رواية حرب سقطت راءها الفصل السادس عشر بقلم نور زيزو
وصلت " ليان" أمام شركة الجوكر للحراسات الأمنية ونظرت إلى مبني الشركة الزجاجي على شكل هرم الموجود في القرية الذكية ، أمام المبني ممر مياه يزيدها رقي وفخامة، أنبهرت من جمال المكان وأقتربت من المبني فأوقفها الأمن يقول:-
_ نعم ، إنتِ رايحة فين يا بت
دُهشت من طريقة الأمن فى شركته وقالت بسخرية:-
_ بت!!
_ دكتورة ليان
قالها "كريم" من الخلف فأفصح رجل الأمن الطريق بسرعة بعد سماع صوت "كريم" لتمر "ليان" بتهكم وعينيها ترمق الرجل بأزدرداء لكنها عادت خطوتين تنظر إلى شارة اسمه وقالت بتهديد:-
_ أسمك اى؟
فزع الرجل من حفظها لأسمه وأدرك انه وقع فى مشكلة الآن وخصوصًا أن "كريم" نائب المدير جاء ليستقبلها نفسه وهذا يعنى أنها شخصية مهمة لرئيسه، ذهبت مع "كريم" إلى الدرج حتى تصعد للطابق الثاني حيث مكتب "جلال" وعندما وصلت رأته يقف أمام الزجاج ينظر فى الخارج على المارة وينفث دخان سيجارته، ألتف إليها وهو يقول:-
_ متأخرتيش
لم تتمالك أعصابها وذهبت نحوه بخطوات سريعة جدًا ثم ركلت قدمه فجأة بقدمها غاضبة فأندهش من فعلها وقال:-
_ إنتِ مجنونة؟
_ قتلته ليه؟ محدش يعملها غيرك
قالتها بانفعال وغضب يحتلها حتى أحرقت نيران غضبها صدرها وعقلها بالكامل، فهم ما تقصده ويبدو أن جثة "أيمن" ظهرت الآن ليقول بحدة مُتكبرٍ:-
_ عشان أذاكي
أتسعت عينيها على مصراعيها من جراءته وهو يعترف بفعله دون خوف ولم ينكر الأمر، رمقته بذهول تام وقالت بتلعثم:-
_ يعنى قتلته فعلًا؟!!
أقترب خطوة منها يتطلع بعينيها الخضراء الجميلة وعبوس وجهها الحاد ثم قال بجديةٍ صارمةٍ متحجرٍ:-
_ اه
أبتلعت لعابها بخوف من وقوفها أمام مجرم مثله يقتل ولا يبالي بشيء، قتل الروح عنده سهلًا كسهولة شرب كأس ماء، تلعثمت فى الحديث هاتفة:-
_ ليـــــه؟ عملك أي؟
كرر جملته التى يبدو من الصدمة لم تقع على أذنيها وعقلها قائلًا:-
_ عشان أذاكي
ضربته فى صدره بقوة تبعده عنها أكثر بانفعال وجن جنونها من هذا المختل الأخمق وقالت:-
_ إنت مختل، لا أنا متخلف ومين سمح لكَ تأذيه ولا تدخل فى حياتي، مين اللى أداك المساحة دى فى حياتي
مسك ذراعها بقوة من الغضب وعينيه يتطاير منها الشر ونار غضبه التى يكبحها بداخله من جراءتها الزائده معه وقال بتهديد:-
_ مطوليش لسانك أكتر من كدة؟ أنا صابر عليكِ بهوايا مش ضعف ولا عجز منى وإنتِ شوفتي أنا أقدر أعمل أى؟
لم تبالي بتهديده وحدقت بعينيه بتحدٍ وعنادٍ أكثر ثم قالت بغضب سافر يلتهم ضلوعها قائلة:-
_ متهددنيش لاني مبخافش ، أنا لو بخاف مش هتصل بيك ولا هجيلك لحد هنا بعد ما شوفتك بتقتل راجل ....
