![]() |
رواية بقايا قلب مكسور الفصل الثاني عشر بقلم رباب حسين
.تخبئ لنا الحياة دائمًا صعاب وصدمات.... نتعافى من بعضها والبعض الأخر يكون كالرمال المتحركة كلما حاولت أن تهرب منها تدفن بها..... الجميع يراك..... يسمعك تصرخ طالبًا للنجدة ولكن لا أحد يستطيع أن يمد يد العون لك ولا سبيل لديك سوى أن تقف مكانك..... وها أنا توقفت.... فقدت سبيلي في الحياة ووجهتي سارت معتمة..... أرى فقط ما حدث بالماضي ولا أستطيع العودة له ولا المضي قدمًا.... أصبحت أسير داخل ذاتي وكأنني أنا الذي تحت التراب وليس أنتي أو هذا ما أتمناه وسوف أحصل عليه قريبًا فكل لحظة دونكِ بمئة جلدة من سياف ضميري..... انتظري حبيبتي...... أنا قادم إليكِ
يقف أدهم أمام قبرها ينظر إليه والحزن يحطم روحه كشظايا البلور..... يعبث بيده في تراب قبرها وكأنه يتحسس دفئ جسدها الذي لم ينعم به داخل أحضانه ليلة واحدة..... لم أضمكِ إلى صدري قط..... لم أتحسس وجهكِ بأناملي..... أضع يدي بين الثرى كأني أبحث عن جسدكِ أسفله
اقترب رعد منه ونظرات الحزن ترتسم على وجهه.... يشعر بتأنيب الضمير ولا يعلم ماذا يفعل.... يتركه هكذا عند قبرها أم يخبره بحقيقة الأمر؟..... تنهد بعمق ثم ذهب إليه وقال : أدهم بيه
وقف أدهم والتفت إليه وكأنه يبحث عنه أيضًا وقال : يااااه.... أخيراً رجعت
رعد : أسف يا أدهم بيه كان عندي مشكلة عائلية
أدهم : ولا يهمك..... المهم إنك رجعت في الوقت المناسب
رعد : مش بكرة فرحك؟!.... بتعمل إيه هنا؟
نظر أدهم إلى القبر وقال في حزن : بودعها..... يلا نمشي..... عايزين نروح الشركة ونخلص حاجات كتير قبل بكرة..... عايز أطمن على حاجات بنفسي
رعد : يلا بينا
ذهبا معًا أما بالمشفى دخلت حسناء إلى غرفة جالا ووجدت عمر ينام بجوارها على الأريكة كعادته مؤخرًا في الأيام السابقة فمنذ أن قصت له كل ما حدث وهو يظل بجوارها يفعل المستحيل كي يعيدها إلى الحياة مما جعل صفاء وحسناء يشعران وكأنه فرد من عائلتهما بسبب اهتمامه الشديد بجالا..... اقتربت منه حسناء وصاحت باسمه بهدوء ففتح عينيه واعتدل في جلسته وقال : راحت عليا نومة
حسناء : إنت مش بتنام يا دكتور..... روح ارتاح يوم
عمر : لا..... أنا بس هسيبك معاها واروح أغير هدومي في البيت وارجع..... أهم حاجة كلميها متسكتيش..... إحكيلها أي حاجة في يومك زي ما اتفقنا كأنها قدامك وسمعاكي.....وكل شوية شغليلها الأغنية ديه
حسناء : فاهمة يا دكتور..... روح بس ارتاح ومتقلقش عليها
دخلت صفاء الغرفة ثم نظرت إلى الفراش وجدتها لازالت نائمة فتنهدت في حزن ونظرت إلى عمر وقالت : كل يوم أجي وأقول هلاقيها صحيت وأشوفها وهي بتضحك زي العادة..... بقالك ٥ أيام قاعد جنبها وكل يوم تديني أمل وارجع ألاقيها زي ما هي
وقف عمر وامسك يدها وقبلها وقال : متقلقيش يا أمي..... هتفوق إن شاء الله..... المخ بيستجيب بصورة أحسن كل يوم عن التاني..... الموضوع بس محتاج شوية صبر
صفاء : طيب نعمل إيه تاني..... نعمل إيه عشان ترجع؟..... خايفة أموت واسيبها كده لوحدها في الدنيا
حسناء : بعد الشر عليكي..... إن شاء الله هتفوق وتبقى زي الفل
اقتربت منها صفاء وامسكت يدها وقالت في بكاء : ارجعي بقى يا جالا..... ارجعي يا حبيبتي.... وحشتيني أوي
ثم بكت ونظر لها عمر وحسناء في حزن وبعد قليل هدأت فقال عمر : أنا هروح البيت نص ساعة وراجع مش هتأخر
حسناء : ماشي يا دكتور مستنينك
وفجأة صرخت صفاء في صدمة وقالت : إيدها اتحركت يا عمر.....إيدها مسكت إيدي
اقترب عمر منها سريعًا وقام بفحصها ونظر داخل عينيها ووضع جهاز قياس إشارات المخ ووجد أن المخ بدأ ينشط بشكل كبير فقال : الحمد لله..... جالا هتفوق قريب..... أنا مش همشي..... أنا هفضل جنبها
حسناء : محدش هيمشي غير لما تفوق
بكت صفاء في سعادة وأخذت تدعي الله أن تعود لها....
