رواية إنما للورد عشاق الفصل الخامس عشر 15 بقلم ماهي عاطف


رواية إنما للورد عشاق الفصل الخامس عشر  بقلم ماهي عاطف



أصبحت المعاني غير معبرة واختفت الكلمات، لكنها بحثت عن حديث تعبر به عن شعورها، فلم تجد شيئًا!


شعورها غير قابل للوصف فبداخلها حزن، وجع، جرحًا أصابها ومازال يقطر. 


تتسع الفجوة ولن تنغلق سوى بفتح صفحة جديدة لاستقبال حياتها الزوجية مع شخص كان يعتبر شقيقًا لها! 


فعلت أمس كل المحاولات كي تغفو سريعًا قبل مجيئه من العمل متأخّرًا بعدما أوصلها إلى منزله، مع قليل من الحديث المرح الذي أعاد ابتسامتها، لكن بشكل بسيط .. 


أطلقت شهقة حينما وجدت مديرها في العمل يقبع فوق المقعد أمامها يراقب ملامحها البريئة بتمعن، مما أخجلها بشدة، فتحدثت بتلعثم: حـ حضرتك هنا من بدري؟


حرك رأسه بنفي ثم وثب واقفًا يضع يده في جيب بنطاله ردًا بدعابة: لأ، مش من بدري بس بقالي عشر دقايق منتظر ملف مهم منك وماحبتش أقطع لحظات الشرود والتأمل


طأطأت رأسها أرضًا على استحياء قائلة بخفوت خجل: آسفة بجد بس كنت بفكر في حاجة جت على بالي.


ثم استطردت بعملية وجدية: بالنسبة للملف فأنا بعته لأستاذ بهاء يراجعه وهابعته لحضرتك على طول.


أومأ بعينيه ثم جلس مرةً أخرى، أثار استغرابها، وفاجأها حينما أقبل عليها بتساؤله: أنتِ جاية لوحدك بني سويف ولا معاكِ حد يا ورد؟


تلعثمت محاولةً إخراج نبرة هادئة بعض الشيء: لأ، جاية مع ابن عمي علشان ما ينفعش أقعد لوحدي هنا.


هذه الفتاة تدهشه كل يوم بحديثها التلقائي وخجلها الذي يعطيها لمحة من الجمال، فتابع بمشاكسة: طب، ومش ناوية تعزميني على الغداء في يوم، ولا أنتوا بخلا؟


جحظت عيناها من حديثه الذي جعلها تلعنه في داخلها، فالأمر يزداد سوءًا من وجهة نظرها. حقًا لا تحتمل مطلقًا وقاحته، فأردفت بجدية: لأ، طبعًا يا فندم تنورنا، إيه رأيك في يوم الجمعة؟ يعني نكون اجازة وأعمل الأكل بنفسي.


_"مافيش مشكلة، طالما أنتِ اللي هاتطبخي ياورد يبقى أي وقت يناسبك. "


بعد بضعة ساعات، عادت إلى المنزل مسرعة، فأخبرها "ماجد" بصوت قلق منذ قليل بأنه يريد التحدث معها في أمر هام، وعليها المجيء فورًا.


صعدت نحو غرفته ثم طرقت الباب ففتح، ثم شهقت بفزع حينما أمسك برسغها مردفًا بحماس شديد: ورد، تعالي وشك حلو عليا جدًا النهاردة جالي مشروع من أكبر المشاريع اللي عملتها ولسه هاعملها 


ابتسمت بصفاء معقبة بإشادة: مبروك يا ماجد، أنت تستاهل كل خير 


بادلها الابتسامة قبل أن يجيب بامتنان: ربنا يخليكِ يا ورد، أنتِ كمان جميلة وتستاهلي كل الحلو اللي في الدنيا."


أبعدت يدها عن قبضته بلطف، ثم حمحمت لتنظف حنجرتها قائلةً بنبرةٍ خافتة: كنت حابة أطلب طلب، لو رافض مافيش مشكلة


دون تفكير أسرع بقوله المتلهف: قولي اللي عايزاه طبعًا 


تنفست بعمق ثم تحدثت شارحة له ما حدث في المكتب، وتراقب علامات وجهه التي رسمت الغموض، بينما هو استطرد بقبول عكس ما بداخله: مفيش مشكلة يا ورد، خلي يجي.


شعرت بعدم راحته نحو ما أخبرته به، فقالت بإيجاز: صدقني مكنتش هعمل حاجة زي دي ولا هعزمه أصلًا، بس هو احرجني وماعرفتش أقول إيه، لو سمحت ماتضيقش.


_"أنا مش متضايق خالص وربنا ما يجيب زعل بينا، هو أنا مستغرب، بس تمام خلي يجي لما نشوف آخره إيه."


ثم استكمل بنبرةٍ هادئة: في دكتورة قريبة من هنا، هاخدك بكرة ليها بإذن الله ونتابع معاها، تمام! 


أومأت له بعينيها ثم استأذنت وذهبت كي تُعد العشاء في صمت.