توقفت عن الحديث عندما شعرت بدوران فى رأسها بسبب الأنفعال وبدون وعي تشبثت بذراعيه بضعف وأغمضت عينيها، تشبث بها بأحكام وهو يعرف بمرضها، سألها بقلق:-
_ إنتِ كويسة؟
أهتز جسدها الضعيف يجُيب على سؤاله بخموله عوضٍ عن لسانها السليط ليفزع عندما رأى الدماء تسيل من أنفها ليحملها على ذراعيه بسرعة البرق من الخوف فأتسعت عيني "ليان" بدهشة من فعله وكادت أن تصرخ به لكنه أنزلها بسرعة على الأريكة وسحب المناديل يضعها على أنفها بقلق، ظلت ترمقه فى صمت مُندهشة من لطفه وقلقه الواضح فى ملامحه وعينيه عليها، تحدث "جلال" بنبرة هادئة على عكس المعتاد منه وقال:-
_ أرفعي رأسك لفوق وأنا هطلب لكِ الدكتور، هجبلك أسطورة الدكاترة لحد عندك
مسكت "ليان" يده بأحكام تمنعه من الذهاب ، نظر إلى يدها الصغيرة الناعمة وهى تعانق يده القوية الباردة بأحكام وهمست له بهدوء:-
_ مفيش داعي، شوية دوخة وهيروحوا
خلعت حقيبتها الصغيرة الموجودة خلف ظهرها وأخرجت منها المسكن الذي أصبح يلازمها كالهواء فأحضر "جلال" كوب من الماء لاجلها لتأخذ علاجها، ظل جوارها يراقبها بهدوء وهى مسترخية مُنتظرة أن يسكن العلاج تعبها ، تنهد بهدوء ونظر فى هاتفه وكتب أسم مرضها فى محرك البحث يبحث عن علاج لها، هذه الفتاة الصغيرة التى أقتحمت حياته كحورية هبطت على أرضه فى ليلة مُعتمة لتقلب حياته رأسٍ على عقب، شعر بشيء خفيف يسقط على كتفه فحرك رأسه بخفة وكانت رأسها الصغيرة تستكين على كتفه وشعرها أخفى وجهها ، رفع يده إلى وجهها يبعد خصلات شعرها عنه ليرى ملامحه، أخذ برطمان الحبوب من يدها وكتب أسمه على الهاتف ليعلم أنه يُسبب النعاس فتنهد بأريحية وزحزح جسده للأسفل قليلًا حتى تستريح رأسها على كتفه بسبب طول قامته، صعد "كريم" يتحدث فى الهاتف قائلًا:-
_ خمسة طيب وهوصل التليفون لجلال بيه......
صُدم عندما وجد "جلال" رئيسه المتعجرف البارد جالسًا والصغيرة تنام على كتفه و"جلال" يُشير به بحدة بان يصمت ولا يسبب لها إزعاج ويقظها، فتحدث بنبرة خافتة:-
_ المعلم ....
قاطعه دون أن يسمع شيء عندما رفع يده فى وجه "كريم" يُحذره من لفظ كلمة واحدة أخرى فأبتلع "كريم" كلماته سريعًا بخوف من رئيسه وألتف ينزل الدرج كما صعد دون أن يتفوه بكلمة، بحث "جلال" عن مرضها أكثر وكان العلاج المقترح هو زراعة النخاع فتنهد بهدوء ونظر إلى وجه "ليان" بإعجاب واضح فى نظرته اللامعة وعينيه التى تتلألأ ببريق ناعمة ودافئ، لا يُدرك سبب تحمله لغلاظتها وجراءتها الوقحة معه لكنه شعر لأول مرة فى حياته بالآمان فى وجودها، هذه الصغيرة حين تأملها فى المرة الأولى وهى تنام بفراشه كانت كملاك صغير زُين غرفته ومنزله فى ليلتها ليعود بذاكرته لتلك الليلة التى أنقذها من "أيمن" وأخذها إلى قصره الصغير
كان يجلس على حافة الفراش ينظر إلى "ليان" وهى نائمة من تأثير المخدر وتتقلب فى السرير بحركة مُفرطة، ألتف ليجلس جوارها يتأمل ملامح وجهها عن قرب ليُصدم عندما ألتفت تجاهه ووضعت رأسها على قدمه ويديها تعانق خصره بدفء فتشنج جسده ببروده فى محله وشعر بتجمده فى أرضه من قربها هكذا، لأول مرة تهزه فتاة رغم كرهه الشديد للنساء وأشمئزازه من وجودهن بقربه، نظر عليه بتوتر ملحوظ وكانت تتعرق جدًا من كمية المخدرات التى تسير فى عروقها لأول مرة فسحب منديل يجفف حُبيبات العرق لتمسك يده وهى تهلوس بخمول:-
