رواية زهرة الهاشمي الفصل الثاني عشر
لم تمضِ عدة دقائق حتى وجدت والدها يقتحم عليها الغرفة دون سابق إنذار، شعرت بالاندهاش من علامات القلق المرتسمة على وجهه ليسألها بعدما جالت عيناه بكل أنحاء الغرفة
- صوت إيه دا يا زهرة اللي وقع، فكرتك أنتِ اللي وقعتي يا بنتي.
تلقائيًا التفتت عيناها ناحية الهاتف الذي قد قذفت به الحائط فنظر والدها إليه ليجده واقعًا على الأرض، تحرك بقدميه حتى وصل إليه لينحني بجسده قليلًا قبل أن يلتقطه وينظر إليه بتفحص.
نظر إليها باتهام بعدما تفقد حالة الهاتف الذي باتت شاشته سوداء وانكسر الزجاج المحيط بالكاميرات الخلفية فقال بجمود
- التليفون واقع بعيد عنك ومقومتيش تجبيه، معنى كدا إنه موقعش غصب عنك؟
توترت من نبرة والدها التي يستجوبها بها فلم تستطع إجابته ليقول بحدة أفصحت عن غضبه الذي يشعر به
- ردي
- كنت متعصبة وحدفته غصب عني.
أومأ إليها بإيجاب بعدما ضغط على شفتيه السفلى كاظمًا غضبه منها قبل أن يقول أثناء خروجه من غرفتها دون أن يهتم لسبب غضبها
- تمام.. إما تقدري نعم ربنا وتكون الحاجة اللي مجاتش بالساهل غالية عندك ابقي تعالي شوفي هتتصرفي فيه إزاي
أرادت أن تعترض وخاصة حينما أدركت أنها لن تستطيع محادثة هاشم ولكنها جبنت عن إظهار اعتراضها ذاك وخاصة أمام غضب والدها الذي لا يستهان به وهو في أوج لحظات اشتعاله.
زفر هاشم بضيق حينما أجاب عن الهاتف ليردد السلام عدة مرات ولكنه وجد الاتصال قد انتهى من طرفها، فكر قليلًا قبل يعيد الاتصال بها، فهو قد اتفق معها من قبل أن لا يسمح للخصام بأن يقف حاجزًا بينهما مهما ازداد غضبهم ولا يمكنه الآن أن ينكث هو عهده معها.
حاول مهاتفتها عدة مرات إلا أنه وجد الهاتف مازال غير متاحًا ليزفر بضيق قبل أن يتركه وينشغل بالعامل الذي أتى بعدما كان يقضي إحدى المصالح بالخارج.
*************
اختبأت "خديجة" في غرفتها ولم تخرج منها أبدًا بعدما قامت بتجهيز الطعام وتغطيته على الطاولة المتواجدة بالمطبخ، فعلى أي حال هي لا تستطيع الخروج الآن بعد ذلك الموقف المخجل الذي حدث قبل ذهابه إلى الصلاة، حقيقة هي لا تدري أتختبيء خجلًا منه أم أنها التزمت غرفتها عقابًا لقلبها الذي صعد الدرجة الأولى من درجات العفو.
استمعت إليه يطرق على باب غرفتها لعدة مرات فأجابت بهدوء
- نعم
شعر التوتر يكسوه من نبرتها الغير حميمية معه ليسألها
- مش هتيجي تاكلي؟
هزت رأسها عدة مرات بالنفي وكأنه يراها فردد الآخر اسمها حينما استشعر صمتها لتقول بنبرة فضحت كذبها
- أنا أكلت
أخرج أنفاسه بقوة جعلت صوتها يصل إليها قبل أن يقول بهدوء
- طيب تعالي اقعدي معايا وأنا باكل أنتِ عارفة إني مبعرفش آكل وأنا قاعد لواحدي
- تنهدت بقوة وكادت أن تجيبه بالنفي إلا أنها فكرت قليلًا ليصل عقلها الحنون إلى أنه لن يتناول شيء إن لم تذهب معه فقالت
- طيب روح أنت وأنا جاية معاك.
أومأ بإيجاب قبل أن يتجه إلى المطبخ ليكشف الأغطية من فوق الأطباق ثم يجلس بانتظارها.
