رواية نيران نجع الهوى الفصل السادس عشر بقلم هدير دودو
كانت عهد تقف والذهول ينبثق من ملامح وجهها تحت تأثير حديث نعمة الماكر الذي وقع عليها كالصاعقة، تُطالعه بدهشة تنتظر رد فعل منه ينفي ما استمعت إليه، لكنها وجدته يتجاهل وجودها منشغلًا بتلك الفتاة التي دلفت للتو وكأنه يؤكد صِحته.
لم تستطع أن تظل كما هي تطالعه وهو يهتم بغيرها بعدما اندلعت النيران بداخلها تتوهج ملتقطة أنفاسها الغاضبة بصعداء، شاعرة بقلبها يهوى بداخلها لكنها لا تعلم لماذا؟ اقتربت منه واضعة يدها فوق كتفه فالتفت نحوها انتهزت تلك الفرصة، وسألته هامسة بهدوء زائف:
– مين ديه عاد يا عمران؟
ابتسم أمام وجهها المضطرب ليجعلها تطمئن بعدما رأى نظراتها القلقة، مأومأً برأسه هامسًا داخل أذنيها بهدوء:
– اصبري دلوك يا عهد لچل ما أعرف اللي حصُل.
ظلت واقفة بجانبه مثلما أخبرها متشبثة بجلبابه بيد مرتعشة وهُناك غصة قوية سيطرت على قلبها الذي يدق بعنف، شعر بارتجافها بجانبه قطب جبينه بدهشة وربت فوق يدها عدة مرات بهدوء لعله يستطيع ان يطمئنها، يخبرها أنه بجانبها، حصنها المنيع ومصدر أمانها يقف بجانبها مطالبًا منها أن تهدأ فلِمَ تقلق بعد ذلك؟!!
قطع الصمت الذي ساد، ونظرات جميع العائلة المندهشة مسترسلًا حديثه بخشونة جادة:
– ايه اللي حُصل يا نواره عاد؟
لم تجبه بل أسرعت تلقي ذاتها داخل أحضانه دون خجل بطريقة باغتت جميع الحاضرين لكن لم يعقب أي منهم، واعتلت شهقاتها وبدأت دموعها تسيل من جديد، كانت أعين عهد مثبتة عليها ترمقها بضيق وهناك ما يدفعها لجذب تلك الفتاة من خصلات شعرها ودفعها خارج المنزل لتبعدها عن زوجها ملكها هي فقط، بعدما وجدتها تقترب منه متجردة من حيائها، أغمضت عينيها بقوة وحاولت أن تتمالك وتسيطر على ذاتها لتبقى هادئة مثلما طلب منها لكن ازداد تمسكها بجلبابه بتشنج يعكس نيرانها المضطرمة التي اشتعلت بالرغم من عدم علمها لماذا!! لماذا سيطر عليها الغضب عندما وجدت غيرها يقترب منه، حاولت أن تقنع عقلها وقلبها ليخضعا أن ما يحدث ليس سوى أمر طبيعي فهو زوجها…أي أنه ملكها هي فقط.
تحدثت تلك القابعة داخل أحضانه بنبرة باكية خافتة:
– فهيم چوزي مد يدّه عليّا ورماني برة الدار.
لطمت نعمة فوق صدرها صارخة بعنف:
– يا مريّ بجى بت سيد الچبالي حد يمد يدّه عليها، لازمن يتحاسب حساب واعر ولد المركوب ده.
تطلعت نحو عمران، واستردت حديثها متسائلة بحدة:
– وأنت ايه جولك يا كَبير هتهمل حج بِت عمك؟
أجابها نافيًا وهو يتطلع نحوها بعدما ابعدها خارج أحضانه متفحصًا هيئتها الضعيفة ووجها المتورم الباكي:
– لاه يا عمة حديت إيه الماسخ دِه حجها هيرچع جدام الكل اطلعي ارتاحي، بت يا بِدور چهزي أوضة لستك نوراة تريح حالها فيها.
شعرت عهد بهدوء تلك العاصفة المهتاجة بداخلها بعدما اطمأن قلبها وتأكدت من عدم صحة حديث تلك الحية الكاذبة هي فقط ابنة عمه، تذكرتها هي تركت النجع مع زوجها منذُ عدة أعوام لذا لم تنجح في التعرف عليها.
اندلعت نيرانها مرة أخرى بعدما هدأت عندما رأتها تقترب وتلقي ذاتها من جديد داخل حضنه مرة أخرى هامسة بدلال هادئ:
– ربنا يچبر بخاطرك يا عمران كيف ما هترچعلي حجي يا كَبير.
ربت فوق كتفها بهدوء، فلم تستطع أن تبقى صامتة تراها وهي تقترب من زوجها من جديد فصاحت بها تزجرها بعنف:
– وه ايه اللي عتعمليه عاد، اتحشمي كيف تجربي إكده انتي متچوزة وعمران متچوز وأهي مرته جدامك يا خيتيّ.
أنهت حديثها وهي تدفعها بقوة إلى الخلف لتبتعد عنه، فأسرعت فهيمة ترد عليها غاضبة:
– بلاها حديت ماسخ عمران يُبجى اخوها انتي الغريبة عنينا ملكيش صالح بحديتنا، وبعد إكده تتحدتي مع ستك نواره زين دي بت الچبالي.