****


بعد مدة من مكوثها داخل حوض الاستحمام، شعرت باكتفائها بهذا القدر ثم وقفت كي تنساب المياه فوق جسدها من شوائب الصابون. التقطت المنشفة لتجفف بها جسدها البض الرطب وأخرى لتجفف بها خصلاتها المبتلة، ثم أخذت فستانها الأزرق الذي يصل لأسفل ركبتها بقليل وبه بعض من الورود البيضاء لترتديه. خرجت بعد ثوانٍ ترمق ذاتها بإعجاب شديد لهيئتها تلك، ثم أمسكت بملمع شفاه ووضعته فوق ثغرها الشهي فأصبحت جميلة للغاية .. 


فعلت هذا تحت مراقبة ذلك الراقد مغمض الجفون بغفوة واهية. تنفس بعمق حينما خرجت وأغلقت الباب خلفها ببطء كي لا يستيقظ. وثب في موضعه بنعاس ثم دلف إلى المرحاض كي يستحم .. 


هبطت الدرج متحركة نحو زوجة عمها التي رمقتها بسعادة حينما أقبلت عليها، لكنها تأوّهت عندما لكزتها بقوة في ذراعها، مصطكةً أسنانها ببعض من أفعالها قائلةً بغيظ: من هنا ورايح ماتقوليش أي حاجة تخص علاقتي بعاصي، مش فاهمة بجد يعني إيه نامي في أوضته علشان تتعودوا على بعض، ما هو كده كده ابن عمي مش غريب عني 


انبعثت من عينيها شرارة من حديثها المعتوه هذا، فقالت بعدوانية: والله هاموت منك، والله هاموت


لتتابع بحنق ويأس من رأسها اليابسة: يا بنتي، افهمي، كنت أقصد بكلامي أنكم تتعودوا على بعض علشان بقيتوا متجوزين، مش علشان ابن عمك وابن خالك. ركزي، أبوس إيدك.


أومأت لها بلا مبالاة فأجابت ببرود: عادي، مش فارقة، كده كده عايشين زي الأخوات.


شهقت "فيروز" ثم ضربت فوق صدرها، مما استمعت إليه، شعرت بفقدان النطق كأنها أُصيبت بالشلل النصفي جراء ما استمعت له.


فاستكملت "فرح" باحتدام وغضب عارم: وبعدين إيه حكاية إن لبسي كله يبقى ألوان ابنك اللي بيحبها ده؟ بذمتك في حد عاقل يحب لون أصفر كناري؟


قهقهت بصخب على حديثها، فهي محقة. لا تعلم هل هو مختل عقليًا أم ماذا كي يختار هذه الألوان العقيمة


توقفت كلاهما عن الحديث حينما أتى "عاصي" بجمود، ولم يلقي التحية ولم يتحدث من الأساس.


جلس يتناول طعامه في صمت، ثم ارتشف العصير ولم ينطق بحرف أيضًا. 


حمحمت والدته موزعةً نظراتها بينه وبين زوجته قبل أن تعقب بنبرةٍ خافتة مليئة بالحماس: عاصي أهل عثمان كلموني وحابين نطلع الغردقة سوا، إيه رأيك؟ 


صوب نظره نحوها بضيق جلي فوق قسماته ثم رد بقوة: ارفضي، أنا مش بحب الحال المايل ده. يعني إيه نطلع مع بعض؟ دي مجرد خطوبة يعني يا حصل نصيب يا لأ. اعقلي يا ماما.


_" وإيه لازمتها ماما بقى؟ "


تجاهل سخريتها ثم وجه حديثه نحو شقيقته التي طأطات رأسها أرضًا من جديد بحزن كأن حديثه لها أمس تبخر ولم يعد له أثر!


زفر بحنق من دلالها وحزنها الدائم من أقل الأشياء فقال بحدة: عنان، فكي وشك ده شوية، مش هانقضيها زعل وقمص على طول


فتنهد بيأس مستكملًا بنبرةٍ خالية من أي شيء: اتفقتي مع عثمان إن النهاردة هانحدد كتب الكتاب؟ 


أومأت له دون النظر في وجهه، ثم أشاح ببصره نحو تلك التي تبتلع لُعابها بصعوبة من الحملقة بها منذ جلوسه.


فأشار لها أن تتبعه نحو سيارته، فشعرت بإرتجافة جسدها عندما وجدته يتحرك من موضعه للخارج. نظرت نحو زوجة عمها بتوجس، فربتت فوق كتفها باطمئنان.


تنفست عدة مراتٍ متتاليةً لتهدئةِ ضرباتِ قلبها التي تقرع كالطبول، سحبت نفسًا عميقًا محاولةً إدخاله عنوةً إلى رئتيها. انتظرت حتى استعادت السيطرة على جسدها، ثم تحركت خلفه .. 