على استحياء تهادت في خطواتها حتى وصلت إلى أبعد مقعد عنه لتجلس عليه فرمقها بعتاب لتخليها عن مقعدها قبل أن يبدأ بتناول الطعام، ظلت تعبث بهاتفها الذي تصنعت الانشغال به حتى نهض هو قبل أن يكمل الدقيقتان، نظرت إلى الطبق الذي لم ينقص سوى لقيمات تكاد لا تذكر وأرادت أن تسأله عن سبب عدم إكماله لطعامه إلا أنها ابتلعت سؤالها في جوفها خاصة وهي تعلم الإجابة الوحيدة عنه.
نهضت لتجمع الأطباق وتضع ما بها في حافظة الطعام ثم غسلت ما أفرغته لتتجه إلا الخارج بعدما انتهت، نظرت بتردد إلى باب غرفتهما المفتوح لتجده متمددًا على الفراش وعيناه تقص متاعبها لسقف الغرفة، تأملته قليلًا مستغلة عدم انتباهه إليها قبل أن تشعر بحركته فتحركت باتجاه غرفتها، كادت أن تغلق الباب خلفها بعدما دلفت إلا أنها توقفت أمام تلك الأكياس اللامعة الموضوعة على أحد المقاعد فانتقلت إليه لتجدها التسالي والسناكس التي كانت تتدلل عليه بطلبها كلما انتهى ما عندها من "خزين الأسبوع" كما تسميه.
كادت أن تلتقط الأكياس بفرحة وخاصة بشعور الجوع الذي يطغى عليها إلا أن يدها توقفت قبل أن تمسه بعدما استمعت إلى صيحات عقلها الذي ذكرها بكرامتها المسلوبة.
عادت إلى غرفتها مرة أخرى، لينهض سريعًا ذاك الذي كان يشعر بها من بعيد ويتفحص الأكياس باهتمام إلا أن ذاك القبس من الأمل الذي تولد حينما رآها تتجه ناحية ما أتى به، قد انطفأ وسيطر الإحباط على سائر قلبه حينما وجدها لم تمس شيء منه.
**********
شعر هاشم بالقلق يراوده حينما حل مساء اليوم الثاني ولم يستجيب هاتفها لاتصالاته على عكس عادته، لا يعلم ماذا بإمكانه أن يفعل فعقله يمنعه من الاتصال على والدها خشية شعوره بشيء يحدث بينهما، كما أنه يخجل قليلًا من محادثته لأجل التحدث إلى زهرة، منذ الصباح يقترح قلبه عليه محادثة والدها ليطمئن ولكن كان عقله يرفض الفكرة أما الآن فقد مر الكثير من الوقت دون أن يعلم ما أحل بها ومن الواجب عليه السؤال، فقلبه يتآكله خوفًا عليها وشعور بالذنب يراوده كلما وضع ذاته بموقفها.
حسم أمره ودق على والدها ليجيبه بعد فترة قليلة
- السلام عليك يا هاشم
ابتسم لسماعة نبرة ذاك الرجل الذي لا يضيف لروحه سوى البهجة قبل أن يجيبه بود
- وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، ازاي حضرتك
ردد الآخر كلمات الحمد ليتحدث معه بضع كلمات قليلة قبل أن يقول الشيخ منتصر بهدوء
- بتكلمني عشان زهرة تليفونها مقفول صح؟
حمحم بحرج قبل أن يجيبه بحياء
- الحقيقة أنا قلقت أتمنى إنكوا جميعًا تكونوا بخير
- الحمد لله في فضل ونعمة من الله يا ابني، كل الموضوع إن تليفون زهرة شاشته اتحرقت وأنا خدته معايا دلوقتي على ما نشوف بعدين فيه إيه
هز رأسه متفهمًا ليحتقن وجهه قبل أن يقول بحياء شديد
- طيب بعد إذنك ممكن أكلم زهرة دقيقة بس
ابتسم الشيخ منتصر على نبرته المضطربة قبل أن يرتفع صوته مناديًا على زهرة التي أتت إليه مسرعة لشعورها أنه لا يناديها إلا للسبب الذي تبتغيه.
