رواية نيران نجع الهوى الفصل الثاني عشر 12 بقلم هدير دودو

 

 

 

رواية نيران نجع الهوى الفصل الثاني عشر بقلم هدير دودو


“تسيل دماء الفؤاد وتتردى معها مشاعره”
❈-❈-❈
كانت صرخاتها تعتلي وترتفع حتى اختفى صوتها وتأثرت أحبالها الصوتية، ترجوه بشتى الطرق أن يبتعد عنها توسلاتها تزداد كلما يقترب أكثر لا تعلم كيف تهرب بعدما ساعدها حظها السيء، وسقطت أسيرة لبراثن وحش كاسر مثله لن يرحم ولن تجد الرحمة داخل عينيه لوهلة واحدة، تمسكت بكفه الذي كان يثبت يدها في البداية لكنه تراخى عندما خارت قوتها وضعف جسدها وبدأت تقبلها بقهر متوسلة إليه بنبرة باكية تقطع أنياط القلب المُحب لها:
– أحِب على يدّك يا عمران ارحمني أني اللي غلطت بس ارحمني، أحِب على يدك الغلط من عنديّ بس خلي جلبك برح لچل ما يغفرلي الغلط الواعر ده والله معدتش هعيده من تاني.
حديثها جعل قلبه يستيقظ مجددًا، القلب المجروح بعد حديثها عن شقيقه ورؤيته لحبها الكبير له عاد ينبض بعشقها من جديد، هواها سام يؤذي ويجرح لكنه في نفس الوقت يجعله يعيش ويسعد راضي بالقليل منها حين يأتي، ابتسامة تصدر عنها في أي وقت، كلمة واحدة تخرج من فاهها إليه، أقل القليل يرضيه لكنه أيضًا لم ينله، داخل عمران الجبالي قلب متوقف عاشق لها ينتظر معشوقته لتحيه من جديد، أغمض عينيه بقوة قابضًا فوق خصرها بقبضة حديدية غاضبًا والنيران تنبعث منه، لكن قلبه أمره بالإبتعاد، يسيطر عليه لينهاه عن قتـ لها بتلك الطريقة، قلبه ينهاه عن فعل شيء سيؤذيها وهو ينفذ دون نقاش، حاول استجماع شتات ذاته فكيف سيبتعد وكل شيء بها يدعوه للإقتراب ثيابها، هيئتها، ومشاعره المغرمة كل شيء يدفعه أن ينال حقه عدا هي، هي الوحيدة الرافضة لتلك الفكرة رفض قاطع، ونهض بصعوبة بالغة مبتعدًا عنها قبل أن يجرحها ذاك الجرح الدائم الذي سيلازمها حتى النهاية، وبدأ يلتقط أنفاسه بصوت مرتفع تعكس مدى صعوبة الأمر عليه..
أسرعت تعتدل في جلستها وأغلقت المئزر عليها بإحكام لاعنة ذاتها بغضب تود صفع ذاتها حتى الموت لتعبر عن ندمها عن تلك الفكرة الحمقاء، أغمضت عينيها بقوة واضعة يدها فوق قلبها الذي يدق بعنف وصدرها يعلو ويهبط كأنها عادت من الموت، لمَ لا فاقترابه منها يعني الموت بالنسبة لها، تحمد ربها داخلها أنه لم يفعل بها ذلك الشيء السيء الذي كان سيتسبب في موتها لم تبالغ في وصفها لكنها حقًا كانت ستموت على يديه إذا استكمل ما أرادت هي بدءه، كانت منكمشة على ذاتها في صمت وعقلها يخبرها أن الآن أو بعد ذلك لن يهم ففي النهاية سيأخذ حقه سواء عنوة أو برضاها ومحبتها كما تتمنى.
وجدته يتطلع نحوها فتمسكت بملاءة الفراش بخوف وأغمضت عينيها بملامح وجه منكمشة والرهبة لازالت تسيطر عليها لكنه لم يهتم لأمر بل صاح بغضب حاد:
– الله في سماه يا عهد لو أخر مَرا في الدنيا كلياتها ما هجربلك لا دلوك ولا بعد إكده، ويكون في علمك أني اللي مهبجاش رايد جربك منيّ.
كانت تستمع حديثه بصدمة متعجبة لتبدل حاله تمامًا فمن لحظات كان شخص آخر يريد اقترابها والآن يعطيها كلمة أنه لن يفعلها في حياته مجددًا، ما ذلك الحديث المتناقض؟! وأي منهما الصحيح والذي سيفعله؟! استرد حديثه من جديد عندما وجدها صامتة تطالعه فقط بأعين متسعة متعجبة لأمره:
– بس ديه برضك ميخلكيش تفكري أنك هتبجي لغيري اللي هيجرِبلك يُبجى موته على يدّي، هتموتي وإنتي مرت عمران الچبالي بالرضا والغصب، بس دلوك أني مرايدكيش ولا رايد جربك اللي كيف السم البُعد عنّيِه غَنيمة.
قال جملته الأخيرة باشمئزاز تسبب في إهانتها وجرح كبريائها الأنثوى، ملامح وجهه ترمقها بغضب وضيق وكأن حديثه صحيح حقًا، لم تستطع أن تظل صامتة مبتلعة إهانتها دون أن تعقب بل تطلعت نحوه بأعين واسعة كالمها رافعة رأسها إلى أعلى بسبب طوله وهيئته وأجابته بكبرياء ورأس مرفوعة بشموخ:
– ومين جال أني رايدة جربك متجربليش لا أنت ولا غيرك بت الحوامدية متربية صُح وأنت خابر إكده زين ومعيهمنيش اللي عتجوله عاد.
