رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و السابع و الستون 167 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و السابع و الستون



بهذا الوعد الخبيث المسموم الذي تسلل من شفتي دينا كنصل من حرير أصبح أنس على استعداد لأن يلقي بعقله من أعلى الهاوية... أن يغامر بكل ما يملك حتى روحه لأجل امرأة لم تعطه إلا الوهم.
وفي لحظة غابت فيها كل ذرة تعقل دعس أنس على دواسة الوقود كما لو كان يدهس تردده فانطلقت السيارة كرصاصة وجدت أخيرا هدفها وبما أن الطريق أمامه فارغا مستسلما كحقل بلا أسوار فقد حانت اللحظة ولا مجال للتراجع.
وهناك في مقدمة الطريق كانت سيارة سيرين تنساب بهدوء لا تدري أن الموت يتربص بها في المرآة الخلفية ففي المقعد الخلفي كانت سيرين تنظر من النافذة شاردة الذهن بينما السائق يراقب الطريق حتى شعر كلاهما بشيء خاطئ بشيء يخدش في الهواء دون أن يرى.
رمق السائق المرآة وقبل أن يفتح فمه بتنبيه للشاردة كان أنس قد ضغط أكثر والعجلات تصرخ

تحته.
هتف السائق بهلع
انتبهي! تمسكي بشيء!
قالها السائق صارخا وقد أدار عجلة القيادة بانفعال غريزي في محاولة يائسة للفرار من مصير يتسارع لكن السيارة الأخرى كانت كوحش لا يعرف سوى الاصطدام.
وفي لحظة خاطفة...
انفجار. وصوت كالرعد قادم من باطن الأرض إذ اصطدمت سيارة الأجرة بجانب مركبتهم بكل عنف فانقلبت السيارة كجسد فقد توازنه لتتدحرج مرتين ثم استقرت ومن فيها ينزف من كل الجهات.
داخل الحطام كان السائق فاقدا للوعي مغمورا بالدماء كأن الصدمة فصلته عن الزمن... أما سيرين فقد بقيت عالقة في المنتصف بين الحياة والموت في حالة يرثى لها تلتقف أنفاسها بصعوبة... رفعت يمينها المرتجفة وقد شعرت بحرارة لزجة تغمر وجهها وضباب أحمر بدأ يزحف إلى رؤيتها وإذا برأسها ينزف وداخلها ينهار رهبة وقد سيطرت عليها غريزة البقاء.
في تلك اللحظة
كانت ممزقة الوعي تحاول التقاط أنفاسها بين الكسر والرماد ولكنها مدت يدها بوهن نحو باب السيارة تحاول فتحه بأصابع ترتعش كأنها تمسك الوهم وأخيرا فتح الباب قليلا... وزحفت بجسد منهك كفراشة مكسورة الجناح تحاول الخروج من جحر الحريق... لكن وقبل أن تلامس قدماها الأرض ظهر أمامها رجل وجهه مغطى بظل قبعة بيسبول ولحيته أشعث كأرض مهجورة وتعبيرات ملامحه شيء بين البرود والجنون.
رفعت رأسها نحوه وصرخت بضعف ملهوف
النجدة... ساعدني...
اعتقدت أنه مارة سائق منقذ... شيء في غرائزها دفعها للتمسك بآخر بصيص نجاة لكنه لم يتزحزح.. بل بالعكس مد يده... وأغلق الباب عليها بقسوة كأنما يغلق تابوتا.
قال أنس ببرود مروع
أنا لست هنا لإنقاذك.
اتسعت عينا سيرين وبدأ طنين حاد يملأ أذنيها... كأن الحادث لم يكن البداية بل كان فقط المدخل لجحيم آخر.

ثم أضاف بصوت كالصدى في غرفة مغلقة
أنا هنا لأقتلك.
حدقت فيه والذهول يحول ملامحها إلى علامة استفهام حية... ومن ثم تسائلت بضعف
لكني... لا أعرفك... لم!
كانت تحاول أن تفهم... من لماذا متى التقت بهذا الوجه
جلس أنس القرفصاء بجانب النافذة يضع جسده كجدار أمام مخرجها الوحيد ثم قال بنبرة كأنها تخرج من قاع بئر
هل ترغبين أن تعرفي لماذا أريد قتلك
أومأت برأسها بضعف من يريد أن يعرف قبل أن يغادر هذا العالم للأبد.
ابتسم أنس ابتسامة مشوهة ثم نطق بالحقيقة كطعنة
لومي نفسك لاستغلالك دينا.
تجمدت الكلمات في فم سيرين.
دينا
كررت الاسم بصوت خافت كمن يختبره بين أسنانها.
من تكون أنت بالنسبة لها
كان قلبها يدق بعنف لا من الخوف فقط بل من الحاجة إلى الفهم... من الرغبة في أن تموت وهي تعرف لماذا.
فرد أنس ظهره كمن يعلن عن هويته ثم
قال بثقة غريبة
أنا الرجل الذي
 

