رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثالث عشر
كانت الأجواء في العربة صامتةً لدرجة أنهم قد شعروا بالاختناق، هدأت هي ثم دفعت جسده بعيدًا لتجلس قائمة.
شهقت سارة قائلةً: ”تريد الذهاب لرؤية ابنك هذه هي حريتك ولكن لا يُمكنا تعطيل خطتنا الأصلية بسبب شؤونك الخاصة، فلا داعي للقلق من أن أُطاردك مرةً أخرى حتى وإن لم ترغب في الطلاق، سأُطلقك أنا، فليس من عادتي أن ألتقط القمامة“.
عبس أحمد عندما سمع كلمة ”قمامة“، فواصلت سارة كلامها دون مبالاة، ”أعترف أنني كنتُ ساذجةً جدًا في الماضي، فكان لدى تخيلات غير واقعية عنك والآن رأيت النور بالفعل، فمن الأفضل أن أتخلص من الرماد الذي لا يمكنني الإحتفاظ به! اعطني المال وإنتهِ أنت من الأعمال الورقية عندما تُصبح مُتفرغًا وأعدك أن أكون تحت طلبك بأي وقت ولن أندم أبدًا“.
”ماذا لو لم أعطيكِ المال؟“
نظرت سارة إلى عينيه السوداء، وكانت عيناها الباكيتان للتو مثل الجبال الخضراء بعد المطر، كانتا مشرقتين بشكلٍ استثنائي، شفافتين ببرودة صافية، ”عندها سأقفز من السيارة، فليس عليّ العيش إن لم أستطع إنقاذ أبي“.
أخرج أحمد شيكًا وكتب لها رقمًا، ”الخمسة ملايين المتبقية سيتم دفعها بعد الطلاق“.
زمّت سارة شفتيها وسخرت قائلة: ”ما مدى خوفك من أنني لن أتطلق منك؟ لا تقلق، فأنا أشعر بالاشمئزاز من نفسي إذا بقيت مع رجُلٍ مثلك
لثانيةٍ واحدةٍ أخرى، “أوقف السيارة“
أخذت الشيك وفتحت الباب بلا رحمة وغادرت دون أن تنظر إلى الوراء.
لقد تم إنقاذ أبي أخيرًا!
صرفت سارة الشيك، وكان أول شيء فعلته هو دفع الفواتير الطبية، أما عن الشيء الثاني فقد ركبت سيارة أجرة إلى العنوان الذي أعطاه لها محمود.
إنها مقبرة خاصة من الدرجة العالية، والأشخاص المدفونون بداخلها إما أغنياء أو نبلاء، وقد دفنت جدة أحمد هنا أيضًا، اشترت سارة زهور الرنين المفضلة لجدة أحمد.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى وجدت سارة قبرًا جديدًا محاطًا بدائرة من أشجار البرقوق.
كانت أشجار البرقوق قد أنبتت براعم أزهارها بالفعل، وستزهر بالكامل خلال فترة قصيرة.
كان شاهد القبر البارد منقوشًا باسم غير مألوف، ”قبر زهرة “.
كانت تعرف أن أحمد كان يحب أخته كثيرًا، وبعد أن فقدت أخته أصبحت موضوعًا محظورًا في قلبه، فلم يعد يسمح للآخرين بذكرها، لذا لم تكن تعرف أي شيء عن أخته.
زهرة، هل كان هذا اسمها؟ لم تكن سارة قد سمعت به من قبل.
جلست القرفصاء ونظرت إلى الصورة الموجودة على شاهد القبر، لا بد أنها صورة زهرة عندما كانت في الخامسة أو السادسة من عمرها قبل أن تضيع، بوجهها الصغير اللطيف والمُمتلئ أما بين حاجبيها كانت ترى بشكلٍ غامض ظل أحمد.
لم يكن لدى سارة أدني فكرة، فاستخدمت هاتفها المحمول
لالتقاط الصورة باعتبارها الدليل الوحيد.