انزعج من حديث والدته وتقليلها منها، فأسرع يرد عليها باحتدام مستنكرًا بعدم رضا:
– كيف يمّا ملهاش صالح إياك، أني چوزها وعهد مرتي ست ستات النچع كلياته بلاها حديت ماسخ.
ابتسمت بهدوء وعينيها تطالع الجميع بانتصار وكبرياء متمسكة بزوجها الذي يضع كرامتها أولًا فوق كل شيء، ماذا تريد بعد ذلك؟! لم تنكر أنها بدأت تنجذب إليه فهو قد أثبت لها أن قلبها يستحق رجل مثله حقًا ولم تجد رجل في حياتها سواه.
سارت نواره بصحبة بدور إلى أعلى، وتحدثت نعمة بغضب:
– هتعمل ايه مع چوز بت عمك ربنا ياخده.
أجابها متعقلًا بهدوء،وهو يعد ذاته للذهاب:
– هتحدت وياه يا عمة، جولتلك حجها هيرچع.
سار يستكمل طريقه نحو الخارج مسرعًا، انطلقت عهد بخطوات شبه راكضة لتلاحقه متمتمة باسمه بنبرة لاهثة:
– عـمـران… عـمـران.
انتبه لها فأسرع يقترب منها ودفعها بهدوء لداخل المنزل مغمغمًا بجدية:
– ايه يا عهد ادخلي چوة اللول في إيه.
سار بها بهدوء عدة خطوات للداخل وهو يحتضنها لتقترب أكثر تحت أنظار الجميع المعترضين عما يحدث ونظراتهم المعلقة نحوها بغضب وحقد يملأ قلوبهم البغيضة، لم تهتم بكل ذلك سندت رأسها فوق صدره وتمتمت هامسة بدلال ممتلئ بالإثارة تدفعه للاقتراب:
– متتأخرش برة وتعالى بسرعة هبجى جاعدة مستنياك.
لا يعلم كيف منع ذاته مسيطرًا على مشاعره المهتاجة التي تريد أن تنعم بقربها ذلك الاقتراب الذي يشعره أنه ملك الدنيا بأكملها، متكفِي بذلك القدر الكبير الذي يناله معها يتبقى فقط قلبها سيزهد الدنيا وجميع ما حوله عندما يحصل عليه ويجعله متيم به مثلما فعلت بقلبه ملكته والآن تتلاعب على أوتاره بمهارة لتعزف سيمفونية عاشقة، أغمض عينيه يلتقط أنفاسه اللاهثة مستنشقًا عبيرها الرائع المحبب له، وأجابها بهدوء وهو لازال تحت تأثيرها القوي:
– مجدرش اتأخر عليكي يا عهد جلبي.
ابتسمت بسعادة وازداد وجهها اشراقًا وابتعدت عنه بصعوبة لتسمح له بالذهاب، وها قد فعلها تحت أنظارها المعلقة عليه.
تحدثت فهيمة تبدي اعتراضها غاضبة بعدما نجحت في إثارة حنقهم:
– جليلة الحيا والرباية، مخابراش اللي وجعنا الوجعة المربربة ديه، ربنا يبعدها عن ولدي ويبعد شرها عنينا بت الحوامدية حية كيف أمها صُح يا نعمة مكدبتيش ياخيتي
لم تبالِ بحديثهم الذي وصل إلى مسامعها بعدما رأت منه ما يكفيها عالمة أنها انتصرت عليهم عندما جعلته يظهر حبه لها أمامهم ليزداد غضبهم، سارت بهدوء نحو غرفتها دون أن تعير لأحد منهم اهتمام..
تنتظر عودته لتجعله ينسى العالم بأكمله وهو يقبع داخل أحضانها، تعشق نظراته الحنونة لها الذي يغمرها بها، حديثه الشغوف المفعم بالعشق الذي يغزو فؤادها قبل مسامعها لتذهب معه إلى عالم آخر لا يسوده سوى العشق.
❈-❈-❈
في المنزل الخاص بحازم أخو عهد كان يقف أمام إيمان زوجته التي عادت للتو قابضًا فوق ذراعها بقوة، أردف بقسوة وعينين تلتمع بالطمع:
– فين اللفلوس اللي أبوكي هملهالك لما چه.
كانت تتأوه بين يديه متألمة تحاول الابتعاد عنه صارخة بحدة:
– هملني وبعّد يدك عنيّ، اللفلوس ديه ابويّ هملهالي لچل مع اجيب المجويات اللي جالتلي عنيها الدَكتورة لچل ولديّ ما يُبجى زين أنت لو خدتهم هتضيعهم على مزاچك وكيفك.
لم يهتم بحديثها بل ازداد من ضغطه فوق ذراعها ويده الأخرى تقبض فوق خصلات شعرها فاعتلت صرخاتها متألمة وازداد نحيبها لكن ذلك القاسي لم يهتم، عاد حديثه عليها مرة أخرى بعنف:
– هاتي اللفلوس يا إيمان والله مههملك وهجتلك ولدك اللي عتعملي كل دِه عشانه، هاتي اللفلوس مهعيدش حديتي تاني عليكي.
