رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الحادى عشر بقلم سيلا وليد
اولا الفصل دا اهداء مني للبنات المتعلقة بالرواية بيتفاعلوا عليها، وحابين اني اكمل ..شكرا حبيباتي..
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
لم تكن مجرّد امرأة، بل انعكاس روحي حين تشتّتت..
لمست قلبي كما يلمس الضوءُ الماء،
فتركت فيّ ارتجافةً لا تنتهي.
بكلمةٍ منها، صارت الدنيا أمانًا...
وبصمتها، عرفت كيف يبدو الانهيار بهدوء.
في قربها، أشعر وكأن الأرض اتّسعت، والكون أصبح مألوفًا.
وفي بُعدها...
أُعيدُ تعلّم الحياة من الصفر.
هي كل ما تمنّيته من الطمأنينة،
كل ما حلمتُ به ولم أجرؤ أن أنطقه.
ليست حُبًّا عاديًّا... بل كانت حياةً تُنطق باسمها.
أحببتها بصمتٍ خائف، كمن يلمس شيئًا يخشى فقده،
كمن وجد في عينيها وطناً لا يُشبه أي مكان...
كما يُحبّ الحيّ النبض الذي يُعيده من الموت.
يكفيني أنها هنا،
أنها تسكن قلبي،
وتترك في كل نبضة أثرًا يشبه الخلود.
حين أتذكّرها،
أُدرك أن الله أحيانًا،
يخلق من إنسانٍ...
كلّ الحياة.
مساء الخير اولا حبيباتي رجاء قبل القراءة نعمل فووت علشان ماننساش، وسامحوني في لخبطة المواعيد، معرفش الفصل الجاي هينزل امتى، وبرضو معرفش الفصل دا هيعجبكم ولا لا ..المهم راعو الظروف اللي بمر بيها عارفة انكم دايما بتنتظروا فصول طويلة ومشبعة بالاحداث ، حقيقي غصب عني، محبتش اوقف الرواية علشان شغفكم بيها مايضعش
بحبكم جدا جدا
قراءة ممتعة ومنتظرة ارائكم اللي بتديني دفعة اني اكمل
خرج إلياس مسرعًا من منزلِ طارق، والشررُ يتطاير من عينيه..
استوقفه طارق بدهشة وهو يتطلَّع إليه باستفهامٍ حائر:
- إلياس؟! إنتَ مرحتش الحفلة ولَّا إيه؟!.
توقَّف لحظة وأشار بحدَّة إلى المنزل خلفه، وارتفع بصوته الذي يقطر تهديدًا:
البتِّ اللي جوَّا دي لو خرجت من البيت قبل ماأرجع..هفصل راسك عن جسمك..
قطب طارق جبينه وهمَّ بالرد، لكن إلياس لم يمنحه فرصة، إذ صعد إلى سيارته وانطلق كالإعصار، لا يلتفتُ ورائه..
ظلَّ طارق واقفًا في مكانه يحاول استيعاب ماقاله..لحظات فقط مرَّت وهو على وضعه، حتى فوجئَ برؤى تندفع من المنزل تركض نحو الخارج..
لم يدرك مايجري، هرول خلفها مرتبكًا، لكنَّها أوقفت سيارة أجرة وغادرت قبل أن يصل إليها..
ضرب الأرض بقدمه، يكاد الجنون يعتريه:
- إيه اللي عملتيه يامتخلِّفة؟!.
أخرج هاتفه واتَّصل بيزن، تحدَّث بصوتٍ متهدج:
- إنتَ فين؟
جاءه الصوت من الطرف الآخر، متسائلًا بقلق:
في إيه؟!
قصَّ عليه ماجرى بسرعة، ليبتعد يزن عن أرسلان على الفور، وإجابه بدهشةٍ مصدومة:
-إنتَ بتقول إيه؟! هي ليه عملت كدا؟
معرفش يايزن، لو كنت أعرف، كنت اتصرَّفت..
تمام..أنا هتصرَّف..
أنهى الاتصال على الفور، واستدار ببصره نحو أرسلان...
الذي قد قيَّد الرجل بحبلٍ غليظ، واضعًا لاصقًا على فمه، ثم بدأ يجرُّ جسدهِ العاري على الأرض، من يرى حالته يدرك أن لا رحمة في عينيه، لا شفقة في قلبه..
وصل إلى السيارة، أوقفه يزن صارخًا:
أرسلان..لو إسحاق عرف، مش هيرحمك!..
رفع أرسلان نظره إليه، وهو يعقد الحبل بغلٍّ في مؤخرةِ السيارة، وعيناه تقذفانِ شررًا:
تعرف تخرس ولَّا لأ؟! لو متعرفش... غور من وشِّي..
اقترب يزن منه، يشير للرجل الذي كان يتطلَّع إليهم بذعرٍ مرتجف، وحاول أن يلجم نيرانَ الانتقام:
الراجل دا شكله مسنود قوي، بلاش تضيَّع نفسك علشان حشرة زي دا.
صرخ أرسلان عندما لم يحتمل..وأطبق يده الغليظة على عنقه، ونفرت عروقه غضبًا، وصاح من بين أسنانه:
دا اللي دمَّر أختك يامتخلِّف..
والمفروض..المفروض إنَّك إنتَ اللي تعمل فيه كدا!!.
قالها ثم دفعه بقوَّة كادت تطرحه أرضًا..وكأنَّ كلَّ جحيم الكون انفجر في صدره.
نظر يزن للرجل الذي يهزُّ رأسه بخوف، يتراجع بجسده بنيرانٍ جحيمية:
-قصدك دا اللي خلَّاها تدمن؟!.
اقترب منه يزن وسحبه من عنقه ولطمة قوية على وجهه حتى كاد ان يفقد وعيه..تراجع أرسلان وتركه يفعل مايريد، ولكن تحوَّل جنونهِ بضربه الرجل إلى إغمائه، سحبه أرسلان وأشار إلى البوابة:
-لازم نخرج قبل ماإسحاق يعرف، يالَّه اركب عربيتك.
بصق عليه وأنفاسهِ بالارتفاع، وصدره يعلو ويهبط من كثرة غضبه وانفعاله:
-إنتَ ناوي تعمل فيه إيه؟..أوعى لتكون ناوي تقتله؟..
أرجع خصلاتهِ للخلف وبدأ يهدأ قليلًا، وعيناهُ تجوب المكان بحذرٍ ثم قال:
-المهمِّ الكاميرات كلَّها مش شغالة..
أومأ له بتأكيد، فتحرَّك إلى السيارة مع وقوفِ يزن:
-يالَّه يابني.
أشار إلى الرجل:
-إنتَ ناوي تمشي بالعربية وهوَّ مربوط كدا؟!..
-يزن إحنا هنطلع برَّة الفيلا بس..
-يعني إيه؟.
في مخزن للحيوان دا في ضهر الفيلا بتاعته، نخلَّص شغلنا معاه ونمشي، وكدا كدا هوَّ في بيته ومنعرفشِ مين عمل فيه كدا..
-طيب ماهوَّ هيقول علينا.
-إنت هتركب وتخرس ولَّا لأ..أنا عارف بعمل إيه..
تحرَّك معه وهو يهتف:
-أنا بلَّغت إلياس وأكيد زمانه على وصول..
-الله يخربيتك يامتخلِّف، قالها بدخولِ سيارة إلياس..
مسح على وجهه بغضب:
-إنتَ غبي ومتخلِّف أكيد متراقب دلوقتي..وشوية هتلاقي الدنيا اتقلبت..
أومال خلِّيتك تخرج بعربيتك ليه..حيوان متخلِّف.
ترجَّل إلياس من السيارة وعيناه تتجوَّلُ بالمكان وتساءل:
-إنتَ بتعمل إيه من غير ماتقولِّي، وقعت عيناه على حالة الرجل، نظر بساعته وأشار إليهم:
-حطُّوه في شنطةِ العربية خلٍّينا نتحرَّك.
