رواية صرخات انثي الفصل المائة واربعه 104بقلم آيه محمد رفعت

 


رواية صرخات انثي الفصل المائة واربعه بقلم آيه محمد رفعت


اهتز "علي" في وقفته صدمة مما استمع إليه، بينما يستمر "عُمران" في مواجهته، ووجعه ينطق بين رماديتاه من هول ما يحاول تصديقه، يتمنى أن ينفي أخيه كل ذلك، ولكن المشاهد داخل عقله تُعاد لتؤكد له إنها حدثت بالفعل!! 

كلما إستراد جزءًا من ذاكرته المفقودة، يرى نفسه بشخصية شيطانية، تجعله لا يريد استردادها أبدًا، يبعد بينه وبين هذا الشخص الزاني فرق الأمد، وبداخله أمنية غالية ان لا يكون هو هذا الشخص. 

أصبح "علي" جواره الآن، يحاوط ظهره العاري، ويخبره بكل ثباتًا يمتلكه: 
_عُمران حبيبي، كل ده كان من الماضي، إنت اتغيرت وآ. 

انفض كفه يعيدًا عنه، ومازالت نظراته تحيط عيني أخيه في صدمة،نطق بها لسانه: 
_إتغيرت!!  هو ده تبريرك على الجريمة اللي ارتكبتها. 

تنهد علي بقلة حيلة، ورد: 
_أنت توبت عنها يا عُمران. 

ارتسمت بسمة القهر على وجهه، وقال بسخرية: 
_أيه الضامن ليك إن توبتي اتقبلت عند ربنا؟  وأيه الضامن ليك إني رجعت عن القذارة دي؟؟؟ 

وتابع وهو يدنو إليه ببطءٍ: 
_إنت نفسك خدعتني يا علي، كدبت عليا لما سألتك، فقولي بأي حق هرجع أثق فيك تاني؟؟ 

إرتاب "علي" حينما رأى الاضطراب يزحف على معالم أخيه، وهو بنفسه يعلم ما الذي سيواجهه حينما يفقد ثقته الكامنة به، فعاد يقترب منه، وهو يحاول أن يقربه إليه قائلًا: 
_كان لازم أبعدك عن النقطة دي يا عُمران، لإنك بتواجه شخصيتك القديمة البعيدة عنك، أنت قبل ما تعمل الحادثة كنت شخص تاني، بعيد عن كل القذارة دي. 

اتسعت ابتسامته الساخرة، وعينيه تسترسل ألف قصة بُنيت على وجعٍ وألمًا عتيق، فاذا ببحته تجرح حلقه: 
_هو إنت ليه مش قادر تفهمني!!  أنت محسسني إني إرتكبت شيء هين وبسيط وواقف تقولي إني اتغيرت!  علي أنا زنيت!!  أنا إرتكبت كبيرة من الكبائر اللي بتهز عرش الرحمن!!!  

وأحنى رأسه أرضًا ودموعه تزحف على وجنتيه الساخنه: 
_يمكن عشان كده ربنا عاقبني باللي حصلي! 

هز علي راسه نافيًا ما ترسخ بعقل أخيه، بينما يستطرد عُمران في شرودٍ: 
_لو كان مصيري الموت كنت هقابل ربنا إزاي وأنا حامل الذنب ده؟؟  كنت هقف قدامه إزاي!! 

وتابع بارادة واصرار: 
_أنا لازم أطهر نفسي من الذنب ده، أنا مش هقابل ربنا بيه أبدًا، عقابي في الدنيا أهون من عقابه في الآخرة. 

واستدار إلى أخيه الذي يراقبه بخوفٍ، بعدما تفهم مغزى عباراته، فإذا بعُمران يتعمق برماديتاه وهو يخبره: 
_عقاب الزاني 100جلدة ده لو كان عازب، أما لو كان متجوز فعقابه الرجم حتى الموت. 

وتابع بعدما استدار بجسده إليه: 
_ثقتي إتهزت فيك مرة فلو اتهزت التانية هتخسرني يا علي؟ 

فهم مغزى سؤاله الغامض، فارتعش جسده وخفق قلبه من ربكة ما يتودد لعقل أخيه، ابتلع لعابه الهادر وقال: 
_عُمران بطل جنانك ده، وفوق آ.. 

قاطعه حينما حرر سؤاله المباشر: 
_إرتكبت الذنب ده وأنا متجوز ولا قبلها يا علي؟ 

إرتخى جسده ضعفًا، وهو يشاهد في عيني عُمران اصرار لمعرفة الحقيقة، وتحدي بأنه إن لم يواجهه بالحقيقة سيخسره تلك المرة، سقط "علي" على المقعد بارتخاءٍ، ودموعه تنساق على وجنتيه، تعلن هزيمته الساحقة أمام أخيه الذي فطن الاجابة الصريحة على سؤاله، ازداد حجم الألم الساري بقلب عُمران، فاذا به يميل مستندًا على الحائل الزجاجي من خلفه، وقد ارتسم بسمة ساخرة على شفتيه: 
_محكوم عليا بالموت! 

حافظ "علي" على انتظام أنفاسه المنفعلة، ورد عليه: 
_مش صحيح، ربنا سبحانه وتعالى رحيم بعباده، إنت بعدت عن معاصيته وتوبت منها، مبقتش تعمل غير اللي يقربك منه، سواء بقيامك أو بالصدقات اللي بتعملها. 

رفع رأسه المحني، وتطلع فيه، قائلًا: 
_مش كفايا يا علي، كل ده مش كفايا قدام ذنبي. 

وابتعد عن الحائل وهو ينطق بعزيمة: 
_أنا حياتي جحيم أصلًا فمش باكي عليها، أنا قابل بحكم ربنا سبحانه وتعالى، وجاهز ليه. 

قالها وإندفع تجاه الخزانة، يتلقف أول  قميصًا يقابله، ويرتديه فوق بنطاله باهمالٍ، صعق "علي" مما يراه، واتجه خلف أخيه يعركل طريق خروجه: 
_لو فاكر إني هسيبك تخرج من هنا ولا تنفذ الا في دماغك ده تبقى بتحلم، كل اللي إنت فيه ده مجرد اضطرابات لمواجهتك بشخصيتك القديمة، مجرد رجوع ذاكرتك ليك هتفهم إنك امتنعت عن كل القرف ده وبقيت شخص تاني. 

وتابع ليستميله: 
_ثم إنك لما ارتكبت الذنب ده مكنش في علاقة تجمعك بمايا غير عقد الزواج، يعني لو هنمشيها بحكم الله فأنت هتتعامل معاملة الأعزب. 

راقبه بصمتٍ بدى خطيرًا لأخيه الذي يترقب سماع رده، فإذا به ينزع حزامه الباهظ من حول خصره، ويقدمه لأخيه! 

وزع "علي" نظراته بين عيني عُمران المتجهمه، وما بيده، وازدرد بصعوبة: 
_عايز توصل لأيه يا عُمران؟ 

قطع صمته أخيرًا برده الصامت: 
_عايز أتخلص من كل الاحاسيس المقيته اللي جوايا، عايز أحب نفسي اللي كل مدى بكرهها أكتر، من الأول، وإنت اللي هتساعدني يا علي. 

ودنى منه يسحب كفه المبسوط ووضع فيه حزامه قائلًا بدموع متوسلة: 
_إجلدني وطهرني من الذنب ده! 