تحاول الضغط على ذاتها لتتحمل الوجع الذي ينتابها متمسكة بحق طفلها بضراوة فهتفت تعارضه بقوة:
– بجولك ايه هملني يا حازم اللفلوس ديه لولديّ بزياداك عاد لحد إكده.
هوى بصفعة قوية فوق وجنتها مصطحبة بصرخة منها يملأها القهر وتحاول دفعه بعيد عنها خوفًا على حياة صغيرها الذي ينمو داخل احشائها، لكنه لم يتحرك لخطوة واحدة بل توالت صفعاته منهال عليها غير عابئ بالدماء التي تسيل من وجههاؤ وهي لازالت تحاول دفعه صائحة من بين صرخاتها:
– هملني حرام عليك بزياداك إكده طلجنيّ وبعّد عنيّ.
لم يهتم ودفعها أرضًا بقوة سقطت بضعف وتعب تضع يدها فوق بطنها بحماية وتبكي بقوة خوفًا على حياة طفلها بعدما شعرت بشئ لزج ساخن بين رجليها، وذلك الوغد لازال تائه في عالمه الحقير اقترب منها بقوة يجذبها من أطراف ثيابها مردفًا بحدة قاسية:
– فين اللفلوس يا إيمان هجتلك ولدك واحسرك عليه اللي مخليكي ترفعي راسك وتشوفي حالك إكده.
وضعت يدها داخل صدرها وأخرجت النقود انتشلهم من يديها بطمع ودفعها بقوة من جديد فارتطم ظهرها بالأرض الصلبة وبتلك اللحظة المشؤومة وجد الدماء تسيل منها بغزارة مع صرخاتها المرتفعة بقهر:
– ربنا ياخدك… ربنا ينتجم منيك ويبعدك عنيّ، الحجوني حد يلحجني ولديّ.
ازدادت صرخاتها وارتفعت وهو يقف يشاهدها بأعين يملأها الذهول والصدمة والخوف الذي ملأ قلبه ليس عليها لكن على ذاته خوفًا من أن يصيبه شيء بسبب فعلته.
تم نقلها إلى الوحدة الصحية المتواجدة بالنجع وانتشر الخبر بين الجميع بعدما تم تداوله مما آتوا بسبب صرخاتها المرتفعة التي ظلت مستمرة إلى أن غابت عن وعيها.
داخل منزل الجبالي..
ولجت صفية غرفة عهد راكضة دون أن تدق فوق الباب تطلعت عهد نحوها مستنكرة وزجرتها بعنف:
– وه يا صفية كيف تدخلي عليّ إكده ميصُحش.
التقطت أنفاسها اللاهثة بنبرة مرتفعة، وأجابتها مسرعة بجدية:
– معلش يا ست عهد بس لازمن تعرفي اللي حصُل.
تطلعت نحوها بجهل متسائلة بعينيها خوفًا من أن يكون الأمر خاص بها فأكملت حديثها تخبرها ما حدث بحزن:
– الست إيمان مرات اخوكيّ في الوحدة دلوك اتعاركت مع اخوكي والعركة واعرة جويّ مد يده عليها والناس بيجولوا حالتها واعرة.
هبت واقفة لاطمة فوق صدرها بقوة صارخة بعدما هوَى قلبها بداخلها خوفًا عليها هي تعتبرها كشقيقتها التي لم تنلها من الحياة، رأت فرحتها الكبيرة بطفلها تخشى أن تفقده فهذا الشئ سيكون كالقشة التي تقسم ظهرها تعلم أنها لن تتحمل فقدانه وكيف سيكون أمر صعب تحمله، انهمرت دموعها فوق وجنتيها بعدما أصاب الحزن قلبها المنهلع خوفًا عليها.
خرجت من دوامة حزنها على يد صفية التي تربت فوق كتفها وتحتضنها محاولة مواساتها بهدوء:
– متجلجيش يا ست عهد والله هتبجى زينة هي وولدها هي محتاچة دعاكي دلوك بزياداكي بُكا عاد.
حاولت أن تستجمع شتات ذاتها حيث نهضت مسرعة تجلب عباءتها السوداء ووشاحها الاسود الكاحل متمتمة بتوتر وهي لازالت تائهة:
– صُح… صُح يا صفية لازمن ابجى چارها دلوك وادعيلها من جلبي تجوم بالسلامة هي وولدها لاحسن جلبها هيتجهر لو جامت من غيره.
سارت نحو الباب مسترسلة حديثها بعَجلة متلعثمة:
– يـ… يلا يلا شهلي يا صفية.
سارت إلى الأسفل تحت نظرات الجميع الذين علموا بالأمر بالطبع فأي خبر يحدث في النجع يعرفونه هُنا أولًا، توجهت نحو الباب الرئيسي المتواجد بالخارج ولكن قبل أن تخطو خطوتها لخارج المنزل وجدت مَن يقبض فوق ذراعها يجذبها إلى الخلف يمنعها باستحكام.
تطلعت متأففة بانزعاج غاضبة وجدت تلك الحية المتلونة هي مَن فعلتها ويقف خلفها جميع أفراد العائلة، أغمضت عينيها بضعف وتمتمت بخفوت:
– بعدي عنيّ دلوك وهمليني لحاليّ.
