رواية ظلال فيينا الفصل الاول بقلم جميلة القحطاني
دخل أدريان كيلر المكتبة بصمتٍ ثقيل، تنفّس الهواء العابق برائحة الورق القديم، ثم فكّ ربطة عنقه ببطء كما لو كان يتحرر من عبء يومٍ آخر في قسم الجرائم. كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً، وأضواء المدينة تتراقص خلف زجاج النوافذ كأنها تهمس بأسرار لا يُفصح عنها.
دلف بعده ليام نوفاك، زميله الجديد وذراعه الأيمن، بخطى خفيفة، يحمل في يده ملفًا رماديًا وعلبة قهوة. ألقى نظرة خاطفة على وجه كيلر المتجهم، ثم قال بنبرة ممزحة:هل القضية صعبة الحل؟ ولا توصلت للمجرم من أول نظرة كعادتك؟
لم يبتسم أدريان. اكتفى بالإيماء ناحية الملف.اقرأ بنفسك... هذه ليست قضية عادية يا نوفاك. د. إليزا ويبر، أستاذة علم النفس بجامعة فيينا، عُثر عليها مقتولة في مكتبها. لا بصمات. لا كاميرات. لا أصوات. فقط... رسالة مكتوبة بخط يدوي:العقل هو السلاح الأكثر خطورة.
صمت ليام لوهلة، ثم قال:دا مش تهديد عادي. ده توقيع.
فتح أدريان خزانته الحديدية وسحب منها مسدسه، ثم نظر إليه بثبات:ودي مش جريمة عادية. دي بداية شيء أكبر... شيء اشتغلت إليزا عليه، وسِرّه مات معاها... أو يمكن لأ.
وقبل أن يخرج، التفت نحو ليام وقال:مستعد تنزل معايا لتحت؟ لأننا مش هنلاقي الأجوبة في التقارير... بل في الأماكن اللي الناس بتخاف تلمسها.
ابتسم ليام ابتسامة مائلة وقال:جبت القهوة، والباقي على الله.
ثم انطلقا معًا... فيينا تغفو، لكن الظلال بدأت تتحرك.
الطابق الثالث من مبنى الجامعة القديمة كان ساكنًا كالقبر، لا يُسمع فيه سوى صدى خطواتهما. كانت الغرفة 304، مكتب الدكتورة إليزا ويبر، لا تزال مغلقة بشريط الشرطة الأصفر.
فتح أدريان الباب بهدوء، وأضاء المصباح اليدوي، فرسم النور شبحين على الجدار المقابل. المكتب بدا كأن صاحبه اختفى في منتصف فكرة؛ أوراق متناثرة، كرسي مائل، فنجان قهوة جاف، وبقعة دم صغيرة على طرف المكتب.
قال ليام بصوت منخفض:غريبة إنها كانت قاعدة لما اتضربت، مفيش أي آثار لمقاومة.
أشار أدريان إلى صورة مؤطرة موضوعة على الرف: كانت صورة جماعية لفريق بحثي، من ضمنهم إليزا، ووجوه أخرى شاحبة. مرر أصابعه فوق الزجاج ثم تمتم:
كانوا خمسة في هذا المشروع... لكن أربعة فقط موجودين على قيد الحياة الآن.
اقترب ليام من المكتب الرئيسي وفتح درجًا جانبيًا. أخرج ملفًا أسود عليه اسم: MIRROR. قلب الأوراق سريعًا وقال:ده مش بحث عادي. ده تجريب على سجناء