أخذت هاتفه منه بعدما أخبرها بجفاء أن هاشم بانتظارها ثم غادر لتقول بهدوء
- السلام عليكم
ردد كلمات السلام قبل أن يقول بقلق
- بتصل عليكِ يا زهرة من إمبارح مفيش رد
أجابت بارتباك
-التليفون اتكسر
- طيب عاملة إيه
- الحمد لله كويسة
انتظر قليلًا قبل أن يتحدث بما يشغل عقله
- مش عايزك تزعلي مني بسبب اللي حصل، أكيد مكانش قصدي أضايقك، عارف إن دي حاجة ممكن تزعل أي حد بس أنا متعمدتش أخبي عليكِ زي ما فكرتي ولا أنا عديم الوفاء زي ما قلتِ
تنهدت بقوة جعلته يشعر بما فعلت لتقول بهدوء
- قبل ما نتكلم في أي حاجة أنا آسفة على الكلام اللي قلته، أنا كنت مصدومة والله ومكانش قصدي خالص إني أقلل منك ولا حاجة، بس أنا كنت غيرانة
همست جملتها الأخيرة بخفوت من فرط خجلها لتتسع ابتسامته وكأنه ليس ذاك الشخص الذي شيدت الكآبة بيوتًا فوق قلبه قبل ساعات.
صمتت قليلًا لتستمع إلى رده على ما قالت ليقول بهدوء
- عارف يا حبيبتي، بس عايزك تعرفي إن يمنى الله يرحمها كانت مرحلة مهمة في حياتي ودلوقتي بقت ذكرى وحقها الوحيد إني أفتكرها دائمًا بالدعاء فمش عايزك تغيري ولا ترهقي قلبك بالتفكير.
في الحقيقة بعدما استمعت إلى تلك الكلمة التي ألقاها على مسامعها للمرة الأولى"حبيبتي" لم تفكر فيما تفوه بعدها وكأن العالم توقف على نطقه لهذه الكلمة ليتردد صداها في أذنها كمعزوفة جميلة تتمنى للحنها ألا ينتهي.
- لو يعلم المحبوب كيف بات حال الفؤاد من بعد وصاله؛ لانتفض قلبه واقفًا يرقص بين أركانه من فرط ساعدته الذي أثارها جنونه.
بدون سابق إنذار همس بجملته تلك حينما استشعر ما فعلته بها كلمته التي قالها بقصد لتستجبب لما قال وتنهض واقفة ترقص بين أنحاء الغرفة بقلب يغرد فرحًا بكلمات الحبيب التي يتغنى بها على مسامعها معترفًا بأنها حبيبته للمرة الأولى.
تستمع إلى صوت مزعج يصدر على هاتفها لينتبه إلى أنها وردت إليها مكالمة أخرى قيد الانتظار فتنحنح قائلًا بهدوء
- طيب هقفل عشان الشيخ ياخد تليفونه وأنا هستأذن منه وآجي زيارة بكرة إن شاء الله تعويض لينا عن اللي حصل المرة اللي فاتت
أومأت عدة مرات بإيجاب قبل أن تردف بسعادة بدت على صوتها
- حاضر مع السلامة.
أغلقت الهاتف بروح تشع أمل وبهجة وكأن قلبها قد تناسى زيجته الأولى لاكتفائه من الألم، زفرت بقوة وابتسامة حنونة ترتسم على وجهها حينما طرأ على بالها أبيها الذي حان وقت إرضاءه، ذهبت إلى غرفته حيث يجلس فوجدته يقرأ بأحد كتب الفقه الذي بتردد فتحه له قليلًا وبدون سابق إنذار اقتربت من المقعد الذي كان جالسًا عليه لتنحني على رأسه فتقبلها ثم الى يداه الإثنتين، كادت أن ترتمي على الأرض لتقبل حذاءه إلا أنه أوقفها ناظرًا إليها بتحذير فتوقفت لعلمها بأنه يكره هذه الفعلة.
تبدلت نظراتها إلى الرجاء الشديد قبل أن تقول بندم
- سامحني يا أبي أصعب حاجة ممكن تحصل معايا هي غضبك مني أنا آسفة.
أشاح بنظراته إلى الجهة الأخرى لتقول بصوت أوشك على البكاء
- أبي
التفت إليها بحنان غير قادرًا على الاستمرار في جفائه معها أكثر من ذلك فهمست باعتذار بعدما استشعرت رغبته في الاستماع إليها
- والله مش هكررها تاني أنا ندمت أصلًا، سامحني
تنهد بقوة قبل أن يقول بحزم
- اعتذارك يا زهرة مش ليا، وندمك دا مش عايزه يكون عشان زعلي منك، أنا عايزك تندمي على ذنب عملتيه إنك أهنتي حاجة ربنا أنعم عليكِ بيها بدل ما تشكريه وتحمديه عليها، عايزك توعدي ربنا إنك مش هتكرريها تاني مش توعديني أنا
نظرت إليه بخجل من فعلتها قبل أن تقول
-أنا توبت والله ومش هتتكرر تاني سامحني بقا يا أبي
ابتسم إليها بحنان بعدما استشعر تدللها في جملتها الأخيرة ثم قال بعتاب
- أنا معرفتش هاشم باللي حصل عشان ميتضايقش منك وعشان مياخدش عنك فكرة وحشة الأفضل أنه ميعرفش باللي عملتيه.