ازداد تمسكها بها وأجابتها بحدة قاسية:
– أهملك لحالك كيف انتي عتنسي انك مَرت الكبير، عتخرچي من السرايا وچوزك ميعرفش يامريّ ادخلي چوة شوفي چوزك اللول.
تنهدت بضيق عندما تعالت أصوت جميع العائلة تؤيد حديث نعمة لكنها لم تستطع تنفيذه أردفت معترضة بضيق:
– معينفعش إيمان خيتيّ عند الدَكتور لازمن ابجى چارها.
قبل أن تتحدث نعمة سبقتها فهيمة بحدة آمرة:
– نعمة عتتحدت صُح دلوك ادخلي چوة ميصحش وجفتك إهنيه.
علمت أن خروجها الآن لن يحدث لكنها لن تستطيع أن تنتظر دقيقة واحدة التفتت نحو أكرم الذي كان يقف مع حشد من الرجال الخاصة بعمران والعائلة وتحدثت بجدية:
– روح مع صفية الوحدة عشان لو حصُل حاچة هناك.
تطلعت نحو صفية برجاء مسترسلة حديثها الضعيف:
– صفية الله يخليكي لو حُصل حاچة تبلغيني بيها وأني مش هتأخر هاچي على طول.
همهمت تؤيد حديثها وتطمئنها ثم سارت بصحبة أكرم الذي كان يشعر بالقلق عليها لا يعلم حقيقة مشاعره إلى الآن، ولمَ سبب ذاك القلق الذي سيطر عليه منذُ أن علمَ كما لو أنها تعنيه وبقوة، ضربات قلبه تتسارع بخوف يدعي ربه أن تبقى بخير متوعد لذلك الوغد الحقير زوجها الذي فعل بها كل ذلك دون رحمة، يريد أن يثأر لها يخبرها أن حقها لن يذهب في مهب الرياح بل هو سيجلبه لها..
أغمض عينيه بقوة يحاول السيطرة على ذاته حتى لا ينكشف أمره عالمًا أن مشاعره نحوها ليست سوى أمر خاطئ اذا انكشف سيُعاقب عليه، هو لديه مشاعر نحو فتاة متزوجة كيف ذلك ومَن سيتقبل تلك المشاعر..
توجه داخل الوحدة الصحية وجد زوجها يقف ببرود بعيد عنها رمقه بضيق وعقله يدفعه للتشاجر معه انتقامًا لها لا يعلم كيف منع ذاته من قتله المستحق، وقف ينتظر خروج الطبيب من غرفتها بقلق مسيطرًا على جميع خلاياه بعدما علم بمدى صعوبة حالتها..
كانت عهد تقف داخل المنزل بقلق تطالعهم بغضب عالمة أنهم يفعلون ذلك لإثارة حنقها قررت أن تتواصل معه طالبة منه المجئ أو اذن بذهابها لكن قبل أن تفعلها وجدته أمامها أسرعت تتقدم نحو أمانها الدائم تلقي ذاتها داخل أحضانه هامسة بنبرة باكية:
– إيمان مرت أخويّ في الوحدة وحالتها واعرة رايدة أروحلها جلبي هيجف.
شدد من احتضانه عليها مسترسلًا حديثه بحنان بعدما طبع قبلة شغوفة أعلى جبهتها:
– أني رچعت عشان إكده أول ما چالي خبر يلا.
سار بها بهدوء يحاول تهدئتها طوال الطريق لا يريد أن يرى دموعها وذلك الحزن المتواجد على قسمات وجهها..
تطلعت نواره تتابع اختفاءه من أمامها بأعين ملتمعة بالمكر بعدما رأت لهفته عليها عقبت بتهكم وغيظ:
– وه ده ولد عمي شكله عيحبها بچد سحراله بِت الحوامدية كيف ما جولتي يا عمة.
مصمصمت شفتيها باستهزاء ساخرة:
– عيحبها بس ده عاشجها، عيعمل للرخيص سعر بس نجول ايه جولنا كتير جبل إكده وعِملنا أكتر.
لا تعلم لمَ نشبت الغيرة داخل قلبها تقارن حبه لها بحب زوجها المسموم الذي لا تريده، تلك الفتاة تنعم بحب زوجها العاشق لها وهي نواره الجبالي لم تحظَ به، أيعقل؟!! كانت غيرتها مسمومة يملأها الحقد الذي يملأ قلبها، لا تعلم إلى الآن ماذا ستفعل لكنها لن تهدأ ونيرانها لن تخمد بسلام.
❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈-❈
وصلت عهد الوحدة الصحية بصحبة زوجها متمسكة به تستمد منه قوتها، لكن قلبها يرتجف بداخلها خوفًا عليها، تطلعت نحو صفية بلهفة فآتت مهرولة نحوها سألتها سريعًا بقلق:
– طمني جلبي يا صفية الدَكتور جال ايه بجت زينة هي وولدها.
تطلعت أرضًا بخجل وأجابتها بتوتر:
– الدَكتور لساته چوة عنديها لحد دلوك.
أومأت برأسها أمامًا وازداد نحيبها من جديد تحت لمسات عمران الحانية وهو يحاول معها أن تهدأ إلى أن نجح قليلًا.