سقط الحزام أرضًا من يد علي المصدوم، فاحتكت طوقه الثمين بالأرضية مطلقًا صوتًا صاخبًا، كقرع قلوبهما، ومن بعده احتكاك ركبتي عُمران الذي ركع ينزع قميصه، وهو يتابع ببكاء: 
_عقابي في الدنيا أهون من إني أقابله وأنا شايل القذارة دي!  

وأضاف، وهو يميل برأسه على ساقي أخيه: 
_بالله عليك ساعدني، أنا مش طايق نفسي، أنا عصيت ربنا وكنت عارف عقوبتي، أنا إتجرأت على ربنا يا علي!! 

تهاوت دموع علي وقلبه يتمزق بين أضلعه وجعًا على أخيه الذي يطالبه بالقصاص، وهو غير أهل بفعل ذلك، فإن كان بيده لحمل عنه كل العذاب الذي يؤلمه يومًا، لو كان بيده لتجرع الكأس بأكمله دون أن يترك له رشفة تجدد بها وجعه وحزنه. 

سحب عُمران حزامه المُلقي أرضًا، ورفعه إلى أخيه قائلًا: 
_لو عايز تداري على أخوك عاملته البشعة دي هتعاقبني إنت، والا هخرج أنا وهروح لحد ينفذ بس خليك عارف إنك هتكون السبب برفع الستر عني. 

رفع علي رأسه عاليًا والدموع تتدفق من عينيه دون توقف، خسر كل ما تعلمه في التعامل مع أخيه، الذي اجتاحته نوبة اضطراب قاتلة، ما بين مواجهته بماضيه وحاضره، ولم يفق من قتله البطيء الا على سوط التحام السوط بجلد أخيه، الذي قرر أن لا يضعه بهذا الاختبار القاس وقرر أن يعاقب هو ذاته. 

جن جنون علي، وكأن السوط يهبط على ظهره هو، فانحنى يلتقط عنه الحزام، الذي ثناه ليجعله قاسيًا كضربة السوط، انتزعه "علي" منه وألقاه بعيدًا وهو يتفقد ظهر أخيه بجنونٍ لحق نبرته المبحوحة: 
_عملت أيـــــــه يا مجنــون!! 

أدمى جلده الأبيض جراء أول ضربة هوت على ظهره بقوته، بينما يحاول عُمران دفعه للخلف، حتى يصل لحزامه مجددًا، صرخ فيه علي وهو يحاوط جسده: 
_حرام عليك اللي بتعمله فيا وفي نفسك ده، فوق يا عُمـــــــــران، إنت بتشكك في رحمة ربنا، ربنا سبحانه وتعالى رحيم بينا كلنا، مين فينا خالي من الذنوب، من فينا معصوم من الغلط، ربنا مبيقفلش باب التوبة في وش حد يا حبيبي، وإنت توبت وندمت على ذنبك ده، والدليل إنك لحد النهاردة بتأنب نفسك عليه، ومش قادر تناساه. 

بكى بين ذراعيه وهتف بانكسارٍ: 
_بس أنا مش هعرف أتعايش بالذنب ده، هكره نفسي يا علي. 

شدد من الإحاطة به، وهو يراعي ألا يلامس جرحه الذي سرى بعرض ظهره العضلي، بينما يستطرد بدموعٍ تشق طريقها: 
_إنت مش وحش عشان تكره نفسك، إنت لو كنت كملت في معصيتك كان ليك الحق في ده، لكن إنت بعدت وقربت من ربنا، ولو عندك شك أن ربنا مغفرلكش توبتك مكنتش لحد النهاردة محافظ على قيامك ولا صلاتك. 

وأضاف بما يحاول أن يدمي به نيرانه:
_موسى حكالي على كل حاجة، إنت في عز تعبك ووجعك كنت بتقوم لصلاتك، مقدرتش تبعد عن ربنا سبحانه وتعالى، تفتكر لو هو كارهك كان هيحببك في طاعته وقربك منه بالشكل ده؟  

مال على ذراعه وقال بوجومٍ: 
_ذنبي هيقلل من درجتي عنده، ساعدني يا علي، بالله عليك تساعدني! 

سند رأسه للخزانة من خلفه، وبكى بصوتٍ مكبوت، بينما يميل عُمران على ساقه مستندًا برأسه على ذراعه الأيمن، موليه ظهره المجروح. 

رأى علي عُلبة الاسعافات الأولية، الموضوعة بأحد ادراج الخزانة الحاصة بمكينات الحلاقة الخاصة بأخيه، التقطة وفتحه بذراعه المتحرر، حتى جذب منها قطعة القطن ومطهر الجروح، سكب البعض منه على ظهر عُمران، وبدأ يداويه. 

ابتسم عُمران ومازال يميل على ذراع "علي"، يتمتم بسخطٍ: 
_بقولك عاقبني بتداويني! 

أزاح دموعه بكم قميصه المرفوع وقال بحزمٍ لجئ له: 
_اسكت مش عايز أسمع منك حرف تاني، إنت هتنفذ كل اللي أنا هقوله وهتعمل بيه بالحرف، سامعني!! 

اتسعت ابتسامته رغم سقوط دمعاته، بل أجابه بسخرية: 
_حاضر يا بابا. 

انتهى علي من تضميد جرحه، ونهض يسانده وقد استسلم له عُمران بجسدًا مهلكًا، وبنظراتٍ تضخ بالغموض الخطير! 

سحب علي قميصًا أخر لأخيه، طرحه عليه وقال: 
_هنروح مكان بترتاح فيه، ولعلمك بقى إنت سهمت بتجديد المكان ده، والناس هناك بيحبوك جدًا. 

استدار يسأله بلهفة أدهشته: 
_فين؟؟ 

منحه ابتسامة رغم حزنه وبكاء عينيه: 
_مسجد الشيخ مهران. 

رفرف قلبه كالعصفور الطليق، والحنين يضرم مشاعره بشكلٍ أذهله، فاذا به بمسك كف أخيه كالصغير: 
_أنا عايز أروح هناك يا علي. 

زوى حاجبيه بمكرٍ، وقال ضاحكًا: 
_اسمع كلام بابا اللي بيحبك وخايف على مصلحتك وأنا هوديك مكان ما تحب. 

زارته بسمة في وسط الضياع الذي يخوضه، وقال بنبرة حزينة: 
_وأنا بعمل أيه غير إني أسمع كلامك! 

ضمه علي ومال يقبل جبهته، هاتفًا بآنينٍ: 
_كل اللي بعمله لمصلحتك، أنا راحتي في سعادتك. 

تعلق به بقوةٍ، ومن ثم قال: 
_لو عايز تشوفني سعيد واجهني بكل اللي عملته، بلاش تخبي عني أي حاجة هتضايقني وقت ما أعرفها. 

وابتعد عنها يطالعه بنظرة حمل فيها حرجه مما فعل: 
_مايا كانت تعرف إني بعمل ده؟ 

ارتبك علي مجددًا قبالته، ولكنه خشى أن يخسر ثقته المهزوزة فيه: 
_كانت تعرف، بس حبها ليك خلاها تحاربك أنت شخصيًا علشان تفوق من اللي إنت فيه يا عُمران. 

هز رأسه بخفة، والألم يتضاخم داخله بشراسة، فاذا به يخبره: 
_طيب ممكن أشوفها قبل ما نمشي؟ 

رد عليه مبتسمًا، رغم قلقه من مطلبه: 
_آه طبعًا، هروح أناديها وهستناك في عربيتي. 

وتركه وغادر لجناحه، بينما يميل عُمران على طرف فراشه، شاردًا في تلك اللحظات الخاطفة، التي تحطمت بذكرياته القاسية. 

