رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الخامس والثمانون 185 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الخامس والثمانون



كانت الإضاءة الخاڤتة تلقي على ملامحه ظلالا غامضة كأن الضوء نفسه لم يعد واثقا من جدوى الظهور الكامل.
حدقت سيرين في وجهه ذلك الوجه الذي صار لها أكثر من مرآة لكنه في هذه اللحظة بدا غريبا أو ربما مألوفا حد التيه... ولم تجد لسانها طريقا إلى الكلمات.
اقترب منها ظافر وخفض رأسه ليطبع هادئة على جبهتها قبلة تشبه ختم صمت طويل على كتاب لم يغلق لكنها كأنما تدرعت بالحذر... شدت قبضتها على البطانية كمن يتمسك بآخر قطعة من مساحته الخاصة ثم همست بصوت خاڤت يشبه انكسار الندى
أنا متعبة قليلا... لا أريد أن نفعل ذلك الليلة.
تجمد للحظة... لم يكن يتوقع هذا الصد الناعم... لم يجب فقط سحبها إليه واحتضنها يغمر جسدها بصمت كأنه يعانق ما تبقى من

قصة خذلها الزمن ولم يضف حرفا.
استندت برأسها على صدره واختلطت أنفاسها بنبضه تستمع إلى دقات قلبه الدافئة الثابتة كأنها ألحان قديمة لا ټموت.
زاف... نادت باسمه كما ينادى طيف.
نعم أجاب بنبرة خاڤتة متلذذا.
هل تتذكر... المرة الأولى التي عانقنا فيها باغتته بالسؤال كما لو كانت تنكش حفنة من تراب قديم تحت وسادة القلب.
انتفض شيء داخله... نعم... يتذكر... لم تكن تلك الليلة مجرد حضڼ بل لحظة كسر فيها الحاجز بين جسدين وجرحين إذ كانا قد تزوجا للتو وكان والدها قد واراه التراب قبل ساعات. لكنه رغم علمه بمدى تعلقها بأبيها فعندما ألقت بجسدها المثقل بالحزن سل جسده بعيدا عنها بجزع كمن يسحب نفسه من الهاوية.
لكن السؤال أربكه هل كانت تسأله عتابا استشعر
المعنى الخفي وأجاب بجملة واحدة محملة بالاعتراف
ما حدث في الماضي... لن يتكرر أبدا.
كانت هذه طريقته الخاصة في الاعتذار... الرجل الذي نادرا ما يعتذر اختار أن يعترف بذنبه دون أن يضعه في جملة مباشرة لكنها نظرت إليه بعينين مغبشتين بالحيرة.
ذاك الحضن... الذي تتحدث عنه لم يكن ليلة الزواج بل كان قبلها بسنوات حين كانت طالبة هشة تتعرض للتنمر وذات مساء مطير جاء إليها مبللا بالكامل واحتضنها على قارعة الطريق كمن يحاول أن ينتشلها من كآبة العالم.
تمتمت بتلبك وكأنها تبوح لروحها
أظن... أظن أنني بدأت أحبك منذ تلك اللحظة. لقد أحببتك فعلا...
كانت كلماتها ناعمة كنسمة لكنها حادة بما يكفي لقطع الصمت بينهما.
ظن أنها أحبته بعد الزواج. كان مقتنعا بأن
لحظة التقاء الأجساد هي لحظة ولادة الحب وحتى هذا لم يمنحها إياه لكنه الآن يكتشف أنها سبقته بخطوة وأنها أحبته منذ أن كان أحمق يجهل معنى الحب... وقبل أن يغوص في التساؤل أكثر تابعت بصوت شبه خجول
كنت تبدو لي رائعا وقتها... وكنت أقول لنفسي دائما لا أستحقه... لم أعتقد أبدا أنني سأصبح زوجتك.
ابتلع كأن كلامها خنقه... هو الآخر لم يكن يتخيل أن تلك الفتاة النحيلة ذات العشر سنوات التي التقاها أول مرة في فناء قديم بوجه ممتلئ بالفضول ستكبر وتصير المرأة التي يعجز الآن عن فهمها... كانت حينها تضحك ببراءة... وكان يظن أن الطفولة ستبقيها بعيدة عن قلبه لكنه لم يعلم أن الزمن بارع في المكر.
وفجأة قال
يمكننا أن نبدأ من جديد... الآن.
كانت جملته كنافذة
تفتح في غرفة اختنقت بما