اقتربت من أخيها المتخذ جانبًا بعيد كما لو مَن بالداخل ليست زوجته ليست تعنيه، وقفت أمامه ترمقه بازدراء محتقرة بملامح وجه ممتعضة تزجره بعنف:
– كيف جدرت تعمل إكده في مرتك، چاك جلب تعمل فيها إكده، يا جسوة جلبك وچبروتك، والله ما تستاهلها.
كان يستمع إلى حديثها بلا مبالاه دون أن يهتز ملامح وجهه بقيت جامدة كما هو، فتمسكت بثيابه تجذبه منها بعنف صائحة بغضب:
– والله أنك مش راچل ولا تعرف اللرچولة هي غلطتها الوحيدة إنها وافجت تتچوزك.
اهتاج عقله بغضب فدفعها لتبتعد عنه قابضًا فوق ذراعها بقوة وهدر بها باحتدام:
– اتجنيتي عاد بلاها حديتك الماسخ ده أني أخوكي الكـ…
قبل أن يستكمل حديثه المتبجح وجد عمران يدفعه بعنف ليبتعد عنها فارتطم بالحائط بقوة أثر دفعته وعينيه مثبتة نحوه بغضب ناري، لم يتكفِ أسرع قابضًا فوق عنقه بقوة يثبته على الحائط وتحدثت بحدة شديدة ضاغطًا فوق أحرف حديثه بتوعد:
– الله في سماه لو يدّك اترفعت على مَرتيّ لأدفنك بيدّي، هي مغلطتش في كلمة واحدة اللي كيفك لازمن ميبجاش راچل.
شعر بالخوف من تهديده وعلمه بقدرته الواسعة في تنفيذه اهتز أسفل يده يحاول أن يبرر ما فعله بتلعثم:
– أ..أني مجصديش أعمل إكده بس عهد هتغلط في أخوها الكبير جدام الخلج كُمان وميصُحش.
تركه بعنف ولازالت نظراته مثبتة عليه ليصحح له حديثه باحتدام:
– ستك عهد.. وبعدين مرتيّ مغلطتش مرتي عتجول الحجيجة كنك مخابرش أنك كيف الولايا اللي يمد يدّه على حرمته وهي معملتش حاچة عِفشة يبقى حرمة زييها وحسابك معايّ واعر جوي صدجني.
دفعه بعنف فارتطمت رأسه بالحائط لكنه لم يهتم به بل وضع يده فوق خصرها يسحبها معه بحنان لتبقى بجانبه تستند برأسها فوق صدره مستمعة لضربات قلبه المغرم بهواها، تحاول أن تهدأ وتخبر ذاتها أنه بجانبها فلمَ القلق سيصبح كل شيء بخير مثلما يخبرها.
لم يمر كثيرًا وخرج الطبيب من الغرفة بوجه حزين اقتربت منه بصحبة عمران الذي سأله بجدية:
– طمنا يا دَكتور الست إيمان حالتها عاملة ايه؟
تنهد بحزن متطلعًا أرضًا وأجابه بأسى:
– الحمدلله هي دلوك زينة بس هي فجدت طفلها والرحم كان حاصله تضررات عشان العنف اللي حُصلها فاضطرينا نشيله مكنش جدامنا حل غير إكده.
صدمة حلت على الجميع، لطمت عهد فوق صدرها صارخة بقهر بعدما علمت أنها فقدت طفلها مصطحبًا معه امومتها الأبدية ازداد بكاءها المقهور بصوت مرتفع متطلعة نحو أخوها:
– منك لله ربنا ينتجم منيك وياخدك، ليه عملت فيها إكده ياخويّ عملتلك ايه لچل ما تكسر جلبها كسر ميداويش.
لم يهتم بكل ذلك أقترب من الطبيب ليتأكد مما فهمه:
– يعني مرتي إكده بجت أرض بور ومهتخلفش واصل صُح حتى اللي كَت حبلة فيه راح.
طالعه الطبيب مندهشًا من ذلك الجمود الذي يتحدث به لكن ما عليه سوى أن يجيبه مؤكدًا حديثه بحزن:
– أيوه للأسف هي مهتجدرش تخلف.
تطلع نحو شقيقته الباكية محتقرة حديثه لكنه استرسله بقسوة ساخرًا:
– اهي بجت أرض بور ملازمنيش في حاچة خليهالك اجعدي وياها، أني إكده بجى من حجي اتچوز تاني بس مهجدرش على مصاريف التنين جوليلها أني مبجتش رايدها وهطلجها.
طالعته بدهشة مستنكرة حديث ذلك الوَغد الدنيء المتجرد من المشاعر وصاحت به بامتهان:
– كنك اتچنيت مانت اللي عِملت فيها إكده يا وِلد المركوب، هي من حظها الحلو أنك هتهملها ياواكل ناسك غور من إهنيه مرايداش أشوف خلجتك العِكرة.
سار من أمامها ببرود دون أن يطمئن على زوجته، عادت هي بجانب عمران تبكي من جديد لا تعلم من أين حصل ذلك المتبجح على شجاعة للتفوه بحديثه الحقير، هو مَن فعل بها ذلك، لا تعلم كيف ستخبرها كل ذلك، هي ستقف أمامها تنهار في البكاء لم تستطع التحدث، أيعقل أن تخبرها بهدم أحلامها واستحالتها أيضًا لن تستطيع فعلها تدعي ربها أن يخفف عنها ذلك البلاء الذي سقط عليها كالصاعقة..