مرت الدقائق حتى أتاه صوتها الرقيق يناديه: 
_عُمـران! 

رفع رماديتاه صوبها، فوجدها تراقبه بلهفةٍ، وما زاد من وجعه نظراتها الناطقة بعشقه الذي لا يستحقه، طال صمته وهو يتأملها بنظراته الغريبة، فإذا بها تبادر بقربه، وقد جلست جواره تتساءل: 
_إنت كويس؟ 

هز رأسه بخفة، ورسم ابتسامة باهته: 
_أنا اللي المفروض أسالك السؤال ده، إنتِ كويسة؟ 

ردت عليه باسترابة من طريقته وسؤاله الغريب: 
_الحمدلله. 

وأضافت وهي تتابع نظراته الغامضة: 
_مالك؟ 

ابتسم ونطق بسخرية شملت ألمًا مازال يعاني منه: 
_بكتشف عن نفسي ماضيي المشرف، ولاقيت إني كنت انسان حقير، بس اللي خلاني أستغرب هو إنتي، معقول البنت القوية اللي شوفتها بتتحدى علي بإن جوزها عايش وهتدور عليه بنفسها، تكون قبلت تتنازل وتعيش مع شخص زاني وحقير زيي؟! 

لعقت شفتيها ومزقتهما بين أسنانها، لتذكره أصعب جزء مر عليهما، بينما ينتظر هو سماع ما ستقول في لهفةٍ، حتى تلفظت: 
_الشخص الحقير اللي بتتكلم عنه ده مات واندفن في اليوم اللي كان راجع فيه على الطريق ومش قادر يسوق وهو خايف يقابل ربنا بكل معاصيه، الشخص ده هو حبيبي اللي اتولد من جديد، وأقسملي إنه بدأ معايا حياته من تاني، بعد ما فتح بيها صفحه بيضة خالية من كل ذنوبه، الشخص ده نفسه اللي عمل كل اللي يقدر عليه عشان يعوضني عن اللي عيشته واستحملته عشانه، هو نفسه اللي كان ليا الصديق والزوج والحبيب والأب اللي عوضني عن قسوة أبويا، الشخص اللي انت شايفه حقير ده قلبه أبيض وشاركني فيه كل أحبابه، آه أنا كنت بغير منهم بس عذارهم لإن عُمران سالم الغرباوي يتحب من أي شخص يتعامل معاه، حنيته وطيبته على اللي حوليه قادرة تمسح عنه كل خطأ ارتكبه في حق كل واحد فيهم، وأنا واحدة منهم. 

وأضافت وقد سرت دموعها: 
_أنا مكنتش بالضعف اللي يخيلك اني كنت مكسورة الجناح وأنت بتخوني، أنا وقفت في وشك وحاربت عشان عارفة إنك جواك شخص تاني بتحاول تدفنه جواك، ومستني طاقة نور عشان يظهر، حتى لما كنت مدفون في العتمة اللي كنت فيها كنت وفي ورافض تكونلي زوج عشان متحسش انك بتخون الـكلبة اللي كنت معاها! 

وتابعت بشراسة وغيرة رغمًا عنها: 
_واللي كانت أول من افتكرتها بدل ما تفتكر حياتنا مع بعض! 

ضحك رغمًا عنه، وهو يشاهد غيرتها القاتلة تتقافز من عينيها، فابتسمت هي الأخرى وقالت بمشاكسة: 
_إنت شكلك حنيت ليها وعايزني أسن سكاكيني عليك، والمرادي محدش هيحوشني عنك يابن فريدة هانم! 

تحرر صوته الضاحك أخيرًا: 
_أهون عليكِ يا بيبي! 

تلاشت ابتسامتها وقالت بغصتها المتألمة: 
_عمرك ما هونت عليا. 

جذبها إليه يضمها بقوة، فتعلقت به وقد تحرر عنها بكائها، فمال عليها يهمس بانكسارٍ: 
_أنا مستاهلكيش ولا أستاهل حبك ده يا مايا، أنا بدور على حاجة واحدة ممكن تبررلي حبك ليا مش لاقي غير شخص أناني، خانته نزواته وأتخلى عن الإنسانة اللي حبيته بصدق، أنا مستخسرك فيه!

وصحح مبتسمًا بسخرية:
_فينا إحنا الاتنين، ما أنا لازم اتقبل النسختين لحد ما نسخة فينا تنتصر في حرب من أكون دي! 

تعلقت به ورددت : 
_ولو رجعت بمليون نسخة أنا بحبك بكل حالاتك! 

ابتعد يتطلع لها بعشقٍ ناطق: 
_أنا قادر أحبك في اللحظة دي وأختارك بارادتي يا مايا، حابب أتجوزك من تاني وأبدأ معاكِ من أول. 

وابتسم يمازحها: 
_وبما إن الشرع محلل أربعة. 

توسعت مُقلتيها في صدمة، ورفعت ساقيها تلتقط من أسفل اسدالها حذائها المنزلي، فضحك وهو يستكمل: 
_فأنا جاهز أتجوزك أربع مرات. 

قالها وسحب الحذاء يتأمله بدهشة، فاذا به يتمتم والضحك يلاحقه: 
_مش أنا اللي يترفع عليا شوذ يا بيبي، الرافعة دي نهايتها بزعل انتِ مش أده، فاهدي وخدي تمامك كده عشان الارهاق عشانك خطير وبالذات بالوضع ده! 

سحبت منه الحذاء، ودفعته أرضًا، ثم حذرته: 
_بقولك أيه يا حبيبي، لو فاكر أن عشان أنت فاقد الذاكرة ومفتكرتش الا ألكس الصفرا دي، فكده هسيبك تسبل وترمي كلام من ده فإنت متعرفش أنا أخري واصل لفين، إعقل كده وفكر كويس، اللي قدامك دي حرم الطاووس الوقح، يعني في لحظة ما تفكر تستهزأ بيا هكون فاتحه القامووس اللي قفلته من يوم ما فقدت كل شيء. 

راقبها بصدمة وانهار في نوبة من الضحك، أطرب مسمعها، بينما يجاهد للحديث: 
_حبيب قلب جوزه الشرس إنت!! 

وتابع وهو يزيح حجابها بينما يمسد على خصلاتها بنعومة أخجلتها: 
_إهدى كده ورجعلنا بسكوتة النواعم، عشان نقدر نتفاهم بس. 

ابتسمت وهي تعود لرقتها: 
_حاضرة وسامعة اتفضل. 

هز رأسه بعدم استيعاب، بينما يسألها بفضول: 
_هو أنا كنت بديكي الفرصة تكوني بالشراسة دي قدامي؟؟ 

ضحكت وهي تنفي ذلك، قائلة: 
_إنت مبتديش فرصة لحد أصلًا يشوف نفسه عليك. 

رفع حاجبه بمكر، وقال: 
_أمال مالك يا بيبي، شادة نفسك عليا كده ليه؟ 

أجابته ضاحكة: 
_وماله يا حبيبي لما أشوف نفسي عليك قبل ما ذاكرتك ترجعلك! 

زاره الخبث فنطق: 
_بس أنا لسه زي ما أنا، وزي ما كنت بعملك واقفة زمان قادر أعملها دلوقتي يا حبيبي، تحبي تجربي! 

زفرت مدعية الغضب: 
_هو اليوم غريب من أوله، كان بدايته ذكرياتك مع ألكس والوقتي عايز تستعرض طولة لسانك عليا!!  شكلي كده هرجع لفاطيما وهسيبك هنا مع النسخ بتاعتك، تشوف مين فيهم هيغلب التاني. 