_ بتعمل اى؟
نظر إلى عينيها الخضراء التى تفتحها بصعوبة وجلست أمامه خاملة وتهتز بقوة ثم مسك وجنته بسعادة وبسمتها تنير وجهها ليبتلع لعابه بتوتر وقال:-
_ إنتِ عارفة أنا مين؟
ضحكت بعفوية وهى تجلس على قدمه وتقترب منه أكثر وعينيها تفتحهم تارة وتغلقهم تارة وأنفاسها تعلو شيئًا فى شيء، أنتفض جسده من القشعريرة حين جلست على قدميه وأصبحت بهذا القرب وأنفاسها تضرب وجهه فقال:-
_ أنا شوفتك فى فيلم قبل كدة... تؤ تؤ فى مصارعة ... صح
خرجت منه ضحكة خافتة ناردًا ما تظهر على وجهه العبوسي وكادت الصغيرة أن تسقط من فوق قدمه على الأرض بسبب جلوسه على حافة الفراش ليتشبث بخصرها بلطف فوضعت رأسها على صدره ويديها تحيط خصره لتغوص فى نوم عميق وقد هزمها المخدر نهائيًا فظلت بحضنه بين ذراعيه لساعات طويلة نائمة بعد أن سرقت منه النوم وجعلت عقله متجمدًا لساعات طويلة بفضل قُربها منه، أشرقت الشمس وهى ما زال تنم على صدره كطفلته الرضيعة فوقف من مكانه حاملٍ إياها ثم وضعها بالفراش بلطف وتسلل خارج الغرفة بعد أن نجحت ولأول مرة يسرقه أحد النوم فى حياته ....
عاد من ذكرياته لتلك الليلة التى نشبت بها شعور دافئ بداخله تجاهها، تلك الليلة التى هُزم فيها لاول مرة على يد صغيرة بحجم عقلة الأصبع ،ورجال العالم بأكلمه وكل المجرمين بعالمهم المُميت والخطر الذي يحيط حياته يُهزم ويجتاحه هذه الإنتكاسة التى ذاق شعورها على يد فتاة ناعمة، فاق من تلك الليلة على صوت هاتفها يدق لتفتح عينيها بتعب من صوت الهاتف ودُهشت عندما وجدت نفسها نائمة بقربه فأبتعدت بسرعة البرق وهى تفتح حقيبتها تخرج الهاتف وكان والدها يقول:-
_ إنتِ فين يا ليان؟
وقفت من جواره بعيدٍ ويدها تبعد المناديل عن انفها، هاتفة بجدية:-
_ جاية يا بابا؟
_ طيب بسرعة عشان أختك هنا تعبانة فى ناس طلعوا عليها وسقطوها
قالها بجدية لتُدهش "ليان" مما تسمعه وتذكرت حديث "قُدس" صباحًا وأنها أخترت اسمها لطفلتها فقالت بدهشة:-
_ إنت بتقول أى يا بابا؟ سقطوها أزاى؟ ... أقولك أنا جاية على طول
أغلقت الهاتف وألتفت لترى "جلال" يقف من مكانه ويخلع قميصه لتفزع من تصرفه وقالت:-
_ إنت بتعمل أى؟
تحدث بجدية ويده تفك الزر الأخير من القميص قائلًا:-
_ إنتِ مش خوتيني بكلمة دكتورة، أنا عايز أغير على الجرح
أخذت حقيبتها بلا مبالاة وقالت بحدة:-
_ إنت راجل فاضي ، أنا لازم أمشي عشان أختى فى ناس طلعوا عليها وسقطوها
دُهشت عندما أخذ سترته من فوق الأريكة وقال بجدية مُصمم على رأيه:-
_ يبقي تغيرلي على الجرح فى الطريق
لم تصدق جنونه ونزلت الدرج هاربة منه لتُصدم عندما وجدت سيارته تقف أمامها وبداخلها "كريم" فتأففت بضيق واستسلام لعناده وصعدت معه، نزع قميصه في السيارة لتذهل من كم الندبات الموجودة فى صدره وقالت بتلعثم:-
_ أى كل دا؟
_ إنتِ فاكرة حياة المجرمين سهلة