كان أكرم يرمقه بازدراء شاعرًا بقبضة قوية تعتصر قلبه حزنًا عليها، كان يريد أن يمنع الحزن عنها لكنه كُتب عليها يتمنى لو أن لديه القدرة ليبقى بجانبها يسعدها في حياتها التي مرت عليها بصعوبة يعلم أنها عانت كثيرًا لكنه يريد أن يمحي كل ذلك ليرسم معها السعادة والمشاعر الحقيقية الصادقة..
بعد مرور ساعات قليلة استعادت تلك المسكينة وعيها لم تكن تعلم ما كتبه عليها القدر القاسي، تفتح عينيها ببطء وعهد تقف جنبها بأعين أنهكها البكاء، تقف لا تعلم كيف ستواسيها ولكن أي حديث ينفع في ذلك الموقف الوخيم، تطلعت نحو عهد ورأت حالتها التي لم توحي بالخير فوضعت يدها مسرعة فوق بطنها وها قد أصابها الجنون بعدما علمت سبب بكاءها لكن ما علمته ليس سوى نصف الحقيقة النصف الآخر أصعب كثيرًا، اعتلت صرخاتها الهيسترية بانهيار متناسية ذاك الوجع المنتشر بأنحاء جسدها المنهك، اقتربت عهد تحتضنها تحاول أن تجعلها تهدأ متحدثة بضعف من بين شهقاتها الباكية:
– ربنا هيعوضك والله ياخيتيّ ويبعد الحزن عنيكي.
لم تهتم باستماع أي حديث في تلك الوهلة كانت تبكي وتصرخ بقهر اقتربت منها أحد الممرضات وقامت بحقنها بمهدئ فبدأت تهزي بضعف خافت بعدما خارت قوتها وأعصابها:
– ابـنـي… ابـنـي.
جاءت عائلتها ليبقوا بجانبها وهي لازالت لم تتعافَ بعد وأيضًا لم تعلم بخسارتها لأمومتها الأبدية، الجميع يخفي عنها ذلك الخبر إلى أن تسترد صحتها بالكامل بعدما أمر الطبيب بذلك..
كانت عهد تتردد عليها يوميًا ولجت الغرفة بقلق تطالع تلك الضعيفة بعدما أنهكها الحزن بالرغم من علمها لنصف الحقيقة فقط، اقتربت منها تحتضنها تحاول أن تخفف عنها بهدوء:
– شدي حيلك يا إيمان ربنا هيعوضك ويفرح جلبك وبالك.
طبعت قبلة رقيقة فوق جبهتها همست إيمان بخفوت:
– ربنا ينتجم منيه أخوكي كسرني يا عهد جطم وسطيّ بموت ولدي منه لله خسيس ولا يسوَى.
شددت من احتضانها عليها وأيدت حديثها بحزن:
– ربنا هيرچعلك حجك ويجهره والله وجولي عهد خيتك جالت المهم متزعليش حالك لچل ما تتعافي وتخرچي من إهنيه.
اومأت برأسها أمامًا وهمهمت تجيبها بخفوت، فولجت والدتها تتحدث مع عهد بحدة غاضبة:
– بزياداكي إكده أنتي وأخوكي أني ساكتة لحد دلوك لچل سي عمران بس بجولك بعدي عن بتيّ بزياداكم رايدين تجهروها.
تطلعت عهد نحوها لم تنزعج منها عالمة أنه ليس إلا رد فعل طبيعي لأي أم في مكانها، حاولت أن تشرح لها موقفها بتوتر:
– حجك تجولي أكتر من إكده بس أني والله يا ست رانيا ما رايدة غير سلامتها وسلامة جلبها من الحزن.
لوت شفتيها ساخرة وزجرتها بعنف متهكمة:
– لاه ماهو باين السلامة اللي چاتها من وراكم هملي بتي لحالها الحزن چاها لما شافت أخوكي الخسيس فهمليها انتي كُمان خلاص يا ست عهد واچبك لبتي وصل وجولتلك أني مهملاكي تچيها لچل أنك مَرت كبيرنا.
لم تقوى أن تعترض على حديثها متفهمة حالتها فتمتمت بهدوء:
– حاضر ياست رانيا هتطمن عليها بس جلبي واكلني عليها والله إيمان زي خيتي وهي خابرة إكده والله.
أشارت لها نحو الباب لتذهب فشعرت بالإحراج أخفضت رأسها أرضًا بخجل، تحدثت إيمان تمنع والدتها بوهن خافت:
– ميصُحش إكده يمّا عهد معتعملش حاچة وبتحبني بچد.
ابتسمت عهد بهدوء أمامها واحتضنتها بحنان هامسة:
– المهم أني اتطمنت عليكي هبجى أچيكي تاني.
سارت بحزن على حالتها لكنها لم تريد أن تزعج والدتها شاعرة بنيرانها وحزنها على ابنتها بعد أفعال شقيقها المخزية..
