رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و والثالث و الستون
ظافر كما لو كان يتحسس ارتجاف الهواء بينهما ثم تمتم بصوت يحمل بين طياته سخرية خبيثة ممزوجة بالريبة المصطنعة فما حدث كان عرض من إخراجه
كلماته لم تكن مجرد عبارة قالتها بصوت خافت لكنه كالسهم في صميم الكبرياء.
توقفت يد ظافر في الهواء كأن الزمن قد تجمد فيها وعيناه الضيقتان التمعتا بدهشة ممزوجة بالتهديد... وهي يقول بغيظ مكتوم ! كل ما قلته كان ظلال شك... لكن من رد بهذه الحدة هو من يختبئ خلف شعور مذنب!
كان يعلم... بل يشعر بكل ذرة ألم وارتباك تعتريها... لم يكن يحتاج إلى تفسير لكنه أراد سماعه ... أراد أن يسمع الكذب يخرج منها
ولكن بدلا من التبرير صفعته بجملة أخرى.
وإن كنت كما تتخيل فلماذا لا تزال واقفا هنا ارحل
انكمشت المسافة بين الغضب والكبرياء في صدر ظافر
أنت... كيف عرفت! هل... كنت تراقبني
انهار الحاجز بين الدهشة والخذلان وإذا بدموعها تتسلل إلى وجنتيها في صمت هائل فشوشت رؤيتها وشوهت ملامح كبريائها. ينظر إلى
اللا شيء شاردا بنقطة ما في السقف وكأن الألم ارتد إليه.
وخزته مشاعر غريبة لم يعرف لها اسما. لم يرد أن يراها تبكي لم يتحمل أن يرى انكسارها.
كذب... كذب كما يكذب من لا يملك حيلة أمام وجع لا يعرف كيف يتعامل معه.
وهل أحتاج .. الأمر واضح منذ اللحظة الأولى.
كان يعلم أنه يكذب لكنه لم يستطع غير ذلك إذ أراد أن يقطع خيط الحقيقة حتى لا يزيدها جراحا.
أما هي فغرقت في شعور يجلدها من الداخل... الخجل الذنب الحيرة كلها تجمعت في قلبها مثل أمواج بحر هائج فحتى لو لم يكن كارم حتى لو كانت كوثر لكانت شعرت بالخزي ذاته فقد كرهت أن ترى على هذه الصورة.
إنها دوما ما كانت تؤمن لا يجب أن تحمل إلا بدافع الحب لا بدافع الفراغ... أو اللحظة إنها تعلم أن هذا تفكير طفولي في عالم بالغ حيث المشاعر لا تقاس بالنية بل بالفعل لكنها لم تستطع رغم ذلك أن تغير يقينها..
لقد عرفت سيرين الحب وعاش صامتا كجذور شجرة نبتت في زمن وازدهرت رغم كل ما حولها من رماد.
كانا معا كتوأمين
تحملا صقيع الفقد وأعاصير الزمن وشوك الأيام... ولم يفترقا.
تذكرت وهي طفلة صغيرة كيف كان جدها و جدتها بينما الزهايمر يفتك بذاكرتها شيئا فشيئا حتى نسيت أسماء الجميع... حتى اسمها حتى اسمه.
لكنه ظل هناك لم يغادر... لم يتخل عنها كما فعل عقلها بها بل ظل كما لو كان يذكرها أنها ليست وحيدة وأن هناك من يتذكر عنها كل شيء.
تخلى الجد عن عرشه عن شركته عن مقعده في الاجتماعات... عن كل شيء ووهبها عمره المتبقي يرعاها كما ترعى زهرة فقدت بصرها ولكن لا تزال تفوح بعطرها... عشر سنوات كاملة قضاها إلى جوارها إلى أن أغمضت عينيها في السبعين من عمرها وودعته دون أن تتذكر اسمه لكنه ظل يهمس لها به حتى النهاية.
بعد رحيل جدتها ظل جدها يبتسم لكن ابتسامته لم تكن سوى قناع هش يخفي وراءه ألما لا تقدر عليه الجبال.
سألته سيرين ذات مساء تخلى فيه القمر عن سمائه
جدي لماذا بقيت معها كل تلك السنوات دون أن تشكو دون أن تبتعد
فأجابها بصوته الذي صار يشبه حفيف أوراق الخريف
عندما
تقابل شخصا يشبه قوس قزح... تبهت أمامه كل الألوان الأخرى.... عندها فقط تدرك أنك وجدت الحياة في شخص.
ثم وبعد أقل من عام انطفأ هو الآخر كأن روحه كانت معلقة بها فلما رحلت سحبت قلبه معها دون استئذان.
منذ ذلك اليوم آمنت سيرين أن الحب الحقيقي لا يصادفك مرتين وأن هناك رجالا خلقوا ليحبوا امرأة واحدة ويظلوا أوفياء لها حتى في غيابها.. رجلا يحفظها كدعاء في الليل ويرعاها كحلم يخاف عليه من الفجر لكنها لم تكن محظوظة مثل جدتها فالرجل الذي أسكنته قلبها لم يفتح لها بابا
سيئة الحظ سيرين إذ لم يخبرها جدها أبدا ماذا تفعل حين تحب من لا يحبك حين ترى في شخص ما قوس قزح بينما لا يراك هو سوى غيمة عابرة.
تدفقت دموعها في صمت مفجع كما لو أن كل أوجاع الحياة قد قررت أن تزور وجهها دفعة واحدة.
رأى ظافر ذاك الانكسار في عينيها... شعور غامض ضاق له صدره فجأة فاقترب منها وكأن قلبه يحركه لا قدماه بخفة متناهية كما لو كان يزيل عنها شيئا من خطايا العالم ومن ثم سأل وصوته
مزيج من الحنو والذهول
لم تبكين