تبسم وجاذبيته تزداد في فتنتها: 
_أنا محدش يقدر يغلبني، مش قولتلك قبل كده أنا ماليش كتالوج! 

مالت قبالته تمازحه بضحكة رقيقة: 
_يعني افتكرت الكتالوج والصفرا ومش قادر تفتكرني!! 

رفع رأسه وهو يضحك حتى أدمعت عينيه، وإذا به يتخابث: 
_لو الشعر الأصفر مضايقك كده إصبغي شعرك أنتي كمان، بسيطة! 

توسعت مُقلتيها في صدمة: 
_نهارك أسود يا عُمران، انت افتكرت كمان لون شعرها!!!!! 

مال على الفراش من فرط الضحك، لا يصدق أن غيرتها تدفعها عن نسيان التفاصيل التي نطقت بها للتو، بينما تميل من فوقه بالحذاء مجددًا وقد ازدادت غيرتها حد الجنون. 

لف ذراعها ببراعة، ينتشل عنها ما بيدها وهو يقول بنبرة تحذيرية: 
_عيب كده يا بيبي، ميصحش ترفعي الشوذ على أبو ابنك بالشكل ده، تفتكري لو فريدة هانم عرفت أنك عملتي كده هيكون أيه تصرفها معاكِ؟ 

ارتعبت مما قال، وتطلعت إليه بنظرة رجاء: 
_هو انت ممكن تقولها يا عُمران؟ 

منع ابتسامته وأبعد خصلاتها الساقطة فوق عينيه، بينما يعتصر أسنانه من فرط ألمه لاحتمالها عليه وقد لامست جروحه بالفراش: 
_مش لازم تعيد تربيتك يا بيبي، يعني مين يقبل إنه يتثبت بالشكل ده؟ 

تراجعت للخلف وقالت بتلعثم: 
_على فكرة أنا مقصدتش أنا كنت بس بعرفك إني أحلى من الصفرا دي، ومش بحب اصبغ شعري عشان أكون زي حد، إنت حبتني وانا كده، فلو بطلت تحبني فدي مشكلتك إنت مش مشكلتي. 

لمس الحزن في نبرتها الأخيرة، فاعتصر قبضته يحتمل على مدى تألمه، ثم نهض يتجه صوبها، ضمها إليه وقال بصدقٍ: 
_أنا مش مقرف عشان أحطك في مقارنة مع واحدة رخيصة زي دي، دي متتسواش بضافر رجليكِ  يا مايا. 

ومالت إليه وهي تحمد الله أنه لم يرى دموعها، قبل جبنيها وهمس لها: 
_عشقك ليا صحى مشاعر في قلبي مكنتش متخيل إنها موجودة لواحدة ست، أنا واثق إن حبي ليكِ إتخطى حدود عقلي العاجز عن أنه يفتكرك. 

استدارت إليه مبتسمة في رضا، فإذا به يعود ليضمها إليه ويحتويها بكل حنان وحب، وعاطفة، فيما يعود ليخبرها بمزحٍ: 
_يا خبر، أنا نسيت أن علي مستنيني تحت بعربيته كل ده. 

عبثت في دهشة: 
_مستنيك بالوقت المتأخر ده، ليه رايحين فين؟ 

قال وهو يرنو من السراحة، يجذب ساعته والبرفيوم الخاص به: 
_قالي إنه هيوديني مسجد الشيخ مهران، هنقيم الليل ونصلي الفجر. 

اتجهت إليه تخبره ببسمة حماس: 
_انت كنت بتحب تصلي فيه جدًا، الناس هناك بيحبوا يصلوا وراك ويسمعوا صوتك. 

استدار تجاهها وقال بلهفة: 
_أنا كنت بصلي بيهم؟! 

أكدت له ذلك، قائلة: 
_أيوه، كنت كل يوم بتخرج من الكمبوند بدري ساعة عشان تلحق توصل هناك، بس الحمد لله القصر قريب من الحارة، يعني ربع ساعة وهتكون هناك بإذن الله. 

ارتاح قلبه الحائر، حينما أكدت له زوجته بأنه كان قريبًا من الله عز وجل بحياته الاخيرة قبل الحادث، فاذا به يميل مقبلًا جبينها ويهمس بما جعلها تطالعه في غرابة: 
_شكرًا يا مايا. 

قالها وغادر على الفور، ومازالت تقف محلها باستغرابٍ من شكره الغامض لها، ليتها تعلم بأنها بعبارتها أراحت قلبه، وأكدت نصف حديث أخيه عن توبته الخالصة قبل الحادث المُفتعل. 
                                 ******
جلست "زينب" على المقعد بالطفلة الصغيرة، وجلس سيف على ذراع مقعدها يتأمل الطفلة بانبهارٍ، وكأنه يرى دمية تتحرك، بينما على الفراش تراقبهما "ليلى" بابتسامةٍ حنونة. 

طبعت زينب قبلة على يد الصغيرة، ثم هتفت بحماس لزوجها: 
_شوف يا سيف ايدها صغننه ازاي؟ 

ضحك وهو يجيبها: 
_شايف يا دكتورة، مش أنا مدرسلك عملي في المركز؟  

وأضاف يمازحها: 
_أنا اتعودت على هبلك ده جوه وبره الشقة، يوسف نفد من ليلى لما بطلت تنزل الشغل، وإنتي لزقة ليا، مع إني حاولت أقنع الدكتور علي أنك لسه بتدرسي بس هو مصر يخليكي تحت تدريبي. 

واستدار يشهد زوجة أخيه: 
_كل ما حالة تجيلنا تقوم تحضن الطفل وتبوس فيه بشكل يشكك أهله فينا، دي بتمسك الروشتة وتقعد تشرح للأم ازاي تكون حنينه مع ابنها وهي بتديه الدوا!!  

تعالت ضحكات ليلى بينما ترمقه زينب بغضب لحق نبرته: 
_أنت قلبك قاسي ومعندكش المقاييس اللي تخليك تحس بالبيبي وهو بيشرب دوا مر بالشكل ده. 

رد عليها بذهولٍ: 
_هو في السن ده مبيكنش قادر يفرق بين الدوا وأي حاجة تانية، وبعدين لو الدوا المر مش هيعالجه هيتعالج بأيه سيادته؟؟ 

نطقت ليلى بصعوبة وهي تجاهد لرفع صوتها: 
_إنت فين يا يوسف، تعالى إلحق الخناقة قبل ما تبتدي، أنا مش قادرة! 

ولج للغرفة، يحمل صينية الشوربة، هادرًا بصوتٍ صارم: 
_بس يا ولد، بس يا بنت، اقعدوا بأدبكم النهاردة أنا مش فاضي لعركة الأطفال دي! 

وجلس جوار زوجته يدعم جلوسها، حتى يتمكن من اطعامها بينما يهمس بصوتٍ منخفض لها: 
_بذمتك دول دكاترة دول!!  انا حاسس إننا قاعدين في كلاس كيجي تو! 

استندت على ذراعه، وقالت وهي تكبت تأويهة نادية عنها: 
_معلش يا جوو إنت موجود تفصل بينهم يا حبيبي، بس هات نوجة منهم، خطر تحضر العركة دي، مش عايزة اخلاقها تفسد. 

ضحكوا معًا بشكلٍ لافت اتتباههما، فاذا بسيف يصيح بعنفوان: 
_إنتوا بتقولوا أيه؟؟؟ 

رد عليه يوسف مصطنعًا نظرة الحنان خاصته: 
_ولا حاجه يا سيفو، ده ليلى بتقول إنها حابة وجودكم معانا أوي، وبتقترح تباتوا مع نوجة النهاردة، أهو بالمرة تخدوا وردية الليل بدالي لحسن أنا ضهري وجعني بشكل! 