كان يعلم أن حديثه أثر بها ويبدو ذلك فوق ملامح وجهها وصوتها وتلك الدموع التي تجمعت من جديد وعادت تلتمع داخل عينيها، حاول أن يبقى هادئًا لكنه لم يستطع عندما وجدها تستكمل حديثها بشموخ وجدية:
– أني إكده ولا إكده معيهمنيش، كنت بحاول معاك لچل ماتخرِچ أخوك المسكين اللي عِملت فيه إكده ظُلم لكن أني مرايداش حاچة وجبل ما تتزربن عليّ أني معفكرش في حسن كيف اللول وكيف ما عتفكر بس ليه يحصُل فيه إكده بسببي، متبجاش جاسي كيف الحچر ده أخوك.
مرر كفيه فوق وجهه بعصبية وعاد الغضب إليه من جديد مقتربًا منها بخطوات حثيثة أرعبتها ظنًا أنه سيفعل بها شيء سيء يؤذيها ردًا على حديثها لكنها وجدته يضرب فوق الفراش بغضب أخافها وجعلها تنكمش على ذاتها من جديد تغمض عينيها بضراوة والخوف يتملك من قلبها، وأنفاسه الحارة تلفح وجهها تلهبها، لكنها فتحت عينيها مسرعة عندما استمعت إلى حديثه الغاضب متسائلًا بجدية:
– وأني عِملت ايه في أخويّ يا عهد؟
ظلت صامتة لم تجييه بلسانها لكن عينيها ترسل إليه الإجابة تخبره عن قسوته على شقيقه وعلى قلبها الممزق، لكنها لم تمتلك الشجاعة للبوح عما فعله خاصة وهو في تلك الحالة وقد وصل لأعلى ذروة من غضبه، علم مغزى نظراتها فأجاب هو بتهكم ساخرًا:
– جتلته لاه، حبسته ظُلم لاه، إنتي وغيرك اللي خابرين إكده لكن الحجيجة غير إكده حسن عمره ما اتظلم واصل، حسن اتحبس عشان هو غلط وعيتحاسب، والسلاح بتاعه مش أني اللي چايبه هملتك أنتي واهل النچع وأهلي يتحدتوا عنيّ إكده عشان مدمرش سمعة عيلة الچبالي ومحدش يتحدت عنينا، وبرضك معاچبش كنت ههمله يتچوزك ويوم چوازكم اتجبض عليه لوحده مش أني السبب، ايوه خدتك منيه صُح بس ديه مش عناد فيه ولا لأني رايد أكسره وأكسر جلبي لاه لأنك بتاعتيّ أني، مهما الكل يجولوا من دلوك ولحد ما أموت هتفضلي مرت عمران الچبالي محدش غيره.
وقع عليها حديثه كالصاعقة والصدمة سيطرت عليها شاعرة بالبرودة تتسلل إلى جسدها المرتعش، ماذا يقول؟! هل حقًا ما استمعت إليه للتو هي الحقيقة كيف؟! بالطبع لا هو يكذب حسن حقًا تاجر سلاح وهو مَن يسربه داخل النجع، حركت رأسها نافية بعدم التصديق وعلامات الذهول تبدو فوق قسمات وجهها.
تمتمت بعدم تصديق مندهشة من بين شهقات بكائها ودموعها التي تسيل فوق وجنتيها وأسرعت تقف قبالته شاعرة أن قدميها لم تعد تتحملها بل ستدفع بها إلى الهلاك بعدما استمعت إلى حديثه:
– لاه يا عمران متجولش إكده عشان خاطريّ إوعاك تجول عنيه إكده، حسن ميعملهاش أنت اللي عِملت كل ده عشان تبّعده عنيّ، جولي أيوه وأني هصدجك جولي يا عمران أنه معيعملهاش حسن مينفعش يُبجى إكده ده زينة رچال نچع العمدة كلياته.
تمسكت بيده بقوة وظلت تهزه بعنف، وتعيد حديثها بإصرار:
– جولي يا عمران جولي الحجيجة متفضلش ساكت إكده عجلي هيجف.
دفعها إلى الخلف بهدوء عندما رأى حالتها والإنهيارها يرمقها بنظراته الحزينة لكنه أجابها بجدية:
– لاه يا عهد يشهد عليّ ربنا لو فيه كلمة واحدة من اللي اتحددتها وياكي مش صُح حسن مهواش محبوس ظلم أني رايد الناس تفكر عني ظالم ولا أنهم يجولوا وِلد الچبالي بيدخل اللسلاح للنچع وعيتاچر فيه، عشان إكده هو لساته محبوس.