وصلت المنزل بخطوات متهالكة وعقلها منشغل في أمر تلك المسكينة، لكنها تفاجأت بعمران يجلس مع ابنة عمه يتحدثان بوجه مبتسم وضحكته متسعة وقفت تطالعه بنظرات غاضبة تملأها الغيرة ولم تتحرك من مكانها بقيت مكانها تطالعهما بغضب ناري.
لاحظت نواره وجودها فابتسمت بمكر واقتربت واضعة يدها متمسكة بيد عمران هامسة بدلال:
– عمتيّ نعمة جالتلي إنك مهتسيبش حجي.
اومأ يؤيد حديثها باتزان وتعقل:
– أيوه طبعًا يا نواره أنت كيف خيتيّ، أني شيعتله حد لچوزك يبلغه إنه ياچي أني رايده بس ملاجاهوش هشيعله الصبح تاني.
اتسعت ابتسامتها لتثير حنق تلك الواقفة تراقب ما يحدث بوجه محتقن غاضب وأردفت بدلال زائد:
– ربنا يخليك ليا يا عمران بس أني رايدة اطلج مهكملش مع فهيم تاني بعد ما مد يده عليّ.
طالت نظراته عليها بتفكير وليأتي رده الهادئ:
– حاضر يا نواره بس اتحدت وياه اللول.
قبل أن تتحدث لترد عليه اقتربت عهد منهما وقفت في المنتصف واضعة رأسها فوق صدر زوجها تستمع لنبضات قلبه الذي تردى صريعًا لهواها همست بدلال لترد على تلك الحمقاء التي أشعلت غيرتها واقتربت من زوجها:
– معلش يا عمران اتأخرت بس فضلت اتحدت ويا إيمان واخفف عنيها.
نفخت نواره بضيق وسارت تبتعد عنه عندما وجدته يبادلها احتضانها بشغف قوي مستنشق رائحة عبيرها الخلابة وأجابها بهدوء:
– هروح ابص عالمحصول الچديد وراچع اسبجيني على فوج انتيّ.
همهمت تجيبه بدلال وقبل أن تبتعد وجدته يجذبها من جديد واضعًا يده حول خصرها هامسًا داخل اذنيها بغرام:
– اتوحشتك جوي.
ابتسمت بسعادة شاعرة بمشاعر جديدة تنتابها عندما اقترب، هناك رعشة قوية تسير في كامل جسدها تفقدها سيطرتها على ذاتها تحاول الإبتعاد بخجل لكن هناك ما يجذبها نحوه يدفعها للإقتراب، لا تعلم متى رفع يده عن خصرها ويقف مبتسمًا وهو يرى تأثيره الشديد عليها، حاولت أن تخفي كل ذلك وسارت راكضة هاربة من نظراته وعينيه التي تطالعها باستمتاع.
صعدت نحو غرفتها مسرعة وأغلقت الباب واقفة خلفه واضعة يدها فوق قلبها الذي يدق بعنف، أغمضت عينيها بقوة شاعرة باهتياج مشاعرها لكنها إلى الآن لا تعلم السبب، كانت دومًا تتهرب من معرفته لكنها الآن تفكر به، ما سبب تلك المشاعر التي تصيبها عندما يقترب؟! لمَ قلبها يدق بعنف في حضرته عندما تراه! لماذا شعرت بتلك الغصة التي انتابت قلبها عندما وجدت تلك الفتاة تقترب منه، هناك العديد من المشاعر المتواجدة داخل قلبها الذي يدق وكأنه يذكرها بوجوده، يذكرها أنه ينبض بنبضات خاصة به..
كل شيء بداخلها يؤكد تلك الفكرة التي تحاول تنكرها وتتهرب منها، لكن من الواضح أنه حان الوقت للإعتراف، أيعقل!!؟ لمَ لا هو يعشقها وهي واثقة من ذلك، رأت غرامه بها عدة مرات سواء في أفعاله أو حديثه، هو رجل يمتلك جميع الصفات التي تحتاجها كل امرأة في زوجها، توجهت نحو المرآه تطالع انعاكس صورتها بداخلها، ترى ذلك الوميض الذي يصيب عينيها عندما تفكر به، تراه وكأن لم يوجد سواه في الدنيا بأكملها..
ازدادت نبضات قلبها وتسارعت أكثر كأنه يذكرها بوجوده وبمشاعره نحوها فلم تستطع الفرار كل شيء بداخلها يعطي إجابة لسؤالها فلمَ الهروب؟! خارت قوتها وأنهارت أسوارها المنيعة الأبية، لم تجد أمامها سوى الخضوع لقلبها ومشاعرها بعدما اتفق معها عقلها أيضًا، حركت رأسها مؤكدة ما بداخلها وهمست بنبرة خافتة وكأنها تثبت لذاتها أن ذلك نابع من داخلها بعد تفكير عميق فلا تردد فيه بعد ذلك:
– بـحـبـه… أيوه بـحـبـه أني كُمان.
أغمضت عينيها بقوة شاعرة بشيء قوي يسيطر على قلبها الذي كان ينتظر تلك الفرصة الذهبية بعدما اصطحبه الحزن والألم لفترة طويلة وها الآن تحرر من كل ذلك بعدما سيعيش في عشق مغرم صادق تلك المرة..