قالها ببرود لترفع نظرها إلى وجهه وكانت ملامحه باردة كأنه أعتاد على هذه الجروح والحياة الخطرة فنظرت على الجرح وكان قد شفي تمامًا لتقول:-
_ أنا الغبية اللى صدقت أن جرح بقاله 3 أسابيع وأكتر هيحتاج غيار وعلاج
نظر إلى وجهها بحزم وهى لا تفهم تصرفات هذا الرجل تجاهها، فقالت بمكر شديد :-
_ إنت معجبة بيا؟
رفع حاجبه بدهشة من سؤالها وقال بسخرية:-
_ هااا والله مفاجأة ، أنا هعجب بيكي إنتِ!! عجبت لك يا زمن، ليان إنت محدش يعجب بيكي بلسانك اللى عايز قصه ورجلك اللى بتضرب أكتر ما بتمشي
تنهدت بأريحية وعقدت ذراعيها أمام صدرها ثم قالت بغرور:-
_ كويس طمنتني، نصيحة مني لك متعجبش بيا عشان حرم تتوجع أنا واحدة مش باقيلى كثير يا حضرة
شعر بغصة فى قلبه من كلمتها الأخيرة ونظر من النافذة فى صمت شديد سائد السيارة بينهم حتى اوصلها إلى منزل "أبو النور" فتحدث قبل ما أن تغادر السيارة بجدية:-
_ تصدق أنا أكتشفت حاجة مهم جدًا
أدار نظره إليها مُنتظر بقية الحديث دون أن يتفوه بكلمة واحدة فقالت:-
_ أنت مناسب جدًا أطلع غضبي فيك، بعد كدة لما أتصل بيك رد عليا عشان أجي أتخانق معاك وأخرج طاقتي السلبية فيك
_ حاضر
قالها بهدوء فدُهش "كريم" من رده ونظر فى مرآة السيارة على رئيسه الذي يوافق على حديثها دون جدال ولأول مرة أحد يأمر رئيسه ويستجيب بشيء غير قطع الرأس، تمتمت بعفوية:-
_ بس متخليش بتوع الأمن بتوعك يقفوا قصادي تاني.. باى
ترجلت من السيارة فسأل بحدة مُخيفة:-
_ مين من الأمن اللى وقفها ؟
تنحنح "كريم" بخوف ثم تحدث مُدافعًا عن موظفهم:-
_ مكنش يعرفها وأتبع الأمر اللى حضرتك حاطتها
هز رأسه بنعم ونظر من النافذة بغرور ثم قال بنبرة قوية ولهجة مُخيفة:-
_ أفصله من الشغل
لم يتسوعب "كريم" تصرف رئيسه لكنه لم يملك الجرأة الكافية للأعتراض وأنطلق بالسيارة بعيدًا .....
_______________________________
كان "الجارحي" جالسًا بفراشه وصغيرته مُنهارة من البكاء وتدفن رأسها فى صدره ولا تصدق أنها فقدت طفليها الصغار على سهو، عضلات بطنها تؤلمه بشدة من قوة الضرب وأحشائها تمزقها وجعًا من خسارة أطفالها فربت على كتفها بدفء وقال بحنان وعينيه تملك غضبٍ بركاني:-
_ أهدئي يا قُدس، ورحمة الغالى لأدفعهم تمن اللى عمله من دمهم
_ أنا مأذتش حد يا جارحي عشان يأذوني ويأذوا ولادي كدة
قالتها بأنهيار وشهقاتها تملأ المكان، تنتفض بوجع وحسرة تمزقها من الداخل تفتك بها فظلم يضمها ويربت عليها حتى بدأ المهدأ مفعوله وغاصت فى نومها، تركها فى الفراش وغادر الشقة وكان "يزيد" يقف أمام الشقة حتى ظهر "الجارحي" وقال:-
_ كلهم فى شقة الحجة مديحة
نزل للأسفل وكان الجميع جالسون فى الصالون وقد جمع "يزيد" ورجاله العائلة بأكملها تحت تهديد السلاح بالقوة، دلف "الجارحي" لتتحدث "مديحة" بغضب سافر قائلة:-
_ إى اللى بتعمله دا يا جارحي إنت أتجننت
رفع مسدسه فى وجوههم جميعٍ مما جعل الجميع يصرخون بذعر فقال بتهديد:-
_ مين اللى عملها؟
سألته "وصيفة" بقلق من غضبه وحالة الذعر التى وضعهم بها قائلة:-
_ هى أي؟
_ مين اللى سقط قُدس؟ مين اللى عقله جابوه يقتل عيال فى بطن أمهم لسه؟