لا يريد أن يستمع إلى اسئلة أخرى منها فأسرع يرتدي جلبابه وسار نحو الخارج بخطوات واسعة للهروب منها، بينما هي فالصدمة كانت أقوى منها ومن أي حديث ستتفوهه تعيد حديثه وتفكر فيه كلمة كلمة لتفهم الأمر، كيف استطاع حسن خداعها تلك المدة الطويلة وهو يمتلك شخصية ماكرة، وعمران كيف كان يتحمل حديثها وحديث أهل النجع لأجل الحفاظ على صورة شقيقه أمام الجميع، كيف تبدلت الأمور في وهلة واحدة، تُحرك رأسها نافية بعدم تصديق متمنية أن تكون في حلم، فما كانت تعلمه أهون كثيرًا على قلبها من الحقيقة القاسية ذات المضغ المرير، أصبحت لا تعلم مَن الظالم ومَن المظلوم، لا تفقه شئ شاعرة أن حبه لها وعشقهما سويًا كان كذبة هو الآخر فهو مخادع لا شيء فيه صادق، عقلها يعيد عليها ذكرياته معها لتفكر بها، عقلها يصرخ عليها مطالبًا الرحمة لتسقط في النهاية غافية هاربة من ذلك الواقع ووجهه الآخر، ليتوقف عقلها المنهمك عن التفكير ويرتاح قليلًا
لـــــكــــن دموعها لم تجف ولم تتوقف، قلبها لازال ينبض حزنًا وقهرًا عن مرارة الحقيقة وقسوة الحياة التي اشتدت ظلماتها على تلك المسكينة الاي لم تنل سوى الحزن الملازم لها كظلها.
❈-❈-❈
في الصباح
كانت إيمان تقف بالقرب من المنزل تشعر بالخجل لكونها تأتي للمرة الأولى لكنها لم تستطع أن تحضر معها شيء، تقف مترددة أتدلف للاطمئنان عليها أم تذهب دون أن تراها خجلًا من حالها السئ، لكن اشتياقها لعهد دفعها للتقدم صوب المنزل حتى تطمئن عليها، قبل أن تدلف استوقفها ذلك الصوت الخشن الجاد:
– اجفي عنديكي رايحة فين عاد؟
وقفت متصنمة في مكانها وبدا الذعر فوق ملامح وجهها من ذاك الذي استوقفها للمرة الأولى فيبدو أنه جديد فالعمل هنا لذلك التقطت أنفاسها بصعداء وأجابته بهدوء:
– أني داخلة السرايا.
لم تكن إجابتها كافية ليتركها تدلف فسألها مرة أخرى:
– وداخلة ليه السرايا رايده مين چوة؟
بدا الضيق والغيظ فوق ملامحها وأجابته بجدية تامة:
– أني أبجى مرت أخو عهد مرت سي عمران في حاچة تاني.
كانت عينيه مثبتة نحوها تتطالع كل أنش بها كم هي ساحرة ذات جمال خاص، لم ينكر أن إجابتها جعلته يحزن وداخله سؤال يضرب عقله بعنف كيف لتلك الجميلة ان تكون زوجة ذلك الشخص هو يعلم حازم شقيق عهد وشخصيته البغيضة، من الواضح أن قدرها لم ينصفها هي الأخرى وعانت من الظلم باختيار حازم الحامدي زوجها.
امتعضت ملامح وجهها بضيق عندما لاحظت نظراته التي طالت لها فأردفت بحدة:
– في حاچة ولا إيه؟
فاق من شروده وعاد لواقعه على نبرة صوتها، فأسرع مبتعدًا من أمامها مغمغمًا باحترام:
– اتفضلي ديه السرايا هتنور بچيتك فيها.
ابتسمت وقد لامس حديثه قلبها المتلهف لاستماع ما يسعده لكنها لم تجده من زوجها عديم المشاعر، سارت من أمامه تدلف إلى الداخل وقلبها يدق بعنف ملتقطة أنفاسها بصعداء.
بينما هو ظل يطالع أثرها وهي تختفي من أمام عينيه وعقله شارد لأمر متذكر عينيها الخلابة التي أسرت قلبه منذ الوهلة الأولى لكنه شعر بحادة قوية تعتصر قلبه عندما فاق من شروده لواقعه المرير وعقله يتذكر الحقيقة وينهاه عن التفكير بها مرة أخرى، يذكره أنها أمرأة متزوجة تحافظ على اسم زوجها مهما كانت طباعه السيئة.
ليته كان يجد امرأة مثلها بدلًا من زوجته التي كانت تفكر في ذاتها فقط متنازلة عنه وعن صغارها إلى الآن لم تسأل عليهم ولم تفكر بهم لوهلة واحدة.
جاءت نعمة تطالع إيمان بغضب ونظرات حادة مردفة بلهجة غاضبة:
– دلوك افتكرتوا أن ليكم واحدة اتچوزت.
مصمصت شفتيها بضيق وتابعت حديثها بقسوة:
– لاه وكُمان داخلين السرايا اول مرة بعد الچواز ويدّك فاضية، والله كيف ما جالوا اللي اختشوا ماتوا.
جلست أمامها تلك المسكينة متطلعة أرضًا بخجل وتحدثت متلعثمة بتوتر:
– و… والله يا ست نعمة الظـ.. الظروف عالجد وما حاشني عنيها غير الشديد الجوي غير إكده كنت چيتلها من ليلتها بالحلِوان كُمان.
ضحكت نعمة باستهزاء، وأكملت حديثها بتهكم ساخرة:
– كنك ما صدجتي أنها اتچوزت وبعّدت عنيكم، بعد الفضيحة اللي حصلتلها في النچع كلياته.
شعرت إيمان بالغيظ من حديثها، فأسرعت تدافع عن عهد بجدية:
– كيف ما صدجنا وبعدين فضيحة إيه كفالله الشر هي دلوك متچوزة الكَبير محدش يجدر يچيب سيرتها بحرف واحد وانتي خابرة إكده يا ست نعمة.
شعرت بالغضب والدماء تغلي بداخلها وقد بهتت ملامح وجهها لردها عليها بتلك القوة والشراسة لكن قبل أن ترد عليها، كانت هبطت عهد الدرج هاتفة بإسمها بلهفة واشتياق جارف:
– إيمان اتوحشتك جوي ياخيتي.