ذهب أدهم إلى العمل وقام بعمل توصيات لجميع المديرين وطلب المحامي الخاص به وتقابل معه مقابلة طويلة ثم عاد إلى المنزل ووجد إلهام تقوم بعمل الإعدادات اللازمة لاستقبال حفل الزفاف في حديقة المنزل بالغد وعندما رأت أدهم قالت : كل ده تأخير يا أدهم؟!..... فيه عريس فرحه بكره يقعد طول اليوم برا..... ده حتى البدلة مروحتش شفتها والمصمم بعتها هنا عشان تشوفها وبيقول لو فيه ملاحظات يجي بكرة يظبطها
اقترب أدهم منها وقبل وجنتها في هدوء ثم نظر إلى عينيها وقال : انتي تعبانة..... روحي ارتاحي عشان عندك يوم طويل بكرة
إلهام : على قلبي زي العسل..... أنا مش مصدقة أخيراً إنك هتتجوز ومش أي جوازة ديه بقى جوازة العمر كله
أدهم : فعلًا ديه بقى مفيهاش رجعة...... بس برده روحي ارتاحي.... خلي بالك من صحتك يا ماما
نظرت له إلهام في تعجب وقالت : مالها صحتي..... إنت عشان هتتجوز هتكبرني..... أنا لسة شباب وزي القمر
ابتسم أدهم وقال : أيوة لسة زي القمر..... تصبحي على خير يا قمر
قبل جبهتها وصعد إلى غرفته تحت نظرات إلهام المتعجبة مما يقول ويفعل ثم قامت بعمل بعض الترتيبات وصعدت إلى غرفتها لتنام
أما بالمشفى فكانت جالا في حالة غير مستقرة مما جعل عمر وحسن وصفاء وحسناء يسهرون بجوارها طوال الليل حتى حل الصباح....
تتذكر ما حدث..... فهو حدث منذ لحظات بالنسبة لها...... تتذكر وجه أدهم وحديثه الجارح المؤلم..... تتذكر ألم قلبها الذي تكسر منذ أن سمعت كلمة "بكرهك" من فمه.... حروف بسيطة قادرة على قتلها ببطء...... شعرت بأنفاسها تتصاعد وكأن رقبتها مازالت بين يديه فنهضت في فزع وهي تحاول أن تتنفس جيدًا مما جعلهم يستيقظو من النوم ونظرو لها في دهشة ثم اقتربت منها صفاء في لهفة وضمتها إليها وهي تبكي وقالت : جالا..... جالا حبيبتي حمد الله على السلامة
وقفو جميعًا ينظرون إليها وهي تنظر حولها في تعجب فأخر ما تتذكره هو وجودها في الشاليه مع أدهم فنظرت إلى صفاء وحسناء اللاتان يضماها بحنان ويبكيان من سعادتهما تحت نظرات حسن وعمر السعيدة بعودتها فنظرت لهما وقالت : أنا فين؟!..... فين أدهم؟!