نهضت زينب تضع الصغيرة بيد زوجها، وتشير لهم: 
_لا أنا ماليش في الزن والسهر، خدوا سيف هو بيسهر لوش الفجر عادي. 

واشارت لهم وهي تهرع للخروج: 
_تصبحوا على خير يا حلوين. 

قالتها وهرولت لباب الشقة، فما أن فتحته حتى وجدت سيدة في منتصف الاربعينات من عمرها، تكاد أن تقرع جرس الباب، فوقفت كلتهما تتطلع للاخرى باستغرابٍ، حتى خرج صوت السيدة تتساءل: 
_إنتي مين؟ 

تعجبت زينب منها، وخاصة بحضورها بهذا الوقت المتأخر، فتنحنحت تتساءل عساها تخبطت بالطوابق: 
_حضرتك عايزة مين؟  

ابتعدت للخلف تتأمل اللافتة التي تحمل إسم"الدكتور يوسف"، ثم عادت تتفرس بملامحها بعجرفة تامة: 
_إبعدي عن الباب خليني أدخل، لولا لبسك كنت فكرتك الشغالة، أكيد إنتي صديقة من صديقات ليلى، ليا عتب عليها إنها مش عارفة تصاحب حد عنده ذوق واحترام في استقبال أصحاب البيت. 

تأجج الغضب بمُقلتي زينب، حتى أنها كادت أن تصفع الباب بوجهها، ولكنها تراجعت عساها تنحدر لعائلة ليلى، فقالت بتهذبٍ وهي تستعيد حقها: 
_من سؤال واحد طلعتيني قليلة ذوق ومش محترمة!  لو هنمشيها ذوقيات فمش من الذوق زيارة حد الساعة واحدة وش الصبح، ومع ذلك مرحب بحضرتك، بابنا عمره ما يتقفل في وش الضيف أبدًا. 

مشطتها بنظرة مهينة، وقالت بعصبية بالغة وهي تعيد خصلات شعرها القصير للخلف: 
_إنتِ بأي حق تكلميني كده يا قليلة الرباية، أوعي من طريقي. 

دفعتها بقوة أسقطتها فوق الطاولة المحازية لباب الشقة، فسقطت الڤازة الزجاجية، ومن خلفها مالت زينب مستندة على شظاياها، فجرحت كف يدها. 

بينما تصيح الاخيرة بعنفوان: 
_يوســــــف! 

خرج يوسف راكضًا حينما استمع لصوت كسر الزجاج، ومن خلفه ركض سيف، الذي كان الاسرع من أخيه، حينما وجد زوجته بتلك الحالة، هرع يساندها ويتفحص كف يدها بدهشة، بينما ينطق يوسف أخيرًا: 
_ماما! 

هوى قلب زينب من الصدمة، وتجمد جسدها أرضًا، كما تجمدت نظراتها على تلك المرأة البغيضة، التي تتفرس بابنها الصغير الذي يساعد تلك الفتاة الغير مهذبة من وجهة نظرها. 

رفع سيف بصره تجاه والدته، التي تتطلع لزوجته بعدائية شديدة، وقد تسرب له مضمون المقابلة بينهما، فتطلع لزوجته وسألها: 
_أيه اللي وقعك بالشكل ده؟ 

تعجبت "مروة" من تجاهل صغيرها لوجودها، واهتمامه بتلك الفتاة، فنادته بغيظ: 
_إنت مش ملاحظ وجودي ولا أيه يا دكتور؟ 

كان قد وقف بها الآن، وبالرغم من ضيقه الشديد من وجودها، الا أنه ترك زوجته وأتجه يقبل وجنتها قائلًا بضيق: 
_أهلًا بحضرتك، نورتي. 

هزت رأسها بسطحيةٍ، ومازالت نظراتها تحيط بزينب، ثم استدارت تجاه يوسف تصيح بانفعالٍ: 
_من أمته ليلى بتصاحب الاشكال القليلة الذوق دي يا يوسف، البنت دي مش متربية لازم تقطع علاقتها بيها، وفورًا تطردها من هنا. 

توسعت عيني يوسف في صدمة، بينما رد عليها سيف بغضب: 
_هو مين دي اللي مش متربية!!!  ثم إنك طلعتي منين فجأة كده عشان تقولي نقطع علاقتنا بمين ونطرد مين؟ 

اندفع يوسف تجاه سيف، يميل عليه بصوتٍ منخفض: 
_مش كده يا سيف، ماما أكيد متقصدش ومتعرفش لسه حاجة، اهدى وأنا هفهمها. 

احتقنت مُقلتيها في غضب، فدفعت حقيبة يدها تجاه مقعد السفرة، واتجهت محل وقوف ابنها الاكبر،تعاتبه بجراءة: 
_تربيتك لاخوك واضحه ما شاء الله، واقف بيبجح فيا وبيدافع عن البنت الغريبة دي، وبعدين ممكن تفهمني ازاي تقعد الهانم دي مع ليلى وأخوك عايش معاك، الا لو بينطبق عليها الكلام اللي بقوله، انها مش محترمة! 

كاد يوسف ان يبدأ بشرح العلاقة التي تربطهما بها، ولكن سيف كان الاسرع حينما قال بسخرية: 
_لا متخافيش على أخلاقي، يوسف لما لاقاكم مش فاضين تربوني رباني أحسن تربية، ولعلمك أنا مش ساكن هنا مع يوسف أنا ساكن في الشقة اللي قصاده مع مراتي، اللي أنتِ داخلة فيها شمال من لحظة دخولك هنا، ولو صدف وطلعت شكوكي صح وكنتي انتي اللي زقتيها وجرحتي ايدها بالشكل ده هتشوفي مني اللي مش هيعجبك أبدًا! 

لطمتها صدمة كبيرة من سماع ما قاله، رمشت بعدم استيعاب وبصرت تجاه ابنها الآخر تتساءل: 
_الكلام اللي بيقوله أخوك ده صح يا يوسف  البنت دي تبقي مراته فعلًا؟؟  

واستطردت وهي تجلس على المقعد من خلفها بدهشةٍ: 
_ حصل أمته ده وإزاي متبلغونيش؟!!! 

اتجه إليها يوسف يحاول تهدئتها بقوله: 
_من فترة بسيطة، اتصلت على حضرتك أكتر من مرة بس مكنتيش بتردي ولا اتصلتي بيا طول الفترة اللي فاتت دي، أنا مستغرب إن حضرتك عرفتي بنزولي لمصر وبولادة ليلى! 

استهزأ سيف منه قائلًا: 
_وهي هتفضى أمته عشان ترد عليك يا يوسف، هي داخلة في دايرة تحدي المناصب ضد باباك، كل حد فيهم عايز يثبت للتاني انه أنجح منه ونسونا احنا الاتنين في النص، كويس أصلًا إنها فاكرة شكلنا ومنستناش. 

حذره يوسف بنظرة حازمة منه، بينما يناديه: 
_سيف!! 

خرجت ليلى تحتمل على الحائط، تتابع ما يحدث في صدمة لم تكن تضعها بالحسبان، فجاهدت لرسم ابتسامة خافتة وقالت: 
_أهلًا بحضرتك يا طنط، متوقعتش إنك هتيجي في نفس اليوم اللي كلمتك فيه. 