أسرعت متجهة نحوها بخطوات واسعة ملقية ذاتها داخل حضنها باشتياق بادلتها إيمان شعورها بسعادة هي الأخرى وأسرعت تبرر لها طيلة غيابها معتذرة بأسف:
– حجك على جلبي ياخيتيّ والله ماحاشني عنيكي غير الشديد الجوى، بعد ما هملتينا عرفت أني حِبلة ومكنتش جادرة اتحرك لچل ما أچي اتطمن عليكي يا جلب خيتك.
تهللت أساريرها بسعادة واحتضنتها مرة أخرى تبارك لها بفرحة:
– الف مبروك ياخيتي، إنتي خابرة فرحتلك جد ايه ياحبيبتي اجعدي ارتاحي، وطمنيني عنيكي ناجصك حاچة.
حركت رأسها نافية مبتسمة لسعادتها فللمرة الأولى التي ترى فرحة شخص بذلك الخبر بعدما قابله زوجها بجمود كأنها تخبره بأمر عادي لن يهمه أجابتها بهدوء:
– لاه يا حبيبتي رايداكي بخير طمنيني عليكي، إنتي عاملة ايه مع سي عمران بيعاملك زين ولا ايه؟
توقفت قليلًا تفكر في سؤالها شاعرة بصعوبة يالغة في تحديد إجابته، أغمضت عينيها بقوة وصدر عنها تنهيدة حارة تعبر عن تلك النيران المضطرمة المشتعلة بداخلها، هو شخص جيد معها أم لا؟! ذلك السؤال لم تفكر فيه من قبل عقلها يعيد ذكرياتها وما حصل معها على يده منذُ أن رأته عينيها ورأت قسوته التي لم تتخيلها من قبل إلى يومها هذا وهو يقف بكل شموخ وثقة لم يهتز يخبرها بحقيقة شقيقه التي لم يصدقها عقلها، هو أذاها نعم لم تستطع إنكارها لكن في بعض الأحيان كان ينصفها أيضًا..
لن تستطيع تحديد إجابة ذلك السؤال لكنها حاولت التوقف عن التفكير عندما لاحظت نظرات إيمان المتوجهة نحوها مستنكرة ملامح وجهها الحزينة التي تعبر عن جراح روحها الغائرة وحزنها الطاغي عليها، لكنها حاولت أن تدفن كل ذلك داخلها وأجابتها بنبرة هادئة حتى لا تثير قلقها:
– عمران زين معايّ متجلجيش أنتي ياخيتي فكري في حالك وربنا يكملك على خير.
ابتسمت بسعادة وأسرعت تحتضنها، وأجابتها بحنان عندما لاحظت ترددها في الأمر:
– جلبي عيُبجى متوغوغش عليكي ابجي طمنيني عنيكي ياحبيبتيّ، والله سي عمران طيب ياعهد وشاريكي اوعاكي تهمليه.
اومأت برأسها أمامًا بشرود وهي تفكر في سؤالها من جديد الذي سيطر على بالها وعاد ندبات جراحها، هي تصف ذلك القاسي أنه طيب القلب ورحيم كيف تقول ذلك؟! أيعقل أنها ترى شيء لم تره هي، أم هو الذي يتعامل معها بقسوة ليؤكد نظراتها الخاطئة فيه؟! لا تفهمه هو شخص غامض لا أحد يستطيع فهمه أن معرفة ما يدور بداخله، أكملت إيمان حديثها بخجل مخفضة رأسها أرضًا:
– معلش يا عهد لو معرفتش راسك جدامهم وداخلالك بيدّي فاضية، والله ما باليد حيلة انتي خابرة أخوكي حازم زين.
ربتت فوق يدها بحنان وأجابتها مبتسمة:
– اوعاكي تجولي إكده چيتك عليّ بالدُنيا كلياتها.
احتضنتها بسعادة وهي حقًا لم تبالغ في حديثها فقد حصلت على حبها تعويضًا عن أفعال أخيها الذي لم يفكر بها يومًا، نهضت إيمان لتذهب بعدما اطمئنت عليها وأخبرتها بذلك الخبر السعيد لتشاركها سعادتها بعدما فشل زوجها في مشاركتها وظهور سعادته لها..
لكن بعد ذهابها عادت تلك إلى غرفتها من جديد وعقلها يفكر في ذلك السؤال هل عمران شخص جيد معها أم لا؟! لابد من تحديد إجابة لذلك السؤال حتى تبني على أساسه قواعد حياتها القادمة بدلًا من أن تترك ذاتها خاضعة للحياة تفعل بها ما تشاء وهي لم تفهم شئ، لم تحدد أن كان سيء أم جيد؟! لابُد من إتخاذ ذلك القرار وتحديد الإجابة المتفق عليها من عقلها وقلبها.