نظر عمر إليها في حزن وقالت حسناء وهي تضع يدها على شعرها في حنان : إنتي في المستشفى يا حبيبتي..... حمد الله على السلامة
جالا : ليه؟!.... هو أنا حصلي إيه؟
صفاء : حصل كتير يا حبيبتي..... الحمد لله إنك رجعتي بالسلامة
عمر : حمد الله على السلامة يا مدام جالا..... أنا دكتور عمر أحمد المسئول عن حالتك..... حضرتك كان عندك عرض نادر شوية اسمه متلازمة القلب المكسور ودكتور حسن عمل اللازم مع الحالة والحمد لله تعافيتي لكن للأسف دخلتي في غيبوبة نتيجة الضغط النفسي اللي اتعرضتيله قبل ما تفقدي الوعي..... طبعًا محدش فينا عارف اللي حصل بالظبط بس حالتك كانت صعبة ومكنش فيه أي إستجابة للأدوية من أي نوع والحمد لله مع شوية تحفيذات للمخ قدرنا نرجعك لينا بالسلامة.... حمد الله على سلامتك..... طبعًا لسه فيه متابعات عشان نطمن إنك متوصليش للمرحلة ديه تاني
نظرت جالا أمامها في شرود تتذكر ما حدث وما سمعته من أدهم الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة ثم نظرت إلى حسناء وقالت : طيب فين أدهم؟.... اتصلي بيه خليه يجي
نظرت حسناء إلى عمر ثم عادت النظر إليها وقالت في تردد : أدهم..... ما..... أدهم ميعرفش إنتي فين؟
جالا في تعجب : ليه؟.... هو إحنا فين؟ في القاهرة صح؟.... طيب اتصلي بيه يجي
رتبت صفاء على عاتقها وقالت : جالا إنتي في غيبوبة بقالك ٣ شهور وأكتر..... أدهم من ساعة اللي حصل وهو لا سأل عليكي ولا جه حتى عندي عشان يشوف فيكي إيه ولا أنتي فين وكمان..... كمان
نظرت صفاء إليهم وترددت بأن تخبرها فقال حسن : أدهم أعلن عن وفاتك وكمان قبل العزا في البيت عنده..... وكل اللي في الشركة عارفين إنك ميتة
حسناء : لما لقيت الوضع كده ولقينا علامات الخنق على رقبتك خفنا عليكي وحسن ساعدنا نخبيكي هنا ومحدش عارف إنك عايشة لسه
انسابت الدموع من عين جالا وهي تبتسم وتقول في صدمة : لا.... لا لا..... أدهم استحالة يعمل كده.... مش إنتي.... مش إنتي فاكرة هو عمل إيه عشاني..... فاكرة اللي قاله رامي.... صح؟
نظرت لها حسناء في حزن والدموع تنساب على وجهها وقالت : إهدي يا حبيبتي.....هنفهم كل حاجة بس تقومي وتقفي على رجليكي تاني
رفعت جالا الغطاء من على جسدها وهي تحاول أن تقف وتزن جسدها وهي تتمسك بذراع حسناء وقالت في بكاء : أدهم فاهم غلط..... أدهم فاكرني بخونه...... عشان كده زعلان مني..... عشان كده مسألش عليا..... أنا لازم اروحله
حاولت أن تتحرك ولكن لم تستطع فاقترب عمر منها في لهفة وأمسك يدها وقال : إصبري بس..... إنتي لسه قايمة من نومة طويلة وجسمك لسة مش متزن
جالا : لا.... لا هروحله..... حد يساعدني بس اروحله البيت
نظرت لها صفاء وهي تبكي وقالت : فيه إيه يا بنتي بس؟!.... حصل إيه لده كله ومن إمتى وأدهم مهم عندك كده؟
جالا : مهم يا ماما.... مهم أوي.....ثم قالت في غضب : هتساعدوني ولا اروح لوحدي؟!
حسناء : طيب إهدي متتعصبيش.... كلنا هنروح معاكي.... بس لسه بدري أوي..... الساعه لسه ٩ ولو صحي دلوقتي هتلاقيه نزل شغله
جالا : هروحله البيت الأول لو مش هناك هروح الشركة
عمر : طيب هنعمل كل اللي إنتي عايزاه..... ثواني هجيب كرسي يخرجك برا المستشفى لحد العربية
حسن : وأنا هروح أجيب عربيتي قدام المستشفى
ذهبا وضمتها حسناء إلى صدرها ورتبت على رأسها في حنان وقالت : معقول بتحبيه أوي كده يا جالا؟
أماءت لها جالا بنعم وقالت : خايفة أكون خسرته..... ٣ شهور وهو فاكرني بخونه يا حسناء..... خايفة يكون رجع لنور..... خايفة أوي
بعد قليل دخل عمر الغرفة ومعه الكرسي ثم ذهبت جالا لتبدل ثيابها داخل المرحاض بمساعدة والدتها ثم خرجت من المشفى ولحق بها عمر بسيارته خوفًا عليها من أي صدمة أخرى ويشعر بأن قلبه متلهف لها بشدة ولا يعرف ما سبب هذا الشعور..... وصلو إلى المنزل ونظرت جالا إلى المنزل ووجدت حركة غير عادية وهناك عمال يدخلون ويخرجون من الباب الرئيسي يحملون أزهار وكراسي وعدد من الطاولات فنظرت داخل الحديقة ووجدت إعددات بها فنظرت إلى حسناء في خوف وقالت : هو إيه ده؟!.... مش فرح صح؟!.... حسناء ده مش فرح صح؟!