انتصب مروة بوقفتها وتجاهلت حديث ليلى، ثم اتجهت تجاه سيف تصيح بكل حدة: 
_كل الكلام اللي قولته ده مهزنيش، اختيارك أصلًا في حد ذاته وجوازتك اللي تمت من قبل ما حتى تتخرج وتتوظف وبالسرعة دي وراها لغز، واللغز واضحلي من تربية الشوارع اللي واقفة وراك دي، أكيد استدرجتك لمصيبة ولبستهالك. 

كانت زينب أول من تخلت عن صمتها حينما صاحت ببسمة باردة لا تعلم كيف استحوذت عليها: 
_عندك حق أنا استدرجته، وبما إن حضرتك كشفتي الموضوع بذكائك الكبير، فأيه رأيك تصلحيه وتخليه يطلقني، جربي كده! 

استدار لها سيف يهدر بصدمة: 
_زينب، بتقولي أيه؟!!! 

اتسعت ابتسامتها ولم تحيل نظراتها عن اعين حماتها المشتعلة، فرفعت كتفيها بقلة حيلة: 
_شوفتي الاستدارج موصل حبه لفين؟ 

وتابعت قبل أن تترك المساحة لسيف بالجدال بينه وبين والدته، وبحنكتها الماكرة: 
_سيف أنا عايزة أرجع شقتي، وحاسة إن في ازاز دخل في رجلي! 

كانت اشارة صريحة له بأن يحملها، فاذا به يتجه لها، وانحنى يرفعها بين ذراعيه، أحاط والدته بنظرة غاضبة واتجه ليغادر، فما ان استدار حتى رفعت زينب كفيها حول رقبته، وأشارت لها بوداع: 
_كان نفسي أقعد مع حضرتك أكتر من كده، بس للأسف ورانا شغل الصبح، وحضرتك أكتر حد عارف الشغل بالنسبة للست أيه، آه وعلى فكرة أنا دكتورة أطفال زي سيفوو، وكنت بدرس في نفس الجامعة بتاعته في لندن، يعني مش تربية شوارع ولا حاجة يا أنطي! 

قالتها ومنحتها قبلة في الهواء ثم مالت برأسها على كتفه قائلة بتعب مصطنع: 
_بسرعة يا سيف حاسة إن هيغمي عليا من النزيف، أو حرارة الجو! 

ضحك سيف وهو يحاول استيعاب ما فعلته زوجته، كان يخشى أن ينجرح قلبها لكلام والدته المهين، ولكنها إستعادت حقها دون اللجوء إليه أو حتى لأخيه الذي مازال يتعامل مع والدته بقيود.

منعت ليلى ابتسامتها من الظهور،فلقد تمادت حماتها ولكن صدمتهما زينب بما فعلته وقالته، عدل يوسف نظارته واستدار تجاه والدته،التي اندفعت فيه بجنون:
_انت ازاي تسيب البنت الحقيرة دي تلعب على أخوك، وتوقعه، انا كنت متكلة عليك إنك جنبه ومستحيل تخلي حد يضحك عليه، تقوم تدبسه في جوازة من آ.. 

قاطعها يوسف بنبرة هادئة ولكنها كانت غاضبة: 
_من فضلك كفايا، اللي بتتكلمي عنها دي تبقى مرات ابنك، ومش قليلة الرباية ولا تربية شوارع، أختها تبقى زوجة دكتور علي الغرباوي، اعتقد إنك عارفة نسب العيلة دي كويس اوي، وبعدين أزاي تتهمي واحدة في اخلاقها بمنتهى البساطة كده، وحضرتك مجمعكيش بيها لقاء غير، من دقايق!!  فهميني بنيتي عنها كل الافكار دي ازاي؟!!!  ولا كل ده لانها معرفتكيش ولا قدرت تتعرف عليكي!  

واضاف ومازال يتطلع لها بحزن: 
_يمكن لو كنتي بتظهري في حياتي أنا وسيف حتى لو كان ظهور مكالمات، كانت عرفت أن ليها عيلة زوج غيري، مهي زيها زي أي حد عارف إني مسؤول عن سيف مسؤولية كاملة، لانه يتيم الاب والام.

انفجرت بصراخها الجنوني:
_يتيم!! بتموتنا واحنا عايشين يا يوسف،هي حصلت؟؟

أسرعت ليلى تتسند على الأثاث حتى وصلت لهما:
_لا يوسف ميقصدش طبعًا يا طنط، اتفضلي حضرتك معايا جوه، ريحي من الطريق وشوفي نجاة بنتي.

قوست حاجبيها بانفعال:
_نجاة مين!! أيه الاسم اللوكل ده؟ ثم انكم ازاي تختاروا الاسم من غير ما ترجعولي!!!  الظاهر ان مش سيف بس اللي بيتعامل بقلة الادب دي بس!!
 
ابتسم يوسف مبتلعًا تلك الاهانه،  وقال بمرارة: 
_مهو أنا عشان أرجع لحضرتك في اختيار إسم بنتي، كده هقيدها بعد سنة من ولادتها، أساسًا لولا إنك ربنا كرمك وفتحتي على ليلى مكنتيش عرفتي إنها ولدت أصلًا. 

مالت تسحب حقيبتها، واتجهت لباب الشقة، قائلة بغضب جامح: 
_ماشي يا يوسف، إنت  الغربة قست قلبك وخليتك قسيت قلب أخوك، أنا همشي ومش هتشوف وشي أبدًا. 

قالتها واتجهت للخارج، فاندفعت ليلى لزوجها تترجاه: 
_يوسف متسبهاش تنزل وهي زعلانه أرجوك. 

تطلع لها بنظرة منكسرة،  واختلج صوته المجروح: 
_وأنا عملت أيه يا ليلى، هي اللي قدامك نازلة جرح فيا وفي سيف، حتى زينب مسلمتش منها. 

مالت تقبل كتفه، كأنها تواسيه: 
_معلش يا حبيبي حقك عليا أنا، إنزل وراها دي مهما كانت والدتك. 

هز رأسه بهدوء، وخرج خلفها على الفور، وجدها تقف أمام المصعد، تنهد بقلة حيلة ودنى إليها يخبرها: 
_ماما حقك عليا متزعليش، أنا مقصدتش والله، تعالي معايا الوقت إتاخر ومينفعش تنزلي وأنتِ زعلانه كده. 

حانت منها نظرة غير، مرضية تجاهه، بينما تنتظر هبوط المصعد لطابقها، فاستكمل ببسمة جذابة: 
_طيب مش عايزة تشوفي نوجة، دي قمر تبارك الله، تعالي شوفيها ولو تغير الاسم هيخليكي سعيدة اختاري اللي يعجبك ونناديها بيه، أيه رأيك؟ 

استدارت تجاهه بنظرة حزينة، يحاول استمالتها وهي المخطئة بحقه وحق أخيه، أرضاها بحديثه، وأرضى غرورها، فاذا به تحمل حقيبة يدها وتعود لشقته متبعة ليلى لغرفتها الخاصة، دون أن تضيف كلمة واحدة، بينما ارتمى يوسف على المقعد والحزن يتغلل بملامح وجهه، والخوف يحيطه من المعارك القادمة بين والدته وسيف وزوجته!!! 
                               ******
توقفت سيارة "علي" بزقاق حارة الشيخ مهران، وأمام المسجد بالتحديد، وبينما يصف "علي" سيارته، كان عُمران يسبق خطاه للمسجد، وكأنه يعلم طريقه جيدًا، نزع حذائه، وولج للداخل حيث كان المسجد فارغًا، فمازال يتبقى على صلاة الفجر ما يقرب الساعتين، بينما يجلس الشيخ مهران يرتل القرآن بصوته العذب، وما أن شعر بوجود أحدٌ حتى صدق، ورفع عينيه يراقب الزائر العزيز. 