❈-❈-❈
في المساء…
ولج عمران الغرفة الخاصة به وعينيه تدور بحثًا عنها بلهفة ولوعة مشتعلة بقلبِه المغرم بها، وعقله يعيد هيئتها وهي بين يديه كيف كانت ضغيفة كالهشة بعدما خارت قوتها وانتهى تمردها مستسلمة بين يديه تطلب منه الابتعاد بضعف، ابتسامة عاشقة ظهرت فوق ثغره لكن سرعان ما تبدلت ملامحه عندما وقع بصره عليها وجدها نائمة فوق الفراش وجسدها ينتفض تهزي ببعض الكلمات الغير مفهومة، واللون الأحمر يسيطر على وجهها، شعر بقبضة قوية تعتصر قلبه خوفًا على حالتها أسرع يتوجه نحوها بخطوات راكضة والخوف يسيطر عليها، وضع يده فوق جبهتها يتحسسها وها كما توقع حرارتها مرتفعة بشدة، احتضنها بقوة مشددًا عليها والقلق يظهر عليه لأول مرة يشعر بالخوف لفقدان عزيز، لأول مرة يشعر باهتزاز قلبه خوفًا عليها استمع إليها تهزى بخفوت فحاول أن يفهم مغزى حديثها:
– لاه مرايداهوش يا حسن والله…جلبي ما رايدش غيرك يا حبيبي….عمران ده جاسي معحبوش بدي اهمله…حـسـن متهملنيش.
استمع إلى حديثها شاعرًا بقلبه ينزف بداخله وجعًا، لأول مرة يشعر بآناته الموجوعة، زوجته في حضنه وتهتف بحبها لرجل آخر، تطلع نحوها بحزن تقول عنه قاسي ماذا رأت منه لتردف بذلك!! هو من الممكن أن يقسو على العالم بأكمله عدا هي، متى رأت قسوته وهو لم يستطع إيذاها شاعرًا بوجعها يرتد في قلبه الهاوي لها، أغمض عينيه بقوة وشدد من احتضانه لها محاولًا أن يهدأ يخبر ذاته أنها ليست في كامل وعيها ليحاسبها على ذلك الحديث الذي صدر عنها، لم يؤلمه أنه يرى ذلك في عينيها ويعلم بصحته لكن استماعه منها كان صعب عليه بضراوة، لا يوجد أصعب من قهر الرجال وحديثها مزق فؤاده وقهر قلب أعتى الرجال، لا أحد يشعر بما يشعر به الآن بعدما استمع إلى صوت تحطيم قلبه بنصل الغرام الحاد الذي لم يصيب سواه، الدموع تجتمع داخل عينيه والدماء تسيل داخل فؤاده لكنه يحاول أن يسيطر على مشاعره وأفعاله ليبقى حزنه مكمود داخل فؤاده.
❈-❈-❈
“يبدو أنه حان اللقاء المنتظر”
داخل منزل صغير لم يبعد كثيرًا عن منزل الجبالي كانت تجلس نعمة بملامح وجه جامدة والقسوة تبدو عليها بصحبة زوجها تحدثه بجدية وحزم:
– عرفت اللي رايدك تعمله.
أوما برأسه أمامًا، لكنه أردف متسائلًا بحيرة:
– ايوه وهيحصُل كيف ما بدك بس منيش فاهم ليه بعد اللي عِملناه توجفي كل حاچة لچل ما تنتجمي منيها مانتي في يدك تجتليها.
لم تنكر أنها فكرت في فعلها، نعم فكرت كثيرًا في قتل عهد هي قادرة على تنفيذها في أي وقت تريده، لكنها تراجعت بعدما علمت أنها ستصبح المتهمة الأولى وأيضًا ستجعلها ترتاح، عذابها أفضل كثيرًا من قتل تلك الماكرة، لذلك غمغمت بحدة توضح له الأمر:
– لاه لازمن تبكي بدل الدموع دم يا أني يا بِت الحوامدية، اللي جولته يحصُل وأوعاك تعمل حاچة خيبانة كيف ما عملت جبل سابج اديك شايف بجينا فين بسبب عمايلك.
تأفأف بضيق فمنذُ انتقالهما إلى هُنا بعد أوامر عمران الناهية، وهي لم تتوقف عن ذكر ذلك الحديث تكرره دون ملل، حاول السيطرة على ذاته حتى لا يثير غضبها وأجابها بخضوع:
– اعتبري اللي رايداه حصُل چهزي حالك للي عتعمليه في بت الحوامدية اللي مخبراش هي واجعة مع مين.
التمعت عينيها بالقسوة وعقلها يفكر فيما ستفعله بها بعد مخططها الماكر وضربتها الناهية التي ستصيب منتصف قلبها لتجعلها تتمنى الموت حقًا دون مبالغة لكنها لن ترحمها ستجعلها تعلم أن نعمة الجبالي لن تنهزم هي بيديها جميع الخيوط الآمرة الناهية فالأمر، ظنت تلك الحمقاء أنها انتصرت عندما أخرجتها هي وزوجها من المنزل، لكنها تناست أنها كالأفعى بعدها لا يعني هزيمتها أو توقف أذاها أو الانتصار عليها كما تظن، فهي ستعود من جديد لتلتف حول عنقها أقوى ستجعلها تشعر بالإختناق والخوف في كل وهلة تمر عليها، تصرخ طالبة الرحمة لكنها لن ترفعها لينتهي بيها الحال جثة هامدة لكن بعدما تنال عذابها بالكامل لتشعر بلذات الانتصار..
أنهت حديثها معه بعد أفكارها السامة وتركته ذاهبة نحو المنزل لترى ما يحدث بداخله متحججة بجلوسها مع فهيمة.
❈-❈-❈
حاول عمران أن يسيطر على أفكاره المتألمة عندما شعر بها ترتعش بين يديه، فتحت عينيها بضعف تطالعه ولم تستكمل دقيقة وكانت تغلقها مرة أخرى، شعر وكأنه تائه ما أن تطلع داخل عينيها الذابلتين، فلم يفكر سوى بهما، حاول السيطرة على ذاته ليبتعد عنها عندما وجد حرارتها ترتفع أكثر.