نظرت لها حسناء ولا تعرف ماذا تجيب فقال حسن : خليكو هنا هنزل أسأل أنا
نزل حسن وصفاء تمسك بيد جالا وتشعر بأنها على حافة الهاوية ثم اقترب عمر من السيارة ونظر إلى صفاء عبر النافذة وقال : هي كويسة؟!
صفاء : ربنا يستر يا أبني.... مستنين حسن يقولنا فيه إيه؟!
وقف حسن أمام باب المنزل الخارجي وأوقف أحد العمال وقال : هي ديه فيلا معتز باشا؟!
العامل : لا ديه فيلا أدهم الحسيني
حسن : شكرًا.... بس ده فرح ولا إيه؟!
العامل : اه فرح أدهم بيه..... دخلته النهاردة
نظر له حسن في صدمة ثم شكره وعاد إلى السيارة مثقل الخطى لا يعلم كيف يخبر جالا بهذا الخبر ثم وقف أمامها عند النافذة وقال : أنا مش عارف أقول إيه..... بس ده فرح أدهم فعلًا
سمع عمر ما قاله فالتف حول السيارة وذهب تجاه جالا التي حاولت أن تخرج وهي تبكي وتقول : لا..... مش هسيبه يغلط في حقي وفي حق نفسه كده..... أنا هدخل أقابله
خرجت حسناء مسرعة وأمسكت بها وقالت لها : جالا حبيبتي..... مش هينفع تدخلي دلوقتي..... أدهم عايش حياته ومن تاني يوم ما حصلك اللى حصل وهو بيروح شغله عادي وأعلن وفاتك ووقف خد عزاكي يعني أدهم مش زي ما أنتي متخيلة لما يشوفك إنه هيجري عليكي..... كفاية كده يا جالا..... فوقي لنفسك بقى ومتسبيش حد يدمرك تاني..... أقفي على رجلك وبصي لأمك وليا..... إحنا كنا خلاص فقدنا الأمل والرعب إن إحنا نفقدك كان بياكل فينا كل يوم..... أدهم صفحة وأتقفلت ومش هسمحلك تعملي في نفسك كده تاني عشانه ولا عشان أي حد.... إنتي جالا الحسيني بعبع كلية الهندسة اللي عمر ما حد قدر يقف قصدها وهترجعي تقفي على رجلك من تاني وكلنا معاكي..... إدخلي العربية عشان نمشي من هنا
نظرت لها جالا وهي تبكي وقالت : بس أنا..... أنا بحبه يا حسناء
حسناء : وهو مش بيحبك..... فوقي يا جالا..... ده راح إتجوز نور ولا سأل فيكي..... كفاية كده ويلا بينا..... تعالي معايا وهنعرف ناخد حقك منه كويس أوي بس مش دلوقتي..... خلينا نهدى ونطمن عليكي الأول
عادت جالا إلى السيارة وبجوارها صفاء وقاد حسن السيارة وتبعه عمر وفي الطريق قالت جالا : مش عايزة أرجع المستشفى
صفاء : زي ما تحبي..... أنا فرشت الشقة اللي إنتي جبتيهالي.... تعالي نقعد فيها سوا
حسناء : هي قريبة مني كمان
حسن : خلاص..... روحي على البيت وأنا هخلي دكتور عمر يتابع حالتك برا المستشفى
أماءت له جالا ونظرت من زجاج النافذة في شرود
كانت إلهام تشرف على إعدادات الزفاف وطلبت من أحد الخدم أن يذهب ليوقظ أدهم ولكنه عاد بعد قليل وقال : مدام إلهام..... بخبط على أدهم بيه مش بيرد
إلهام : طيب مدخلتش صحيته ليه؟
الخادم : الباب مقفول من جوا
صعدت إلهام إلى غرفته وظلت تطرق الباب ولكن لم تسمع أي صوت بالداخل فحاولت فتح الباب ولم تستطع فقامت باستدعاء رعد إلى الغرفة وطلبت منه أن يكسر الباب وعندما دخلا وجدا أدهم على الفراش وبجواره مجموعة من زجاجات الأدوية الفارغة ففتح رعد عينيه في صدمة وصرخت إلهام صرخة مدوية