تحبه... أنا رجلها.
في اللحظة التي نطق فيها أنس بعبارته الأخيرة تذكرت سيرين شيئا كالصفعة
دينا كانت قد أخبرت ظافر منذ أيام أن غريبا قد تسلل إلى منزلها... مجهول مهووس بها وكادت تبكي وهي تروي القصة.
نظرت إليه بحدة ممزوجة بالحذر وسألت بصوت خافت يشوبه الشك
هل أنت... أحد معجبيها
كانت سيرين تعرف جيدا كم يمكن للمعجبين أن يتحولوا إلى وحوش حين يصابوا بلوثة الهوس.
لكن ردة فعل أنس جاءت كأنها انفجار غاضب
معجب! لا... لا تقولي ذلك!
ثم رفع ذقنه وصوته ارتجف بين الكبرياء والجرح
أنا كنت معها قبل أن يعرفها هذا العالم... قبل الشهرة والأضواء... أنا أول رجل اقترب منها... كنت حبيبها ونعم كانت علاقتنا مذهلة في الخارج لقد كنا
نعيش كما لو أن العالم لنا وحدنا.
ارتعشت أعصاب سيرين فإن لم تكن سيرين غريبة على حقيقة أن دينا لم تكن تلك الحمامة البيضاء التي ادعت الطهر والنقاء لكن أن تلتقي وجها لوجه مع أحد أشباح ماضيها... فذلك أمر مختلف تماما.
تمتمت سيرين كأنها تفكر بصوتها لا بكلماتها
لكن... لماذا قالت لظافر إنك مجرد معجب مجنون
ارتفع حاجبا أنس ببطء كمن يسمع صفعة في صالة مغلقة.
ماذا قلت
تجاهلت سيرين نبض رأسها النازف وتشبثت بالخيط الأخير من اتزانها وقالت بصوت مخنوق
ظافر... ظافر سيتزوجها ألا تعلم إنها كانت تقول للجميع إنك شخص مهووس اقتحم منزلها حتى أنها قدمت بلاغا ضدك!
نظر إليها أنس بذهول وكأن العالم قد بدأ ينهار من حوله دون مقدمات
ثم هتف بشيء بين الهذيان والإنكار
أنت تكذبين...! هي قالت لي منذ قليل فقط... أنها ستسافر معي إلى الخليج... لقد أقسمت!
راقبت سيرين ارتجاف يديه وتغير ملامحه كأن دينا نزعت قلبه ثم أعادته إليه ملفوفا بالوحل.
لكن خلف كل ذلك كانت سيرين تخطط
منذ لحظة الاصطدام حين اشتعل الخطر فقد ضغطت بضعف على زر الطوارئ المثبت في سماعة الأذن... إنه جهاز صغير كان كارم قد زودها به دون أن تدري أن حاجتها إليه ستأتي في مشهد بهذا السواد... ضغطت ودعت في سرها أن يكون رامي قد تلقى الإشارة.
تنفست بتهدج وقد فقدت الأمل في النجاة ففي الخارج كان العالم صامتا لذا أيقنت أن عقارب الزمن بدأت تسابق الموت.
أما أنس فكان لا يزال غارقا في الوهم متذبذبا
بين الحقيقة والخيال وقد أصبح دمية في يد امرأة تعبث به من خلف المرآة.
وبصوت ساخر ممزوج بالتهكم والدماء قالت سيرين
أوه يا لك من بائس!
نظرت إليه كما لو كان طفلا فقد لعبته وتابعت
هي تعيش في نعيم تنام على أسرة من ريش الأكاذيب تطارد لقب السيدة نصران كمن يطارد التاج الملكي... وإذا مت أنا ستصبح رسميا زوجته بينما أنت ستكون الرجل الذي طعن امرأة تحت حطام سيارة في طريق مظلم... وستدخل السجن حتى ينسى الزمن اسمك.
شهق أنس كأن أحدهم سحب الهواء من رئتيه.
الصرخة الأخيرة من فمها لم تكن لحماية نفسها فقط بل كانت صفعة تفيقه تجرده من وهمه.
وفي مكان ما كانت صافرة صغيرة تئن في أحد الأجهزة البعيدة.... وخطى قادمة تقترب... وإذا
بالخطر كان على بعد نبضة.
تعليقات