ولجت للمرحاض لتعد ذاتها مثلما اعتادت دومًا عندما تنتظر عودته، وقع اختيارها على قميص طويل من اللون الأحمر يبرز مفاتنها عالمة بمدى تأثير ذلك اللون على بشرتها البيضاء لتقف ترى ذاتها مبتسمة برضا تام وهي ترى ذاتها فاتنة حد الموت ستسلبه أنفاسه ليس قلبه فقط، ستقيم احتفالًا بعشقها الذي حُفر اليوم داخل قلبها وتعالت دقاته بين نبضاتها، ستجعل ليلتها اليوم لا تنسى ستظل ليلة مميزة محفورة بداخلهما، استمعت إلى صوته في الخارج لا تعلم منذُ متى عاد لكنها ابتسمت بسعادة تاركة شعرها الأسود المبلل الذي ازداد سواده الحالك بالمياة منسدل خلف ظهرها.
قبل أن تخرج لتقابله استمعت إلى صوته بعدما تعالت دقات باب المرحاض:
– عـهـد اخرچي.
تعجبت من نبرة صوته الباردة الجامدة من الممكن أن يكون انزعج في العمل لكنها ستمحي كل ذلك بلمساتها المميزة والمحببة إليه، همهمت تجيبه بدلال زائد ملقية نظراتها لذاتها بإعجاب صارخ:
– حاضر چاية يا نِن عين عهد من چوه.
تعجب من حديثها ودلالها الزائد وجلس فوق المقعد ينتظر قدومها وبداخله جمرات مشتعلة مسيطرة عليه قاضبًا فوق يده بقوة ملتقطًا أنفاسه النارية بصعداء شاعرًا بنيران قوية متصاعدة بداخله ينتظرها لينفجر..
لم يمر كثيرًا وها هي خرجت الآن بهيئتها الخلابة الساحرة، لكنها شعرت بالدهشة عندما وجدته يطالعها بنظرات جامدة ليست مثلما اعتادت، ذلك الوميض العاشق الذي يظهر دومًا عندما تحضر لم يكن موجود داخل عينيه، لم ترَ سوي الغضب المتشنج الذي يظهر على جسده وداخل عينيه المصوبة نحوها بنظرات نارية غاضبة كانت كافية لقبض قلبها وتسرب الخوف بداخله، فاهتزت ابتسامتها ووقفت تطالعه بصدمة، لكنها التقطت أنفاسها بصعداء حاولت أن تهدئ من ذاتها عالمة أنه غاضب لكن ليس منها فهي لم تفعل شيء يثير غضبه بالطبع حدث شيء في الخارج كما توقعت.
بقيت نظراته مصوبة نحوها لم تهتز ولم يتأثر بها، اقتربت منه بخطوات متعثرة وابتسامة مهزوزة ترتعش مثل قلبها الذي اهتز بداخلها شاعرة بخيبة أمالها وتخطيطها لتلك الليلة لكنها ستحاول ان تصفي عكر مزاجه وتعلم سببه، اقتربت تجلس على ساقيه بدلال تلف ذراعيها حول عنقه وداعبت أنفاسها وجهه كما فعلت أنفاسه بعنقها لكنها كانت حارة تلهبها على عكسها.
باغتها برد فعله عندما وجدته جامد كما هو لم يتأثر ولم يهتز اقترب دافنًا وجهه بعنقها وبدأ يلثمه بقسوة جعلتها تتألم، وقبضة يديه تعتصر خصرها بقوة غارزًا أصابعه بها جعلت ملامح وجهها تمتعض والألم يزداد، كانت تحاول أن تتحمل اقترابه بتلك الطريقة المؤلمة ودموعها تسيل بصمت دون أن تتحدث، لكن قبلاته ازدادت غضبًا عندما بدأ يغرز أسنانه في عنقها بغضب وضغطه يزداد حولها، فتمتمت بنبرة خافتة متحشرجة من بين دموعها التي تنهمر في صمت:
– عـ… عـمـران مجادراش اتحمل أكتر من إكده.
وجدته لم يستجيب لها مستكمل فعلته المؤلمة فاعتلى صوت بكاءها وهي تحاول الإبتعاد عنه إلا أن قبضته كانت محكمة حولها:
– عـمـران بزياداك إكده مجادراش.
ابتعد عنها بوجهه لكن عينيه كانت تفترس ملامح وجهها المتألمة ودموعها المنهمرة بحزن باستمتاع أسد جائع يقترب من فريسته انتقامًا محدد هدفه للإقتصاص منها، يرى بعينين قاتمة غاضبة علاماته البارزة بوضوح فوق عنقها والدماء البسيطة المتواجدة عليه مبتسمًا بانتصار.
اعتلت صرختها عندما رفع يده من عليها كادت تسقط أرضًا لولا أنها تمسكت بجلبابه بقوة مستنكرة حالة غضبه المتوهج، ترى جسده المتشنج وذلك الغضب المتطاير من عينيه وعروقه البارزة لا تعلم ماذا حدث لينقلب حاله معها بتلك الطريقة المباغتة..
كيف يمكن للإنسان أن يتحول في وهلة، فهي رأت معه عشق حقيقي صادق، رأت داخل عينيه غرام وحنان كيف تحول لقسوة وغضب الآن ماذا فعلت لكل ذلك؟!!.