نهض من جانبها على مضض وسار مهرولًا إلى الأسفل بخطوات واسعة آمرًا أحد العاملين عنده بصوت جهوري حاد:
– دَكتورة بسرعة حد يروح يچيب دَكتورة.
استمع إلى حديثه جميع مَن كان بالمنزل وقع قلب نعمة التي آتت للتو وتطلعت نحو فهيمة بقلق فهمت مغزى نظراتها سريعًا فذلك أيضًا ما آتى بذهنها غمغمت نعمة بضيق شاعرة بضياع آمالها:
– تبجى وجعة مربربة ووجعت فوج دماغ عيلة الچبالي أن حِبلت، هتُجعد وترفع رأسها لفوج مهتبجاش مرت الكبير بس لاه هتبجى أم ولده كُمان بنت المركوب ديه.
سيطر الغضب على فهيمة هي الأخرى حركت رأسها نافية وأردفت بغضب حاد والنيران اشتعلت تنهش بقلبها والشرر يتطاير من عينيها متطلعة نحو ولدها الذي هرول مسرعًا بلهفة إلى الأعلى كأنه يؤكد ما يدور بداخلها:
– كنها كيف ماجولتي يا نعمة بت الحوامدية حبلة من ولدي بس والله ما ههملها تتهنى بولدها يوم واحد حتى لو هجتله بيدًي واجهر جلبها عليه العمر كلياته كيف ما جهرت جلبي على ولادي اللتنين ووجعت بيناتهم وفرجتهم الله يجصر في عمرها.
ابتسمت نعمة بسعادة ماكرة بعدما انتصرت في زرع الكره والحقد داخل قلب فهيمة المحترق على أولادها وهي انتهزت تلك الفرصة جاعلة منها غنيمة لتسطيع الفوز بها، جعلتها تردف بمفردها أنها ستقتل حفيدها لتحرق قلب عهد، علمت أنها جعلت كرهها يعميها وستجعلها تدلف في طريق الإنتقام، لكن تلك الحمقاء ستنتقم من المسكينة دون أن تفعل لها شيء، ما ذنبها ستنال عقاب على شئ لم تأثم به، قلبها فقط أحب بصدق، هل هذا أثم؟! بأي ذنب ستُعاقب تلك المظلومة؟!
حضرت الطبيبة مسرعًا وبدأت تفحصها تحت أنظار عمران المتوهجة خوفًا عليها، لازالت تهزي باسم غيره وهو يقف بجانبها وقلبه يعتصر ألمًا وحزنًا لرؤيته لها وهي في تلك الحالة الهزيلة، جسدها يرتعش بضراوة فأسرع ممسكًا بيدها وظل يفرك بها محاولًا أن يشعرها بوجوده بعدما دثرها بعناية.
ابتسمت الطبيبة بهدوء لإهتمامه المبالغ فيه، وأجابته بعملية:
– متقلقش يا سي عمران الست عهد زينة، أني كتبت العلاج ده تاخده بس وهتبجى مليحة.
سارت تلملم أشياءها أشار لصفية العاملة الواقفة بجانب الطبيبة لكنها تطالعه بدهشة بعدما رأت عشقه الشديد لها، ذلك هو عمران الجبالي الذي يأمر وينهي يقف كالمراهق والقلق يصيبه والخوف يسيطر على ملامح وجهه الذي شحب مع شحوب وجهها واستماعه لأنينها الخافت وهي تتأوه.
يقف أيضًا يستمع إلى زوجته وهي تهزي بحبها لشقيقه ولم يصدر منه رد فعل سوى قلقه ولهفته عليها اللذان سيطرا عليه، بعدما أصابت سهام عشقها فؤاده إلى الأبد، فاقت من شرودها على صوته وهو يهتف بجدية:
– ساعدي الدَكتورة ياصفية.
بدأت تنفذ ما طلبه منها مهمهمة بهدوء:
:- أوامرك يا سي عمران من عينيا..
سارت بصحبة الطبيبة بينما هو أغلق الباب وعاد بجانبها يحتضنها مرة أخرى ويضع المياة الباردة على وجهها لعلها تساعدها في خفض حرارتها أعطاها الأدوية الخاصة بها وظل يعتني بها وبتفاصيلها حتى آتى الصباح، لا يعلم متى غفى دون أن يشعر بذاته وهي داخل أحضانه شدد عليها وعينيه تلتهم ملامحها بشغف كأنه لم يرَ أمراه من قبل، هي حقًا نادرة من الصعب أن يجد مثلها، وضع يده فوق وجنتيها يتحسس حرارتها وجدها جيدة عن ليلة أمس التقط أنفاسه بارتياح وقد وصل إليه عن ضؤورة حضوره لأمر هام خاص بالعمل، نهض على مضض وقلبه لم يطاوعه على تركها وهي في تلك الحالة لكنه مجبر على فعلها، ألقى نظرة سريعة يتفحص تلك النائمة بعمق قبل أن يذهب من الغرفة، صائحًا بجدية:
– صفية بِت يا صفية.
جاءت راكضة بسرعة كبيرة خوفًا منه مغمغمة بهدوء:
– ايوه يا سي عمران.
عينيه معلقة نحو الأعلى وأجابها بجدية ولهفة قلب أنهكه هواها:
– هملي كل اللي في يدّك واجعدي ويا ستك عهد وأول ما تجوم تچيبلها الوكل ولازمن تاكله على ما ارچع مفهوم.