وضعت زهور الرنين الهوائي التي اشترتها لجدة أحمد وركعت أمام شاهد قبر زهرة وهتفت قائلة: ”يا زهرة، اسمي سارة لو كنتِ على قيد الحياة كان يجب أن تناديني بزوجة أخيك، لا يل يجب أن تكون زوجة أخاك السابقة، أنا آسفة لمعرفتكِ بهذه الطريقة، فأنا على يقين من أنني سأكتشف الجاني الحقيقي الذي قتلكِ .......“
لم يكن ضريح جدة أحمد بعيدًا وكانت جدة أحمد في الصورة لطيفة وحافظت على نفس النبرة والابتسامة التي كانت عليها في ذلك الوقت.
أمسكت سارة حبة بطاطا حلوة مخبوزة في الصباح من جيبها ووضعتها أمام شاهد القبر قائلةً : ”يا جدتي، أنا هنا لرؤيتكِ، لقد حلّ الشتاء مرةً أخرى بدونكِ وأنا أمسك البطاطا الحلوة، لم يعد للبطاطا الحلوة نكهة بعد الآن.“
كانت متعبة قليلاً من الوقوف، فجلست مُتحدثة بجوار شاهد القبر وكأن العجوز ما زالت على قيد الحياة
”يا جدتي، أنا آسفة، لم أحتفظ بذلك الطفل ولكن أحمد هذا الوقح قد واصل بالفعل نسل عائلتكُم، فلا داعي للقلق بشأن عدم وجود أحد يخلفك بعد الآن.“
”يا جدتي لقد تغير أحمد، لم يعد الشخص الذي أعرفه، في الماضي كان يقول إنه سيحميني من الرياح والأمطار، ولكن الآن هو سبب كل العواصف التي تهب عليّ، إذا كنتِ لازلتِ على قيد الحياة، فلن تسمحي له بالتأكيد بأن يعاملني هكذا“.
ابتسمت سارة على مضض قائلة: ”يا جدتي، أنا وأحمد سننفصل قريبًا، لقد قلتِ من قبل أنه إذا تجرأ على التنمر عليّ، ستزحفين من التابوت وتنسفين رأسه حتى بعد موتك، فأنا لن أعش طويلًا، سأنزل لأكون معكِ بعد بضعة أيام، لنزحف وننسف رأسه معًا، حسنًا؟
”يا جدتي، ما هو شعور الموت؟ هل هو مظلم؟ أنا خائفة من الحشرات الصغيرة التي سوف تلدغني، ما الذي يجب عليّ فعله؟“
”يا جدتي، هلّا أدعو لكِ وأشتري لكِ كثيرًا من الزهور حتى تُنقذيني؟ هلّا يُمكنكِ شراء فيلّا لي بمساحة ثمان مئة متر مربع عندما آتي إليكِ؟“
”يا جدتي، أنا أفتقِدُكِ ......“
ظلت سارة تتجول لنصف يوم في الضريح قبل أن تغادر، لم يكن لديها وقت للحزن والأسى، فاستمرت في التحري عن الصور التي حصلت عليها.
فمعظم اتصالات أبي بالنساء كانت مع العاملات بالشركة، وبينما أوشكت البدء مع موظفي الشركة، تلقت مكالمة هاتفية.
كانت المكالمة من صامد، ألا وهو الطفل من المنطقة الجبلية التي كان أبي يرعاها، فكان صوته قلقًا بعض الشيء:”يا آنسة سارة، لقد عدت للتو إلى الصين حينها سمعت خبر إصابة السيد رشيد بمرضٍ خطير، هل هو بخير؟
”أشكرك على اهتمامك، لا يزال والدي في المستشفى يتلقى العلاج“.
”حقًا، لماذا يختبر الله شخصًا صالحًا مثل السيد رشيد هكذا؟ في ذلك الوقت، لولا كفالته وإخراجه لنا من الجبل،
لما كان بإمكاننا أن نحظى بالحياة التي نعيشها اليوم؟