-ولا هتعرف تعمل حاجة، زمان إسحاق عرف.
متخافش أنا اتصرَّفت، لازم نخرج حالًا..
اتَّجه إلى سيارته وتحرَّك بعدما أخبره أرسلان بما ينويه..
دقائق ووصل إلى المخزنِ المنشود، أخرجوه من السيارة ثم بحث عن شيءٍ لربطه..
في منزل إلياس...
كانت قد انتهت للتوِّ من استعداداتها لحفلِ الليلة، وماإن سمعت لرنينِ الهاتف حتى التقطته سريعًا، أجابت بنبرةٍ هادئة:
أيوه ياماما...لأ، حبيبتي جايين، إلياس قال لي هيوصَّل يزن ويرجعلي، تمام.
أغلقت الخط وتحرَّكت صوب خزانتها، فتحتها وسحبت منها صندوق مجوهراتها، جلست أرضًا وقد ضمَّته إلى حجرها، وراحت تنظر إليه طويلاً... كأنَّها تتأمَّل ذكرياتها بداخله، لا أحجاره..
تجمَّعت الدموعُ بعينيها، وارتعشت أناملها على غطائه، قبل أن تهمس لنفسها بصوتٍ تخنقه العبرات:
يالَّه..إنتي وعدتي نفسك...لازم تقوي، علشان ولادك أوَّلًا..وعلشان نفسك كمان.
فتحت الصندوق ببطء، وعيناها تطوفانِ بين القطع، حتى وقعتا على العقدِ الألماسي، العقد الذي أهداه لها ليلة زواجهما...
رفعته بتنهيدةٍ ثقيلة، ونظرت إليه طويلاً، كأنَّ شريطًا كاملًا من الذكريات صفع عقلها دفعةً واحدة..
وقفت أمام المرآة، وارتدته على عنقها ببطء، ثم نظرت إلى انعكاسها بهمسةٍ متمردة:
ميرال راجح الشافعي..لازم تتعاملي على الأساس دا، وعدك هيبقى في ضهرك، حتى لو اتخلَّى، عندك ألف سبب يخلِّيكي تقاومي..
أنهت حديثها لنفسها، وراحت تتابع شحوبَ وجهها بعينيها الحزينتين، ثم سحبت أدوات التجميل في محاولةٍ لإخفاء آثار المخدِّر..آثار الانهيار الداخلي.
جمعت أغراضها، وقبل أن تهمَّ بالمغادرة، اتَّجهت إلى غرفة طفلها.. طرقت الباب بخفَّة، ودلفت إلى الداخلِ هامسة:
خلَّصت ياحبيبي؟...
لكنَّها توقَّفت فجأة، تبادله النظرات، وعيناها لا تترك ملامحه..
كان يوسف واقفًا أمام المرآة، يمشِّط خصلاتهِ البنية بانتباه، ثم التقط زجاجة العطر، ونثر القليل منها على عنقه..
راقبته بصمت..بصمتِ أمٍّ رأت في ولدها ظلَّ حبيبها..
جلست على طرف فراشه، تراقبه بهدوء، ليقطعَ سكونها صوتهِ الطفولي:
يعتبر خلَّصت ياماما..وشمس كمان خلَّصت، بس نزلت مع طنط غرام، قالت هتلعب مع ضي.
لم ترد عليه، فقط كانت تتأمَّله، استدار إليها بعدما ارتدى ساعته وسألها بقلق:
ماما..حضرتك كويسة؟
أجابت بصوتٍ مبحوح وهي تحدِّق فيه:
من إمتى بتلبس كده يايوسف؟!.
قطب جبينه باستغراب، لا يدري سبب السؤال:
مش فاهم حضرتك؟..
تقدّمت نحوه بخطواتٍ بطيئة، كلُّ جزءٍ فيه كان يذكِّرها بزوجها..بطفولته، بوقاره المبكِّر..
وقفت أمامه، رفعت ذقنه بأنامل مرتجفة، وعيناها تغوصانِ في ملامحه، قبل أن تهمس باهتزاز:
كبرت قوي..لدرجة تلبس بدلة كده...
شايفة راجل قدَّامي..
ابتسم يوسف ببساطة وردَّ بصوتٍ طفولي فيه مسحة رجولة:
ليه حضرتك، هوَّ اللبس بس اللي بيخلِّي الواحد راجل؟
أنا راجل من زمان أوي..كنت بحضر مع بابا كلِّ مناسبة..
ماكنش بيرضى يسيبني لوحدي...من وقت ماحضرتك...
لكنَّه توقَّف فجأةً حين لمح دموعها تزيِّن وجنتيها، فتبدَّلت ملامحه، وصمتت كلَّ الكلمات..
آسف ياماما..قالها بعدما اقترب منها يزيلُ دموعها بحنان..سحبته لأحضانها:
-حبيبي متتأسِّفش..أنا اللي آسفة ياروحي، يالَّه روح هات شمس من عند عمُّو قبل مابابا يرجع..
-حاضر..قالها واستدار مغادرًا، بينما ظلَّت هي بمكانها إلى أن خرج وأطلقت العنان لعينيها تحرِّرُ دموعها..
شهقة أخرجتها بكمِّ الألم الذي تشعر به لتضع كفَّها على فمها، ورغم ذلك علا صوتُ بكائها، فنهضت سريعًا قبل عودة أبنائها وذهبت إلى غرفتها..
بمنزل أرسلان..
كانت تجلس بجوار ضي التي تقوم بتركيب أحد الألعاب التي تحتوي على حروفِ تجميع الكلمات..أشارت ضي إليها:
-بصِّي علشان إنتي صغيرة، هنجمَّع مثلًا كلمة ماما، تعالي نشوف الحروف بتاعتها، كانت تستمعُ إليها باهتمام، فلوَّحت بكفَّيها:
-شمس مش بتعرف تكتب غير شمس وماما وبابا، ويوسف علِّمني اسمه..
طالعتها مستغربة فقالت:
-شمس ليه مابتعرفشِ تكتب، هوَّ إنتي مش في المدرسة؟..
وضعت الصغيرة إبهامها على فمها:
-شمس مرحتشِ المدرسة، شمس لسة صغيرة..قاطعهم صوتُ يوسف:
-شمس..توقَّفت بعدما استمعت إليه:
"يوسف جه، بكرة هاجي نلعب تاني."
دلف إلى الداخل، عينيه تدوران باحثةً عنها، قابله بلال بابتسامتهِ المعتادة:
- "صبَّح صبَّح ياعمِّ الحج..إيه الشياكة دي يانجم؟..
ضربه يوسف بخفَّة على رأسه وهو يضحك:
- "من إمتى وأنا وحش يانجم؟"
غمز بلال بعينيه وهو يرفع كفِّه بتدليل:
- "استنى بس، أتمسَّح فيك شوية.. يمكن آخد نقطة كاريزما "
ضحك يوسف بعلو وهو يلمح شمس تخرج مهرولةً نحوه، خلفها ضي تتبعها بخطا بطيئة ونظراتها تائهة في ملامحه..
أشارت شمس إلى ضي بحماس:
- "بكرة نكمِّل، ماشي؟"
توقَّفت شمس أمامه فجأة، عينيها تتفحَّصانه بانبهار:
- "أووووه..إنتَ مين"
مدَّ يوسف كفِّه ناحيتها:
- "تعالي ياصغنَّنة..هتعاكسي أخوكي الجديد؟"
ضحكت بخفَّة، بينما هو يلتفت نحو بلال:
- "يلَّا، جهِّزوا نفسكم، عمُّو قرَّب يوصل."
توقَّفت ضي تتابعه بعينيها بنظرةٍ غامضة، تعلَّقت عيناهُ بعينيها:
-بتبصي كدا ليه يابت، إيه مش عاجبك، دا حتى جنتل وهسرق العيون..