اقتربت من وقفته، ترمقه باستفهام عن تواجدها هُنا، فبتر علامات التساؤل التي وجهتها له بنبرة قوية: فين تليفونك؟


رفعته أمام عينيه فأخذه ثم أخرج آخر من جيب بنطاله وأعطاه لها قائلًا بحدة: ده هايكون تليفونك الجديد، مش عليه غير رقمي أنا وماما وعنان بس، مش عايز اختلاط بحد 


قاطعته بغضب عارم من أفعاله المجهولة لها: يعني إيه؟ لو سمحت هات الموبايل بتاعي. وبعدين اختلاط إيه، هو احنا في مدرسة؟ 


كبح قهقهته بصعوبة ثم هدر بها بعنف واهي : عدي يومك يا فرح، أنا متعصب لوحدي، فتلاشيني أحسن 


رمقته شزرًا، وبلحظةٍ انتشلت هاتفها من يده عنوةً وهرولت نحو الداخل وسط تعجبه، ثم انفجر ضاحكًا على هيئتها وفرارها منه كاللص! 


فتذكر ما أخبره به شخص قبل قليل من زواج "ورد" من ابن عمها، ثم تنهد بوجع وصعد سيارته متجهًا نحو وجهته.


****


اصطحبها إلى الطبيب كي يطمئن على الجنين. شعرت بنغزة في قلبها تكاد تقتلها، ولا تعلم سببها


رمقها بتساؤل من هيئتها الخائفة تلك، لكنه جعلها تطمئن بنظراته الحنونة. 


صعدا سويًا الدرج ثم دلفا إلى غرفة الفحص بصحبة المساعدة الخاصة بالطبيبة.


انتهت من فحصها، وتركت الجهاز ثم نظرت نحوهم نظرة لا تبشر بالخير.


انتهت "ورد" من هندمة ثيابها وجلست بجوار "ماجد" على الأريكة. 


جلسوا ينتظرون حديثها بضربات قلب سريعة، فبعد ثوانٍ طأطأت رأسها أرضًا مردفةً بآسفٍ: مش عارفة أقول إيه، بس الجنين متوفي بقاله أسبوع يا مدام ورد ومحتاجة منك تقومي معايا نعمل اللازم قبل ما يحصل ليكِ حاجة، لقدر الله


تلألأ بؤبؤا عينيها بالعبرات ولمعت هاتفتها بصوت يكاد لا يخرج يغلبه البكاء: إزاي؟ لأ ما تقوليش كده بالله عليكِ.


صر على أسنانه متشدقًا بخفوت حزين، متجاهلًا صياح الأخرى: ياربّ ألهمنا الصبر من عندك 


بعد يوم طويل مليء بالإرهاق، عادوا إلى المنزل بوجه مكفهر، خاصةً هي شاحبة كشحوب الأموات. كانت لا ترغب في وجوده من الأساس، لكن حينما أصبح الأمر واقعًا بالنسبة لها، شعرت بغليان وإصابة قلبها بالحزن لفقدان نجلها. 


جاء بطريقةٍ خاطئة، لكنها كانت توده بشدة. ستمنحه الدلال المفرط الذي كان من المفترض الحصول عليه لولا فقدانها لوالديها الراحلين .. 


استفاقت من شرودها وعقلها اللاواعي لما يحدث معها من افتقادها لكل شيء حلمت به، حتى حياة هانئة لم تحصل عليها!


أغلقت جفونها بوجع عندما استمعت لصياحه الذي لأول وهلة يتحدث به معها: بقالك قد إيه ما كشفتيش؟ ردي عليا 


بنبرةٍ ضعيفة واهية أجابت: من أسبوعين.


جن جنونه ضاربًا المنضدة بيده بقوة، خشيت إلقاء اللوم عليها فبترت ما يفعله بتحشرج حزين: مليش ذنب في قتله والله، أنا بقالي شهر بشتغل ليل نهار مافيش راحة ليا، حتى لما ضهري وجعني ماعرفتش أكشف علشان كنت مشغولة 


لتتابع بانكسار وعينيها امتلأتا بالدموع: مش هاكدب عليك وأقول ليك إني كنت هابقى مبسوطة باللي حصل بس طلعت غلطانة، أنا قلبي مش حاسّة بيه من كتر الوجع، فماتجيش عليا زيهم بالله عليك 


تلاقت أعينهما سريعًا فشرد للحظاتٍ يتأمل حدقتيها، لكن ذهب بشروده إلى أمواج البحر الذي غُدر به قبل الوصول لشاطئه،

 

فأشاح بوجهه بعيدًا عنها باقتضاب معقبًا بنفاذ صبر : 

روحي نامي يا ورد، أنتِ تعبانه. 


أومأت له بألم ثم اتجهت نحو غرفتها بخطواتٍ متأنية في صمت ولم تنبث بكلمة معه، بينما هو نظر نحو طيفها بحزن لهيئتها ولحديثها، شاعرًا بألمٍ مفرط اجتاح كل خلية بجسده، روحه تتمزق، عبراتها أمامه تحولت إلى قطع زجاج تشحذ صدره لكنه مكبل الأيادي لا يعلم ما يفعله سوى التريث.


تنهد ثم اتجه نحو الأريكة وأمسك بهاتفه كي يخبر والده بما حدث اليوم!

الفصل السادس عشر من هنا


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1