزيك يا إبراهيم؟
إبراهيم يبص لأمه، وبعدين يقول بفرحة:
إبراهيم: الحمد لله... يا أبا!
عبد الكريم (مبسوط): إنت قلت "يا أبا"؟ هو أنا زعلت؟ ده أنا كنت مستني أسمع الكلمة دي من زمان!
عايدة (بخبث): لمؤاخذة يا حاج، أصل الواد نفسه يجول "يا أبا"، وانت عارف إن أبوه مات وهو صغير.
عبد الكريم (فرحان): زعلت إيه؟ ده أنا فرحان جوي!
عايدة: روح العب مع إخواتك يا إبراهيم.
إبراهيم: حاضر يا أما... بس يا أبا، لما تروح البيت الكبير عند حامد، خدني معاك.
عبد الكريم: حاضر، أغير هدومي ونروح سوا.
إبراهيم يجري يلعب، وتتحول عايدة لعباراتها بدلال:
عايدة: شكلك فرحت قوي لما إبراهيم قالك "يا أبا"!
عبد الكريم: آه والله... فرحت جوي.
عايدة: أمال بقى لما يجيك اللي من صلبك، هتعمل إيه؟
عبد الكريم (مندهش): ده أنا ممكن أجيبله الدنيا كلها! ده أنا ممكن أجن من الفرحة!
عايدة: اسم الله عليك، يا أبو ولدي...
عبد الكريم (بابتسامة فيها حسرة): كنت أتمنى إبراهيم يبقى من صلبي، عشان أبقى أبو ولدك بجد.
عايدة (بهدوء): ما هو هتبقى أبو ولدي... بجد.
عبد الكريم (مستغرب): بتقولي إيه؟
عايدة (بهمس): حامل... والله حامل.
عبد الكريم (بصوت عالي وفرحان): يا فرحة قلبي! يا ناس... حامل بجد؟!
عايدة (بتأكيد): آه والله.
عبد الكريم (بحماس): من النهاردة، أوعي تعملي أي حاجة! ترتاحي وتدلعي!
عايدة: ومراتك؟
عبد الكريم: هقولك إيه؟ هاخدلك بيت من بابه... ليكي انتي وولدنا وعيالك.
عايدة (بطمع وفرح): ميته في الشهر الجاي، بس انت متأكد إنك مبسوط؟
عبد الكريم (بحزم وفرحة): بس إنتي حامل صح؟
عايدة (بضحكة ماكرة): وغلاوتك عندي... حامل!
عبد الكريم: طيب، أنا لازم أغير هدومي وأروح أسلم على عز، ولما أرجع نحتفل بولدنا اللي جاي!
عبد الكريم: يلا يا إبراهيم، عشان نروح سوا.
إبراهيم (بفرحة): يلا يا أبوي!
عبد الكريم (وهو بيبتسم بس صوته جدي): بس اسمعني يا ولد... ما تجولش "يا أبا" قدّام حد، مفهوم؟
إبراهيم (موافِق وهو يومّي برأسه): حاضر يا أبوي.
عبد الكريم (بصوت مليان شوق وفرحة): بُكرة... بُكرة ييجي اللي يجوللي "يا أبا" وهو من صُلبي...
آه يا عبد الكريم... خلاص، هتبقى أب، وهييجي محمد عبد الكريم أبو الكرم!
(يرفع إيده للسماء): الله أكبر!
وقال عبد الكريم في نفسه، وهو ماشي جنب إبراهيم:
"يا ترى... لو إكرام عرفت؟ هي؟ ولا حد من ناسها؟
أنا كده بكون كسرتهم... بس أنا من حقي أبقى أب!
كفاية عمري كله اللي ضاع معاها.
لو كانت خلفت من زمان، كان زمان ولدي دلوقتي نِد لشمش، واد عبدالرحيم.
إيه العجب يعني؟ كل الناس حواليها عيال... إلا أنا؟!"
نظرة فيها وجع وفرحة، وأمل أخير، رسمت ملامحه، وسابها في صمت.