عقدت ذراعيها بتحدٍّ طفولي:
- طيب يا جنتل باشا..مش واخد بالك من حاجة."
ردَّ عليها بلال وهو يتكئُ على كتفها:
- "إنتي عارفة شبه مين؟"
أجابت فورًا بابتسامةٍ متمرِّدة:
- "آه..المافيا.
قهقه بلال وصفَّق بكفِّهِ على كفِّها:
- "برافو ياضوضو."
نظر إليهما يوسف بسخرية:
- "ضوضو؟!.دي تقول عليها دودة مش ضي..كان المفروض يسمُّوها (ضلمة)، مش (ضي)."
غضبت ضي وركلت الأرض بقدمها، وهمَّت بالدخول، لكن أوقفتها شمس بسرعة:
- "ضي، متزعليش..يوسف حلو برضو.. شبه شجيع السيما!"
انحنى يوسف وقبَّل وجنتي شمس بحنان:
- حبيبة أخوها اللي بتفهم، مش زي ناس..عمية.
-فعلًا أنا عمية..قالتها ضي ودلفت للداخل..ربت بلال على كتفه:
-زعلانة من ماما..كانت عايزة تلبس فستان وماما رفضت، قالتلها إنَّها كبرت على اللبسِ القصير..
-بس هيَّ مش كبرت أوي يابلال، يادوب اتناشر سنة، أنا من رأيي تلبس اللي هيَّ عايزاه..
هزَّ بلال رأسه بالرفض:
-لا يايوسف، لازم تاخد بالها إنَّها كبرت، ومينفعش تتعامل على أساس طفلة خمس سنين..
أومأ متفهِّمًا واستدار:
-معرفشِ أنا في الحاجات دي، اتَّجه بنظره الى شمس وقال:
-يمكن علشان مكنتش أعرف حاجات البنات، أو ممكن مكنشِ ليَّا أخوات بنات..كانت تتطلَّع إليهِ تجهلُ حديثهم..
ابتسم إليه بلال يشير على شمس:
-بقى عندك قردة ولسانها أطول من لسان ضي..
ضمَّها تحت ذراعيه:
-شموسة مش عند حد، صح ياشموسة؟..
-إنتَ بقالك ساعة بتتكلِّم..أنا زهقت يالَّا بقى عايزة أمشي..
تحرَّك يلوِّح لبلال:
-الأمر نفذ، أشوفك في الحفلة.
بمنزلِ يزن..
توقَّفت تنهي زينتها..دلفت ابنتها التي تبلغُ من العمرِ سبع سنوات:
-مامي..آسر شتمني علشان الفون وقع منِّي غصب عنِّي..
انحنت تحتضنُ وجهها وطبعت قبلةً علي وجنتها:
-متزعليش ياقلبي أنا هخلِّيه يتأسِّف لك، بس إنتي كمان لازم تتأسِّفي وتفهِّميه إنُّه غصب عنِّك..
-حاضر يامامي.
بفيلا السيوفي..
دلف مصطفى إلى الداخل، يشيرُ بيده نحو ساعته بضيق:
- "ينفع كدا؟! ابنك لسه مجاش، وبكلِّمه مش بيرد."
تنهَّدت فريدة وقالت بثباتٍ مصطنع:
- "أنا كمان اتَّصلت بيه..وكلِّمت ميرال، قالتلي إنَّها جاهزة ومستنياه."
اقترب منها مصطفى وهو يرتِّب سترته:
- "أنا هنزل أقابل الناس..فاروق وإسحاق وصلوا، والباقيين تحت."
أومأت برأسها تهدِّئه:
- "اهدا بس، وماتخافش، إلياس عمره ماهيكسفك قدَّام الناس دي.. متنساش إنِّ مراته كمان موجودة."
رمقها بنظرةٍ غير راضية وتحرَّك مستغفرًا في سرِّه، متأفِّفًا من برودِ ابنه المعتاد..
في مكانٍ آخر، بعيدًا عن الأضواء..
وصل إلياس إلى حيث أشار له أرسلان..
فتح شنطة السيارة، وأخرج منها الرجل المكبَّل الذي يُدعى مختار، وسحبه من ياقة قميصه كمن يسحبُ كيسَ قمامة..
- "إلياس..متموِّتوش، إحنا مش ناقصين دم."
دفعه إلياس بقوَّة فاختلَّ توازن الرجل، وسقط على ركبتيه يتأوَّه..
زفر إلياس بغيظ:
- "تعرف تسكت؟ ولَّا لازم أخيَّطلك بوقَّك؟!"
استدار لأرسلان، يتلفَّتُ حوله حتى استقرَّت عيناهُ على برميلٍ معدنيٍّ كبير، سحبه مع صوتِ احتكاكٍ حاد ثم عاد للرجل…
انحنى، وأمسكه بخصلاتِ شعره وجرَّهُ بعنف:
- "قوم ياحيوان، وجايلي بكلِّ بجاحة بتطلب حماية؟!"
أشار لأرسلان:
- "وقَّفه فوق البرميل ده."
نفَّذ أرسلان الأمر بصمت، سحب إلياس مقعدًا وتوقَّف لمقابلته ثم قام بتقييدِ كفَّي الرجل المرفوعتين لأعلى، وثبَّت تحت ذقنهِ آلة حادَّة، ليصبح في وضعٍ لا يُحسد عليه:
- "خلِّيك كده..لا تبصِّ لتحت ولا على جنب، علشان ماتندبحشِ رقبتك بالغلط."
وقف أرسلان متحفِّزًا، غير مرتاح لما يحدث:
- "هتسيبه كده؟! أنا كنت فاكر هتقطَّع مصارينه."
استدار إليه إلياس، نظراتهِ تقدحُ شررًا:
- "ممكن تهدى شوية؟!.
أوَّلًا إحنا عندنا حفلة..وثانيًا، الحيوان ده مش عايزه يموت بسرعة، لازم يعرف كويس هوَّ وقع مع مين."
صمت لحظة، ثم أكمل بصوتٍ منخفضٍ متكسِّر:
- "مراتي ياأرسلان..مراتي اللي عذَّبها..والنار اللي جوَّايا، محدش فيكم حاسس بيها..
بعد فترة، وصل إلياس منزله، فوجد طارق في انتظاره عند البوابة..
إلياس..
هتف بها طارق بانفعال، فاقترب إلياس منه متجهِّمًا:
فيه إيه؟!
إيه اللي حصل خلَّى رؤى تخرج من البيت بالشكلِ دا، وإزاي تمدِّ إيدك عليها؟!.
في تلك اللحظة، وصل يزن بخطواتٍ متعجِّلة، وتساءل بقلق:
إيه اللي عملته دا؟.
زفر إلياس بقوَّة، وهو يرجع خصلاتِ شعره للخلف بعصبية:
يعني حتِّة عيِّلة، مش قادر توقفها لحدِّ ما أرجع؟! أنا مش قايل لك خلِّي بالك منها؟!.
نظر ليزن، الذي كرَّر سؤاله وقال:
جهِّزوا نفسكم، اتأخَّرنا، وأنا هعرف أرجَّعها إزاي.
مش فاهم، أنتوا بتتكلِّموا عن إيه؟..
قالها يزن، فأجابه طارق والقلق يملأ عينيه:
رؤى هربت، ومش عارف إلياس عمل فيها إيه..شكلها كانت مضروبة!..
رمقه إلياس بنفاذِ صبر، وقال بحدَّة:
دماغي مصدَّعة، وبعدين أنا ماضربتهاش غير لمَّا غلطت، وده شيء ماأنكرهوش.
طالعه يزن بعتابٍ قاسٍ:
حتى لو غلطت، متمدِّش إيدك عليها..
عارف إنَّك ابنِ عمَّها، بس إحنا إخواتها، ومحدش له حق يمدِّ إيده عليها مهما كان مين..