قالها بغضب سافر ورجاله يقفوا مع "يزيد" ويصبوا أسلحتهم على الجميع ليدب الرعب فى قلوبهم جميعًا، سألت "مديحة" بدهشة أحتلتها من حديثه:-
_ هى قُدس كانت حامل؟
_ حامل؟
قالتها "آسيا" بذهول أصابها وجعل الدم يتجمد فى عروقها ولم تصدق أن الصغيرة كانت تحمل فى أحشائها صغار فضحك بسخرية منهم قائلًا:-
_ والله ، كلكم دلوقت أتفاجئتوا أنها حامل ، يبقي أنا اللى بعت ناس يسقطوها
_ مش يمكن قضاء وقدر
قالتها "خديجة" بذهول أصابها هى الأخرى ليصرخ بهما بانفعال جنون جعلهم ينتفضوا من أماكنهم أكثر:-
_ هو أنا بقولكم وقعت من على السلم يا أما، مراتي طلع عليها ناس وضربوها لحد ما سقطوها ودا فعل فاعل، وأنا بقي مش هخرجكم من هنا غير لما أجيب الفاعل وأقتله بأيدي وروح قصاد روح
تحدث "فؤاد" بهدوء شديد وقال:-
_ وإحنا نعرف منين أن مراتك حامل عشان حد فينا يخطط وينفذ يسقطها؟ شوف مين اللى كان يعرف بحملها إذا كان أنا أبوك و أمك نفسنا منعرفش أنها حامل
نظر "الجارحي" تجاه "عماد" الذي يلعب فى هاتفه ولم يُدهش بما سماعه عن حمل "قُدس" أو إجهاضها، أقترب "الجارحي" من أخاه ليراه ينظر إلى حساب "ليان" على الأنستجرام وكأنه أصبح يملك فريسة جديدة ووضع المسدس فى رأسه لتفزع "خديجة" من مكانها وهى تقول:-
_ جارحي، أخوك معملش حاجة
وقف "عماد" بضيق من تصرف أخيه ثم نظر إلى والدته التى فزعت وقال:-
_ أنا وإنت يا جارحي عارفين أن معركتي معاك وقُدس برا دا، مفيش واحد بيأذي اللى بيحبها وأنا لو ناوي على ولادك مش هجازف بحياة حبيبتي وهستن لما يخرجوا من بطنها
ضربه "الجارحي" بكعب مسدسه بقوة من حديثه عن "قُدس" وقال بضيق:-
_ دى مراتي!!
صرخت "خديجة" بذعر وذهبت إلى أولادها تقف بالمنتصف بينهم وقالت:-
_ ملعون قُدس اللى تخليكم تأكلوا فى بعض، أى هتموتوا بعض عشان حتة عيلة لا راحت ولا جت، أسمع يا جارحي أنا مقدرة أنك محروق على مراتك وولادك زى ما بتقول لكن إياك تفكر تقرب من ابني طول ما إنت معندكش دليل أنه عملها ، مش هسمح لك
نظر "الجارحي" إلى أمه بذهول ودافعها عن "عماد" ووضع مسدسه فى بنطلونه وقال بسخرية :-
_ وأنا كمان كنت ابنك لما أضرب عليا نار ولما المحروس رفع ضرب عليا نار يوم صباحيتي قصاد عينيكم كلكم ... بس معلش بما أنه ابنك فمن النهار دا واللحظة دى أنسي أن ليكِ ابن أسمه الجارحي
نظر للجميع بغضب جنوني ثم قال:-
_ أنا مش ظالم، عمرى ما ظلمت حد ولو على الورث على يدك يا عمي هادي إنت وأبويا أنا كنت هرجعلكم كل حاجة بس الغدر والمكر اللى عملتوا ورب الكعبة اللى حطيت أيدي عليها ما هطلوا منى جنيه وحق مراتي وابنى أنا هأخده حتى لو كان من أبويا وأفتكروا أن روح قصاد روح
غادر المكان غاضبًا بعد أن أمر رجاله بسحب كل البطاقات البنكية من الجميع ومفاتيح السيارات وأعلان حربه عليهم، خرج من الشقة ليرى "ليان" أمامه تأتى من الخارج فقالت بضيق:-
_ صحيح اللى بابا قاله، فى حد طلع على مراتك وسقطها
لم يُجيب عليها فتنحنحت بضيق من غلاظته وضغطت على زر المصعد لتصعد إلى والدها ورأت الجميع يخرجوم من الشقة غاضبون من سيطرة "الجارحي" عليهم، نظر "عماد" لها بدهشة وهو يتذكر شجار الصباح ثم قال:-