ابتهجت معالمه وردد بصوت الوقور، بينما مازال يجلس محله: 
_يا ألف حمدلله على سلامتك يابني، كنت عارف أنك هتشتاق لمكانك وهترجع، مهما طالت غربتك أكيد هتحن! 

وجد نفسه في كلماته المختصرة، فسمح لنفسه بالجلوس بالقرب منه، أمام حامل القرآن الفاصل بينه وبين جلوس الشيخ، يتطلع له بنظرة غائرة بالدموع، ثم قال بصوتٍ باكي: 
_من أول ما وقفت على سلم المسجد وأنا حاسس بانتمائي ليه، عرفت من مراتي وأخويا إني كنت بقيم الصلاة بالناس! 

هز الشيخ رأسه مبتسمًا وقال: 
_صح، وبالرغم من إن الابتهالات غير مستحبة ابا إن الناس في الحارة كانوا بيحبوا صوتك، وبينزلوا بدري قبل كل صلاة عشان يسمعوا صوتك. 

تساقطت دموعه بكثرةٍ، بينما يجاهد لنطق ما سيقول: 
_وحضرتك عارف بالذنوب اللي ارتكبتها؟ 

قرأ الشيخ مهران كمية الآلآم، التي خيمت على هذا الشاب، علم بأنه استعاد بعض الذكريات المتعلقة بماضيه، فخطف نظرة سريعة إلى "علي" الذي بقى بنهاية المسجد يستند على العمود الرخامي، يتابع أخيه بدموع استفاضت بعينيه هو الآخر، عاد ببصره إلى عُمران وقال يجيبه: 
_عارف يابني، إنت مخبتش عني حاجة. 

اتسعت مُقلتيه بدهشة، وقال: 
_وإزاي قبلت أكون إمام للناس وأنا شايل الذنوب دي كلها؟!! 

زادت بسمة الشيخ بثباتٍ، أسبل فضول عُمران لاجابته، وإذا به يخبره بهدوءٍ: 
_وأمنعك ليه وأنت توبت وندمت على اللي عملته،  والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. 

نطق بلهفة ومازال ينصت له بكل ذرة تركيز: 
_وإنت عرفت منين إن ربنا قبل توبتي!! 

مرر الشيخ يده على المسبحه بين يده، وقال يجيبه: 
_ربنا سبحانه وتعالى مصرح في كتابه الكريم لما قال بسم الله الرحمن الرحيم 
 قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:53، 54}. وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222}.

وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة، ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام ـ رحمهم الله تعالى.

إذا علم ذلك، فإن التائب لا يكون تائبا حقا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:

الشرط الأول: الإخلاص وهو أن يقصد بتوبته وجه الله -عز وجل-.
الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الثالث: الندم على فعله.
الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه.
الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.

قال النووي في شرح مسلم: وللتوبة شرط آخر وهو أن يتوب قبل الغرغرة، كما جاء في الحديث الصحيح، وأما في حالة الغرغرة، وهي حالة النزع، فلا تقبل التوبة. 

فهذه الشروط فيما إذا كان الذنب بين العبد وربه، كشرب الخمر وإرتكاب الزنا مثلاً. وأما إذا كان الذنب يدخل فيه حق العباد، فلا بد من إبراء الذمة من هذا الحق فإن كان مظلمة استحلها منه، أو حقا رده إليه، بالإضافة إلى الشروط الخمسة الآنفة الذكر.

إذا ثبت هذا فليعلم أن العبد إذا تاب، فينبغي أن يكون حاله بين رجاء قبول التوبة، ومخافة العقاب من الله تعالى، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون: 60}.

وقد خرج الترميذي بإسناد ثابت أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق -رضي الله عنهما- سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.

وتابع وهو يرسم ابتسامة مطمئنة لمن يراقبه: 
_ العبد الذي يقبل الله توبته، هو الذي يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله، هو الذي  ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله، ويكون أشد تجافيا عن الذنب وعن أسبابه، نائيا بنفسه عن هذه المحرمات،  يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه، وأن يصاحب أهل الفضل والخير، ويقاطع أصدقاء السوء، ومن لا خير فيهم، وأن ينظر إلى توفيق الله له بالتوبة على أنه نعمة عظيمة من أعظم النعم عليه، فيفرح بها، ويحافظ عليها، ويخاف زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.

واستطرد وهو يربت على ساقه بحنان: 
_وإنت من قبل الحادث اللي عملته وإنت جيت هنا ندمان وتوبت لربنا يا بني، وحتى في اللحظة اللي إنت قاعد فيها قدامي دي لسه بتلوم نفسك، فتفتكر بعد كل ده وربنا سبحانه وتعالى ممكن يردك؟ 

تزاحمت الدموع بمُقلتيه، وإذا به يستدير للخلف مراقبًا موضع أخيه، ثم يعود ليتطلع للشيخ، وبتوسلٍ قال: 
_مش هرتاح الا لما يقيم عليا الحد، أرجوك ساعدني يا شيخ. 

تلفظ الشيخ بحزنٍ وهو يهتف: 
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم. 

تابع عُمران برجاءٍ: 
_أنا مش هقدر أعيش وأنا شايل الذنب ده، مش هقبل بيه لا أنا فاقد الذاكرة ولا لما ترجعلي، بالله عليك. 

مرر يده على سبحته، وقال بهدوء: 
_في حالتك دي لا يجوز يابني، يُفضل لما تسترد عافيتك الأول، إنت راجع من حادثة موت وغير كده فاقد ذاكرتك، على الاقل لما تبقى كويس وتتشافى من اصاباتك دي. 

كاد أن يعترض، فقال الشيخ: 
_أنا قولت اللي عندي، إنت مريض ولسه قايم من تعب، لما تبقى كويس تعالى وأنا هاجي معاك لناس أهل ثقة وأعلم مني في الامور دي، لإن لا أنا ولا غيري مصرح لينا بإقامة الحد في المواضيع دي. 

ارتكن على ركبتيه وزحف قبالته، يطالب وعده بصوتٍ منخفض، خشية من أن يستمع له أخيه: 
_توعدني إني لما أتعافى وأجيلك مش هتردني؟ 

منحه ابتسامة حزينة، وقال:
_مين أنا عشان اتدخل بينك وبين حدود الله، طالما إنك مصر على قرارك ليك مني وعد، وقت ما أشوفك قدامي بكامل صحتك هدلك على الطريق. 

أشرق وجهه بسعادة بعد سماع ما قال، فربت على كتفه وقال يحمسه: 
_يلا قوم صليلك ركعتين واجهز عشان صوتك وحشني أنا والحارة كلها. 

أشار له بخفة، ونهض يسرع لحمام المسجد، فابتسم علي في راحة، وتيقن بأنه أتى بأخيه للمكان الصحيح، فإتجه للشيخ الذي قابله بابتسامة بشوشة، وقال يطمئنه: 
_متخافش عليه، هيبقى كويس دلوقتي. 

جاور جلوسه، وقال ممتنًا: 
_كنت واثق أن حضرتك هتقدر تهديه، كان في حالة صعبة ومقدرتش أحتويه. 

هز الشيخ رأسه نافيًا، وقال: 
_بالعكس إنت احتويته لما جبته هنا. 

منحه ابتسامة هادئة، واستدار يراقب أخيه وهو يؤدي صلاته في ركنٍ بعيدًا عنهما، فنهض هو الآخر يصلي. 