ظلَّ إلياس يستمع بصمتٍ متحجِّر، إلى أن انتهى يزن، فردَّ ببرودٍ قاتل:
لو خلَّصتوا كلام، ممكن أروح، مش فاضي، سحب نفسًا قبل أن يكمل:
أمَّا لو عايزين تعرفوا هيَّ عملت إيه، لمَّا تلاقوها اسألوها.
وآه..في حاجة مهمَّة، لازم تقنعوا نفسكم بيها..
اللي يغلط معايا، مابرحموش، حتى لو أنتوا..قالها مقتربًا من يزن بخطوةٍ بطيئة، وحدجه بنظرةٍ قاتلة وهو يشير له:
أنا غلطت، بس إنتَ غلطك..لا يُغتفر،
لولا موضوع ميرال، ماكنتش سكت، بس هيَّ اللي طلبت أبعد عنَّك، لأنَّها شايفاك السند، اللي ممكن تميل عليه لو أنا خذلتها..
وأنا هفضل معاها بالإحساس ده، مش علشان هيَّ عايزة، لكن علشان أورِّيها..محدش هيخاف عليها قدِّي
بدليل..مين اللي بيتعذِّب دلوقتي غيري..
صمت لحظة قبل أن يضيف بصوتٍ متهدِّج:
أختك كانت مدمنة، أنتوا متخيِّلين؟!
شوفت فيديوهاتها وهيَّ بتتعذب من الألم؟..
المنظر دا..كفيل أدفن أيِّ حد يقرَّب منِّي أو من عيلتي..
فبلاش تسألوني "بتعمل كده ليه؟"
اتَّسعت عينا يزن وهو يهمس بذهول:
إنتَ تقصد إيه ياإلياس؟! أوعى أكون فاهم صح..
زمَّ إلياس شفتيه بسخريةٍ لاذعة:
وإنتَ من إمتى بتفهم صح...
ياباشمهندس؟
قالها واستدار داخلًا إلى منزله.
وصل إلى غرفته، بحث بعينيهِ عنها بلهفة، استمع إلى صوتِ أطفاله بالخارج..فتح الباب وخرج..
توقَّف في مكانه، يراقب خطواتِ الصغيرة وهي تخطو بخجلٍ في فستانها القصير الذي بالكادِ يصل إلى فوق الركبة، خفق قلبهِ في صدره، كأنَّه يراها لأوَّلِ مرَّة..كأنَّها ميرال التي تتحرَّك إليه..
خطا إليها ببطء، وكلُّ خطوةٍ كانت تصرخُ بداخله..بنتي..
لكنَّها توقفت، وابتسامتها تلاشت حين رأت نظراته، فأختفت خلف يوسف، تخبِّئُ وجهها في ظهره..
حمحم يوسف وهو يلتقطُ نظراتِ والده المتصلِّبة عليها:
– بابا..جدُّو اتَّصل كتير، ليه اتأخَّرت؟.
رمق إلياس طفله أوَّلًا، ثم أعاد بصره إلى الصغيرة المتراجعة، حاول أن يضبطَ نبرةِ صوته:
– فين ماما؟.
– في الأوضة.
– انزلوا في العربية، هغيَّر هدومي وأنزل..قالها واستدار ولكنَّه توقَّف حين قال يوسف:
– شمس كانت عايزة تشكرك على الفستان.
ارتبك، والتفتَ نحوها سريعًا..أومأ لها يوسف بتشجيع، رفعت الصغيرة عينيها إليه وهمست:
– شكرًا..الفستان حلو.
– شمس..قولنا إيه ياحبيبتي؟
- همس يوسف وهو يرمق والده الذي بدا كالتلميذِ الخائف أمام ابنته.
رفعت عينيها إليه من جديد، وهمست بصوتٍ خافتٍ مرتجف:
– ميرسي يابابا..
هنا، توقَّف الزمن..كأنَّ قلبه انفجر دفعةً واحدة..اقترب منها خطوةٍ، خطفها إلى حضنه، رفعها عن الأرض، ودار بها كأنَّها العالم كلِّه.. ترقرقت دموعها خوفًا، فتعلَّقت بعيني يوسف، الذي أومأَ برأسهِ يطمئنها..
دفن وجهه في خصلاتها، يستنشقها وكأنَّها الهواءَ للحياة..همس بصوتٍ مبحوح:
– روح بابا..وقلبه إنتي..
احتضنها كأنَّما يحتضنُ سنين غيابها، عيونًا دامعة ونظرات لا تصدِّق، وإحساس ينبضُ بعنف..ينظر إليها:
– تعرفي النهاردة أحلى يوم في عمري.
سمع وقعَ خطواتِ ميرال التي كانت تراقبهم بصمت، اقتربت وأحاطت شمس بذراعيها وهي لا تزال بين يديه:
– مفيش بوسة لبابي بقى علشان كلماته دي؟
تردَّدت الصغيرة، ثم نظرت إليه، كان يهزُّ رأسهِ بتوسُّل، فأمسكت ميرال كفَّيها ورفعتهما لعنقه..
اقتربت الصغيرة، وطبعَت قبلةً على وجنته..
دمعةٌ خانته سقطت، لم يحتج أن يمسحها..ظل يُقبِّل وجهها، وجبينها، وكلَّ إنشٍ بها..
– حبيبة بابا..إنتي شمس حياتي، شمس عمري..
كانت تنظرُ إليه باستغرابٍ من كلماته، التفتَ إلى ميرال، وقال :
– قالت لي "بابا!"
انسابت دموعُ ميرال، وربتت على ذراعه، أبعدت شمس يديهِ عنها حين رأت يوسف يبتعد:
– عايزة أروح ليوسف..يوسف، قالتها الصغيرة وهي تحاول أن تفلتَ من بين ذراعيه..
أنزلها برفق، وقبَّل شعرها، وتركها تجري خلف أخيها، عيناهُ تلاحقها حتى اختفت.
ثم أعاد نظرهِ إلى ميرال على همسها:
– أنا آسفة.
نظر إليها للحظات، يقيم طلتها التي خطفت قلبه، أدار وجهه، وسار للداخل حتى لا يضعف أمامها ويأخذها عنوة يعاقبها بطريقته، ورغم شعور طغيان العشق تمتم:
–امسحي الروج، انتي مش بتجهزي لجوزك، و انزلي، هغيَّر وأنزل.
ابتسمت كانت تريد أن تسمع تلك الكلمات، همست بصوت كاد أن يسمعه:
– جهِّزت هدومك جوَّا..
توقَّف، استدار ببطء:
– ياااه ..كنت نسيت دي كمان..حاجات كتير نسيتها، واتعوِّدت أعملها بنفسي..
اقتربت:
– اجهز وأنا تحت، واللي عايز تعمله.. اعمله، مش هعارضك..
– مش وقت الكلام، انزلي وانا هحصلك
– عملت إيه في رؤى؟.
لم يجب..واصل طريقه كأنَّها لم تسأل..
وصل الجميع إلى فيلا السيوفي، تهادت رحيل بخطواتها إلى جوار زوجها، تهمس له بنبرةٍ خافتة:
– مش واخد بالك إنِّ عمُّو مصطفى بيحاول بأي طريقة يصالح ميرال؟
مضى بثباتٍ وسط الحضور، عيناهُ تتجولان بين الوجوه، ثم أجابها:
- أو يمكن بيحاول يرضي إلياس..على قدِّ مابيتكلِّم معاه، بس لسه شايل من جوَّاه، أنا عارف دماغ إلياس.
- ماأظنش..إلياس لو زعلان من حد، بيواجهه..
توقَّف ينظر لها نظرةً هادئة:
- فهمتيني غلط، قصدي لسه شايف إنِّ هروب ميرال كان ليه يد فيه، حتى لو جزء بسيط..بس هوَّ بيحبُّه، وبيقدَّره جدًا..وصدَّقيني، أنا كمان بحبِّ الراجل ده جدًا..كفاية إنُّه ماتخلاش عنهم بعد اللي عرفه..سمعت إنِّ راجح قال كلام كتير عن طنط فريدة قدَّامه.