_ أهلا يا دكتورة
_ سم
قالتها بضيق ودلفت للمصعد فأقترب ليدخل فقالت بتهديد واضح :-
_ لو ركبت هكسرلك رجلك
حدق بعينيها الخضراء التى يتطاير منها الشر والكره لتغلق باب المصعد وهو مذهولًا من تحديها له بكل جراءة ، ووصلت إلى الشقة لترى "ياسمين" تحمل صينية صغيرة عليها بعض الأطباق فسألت بدهشة :-
_ اي دا ؟ إنتِ رايحة فين بالأكل دا؟
قالتها وهى تتذوق بعض الطعام فتحدثت "ياسمين" بعبوس من شراهة ابنتها:-
_ هطلع الأكل لأختك عشان تأكل وتأخد العلاج؟
رفعت "ليان" حاجبها بذهول ونظرت إلى أمها التى تراعي "قُدس" كأنها والدتها هى الأخرى رغم أن "ياسمين" لم ترى "قُدس" حتى الآن فتحدث "فتحى" من الداخل قائلصا:-
_ تعالى يا ياسمين
أعطت "ياسمين" الطعام إلى "ليان" بتعجل وقالت بعفوية:-
_ خدى طلعي الاكل لأختك على ما أشوف أبوكِ
شعرت "ليان" بالضغط من والدتها عليها لتتقرب أكثر من أختها وقد فهمت خطة والديها لتقرب "ليان" من عائلتها وخصيصٍ أختها، ركضت "ياسمين" للداخل تاركة "ليان" فى حيرتها فتأفتت بضيق وصعدت للطابق الأخرى وكان "يزيد" يقف أمام الباب وسمح لها بدخول الشقة وكانت "ليان" مبهورة بجمال الشقة ورقيها، بحثت عن أختها فى الغرف حتى رأتها نائمة فى فراش كبير وجميل جدًا يليق بعفويتها ونعومتها، رأت "قُدس" تحتضن وسادتها وهى تبكي فى صمت على خسارة أطفالها فقالت حدة:-
_ أنا جبتلك الأكل
_ مش جعانة
قالتها "قُدس" بنبرة خافتة وصوت مبحوح يكاد يخرج بصعوبة من حنجرتها للتضع "ليان" الطعام على الطاولة وقالت ببرود شديد:-
_ إنتِ حرة
ألتفت لتغادر الغرفة لكن أستوقفها بكاء "قُدس" التى جهشت بحدة أكثر وألم يمزقها فتأففت "ليان" بغلاظة وقالت مُتمتمة:-
_ هم بيدبسوني
أستدارت إلى أختها وأخذت الطعام إلى الفراش ثم قالت بهدوء تحاول التحكم فى برودها واستفزازها المعتاد:-
_ قومي كُلى؟
لم تُجيب عليها "قُدس" وظلت تبكي لتسحبها "ليان" من ذراعها بقوة وجعلت تجلس ثم قالت بحدة صارمة تحاول مساندة أختها قدر الإمكان دون أن تجرحها فى ندبتها:-
_ كُلى عشان تقدري تقفى على رجلك، العياط والصيام مش هيرجعوا اللى راح
جهشت "قُدس" فى البكاء بأنهيار وفتحت قلبها إلى أختها لتطلق العنان لوجعها فى البوح والخروج إلى اختها:-
_ اللى راح!! إنتِ عارفة أنهم كانوا السبب اللى هفضل بيه مع الجارحي لحد ما يحبني، طيب عارفة أن اللى عمل فيا كدة حد من اهلى؟ الحقائق والواقع كله بيوجع، أنا أهلى قتلوا ولادي قبل ما يخرجوا للنور وجوزى اللى بحبه ممكن يسيبني فى أى لحظة لأن خلاص مبقاش فى حادجة تربطنا بعض ، أنا حياتي دائما مدمرة وأنا دائمًا راضية وبقول الحمد لله وبرضي بقضاء ربنا ، بس أنا تعبت من الوجع وقسوة الحياة معايا
صمتت "ليان" وهى لا تعرف كيف تتحدث مع أختها، حقيقة أن أقرب الناس لها هم من قتلوا أولادها مُرعبة ورغم ذلك صمت "ليان" وعدم فهمهم للكثير من حديث "قُدس" كانوا السبب فى أن تبوح "قُدس" أكثر لأختها عما يؤلمها، بدأت تحكي لها عن حُبها الشديد لـ الجارحي" وكيف تزوجت به بالأكراه و"ليل" صديقتها الوحيدة التى أتهمتها بالسوء بفضل خطيبها وهنا فهمت "ليان" سبب سؤال "الجارحي" عن وجودها فى المهندسين لتقول بدهشة:-