أومأت برأسها أمامًا مهمهمة بخفوت:
– من عينيا التنين ياسي عمران
سارت نحو الأعلى مسرعة لتفعل ما أمرها به متعجبة من أمره كيف مرر الأمر بهدوء كما لم يكن بعد استماعه إلى حديثها الذي مزق فؤاده، بقيت جالسة بجانبها كما فعلها تنتظر أن تستعيد وعيها..
كاد أن يذهب إلى الخارج لكن استوقفه سؤال والدته الغاضب ونظراتها الحادة:
– مرتك حِبلة يا عمران؟
صدَر عنه تنهيدة حارقة تعكس مدى إشتعال نيرانه المتوهجة، لكنه حاول السيطرة على ذاته وأجابها بجدية:
– لاه يمّا لساتها مهياش حِبلة.
أنهى حديثه وسار نحو الخارج كما لو الشياطين تلاحقه داخل ذاك المنزل، لا أحد يشعر بوجعه ولا أحد يراه ولكنه متواجد داخل قلبه مكنونًا يمزقه بجروحٍ غائرة ستصاحبه إلى الأبد، وكأنه القدر يود أن يريه قسوة العشق بأقسى الطرق الممكنة.
بعد مرور ساعة..
كانت عهد استعادت وعيها وصحتها تحسنت، أحضرت صفية لها الطعام، كانت تجلس تحاول إطعامها غمغمت بوهن خافتة:
– مجادراش يا صفية الله يكرمك شيلي الوكل من جدامي مجادراش.
لم تستمع إلى حديثها وأجابتها بإصرار تنفذ حديث عمران الصارم:
– والله سي عمران لو عرف هيجطع خبري ده هو اللي مجعدني چارك ياست عهد، والله هو طول اليوم إمبارح من اوله لأخره جاعد وياكي مهملكيش غير دلوك لچل ما يسلم المحصول بنفسيه كيف ما جالوله.
ابتسمت بهدوء شاعرة بالسعادة من حديثها ومعرفتها باهتمامه بها، هناك نسيم قوي يداعبها ويجعل قلبها يرفرف، لكن سرعان ما امتعضت ملامحها وظهر الذهول عليها عندما أكملت صفية حديثها الممتلئ بالدهشة:
– والله سي عمران عشجانك ده لو واحدة غيرك عِملت اللي حصُل امبارح، وإنتي عتخطرفي كان جتله وأي راچل كان هيعمل إكده.
سألتها متعجبة والدهشة تظهر عليها:
– وه ليه يخربيت ابوكيّ، أني عملت إيه وأني موعياش عشان يجتلني.
تطلعت أرضًا بخجل، وأخبرتها بخفوت متلعثمة والخوف ظهر عليها لاعنة ذاتها:
– امبارح كنتي عتخطرفي وتجولي أن لساتك عتحبيّ سي حسن ومرايداش سي عمران وهو سمع حديتك كلياته، بس جعد وياكي وضمّك في حضنه كنه مسمعش حاچة وكان جلجان عليكي جلبه هيتخلع من مكانه.
شعرت عهد بالضيق والحزن نادمة لفعلتها لم تتخيل أنه ظل بجانبها بعدما استمع حديثها، إن كان رجل غيره سيقتلها لا مفر، وهو قادر على فعلها لكن لِم؟! لماذا لم يفعلها أيعقل كما أخبرتها صفية يعشقها؟ شعرت بضربات قلبها تتسارع بعنف كالطبول، هل هذا حقًا سيجعلها سعيدة؟ لمَ لا فماذا تريد المرأة سوى عشق زوجها، لكن سرعان ما نفضت تلك الأفكار المستحيلة، لمَ لم يكن صمته يعني أنها لن تعنيه، أغمضت عينيها بضراوة مندهشة من صمته وعقلها يفكر إلى الآن بأفكار مضطربة، فأردفت بهدوء:
– طب همليني لحاليّ دلوك يا صفية.
أجابتها معترضة ولازالت تجلس كما هي بجانبها:
– لاه مجدرش ياست عهد.
أصرت على حديثها بجدية وعقلها يفكر في أمر عمران شاعرة بالحزن لأجله، حتى إن لم يكن يعشقها لكت حديثها سيصيب أي رجل بالحزن:
– همليني يا صفية رايدة اجعد مع حالي أني بجيت زينة جوليله إكده.
نفذت ما تريده مضطرة وسارت نحو الخارج تاركة إياها خلفها تفكر بعمق في حياتها القادمة معه وأمره معها، تود أن تتخذ قرار لتحدد مشاعرها تجاهه حتى أن لم يستطع تملك قلبها فستعطيه عقلها وروحها تاركة قلبها يصرخ بجروحه، لن تفكر في حسن فيما بعد، لكن ترك قلبها يعني ترك حسن هل ستفعلها حقًا؟! تقف تائهة لا تعلم لمَن تخضع في النهاية؟! هناك وجعٌ ضاري يغزو قلبها وعقلها اللذان لم يتوقفا عن التفكير لوهلة واحدة، لم تجد سبيل أمامها سوى الهروب جلست فوق الفراش مدعية النوم هاربة من كل ما حولها.