توقَّف عن الحديث فجأةً حين لمح وقوف فاروق وإسحاق، وأشار لزوجته إلى حيث تقف فريدة:
-هنقعد شوية علشان ميرال ونمشي، لازم أدوَّر على رؤى.
لم تمر دقائق حتى ظهر أرسلان برفقة زوجته، اقترب من إسحاق والابتسامة تزيِّنُ وجهه، ثبَّت إسحاق نظرهِ عليه، وكأنَّ النظرات توحي بما لم يُقال..
– عمُّو..وحشتني.
قطب جبينه واحتضنه سريعًا، ثم همس له:
-عملت إيه ياابنِ فاروق؟.
ابتعد أرسلان واتَّجه لوالده قائلاً: فاروق باشا..وحشتني.
قالها بعد أن ابتعد عن حضنِ إسحاق الذي مازال يخترقهُ بنظراتِ شك، وعقلهِ يصفعه: "يا ترى عملت إيه ياأرسلان؟!"
توقَّفت الموسيقى فجأةً عند دخول إلياس وميرال، فتحرَّك مصطفى لملاقاتهما:
– ينفع كده ياإلياس، دا كلُّه تأخير؟..
ابتسم إلياس وحيَّاهُ ونظراتهِ على الجميع:
- آسف ياباشا..كان عندي مشوار مهم.
رحَّب مصطفى بالحضور، ثم أعلن عودة ميرال، موضِّحًا أنَّها تعرَّضت لحادثٍ أثناء عطلتها بالإسكندرية، وفقدت الذاكرة، وتولَّت سيدة تعمل بالتمريض رعايتها حتى استعادت وعيها.
احتوى إلياس كفَّها، وتحرَّك بها وسط الحضور، وابتسامة هادئة تزيِّن ملامحه، يخفي بها مايعتمل في داخله.
بعد لحظات، جذبها نحو مصطفى الذي انتهى من حديثٍ جانبي، ثم قال وهو يطالعها:
- مش هتسلِّمي على بابا مصطفى
ياميرال؟.
نظرت إليه بابتسامةٍ مصطنعة:
- إزيَّك ياعمُّو مصطفى..عن إذنك هشوف ماما.
انسحبت سريعًا، ليضع إلياس كفِّه على كتفِ مصطفى هامسًا:
- ادِّيها وقت، هيَّ بتحبَّك..متخافش.
وقعت عيناه على أرسلان وإسحاق، حتى اقترب من والده وهمس له:
– أرسلان وصل للراجل.
- مين؟
– مختار العوضي..اللي كان طالب منِّي فريق أمني..للأسف، مورَّط شركة رحيل في غسيل أموال، لفّ على طارق ووقَّعه في شراكة..
ذُهل مصطفى:
- لا!.ورحيل عرفت؟.
– لأ..هيَّ تعرف إنُّه شغله مشكوك فيه، بس مش التفاصيل..لمَّا جاتلي من كام شهر، دوَّرت وراه، لقيت إنُّه شغله مش نظيف، فبعدت عنُّه بهدوء، وصدَّرت له مالك.
أومأ مصطفى بتفهُّم:
– خُد بالك..الراجل ده مسنود، وشكله ليه علاقة بقضية راجح ورانيا.
– هنكشف كلِّ حاجة، بس دلوقتي لازم أختفي أسبوعين.
– تختفي فين؟!.
–الدكتور كلمني النهاردة الصبح، الفترة الجاية هتكون صعبة عليها، لازم أبعد ميرال شوية، الدكتور نصح براحة نفسية..تأثير المخدِّر..سيطروا عليها، الفكرة نفسها مجنِّناني.
ربت مصطفى على كتفه:
– مراتك محتاجاك..مش هقولَّك تعمل إيه، لأنَّك أكتر حد فاهمها.
تنهَّد إلياس:
– هشوف ماما..عايز أوصِّيها على الولاد.
في أحد أركان القاعة، وقفت ميرال إلى جوار إسلام وملك، شاردة، غريبة عن المكان..تشعر أنَّ كلَّ الأنظار تخترقها كأنَّها إدانة صامتة..
همست لإسلام:
- إسلام..هطلع فوق، مش قادرة.
قالتها وانسحبت، بينما عيناهُ تتبعانها..أشار إلى غادة، التي كانت بجوار رحيل وغرام، فهمت الإشارة، وتبعتها..
بمكانٍ آخر، وقف إلياس بجوار والدته: – ماما..عايز أسيب معاكي يوسف وشمس يومين.
- ليه ياحبيبي، مسافر؟.
هزَّ رأسه نافيًا:
- لأ..بس عايز أبعد ميرال شوية بعد الحفلة.
ابتسمت تنظرُ إليه بفخر:
– أهو كده..إنتَ حبيبي، ربِّنا يسعدك
يابني..
دلوقتي حبيبك يامدام فريدة، على العموم بعمل كدا علشان أرجَّع مراتي لولادها..
ابتسمت وابتعدت بنظراتها تبحثُ عنها:
-هيَّ راحت فين؟!.
دار بعينيه يبحث عنها، ثم تحرَّك إلى إسلام..
بأحد أركان الحديقة، وقف يتابع أخته وضي اللتان تتحركان بالمكان يلهونَ مع المربية، اقترب منه بلال:
-بدوَّر عليك من فترة كنت فين؟..
ابتعد ولم يرد عليه وظلَّت نظراته على أخته وابنة عمِّه..
مالك يايوسف واقف كدا ليه؟..
-مفيش.
لكزه بخفَّة، وغمز بعينيه:
-مالقتش حد يعاكسك ولَّا إيه؟..
-إيه يابني الألفاظ البيئة دي، لا محدش شقطني.
قهقه بلال عليه حتى أدمعت عيناه:
-أيوة كدا..ألفاظك بنتِ ناس، المهمِّ مالك، مش عاجبك حفلة جدَّك الختيار؟..
-بلال وحياتك أنا دمِّي محروق ومخنوق، يارب ينزِّلوا منشور دلوقتي ويقولوا امتحان آخر السنة بكرة.
شهق بلال وقال:
-يالهوي، هيَّ حصَّلت إنَّك تدعي تمتحن، لا كدا الموضوع كبير، وأنا لازم أخطف وظيفة أبويا ماضيًا..
التفت يضحك على كلماته:
-بما إنَّك هتخطف وظيفة أبوك، عايز خطَّة ماما وبابا مايسافروش..
ليه همَّا هيسافروا؟..
-أه سمعته بيكلِّم تيتا، وعامل مفاجأة لماما..
-طيب وإنتَ زعلان ليه؟.مايسافروا..
التفت إليه بتجهُّم:
-هتساعدني ولَّا هتفضل غبي كدا، إنتَ مصدَّق إنَّك هتشتغل بوظيفة عمُّو، إنتَ أخرك بوَّاب الكمبوند..
عند ميرال...
صعدت إلى غرفتها بخطا مبعثرة، تحملُ جسدًا أنهكه التوهان، ووجعًا أثقل روحها..دفعت الباب ببطء، ودلفت إلى الداخل تستند على الجدار كأنَّها تتَّكئُ على بقاياها..جالت بعينيها في المكان، وكأنَّ جدران غرفتها القديمة تنظر إليها بشفقة، كلُّ زاوية تهمس بطفولةٍ وحياة ضاعت..ببراءةٍ دهستها الأيام..
انسابت دموعها دون مقاومة، وانهارت أرضًا أمام فراشها، تسند جبينها على طرف السرير، بينما الذكريات تتوالى كأنَّها عرضٌ سينمائيّ لا نهايةَ له.
