رواية ببن تاجن ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم ميلي ميس

رواية ببن تاجن الفصل الاول بقلم ميلي ميس

منذ أزمانٍ غابرة، في عالمٍ تمزّقه النبوءات ويحكمه السحر، وجدت مملكتان لا تربطهما سوى الكراهية والدماء: أرثرا، مملكة النور والحكمة، ودراكون، أرض الظلال والنار. وبين أسوار العروش المتنافرة، وتحت همسات النجوم القديمة، وُلدت قصة حبّ لا شبيه لها، حبّ تحدّى المستحيل، ودوّنه القدر في صفحات الخلود . في وسط ظلام مملكة دراكون، وُجدت جوهرة فريدة من نوعها… إنها الأميرة كاليزرا،  كانت كاليزرا، أقوى أميرات دراكون وأجمل امرأة في المملكة، وإبنة الملك مالريكس، سيد الظلال ولهيب الحرب. كانت  تشبه شعلةً لا تنطفئ... بشعرها الأحمر الناري الذي يتمايل كاللهب، وعينيها الخضراوين كزمردٍ نادرٍ وسط الرماد. لكن ما ميّزها عن كل من في دراكون، لم يكن الجمال وحده، بل قلبها... ذاك القلب الرقيق الذي خالف طبيعة شعبها. في أرضٍ يحكمها الطمع بالقوة، والهوس بالسحر الأسود، والتفنّن في التحكم بالنار، كانت طيبة كاليزرا تُعتبر ضعفاً، ونقطة هشاشة لا تليق بدماء الملوك. كانت الابتسامة على شفتيها تُثير قلق والدها الملك مالريكس، وكان حنوّها على الضعفاء يُقلق كبار السحرة الذين لطالما أرادوا منها أن تكون أداة حرب لا أكثر, فكاليزرا لم تكن أميرة عادية، بل كانت وريثة شعلة التنين—أقوى شعلة عرفها الوجود، نار لا تُروَّض ولا تُطفَأ. وفي كل جيل، يولد فرد واحد فقط من السلالة الملكية يحمل تلك الشعلة، وتلك المرة، كانت كاليزرا. شعلتها لم تكن نابعة من غضب أو كراهية، بل كانت شعلة تنين أسطوري، معروف في الحكايات القديمة بالوفاء والرحمة… تنينٌ لا يُقاتل إلا من أجل الحب والعدل، ومع ذلك لا يُهزم . ومن الجهة الأخرى، في قلب مملكة أرثرا بالتحديد، بزغ نجم حاكم شاب، ملك لم تعرف المملكة مثله من قبل. ملكٌ قويّ، شجاع، لا يهاب حربًا ولا يخشى ظلالًا. حمل على عاتقه تاجا ثفيلا إلا أنه لم ينحني يوما من ثقله إنه الملك ألثورين، كابوس دراكون، ورمز المجد في أرثرا. #البارت الأول للرواية في أحد الأيام، أُصيب الأمير الشاب إيليريون، الشقيق الأصغر للملك ألثورين، بمرض نادر يُدعى نورفينيا—داء قاتل يصيب كل من يفقد السيطرة على طاقته النورانية. هذا المرض كان بمثابة لعنة قديمة، لا ينجو منها أحد… فكل من أصيب بها لقي حتفه، وكأن النور نفسه ينهش جسده من الداخل. غير أن هناك أملًا ضعيفًا، لا يوجد إلا في الأساطير القديمة… جوهرة نارية سوداء، تُدعى فالستيرا، تحمل طاقة بدائية نادرة، قيل إنها الوحيدة القادرة على امتصاص لعنة نورفينيا وإنقاذ حاملها. لكن المشكلة أن هذه الجوهرة لا توجد إلا في أعماق أراضي مملكة دراكون، وسط وحوش اللهب وسحرة الظلال. في رواق القصر الضخم، كان صوت خطوات الملك ألثورين يعلو كالرعد، يركض بخطى حاسمة نحو غرفة أخيه فور سماعه بالخبر. لقد حذره مرارًا ألا يتجاوز حدود النور، ألا يسعى للدرجات الفائقة التي لا يتحمّلها جسد بشري. لكن عناد إيليريون كان لا يُقهر، وها هي النتيجة… فتح الملك الباب بقوة، ليجد الحكيم سيرفاليوس واقفًا قرب سرير الأمير، وجهه شاحب ونظراته مليئة بالقلق. الملك: "أخبرني، أيها الحكيم… هل الأمير بخير؟" تنهد الحكيم ببطء، وأجاب: "وضعه يزداد سوءًا… لقد تغلغلت اللعنة في جسده." ثم خفض صوته وأكمل: "أنت تعرف هذا الوباء يا مولاي… لا علاج له إلا…" وسكت. الملك، وقد ضاق صدره: "قلها. لا تُخفي عني شيئًا." الحكيم نظر إليه بثقل وقال: "إلا فالستيرا. الجوهرة السوداء. لكنك تعلم