أومأت إليه بإيجاب قبل أن تحتضنه بقوة شاعرة بأن الله قد أنعم عليها بجعل هذا الرجل العظيم أباها.
بعدما أغلق هاشم هاتفه معها ظلت الابتسامة مرتسمة على شفتيه بسعادة راضيًا عن ما حدث من انتهاء الخصام بينهما، ولكن لم تدم سعادته وهو يتذكر هاتفها الذي فسد، فهو يعلم أن الرجل كعادة أهل البلد يأتي لخطيبته بهاتف جديد بعد الخطبة وفي هذا الموقف من المفترض أن يفعل مثلهم، هو يريد أن يجلب إليها أفضل شيء، بل يريد إهدائها عينيه إن استطاع ولكن كيف يفعل ولا يملك في محفظته سوى تسعمائة جنيهًا فقط وبالطبع لن يستطيع شراء هاتف بهذا المبلغ القليل، شعر بالندم لتسرعه ووضعه كل الأموال التي كان يملكها في تحضيرات بيت الزوجية، فكان من المفترض أن يترك معه بعض الأموال للظروف الطارئة ولكنه لم يكن يعتقد أبدًا أن هذه الأزمة المالية ستحل بمركزه.
فتح الخزينة الخاصة بأموال المركز عله يجد بعضًا من الأموال الزائدة ليقتسمها هو وصديقه كربح لهذا الشهر إلا أنه وجدها لن تكفي سوى لشراء البضائع ودفع الإيجار الخاص بالمكان. زفر بضيق شاعرًا بالعجز مما يحدث معه إلا أنه طمئن قلبه أخيرًا بأنه سيذهب إليها غدًا بإحدى الهدايا التي سيأخذها من السنتر ويتدبر أمر الهاتف في الزيارة التالية.
**********
ابتسمت بسعادة بعدما التهمت عينيها آخر كلماته التي أرسلها لها على تطبيق "الواتس آب" الخاص بوالدتها مخبرًا إياها بأنه في طريقه إليها، نظرت إلى زمن الرسالة فوجدتها منذ عشر دقائق فتيقنت من أن موعد وصوله قد اقترب، تأملت ذاك الفستان الضيق الذي سترتديه أمامه للمرة الأولى، ثم اقتربت من المرأة وصففت خصلات شعرها التي ستطلقها أمامه للمرة الأولى، تلمست أحمر الشفاة الذي تضعه بخجل ثم هرولت إلى شرفة المنزل واقفة خلف الستائر تنتظر قدومه.
بعد دقائق قليلة من الانتظار اتسعت عينيها بفرحة أنستها طرف الستار الذي تقبض عليه بكفها حينما رأته أمامها ومن سوء حظها أن جاء ذلك التيار القوي الذي سحب الستارة بعيدًا عنها كاشفًا عن جسدها خلفه فشهقت بصدمة قبل أن تتدارك ما حدث وتهرول إلى الداخل وقلبها يتمنى ألا يكون قد لمح طيفها أحد.