فتحت غادة الباب، توقَّفت للحظة تتابعها بأنينٍ مكسور، ثم اقتربت منها، جلست إلى جوارها، تضمُّها إلى صدرها، تعلَّقت بأحضان غادة تهمس بصوتٍ باكٍ:
– عايزة أرجع طفلة تاني ياغادة،
قالتها وهي تنتحب بحرقة..
– أنا مش عايزة الحياة دي، مش عايزة حاجة خالص..أنا ضعت ياغادة... ضعت وخسرت كلِّ حاجة.
ربتت غادة على ظهرها بحنانٍ وطمأنينة:
– حبيبتي ليه بتقولي كده؟ ولادك جنبك، وجوزك..أنا عارفة اللي مرِّيتي بيه مش سهل، بس اللي أنا عارفاه كويس..إنِّ ميرال قوية.
رفعت وجهها تمسحُ دموعها بأناملها:
إنتي قوية ياميرو.
– تفتكري إلياس هيسامحني؟.
– أنا مش هفكَّر غير في حاجة واحدة..إنِّ ميرال تقدر ترجَّع كلِّ حاجة بإيديها، وطول ماأخويا مااتجوزش، يبقى لسه بيحبِّك، وبنفس الحبّ..
في تلك اللحظة، دلف إلياس إلى الغرفة، استمع إلى كلماتها الأخيرة، فوقف للحظة يتأمَّلها، ثم قال بصوتهِ الهادئ:
– غادة، انزلي وخلِّي بالك من الولاد.
أومأت له، وانحنت على ميرال، تقبِّل وجنتيها وتهمس:
– ده واحد مش بيحبِّك؟!..يابختك.
نهضت تغادر، تمرُّ بجواره تتوسَّلُ بنظراتها ألَّا يكون قاسيًا عليها.
– انزلي حبيبتي، شوفي الولاد.
قالها بصوتٍ دافئٍ وهو يقترب من ميرال التي لم ترفع عينيها عن الأرض، وكأنَّ نظراتها تخشى مواجهته..
انحنى يرفعها برفق، كأنَّها شيءٌ هش، مسح دموعها بأنامله، وعيناهُ معلَّقتانِ بوجهها:
– ينفع العيون دي تبكي؟.
قالها بهمسةٍ تنبض بالعشق، بصوتٍ كأنَّ فيه نغمةُ حنينٍ ودفء..
تراجعت خطوة للخلف، وهمست بصوتٍ متقطِّع:
– أوضتي..وحشتني بس.
اقترب منها، ومسح وجنتيها بأنامله، لم يكن يواسيها، بل كان يعيد تكوين روحها الضائعة:
– إحنا مش اتفقنا، إنِّ ميرال القديمة هترجع؟.
ميرال القوية العنيدة، أنا مش عايز اللي واقفة قدَّامي دي..
خفضت عينيها، كأنَّها تخاف أن يُفتضحَ ضعفها:
– تفتكر هرجع زي الأوَّل؟.
ابتسم وهو يحاوط وجهها بكفَّيه:
– متأكِّد من دا، مش بس هترجعي قوية، لا..هدوسي على كلِّ الألم..
شدَّها لصدره، احتواها كأنَّها طفلته، بين ذراعيه أمان لا تملكه الحياة، وتنهيدة عميقة أخرجها بكمِّ الألم والعشقِ معًا..
– عايزك تنسي كلِّ اللي فات..اعتبري نفسك اتولدتي النهاردة.
– هتقبل ده ياإلياس؟.
رفع وجهها برفق، ونظر لعينيها مباشرةً وقال بثبات:
– مش هقبل غيره..عايز مراتي تكون قوية..
تلاقت الأعين:
-لسة بتحبِّ ميرال؟.
مسح على وجنتها بظهر كفِّه، وابتسم:
-لو سألت أنا السؤال دا هتجاوبي؟..
دمعة تحرَّرت رغمًا عنها بما تشعره:
-أوي..بحبَّك أوي.
سحبها لأحضانه وكأنَّه كان منتظر أن تنطقها شفتيها، ليبعثرَ لها ترانيم عشقٍ صامتٍ تنطقه القلوب..وتكتبهُ الشفاه..
حرَّر شفتيها أخيرًا وانحنى، قبَّل وجنتها قبلةً لم تكن مجرَّد حنان..بل وعد، ثم همس عند وجنتها:
– مش راجعين بيتنا الليلة..وأه، جهِّزي نفسك لمَّا أرجع، ساعة بالكتير.
استدار ليمضي، لكنَّها تمتمت بصوتٍ مرتعش:
– ليه، هنروح فين؟.
تراجع إليها، هامسًا عند أذنها بصوته الذي يذيبها:
– هخطفك..المرَّة دي بمزاجي..
مش زي قبل..المرَّة دي هتروحي معايا علشان أعرَّفك لسة بحبِّك ولَّا لأ..
رفع كفَّها على نبض قلبه:
-نشوف قلب مين اللي هيعترف الأوَّل..
فتحت فاهها للحديث ولكنَّه وضع إصبعه:
-تؤ..مش عايز أسمع أي كلمة، هناك هسمع وأشوف.
ارتجف جسدها من همساته، من تلك النظرات التي تحفظها عن ظهرِ قلب، التي اشتاقت لها حدَّ الوجع..
رفعت عينيها إليه:
– هناك فين؟!.
ابتسم وهو يترك أثر نفسه على وجنتها:
– لمَّا أرجع هتفهمي..
ومتقلقيش على يوسف وشمس، هيقعدوا مع ماما..الليلة ليَّا، مش ليهم.
قالها وتحرَّك نحو الباب، ثم التفت وألقى نظرةً أخيرة:
– أرجع تكوني جهِّزتي نفسك..
توقَّف لحظة، واستدار مجدَّدًا، ونبرتهِ تغيَّرت:
– اعملي حسابك في أسبوعين، لازم التعويض يستاهل، حبيبك بقى طمَّاع أوي، خمس سنين بقى..
رمقته بدهشة، ولم تبالِ لما قاله سوى أسبوعين بعيدًا عن أطفالها..
– يعني عايزني أبعد عن الولاد أسبوعين؟!.
وبعدين يعني أعمل حسابي إزاي مش فاهمة؟..
اقترب منها مرَّةً أخرى، ونظراته تسكن عينيها، وهمس ببحَّتهِ الرجولية:
– فعلًا، هتعملي حسابك في إيه؟.
بلاها الهدوم..دا حتى الجوِّ حر..
انحنى على أذنها، همس بشيءٍ لم تسمعه فقط بل جعل عيناها اتَّسعت، وشفتاها ارتجفت، والخجلُ لوَّن وجهها بلونِ الورد.
استدار مغادرًا، بخطواتٍ هادئة، وكأنَّه لم يقل شيئًا..
ظلَّت بمكانها تستعيدُ همساته، نظراته، لمساته..
بعد مرور عدَّةِ ساعاتٍ بمنزل أرسلان،
انحنى ضوء الليل المتسلِّل من النوافذ على ملامح وجههِ الجامدة، بينما استقرَّ بجوار نافذته يُحادثُ إلياس عبر الهاتف بصوتٍ خفيض:
– متخافش، كلُّه تحت النظر، حتى لو إسحاق عرف، خلِّيه يثبت..بس ماقولتش، ناوي على إيه؟..
من داخل سيارته، جاءه الردّ حاسمًا:
– المهم تراقب من بعيد، وتعمل زي ما قلت لك بالضبط. ابدأ تدريجي، والله لأعلِّمهم كلُّهم الأدب.
– حاضر، ووعد مش هقرَّب منُّه، طول ماإنتَ بتاخد حقِّنا، مش هتكلِّم ياكبير.
– خلِّي بالك من يوسف وشمس، ولو زهَّقوك، اتِّصل بغادة..همَّا مرضيوش يقعدوا هناك..
– متقلقش عليهم...