مرت ساعة انتهى فيها "عُمران" من قضاء صلاة قيامه، ثم نهض يتجه للميكرفون، وبصوته العذب بدأ يردد
« 
يا إله العالمين
يا إله العالمين حنيني دائم
والقلب شاك عليل
سال دمعي يا إلهي
ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل
غربتي نجوى ونيران شوق
وأسى باك وليل طويل
وما لي رجاء غير أن تسعى إليك السبيل
إذا ضاقت فنجوى دعائي
حسبي الله
حسبي الله ونعم الوكيل
بالله إيماني وفيه رجائي
وإلى علاه ضراعتي وبكائي
يا مؤنسي في وحدتي
يا منقذي في شدتي
يا سامعا لندائي
فإذا دجا ليلي وطال ظلامه
ناديت يا رب كنت ضيائي
سبحانك جل جلالك يا الله» 

انطلق صوته في حارة الشيخ مهران، تعيد الحنين لتلك الايام التي كان يقضيها برفقتهم، توافدت الاعداد للمسجد بفرحةٍ لعودة الغائب والحبيب، وعلى رأسهم آيوب الذي أتى برفقة يونس، وهو لا يصدق أنه يستمع لصوت عُمران  ، حتى ايثان استيقظ من نومه، يهرول للمسجد بفرحة حينما استمع لصوته. 

بمجرد انتهائه من الابتهالات، استدار للخلف فتفاجى بعدد المحيطين به، تتلقفه الأيادي، بضمتهم الحنونة، وتعابيراتهم بسعادة عودته، زرعت السعادة في قلبه. 

مضت عدة دقائق، انتهى فيها من ترحابهم، حتى وجد آيوب قبالته يتطلع له بابتسامةٍ واسعة، تذكره عُمران على الفور، فاذا به يبتسم له قائلًا: 
_هتفضل باصصلي كده كتير، هتسلم ولا هتحضن، إنجز قبل ما نقيم الصلاة! 

ضحك آيوب بصوت مسموع، وركض صوبه، يضمه بكل حبٍ، إحتمل عُمران ألم ظهره الخفيف، وضم آيوب بمحبةٍ، زرعت داخله حينما علم من أخيه بأنه ابن الشيخ البار به، وإنه أحد أصدقائه المقربون، شمله آيوب لعشر دقائق يرفض تركه، بينما يخبره بصوتٍ محتقن: 
_وحشني صوتك، وصلاتك بينا يا طاووس. 

ربت على ظهره بحنان وقال مازحًا: 
_هتزهق مني، أنا هعكتف هنا معاك كام يوم. 

ابتعد برأسه وقال بفرحة: 
_والله ما أزهق منك العمر كله. 

اتسعت ابتسامة عُمران فازدادت جاذبيته، بينما يقترب منه يونس يصافحه بوجهه البشوش: 
_نورت المسجد وحارة الشيخ مهران كلها يا بشمهندس. 

اجابه في حبور: 
_بنورك. 

انسحب يونس وجاور علي في محل جلوسه، بينما ظل آيوب ملتصقًا بعُمران كظله، حتى اقتحم إيثان جلستهما، وهو يصيح بسعادة: 
_خواجـــــــة. 

زوى حاجبيه باستغرابٍ من نطقه لذلك اللقب المتفرد، فلم يترك له إيثان المجال وضمه قائلًا بحب: 
_وحشتني يا خواجة، الجيم من غيرك ما يسواش، بامانة لما ترجع مش هناغشك ولا هغلس عليك أبدًا. 

استدار تجاه آيوب فقال يعرفه: 
_ده إيثان صاحب ابن عمي وصاحبك بردو، عملتوا مع بعض جيم هنا في الحارة. 

أسبل بانبهار: 
_جيم؟! 

أكد له إيثان بسعادة: 
_صلوا وهأخدك اوديك على طول. 

رفع آحد حاجبيه بشكلٍ مضحك: 
_نصلي!  طب وإنت نظامك أيه؟! 

رفع يده أمام وجهه وهو يجيبه: 
_أنا مسيحي يا خواجة، فوق كده ونعنش الذاكرة، هما يسيبوك معايا يومين هجددلك الدورة الدموية كلها. 

أحاطه بنظرة شاملة، ثم تمتم: 
_ما بلاش أفوق، فوقتي بتبقى فقدان وعي لغيري، شكلي فعلًا واحشك وبالجامد أوي. 

ضحك آيوب وهلل: 
_آيوه بقى يا طاووس، إديله. 

لوى إيثان شفتيه بتهكمٍ: 
_مفيش فايدة فيك! 

قالها وهم بالمغادرة قائلًا:
_هستناكم بره. 
                            *******
انتهت صلاة الفجر، واجتمع الشباب أمام المسجد، وقف علي قبالة أخيه وقال بابتسامته الهادئة: 
_خليك النهاردة مع آيوب، وأنا هكلم جمال ويوسف يقابلوك في شقتك اللي هنا، يمكن لما تفضي اليوم بين أصحابك مود النكد ده يفارقك. 

أمسك كفه حينما كاد بفتح باب سيارته وقال: 
_خليك معايا يا علي. 

اتسعت ابتسامته وأحاطه بضمة جعلت الشباب يتابعونهما، بضحكات مشاكسة، بينما الوحيد الذي يتفهم حالته النفسية هو علي، الذي ربت عليه وقال يبث له الطمأنينه:
_أنا معاك دايمًا يا حبيبي، بس إنت محتاج تغير جو وتكون بينهم، خلص قعدتك وهعدي بليل عليك بالعربية. 

حرك رأسه باستسلامٍ، وشعور الراحة يغمره بتواجده بهذا المكان الدافئ بين أحياء الطبقة المتوسطة، وخاصة برفقة آيوب وإيثان الذي أثار اهتمامه منذ لقائه الأول. 

سحب آيوب كف عُمران وأبعده عن إيثان قائلًا:
_بينا على أم عزت نفطر هناك أحلى فول وطعمية وبنتجان ونجيب عيش سخن من عند عمي عباس. 

وأكد عليه بثقة: 
_أنت بتحب الاجواء دي صدقني. 

أمسك إيثان كفه وقال: 
_ام عزت أيه آحنا هنطلع على الجيم نسخن ولا أيه يا خواجة؟ 

وزع نظراته الحائرة بينهما، ثم قال بحزم: 
_نطلع الجيم نسخن وننزل نأكل بعد كده. 

أحاطه إيثان وقال بحماس: 
_بينا يا خواجة. 

لم ينجح بازاحة جسده، بينما يطالعه عُمران بنظرة غائمة، وبغلظة قال: 
_شكلك هيبقى وحش من غيره. 

سحب إيثان كفه وهتف بحنق: 
_لسانك متغيريش لسه زي ما أنت. 

ضحك ساخرًا: 
_حد قالك أنهم استبدلوني في المصنع، أنا زي ما أنا مبتغيريش فبلاش تحط أمال. 

جاراله بسخط: 
_أمال أحط أيه؟؟  اعتماد؟ 

ضحك عُمران وقال:
_اعتماد دي الحتة اللي انت سارح معاها ولا  إسم ماما؟ 

سقط آيوب من فرط الضحك، ومال يضمه وهو يصيح: 
_أقسم بالله وحشتني، الحيوان ده كان مستغلني استغلال سييء. 

زوى عُمران حاجبيه، وردد بوعيد: 
_بينا على الجيم يا إيثو، شكلك ليك روقة!! 
تعليقات