أين توجد…" ساد الصمت لثوانٍ داخل الغرفة، لا يُسمع فيها سوى أنفاس إيليريون المتقطعة، ونبض التوتر في عروق الملك ألثورين. الملك (بصوت منخفض كأنه يحدث نفسه): "فالستيرا… الجوهرة التي لا ينجو من سعيها أحد. في قلب دراكون… تحت أنياب التنانين السوداء وسحر الظلال." التفت إلى الحكيم، عيناه تشتعلان بنورٍ جامد: "كم من الوقت أمامه؟" الحكيم: "أيام قليلة فقط… ربما أسبوع على الأكثر. وبعدها، لن يبقى منه سوى رماد من نور." شد ألثورين قبضته، وبرودة غير طبيعية غطّت الغرفة، تجمد ضوء الشموع للحظة، وساد صقيع حادّ حوله. كان ذلك دليلًا على قراره. الملك: "سأذهب بنفسي." ارتجف الحكيم من وقع الجملة: "لا… يا مولاي، لا يمكنك! دخول دراكون معناه إعلان الحرب! إن علم الملك مالريكس أنك هناك…" قاطعه ألثورين بحزم: "فليعلم. إن كانت الحرب ثمن إنقاذ أخي… فلتشتعل نارها." اقترب من فراش أخيه، جلس بجانبه وأمسك بيده، نظر إليه وكأنه يتحدث إليه رغم غيابه عن الوعي: "لقد أخطأت، يا إيليريون… لكنني لن أسمح للموت أن يأخذك." ثم وقف، رفع رأسه نحو الحكيم، وقال: "هيّئ لي فرقة ظلّية. نخبة الجنود السريين. وابقَ الأمر طيّ الكتمان… لن يعرف أحد أنني دخلت دراكون." في أروقة قصر أرثرا العتيق، حيث الجدران مزينة بنقوشٍ تروي ملاحم النور، تحرّكت التروس في صمتٍ مريب… فالملك ألثورين، رغم صلابته الظاهرة، كان يُخفي في صدره عاصفة من المشاعر. أمر بتجهيز "فرقة الظلّ" — نخبة لا يعرفها حتى كبار القادة، جنودٌ مدرّبون على التسلل، التمويه، والقتال في أحلك الظروف، وُجدوا فقط للطوارئ الكبرى. في قاعة سفلية مظلمة، اجتمع القائد كيريان، أكثر رجاله إخلاصًا، وأقربهم إلى قلبه. كان صامتًا، ينتظر أوامر سيده، بينما الجنود خلفه يرتدون دروعًا خفيفة من سبائك فضية سوداء تمتصّ الضوء، وتخفيهم عن الأنظار. ألثورين: "المهمة لن تُكتب في السجلات، ولن تُذكَر في التواريخ… من يرافقني، قد لا يعود." كيريان، بعينين لا تهتزّان: "أينما تذهب يا مولاي، يتبعك ولاؤنا… حتى لو كانت الأرض تحترق." أومأ ألثورين، ثم أخرج خريطة قديمة، مرسومة بحبرٍ ذهبي على جلد تنين. وضعها على الطاولة الحجرية، وأشار إلى نقطة معزولة على حدود دراكون: ألثورين: "سندخل من ممر فالدوين. إنه معبر قديم، مهجور منذ حرب الظلال الأولى. لا تراقبه حواس الظلام بعد… أو هكذا نأمل." في تلك اللحظة، دخلت مستشارته الخاصة، السيدة إلينورا، ساحرة النور ورفيقته في أكثر من معركة. كانت عيناها متوترة، وصوتها يرتجف بغضبٍ هادئ: إلينورا: "ألا تدرك أنك تُخاطر بحياتك، وحياة المملكة؟ هناك طرقٌ أخرى!" ألثورين، بصوت حازم: "لا وقت للطرق الأخرى… أخي يُحتَضر." اقتربت منه، وضعت يدها على قلبه، وشعرت بالصقيع الذي يسكنه: إلينورا: "إن دخلت دراكون… فالنبوءة ستتحرّك. لا تنسَ، هناك من قال أن لقاء النور بالنار سيشعل نهاية الممالك." ابتسم ابتسامة باهتة، ثم قال: ألثورين: "إذن فلتكن النار. لكنني لن أسمح للقدر أن يأخذ إيليريون." بصمت قاتم، خرج الجميع لتنفيذ الأوامر، ولم يبق في القاعة سوى ألثورين، واقفًا أمام درعه الملوكي. لم يرتده هذه المرة. بل اكتفى برداء أسود خفيف، يحمل رموزًا قديمة محفورة بالسحر، تخفي هويته وتخمد نوره. ثم، أخذ من صندوق صغير قلادة فضية على شكل شمسٍ منكسرة — كانت هدية من والدته، رمز القوة والرحمة. ألثورين (يهمس): "احميني… لأجله." وهكذا، قبل طلوع فجر اليوم التالي، خرج الملك مع فرقته من البوابة الشرقية… ليس كملك، بل كظلٍّ يتسلل إلى أعماق الجحيم، حيث تنتظره النار، والمصير. 
تعليقات