أغلق أرسلان الهاتف، ثم استدار بعينيه نحو يوسف الذي ظلَّ جالسًا في نفس المكان منذ عودته..اقترب منه بخطواتٍ هادئة وجلس إلى جواره، بينما كان الأخير يحدِّق في الفراغ..
– ما بتلعبش مع ولاد عمَّك ليه؟
– مليش مزاج...
ثم تساءل دون أن يلتفت إليه:
– همَّا فعلاً هيقعدوا أسبوعين؟.
أدرك أرسلان مايدور بخُلده، فسحبه إلى أحضانه بحنانٍ أبويٍّ دافئ:
– إنتَ كبير، وأكيد هتفهم معنى كلامي..مامتك تعبانة، ولازم تبعد عن الضغط اللي حواليها..يومين ويرجعوا حبيبي.
قاطعهم دخول الخادمة تحمل أكواب اللبن للأطفال، فصاح أرسلان بحنان:
– ضي، شمس، بلال..تعالوا يلَّا عشان تناموا.
ركضت شمس إليه بسرعة، عيناها تبحثانِ عن ميرال:
– فين ماما، هيَّ مش هترجع؟
ضحك عليها وسحبها لتجلس فوق ساقيه، يقبِّل جبينها برقَّة:
– نامي، والصبح هتلاقيها.
هتفت بعنادٍ طفولي:
– إنتَ ليه ياعمُّو بتقول كده؟ أنا سمعت عمُّو بابا وهوَّ بيقول "هنقعد يوم، ويوم، ويوم"!
ضحك عاليًا يُخبِّئ ألمه بين ضحكاته، يقبِّلها مجدَّدًا:
– بتقولي إيه يابت، إيه عمُّو بابا ده؟
قهقه يوسف وقال:
– لا، ومعرفتش لقب بابا الجديد..
قطب أرسلان جبينه وهو يتساءل:
– أبوك له لقب!!.من مين؟
– من شمس، مين الشرير ياشمس؟
– بس يايوسف، ماما قالت عيب..
رنَّ هاتف يوسف، نظر إلى الشاشة وقال ضاحكًا:
– ماما بتتِّصل.
ردَّ بسرعة:
– ماما..
جاءه صوتها الحنون من الطرف الآخر:
– حبيبي، عاملين إيه، وأختك عاملة إيه؟ يوسف، خلِّي بالك منها، لسه ماأخدتش أوي على طنط غرام وعمُّو..
– بتتِّصلي علشان شمس؟
– لا ياحبيبي، كنت واحشني وعايزة أسمع صوتك.
– هعمل مصدَّقك ياماما، شمس كويسة وهيَّ قاعدة مع عمُّو أرسلان، لو عايزة تكلِّميها؟
– لا ياحبيبي، أنا كنت عايزة أكلِّمك إنتَ..وبعدين إنتَ أخوها الكبير، فلازم أوصِّيك عليها، هيَّ لسه صغيرة بس طبعًا...
قاطَعها بصوتٍ يحمل نضجًا أكبر من عمره:
– أنا مش صغير ياماما، وفاهم كويس..سلِّميلي على بابا.
أنهى الاتصال دون انتظار ردَّها، ثم دلف إلى الداخل، متجاهلًا نظرة أرسلان التي ظلَّت تتابعه بصمت.
تنهَّد أرسلان قائلاً في نفسه:
– يا دي النيلة عليك ياإلياس... هتلاقيها منين ولا منين!..
خرجت غرام من إحدى الغرف، فبادرته بالسؤال:
– مالك ياأرسلان، بتكلِّم نفسك؟!.
– خلِّي بالك من الولاد، حبيبتي..رايح مشوار، هغيب نصِّ ساعة وراجع.
– خلِّي بالك من نفسك...
في الطائرة، قبل إقلاعها...
تأهَّبت المقاعد للاهتزاز، وفاض ضوء الطائرة الباهت على ملامحها القلقة..
مال إلياس نحوها، يقول بصوته الخفيض الحنون:
– اربطي الحزام حبيبتي، الطيارة هتتحرَّك.
ارتجف جسدها فجأة، بلا سبب واضح..يدها لم تُطعها وهي تحاول الإمساك بالحزام، فارتعش جسدها بأكمله.
حاوطها بذراعيهِ فورًا، وسحب الحزام برفقٍ منها وثبَّته، وعيناه تتذكَّرُ كلمات الطبيبِ الأخيرة..
وضعت رأسها على كتفه كأنَّها تلجأ إليه من خوفٍ دفين، ولفَّت ذراعيها حول جسده كأنها تتعلَّق به لأوَّل مرة..
– إنتي كويسة؟
هزّت رأسها بالنفي، وأغمضت عينيها بقوَّة:
– لأ..الطيارة تطير وهفرد الكرسي.
همست بصوتٍ مرتعشٍ أقرب للرجاء:
– إلياس..متسبنيش.
ضمَّها إليه بشدَّة، يُطمئنها بنبضه، بصمته، بنبض ذراعيه، وهمس بحنوّ:
– اهدي، خلاص عدَّى..
– ليه ماجبتش علاجي ياإلياس؟
رفع وجهها من صدره ونظر إليها عميقًا:
– عايزة علاج وإنتي معايا؟!
انطلقت عيناه تتجوَّل في ملامحها، يشغلها بالحديث، يبعثرُ خوفها بكلماته حتى غفت بين ذراعيه.
بعد عدَّةِ ساعاتٍ في الجزيرة التي حجز بها...
هبط الليل فوق تلك البقعة المنعزلة من العالم، حيث لا صوت إلَّا صوت البحر، ولا ضوء إلَّا من انعكاس القمر فوق الماء.
وصلت السيارة إلى الفيلا الخاصة، فنزل ممسكًا خصرها..
تساءلت وهي تلتفُّ بذراعيها حول نفسها من البرد:
– روسيا!!.ليه بعيد أوي كده؟
ابتسم بدفءٍ رجوليّ وقال وهو يفتح الباب:
– علشان مش عايز حد يوصلِّنا.
– لا والله؟..
توقَّف أمامها، وقال بكلِّ يقين:
– وحياة ميرال عندي.
اقترب منها أكثر، احتواها بذراعيه وهمس بصوته الأجش:
– إنتي متعرفيش إنِّك غالية..ولَّا إيه؟
نظرت إليه بارتباك، وعيناها تنبض بالحيرة والرجاء:
– لسه غالية ياإلياس؟
– أوي ياحبيبة إلياس.
وضع جبينه على خاصرتها، ولفَّ ذراعيه حول خصرها وكأنَّها وطنه الوحيد، وقال ببحَّةٍ حرقت كلِّ الحروف:
– عندك شك في حبيبك؟
ارتجفت عيناها، تتذكَّر حديثه بالأمس وحديثه اليوم..بين الحنين والخوف، وبين الحبِّ والخذلان..
– عايز توصل لإيه ياإلياس؟ أنا مش قد وجع من حد، إنت قولت هفضل معاك علشان الولاد...
– وأبو الولاد ياميرو؟
همست بخفوت:
– يعني لسه بتحبِّني، سامحتني؟.
صمتٌ مُطبق حلّ بينهما، وكأنّ القلب قد سبق اللسان بالكلمات، وما عاد يحتاج الترجمة. ثم نطق بصوتٍ خافتٍ يقطر خضوعًا كمن يعترف للمرة الأولى بعد أعوام من الكتمان:
– أنا بحبك يا ميرال... عارفة يعني إيه؟ بحبككككك.
قالها والعيون تسرق تفاصيل ملامحها كمن يخشى أن تضيع منه في لحظة غفلة.