عاد عمران إلى المنزل وصعد نحو غرفته بعدما علم من صفية أنها تحسنت وتناولت طعامها قبل قليل، تطلع نحوها بلهفة مبتسمًا لتحسن صحتها وجلس فوق المقعد الذي قابله يوليها ظهره متنهدًا بعمق يفكر في حديثها ليلة أمس واضعًا يده فوق صدعيه، أغمض عينيه بضيق وتعب بعد يوم عمل منهك لكنه تفاجأ بتلك اليد الناعمة التي تدلك كتفيه بحنان شعر بلمساتها تداوى جراح قلبه قبل جسده، يشعر أنه في حلم يتخيل وجودها كما يتمنى، وجدها تغمغم متسائلة باهتمام:
– أنت زين في حاچة عتتعبك؟
مسكها يدها وأدارها نحو الأمام ليتطلع داخل عينيها الهاربة منه بخجل وأردف بتهكم ساخرًا:
– والمرة ديه رايده إيه عاد؟
شعرت بالضيق من حديثه المحتدم معها، فهربت كعادتها متمتمة بخفوت:
– مـ… مرايداش مرايداش حاچة هچهزلك الوكل.
سارت سريعًا من أمامه بخطوات حثيثة مرتبكة تحت نظراته المثبتة عليها لكنها وجدته يقبض فوق يدها يسحبها إلى الخلف نحوه مرة أخرى، فلم تشعر بذاتها سوى وهي هاوية فوق ساقيه ويده تحيط خصرها محاولًا السيطرة على ذاته حتى لا يقترب عقله يذكره بحديثها أمس، وحديثه لها في المرة الأخيرة.
وجدته يقترب بوجهه منها، فأغمضت عينيها ظنًا منها أنه سيقوم بتقبيلها كما اعتادت منه وشفتيها ترتعش تخبره بمدى تأثير اقترابه القوي عليها، لكنها بوغتت بنبرته الهامسة أمام شفتيها بجمود:
– لاه خليكي أنتي لساتك تعبانة، هجول لصفية تچهز الوكل هي.
تطلعت إليه بذهول متعجبة جموده معها لم تنكر أنها اعتادت على اقترابه منها حيث كان يجعلها تشعر بذاتها يرضي كبرياء الأنثى بداخلها والآن هوى به أرضًا يخبرها كما أنها لم تعد تؤثر به، فتململت بين قبضته معترضة شاعرة بالضيق، علم مغزى نظراتها فنمت ابتسامة ماكرة فوق ثغره، ابتعد عنها تارك لها الفرصة لتنهض بسهولة فأغمضت عينيها بضعف، ونهضت تقف قبالته مغمغمة بضيق غاضبة:
– أني خابرة إنك عتعمل إكده بسبب حديتي وأني موعياش بس أني مجصديش اجول إكده ولا كنت واعية لحديتي.
هب واقفًا قبالتها بأعين حادة فأغمضت عينيها بذعر واتجهت خطوة للخلف خوفًا منه، لكنه ثبت نظراته عليها مردفًا بجدية:
– أني معحاسبكيش على حديتك الماسخ لأنك كيف ما جولتي موعياش، بس أنتي شايفاني بعمل ايه دلوك؟
تأفأفت بضيق وسارت من أمامه متوجهة نحو الفراش شاعرة بالغيظ من تجاهله دون أن تعلم سبب انزعاجها، كان يطالعها هو الأخر بنظرات ماكرة مبتسمًا بعدما لاحظ تأثيره عليها للمرة الأولى لا يعلم كيف استطاع السيطرة على ذاته وهي بين يديه، ولم يرَ نظرة الرفض في عينيها تلك المرة بل وجدها تنتظر اقترابه منها، وبادرت هي بفعلها.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين..
تعالت الزغاريد في منزل الجبالي والطلقات النارية، قطبت عهد جبينها متعجبة وسارت إلى الأسفل، وقفت لترى ماذا حدث لينقلب أمر المنزل فجأة هكذا، لكن سرعان ما ثبتت عينيها وازدادت ضربات قلبها بعنف وبقيت تتطلع أمامها بذهول بعدما تصنم جسدها، أيعقل ما تراه الآن أم أنها تحلم مثلما حدث من قبل، فركت عينيها لتتأكد من رؤيته أمامها نـعـم حسن هو مَن يقف أمامها يرمقها بنظرات يملأها العتاب والغضب وعينيه تلتهم كل أنش بها يتطلع نحو خصلات شعرها المتناثرة أثر ركضها، وملامح وجهها المليئة بالذهول من وجوده أمامها وعباءتها المنزلية التي تبرز مفاتنها بوضوح.
احتضنته والدته بسعادة، وتعالت زغاريدها مرة أخرى:
– حسن الچبالي ولدي ونن عينيّ، رچع ينور سرايته من تاني الف بركة يا ولديّ.
احتضنها هو الآخر لكن عينيه لم تتحرك من عليها وهي لم تشعر بذاتها، بل بقيت أسيرة لأفكارها تفكر هل عمران كذب عليها يفعل ذلك ليجعلها تكره شقيقه وهو ظالم حقًا كما كانت تفكر من قبل.
في تلك الوهلة ولج عمران المنزل بعدما علم بعودة شقيقه، لكن سرعان ما انتفخت أوداجه غضبًا وظهر الضيق والجمود فوق ملامح وجهه عندما وجد نظرات شقيقه المعلقة نحوها وهيئتها حيث تقف أمامه بتلك الملابس الضيقة دون وشاح، وكأنها تستعرض ذاتها أمامه متلهفة لنظراته المعجبة بها بوضوح..كل ذلك دار تحت نظرات نعمة المبتسمة منذُ البداية بمكر لتخبرها فقط أن تلك هي البداية فقط..

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1