_ يعنى هم شافوني وفكروا أن أنا إنتِ وأتاذيتي
_ بابا قتلتني من الضرب وخاصمني لحد ما إنتِ ظهرتي وأتاكد أن فى حد شبهي ومش أنا اللى كنت هناك
قالتها بحزن يملأا عينيها ودموعها لم تجف من الوجع، تنهدت "ليان" بإشفاق على حال أختها وبدأت "قُدس" تحكي لها عن "عماد" وحُبه المريض بها ومحاولاته الكثيرة فى التخلص من "الجارحي" لتزوجها بعد موت أخيه ، هزت "ليان" رأسها بأستماع واستغلت فرصة البوح من أختها ومدت يدها إلى الطعام تتناول منه القليل وقالت:-
_ كُلى معايا أهو يبقى عيش وملح بين الأخوات
بدأت "قُدس" تتناول القليل بصعوبة لكنها فرحت بقبول أختها لها وكأن القدر يربت على روحها المجروحة بظهور "ليان" معها، تحدث "ليان" أثناء الطعام مُتعمدة لتجعل أختها تأكل أكثر دون وعي:-
_ بس من اللى شوفته تحت أمبارح لما جوزك رفض من غير تفكير التبرع ودلوقت وهو بيهددهم بالسلاح أن فعلا جارحي بيحبك، دا تصرفات واحد بيحب ولو مطلعش بيحبك يبقى بحق ومن كلام فعلا يمكن الحمل كان سبب فى أنه يفضل معاكِ بس سبب له يعلق عليه رغبته بوجودك لأنه متكبر ورافض يعترف بالحب دا ويمكن اللى حصل دا سبب يخليه يتمسك بيكِ أكثر ويعترف بحبه
وقفت اللقمة فى حلق "قُدس" بدهشة وتوقفت دموعها الحارة فى جفنيها لتتلعثم فى الحديث قائلة:-
_ تفتكري بيحبني بجد
هزت "ليان" رأسها بنعم وقالت:-
_ أصلكم عايشين فى بيت واحد هتفرق معاه يطلقك دلوقت ولا بعد ما تولدي فأي ما هو كدة معاه فى عمارة واحدة ، هو بيتلكك عشان تفضلى على ذمته
تبسمت "قُدس" بلطف من حديثها وشعرت أن الأمل دب فى قلبها من البقاء معه، لطالما كان "الجارحي" حلمها الوحيد مُنذ نعومة أظافرها وعشقه يحتلها بحنون، دُهشت "ليان" من بسمة أختها وقالت بجدية:-
_ عجبت لك يا زمن، أي البسمة اللى من الودن للودن دى، إنتِ بتحبيه أوى كدة
_ دا أنا يجرالي حاجة لو بعد عني
قالتها بعفوية كالبلهاء فضحكت "ليان" بسخرية على أختها وما زالت لا تُصدق أن بلهاء مثلها هى توأمها وشخصيتهما لا تتقارب بـ 1% حتى، لا تُصدق الأختلاف بينهما ورغم أن الشبه بينما لا يمكن لأحد التفرق بينه، وقفت "ليان" تبعد الطعام عن السرير وقالت:-
_ أنا هعمل حاجة أشربها أعملك
_ عصير برتقال
قالتها "قُدس" فدلفت "ليان" للمطبخ ، أتكأت "قُدس" على الحائط وخرجت للبهو بصعوبة فى خطواتها وجلست على الأريكة ليُفتح باب الشقة ودلف "الجارحي" فدٌهش من حركة زوجته وقال:-
_ أي اللى قومك من السرير؟
تطلعت "قُدس" فى عينيه بحُب وهى تتذكر حديث أختها فتعجب من نظراتها وقال بقلق:-
_ ما لك؟
_ أنا بحبك يا جارحي
قالتها بعفوية لتخرج منه ضحكة خافتة على كلمتها وهى دائمًا تلفظ بتلك الكلمة فى الحالات الحرجة والمواقف المتوترة، مسح على رأسها بحنان وقال:-
_ أنا هقوم أجبلك حاجة تأكليها
تبسمت بلطف وقالت ببراءة:-
_ أكلت مع ليان، مش هتصدق أنها طيبة خالص وقعدت تكلم معايا كتير وكمان جبلتي الأكل من تحت و...