اقتربت من باب المنزل بعدما استمعت إلى رنينه الذي من المؤكد أن يكون هو صاحبه ووقفت خلفه وهي تفتحه بهدوء دون أن تكشف عن جسدها للطارق خشية ألا يكون هو
ابتسمت بخجل وهي تشير إلى غرفة الجلوس بعدما ولج وأغلق الباب خلفه فدخل دون أن يلفظ بكلمة سوى تلك النظرة الغاضبة التي لو كانت تقتل لقتلتها في الحال
دخلت خلفه بتوتر واستعجاب من نظرته تلك، جلست على المقعد القريب منه وانتظرت أن ينطق بكلمة ولكنه ظل صامتًا لا ينبعث منه سوى ذلك الغضب الذي ماج في عينيه حتى كاد أن يغرقها دون رحمة، بعدما يئست منه همست برقة تخصه بها وحده
- مالك؟
تنهد بقوة وصوت أنفاسه بدأ يرتفع بعلو ملحوظ فهتفت بقلق
- مبتتكلمش ليه يا هاشم؟
-عشان لو اتكلمت كلامي هيزعلك جامد
صعقت من تلك النبرة الجليدية التي يخاطبها بها للمرة الأولى فسألته بتوتر وعقلها يشرد بكل المواقف التي جمعتهما معًا في الأيام السابقة عله يصل إلى ما يغضبه وعندما لم تصل إلى ما يريحها بعدما استبعدت ما حدث في الزيارة السابقة بعد صفائهم بمحادثة أمس كررت سؤالها بتوتر
- في إيه بجد؟
في هذه اللحظة التفت إليها صائحًا بغضب لم يستطع التحكم به أكثر من ذلك
- يعني مش عارفة في إيه.. تبقى مصيبة لو بجد مش شايفة نفسك عملتِ حاجة
شعرت بالدموع تصطف في عينيها وتتهيأ للهروب من مآقيها نعيًا لكرامتها بسبب ثورته تلك ولم تكد تمر عدة ثواني حتى تساقطت الواحدة تلو الأخرى وعقلها يتوصل إلى أن سبب غضبه هو ارتدائها لهذا الفستان الضيق وإطلاق شعرها أمامه، حاولت أن تعلم ما الخطأ فيما فعلته! فقد عقدا قرانهما منذ أسابيع ولم تجد سببًا يمنعها من الجلوس أمامه هكذا، وكيف لأبيها أن يتركها تجلس هكذا إن كانت ترتكب شيئًا محرمًا، بل وشقيقاتها من قبل كن يرتدين ملابس مشابهة ولم يكن أبيها يعترض أبدًا، شعرت بالقلق يسري في عروقها وعقلها يتوصل إلى أنه من أولئك الذين يحرمون ما أحل الله من كثرة تشددهم، أولئك الذين جعلوا ما يسره الله معسرًا على قلوبهم فباتت حياتهم كالجحيم بسبب عقولهم ملصقين ما يعانون منه لأحكام الدين التي هي بريئة من أفكارهم المقيدة برباط الجهل.
انتفضت واقفة دون سابق إنذار وهي تهمس باختناق
- ثواني هقوم ألبس
عقد حاجبيه بغضب أكثر من ذي قبل معتقدًا أنها لم تعير غضبه اهتمام هسألها بحدة حاول ألا يظهرها تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم "رفقًا بالقوارير" ولكن لم يفلح في ذلك وهو يتذكر فعلتها فخرج صوته غاضبًا أثار الرعب بقلبها وهو يصيح بعنف
- هتلبسي ليه
- مش متضايق بسبب لبسي
همست باجابتها والدموع تتسلل من عينيها فألمه قلبه وزفر بضيق من نفسه ومنها قبل أن يستغفر عدة مرات هاتفًا بحدة
-اقعدى
جلست بخوف وهي تشعر بأن الشخص الذي أمامها بعيد كل البعد عن ذاك الذي عشقه قلبها لهدوء نبرته والتزامه ولكن كيف للمرء أن يتحكم بغضبه وهو يشعر بنيران الغيرة تنهش بقلبه كالجحيم؟!
-إما أنتِ عارفة إن أنا هتضايق بسبب لبسك بتقفي كدا ليه في البلكونة؟ سيبك من إن أنا اللي هتضايق غضب ربنا مش فارق معاكِ؟ إزاي تقفي كدا أنتِ اتجننتي؟
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تحاول فهم ما يشير إليه وسرعان ما وضعت كفها علر فمها كي لا ينظر إليها وهي تبكي وهمست بضيق بعدما توصلت إلى سوء الفهم بينهما وأدركت سبب غضبه الحقيقى
- أنا مكانش قصدي والله.. عمري ما وقفت كدا كنت ماسكة الستارة والهوا طيرها من ايدي والله غصب عني
تنهد بضيق وهو يشعر بأن دموعها تتساقط كالجمار المشتعلة على قلبه فهتف بأمر وهو مازال يشعر بالضيق منها رغم شفقته عليها
- طيب متبكيش
وكأنه أمرها بخلاف ذلك فأجحشت في البكاء رغمًا عنها فمرر كفه على وجهه بكدر طالبًا العون من الله هامسًا يناجي ربه بصوت لم يخرج من حنجرته ولكنه وصل إليها بوضوح
- يارب