رفعت كفيها المرتجفين إلى وجهه، تحاول لمس صدقه، ثم همست: – ميرال دلوقتي ضعيفة.. ومش هتنفعك، انت عايز واحدة قوية.. تشيل معاك، تبقى أم لأولادك مش دا كلامك
ألقى مفاتيحه أرضًا بعنفٍ مكتوم، وزفر طويلًا، كأنه يقاوم وجعًا داخليًا يحفر صدره، يعلم أن كلماتها صحيحة، لكنه لم يعد يبحث عن منطق، فدماؤها صرخت باسمه، وعيناها نادته، لم يعُد يُريد شيئًا سوى أن تبقى، أن تنتمي إليه، أن تكون له وحده.
– ميرال، إحنا محتاجين بعض.. أنا يمكن محتاجك أكتر ما انتي محتاجاني، لو سمحتي، لازم نسند بعض علشان ولادنا، علشان نفضل واقفين. لو سمحتي، انسي كل حاجة، وافتكري حاجة واحدة بس... إني بحبك. ومش عايز منك غير إنك تحبيني.
تسارعت أنفاسها، واختنقت دمعة خلف رمشها ثم همست، صوتها بالكاد يُسمع:
– وحشتني... أوي.
لمعت عيناه، كأن الكون كله عاد إلى مكانه الصحيح، وانحنى عليها يقبّلها... قبلاتٍ عاشقة، عميقة، تُنطق الشوق، وتُشعل الجسد نبضًا.
ثم ابتعد عنها قليلًا ليترك لها فرصة التقاط أنفاسها، وهمس مبتسمًا:
– أيوه، مش عايز أسمع غير كده.. وحشتيني، وبس. أنا هربان بيكي، فاهمة؟ مش عايز من الدنيا غير كلمتين: "بحبك.. وحبيبي".
لمست وجنتيه بأناملها، تبتسم بعينيها أكثر من شفتيها: – اللي هما؟
غمز، واقترب يهمس: – بحبك وحبيبي.. وانتي بقالك ساعة بتتكلمي ومش ملاحظة إننا في طريق سفر ومحتاج أنام لحد بكرة.
ضحكت بخفة: – طيب فين الشنط؟ نسيتهم في العربية؟
اقترب منها وهمس بعينين مازحتين شنط إيه ياميرو؟ قميصي هنا..
برقت عيناها، وقهقهت بحياء، ثم دفنت رأسها في صدره. – فاكرة ليلة دخلتنا؟
اهتز جسدها بارتعاشة لم تستطع إخفاءها، شعر بها، لكنه لم يشأ التوقف:
– إنتي غايبة عني بقالك خمس سنين.. تعرفي اشتقتلك قد إيه؟ عانيت قد إيه؟
ذرفت دموعها صامتة، قبل شفتيها سريعًا وقال بنبرة دافئة:
– سامحيني، علشان مش ناوي أسيب حقي لا منك علشان انتي السبب ولا من اللي فرقونا بعد اللي عملتيه
أشار للأعلى: – اطلعي، واستنيني.. هعمل مكالمة وأحصلك.
صعدت بصمت، وهو اتصل على مالك.
- ماوصلتش لرؤى؟
- لا ياباشا، متقلقش.. هلاقيها، ورانيا ازاي هربت؟ مش كنت مراقب بيتها؟ ماخرجتش غير الشغالة..
– هاتلي اسمها بالكامل.
أنهى المكالمة، وصعد للأعلى.
استمع إلى صوت المياه من الحمام، دارت عيناه بالغرفة، وقد زُينت بالشموع والورود الذابلة كأنها تنتظر نَفَس حب يُعيد لها الحياة، تذكر طلبه للفيلا: "عايز جو شهر العسل"، ابتسم بسخرية حالمة.
فُتح باب الحمام...استدار فورًا، وتوقّف يستجمع أنفاسه التي اختنقت وهو يراها بتلك الغلالة البيضاء الشفافة، عارية من كل شيء سوى الرجفة والحياء والتردد
دنت منه، وارتجف جسدها كأنّه ورقة في مهب رياح العشق، خوفًا من رفضه إليها، همست:
– لقيت القميص دا على السرير...
اقترب منها، وعيناه تسافر إلى روحها، تخترق ارتباكها، لاحظ رجفة يديها وهروب نظراتها:
– هو أنا طلبت منك تلبسي حاجة؟
أجهشت بالبكاء، وظنت أنه يرفضها مجددًا، وقالت بصوت مهزوز:
– آسفة... كنت فاكرة إنك هتنام في أوضة تانية، ف...
وضع إصبعه على شفتيها، يخرسها برقة، وهمس:
– بس ياغبية... أنا خاطفك علشان أنام في أوضة تانية؟!
مرر أنامله على ذراعها، وصولًا لحمالة القميص.
– إلياس.. هتعمل إيه؟
نظر إلى عينيها ثم إلى ملامحها المرتجفة، والدموع تهبط من عينيه بلا مقاومة، قال بنبرة موجوعة:
– هاخد حقي منك يا ميرال... حقي في كل لحظة لحظة حسيت بيها بوجع قلبي ..
-عايز تعاقبني ..سحبها بقوة لتصطدم بصدره متأوهة
-اعاقبك، قالها بنبرة ساخرة، لف ذراعيه حول جسدها الضعيف
-هنشوف دلوقتي هيكون عقاب ولا اشتياق غصب عننا
لوحت عيناها بالألم، بعدما لمحت عيناه التي احتجزت الدموع
-حتى لو عقاب بأسوء طريقة، حقك واعمل فيا اللي عايزه
دفن وجهه بصدره واااه حارقة شعرت بها يهمس بانفاسه المرتفعة
-عايز أعمل كتير، بس مش قادر، صدقيني مش قادر، غضبي صعب تتحمليه، وعقلبي نار هتحرقك، انا عايز حبك وبس ..رفع رأسه وتعلقت الأعين ببعضها
-ناوي على ايه ياالياس
-قولي انتي ياميرال، جايبك هنا هكون ناوي على اي
رفعت ذراعيها حول عنقه وقالت:
-هقولك اللي انا ناوية عليه، مادام سمحت ..قبلة سريعة على خاصته تلمس وجنتيه بحنان وعشق تنطقه عيونها:
-ناوية حبيبي يسامحني، وهفضل وراه لحد مايسامح ..ابتسم بمرار وهز رأسه
-وأنا مش طالب غير دا ..قالها وهو يمرر أنامله على ذراعها حتى وصل إلى حمالة قميصها
-أنا مش فاكر انك لبستي قميص شبه دا ليلة دخلتنا
ارتجف جسدها وارتفعت دقاتها، وصمت دام بالغرفة لم يسمع فيها سوى انفاسهما، وقلوبهما التي تنبض بالعشق، وهو يبعثر ترانيم عشقه، ليخرص صراع العقل، ويستعيد روحهما الغائبة
صباحًا...
كانت تنام في حضنه، جسدها عارٍ ينعم بدفءه، وجهها الغافي أشبه بملائكة صغيرة تبحث عن أمانها... مرر أنامله على ظهرها، يتلمس أثر حبّه فيها..ابتسم بعدما تذكر جنان عشقه ليلة الأمس أغمض عيناه عله يسترجع تلك الساعات ..افلت ضحكة خافتة بعدما تذكر كلماتها عنه ..انحنى وهمّ بتقبيلها، لكن اوقفه رنين الهاتف
– أيوه يا حبيبي؟
صمت، ثم سمع بكاءً من الطرف الآخر.
– خلاص ياحبيبي، ساعات وهبقى عندك إن شاءالله
رفرفت بعينيها وهمست باسمه:
– في إيه؟
قبّل وجنتها:
– قومي، اجهزي... هننزل مصر.
اعتدلت سريعًا، ناسية الحالة التي بها تساءلت برعب:
– إيه اللي حصل؟ رانيا خطفت حد من الولاد؟
ارتجف فكّه، ومسح وجهه بعنف، ثم صرخ... دفعها للفراش:
– أيوه... وهوصلك عندها دلوقتي!
قالها وهو يقطع صراخها بطريقة اخرصتها