قاطعها بأندهاش يحتله من قُرب أختها منها بهذه الطريق ليفهم أنها تفعل ذلك من أجل التبرع وقال:-
_ كل دا عشان تتبرعي، قُدس متبقيش غبية
عقدت حاجبيها بغضب من أتهام زوجها السيء لأختها وحديثه الذي مزق فرحتها بقرب أختها منها وقالت بحدة:-
_ جارحي متتكلمش عنها كدة ، المفروض تشكرها أنها وقفت جنبي فى اليوم الصعب دا، ولا دا ميفرقش معاك وطبعًا كل اللى فارق معاك هو ولادك وأنا ولا ليا أى لازم فى حياتي ولا يفرق معاك أنا حاسة بأيه ولا وجعي عامل أزاى
أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة أحتلته من صرامة "قُدس" معه وقال بدهشة:-
_ إنتِ بتقولى أى؟
_ بقول الحقيقة أنا كلي على بعضي مفرقش معاك، أنتِ طول الوقت تقولى هطلقك لما تولدي ودلوقت خلاص مبقاش فيه ولاد
قالتها بغضب سافر فتنهد بهدوء ومسك يدها بُحب وأبتلع لعابه بتوتر ثم قال:-
_ قُدس ممكن نأجل الكلام دا دلوقت، أنا مقدر حالتكِ وزعلكِ بس بعد أذنك ممكن نأجل أى كلام دلوقت
صمتت ولم تعقب على كلماته حتى سمع الإثنين صوت أرتطام شيء بالداخل ففزع "الجارحي" من الصوت وصرخت "قُدس" بقلق قائلة:-
_ ليـــــــــــــــــــــــان
ركض للداخل وهكذا "قُدس" رغم تعبها الجسدي وصُدموا عندما وجدا "ليان" على الأرض فاقدة للوعي ودماء تسيل من أنفها .....
__________________________
فى زواية داخل زقاق كان "عمران" يقف مع السيدتان وقدم لهم ظرف من المال وهو يقول:-
_ تسلم أيدكم
تحدثت واحدة منهم بحماس بعد أن رأت المال:-
_ إحنا تحت أمرك يا باشمهندس، سقوط وخطف تشويه أى حاجة
هز رأسه بنعم ثم قال بتعجرف:-
_ لا كفاية علينا سقوط قُدس، حركة معلمة بجد عجبتني
ضحكت الأخرى وهى تقول بحماس:-
_ لولا أنى كنت أعرف واحدة حامل عشان ترمي الطعم وتسحب الدكتورة والممرضة مكنتش هتطلع بالمعلمة دى ، بس نقول أى القدر رتبهالنا على الأخرى
تحدث "عمران" بكبرياء قائلًا:-
_ تسلم الأيادي والله، تأخدوا الفلوس دى وترجعوا على الصعيد عشان جارحي مش هيرتاح غير لما يجيبكوا ، هو بس هيأخد شوية وقت على ما يدور وراء أهله لأنهم أول فريسة هيدور وراءهم
هزت النساء رأسهم بنعم وغادروا ليخرج "عمران" من الزقاق وركب سيارته يغادر كأنه لم يفعل شيء.....