فيها من ركام فنظرت إليه بعينين كأنهما تقيسان الصدق ثم سألت
وهل يمكننا فعلا أن نبدأ من جديد
أثناء سفرها في الخارج كانت تراودها الأحلام هو يعتذر هو يتوسلها هو يعدها بمعاملة لا تليق إلا بملكة... كل يوم تستيقظ على وعد ثم لا تجد شيئا... أما الآن فهو أمامها حي يقول ما كانت تنتظره لكنها لم تعد تعرف
هل تصدقه أم تصدق الحلم الذي خذلها كثيرا
وقبل أن ينطق ظافر ارتفع جرس الباب كأنه ضوء مباغت اقتحم عتمة لحظة كان من الممكن أن تتفتح فيها جملة واحدة وتنقلب الدنيا على إثرها إذ جاء موظفو الفندق يحملون العشاء وأجبر الصمت على التنحي قليلا فتبدلت نبرة اللحظة وتغيرت الأحاديث من تلقاء ذاتها بلا تخطيط كما تتبدل اتجاهات الريح في موسم نوة.
تناولا العشاء بهدوء كأن كل لقمة
كانت محاولة لتجنب السؤال المعلق في الهواء ثم جاءت الليلة فناما معا كأن الجسد قرر وحده أن يتكلم حين عجز اللسان.
وبعد أن انطفأت الأضواء كان ظافر كما عادته مؤخرا يحتضنها يشدها إليه كمن يخشى أن تتبخر بين ذراعيه إن أرخى القبضة.
همس باسمها...
سيرين...
لكنها لم تسمع فقد أزالت سماعات الأذن واستسلمت لهدوء النوم وڠرقت في حلم لم يشبه شيئا سوى هروب داخلي
رأت نفسها خفيفة هائمة تسبح فوق ماء راكد لا تدري إلى أين يجرها التيار ولا تعرف إن كان ذاك الماء بحيرة أم غرقا مؤجلا.
استفاقت سيرين والشمس تغازل الستائر البيضاء التي ترقص مع الريح وشعرت كأنها في مشهد سينمائي بلا مخرج... بلا ظافر... فنهضت ببطء وبدلت ملابسها ثم التقطت هاتفها.
كانت هناك رسائل كثيرة من صديقتها
كوثر التي أرسلت تطمئن وتسأل عن اعتذار دينا وهناك رسالة من مساعدتها في الخارج تفيد بأن ترتيبات التعويض بدأت بالفعل.
أغلقت هاتفها كأنها تسد بابا على فوضى العالم الخارجي ثم خرجت.
رأته هناك واقفا كصخرة في وجه الريح تحت شجرة بلوط عظيمة في سترته السوداء التي تحرسه من البرد وفي يده طبقان من الفطور المحلي... فطائر اللحم الشهيرة في مقاطعة سان.
اقترب منها وعلى وجهه ابتسامة لم ترها منذ زمن ابتسامة حقيقية من النوع الذي يسكن عينيه لا شفتيه.
استيقظت قالها برقة نادرة... ومن ثم استكملت وهو يخفض بصره إلى ما في يديه
أحضرت بعض الفطور... ألم تقولي إنك تحبين الطعام هنا
لم يكن يحب هذا النوع من الطعام سابقا... لكنه تذكر... تذكر ذلك من رسائلها القديمة التي نبشها يائسا
حين كان يبحث عنها ذات ليلة بلا جدوى.
في هذه اللحظة كان بإمكان سيرين أن تقول له الكثير عن ۏجعها عن شبح الحب الذي لم يمت رغم كل شيء... لكنها صمتت واكتفت بإيماءة صغيرة
أجل...
عادا إلى الغرفة كأنهما يسيران في حلم غير مألوف بالنسبة إليها وما كادا أن يصلا حتى توقف ظافر فجأة واستدار نحوها بعينين تترقبان شيئا لم يقال.
هل نسيتي شيئا سأل بإبهام.
رفعت رأسها نحوه في حيرة تتسائل عما أصابه
ما الذي يمكن أن تنساه بعد كل هذا
ابتسم ابتسامة غامضة ثم قال
نحن الآن زوجان... كنت تقولين دوما إن الأزواج الحقيقيين يمسكون بأيدي بعضهم ويحتضنون بعضهم ويقبلون بعضهم كل يوم.
قالها كمن يطالب بحق غير قابل للتفاوض...
كمن يستدعي وعدا نسي عمدا في زحام الجراح.
وكانت هي بين يديه بين
ذنب لم يغفر وحب لم يمت.
الفصل المائة والسادس والثمانون من هنا
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1